قانون الإصلاح الزراعي بين المؤيدين والمعارضين
قانون الإصلاح الزراعي بين المؤيدين والمعارضين
حاول القانون تدعيم مكانة فقراء الفلاحين
كان قانون الإصلاح الزراعي المصري من الناحية التاريخية أول خطوة اتخذتها السلطة الجديدة التي أمسكت بزمام الأمور في (23 يوليو سنة 1952= 2 من ذي القعدة 1371هـ) فقد أعلن القانون بعد 45 يوما من قيام تنظيم الضباط الأحرار بطرد الملك فاروق؛ لهذا لم تكن الأهداف الحقيقية لإصدار هذا القانون حتى وقت صدوره واضحة لحركة الضباط الجدد.
وبعد صدور القانون بيومين استقالت وزارة علي ماهر، كما أعلن الكثير من السياسيين والشخصيات القيادية في الأحزاب العلنية الموجودة على الساحة معارضتهم للقانون، بل إن أحدهم تجاوز مرحلة المعارضة إلى التمرد المسلح ضده؛ فقد تصدى "عدلي لملوم" المالك الكبير ومن ورائه عائلته ذات النفوذ في محافظة "المنيا" –جنوب مصر- ومعه مئات من الرجال المسلحين، للسلطة الجديدة، وأعلن أنه لن يترك هذا القانون يمر.
وقد أبدى كثير من المراقبين المختصين دهشتهم للضجة السياسية العالية التي أثارها صدور قانون الإصلاح الزراعي، فلقد رأوا فيه قانونا "ليبراليا" وبشكل خاص توفيقيا، مثله مثل كثير من القوانين التي كانت قد صدرت بالفعل في عديد من البلدان الرأسمالية والبلدان النامية.
ولقد لاحظت الأستاذة البريطانية "دورين واربنر" المتخصصة في الاقتصاد السياسي وبدهشة أن هذا القانون أثار هذه الضجة الكبيرة، بالرغم من أنه لا يمس سوى 10% من الأراضي الزراعية، وبرغم من أنه قد تقرر صرف تعويضات عالية للملاك.
بينما أعلن آخرون أن ذلك القانون جاء متخلفا عن التوقعات والأفكار التي كانت مطروحة على الساحة آنذاك. في حين ذهب البعض إلى القول بأن هذا القانون جاء موافقا "للنمط الأمريكي" في الإصلاحات الزراعية.
المشكلة الزراعية قبل "الإصلاح الزراعي"
برزت المشكلة الزراعية في مصر في بداية العشرينيات من القرن العشرين، وأخذت أبعادًا حادة خلال الثلاثينيات ثم عادت ثانية إلى التحسن الجزئي في أوائل الأربعينيات، إلا أنه نتيجة للفقر المتزايد في الريف، وسوء توزيع الملكية، وتحكم كبار الملاك في الاقتصاد الزراعي المصري وفي الحياة السياسية، انخفض متوسط الملكية بصورة تدريجية حتى تراوح متوسط الملكية في الفترة بين (1317-1371هـ= 1900-1952م) من 1.46 فدان إلى 0.8 من الفدان، وزاد عدد صغار الملاك لنحو 780,00 عام (1328هـ=1910م) ووصل إلى نحو مليونين عام (1317هـ= 1952م) وارتفع عدد من يملكون أكثر من فدان إلى خمسة أفدنة من حوالي 464,000 إلى نحو 624,000.
وفي الوقت الذي كانت الدولة تقوم فيه باستصلاح بعض الأراضي فإن معظمها كان يذهب لكبار الملاك، وقد ساعد ذلك على أن يملك أقل من نصف في المائة من الملاك الزراعيين 35% من الأراضي الزراعية، ووصل عدد المعدمين ممن لا يملكون أرضا ولا يستأجرون أي مساحة نحو مليون ونصف مليون أسرة.
يضاف إلى ذلك أن عملية الائتمان كانت تتحكم فيها البنوك الأجنبية التي اهتمت بتمويل تجارة القطن، وهو ما أدى بصغار الفلاحين إلى أن يعتمدوا اعتمادا كليا على المرابين في الحصول على الائتمان اللازم للزراعة، وقد خلقت هذه الظروف ضغطا على الأراضي الزراعية فارتفعت أسعارها وقيمتها الإيجارية ارتفاعا ملحوظا، وهو ما فضل معه كبار الملاك تأجير أراضيهم إما نقدا أو بالمشاركة، وظهرت بالتالي طبقة من الوسطاء وظيفتهم التلاعب بأسعار الأراضي وإيجاراتها، حتى ارتفعت القيمة الإيجارية عام 1950 إلى نحو خمسة أمثال ما كانت عليه عام 1938.
القانون وتوزيع الملكية
هل أدرك قواد الثورة مغزى القانون؟
كانت الضجة السياسية التي أثارها القانون الأول للإصلاح الزراعي في سبتمبر سنة 1952 أكثر بكثير من آثاره في المجالين الاقتصادي والاجتماعي.
يتكون القانون من 6 أبواب تشمل 40 مادة ، حددت المادة الأولى الحد الأقصى للملكية الزراعية بـ 200 فدان للفرد، وسمحت المادة الرابعة للمالك أن يهب أولاده مائة فدان. وقد سمح القانون للملاك ببيع أراضيهم الزائدة عن الحد الأقصى لمن يريدون، وأعطى لهم الحق في تجنب أراضي الآخرين المبيعة. كما قرر القانون صرف تعويضات للملاك، فلقد قدرت أثمان الأراضي بعشرة أمثال قيمتها الإيجارية، وأضيف إليها الملكيات والتجهيزات الأخرى (الأشجار والآلات …) القائمة على الأرض بقيم عالية. ونظم صرف التعويضات بسحب مستندات على الحكومة تسدد على مدى ثلاثين عاما بفائدة سنوية قدرها 3%.
وقرر القانون توزيع الأراضي الزائدة على صغار الفلاحين بواقع (2 إلى 5 أفدنة) على أن يسددوا ثمن هذه الأراضي على أقساط لمدة ثلاثين عاما وبفائدة 3% سنويا، يضاف إليها 1.5% من الثمن الكلي للأرض؛ وفاء للموجودات التي كانت على الأرض (الأشجار الآلات... إلخ).
وتناول الباب الثاني من القانون تنظيم الجمعيات التعاونية في الأراضي الموزعة. أما الباب الرابع فقد حدد عددا من الإجراءات لمنع تفتيت الأراضي الموزعة، كما حدد ضريبة جديدة للأرض. وتناول الفصل الخامس العلاقة بين الملاك والمستأجرين. أما الفصل السادس والأخير فيتعلق بوضع حد أدنى لأجور عمال الزراعة، وبإعطائهم الحق في تنظيم نقاباتهم الزراعية.
وبلغ مجموع الأراضي التي يطبق عليها قانون سبتمبر سنة 1952 مساحة 653,736 ألف فدان تنتمي إلى 1789 مالكا كبيرا، ولكن الأرض التي طبق عليها القانون في واقع الأمر بلغت 372,305 آلاف فدان، أما البقية وهي حوالي النصف فقد قام الملاك ببيعها بأساليبهم الخاصة حتى أكتوبر سنة 1953 حينما ألغت الحكومة النص الذي كان يتيح للملاك بيعها بأساليبهم.
مزيد من القوانين والتطورات
هذه هي الاتجاهات الرئيسية للقانون الأول للإصلاح الزراعي تطورت وتعمقت بالمزيد من القوانين والتطورات التي حدثت بعد ذلك، ويمكننا أن نحدد أهم هذه التطورات بين 1952 – 1970 فيما يلي:
- القانون رقم 127 لسنة (1380هـ=1961م) الذي أطلق عليه قانون الإصلاح الزراعي الثاني، وأهم ما في هذا القانون هو جعل الحد الأقصى لملكية الفرد 100 فدان، يضاف إليها 50 فدانا لبقية الأسرة (الأولاد) للانتفاع فقط، وتحريم أي مبيعات للأرض من المالك لأبنائه، كما ألغى القانون الاستثناءات السابقة الخاصة بالأراضي قليلة الخصوبة. وتقدر الأراضي التي آلت إلى "الإصلاح الزراعي" نتيجة هذا القانون بـ214,132 ألف فدان.
- القانون رقم 50 لسنة (1389هـ=1969م) الذي أطلق عليه قانون الإصلاح الزراعي الثالث، والذي جعل الحد الأقصى لملكية الفرد 50 فدانا. على أن هذا القانون الأخير لم يجد فرصة للتطبيق في واقع الأمر. وتقول الإحصائيات الرسمية بأنه حتى سنة 1969 تم توزيع 989,184 ألف فدان على الفلاحين منها 775,018 ألف فدان تم الاستيلاء عليها وفقا لقوانين الإصلاح الزراعي، و184,411 ألف فدان كانت تتبع بعض المؤسسات المختلف، أما الباقي وقدره 29,755 ألف فدان كان حصيلة أراضي لطرح لنيل، ووفقا لنفس هذه الإحصائيات الرسمية فقد وزعت تلك الأراضي على 325,670 ألف أسرة.
القانون بين مؤيد ومعارض
جاء برنامج الإصلاح الزراعي ليكون على رأس جدول أعمال نظام يوليو الجديد، حيث لم يمض إلا القليل على وجود السلطة حتى صدر قانون الإصلاح الزراعي الأول في (19 ذي الحجة 1371هـ= 7 سبتمبر 1952)، وذلك بهدف إحداث عملية إعادة توزيع كبرى للثروة والدخل ومواقف النفوذ الاجتماعي في الريف المصري.
وأعلنت قيادات الحركة آنذاك أن الهدف من قانون الإصلاح الزراعي هو توجيه ضربة قوية لطبقة كبار ملاك الأرض وعناصر الأرستقراطية الزراعية التي سيطرت على مراكز السلطة في عصر ما قبل الثورة، وبالتالي تأمين مسار الثورة على الصعيد السياسي.
وكان من بين الإيجابيات التي رأت الحركة والمؤيدون للقانون أنها حققتها الآتي:
* بلغ مجموع الأراضي التي تم نزع ملكيتها في ظل قانون الإصلاح الزراعي ما يربو على نصف مليون فدان، أي ما يقرب من 8.4% من إجمالي المساحة المنزرعة في مصر في ذلك الوقت. وقد جرى توزيع هذه الأراضي وفقا لنظام معين من الأولويات بحيث أعطيت الأولوية عند التوزيع "لمن كان يزرع الأرض فعلا مستأجرا أو مزارعًا، ثم لمن هو أكبر عائلة من أهل القرية، ثم لمن هو أقل مالا منهم، ثم لغير أهل القرية".
كما رأى المؤيدون للقانون أن أهميته لا تقف فقط عند مستوى إعادة توزيع الأراضي الزراعية على صغار الفلاحين، بل لشمولها العديد من الجبهات:
1- جبهة تنظيم العلاقات الإيجارية لتحقيق علاقة إيجارية وحقوق انتفاع مستقرة للفلاح المستأجر في أرضه، وتحديد قواعد ثابتة لتحديد الإيجار النقدي ونظام المشاركة في المحصول، حيث يتم من خلالها إعادة توزيع حقوق الانتفاع بالأرض بين الملاك والمستأجرين.
2- سن بعض التشريعات لحماية "عمال التراحيل" (أفقر الريف المصري) من استغلال مقاولي الأنفار.
3- إلغاء الاقتراض بضمان الأرض وربطه بالمحصول، والتوسع في السلف النقدية والعينية من خلال الجمعيات التعاونية.
المعارضون
"لا يصح ولا يجوز نزع الملكية من الأفراد ما لم تكن هناك حاجة ملحة أو مصلحة كبرى يتفق عليها ولا يُختلف فيها، وهذا ما لم يتحقق في قانون الإصلاح الزراعي".. هذه هي وجهة نظر من خالف القانون، مضيفين أن الإسلام يبيح الملكية المطلقة للأفراد ويوجب بجانب ذلك على الأغنياء حقوقا للفقراء يؤدونها إليهم، وأنه لا يوجد في الشريعة الإسلامية ما يحول بين المرء والتملك، وليس فيها ما يسوغ تسمية الملاك بالمحتكرين مهما اتسعت ثورتهم، وأن العمل على هدم الثروات باعتبارها ضربا من الاحتكار يأباه الإسلام الذي يحترم حق الملكية ويحميها، وأن الشريعة الإسلامية لم تحدد حدا لا يتجاوزه المالك، ولم تلزم أحدا بالنزول عن ملكه مجانا أو بثمن.
وذكر هؤلاء المعارضون أن حجم الملكية الزراعية لا يبقى على حاله بمرور الزمن حيث يضمن نظام الميراث الإسلامي تفتيت هذا الحجم الكبير الذي دفع "ثوار يوليو" لإصدار هذه القوانين التي تحدد حجم الملكية بهدف محاربة الإقطاعيين.إلا أن من عارض القانون لم ينف الاعتراف بوجود ممارسات غير شرعية في أيلولة نسبة غير قليلة من هذه الأرض لمالكيها من الإقطاعيين إلا أنهم طرحوا رفع سقف الملكية إلى 500 فدان للمالك الواحد.
هناك أيضا من رأى في القانون أخطاءً في بعض جوانب عملية الإصلاح الزراعي، ومن ذلك مثلا:
1- أن قوانين الإصلاح الزراعي لم تحل مشكلة المعدمين الزراعيين، الذين بلغت نسبتهم قبل الثورة نحو 44 بالمائة، وفي عام 1965 انخفضت إلى 40 بالمائة، ثم ارتفعت عام 1972 إلى 45 بالمائة، ووصلت في نهاية الثمانينيات إلى 60 بالمائة من جملة سكان الريف.
2- لم ينجح الإصلاح الزراعي في تحسين وتطوير قوى وعلاقات الإنتاج في الريف المصري إلى الحد الذي كان متصورا حين صدرت قوانين الإصلاح الزراعي.
مكتب / محمد جابر عيسى المحامى
تعليقات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق