بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

21 يونيو 2010

مكتب / محمد جابر عيسى المحامى


الطبيعة القانونية لأتفاق التحكيم








الطبيعة القانونية للتحكيم:



تعد مسألة أحكام التحكيم ذات أهمية بالغة ، وتزايد الأهمية العملية لأحكام التحكيم يرجع إلى عاملين ، العامل الأول : الانتشار الكبير والنجاح غير العادي للتحكيم التجاري الدولي ، والعامل الثاني : عامل اقتصادي يتعلق بالوقت والجهد حيث يواجه الأفراد والشركات عبر الدول صعوبات عديدة من تعقد إجراءات التحكيم ، واستئناف أحكام التحكيم الأجنبية بطرق شتى ورفض تنفيذها بالتوسع في أسباب هذا الرفض ، مما أعطي لمسألة التحكيم أهمية متعاظمة .



لذلك لم تكن مثل هذه الأهمية تغيب عن المجتمع الدولي ، فتحرك نحو هذا الاتجاه ، وكان من جهوده المميزة في ذلك اتفاقية نيويورك للاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها عام 1958م ، ولم تلفت تلك الأهمية الشراح القانونين بنفس الدرجة التي لفتت بها المجتمع الدولي ، حيث لم يتناولوا التحكيم إلا في إطار التعريف بالتحكيم كنظام قانوني ، في شكل عموميات ، فلم يستأثر التحكيم بجميع مراحله بمؤلف مستقل إلا في أحوال قليلة .



لذا وجدت أنه من الضروري التعرض بإيجاز مناسب للطبيعة القانونية للتحكيم لأنه إذا كانت إرادة الخصوم ورغبتهم في نظام التحكيم هي التي تحرك النظام القانوني للتحكيم وتوضح معالمه وتحـدد خطواتـه ، إذ أنها هي التي يقع بناء عليها الاتفاق على التحكيم ، وتَّكوين هيئة التحكيم ، وانتخاب أفرادها للفصل في النزاع ، ومن ثم تنفيذ قراراتهم ، إلا أن هذه الإرادة ليست مطلقة ، لأنها مقيدة بنصوص القانون ، فلا بد من وجود نص يجيز هذا التحكيم ويباركه ويسمح به في نطاق الشكل الذي تسمح به الإجراءات بصورة عامه ، بالإضافة إلى أن حكم التحكيم يكون خاضعاً لرقابة القضاء عن طريق الأمر بتنفيذه ، فليس لأحكام التحكيم قوة تنفيذية إلا عن طريق الأمر بتنفيذها من قبل القضاء ، ولأن القاعدة المستقر عليها في نطاق القانون الدولي الخاص ، أن العبرة في تحديد ما إذا كان السند المراد تنفيذه حكماً تحكيمياً أم لا ؟ هو بقانون الدولة التي يطلب فيها التنفيذ ، وإذا كان تحديد معنى الحكم لا يعدو أن يكون إلا مسألة من مسائل التكيف التي تخضع لقانون القاضي كقاعدة عامة ، و من هنا وجدت أهمية بالغة في تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم لما لذلك من نتائج في تحديد طبيعة حكم التحكيم .



وإن كان البعض يرى أن كشف أغوار الطبيعة القانونية للتحكيم أمراً لا ضرورة له ، فلا حاجة لعرض أراء الفقهاء وانعكاساتها القضائية ، وإنما يجب أن نحدد موقفنا في هذه المسألة المبدئية بينما يري البعض الأخر صعوبة النظر إلى نظام التحكيم ككل قبل الوقوف على طبيعته القانونية ، وأنا من جانبي أرى إضافة إلى ما ذكرته سابقاً أهمية تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم ، حيث أن ذلك التحديد ليس من الأمور النظرية التي يبدو فيها الجهد ضائعاً بل أنه يفيد في معرفة المعاملة التي سيلقاها حكم التحكيم عند إرادة تنفيذه سواء في الدولة التي صدر فيها أو في خارجها - فمعرفة الطبيعة القانونية للتحكيم تٌعِين إلى حد كبير في تحديد الوصف القانوني لحكم التحكيم عند إرادة تنفيذه ومثال ذلك تحديد إجراءات البطلان الذي يمكن أن تشوب إجراءات التحكيم وحكم المحكم ، إذ القول بالطبيعة التعاقدية للتحكيم يغري بإعتماد أحكام بطلان التصرفات القانونية المنصوص عليها في القانونين المدنية ، بينما القول بالطبيعة القضائية للتحكيم يغري بإعتماد أحكام البطلان المنصوص عليها في قوانين المرافعات - وكذلك تحديد القوة الملزمة لحكم المحكم ، إذ القول بالطبيعة التعاقدية للتحكيم يؤدي إلى اعتبار حكم المحكم مجرد تطبيق لأحكام عقد التحكيم يلتزم به طرفاه بمجرد صدوره ، بينما القول بالطبيعة القضائية للتحكيم يؤدي إلى اعتبار حكم المحكم حكماً بالمعني الدقيق للأحكام القضائية - كما أن تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم تفيدنا من حيث تحديد القانون الواجب التطبيق في مسألة ما وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بإجراءات التحكيم ، وتتجلى لنا أهمية هذا التحديد خاصة مع تنوع الاتجاهات التي ظهرت في هذا الشأن ، حيث أدى الاختلاف في تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم إلى اختلاف أشكال وتقسيمات التحكيم ، والتي انعكست على موقف القضاء في مختلف الدول ، بل وفى الدولة الواحدة ، ففي فرنسا يوجد تمييز بين التحكيم الخاضع للقانون المدني وذلك الخاضع لقانون الإجراءات ، وفي إيطاليا يوجد تمييز بين التحكيم الخاضع لقانون الإجراءات والذي يطلق علية التحكيم الرسمي وبين التحكيم الخاضع للقانون المدني والذي تكون مهمة المحكم فيه تكملة أو تعديل عقد ما ويسمى بالتحكيم الحر أو غير الرسمي ، وفي إنجلترا يوجد تحكيم يكون فيه الجانب التعاقدي غالباً ويسمي COMMON LAW ARBITRATION وبين تحكيم يعد شكلاً من الأشكال القضائية ويسمي ARBITRATION STATATORY ، كما أن مفهوم التحكيم من الوجهة الدولية ليس واحداً في كل مكان في العالم وخاصة في النظم الانجلوأمريكيه ، واللاتينية ، والاشتراكية مما سيؤثر بلا شك على المعاملة الإجرائية لحكم التحكيم وتنفيذه .

و الظاهر أن اختلاف النظر حول الطبيعة القانونية للتحكيم أوجد اختلافا في القيمة القانونية للتحكيم ، فمثلاً النظام الانجلو أمريكي عند رقابته للتحكيم ينتقص بلا شك من قيمته القانونية ، فالمحاكم تشارك المحكمين عملهم ولا يستطيع المحكمون أن يقرروا في مسائل القانون - كما أن المحكم ليس ملزم بتسبيب حكمه إلا إذا أمرته المحكمة العليا بذلك ، خلافاً للنظام اللاتيني الذي يوجب تسبيب المحكم لحكمه حتى لو كان المحكم مفوضاً بالصلح ، كما أنه لا يتدخل بالرقابة في مسائل القانون والواقع وإنما رقابته إجرائية فقط .



أولاً :الطبيعة التعاقدية للتحكيم.

يقول البعض أن التحكيم ذو طبيعة تعاقدية ، فالتحكيم ليس قضاءً بمعنى الكلمة لأنه عقد رضائي ملزم للجانبين ، لذلك يبدو حكم التحكيم وفق أنصار هذا الرأي عنصر تبعي في عملية التحكيم لأن اتفاق التحكيم يستغرق عملية التحكيم برمتها بحيث يعد مبدأ لتفسير كافة مراحلها حتى صدور قرار من المحكم يلتزم به طرفا النزاع ، فحكم التحكيم وفقاً لهذه الطبيعة التعاقدية للتحكيم مجرد تحديد لمحتوى عقد التحكيم بمعرفة غير المتعاقدين وهم هنا المحكمون رغم أن حكم التحكيم هو الهدف من عملية التحكيم برمتها من حيث كونه يفصل في النزاع .



ويستند أنصار هذا الرأي على عدة حجج أهمها :-



1- أن أساس التحكيم هـو إرادة الأطراف في التصالح ، ولذا فإن أهمية تحديد طبيعته تتركز في رغبة الأفراد في حل نزاعهم بطريق ودي ، ويكون ذلك عن طريق إحلال تقدير شخص ثالث (المحكم) محل تقديرهم وقبولهم لهذا التقدير .



2- أن الأفراد باتفاقهم على التحكيم يتفقون ضمناً على التنازل عن الدعوى ويخولون المحكم سلطه مصدرها إرادتهم ، وهذه السلطة لا يمكن أن تكون سلطة قضائية إذ أنها تقوم على إرادة ذوي الشأن ، لأنه إذا كانت طبيعة الرابطة القانونية مصدر الأثر القانوني ، هي التي تحدد طبيعة هذا الأثر ، فلا يمكن اعتبار سلطة المحكم سلطة عامه لأن الأفراد الذين يعينون المحكمين لا يتمتعون بسلطة عامه ، ولا يمنع من القول بالطبيعة التعاقدية للتحكيم أن يتم تعيين المحكم أحيانا من جانب السلطة القضائية ، لأن هذه الأخيرة في تعيينها للمحكم ، إنما تحل محل الأفراد في استعمال حقهم في اختيار المحكم .



3- أن التحكيم يختلف في هدفه عن القضاء ، فالقضاء يرمي إلى تحقيق مصلحة عامه ، أما التحكيم فإنه يرمي إلى تحقيق مصالح خاصة لأطراف عقد التحكيم .



4- يفترض القضاء عدم إرادة أحد الطرفين الامتثال للقاعدة القانونية التي تحمي مصلحة الطرف الأخر في مواجهته ، في حين أنه في التحكيم يرغب الأطراف بإرادتهم إبعاد كل شك حول نطاق حقوقهم .



5- أن القانون الوضعي يؤيد هذه الطبيعة حيث أنه :-



أ- يمكن القول أن المحكم يكون وطنياً أو أجنبياً ، في حين أن الوظيفة القضائية لا يباشرها سوى وطني .



ب- إذا لم يقم المحكم بواجبه فلا تنطبق عليه قواعد إنكار العدالة .



ج- إذا أخطأ المحكم فإنه لا يخضع لقواعد المخاصمة .



د- يمكن رفع دعوى أصليه ببطلان حكم المحكم بعكس حكم القضاء .



وهناك نتائج هامة تترتب على الأخذ بهذه النظرية تؤثر على مراحل التحكيم المختلفة كحرية الأطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق في التحكيم ، وتحديد اختصاص المحكمين ومدى تدخل قضاء الدولة في تنظيم التحكيم وأدائه ، و الاعتراف بآثار التحكيم .



وقد وجه إلى هذا الرأي العديد من العيوب منها :-



1- المبالغة في إعطاء الدور الأساسي لإرادة الأطراف ، فالواقع أن الأطراف لا يطلبون من المحكم الكشف عن إرادتهم هم ، وإنما الكشف عن إرادة القانون في الحالة المعنية ، فالمحكم وهو يقوم بالفصل في النزاع يطبق إرادة القانون ولا يلقي بالاً إلى ما قد تكون إرادة الأطراف قد اتجهت إليه .



2- أنه إذا كان حكم التحكيم مصدره اتفاق الأطراف ، فإن ذلك لا يضفي الطابع التعاقدي على التحكيم ، لأن المحكم ملزم باحترام قواعد النظام العام وكذلك العديد من القواعد الموضوعية والإجرائية ، ومنها على سبيل المثال احترام حقوق الدفاع ، وأن يكون حكم المحكم على مقتضى قواعد القانون (فقد نص المشرع المصري في المادة 506 مرافعات على أن " يصدر المحكمون حكمهم غير مقيدين بإجراءات المرافعات عدا ما نص عليه في هذا الباب ، ويكون حكمهم على مقتضى قواعد القانون ما لم يكونوا مفوضين بالصلح ، وتنص المادة 35 من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم 46 وتاريخ 12/7/1403 بأن " يصدر المحكمون قراراتهم غير مقيدين بالإجراءات النظامية ، عدا ما نص عليه نظام التحكيم ولائحته التنفيذية ، وتكون قراراتهم بمقتضى أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية " ، وهذا تقريباً ما تنص عليه المادة 182 من قانون المرافعات الكويتي والمادة 812 من قانون المرافعات الإيطالي والمادة 1474 من قانون المرافعات الفرنسي الجديد ) ، باستثناء التحكيم بالصلح فلا يتقيد بقواعد القانون الموضوعي إلا ما كان منها متعلقاً بالنظام العام - ويبرر ذلك بأن المحكم المصالح إنما يجري صلحاً ، ومن ثم فهو لا يملك أن يجرد أحد الأطراف من كل ما يتمسك به . إذ أنه لا يقضي بين الخصوم ، فالمحكمون وإن كانوا أفراداً عاديين إلا أنهم يملكون سلطة القضاء التي يملكها القضاة في خصوص النزاع المعروض عليهم لأنهم يفصلون في حقوق والتزامات طرفي عقد التحكيم وفقاً للقانون ، ويملكون إصدار حكمهم ضد واحد من الخصوم أو ضدهما معاً .

2- إن استناد أصحاب هذا الرأي إلى اختلاف أحكام القانون بين التحكيم والقضاء يرجع في الواقع إلى عله واحدة وهي أن المحكم وهو يقوم بمهمته وهي مهمة ذات طابع قضائي لا يمثل الدولة ، ولذلك فمن الطبيعي أن يختص القاضي "ممثل الدولة " ببعض الأحكام القانونية التي تختلف على القاضي "المحكم " .



3- إن امتثال الأفراد للقانون واجب في جميع الأحوال ، بل وكثيراً ما نجد اتفاق الأفراد على تحديد محكمة معينه لتختص بنظر دعواهم ، فهل يمكن القول حينئذ بأن الأفراد لم يمتثلوا للقانون .



4- إن القول بالنظرية التعاقدية للتحكيم يثير الخلاف بصدد تأصيل طبيعة العلاقة التي تربط أطراف التحكيم بالمحكمين ، حيث أصلها البعض على أنها وكالة ، بمعني أن المحكم يعتبر وكيلاً عن الخصوم ، باعتبار أن سلطة المحكم في التحكيم في النزاع لا تثبت إلا باتفاق الأطراف ، بينما أصلها البعض الآخر بأنها إجارة عمل على أساس أن الأفراد يتفقان مع المحكم على إجارة عمله ويترتب على ذلك حقوق والتزامات متبادلة .



ويثير موقف القانون المصري العديد من التساؤلات بخصوص الطبيعة القانونية للتحكيم حيث يفهم من نص المادة (501) مرافعات الملغاة بالقانون رقم 27 لسنة 1994م أن التحكيم يرتكز على إرادة الأطراف ، وقد أشارت صراحة المذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات في معرض تعليقها على المادة (513 ) إلى أن ( حكم المحكمين ليس حكماً قضائياً ) ، وبالتالي يمكن أن نستنتج من ذلك ميل القانون المصري للطبيعة التعاقدية للتحكيم ، وفى نفس الوقت يمكن أن نستنتج نفي هذه الطبيعة من نص المادة (299) مرافعات التي تساوي بين حكم التحكيم الأجنبي والحكم القضائي الأجنبي من ناحية تطبيق قواعد تنفيذ الأحكام الأجنبية علي كل منهما .



وقد أنعكس عدم وضوح نصوص القانون المصري في بيان الطبيعة القانونية للتحكيم على القضاء المصري ، فقد قررت محكمة النقض المصرية : أن التحكيم هو طريق استثنائي لفض الخصومات قوامه الخروج على طرق التقاضي العادية (حكم محكمة النقض في 16/2/1971م ، مجموعة أحكام النقض ، س 22ق ، 179 ، حكم محكمة النقض في 16/2/1978م ، مجموعة أحكام النقض ، س 29ق ، 472 ) ، فلا يتضح لنا من عبارة المحكمة أن التحكيم طريق اتفاقي أو أنه طريق قضائي عادى ، بل أن المحكمة بقولها هذا تعني أن التحكيم قضاء خاص لفض المنازعات.

أما في فرنسا فقد أكد الشراح الفرنسيون على أن التحكيم طريقاً خاصاً للتقاضي ذو أساس اتفاقي في صدد تعليقهم على نص المادة (1477) من قانون المرافعات الجديد التي تعرف اتفاق التحكيم بأنه عقد تحكمه قواعد القانون المدني وقد أيد القضاء الفرنسي هذا الرأي سواء كان حكم التحكيم قد صدر في فرنسا أم خارجها ، فلا يصبح حكم التحكيم حكم قضائي حتى في حالة إسباغ السلطة القضائية للبلد الذي صدر فيها ذلك الحكم القوة التنفيذية عليه ، فأحكام التحكيم وفقاً لهذا القضاء تكَّون وحدة مع اتفاق التحكيم وتنسحب عليهما الصفة التعاقدية .



ويلاحظ أنه رغم ما أشتهر عن قضاء النقض الفرنسي اعتناقه للطبيعة التعاقدية للتحكيم ، إلا أن ذلك لم يجد صدى واسع في أحكام القضاء الفرنسي إلا في القليل من الأحكام ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم وضوح ورسوخ هذه الطبيعة في فرنسا .



وفي إيطاليا أكد الشراح الإيطاليين على أن التحكيم ينشأ نتيجة لاتفاق الخصوم عليه .

ثانياً :الطبيعة القضائية للتحكيم.



يري بعض الشراح أن التحكيم ذو طبيعة قضائية ، فالتحكيم قضاء إجباري يلزم الخصوم في حالة اتفاقهم على اللجوء إليه كوسيلة لحل خلافاتهم ، وأنه بهذه الصفة يحل محل قضاء الدولة الإجباري ، وأن عمل المحكم وإن قام وتأسس على اتفاق التحكيم ، إلا أن هذا الاتفاق ليس هو الأساس الوحيد لعمل المحكم ، فعمل المحكم هو عمل قضائي شأنه شأن العمل القضائي الصادر من السلطة القضائية في الدولة ، فمهمة المحكم هي مهمة قضائية وحكمة يرتب نفس الآثار التي يرتبها الحكم القضائي ، وأنه إذا كان التحكيم يبتدئ في مرحلته الأولى بعمل إرادي وهو شرط أو اتفاق التحكيم ، فإن هذا العمل في رأي أنصار الطبيعة القضائية لا يعدو أن يكون مجرد فتيل لوضع هذا النظام موضع الحركة التي تهيمن عليها طبيعتها القضائية ويتحرك بذاتيته الخاصة ، وشأن هذا العمل الإرادي للخصوم في الالتجاء إلى التحكيم لفض منازعاتهم ، يطابق شـأن ذلـك العمـل الإرادي للخصوم في الالتجاء إلى قضاء الدولة .



ويستند أصحاب هذا الرأي إلى الحجج التالية :-



1- إن التحكيم قضاء استثنائي مستثنى من الأصل العام في التقاضي أمام المحاكم التي نظمها القانون ، وإذا حدث ورفعت الدعوى أمام المحكمة المختصة كان للطرف الأخر الحق في الدفع بعدم الاختصاص ، لأن المحكمة تنظر دعوى هي من اختصاص هيئة المحكمين ، وذلك قياساً على الأثر الذي يترتب على رفع نزاع معين أمام محكمة معينه غير مختصة أصلاً ولكن يجوز ذلك استثناءً كما في الاختصاص المحلي - وجدير اً بالذكر أن الدفع بوجود شرط التحكيم قد أثارت خلافاً بين الشراح فقال البعض أنه دفع بعدم الاختصاص غير متعلق بالنظام العام يتعين أن يبدى قبل التكلم في الموضوع ، وقال البعض الأخر انه يتعين أن يبدى قبل أي دفع شكلي ولا يجوز للمحكمة أن تبديه من تلقاء نفسها ، ونري أن اعتبار هذا الدفع من قبيل الدفع بعدم الاختصاص أمر بالغ الصعوبة ، لأن شرط التحكيم لا ينزع اختصاص المحكمة وإنما يمنعها فقط من سماع الدعوى طالما الشرط قائماً ، كما أنه من المستحيل تحديد نوع عدم الاختصاص ، هل هو اختصاص نوعي أو اختصاص مكاني ، وعليه يكون هذا الدفع بوجود شرط التحكيم هو من قبيل الدفع بعدم القبول ، وشأن هذه الحالة شأن حالة طرح نزاع على محكمة مختصة بعد صدور حكم في ذات النزاع من محكمة غير مختصة أصلاً ، فلا يقال هنا أن المحكمة غير مختصة بنظر الدعوى لسبق صدور الحكم فيها ، وإنما يقال أنها ممنوعة من نظر الدعوى ، وقد أوردت محكمة النقض المصرية رأيها في هذا الأمر في حكم لها حيث قالت : أن هذا الدفع دفع بعدم القبول ولكنه ليس من الدفوع الوارد ذكرها في المادة 115 مرافعات ويجب التمسك به قبل التكلم في الموضع وإلا سقط الحق فيه .نقض مدني 15/2/1972 ، س 23ق ، نقض مدني6/1/1976 ، س 27ق )



2- إن حكم المحكم يحوز حجية الشيء المقضي به ، وينفذ تنفيذاً جبرياً بعد صدور الأمر بهذا التنفيذ ، شأنه شأن الحكم القضائي الصادر من السلطة القضائية في الدولة - ونصت على ذلك معظم القوانين حيث نص القانون المصري في المادة (55) من القانون رقم 27 لسنة 1994م في شأن التحكيم في المواد المدنية التجارية على " تحوز أحكام المحكمين الصادرة طبقاً لهذا القانون حجية الأمر المقضي وتكون واجبة النفاذ بمراعاة الأحكام المنصوص عليها في هذا القانون " ، و القانون الكويتي في المادة 186 مرافعات ، وإن كان قد أجاز الاستئناف إذا أتفق الخصوم على ذلك قبل صدور الحكم ، والقانون الإيطالي في المواد من 827 إلى 831 ، وعلى العكس من ذلك ذهبت محكمة باريس في 9 /6/ 1981م بأن قوة الشيء المحكوم فيه هي قاعدة متعلقة بمصلحة خاصة وليست من النظام الداخلي إن التحكيم قضاءً لأن جوهر القضاء هو تطبيق إرادة القانون ، فالتحكيم نوع من أنواع القضاء إلى جانب قضاء الدولة ، شأنه في ذلك شأن القضاء الأجنبي الذي يعترف به القانون ، أو القضاء الذي تتولاه هيئات دينية غير سلطة الدولة كما هو الحال في مصر بالنسبة للمجالس الملية .



3- ومما يؤيد الطبيعة القضائية للتحكيم ما درجت عليه القوانين المختلفة من إطلاق اصطلاح الأحكام على أحكام المحكمين والأحكام القضائية ، وما ذهب إليه القانون الفرنسي الجديد من إطلاق لفظ محكمة التحكيم على المحكم أو المحكمين ، بالإضافة إلى القواعد التفصيلية التي أوردتها القوانين لتنظيم الخصومة في التحكيم وإجراءات تسيرها وذلك بشكل يتطابق مع القواعد الموضوعية أصلاً للخصومة القضائية .



4- ولقد تطور موقف القضاء في هذا الشأن ووصل إلى أن تتراجع محكمة النقض الفرنسية عن اتجاهها باعتبار الطبيعة التعاقدية للتحكيم ، فقالت في أحكام حديثة نسبياً : أن أطراف الخصومة بالتجائهم إلى التحكيم إنما يعبرون عن إرادتهم بإعطاء الغير "المحكم" سلطة قضائية ، وقالت المحكمة العليا : أن التحكيم يعد قضاءاً استثنائياً يكون للمحكمين فيه سلطة ذاتية مستقلة للفصل في المنازعات التي يطرحها الخصوم عليهم ، أما محكمة النقض المصرية فلم تدلي بدلوها بعد وإن كانت قد نحت نحو تأييد الطبيعة التعاقدية .



ويترتب على القول بالطبيعة القضائية للتحكيم ، أنه يثور التساؤل حول وقت اكتساب حكم التحكيم للصفة القضائية ، فهل يكتسب ذلك الحكم الصفة القضائية بمجرد صدوره ، أم بعد الأمر بتنفيذه ؟

لقد انقسم الشراح في الإجابة على هذا التساؤل إلى اتجاهين :



الاتجاه الأول : ويتزعمه الشراح الإيطاليين ، وهو عدم اعتبار الصفة القضائية للحكم التحكيمي إلا بصدور الأمر بالتنفيذ (وقد أخذ القانون الإيطالي بهذا الاتجاه في إطار القانون رقم 28 لسنة 1983م حيث أشتمل هذا القانون على تعليق مسألة تصحيح حكم المحكمين والطعن بالبطلان على صدور الأمر بالتنفيذ مما يمثل انتقاصا للقيمة القانونية لحكم التحكيم ، ولكن القانون الإيطالي الجديد الصادر في يناير عام 1994م جاء خلواً من ذلك سواء فيما يتعلق بتصحيح الحكم أو الطعن فيه ، حيث نص على أن بطلان حكم التحكيم يقدم خلال تسعين يوماً من تاريخ إعلان الحكم ، ودون حاجة لصدور الأمر بالتنفيذ ) وقد أيد جانب من الشراح الفرنسيين هذا الاتجاه .



أما الاتجاه الثاني : وهو الاتجاه الغالب لدى الشراح الفرنسيين والعرب وهو عدم اشتراط صدور الأمر بالتنفيذ لإسباغ الصفة القضائية على حكم التحكيم ، فحكم التحكيم يتمتع بالحجية وقوة الأمر المقضي منذ صدوره ، وأن إجراء الأمر بالتنفيذ لا يمنح الحكم الحجية وإنما يجعله قابلاً للتنفيذ - وهذا هو ما قررته محكمة النقض المصرية حيث قالت في أسباب أحد أحكامها : متي كان الثابت أن طرفي الخصومة لجأ إلى التحكيم فيما كان ناشباً بينهما من منازعات متعددة بشأن زراعة الأطيان المملوكة لهما ، وكان حكم المحكمين قد فصل بصفة نهائية في هذه المنازعات وقضي لأحدهما بأحقيته في استلام أطيان معينه بما عليها من الزراعة ، وكانت هذه الزراعة قائمة في تلك الأرض فعلاً وقت صدور حكم المحكمين ، فإن أحقية المحكوم له للزارعة المذكورة تكون أمراً مقضياً له بموجب حكم المحكمين ضد الخصم الأخر ، وتكون دعوى هذا الأخير بطلب أحقته لهذه الزراعة مردودة ، من قوة الأمر المقضي لحكم التحكيم ومن حجيته قبله ، ولا يقدح في ذلك أن يكون هو الزارع لتلك الزراعة ، ولا يغير من ذلك أيضاً ألا يكون الحكم قد تنفذ بالاستلام ، فإن عدم تنفيذ الأحكام لا يخل بما لها من حجية لم تنفض بأي سبب من الأسباب التي تنقض بها قانوناً . طعن رقم 93 لسنة 23ق جلسة 14/3/1957م ، وأيضاً طعن رقم 521 لسنة 44ق جلسة 15/2/1978م ) .



ورغم سلامة ومنطق الطبيعة القضائية للتحكم ، إلا أنها لم تسلم من النقد ، فيعاب عليها بما يلي :-

1- أنه يصعب أن نلحق أحكام التحكيم بأحكام القضاء جملة واحدة ، لأن هناك خلاف بين المحكم والقاضي ، لأن الأخير له وظيفة عامة ويتمتع بالدوام والاستقرار والحصانة فيما يقوم به من أعمال ، كما أن له سلطة الأمر والإجبار ، ويعد منكراً للعدالة إذا أمتنع عن الفصل في النزاع ، ولا دخل للخصوم في اختياره ، بعكس المحكم .



3- إن التشبيه بين نظامي التحكيم والقضاء ، رغم ما قد يبدو فيه من تقويه لمركز التحكيم إلا أنه ليس في صالح التحكيم دائماً ، لأن التحكيم أسبق من القضاء في الوجود .

3- إن الدعوى ببطلان حكم المحكم تتصل في مجموعها بحالات تعيب عقد التحكيم أو تنكره وهي بهذا الوصف تثير الشك في الصفة القضائية لحكم التحكيم ، ومما يبرر ذلك وقف تنفيذ حكم المحكم عند رفعها ، وهي أيضاً بالوصف المتقدم تكفي وحدها كوسيلة للتظلم من الحكم .



ثالثاً :الطبيعة المختلطة للتحكيم.



في كل من الطبيعة التعاقدية والطبيعة القضائية للتحكيم لاحظنا أن كل منهما تحتكم إلى مرحلة واحدة من مراحل التحكيم اصطبغت بالوصف القانوني المصاحب لها سواء كان وصفاً عقدياً أو وصفاً قضائياً

لذلك يري بعض الشراح أن التحكيم ذو طبيعة مختلطة ، فهو ذو طبيعة مركبة ، لأن الأخذ بطبيعة واحدة سواء الطبيعة العقدية أو الطبيعة القضائية يثير العديد من المشاكل والصعاب في التطبيق ، فالتحكيم ذو طبيعة عقدية وقضائية معاً ، فالعنصر الإرادي هو الجانب السائد في المرحلة الأولي للتحكيم وهي مرحلة الاتفاق على التحكيم كأسلوب لحل المنازعات الناشئة أو التي قد تنشأ بين الأطراف ، ثم يبدأ هذا العنصر في الأفول تدريجياً تاركاً الغلبة منذ بدء مرحلة التداعي للخصائص التي يتسم بها العمل القضائي .



فالتحكيم وفقاً لهذا الرأي ليس اتفاقاً محضاً ولا قضاءاً محضاً ، وإنما هو نظام يمر في مراحل متعددة يلبس في كل منها لباساً خاصاً ويتخذ طابعاً مختلفاً فهو من أوله اتفاق وفى وسطه إجراء وفي أخره حكم .



ويترتب على الأخذ بهذه الطبيعة نتائج هامة خاصة فيما يتعلق بتحديد القانون الواجب التطبيق ، وكذلك فيما يتعلق بتنفيذ الأحكام فمثلاً القانون الواجب التطبيق يتم تحديده طبقاً للمرحلة التي يمر بها التحكيم ، ففي المرحلة الأولي يتم تطبيق القانون الواجب التطبيق على الاتفاقيات والعقود ، وفى المرحلة التالية مرحلة التداعي يتم تطبيق القانون الواجب التطبيق على المسائل ذات الطابع القضائي ، أما فيما يتعلق بتنفيذ الأحكام ، فإن هذه الأحكام من قبل العقود قبل صدور الأمر بالتنفيذ وتصير بمنزلة الحكم القضائي بعد صدور الأمر بالتنفيذ .



إلا أن هذا الرأي لا يخلو من النقد ، حيث وجه إليه النقد التالي :-



1- إنه رغم قيام هذه الطبيعة المختلطة للتحكيم على أساس تحليل ورصد لما يؤثر في التحكيم وهو أمر جداً مهم ، فإن التحليل القانوني يجب ألا يقف عند القول بأن التحكيم ذو طبيعة مختلطة أو خليط غير متجانس ، فمثل هذا الوصف يعتبر بمثابة اعتراف بالعجز ومحاولة للهروب من مواجهة الحقيقة بأبعادها المتعددة ، فالواجب في مواجهة مثل هذه الحقائق المركبة محاولة تحليلها لردها إلى عناصرها المميزة ومحاولة تحديد دور كل عنصر ومظاهرة في كل مرحلة من المراحل المختلفة .



2- إن القول بالطبيعة المختلطة للتحكيم يؤدي إلى خلط بين حجية حكم التحكيم وبين قوته التنفيذية ، فحجية الأمر المقضي تثبت لحكم التحكيم بمجرد صدوره وهي أمر أخر غير القوة التنفيذية التي لا يحوزها حكم التحكيم إلا بصدور أمر قضائي بتنفيذه .



رابعاً :الطبيعة المستقلة للتحكيم.



ذهب بعض الشراح إلى القول بأن التحكيم ذو طبيعة خاصة ، لأن أصحاب الطبيعة العقدية للتحكيم لم يستطيعوا أن يتفقوا على طبيعة هذا العقد ، فهل هو عقد من عقود القانون العام أم عقد من عقود القانون الخاص ، وهل هو عقد ينظم الشكل أو ينظم الموضوع ، حتى الذين يقولون بأنه عقد من عقود القانون الخاص اختلفوا في تحديد ماهية ذلك العقد فتارة يقولون عقد عمل ، وتارة يقولون عقد وكالة ، كذلك أصحاب الطبيعة القضائية للتحكيم لم يستطيعوا الفكاك من اعتبارات النظام القضائي الداخلي ، فالبعض منهم يرى أنه مجرد بطانة للقضاء الوطني ، والبعض الآخر يرى أنه تفويض صادر من الدولة للمحكم لإقامة العدالة بين الخصوم ، أما أصحاب الطبيعة المختلطة للتحكيم فيكفي القول بأن موقفهم فيه نوع من الهروب للتصدي الجدي لمشكلة تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم .



وإذا كان التحكيم يعني الرغبة في فض النزاع بطريقة ودية بين الأفراد ، فإن ذلك يعنى أن نأخذ عند تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم بفكرة مستقلة عن النظم الداخلية ، فالتقسيمات والأنظمة الداخلية لا تعد القوالب المناسبة لوضع نظام مميز للتحكيم في إطارها ، لأن ذلك سيكون على حساب الحقائق العلمية .

وفى تقديرنا أنه يجب أن ينصب البحث في هذه المسألة على حصر العناصر ذات الطابع الإرادي "التعاقدي" للتحكيم وتميزها عن تلك العناصر ذات القضائي بحيث يمكن في النهاية تحديد مدى تداخل كل عنصر من العناصر التعاقدية والقضائية في تكوين نظام التحكيم وإعطائه طبيعته الذاتية المستقلة ، فالجهد يجب ألا يتوقف على محاولة إذابة أحد العنصرين في الآخر ، أو محاولة المزج بينهما وإنما تحليلهما تحليلاً دقيقاً يكشف عن الخصائص المميزة لكل منهما .



فاتفاق التحكيم وإن كان عقداً يتمتع بالخصائص العامة للعقود ، إلا أنه يتميز عنها بهدفه وموضوعه ، فهدفه ليس إقامة علاقة قانونية مبتدأه بين طرفين مالية كانت أو شخصية ، وإنما تسوية النزاع الناشئ عن علاقة قانونية سابقة ، وموضوعه ليس التراضي على تسويه نهائية للنزاع محدده بذاتها ، وإنما إقامة كيان عضوي ( فرداً كان أو هيئة ) ترفع إلية ادعاءات الطرفين لتولي الفصل فيها استقلاً عنهما .



أما عن عمل المحكم فهو بالضرورة حسم النزاع وفقاً للمبادئ العامة التي يضعها النظام القانوني وأهمها مبدأ المساواة ومبدأ المواجهة إلى غير ذلك من المبادئ القضائية ، مع دخول اتفاق التحكيم في عداد الاتفاقات المطروح تطبيقها على المحكم أي أن المحكم عليه أن يطبق شروط اتفاق التحكيم مثله في ذلك مثل القاضي عندما يطبق شروط عقد معين متعلق بالنزاع المطروح عليه ، فالمحكم هنا يطبق اتفاق التحكيم للتعرف على حدود المنازعات التي تدخل في ولايته وللتعرف على القواعد الإجرائية والموضوعية الواجبة الإعمال في صدد النزاع وعلى ذلك يكون اتفاق التحكيم مصباحاً لأداء الوظيفية القضائية للمحكم .



وعلى ذلك نخلص إلى أن التحكيم قضاء اتفاقي يتقيد بنصوص اتفاق التحكيم وبالنصوص القانونية التي ‘يفترض على المحكم الالتزام بها ، لذلك يجب أن نبتعد عن القوالب التقليدية لتحديد طبيعة التحكيم ، فهو ظاهرة وإن سبقت القضاء في الوجود ، إلا أنه ليس أحد السلطات العامة في الدولة مثل القضاء ، كما أنه لا يجوز في كل منازعة ، حيث يجب أن تكون المنازعة قابلة للتحكيم ، فربط التحكيم بفكرة تقليدية عقدية كانت أم قضائية ربما كان ذلك ذا فائدة في الماضي ولكن تلك الفكرة قد تقف الآن عائقاً أمام التوصل إلى نظرة شاملة وواضحة لظاهرة التحكيم التي باتت تفرض نفسها على منازعات التجارة الدولية .



كما أنه في ظل الطبائع المتعددة للتحكيم لن يكون مستبعداً اللبس والخلط لأنه يصعب وضع معيار واحد يمكن على أساسه تحديد طبيعة التحكيم ، وحتى إذا ما حاول البعض إفراد هذه الطبيعة في عدد محدود ، فلن يلبس أن يتحول نوع منها إلى أخر كما حدث في نظام التحكيم بالصلح فقد كان في الأصل قريباً من التوفيق حيث كان هناك اقتراح للأطراف اختيار قبوله أو رفضه ، ولكن التطور لحق به فأعتبر هذا الاقتراح حكما وأصبح الأطراف ملزمون به ، الأمر الذي يجعنا نؤيد الطبيعة المستقلة للتحكيم .



ويثور التساؤل الآن : من أين يستقى التحكيم هذا الطابع الخاص وهذه الذاتية المستقلة ؟

ويجيب بعض الشراح على هذا التساؤل ويقولون : أن التحكيم لا يجد أساسه في القوانين الداخلية للدول فحسب ، وإنما أيضاً في أنظمة ولوائح هيئات ومراكز التحكيم الدائمة المنتشرة في مختلف دول العالم والتي يلجأ إليها الأطراف في صورة ما يعرف بالتحكيم النظامي ( وفق نظام معين ).

وكذا ما تتضمنه المعاهدات الدولية المتعلقة بالتحكيم سواء كانت ثنائية أم جماعية ونماذج القوانين الدولية الموضوعة من قبل هيئات دولية وقرارات المنظمات الدولية .

هذا والله الموفق ،،،





مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




إنتهاء عقد الإيجار لإنتهاء مدته








اولا: النص التشريعى:



نصت المادة 563 من القانون المدنى على انه ( اذا عقد الايجار دون اتفاق على مدة او لمدة غير معينة او تعذر اثبات المدة المدعاة , اعتبر الايجار منعقدا للفترة المعينة لدفع الاجرة , وينتهى بانقضاء هذة الفترة بناء على طلب احد المتعاقدين اذا هويته على المتعاقد الاخر بالاخلاء فى المواعيد الاتى بيانها:- (أ‌) فى الاراضى الزراعية والاراضى البور اذا كانت المدة المعينة لدفع الاجرة ستة اشهر او اكثرة يكون التنبيه قبل انتهائها بثلاثة شهور , فاذا كانت المدة اقل من ذلك , وجب التنبيه فبل نصفها الاخير , وكل هذا مراعاة حق المستاجر فى الحصول وفقا للعرف. (ب‌) فى المنازل والحوانيت والمكاتب والمتاجر والمصانع والمخازن وما الى ذلك اذا كانت الفترة المعينة لدفع الاجر اربعة شهور او اكثر وجب التنبيه قبل انتهائها بشهرين , فاذا كانت الفترة اقل من ذلك وجب التنبيه قبل نصفها الاخير. (ت‌) فى المساكن والغرف وفى اى شئ غير ما تقدم اذا كانت الفترة المعينة شهرين او اكثر , وجب التنبيه قبل نهايتها بشعر, فاذا كانت اقل من ذلك وجب التنبيه قبل نصفها الاخير.



ثانيا : الاتفاق على تحديد مدة الايجار



1- عقد الايجار بطبيعتة عقد موقوت , اذ ان المؤجر يلتزم بتاجير المستاجر من الانتفاع بالعين المؤجرة لمدة معينة نظير اجر معلوم , ولذلك يجب الاتفاق على تحديد مدة المنفعة محل العقد , فاذا اتفق الطرغان على مدة الايجار , فاما ان تكون المدة المتفق عليها معينة واما ان تكون غير معينة . وتكون المدة المتفق عليها معينة , اذا كان لا نهاية معلومة كتعينها بحلول اجل معين . وعلى ذلك يجوز للمتعاقدين تحديد م\ة الايجار حسب رغيتها وقد اتجة الفقه على انه ينبغى الا تزيد مدة الايجار حسب رغبتها وقد اتجه الفقه على انه لا ينبغى ان تزيد مدة الايجار على ستين سنة قياسا على حق اللحكم المنصوص عليه فى المادة 999 مدنى , على ان عقد الايجار الوارد على عقار اذا كانت مدته تزيد عن تسع سنوات يشترط لنفاذه فى حق الغير فى حدود مدته ان يكون مسجلا ولا يكتفى ثبوت تاريخه , وعلى ذلك فان المتعاقدين لها تحديد المدة التى يتفقا عليها لعقد الايجار , ويصبح هذا الاتفاق طالما انه محدد بمدة معينة , ويمكن ان تكون عشر سنوات او عشرين سنه , او اكثر او اقل بشرط الا تزيد المدة عن ستين سنة ولا يجوز ان تزيد مدته عن هذة المدة استناداالى حق الحكم الذى لا يجوز ان تزيد مدته عن ستين سنة , بحيث لا يصبح عقد الايجار عقدا مؤبدا , واذا تعذر تحديد المدة او علقت المدة على مشيئة المستاجر , او بانها طوال حياة المستاجر كان ينص على عدم جواز انهاء العقد طالما كان المساجر قائما بسداد الاجرة , ففى هذة الحالات يعتبر العقد منعقدا للفترة المحددة لدفع الاجرة.

2- تقسيم المدة الى اجال , حيث تتفق المؤجر والمستاجر على ان مدة الايجار هى تسع سنوات وقسمت المدة الى ثلاث اقسام كل منها بثلاث سنوات بحيث يجوز لاى من المتعاقدين ان يطلب انهاء الايجار قبل انتهاء اى مدة بشرط اخطار الطرف الاخر بوثت كاف , ففى هذة الحالة يكون الايجار محدد المدة بتسع سنوات وانتهاء اى مد\ة دون اخطار الطرف الاخر بالرغبة فى الانهاء , فان العقد لا يكون قد تجرد عند كل مدة بل يعد مستمرا فى مدة واحدة وهى مدة التسع سنوات , والتنبيه بالخلاء الذى يجوز لاى من المتعاقدين اولاحدهما ان يقوم به , يعتبر شرطا فاسخا ويكون انقضاء الايجار نتيجة لتحقق هذا الشرط.

3- التنبيه بالاخلاء فى عقد الايجار الغير محدد المدة :-

اذا كان عقد الايجار مؤقت وان المدة ركن فيه , ولكن قد يعتبر عقد الايجار ولا يتفق المتعاقدين على مدة الايجار فى العقد وقد نصت المادة 563 مدنى على انه :- اذا عقد الايجار دون اتفاق على مدة او عقد لمدة غير معينة او تعذر اثبات المدة المدعاة , اعتبر الايجار منعقدا للفترة المعينة لدفع الاجرة ويعد عقد الايجار معقودا دون اتفاق على مدة اذا سكت المتعاقدان عن ذكر المدة اصلا , ففى هذة الحالة يعتبران انهما قد احالا الى المدة التى يعينها القانون عند عدم الاتفاق على ما يخالفها ويكون الايجار معقودا لمدة غير معينة اذا اتفق الطرفان على مدة دون ان يعينا ضابطا يحدد نهايتها كما هو الشان ان يذكر عند نهاية مدة الايجار انه معلق على مشيئة المستاجر , او مشاهرة , او ما دام المستاجر يدفع الاجرة , او الى المدة التى يريدها المستاجر , او المؤجر , او الذى يدوم بدوام العين المؤجرة , ففى هذة الحالات جميعها لا يعتبر العقد محدد المدة وقد ذهب الفقه ان الموت يعتبر ضابطا ثابتا ويعتر المدة الحدد به او بحياة المستاجر , او المؤجر – معينة وهذا الايجار لا يعد مؤبدا بشرط الا تجاوز مدته عن ستين سنة حتى لو بقى من علق العقد على حياته زادت عن ستين سنة , فاذا كان بحياة المستاجر فانه بوفاة المستاجر ينتهى الايجار ولا ينتقل الى ورثته , وتكون المدة متعذرا اثباتها اذا اقر الطرفان انهما عينا للايجار مدة معينة ولكنهما تنازعا على مدى هذة المدة ولم يتمكن احدهما من اثبات ادعائه. د / سليمان مرقس ص____ 154 عقد الايجار. د / السنهورى ص____ 194 عقد الايجار والمادية. والمشرع لم يقصر عند تعيين المدة فى العقد غير مجدد المدة بالمدة التى تدفع عنها الاجرة فقط , بل اعتبر هذة المدة قابلة للامتداد لمدة اخرى مساوية لها اذا لم يبدا احد من العاقدين ما يدل على عدم رغبتة فى هذا الامتداد بعد حق معين وقد نظمت ذلك المادة 5636 مدنى فاذا عقد الايجار دون اتفاق على مدة او عقد لمدة غير معينة او تعذر اثبات المدة المدعاه , اعتبر الايجار منعقدا للفترة المعينة لدفع الاجرة وينتهى بانقضاء هذه الفترة بناء على طلب امر المتعاقدين اذا هو نبه على المتعاقد الاخر بالاخلاء ففى المنازل والحوانيت والمكاتب والمتاجر والمصانع والمخازن وما الى ذلك اذا كانت الفترة المعينة لدفع الاجرة اربعة اشهر او امثر وجب التنبيه قبل انتهائها بشهرين فاذا كانت الفترة اقل من ذلك وجب التنبيه قبل نصفها الاخير , وفى المساكن والفرق المؤثثه او اى شئ غير ما تقدم اذا كانت الفترة المعينه لدفع الاجرة شهرين او اكثر , وجب التنبيه قبل نهايتها بشهر , فاذا كانت اقل من ذلك وجب التنبيه قبل نصفها الاخير .



شكل التنبيه بالاخلاء :



لا يشترط فى التنبيه اى شكل خاص فقد يكون بانذار على يد محضر , او الخطاب او شفاهة , ومن يد على الحصول التنبيه ان ثبت ذلك , هذا ما لم يتفق الطرفان على شكل خاص للتنبيه ففى هذه الحالة ينبغى ان يكون وفق ما اتفق عليه بين الطرفين. ثالثا: اثر فسخ المستاجر الاجارة قبل انقضاء المدة :- متى اوفى المؤجر بالتزامه فلا يجوز للمستاجر ان يتحلل من التزامه ويطلب فسخ العقد من تلقاء نفسه الا فى الحالات التى يجيز فيها القانون ومن ذلك نظرية الظروف الطارئة او العذر الطارئ فعلى ذلك اذا انهى المستاجر ارادته المنفردة عقد الايجار دون موافقة المالك حق للاخير طلب التعويض عند انهاء العقد قبل انتهاء مدته وغالبا يقدر القاضى التعويض بالاجرة المستحقة على المستاجر حتى يجد المؤجر من يقبل استئجار العين منه. وننوه بان محل التزامات المؤجر هو يمكن المستاجر م هو دفع الاجرة . وتعتبر التزامات كلا من العاقدين سببا فى التزامات ** الاخر . ويوجد بين التزامات الطرفين ارتباط بحيث اذا اخل اى طرف بالتزامه جاز للاخر ان يجبره على تنفيذ التزامه او يطلب الفسخ ليتحلل منه . لذلك فالالتزامات المتبادلة متعددة فى العلاقة بين المؤجر والمستاجر . وتوجب الفسخ مع التعوبض , او التعويض عن الفسخ بدون مبرر.



تطبيقات قضائية فى تحديد مدة عقد الإيجار



مفاد ما نصت عليه المادة 563 من القانون المدنى من انتهاء الايجار المنعقد للفترة المعينة لدفع الاجرة بانقضاء هذة الفترة بناء على طلب احد المتعاقدين اذا هو نبه على المتعاقد الاخر بالاخلاء فى المواعيد البينية بالنص : ان التنبيه بالاخلاء هو تصرف قانونى صادر من جانب واحد يتضمن رغبة صاحبه استنادا الى ارادته فى انهاء الايجار ويكفى لتحقيق الاثر المترتب على هذا التنبيه دلالة عبارته فى عمومها على القصد منه وهو ايداء الرغبة فى اعتبار العقد متهيا فى تاريخ معين اعمالا لحقق المستمد من العقد فلا يقوم من بعد الا بايجاب وقبول جديدين واذا افصح موجه التنبيه عن هذا السبب دون سواه والنظر فى الدعوى على هذا الاساس ومن ثم فلا ينمر ذلك الاثر الا اذا اعتبر موجه التنبيه السبب الذى صدرت عنه ارادته فى طلب الاخلاء يستوى فى ذلك ان تصميم الدعوى بالاخلاء اما القضاء المستعجل او القضاء الموضوعى , او ** الدعوى المستعجلة بالدعوى الموضوعة واذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر واعتبر فى لخصوص هذة الدعوى بالتنبيه الذى وجه الطاعن فى الدعوى المستعجلة والمقدم بحافظة مستندات المطعون ضدهما امام محكمة اول درجة والذى انصح فيه الاخر عن رغيتهما فى اعتبار العقد منتهيا بانقضاء مدته فانه يكون قد التزم صحيح القانون , ويكون النص عليه بهذه الاسباب على غير اساس.( الطعن رقم 86 لسنة 63 ق جلسة 15 / 1 / 1997 )

•انقضاء عقد الايجار مشاهرة وتعليق على مشيئة المستاجر , وجوب اعتباره منعقدا للفترة المحددة لدفع الاجرة : ثبوت انعقاد عقد الايجار محل النزاع مشاهرة وان المستاجر وحده طلب انهائه وجوب اعتباره بعد انتهاء مدته الاولى منعقدا للفترة المحددة لدفع الاجرة لكل من المتعاقدين الحق فى انهائه بالتنبيه على الاخر فى الميعاد . م 563 مدنى . قيام المطعون ضدها بالتنبيه على الطاعن بانهاء العقد فى الميعاد , اثره بانقضاء العلاقة الايجارية التزام الحكم المطعون فيه هذا النظر , لا خطأ - الطعن رقم 1402لسنة 64 ق جلسة 20/5/1998م

•انعقاد عقد الايجار لمدة محددة تتجدد تلقائيا لمدة مماثلة طالما كان المستاجر قائما بتنفيذ التزاماته. تخويله وحده دون المؤجر حق انهائه . اثره وجوب اعتبار العقد بعد انتهاء المدة الاتفاقية منعقدا للفترة المحددة لدفع الاجرة , انقضاؤه بالتنبيه بناء على طلب احد المتعاقدين فى المواعيد المبينة بنص المادة 563 مدنى . ( الطعن رقم 1402 لسنة 64 ق جلسة 20 / 5 / 1998 (



حكم الهيئة العامة بالعدول عن رايها السابق واعتبار العقد المعلق على مشيئة المستاجر منعقدا للفترة المحددة لدفع الاجرة.



وحيث ان ** فى المادة 558 من القانون المدنى على ان الايجار عقد يلتزم المؤجر بقتضاه ان يمكن المستاجر من الانتفاع بشئ معين.

والنص فى المادة 563 من هذا القانون على ان اذا عقد الايجار دون اتفاق على مدة او عقد لمدة غير معينة او تعذر اثبات المدة المدعاة اعتبر الايجار منعقدا للفترة المعينة لدفع الاجرة وينتهى بانقضاء هذة الفترة بناء على طلب احد المتعاقدين اذا هو نبه على المتعاقد الاخر بالاخلاء فى المواعيد الاتى بيانها….. يدل على ان المشرع استلزم توقيت عقدى الايجار واعتبر المدة ركنا فيه وانه اذا عقد العقد دون اتفاق على ميقات ينتهى فيه الايجار او تعذر اثبات المدة المدعاة او عقد لمدة غير معينة بحيث لا يمكن معرفة تاريخ انتهاء الاجارة على وجه التحديد كان ربط انتهاؤها بامر مستقبل غير محقق الوقوع ** العقد منعقدا للفترة المعينة لدفع الاجره ويكون لكل من المتعاقدين الحق فى انهاء العقد بعد التنبيه على الاخر بالاخلاء فى المواعيد المبينة بنص المادة 563 مدنى سالفة البيان , ولما كان النص فى عقد الايجار على انعقاده لمدة محددة تتجدد تلقائيا لمدد اخرى مماثلة طالما كان المستاجر قائما بتنفيذ التزاماته واحقية الاخر وحده دون المؤجر فى ابداء الرغبة فى انهائه يؤدى الى اعتبار العقد بعد انتهاء المدة المتفق عليها متجددا تلقائيا عدد اخرى مماثلة لا يعرف على وجه التحديد تاريخ انتهائها , اذا نهايتها منوطه بمخض مشيئة المستاجر وحده او خلفه العام ولا يعرف متى يبدى ايهما الرغبة فى انهاء العقد , وخاصة ان الاصل فى عقد الايجار انه لا ينتهى عمالا لنص المادة 601 من القانون المدنى بوفاة المستاجر وتنصرف اثاره الى خلفه العام عملا بنص المادة 145 من ذات القانون مالم يتبين من العقد او طبيعة التعامل او نص القانون ان هذا الاثر لا ينصرف اليهم. ومن ثم فان عقد الايجار يعتبر فى هذه الحالة منعقدا لمدة غير معينة ويتعين اعمال نص المادة 563 مدنى واعتباره بعد انتهاء مدته الاولى المتفق عليها متحدا الفترة المحددة لدفع الاجرة , وينتهى بانقضائها بناء على طلب احد المتعاقدين اذا هو نبه على المتعاقد الاخر بالاخلاء فى المواعيد المبينة بنص هذه المادة , فان لم يحصل التنبيه تجدد العقد للمدة المحددة لدفع ىالاجر ثم لمدة مماثلة وهكذا الى ان يحصل التنبيه تجدد العقد للمدة المحددة لدفع الاجرة ثم لمدة مماثلة هكذا الى ان يحصل التنبيه ولا يسوغ استبعاد نص المادة 563 مدنى والقول بانتهاء العقد بموت المستاجر الذى لم يبدى الرغبة فى حياته فى انتهائه , اذ يتعذر تطبيق هذا القول فى حالة ما اذا كان المستاجر شخصا اعتباريا , اذا انقضاء الشخصية الاعتبارية امر غير محقق الوقوع , كما لا محل للقول ايضا بوجوب تدخل القاضى لتحديد مدة العقد او انتهاء العقد بمعنى ستون عاما قياسا على حق الحكم ذلك ان الاصل انه يمتنع على القاضى اعمالا لنص المادة 147 مدنى التدخل لتعديل ارادة المتعاقدين الا لسبب يقره القانون ولو ارتأى المشروع ان يتدخل القاضى لتحديد مدة العقد او تحديد حد اقصى للمدة فى عقد الايجار , كما فى حق الحكم ينص على ذلك صراحة , ومن ثم فلا محل للقياس والاجتهاد مع وجود نص المادة 563 مدنى سالف البيان . ويؤيد هذا النظر ان المشروع التمهيدى للتقنين المدنى الحالى كما ينص فى القرة الاولى من المادة 760 على ان ( اذا عقد الايجار لمدة تزيد على ثلاثين سنة او اذا كان مؤبدا جاز ان ينتهى بعد انقضا ثلاثين سنة يناء على طلب المتعاقدين مع مراعاة المواعيد القانونية المنصوص عليها فى المادة التالية...) وقد حذفت لجنة الشئون التشريعية بمجلس النواب هذا النص بعد ان كانت قد اقرته لجنة المراجعة دون ان تشير الى هذا الحذف فى تقريرها وبذلك تركت المساله للقواعد العامة الواردة فى المادة 563 مدنى لما كان ذلك وكانت الاحكام السابق صدورها من دوائر المواد المدنية فى طعون ارقام 591 سنىة 49 ق جلسة 5 / 3 / 1980 و 664 سنة 56 ق جلسة 20 / 11 / 1986 و 15 سنة 53 ق جلسة 6 / 5 / 1987 و 2528 سنة 55 ق جلسة 2 / 12 / 1987 و 1760 سنة 54 ق جلسة 6 / 5 / 1987 و 2440 سنة 54 ق جلسة 5 / 4 / 1990 قد التزمت هذا النظر فانها تكون قد صادفت صحيح القانون ويتعين العدول عما يخالفها من مبادئ وذلك بالاغلبية المنصوص عليها فى المادة 4/2 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 واذ ناطت هذة المادة بهذه الهيئه الفصل فى الدعوى المحالة اليها فانه يتعين عليها الفصل فى الطعنين . وحيث ان الطعنين استوفيا اوضاعهما الشكلية , وحيث ان حاصل ما ينعاه الطاعنون فى الطعن رقم 766 لسنة 56 ق على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون وفى بيان ذلك يقولون ان الحكم المطعون فيه بعد ان انتهى الى ان انتقال عقد الايجار الى المطعون ضدهم كخلف لمورثهم المستاجر الذى كان انهاء عقد الايجار رهينا بمحض مشيئته وحده يجعل العقد فى حكم المؤبد – عمد الحكم الى التدخل فى تحديد مدة العقد تحديدا تحكميا لثلاثين عاما اخذا فى الاعتبار ما انفق المستاجر فى سبيل استغلال العين المؤجرة فى حين انه كان يتعين اعمال ما نصت عليه المادة 563 من القانون المدنى من اعتبار العقد بعد انتهاء مدته الاولى منعقدا للفترة المحددة لدفع الاجرة مما يعيبة ويستوجب نقضه . وحيث ان هذا النعى فى محله ذلك انه وقد انتهت الهيئة- وعلى ما سلف بيانه الى انه اذا انعقد الايجار لمدة محددة تجدد لمددة اخرى مماثلة طالما كان المستاجر قائما بتنفيذ التزاماته وللاخير وحده دون المؤجر الحق فى ابداء الرغبة فى انهاء العقد يؤدى الى اعتبار العقد بعد انتهاء ندته الاولى منعقدا للمدة المحددة لدفع الاجرة اعمالا لنص المادة 563 من القانون المدنى ويحق لكل من عاقديه طلب انهائه اذا نبه على الاخر بالاخلاء فى المواعيد المحددة بنص سالف الذكر وكان الثابت ان عقد الايجار محل النزاع المؤرخ 20 / 12 /1964 قد انعقد لمدة خمس سنوات تتجدد طالما كان المستاجر قائما بسداد الاجرة وله وحده الحق فى طلب انهائه وان الاجرة مبلغ 180 حنيه تدفع شهريا فانه مع وجود هذ الشرط يعتبر العقد بعد انتهاء مدته الاولى منعقدا للفترة المحددة لدفع الاجرة وهى شهر يتجدد ويقول لاى من المتعاقدين الحق فى انهاء العقد اذا نبه على الاخر قبل النصف الاخير من الشهر اعمالا لنص المادة 563 مدنى واذا كان الطاعنون قد نبهوا على المطعون ضدهم فى 27 / 1 / 1983 بانهاء العقد فان العلاقة الاجارية تكون قد انفصمت بهذا التنبيه واذا خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وعمد الى تحديد مدة الاجارة تحديدا تحكميا بثلاثين عاما فانه يكون قد اخطأ فى تطبيق القانون بما يستوجب نقضه الطعنان 766 و773 لسنة 56 ق هيئة عامة 23 / 2 / 1993 س 39 ع 2 ص 866 و الطعن رقم 564 سنة 61 ق جلسة 12 / 7 / 1995 والطعن رقم 935 لسنة 60 ق جلسة 29 / 12 / 1994 والطعن رقم 3602 لسنة 59 ق جلسة 23 / 3 / 1994 .



·



النص فى البند الرابع من عقد الايجار سنة الدعوى" مدة الايجار مشاهرة تبدا من 1 / 2 / 1971 وتنتهى 28 / 2 / 1971 قابلة للتجديد مدة بعد اخرى مالم يطلب المستاجرين انهاء هذا العقد من جانبهم " يدل على ان الايجار وان بدا سريانه لمدة معينة الى انه قد لحقه الامتداد مدة بعد اخرى وفقا لشروطة ولا يتوقف انتهاء الايجار على مجرد انقضاء المدة التى امتد اليها العقد بل لابد من ان ينبه المستاجرون على المؤجرين بانتهاء الايجار وعدم رغبتهم فى استمرارة مالم يحصل هذا التنبيه امتد العقد مدة بعد اخرى واصبح الايجار غير محدد المدة اذ يتعذر معرفة التاريخ الذى ينتهى اليه العقد على وجه التحديد لان شروطة جعلت نهاية مدته منوطه بمحض مشيئة المستاجرين وحدهم دون اى ضابط اخر مما يحعل هذه المدة غير مجددة بحد معين ولما كانت العلاقة الايجابية يحكمها العقد والنصوص القانونية التى وضعها المشرع مكملة لاحكامة او منظمة لشروطة فان المادة 563 مدنى اصبحت هى الواجبة التطبيق وهى تحدد مدة الايجار وحق الطرفين المؤجر والستاجر فى انهائه واذ جاء النص صريحا يتعين تطبيقة ولا محل للقول بان العقد ينعقد لمدة يحددها القاضى تبعا لظروف وملابسات التعاقد او ان الايجار ينتهى بوفاة المستاجر او انقضاء ستين عاما على ابرام عقد الايجار قياسا على احكام الحكر اذ لا محل للاجتهاد او القياس وهناك نص قانونى يحكم الواقعة , لما كان ذلك , وكان الحكم المطعون فية قد عول فى قضائه بانهاء العقد على التنبيه الحاصل من المؤجرين فانه يكون قد انتهى الى النتيجة الصحيحة اذ يستمد المؤجر هذا الحق من القانون مباشرة .

الطعن رقم 2440 لسنة 54 ق جلسة 5 / 4 / 1990 س 41 ص 926- الطعن رقم 86 لسنة 63 ق جلسة 15 / 1 / 1997 .













مكتب / محمد جابر عيسى المحامى



تقرير لجنة التفتيش على العراق








تقرير لجنة التفتيش على العراق



وقيمته القانونية







تمهيد :-

إن نشوء واقعة أو رابطة معينة في الواقع ، ومحاولة معرفة أثرها أو قانونيتها لابد أولاً من المفترض وجود قاعدة قانونية معينة يمكن إسناد هذه الواقعة إليها .... ومن ثم فإن تحديد معنى هذه القاعدة القانونية ونطاقها تحديداً دقيقاً يمكن أن يعطينا الأثار القانونية لهذه الواقعة في ضوء القاعدة القانونية المستمدة منها .



وعليه فإذا كان أول ما يثار بالذهن أن التحقيق في أمر ما لا يكون إلا عندما يكون هناك نزاع حول هذا الأمر ، لذلك فإن تحديد القيمة القانونية لأعمال لجان التحقيق على العراق يكمن في معرفة أمرين ، الأول : حصر وتحديد معنى النزاع ، ثانياً : تحديد القاعدة القانونية المسند إليها أعمال لجان التحقيق ..... ومن ثم نخلص في النهاية إلى تحديد الأثار القانونية لأعمال لجان التحقيق ، أو قيمة أعمالها قانوناً وهو ما سأعرض له .



النـزاع : -

يقصد بالنزاع الدولي : خـلاف بين دولتين على مسألة قانونية أو حادث معين أو بسبب تعارض وجهات نظرهما القانونية أو مصالحهما (1) .



وبذلك يتضح وحسبما يظهر من اجتهاد القضاء الدولي أن أي نزاع لا بد له من موضوع ، أما نوع هذا النزاع - هل هو نزاع قانوني أو سياسي فهو يستند إلى عناصر هذا النزاع وخصائصه ، وفي كل الأحوال يميز الفقه القانوني الدولي بين نوعين من النزاع (2) .



الأول : نزاع ذو طابع قانوني :

وهو النزاع الذي يكون فيه الطرفان على خلاف حول تطبيق وضع أو تفسير حكم ، وهذا النوع من النزاع يمكن حله بالاستناد إلى القواعد القانونية ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر قضية المناطق الحرة (3) ، وقضية لوتس (4) ، وقضية ألاباما (5) .



الثاني : نزاع ذو طابع سياسي :

وهذا النزاع لا يخضع للقضاء وينشأ عن طلب أحد الطرفين تعديل وضع ، وهذه المنازعات كما يرى بحق البارون ديكان عبارة عن ادعاءات متناقضة صادرة من طرفي النزاع ولا يمكن أن توصف بأنها منازعات قانونية ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر النزاع الألماني البولوني عام 1939م حول دنتزيغ ، والنزاع الأماني التشيكوسلوفاكي عام 1938م حول قضية سودات .



وبناء على ما تقدم فإن نوعي النزاع السابقين يختلفان وفقاً لطبيعة كل منهما ، فالنزاع القانوني يحل بالطرق القضائية أو التحكيمية بالاستناد إلى قانون وضعي ، والنزاع السياسي يتم حله بالطرق الدبلوماسية أو السياسية والتي يراعى فيها التوفيق بين المصالح.



وعليه يكون النزاع بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية بشأن مسألة نزع أسلحة الدمار العراقية نزاع سياسي يحل بالطرق الدبلوماسية أو السياسية ، وبالفعل تم إرسال محققين لأرض العراق بغية حل هذا النزاع بالطرق الدبلوماسية .



بعد تحديدنا لمفهوم النزاع الدولي وأنواعه نتكلم عن لجان التحقيق الدولية :-







نشأتها وتطورها :-





لقد نشأت لجان التحقيق الدولية بناء على المبادرة الروسية في مؤتمر لاهاي الأول وتم وضعها حيز التنفيذ في نصوص اتفاقية في مؤتمر لاهاي الثاني في المواد (9-36) (6) وتحركت طريقة التحقيق لأول مرة في قضية دوكرنبك أو صيادي هول الناشئة عن مهاجمة الأسطول الروسي بقيادة الأميرال رودجستننسكي خطأً قوارب الصيد الإنجليزية في عام 1904 م التي ظنها الأسطول الروسي مدمرات يابانية حيث تألف في هذا الشأن لجنة تحقيق دولية، وحدد بيان سان – بترسبورغ مهمتها واختصاصاتها وكانت برئاسة الأميرال فورنية وبعد شهر من اجتماعها ووضعت تقريراً على أثره دفعت روسيا تعويضاً لبريطانيا ، وعلى أثر ذلك نظمت طريقة التحقيق عام 1907 م وفقاً لمؤتمر لاهاي وتميز بالتالي :-



1- أنها ترمي إلى تسوية القضايا الفعلية .



2- أنها اختيارية .



3- تتألف لجان التحقيق بموجب اتفاقية خاصة .



4- ليس لتقرير اللجنة أي صفة إلزامية (7).







معاهدات بريان :







إن اتفاقية لاهـاي لم تقدم سوى خطة عامة لتأليف لجان التحقيق وتحريكها وتركت الحرية للأطراف المتعاقدة في اللجوء إلى طريقة التحقيق .



وإزاء ذلك قد شاءت بعض الدول إلى الذهاب إلى أبعد من ذلك بتعهدها الصريح باللجوء إلى لجنة تحقيق في ظروف تحددها اتفاقيات تعقد لهاذ الخصوص ، وقد تبنت الولايات المتحدة الأمريكية ممثلة في وزير خارجيتها بريان هذه الفكرة ، فعقد بريان أكثر من ثلاثين اتفاقية من هذا النوع أطلق عليها معاهدات بريان نسبة إليه (8) .







التحقيق في عهد عصبة الأمم المتحدة :







لجأت عصبة الأمم المتحدة إلى طريقة التحقيق خلال الفترة من 1919م إلى 1939م واستعملت هذه الطريقة في المنازعات التالية :-



1- قضية جزر ألاند بين السويد - وفنلندا ، حيث تم تعيين لجنة مقررين مهمتها تزويد مجلس الأمن بالحلول والتثبت من أن سكان هذا الأرخبيل يرغبون البقاء على جنسيتهم الفنلندية أم يرغبون في الجنسية السويدية .



2- قضية الموصل بين بريطانيا - وتركيا ، حيث تم تعيين لجنتي تحقيق تتوليان جمع المعلومات وعناصر التقدير التي من شأنها تعيين الحدود ما بين تركيا والعراق .



3- قضية حادث الحدود ما بين اليونان - وبلغاريا في دامر – كابو حيث عين المجلس لجنة تحقيق مهمتها دراسة أسباب الحادث في مكان حدوثه وتحديد المسؤوليات .



4- قضية النزاع الياباني – الصيني عن اعتداء اليابان على منشوريا ، حيث عين المجلس لجنة تحقيق سميت لجنة ليتون على اسم رئيسها مهمتها دراسة الحادث في مكان وقوعه وتقديم اقتراحات تسوية وقد انسحبت اليابان من عصبة الأمم المتحدة بسبب تبني الجمعية العامة لقرار اللجنة .







تطبيق طريقة التحقيق من قبل الأمم المتحدة :







1- في فلسطين : عام 1947م عينت الجمعية العامة لجنة خاصة مزودة بصلاحيات واسعة لدراسة قضية فلسطين وعلى أساس قرار اللجنة تبنت الجمعية العامة خطة التقسيم .



2- في اليونان : حيث عين مجلس الأمن عام 1946م لجنة تحقيق مهمتها توضيح أسباب الاضطرابات القائمة في شمال اليونان ، وتقرير اللجنة الذي صدر لم تقترن بأي نتيجة وتعذر على المجلس اتخاذ أي قرار .



3- في اليونان : أيضاً حيث عين مجلس الأمن عام 1947م لجنة خاصة مهمتها التحقيق في الحالة العامة في اليونان وفي ما يهدد استقلال وحدتها .



4- في إندونيسيا : عين مجلس الأمن لجنة مهمتها مراقبة انتهاء القتال ما بين هولا ندا وإندونيسيا وكان من جهود اللجنة توقيع اتفاقيات رنفيل .



5- في ألمانيا : عام 1951 م عينت الجمعية العامة لجنة مهمتها التحقيق في إمكانية إجراء انتخابات حرة في هذا البلد إلا أن اللجنة علقت أعمالها بسبب رفض السلطات السوفيتية التعاون معها .



6- في المجر : عام 1957م عينت الجمعية العامة لجنة خاصة من خمسة أعضاء مهمتها المراقبة المباشرة في المجر لتلقي البيانات وجمع الأدلة والمعلومات .







الطبيعة القانونية لأعمال لجان التحقيق :







بعد هذه العرض تبين لنا أن نشأة لجان التحقيق رضائية بحتة ، حيث لا يوجد نص ملزم في عهد عصبة الأمم أو هيئة الأمم يبين أن نشأة هذه اللجان إجباري في وقت معين وفي نزاع معين ... بل أن العرض التاريخي يكشف لنا أن الأساس الوحيد الملزم لهذه اللجان هو في الاتفاقيات والمعاهدات الخاصة بتلك المسألة ، وأن هذه الاتفاقات هي التي ترسم تشكيل لجان التحقيق ودورها والقوة الملزمة لقراراتها ، وذلك لأن هذه المعاهدات بمثابة التشريع في النظام الداخلي ، فالدول عندما تتراض فيما بينها على إنشاء اتفاقية أو معاهدة معينة تقوم بالوظيفة ذاتها التي يقوم بها المشرع الداخلي في كل دولة .



لذلك فإن القوة الملزمة لقرارات لجان التحقيق ينبع من معاهدة إنشاءها ، ومن ثم فالمشكلة تثور حول طبيعة قرارات لجنة التفتيش الحالية على العراق ، فلا يوجد معاهدة معينة يمكن إسناد أو تأسيس أعمال هذه اللجنة بناءً عليها وفقاً لنصوصها لأن مثل هذه المعاهدة هي التي تحدد مقدماً القيمة القانونية لقرارات اللجنة .



وفي غياب مثل هذه الاتفاقية ، وحيث أنه كما رأينا في التمهيد أن لجان التحقيق قد تنشأ للتحقيق في مسألة وجود شيء ما أو عدم وجودة وهو ما يطلق عليه بالنزاع السياسي .



فإن عمل هذه اللجنة ينحصر تحديداً في التحقيق من وجود أسلحة دمار شامل من عدمه ولا يمتد إلى أكثر من ذلك ، وأنه بالنظر إلى وقائع إرسال هذه اللجنة نجد أنها أرسلت من قبل الأمم المتحدة ولاقت قبول من العراق أي يمكن القول أن هناك رضاء من العراق بالموافقة على أعمال هذه اللجنة في التحقيق وكذلك الجماعة الدولية بأسرها باعتبار أن الأمم المتحدة تمثل غالبية دول العالم .



وبذلك يكون للقوة التي أنشأها هذا التراضي بين الأمم المتحدة والعراق على أعمال اللجنة قوته الملزمة للطرفين وفي حق العالم كل ، لأنه يتحدد قيمة الاتفاقية أو المعاهدة على الوصف الذي يصدق على هذه الاتفاقية ، فإذا كانت الأمم المتحدة وهي تمثل الجماعة الدولية تبنت فكرة إرسال لجنة تحقيق على العراق وقابل العراق ذلك بالقبول ، فإن ذلك يعد اتفاقا جماعياً يغلب على حكمه وصف العمومية ، ونلحظ ذلك من نص المادة 103 من الميثاق والتي تقضي بأنه : إذا تعارضت الالتزامات التي يرتبط بها أعضاء الأمم المتحدة وفقاً لأحكام هذا الميثاق مع أي التزام دولي آخر يرتبطون به فالعبرة بالتزاماتهم المترتبة على هذا الميثاق .



وعليه ووفقاً لتحليلنا للمسألة من المبدأ الذي انطلقنا منه نقول أن نشوء الواقعة أو الرابطة المحددة والتي هي محل نزاع وهي واقعة امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل هي واقعة مادية يسهل التحقق منها لأن هذا مناط عمل لجنة التحقيق .



أما من ناحية وجود القاعدة القانونية التي تحكم ذلك فإن الأمر يستحق الفصل بين القواعد القانونية التي تحكم عمل اللجنة ، والقواعد القانونية التي تطبق في حالة امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل .



أما من ناحية القواعد القانونية التي تحكم عمل اللجنة فإن الأصل فيها يرجع إلى مبدأ التراضي الحاصل بين الأمم المتحدة والعراق على عمل هذه اللجنة وبالتالي فعمل هذه اللجنة ملزم للعراق من ناحية المبدأ فعليها أن تسهل مهمتهم وأن تسمح بعملهم .



أما القاعدة القانونية التي تطبق حال امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل وبمعنى أخر الأثر الذي يترتب على نتيجة أعمال هذه اللجنة في حال ثبوت امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل من عدمه - فإن الفصل في ذلك يرجع إلى مجلس الأمن لا للولايات المتحدة الأمريكية .



فهل يتصدى مجلس الأمن لهذا الأمر ويحافظ على الشرعية الدولية ؟



وهل يعامل العراق من قبل المجتمع الدولي ممثل في الأمم المتحدة في ظل مبدأ المساواة والسيادة الدولية عند النظر في امتلاكه أسلحة دمار شامل بفرض تحقق ذلك أسوة بالولايات المتحدة الأمريكية نفسها وإسرائيل ..... وغيرهما كثر من الدول التي تمتلك أسلحة نووية ؟







(1 ) قرار محكمة العدل الدولية الدائمة الصادر بتاريخ 30/7/1924م بشأن قضية ملفروماتيس .



(2 ) شارل رسو ، القانون الدولي العام ، 283 .



(3 ) قرار محكمة العدل الدولية الدائمة بتاريخ 7 حزيران 1932م حول الخلاف الفرنسي السويسري بشأن المناطق الحرة في جيكس والسافوا العليا .



(4 ) قرار محكمة العدل الدولية الدائمة بتاريخ 7أيلول 1927 م في الخلاف بين ناقلة الفحم التركية بوزكورت والباخرة الفرنسية لوتيس .



(5) في هذه القضية طلبت الولايات المتحدة الأمريكية من بريطانيا التعويض عن الخسائر التي لحقتها من جراء سماح بريطانيا ببناء السفينة ألاباما وتسليحها في المواني الإنجليزية لصالح الجنوبيين الأمريكيين أثناء حرب الأنصال الأمريكية .



(6) فقد نصت المادة التاسعة على أنه ( من المفيد والمرغوب فيه في حالة الخلاف على وقائع نزاع دولي لا يمس شرف الدولة أو مصالحها الأساسية أن تعين الدولتان المتنازعتان لجنة تحقيق دولية تعهد إليها بفحص وقائع النزاع وتحقيقها )



(7 ) شارل رسو ، القانون الدولي العام ، 289 .



(8) تولى وزارة الخارجية الأمريكية من عام 1913م إلى عام 1915م .










مكتب / محمد جابر عيسى المحامى



حكم التحكيم الأجنبي








حكم التحكيم الأجنبي







إذا كان للحكم معني اصطلاحي موحد وهو " المنطوق الواجب تنفيذ ما أمر به " وإذا كان التحكيم قضاء خاص أو استثنائي ، لأن الأصل أن المحاكم لها ولاية الفصل في المنازعات باعتبارها الجهاز الذي يباشر السلطة القضائية للدولة .



لذلك نعرض بإيجاز مناسب لمفهوم حكم التحكيم الأجنبي من خلال تقسيمه إلى فرعين نخصص الفرع الأول للتعريف بحكم التحكيم ونخصص الفرع الثاني للصفة الأجنبية لحكم التحكيم .



الفرع الأول



التعريف بحكم التحكيم







إذا كان تحديد معنى الحكم مسألة من مسائل التكييف ، فإن محاولة تحديد معنى حكم التحكيم ليست بالأمر الهين ، لأنه يجب من البداية وكمسألة أولية أن نحدد ما إذا كان اتفاق الأطراف على إحالة النزاع على شخص ثالث هو من قبيل الاتفاق على التحكيم ، أم أنه من قبيل الخبرة أو الوساطة ، فيجب على القاضي أن يأخذ في الاعتبار كمسألة أوليه عند القيام بتكيف العمل الصادر من ذلك الشخص الثالث تحديد ما إذا كان صادر منه بصفته محكم أم بصفته خبير أو وسيط بين الطرفين ، ويكون ذلك بتحديد طبيعة المهمة الموكلة إليه ، ويقوم القاضي بتحديد ذلك بما له من سلطة تقديرية ، فيجب استبعاد تكييف القرار بأنه قرار محكم عندما يبدو أن حل النزاع لم يكن بسبب عمل حاسم صادر من ذلك المحكم (1).



فإذا انتهينا بأن اتفاق بإحالة النزاع على شخص ثالث هو اتفاق على التحكيم فيجب أن نحدد بعد ذلك ما إذا كان العمل الصادر من المحكم هو عمل قضائي من عدمه لتحديد ما إذا كان القرار الصادر منه هو حكم تحكيم أم لا ، وذلك لأن الوظيفة القضائية الممنوحة للمحكم بناء على اتفاق التحكيم ، تجعل عمل المحكم يكتنفه العديد من الفروض ، ففي إحدى القضايا حرر المحكم رأيه موضحاً وجهة نظرة في الحل المقرر للنزاع ، فقالت محكمة استئناف باريس أن مثل هذا الرأي ليس بعمل قضائي (2) .



وبذلك يتضح أن محاولة تعريف حكم التحكيم ليست بالأمر الهين ، بدلالة أن القانونيين الذي وضعوا القانون النموذجي للتحكيم الدولي ( اليونسترال ) حاولوا أن يضعوا تعريفاً للحكم التحكيمي ولكنهم تراجعوا عن ذلك ، وكان النص المقترح لتعريف الحكم التحكيمي هو أن كلمة حكم تحكيمي يجب أن تفهم على أنها حكم نهائي يفصل في كل المواضيع المطروحة على المحكمة التحكيمية (3) .



ولكن اتفاقية نيويورك لتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية حددت المقصود بأحكام المحكمين بقولها في المادة الأولي فقرة (2) أنه يقصد بأحكام المحكمين ليس الأحكام الصادرة عن محكمين معينين للفصل في حالات محددة بل أيضاً الأحكام الصادرة عن هيئات تحكيم دائمة يحتكم إليها الأطراف ، ويلاحظ على هذا التعريف أنه تعريف عام شامل لأنه قد يصدر عن المحكمين أحكام تمهيدية أو جزئية ليست فاصلة للنزاع ومع ذلك تعد أحكام تحكمية وفقاً لهذه التعريف .



وعلي ذلك يمكن تحديد المقصود بحكم التحكيم القابل للتنفيذ دولياً بأنه هو حكم التحكيم الملزم المنهي للخصومة ، أي الحكم الفاصل في موضوع النزاع المنهي للخصومة (4) ، سواء كان صادراً بإجابة المدعي إلى طلباته كلها أو بعضها أو برفضها جميعاً .











الفرع الثاني



الصفة الأجنبية لحكم التحكيم







بعد أن انتهينا من تحديد معني حكم التحكيم ، يجب علينا بيان الصفة الأجنبية لحكم التحكيم ، لأن لتحديد الصفة الأجنبية لحكم التحكيم أهمية بالغة حيث يترتب على التمييز بين حكم التحكيم الأجنبي وحكم التحكيم الوطني اختلاف في القواعد القانونية المطبقة على كل منهما ، فالتحكيم الوطني يستتبع تطبيق القانون الوطني ، بخلاف الحال لو أشتمل التحكيم على عنصر أجنبي أو أكثر ، فنكون أمام احتمال تطبيق قانون أو قوانين أجنبية .



كما يترتب على التمييز بين حكم التحكيم الأجنبي وحكم التحكيم الوطني أهمية خاصة فيما يتعلق بتحديد قواعد الاختصاص الدولي للمحاكم بنظر طلب الأمر بالتنفيذ أو استئناف حكم التحكيم أو رفع دعوى ببطلانه ، كذلك تبرز فكرة النظام العام عندما يتعارض حكم التحكيم مع النظام العام في الدولة المطلوب إليها التنفيذ ، ففكرة النظام العام في التحكيم الأجنبي تضيق عن فكرة النظام العام في التحكيم الوطني ، كما تبدو أهمية معرفة صفة التحكيم وانتماءه لدولة معينة لتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل أو التبادل .



ومن هنا يثور التساؤل على أي أساس يمكن التمييز بين حكم التحكيم الوطني وحكم التحكيم الأجنبي ؟



للإجابة على هذا التساؤل يوجد عدة معايير لتمييز حكم التحكيم الأجنبي عن حكم التحكيم الوطني أشهرها معيار مكان صدور الحكم ويطلق عليه المعيار الجغرافي والمعيار الإجرائي ويطلق علية المعيار القانوني ، ولكن قبل الاسترسال في بيان هذين المعيارين ينبغي أن ننوه إلى أن جنسية المحكم ، أو جنسية أطراف التحكيم ليس لهما أي اعتبار في تحديد الصفة الأجنبية أو الوطنية لحكم التحكيم ، لأن مناط التمييز يتركز حول الربط بين مسألة انتماء التحكيم وإجراءاته لعنصر معين سواء كان هذا العنصر جغرافي أو قانوني .



1- المعيار الجغرافي :



ومؤدي هذا المعيار أن حكم المحكمين يأخذ جنسية المكان الذي صدر فيه (5) فالعبرة في ثبوت الصفة الأجنبية لحكم المحكمين هي بضرورة صدوره في بلد أجنبي ، بغض النظر عن البلد الذي عقدت فيه مشارطه التحكيم ، وبغض النظر عن جنسية الخصوم أو المحكمين (6) ، وفي حالة تعدد الدول التي يعقد فيها التحكيم ، فيعتد بالدولة التي أنعقد فيها التحكيم بصفة رئيسية وصدر فيها حكم التحكيم ، وذلك لأن الحكم يحمل اسم سلطة الدولة التي صدر فيها ، فالمحكمين يتولون القضاء عن طريق التفويض الذي يصدر لهم من سلطة الدولة على إقليمها (7) ، كما أن المحكمين لا يجلسون للحكم عادة إلا في دولة تربطها بالنزاع موضوع التحكيم صلة وثيقة (8) .



والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ، هل يجوز لقاضي الدولة الذي يتولى تكييف حكم التحكيم أن يحدد جنسية الحكم بدولة معينة لمجرد صدوره فيها ، أم يكتفي بإسباغ الصفة الأجنبية عليه ؟



يري البعض عدم إمكانية قيام قاضي الدولة الذي يتولى تكييف حكم التحكيم بإسباغ جنسية دولة أخري على الحكم التحكيمى لمجرد صدوره في فيها ، وأن كل ما يملكه هو أن يقرر ما إذا كان يعتد بمعيار محل صدور الحكم وصولاً إلى أجنبية الحكم الصادر في أي من الدول الأخرى ، فله أن تحدد صفة الحكم ( وطنياً أم أجنبياً ) ولكن لا تملك تحديد جنسيته (9) .



والظاهر أن أغلب القوانين لم تتعرض صراحة لمسألة جنسية حكم التحكيم وإن كان يفهم من بعض القوانين اعتبار حكم التحكيم الصادر في بلد أجنبي حكم تحكيم أجنبي ، كما هو الحال في القانون المصري ، حيث نصت المادة 299 مرافعات على أن ( تسري أحكام المواد السابقة " أي المتعلقة بتنفيذ الأحكام الأجنبية" على أحكام المحكمين الصادرة في بلد أجنبي ) ، لذلك يصعب التسليم بالرأي السابق لأن تحديد جنسية حكم التحكيم تكون ضرورية لتطبيق مبدأ التبادل أي المعاملة بالمثل ، أو لإعمال أحكام اتفاقية ما خاصة بتنفيذ أحكام المحكمين .



وتأخذ معظم الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتحكيم بمعيار مكان صدور الحكم لتحديد الصفة الأجنبية لحكم التحكيم ، فأهم اتفاقية دولية لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية ، وهي اتفاقية نيويورك لعام 1958م ، قد نصت في مادتها الأولي على أن ( تطبق الاتفاقية الحالية للاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الصادرة في إقليم دولة غير التي يطلب إليها الاعتراف وتنفيذ هذه الأحكام على إقليمها ) .



ويتميز معيار مكان صدور حكم التحكيم بالوضوح وسهولة الوصول إليه إلا أنه لا يخلوا من النقد ، حيث لا يكفي وحدة لتحديد جنسية حكم التحكيم ، لأنه قد تكون الصدفة وحدها وراء اجتماع المحكمين في دولة معينة للنطق بالحكم وتوقيعه كذلك لا توجد فائدة للأخذ بهذا المعيار في حالة عدم تقابل المحكمين البتة ، وذلك إذا ما تم تبادل وجهات النظر عن طريق المراسلة وهو أمر ممكن عملاً (10) ، كما أن معيار مكان صدور حكم التحكيم كما يقول القضاء الفرنسي قد يكون له أهمية هامشية بالنسبة لإجراءات التحكيم في جملتها (11) .



والواقع أنه يصعب علينا التسليم بهذا المعيار بالجملة لأنه بالإضافة إلى أوجه النقد السابقة ، نجد أن هذا المعيار يفترض تطابق القواعد القانونية في الدول وهذا من الصعب أن يحدث ، لأنه على سبيل المثال في فرنسا يكون حكم التحكيم الذي يصدر فيها أجنبياً ، في حالة تطبيق المحكمين قانوناً أجنبياً غير القانون الفرنسي حيث أصدرت محكمة باريس في 5/7/1955م حكماً قالت فيه ( أن حكم التحكيم الصادر في تحكيم أجرى في فرنسا هو حكماً أجنبياً لأنه صادر وفقاً لأحكام القانون الإنجليزي ) ، وفي ألمانيا يعتبر حكم التحكيم وطنياً ولو صدر في الخارج إذا ما خضع لقانونها الإجرائي (12) .



كما أن هذا المعيار يعد قياساً على معيار أجنبية الأحكام القضائية ، وهو قياس مع الفارق لأنه كما سبق وأن أوضحنا في المطلب السابق أن التحكيم ذو طبيعة خاصة ، وبالتالي لا تصلح المعايير التقليدية لأن تصوغ الأحكام الخاصة به كما أن معيار مكان صدور الحكم القضائي منتقد بإمكانية صدور أحكام قضائية في الخارج ومع ذلك تعد أحكام وطنية كما هو الحال في أحكام المحاكم القنصلية وأحكام محاكم البلاد الواقعة تحت الاحتلال الحربي ، وبالإضافة إلى ذلك كله فإن اتفاقية نيويورك لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية لم تكتف بالأخذ بهذا المعيار بمفردة وأخذت بمعيار أخر بجانبه وهو كون أحكام التحكيم أجنبية وفقاً لقانون الدولة المطلوب فيها الاعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه ، حيث نصت في مادتها الأولى على ذلك بالقول ( … وكذلك على أحكام التحكيم المعتبرة غير وطنية في دولة التنفيذ ) ، ولكن ليس معني ما أثرناه بقولنا هذا أننا نرفض الأخذ بهذا المعيار ، بل على العكس نوافق عليه ، ونؤيد العمل به ، كل ما في الأمر أن هذا المعيار ليس في رأينا هو المعيار الوحيد لتحديد الصفة الأجنبية لحكم التحكيم بحيث يكون جامعاً مانعاً من الأخذ بأي معيار أخر لتحديد الصفة الأجنبية للحكم .







2- المعيار الإجرائي ( المعيار القانوني ) :



ومؤدي هذا المعيار اكتساب حكم التحكيم جنسية الدولة التي تم تطبيق قانونها الإجرائي على التحكيم (13) .



ووفقاً لهذا المعيار يكون حكم التحكيم أجنبياً إذا تم داخل إقليم الدولة نظراً لخضوعه إجرائياً لقانون دولة أخرى ، ويكون حكم التحكيم وطنياً رغم صدوره في الخارج إذا تم وفقاً للقانون الوطني (14) .



ويمكن للأفراد من خلال هذا المعيار التحكم في الصفة الأجنبية أو الوطنية لحكم التحكيم بطريقه غير مباشرة من خلال اختيار مكان إجراء التحكيم ، لأنه سيتم في هذه الحالة تطبيق القانون الإجرائي الخاص بهذا المكان على إجراءات التحكيم .



ويتميز المعيار الإجرائي بكونه أكثر تماسكاً من المعيار الجغرافي ، لأنه معيار قانوني لا يخضع لتغيرات المكان ويضرب بعض الشراح الغربيين مثالاً لذلك بالقول أنه إذا ذهب المحكم الإيطالي مثلاً بعد انتهاء التحكيم في إجازة إلى يوجوسلافيا ، وأخذ معه ملف القضية وكتب الحكم ووقعه هناك ، فلن يكون هذا الحكم يوجوسلافياً بفضل هذا المعيار الإجرائي (15) .



كما أن المعيار الإجرائي يتمشى مع التكييف الغالب للتحكيم على أنه ذو طابع قضائي أو ذو طابع خاص أقرب للقضاء (16) ، وأستخلص بعض الشراح تأييد اتفاقية نيويورك للمعيار الإجرائي وذلك عندما تتحدث الاتفاقية عن تعريف الأحكام الأجنبية فهي بالدرجة الأولي تلك الأحكام الصادرة في دولة غير التي يراد الاعتراف بالحكم وتنفيذه فيها بالإضافة إلى ذلك تسري الاتفاقية أيضاً على الأحكام الصادرة في نفس الدولة المطلوب فيها التنفيذ إذا اعتبرتها هذه الدولة مع ذلك أجنبية ، ويكون ذلك نتيجة أن التحكيم خضع لقانون إجرائي مختلف عن قانون الدولة المطلوب فيها الاعتراف بالحكم وتنفيذه ، وذلك لإحداث توفيق لا بد منه بين متطلبات بعض الدول للاعتراف بالمعيار الإجرائي وبين اعتراضات الدول الأخرى (17) .



ويؤخذ على هذا المعيار عدم مراعاته للجانب الإرادي في التحكيم ، لأن إرادة الأطراف تسري في أوصال العملية التحكمية ولا تنفصل عنها (18) .



ويتضح لنا أن الأخذ بهذا المعيار لتحديد الصفة الأجنبية لحكم التحكيم ومن ثم جنسية حكم التحكيم يتفق مع الطبيعة الخاصة بالتحكيم كنظام لحسم المنازعات لأنه لا شك أن المعيار الجغرافي قد يبدو غير منطقي في بعض الأحوال ، حينما يجعل جنسية حكم التحكيم متوقفة على مكان صدوره حتى وإن كان هذا المكان يقل كثيراً في أهميته مقارنة بالعناصر الأخرى الداخلة في عملية التحكيم .



وفى النهاية يمكن لنا القول أنه لا يوجد قاعدة موحدة على مستوى دول العالم لاعتبار حكم تحكيم ما أجنبياً من عدمه ، فكل قاضي يراد منه الاعتراف بحكم تحكيم ما ، هو الذي يتولى تقدير كون ذلك الحكم أجنبياً من عدمه وهو يجري هذا التقدير وفقاً لقانونه الداخلي ووفقاً للاتفاقيات المنضمة إليها دولته ، وإنما عنينا بالإشارة إلى المعيارين السابقين بوصفهما الأكثر شيوعاً بين الدول ، فقد تأخذ دولة ما بأحدهما أو بهما معاً أو بضوابط معينة منصوص عليها في قانونها الداخلي ، وهذا ما راعاه واضعوا نصوص معاهدة نيويورك حينما نصوا على أن حكم التحكيم يكون أجنبياً متي كان صادراً في دولة ما ويراد تنفيذه في دولة أخري وأن ذلك لا يمنع من أن تعتبر دولة ما حكم تحكيم أجنبياً متي كان قانونها الداخلي يقرر ذلك وفقاً لضوابط معينة مثل موضوع النزاع ، وجنسية ومحل إقامة أطرافه وجنسية المحكمين ومكان التحكيم ، والقانون المطبق لحسم النزاع ، ومكان توقيع العقد أو تنفيذه .



ويجب أن نلاحظ أن التطور القانوني السريع في مجال التحكيم قد أفرز عن وجود ما يسمي بالتحكيم الدولي بجانب التحكيم الوطني والتحكيم الأجنبي وهو التحكيم الذي ينتمي لأكثر من دولة بأكثر من عنصر من عناصره ويصعب تحديد انتماءه لدولة معينة دون الدولة الأخرى (19) ، وقد نص على هذا النوع من التحكيم قانون التحكيم المصري الجديد رقم 27 لسنة 1994م في المادة الثالثة منه ، وقانون التحكيم الدولي اللبناني سنة 1983م في المادة (809) فقرة (20) ، وقانون التحكيم اليمني سنة 1992م ، وقانون التحكيم التونسي سنة 1993م وقانون التحكيم الجزائري سنة 1993م ، وقانون التحكيم البحريني سنة 1994م وقانون التحكيم العماني سنة 1997م ، وقانون التحكيم السويسري سنة 1987م وقانون التحكيم البلجيكي سنة 1985م .



أما على مستوى الاتفاقيات الدولية فهو غير موجود إلا في نطاق اتفاقية واشنطن لتسوية منازعات الاستثمار بين الدول ورعايا الدول الأخرى عام 1956م فالمراكز الإقليمية للتحكيم لم يتمخض عنها وجود تحكيم دولي يتمتع بنفاذ دولي مباشر حتى على النطاق الإقليمي الذي تمارس فيه هذه المراكز نشاطها ، فالأحكام الصادرة في نطاق هذه المراكز يجري بحث وطنيتها وأجنبيتها حسب محل صدورها أو حسب أحد المعايير الأخرى التي تأخذ بها دولة التنفيذ المعنية (21) .



والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل هناك فرق بين حكم التحكيم الدولي وحكم التحكيم الأجنبي ؟



للإجابة على هذا التساؤل نقول : يري البعض عدم وجود فرق بين حكم التحكيم الأجنبي وحكم التحكيم الدولي ، ويجمع بينهما تحت اسم واحد هو حكم التحكيم الدولي وأن كل تحكيم غير وطني هو دولي لأن أي حكم تحكيم أجنبي بالنسبة لدولة ما يعد وطنياً بالنسبة لدولة أخري ، ومن ثم فإن اتصال التحكيم بأكثر من نظام قانوني يجعله تحكيم دولي ، ولأن التفرقة بين التحكيم الأجنبي والتحكيم الدولي تؤدي إلى الخلط بين التحكيم الذي يتم بين أفراد أو هيئات خاصة والتحكيم الذي يمكن أن يقع بين الدول (22) .



ويري البعض الأخر أنه لا بد من التمييز بين حكم التحكيم الأجنبي وحكم التحكيم الدولي خصوصاً بعد قيام بعض القوانين بالنص عليه ووضع معايير لتحديده ، إذ يكون على القاضي الذي ينظر طلب تنفيذ حكم تحكيم أن يكيفه بين فروض ثلاثة هي أن يكون حكم التحكيم وطني ، أو أن يكون حكم التحكيم أجنبي أو أن يكون حكم التحكيم دولي (23) .



والواقع أنه بمراجعة حالات دولية التحكيم المنصوص عليها في القوانين المختلفة ومنها القانون المصري في المادة (24) من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم 27 لسنة 1994م ، والقانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الذي وضعته لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولية ( الانسيترال ) ، يتضح لنا أن كل تحكيم أجنبي هو تحكيم دولي ولكن ليس كل تحكيم دولي هو تحكيم أجنبي لأن التحكيم يمكن أن يقع على إقليم دولة محددة ومع ذلك يكتسب الصفة الدولية الأمر الذي يجعل للرأي الثاني وجاهة وثقلاً ، كما أن هناك فروق تترتب على اكتساب حكم التحكيم لوصف الأجنبية أو الدولية تثار بمناسبة تحديد مدى سلطة القاضي الوطني عند التعرض لحكم تحكيم أجنبي أو دولي من حيث التعرض لصحتها أو بطلانها وإصدار الأمر بتنفيذها أو رفضه ، فمثلاً القواعد المتعلقة بحكم التحكيم في ذاته من حيث شروط صحته وضوابط إصدار الأمر بتنفيذه تخضع لقانون الدولة التي تم إجراء التحكيم على إقليمها سواء كان التحكيم وطنياً أم دولياً ، أما إذا كان التحكيم يجري في الخارج فإنه لا يخضع لهذا القانون إلا إذا أتفق أطرافه على ذلك (25) .



وقبل أن أختم هذا الفرع أود أن أشير كذلك أنه في بداية الخمسينيات من هذا القرن أوجد الفكر القانوني وعلى الأخص في فرنسا وألمانيا وسويسرا نوع من أنواع أحكام التحكيم تسمي الأحكام الطليقة أو اللامنتمية ، وهو الحكم الذي لا يقع في نطاق أي قانون تحكيم وطني بواسطة اتفاق الأطراف (26) ، والاختلاف الأساسي بينه وبين حكم التحكيم الدولي ، أن الأخير يتصل بأكثر من نظام قانوني وطني في حين أن الأول لا يتصل بأي نظام قانوني وطني ، وفى واقع الأمر أنه إذا كان هذا النوع من الأحكام قد نشأ كطفرة وجدت في مجال عقود التجارة الدولية عند محاولة عزل العقد عن أي نظام قانوني وتطبيق ما يسمي بأعراف وعادات التجارة ، إلا أن هناك تردد كبير في الاعتراف بوجوده في الواقع ، فهو يلقي معارضة شديدة من قبل القضاء والشراح ، لأنه لابد لأي علاقة أن تستند إلى قانون ما ، وبالتالي فإن أي تحكيم لا بد وأن يرتبط بنظام قانوني معين (27) سواء وطني أو أجنبي أو دولي (28) .







([1]) محمد نور عبد الهادي شحاته ، الرقابة على أعمال المحكمين " موضوعها وصورها – دراسة مقارنة " ، ( القاهرة : دار النهضة العربية ، 1993م ) ، 28 .



(2) المرجع السابق ، 29 .



(3) عبد الحميد الأحدب ، موسوعة التحكيم ، التحكيم الدولي ( القاهرة : دار المعارف ، 1998م ) ، 302 .



(4) وقد وضعت محكمة استئناف باريس تعريفاً لحكم التحكيم في حكمها الصادر في 25/3/1994م في قضية SARDISUD



بقولها أعمال المحكمين التي تفصل بطريقة نهائية في كل أو في جزء من النزاع المعروض عليهم سواء في أساس النزاع ، أو في



الاختصاص ، أو في إجراءات المحاكمة ، وتفضي لوضع حد نهائي للدعوى . منشور في المرجع السابق ، 302 .



(5) وقد وضعت محكمة استئناف باريس تعريفاً لحكم التحكيم في حكمها الصادر في 25/3/1994م في قضية SARDISUD



بقولها أعمال المحكمين التي تفصل بطريقة نهائية في كل أو في جزء من النزاع المعروض عليهم سواء في أساس النزاع ، أو في



الاختصاص ، أو في إجراءات المحاكمة ، وتفضي لوضع حد نهائي للدعوى . منشور في المرجع السابق ، 302 .



(6) عزت محمد علي البحيري ، المرجع السابق ، 54 .



(7) محمد كمال فهمي ، المرجع السابق ، 689 .



(8) عز الدين عبد الله ، تنازع القوانين في مسائل التحكيم الدولي في مواد القانون الخاص ، مجلة مصر المعاصرة ، س69 ، ع371 ،



14 .



(9) إبراهيم أحمد إبراهيم ، تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية ، المجلة المصرية للقانون الدولي ، ع37 لسنة 1981م ، 6 .



(10) عصام الدين القصبى ، النفاذ الدولي لأحكام التحكيم الدولية ( القاهرة : دار النهضة العربية ، 1993م ) ، 36 .



(11) أبو زيد رضوان ، الأسس العامة للتحكيم التجاري الدولي ( القاهرة : دار الفكر العربي ، 1981م ) ، 61 .



عبد الحميد الأحدب ، موسوعة التحكيم ، التحكيم الدولي ، ج2 ( القاهرة ، دار المعارف ، 1998م ) ، 18 .



عصام الدين القصبي ، المرجع السابق ، 28 .



(12) عزت محمد علي البحيري ، المرجع السابق ، 57 .



(13) أبو زيد رضوان ، المرجع السابق ، 61 .



(14) عزت محمد على البحيري ، المرجع السابق ، 60 .



(15) وترجع أصول هذا المعيار إلى العمل القضائي الإنجليزي ، ففي إنجلترا وقبل عام 1979 ،كان للمحكمة العليا أن تجبر المحكم على تحديد موضوع قانوني معين تحت ما كان يسمى بإجراء الحالة الخاصة ، ففي قضية تتلخص وقائعها أن شركة إنجليزية تعاقدت مع شركة إنشاء اسكتلندية للقيام بإنشاء مبني في اسكتلندا ، واتفقا على أن يكون تفسير العقد خاضعاً للقانون الإنجليزي ، وكانت اسكتلندا مقراً للتحكيم ، وبعد تمام الإجراءات من سماع الشهود وتقديم البيانات ن طلبت الشركة الإنجليزية من المحكم أن يعرض القضية على المحكمة العليا ، ولكن المحكم رفض هذا الطلب ، حيث كان القانون الاسكتلندي الفيصل النهائي لحسم مسائل القانون



والواقع ، وقد أقر مجلس اللوردات هذا الرفض . المرجع السابق ، 60 .



(16) المرجع السابق ، 62 .



(17) عصام الدين القصبى ، المرجع السابق ، 29 .



(18) عزت محمد علي البحيري ، المرجع السابق ، 63 .



(19) المرجع السابق ، 63 .



(20) إبراهيم أحمد إبراهيم ، تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية ، مرجع سابق ، 7 .



(21) سامية راشد ، التحكيم في إطار المركز الإقليمي بالقاهرة ومدى خضوعه للقانون المصري ( الإسكندرية : منشأة المعارف ،



1986م ) ، 157 .



(22) إبراهيم أحمد إبراهيم ، تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية ، المجلة المصرية للقانون الدولي ، مرجع السابق ،7 -8 .



(23) عزت البحيري ، المرجع السابق ، 73 .



(24) أحمد شرف الدين ، سلطة القاضي المصري إزاء أحكام التحكيم ، ط2 ، ( القاهرة : النسر الذهبي للطباعة ، 1997م ) ، 37 وما بعدها .



(25 المرجع السابق ، 96 .



(26) ففي القضية المعروفة بـSEEE V. YGOSLAVIA رفضت المحكمة الهولندية العليا تنفيذ الحكم الصادر فيها ، وقالت أنه لا



يشكل حكم تحكيمي بالمعني الحقيقي ، حيث أنه قد صدر من محكمين أثنين على الرغم من أن قانون المرافعات الخاص بمقاطعة



CONTON VAUD السويسرية التي كان يجري التحكيم وفقاً له يتطلب عدداً وتراً في المحكمين ، كما أنه لا يعد حكم تحكيم



وفقاً لاتفاقية نيويورك على الرغم من أن المادة 5/1/د تتيح للأفراد الحرية في تشكيل هيئة التحكيم وإجراءات التحكيم ، لأن حكم



التحكيم وفقاً لذات المادة فقره (هـ) يتطلب أن يكون محكوماً بقانون معين ، وقد بذلت محاولات كثيرة في دول عدة لتنفيذ هذا



الحكم ولكن لم يكتب لها النجاح . منشور في المرجع السابق ، 104 .



(27) ويبدو من المناقشات الموسعة التي جرت بخصوص هذه الفكرة في مؤتمر الأمم المتحدة الذي تمخض عن اتفاقية نيويورك لعام 1958م ، أن معظم الدول لم تشأ أن تخاطر بالأخذ بهذه الفكرة ( الحكم الطليق ) لأن ذلك قد يؤدي إلى المساس بالعدالة وإساءة استعمال حرية الأطراف في مجال التحكيم .














مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




هل يقضي القاضي بشهادة السماع








شهادة السماع أو الشهرة العامة







يقول إدوارد بونيه في كتابه الأدلة : أن الشهادة بالسماع من الدرجة الثانية حيث لا يقصد بها إثبات الواقعة المدعى بها ، وإنما إثبات الشهادة الأولى أو الدليل نفسه ، لأنه لا يتيسر دائماً أن تكون الشهادة مستفادة مباشرة بالمعاينة بل قد تكون مستفادة عن طريق التسامع ، ومن الواضح أن الدليل يضعف كلما أبتعد عن منبعه .







ويقول الفيلسوف الفرنسي مونتيني : إن الأقدمين عندما أرادوا تدوين تاريخهم أدركوا لكثرة الانتقادات الموجهة إليه أين تكون نقطة الضعف في الإقناع ، فراحوا يقوونها بمستندات مزورة ، إن خطأ الفرد يجر أولاً إلى الخطأ العام والخطأ العام يجر إلى الخطأ الفردي وعلى هـذا النحو يسير الخطأ وينمو متنقلاً من إنسان إلى آخر إلى أن يكون الشاهد الأبعد أكثر علماً من الشاهد الأقرب ، ويكون أخر من يعلم أكثر اقتناعا من أول من يعلم ، ومن هنا كانت الحكمة التي قالها لوازيل : أن عيناً واحدة أحق بالتصديق من أذنين .







وعلى هذا لا يقتضي للقاضي أن يأخذ بالأدلة من الدرجة الثانية إذا توافرت الأدلة من الدرجة الأولى ويقول بلانبول وربيير : أن شهادة الشهود على وقائع لا يعلمونها إلا من طريق السماع وهي وإن لم تكن شهادة إثبات طبيعية إلا أنها شهادة على كل حال وهي بدلاً من تثبت الواقعة التي سيترتب عليها كسب الدعوى فهي تثبت واقعة أخرى لا ترتبط بالواقعة الأولى إلا برباط واه وهو رأي الجمهور في الواقعة المتنازع عليها وبهذا يتحول الإثبات من طبيعته الأصلية إلى طبيعة أخرى ، فمن المعلوم أنه لكي تكون الشهادة محل تصديق يجب أن تكون متعلقة بموضوع النزاع ومنصبة عليه في حين أن الشهادة بالشهرة العامة في الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك ليست متعلقة بموضوع النزاع ولا منصبه عليه ومع ذلك يجب الأخذ بها ... إنها شهادة رأي وإذا كان للرأي قوة الشهادة فيما أجازه القانون فهذا مناف لطبيعة الإثبات .







وعلى كل فهناك أحوال يجوز فيها في القانون الفرنسي الإثبات بالشهرة العامة مثل الزوجة التي تريد أن تفض شركة الملك بينها وبين زوجها ، وأولاد الزوج لهم أن يثبتون بالشهرة العامة عين التركة المشتركة وقيمتها إذا لم يكن الزوج قد حصرها وبين قيمتها في قائمة جرد وقت حياته ، وللزوجة وأو لورثتها أن يثبتوا بالشهرة العامة الأثاث الذي آل إليها وقت قيام الزوجية ولم يحرر به قائمة جرد ، وللقاضي إذا لم تتهيأ له الأدلة التي تثبت قيمة شيء أن يلجأ إلى الشهادة بالشهرة العامة ، ولصاحب المنقولات التي وضعها عند شخص آخر ينتفع بها دون أن يحرر بها محضر استلام .







وقال جارسونيه : إنه من الضروري لكي تصبح لشهادة الشهود قيمة في الإثبات أن يشهد الشهود بما علموه شخصياً ذلك أن الإثبات بالشهرة العامة الذي يسأل فيه الشهود عما سمعوه من الغير إنما هو إثبات ناقص لا يجوز قبوله إلا بصفة استثنائية كحالة عدم وجود دليل آخر .



ويقول بيكار : وهو من علماء القانون الجنائي الإيطاليين أن الدليل يقوي الدليل إذا كان كل منهما مستقلاً عن الآخر .







أما القانون الإنجليزي : فلا يجيز مبدئياً شهادة التسامع ، ولكنهم قالوا أن تطبيق هذا المبدأ بصورة مطلقة يضر بالناس ولذلك فقد أجازت إنجلترا وأمريكا فيما بعد هذا المبدأ ولكن وفق ضوابط منها إذا كان الغرض من الشهادة مصلحة عامة أو إثبات وفاة متوفين أو بخصوص وضع يد قديم .



وفي تشريعنا لا يوجد ما يقرر الأخذ بهذه الشهادة أو يمنع من الأخذ أي أن للقاضي مطلق الحرية في الأخذ بهذه الشهادة سواء كانت من الدرجة الأولى أو الثانية ، ولا يوجد عليه قيود.









مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




البصمة الوراثية وقضايا النسب








البصمة الوراثية وقضايا النسب الشرعي



البصمة الوراثية وإثبـات النسب



أولاً - التحقق من النسب باستخدام البصمة الوراثية:



وإذا كان الإسلام قد أحاط النسب بتلك الحصانة حرصًا على الاستقرار في للمعاملات بين الناس، ولتشوفه في إثبات النسب.. إلا أن هذا الأمر قد يتعارض في ظاهره مع حقيقة أخرى إسلامية، وهي التشوف لإثبات الحقيقة، ووضع الحقائق في مكانها الصحيح، قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ* إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" [سورة البقرة، الآيتان: 159 - 160]، وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ" [سورة النساء، الآية: 94] وقال تعالى : " أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَامًا وَرَحْمَةً أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ " [سورة هود: الآية 17].



فكل تلك الآيات وغيرها كثير تأمر بالتبين والتبصر والتثبّت للحقائق فهل يجوز استنادًا إليها أن يتحقّق صاحب النسب المعروف من نسبه بعد نجاح البصمة الوراثية؟ فالأمر يجب التفريق فيه بين حالين هما:



أ - التحقق الفردي للنسب:



تكلّم الفقهاء عن هذه المسألة عرضاً في بابين من أبواب الفقه الإسلامي هما: القيافة



في كتب الجمهور)، ودعوى النسب (في كتب الحنفية)؛ حيث لا ترفع دعوى النسب إلا عند التنازع. كما اشترط الفقهاء القائلون بمشروعية القيافة ووجوب العمل بها: وقوع التنازع في الولد نفيًا أو إثباتًا، وعدم وجود دليل يقطع هذا التنازع، كما إذا ادعاه رجلان أو امرأتان. وكما إذا وطئ رجلان امرأة بشبهة، وأمكن أن يكون الولد من أحدهما، وكل منهما ينفيه عن نفسه أو يثبته لنفسه، فإن الترجيح يكون بقول القيافة.



وبهذا يظهر أنه لا يجوز لمن عرف نسبه بوجه من الوجوه الشرعية أن يطلب تحقيق نسبه بالنظر إلى الشبه بالقيافة. ولكن الفقهاء منعوا التوجه للقيافة إلا عند التنازع، باعتبار القيافة أضعف أدلة إثبات النسب من الفراش والبينة والإقرار، فإذا وجد دليل من هذا دون معارض لم يكن هناك وجه للعمل بأضعف منه.



وإذا ثبت حقاً بأن "البصمة الوراثية" أقوى الأدلة على الإطلاق مع تحقق سبب النسبة من النكاح والاستيلاد.. فقد انتفت العلة التي من أجلها منع الفقهاء التوجه إلى الشبه بالقيافة. ومع ذلك.. فإن التحقق في أمر نسب مستقر، ولو كان بطرق علمية قطعية "كالبصمة الوراثية" فيه من التعريض بالآباء والأمهات وما يستتبعه من قطيعة الرحم وعقوق الوالدين، خاصة إذا ثبت صدق النسب.



ب - التحقق الجماعي للنسب (المسح الشامل)

إن فتح هذا الملفّ بلاء عظيم، وباب فتن خطيرة لا يحمد عقباها، لما فيه من كشف وفضح المستور، والتشكك في ذمم وأعراض الناس بغير مبرر، ودمار لأواصر التراحم بين ذوي القربى، ونقض لما أبرمه الإسلام من استقرار. ولا يوجد أدنى شك في تحريم وتجريم مثل هذا العمل البشع.



ثانياً - إثبات النسب الشرعي بالبصمة الوراثية دليل قطعي:



لا خلاف بين الفقهاء في أن النسب الشرعي يثبت بالفراش الطبيعي والحقيقي، وهو الجماع الذي يكون منه الولد، بشرط أن يكون عن طريق مشروع بالنكاح وشبهته أو بالتسري وشبهته.



ولم يقل أحد من العلماء: إن الزوجة لو أتت بولد من غير الزوج، وقبل مضي ستة أشهر من الزواج أنه ينسب لهذا الزوج.



ولذلك نسب الرسول -صلى الله عليه وسلم- الولد لصاحب الفراش، والفراش هو الجماع، والله تعالى يقول: "وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ" [سورة النساء: الآية 23] يقول ابن كثير: صلب الرجل أبيض غليظ، وترائب المرأة صفراء رقيقة، ولا يكون الولد إلا منهما.



وقد نص المالكية والحنابلة على أن المراد بالزوج الذي يلحق به النسب هو "الزوج الذي يلحق به الحمل، فيخرج المجبوب والصغير، أو لو أتت به كاملاً لأقل من ستة أشهر من العقد".



كما نصّ الشافعية على أن الزوج لو علم أن الحمل أو الولد ليس منه فاللعان في حقه واجب لنفي الولد، لأنه لو سكت لكان بسكوته مستلحقًا لمن ليس منه وهو ممتنع.



ونص الكمال ابن الهمام الحنفي على أنه لو ادّعى شخص نسب ولد الملاعنة قُبل منه وثبت النسب، لإمكان كونه وطأها بشبهة.



أقول: وإذا ثبت أن النسب في الإسلام يثبت لصاحب الماء في إطار العلاقة المشروعة (الزواج والتسري)، وهذا مما لا خلاف عليه.. إلا أن الأمر لا يزال محيرًا في كيفية إثبات هذه العلاقة الخاصة بين الزوجين والقائمة على الستر؛ حيث حذّر النبي –صلى الله عليه وسلم- من إفشاء تلك العلاقة فقال: "إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها".



ولما كان الأمر كذلك اضطررنا نحن المكلفين إلى إثبات تلك العلاقة بعلامة ظاهرة تدل في أغلب الأحوال عليها، حتى لا تخلو مسألة من حكم، ولا يعدم حق إثباتًا، فكان التوجه إلى الأدلة الظاهرة لإثبات الفراش وليس لإثبات النسب؛ لأن النسب يكون اتفاقًا بالفراش.



إن محل النزاع يتمحض في طريق إثبات الفراش الحقيقي الذي يكون منه الولد، وذلك بعد إجماع الفقهاء على أنه لا ينسب للزوج الولد الذي تأتي به زوجته من غيره، إذا تيقنا ذلك؛ كما لو أتت به قبل مضي ستة أشهر من بداية الزواج، أو كما لو أخبرنا الوحي بالنسب، كما ذكر الإمام الشيرازي.



والذي حمل الفقهاء على التوجّه إلى إثبات الفراش الحقيقي عن طريق مظنته بقيام حالة الزوجية هو طبيعة تلك العلاقة الخاصة بين الزوجين القائمة على السرية والحياء، وعند العجز عن الوصول إلى أصل الحقيقة.. فإنه من الطبيعي أن ننتقل إلى مجاز أقرب إلى تلك الحقيقة، وأقرب مجاز في مثل هذه الحال هو قيام حالة الزوجية بالعقد كما ذهب الحنفية، أو بالدخول كما ذهب الجمهور، فإن هذه الحالة تجيز شرعًا وعقلاً اتصال الزوجين ومعاشرتهما بما يأتي الله به الولد، فاعتبر الفقهاء هذه المظنة قائمة مقام الشهادة على الجماع أو الوطء، ولذلك رأينا الفقهاء يطلقون على هذه الحالة "دليل الفراش"، وكأنهم جعلوا مظنة الفراش فراشًا، وشاع هذا الاصطلاح -أقصد اصطلاح الفقهاء- بالفراش دليلاً للنسب، والحقيقة أنهم يقصدون في الواقع مظنة الفراش وليس الفراش، كما صرح بذلك الشيرازي، وقال: "إن أتت المرأة بولد يمكن أن يكون منه (أي الزوج) لحقه في الظاهر، لأنه مع وجود هذه الشروط (قيام الزوجية واجتماع الزوجين وهما ممن يولد لمثلهما) يمكن أن يكون الولد منه، وليس هنا ما يعارضه ولا ما يسقطه، فوجب أن يلحق به".



وجاءت البصمة الوراثية بالمشاهدة الحقيقية للصفات الوراثية القطعية، دونما كشف للعورة، أو مشاهدة لعملية الجماع بين الزوجين، ودونما تشكّك في ذمم الشهود أو المقرين أو القيافة؛ لأن الأمر يرجع إلى كشف آلي مطبوع مسجل عليه صورة واقعية حقيقية للصفات الوراثية للإنسان، والتي تتطابق في نصفها مع الأم الحقيقية، ونصفها الآخر مع الأب الطبيعي، فهل بعد ذلك يجوز أن نلتجئ لأدلة الظن ونترك دليل القطع؟



إن وسائل إثبات النسب ليست أمورًا تعبدية حتى نتحرج من إهمالها بعد ظهور نعمة الله – تعالى - بالبصمة الوراثية، ولن نهملها في الحقيقة؛ لأنها حيلة المقلّ، فإذا لم تتيسر الإمكانات لتعميم البصمة الوراثية فليس أمامنا بدّ من الاستمرار في تلك الوسائل الشرعية المعروفة.



وصدق الله –تعالى- حيث يقول: "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاء رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ" [سورة فصلت: الآيتان 53، 54].



البصمة الوراثية وتوثيق النسب



أولاً - البصمة الوراثية ودعوى تصحيح النسب:



إن اعتماد "البصمة الوراثية" دليلاً قطعيًا للفراش الحقيقي ينشئ دعوى جديدة يمكن أن نطلق عليها "دعوى تصحيح النسب" لم يكن لها من قبل ذيوع، وإن كان أصلها في الكتاب والسنة.



أما الكتاب فقوله تعالى: "وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ* ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ" [سورة الأحزاب: الآيتان 4 - 5].



وأما السنة فما رواه البخاري ومسلم في قصة عتبة بن أبي وقاص الذي عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن ابن وليدة زمعة منه، فلما كان عام الفتح أخذه سعد بن أبي وقاص وقال: هو ابن أخي. فقام إليه عبد بن زمعة ، وقال: أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه. ولما رفع الأمر للنبي -صلى الله عليه وسلم- قال "الولد للفراش وللعاهر الحجر"



فهذه قصة تفيد التنازع لتصحيح النسب من بعض الوجوه، وإن كان فيها معنى دعوى الاستلحاق.



وهكذا.. أوجدت لنا "البصمة الوراثية" نوعًا جديدًا من الدعاوى، وفتحت بابًا جديدًا للتنازع يجب أن نسلم بواقعه وهو ضريبة التقدم التقني والتفوق الطبي.



ثانياً - تسجيل البصمة الوراثية للزوجين والمولود:



إذا كان الفقهاء قد نصوا على استحباب اتخاذ السجلات لقيد الحقوق والأحكام، ونص بعضهم على وجوب ذلك إذا تعلق بحق ناقص الأهلية أو عديمها فمن الضروري استصدار قرار إداري بمنع استخراج شهادة بقيد ميلاد طفل إلا بعد إجراء "البصمة الوراثية" لترفق وتلصق بتلك الشهادة، على أن تكون بصمة الطفل مطابقة لبصمة الأبوين اللذين ثبتت علاقتهما الشرعية في وثيقة الزواج.



وهذا الأمر يستوجب باليقين أن تسجل البصمة الوراثية لكل من الزوجين بمجرد العقد وقبل الدخول، وتقرن تلك البصمة الخاصة بالزوجين معًا بقسيمة الزواج الرسمية، حتى إذا ما رزقهما الله بمولود توجّها لتسجيل اسمه مع بصمته الوراثية التي يجب أن تتطابق مع بصمة والديه الثابتة على قسيمة الزواج.



إن في مثل هذا القرار مسايرة للعصر وأخذًا بالحقائق العلمية، وله نتائج اجتماعية عظيمة؛ حيث سيضيق الخناق على المنحرفين والمزورين دونما طفرة أو هزة.



إن هذا هو أقل حق يمنح لطفل القرن الحادي والعشرين الميلادي، الخامس عشر الهجري، الذي ولد في ظل الثورة المعلوماتية.



إننا نخدع أنفسنا في أحيان كثيرة، كالحمل في حال غياب الزوج وسفره للعمل بالخارج، أو في حال مرضه الجنسي، والنساء اللاتي عرفن بسوء السلوك والانحراف الأخلاقي مستغلين ضعف الأزواج وغفلتهم، والنساء اللاتي تسرقن المواليد لعقمهن من أجل بقاء رباط الزوجية...



إن من حق الطفل أن يدفع عنه العار بانتمائه إلى والدين حقيقيين، كما أن من حقه أن ينتفع بتقنية عصره، كما أن من حق الزوج ألا ينسب إليه إلا من كان من صلبه.



ومن الضروري أيضًا استصدار قرار مثيل للأطفال اللقطاء ومجهولي النسب للبحث عن والديهم، أو لمعرفة أمهاتهم على الأقل إن كانوا أبناء خطيئة، وذلك لانتسابهم إليها شرعًا، وما يتعلّق في ذلك من أحكام شرعية كالميراث وبيان المحرمات والأرحام..، وبذلك تنعدم أو تقل ظاهرة انتشار دور الأيتام من اللقطاء الذين يشبون حاقدين كارهين للمجتمع، إن تنسيبهم للأم الحقيقية سيخفف بالتأكيد من حدة تلك الكراهية، بدلاً من فكرة الأم البديلة. وحتى تشارك الأم المخطئة في الإصلاح كما شاركت في الفاحشة، قال تعالى: "وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ" [سورة هود: الآية 114]



النسب : التعريف والثبوت



أولاً – تعريفات هامة:



أ – تعريف البصمة الوراثية:



في المؤتمر الذي عقدته المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بعنوان: "مدى حُجِّية البصمة الوراثية في إثبات البنوة"؛ أكدت أوراق المؤتمر الذي شارك فيه عدد من أبرز العلماء والأطباء المتخصصين في هذا المجال أن كل إنسان يتفرد بنمط خاص في ترتيب جيناته ضمن كل خلية من خلايا جسده، ولا يشاركه فيها أي إنسان آخر في العالم، وهو ما يعرف بـ "البصمة الوراثية". وأكد أحد الباحثين أن هذه البصمة تتضمن البنية التفصيلية التي تدل على كل شخص بعينه، ولا تكاد تخطئ في التحقق من الوالدية البيولوجية، فضلاً عن تعرّف الشخصية وإثباتها.



ب – تعريف النسب:



النسب في اللغة يطلق على معان عدة؛ أهمها: القرابة والالتحاق. تقول: فلان يناسب فلانًا فهو نسيبه، أي قريبة. ويقال: نسبه في بني فلان، أي قرابته، فهو منهم. وتقول: انتسب إلى أبيه أي التحق. ويقال: نسب الشيء إلى فلان، أي عزاه إليه. وقيل: إن القرابة في النسب لا تكون إلا للآباء خاصة.



ولم يهتم الفقهاء الشرعيون بوضع تعريف للنسب اكتفاءً ببيان أسبابه الشرعية.



وتنحصر أسباب النسب في الإسلام في أصلين؛ هما: النكاح، والاستيلاد، لقوله تعالى: "وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ" [سورة النساء، الآية: 23]، فدل على أن الابن لا يكون ابنًا إلا أن يكون من الصلب، مع قوله تعالى: "وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ" [سورة المؤمنون، الآيات: 5- 7]، مما دل على تحريم العلاقة الخاصة مع النساء إلا في إطار هذين المذكورين، وأي نتاج بغيرهما لا يعتد به من جهة الرجل. أما من جهة المرأة فينسب إليها كل ما تلده، لأنه يجري على قاعدة الآية "أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ" [سورة النساء، الآية: 23]، وأيضًا قوله تعالى: "إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ" [سورة المجادلة، الآية: 2].



ثانياً - أدلة ثبوت النسب في الفقه الإسلامي:



النسب المستقر هو النسب الثابت بأحد أدلة ثبوته في الفقه الإسلامي، وأهمها: الفراش والبينة والإقرار والقيافة، ولكل من هذه الأدلة شروط مبسوطة في كتب الفروع، وأهم تلك الشروط ألا تخالف دليل العقل أو الشرع. فلو كان الزوج صغيرًا ابن سبع سنين، وأتت زوجته بولد فلا عبرة للفراش، وإذا أقرّ شخص بأن فلانًا ابنه وهو يقاربه في السن لا يقبل الإقرار.. وهكذا.



وإذا استقر النسب التحق المنسب بقرابته وتعلقت به سائر الأحكام الشرعية المرتبطة بهذا النسب، من تحديد المحارم، والأرحام، والولاية، والعقل، والإرث، والنفقة وغير ذلك. فكان استقرار النسب استقرارًا للمعاملات في المجتمع، ولذلك حصّنه الإسلام بما يمنع العبث به، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: "الولاء لحمة كلحمة، النسب لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث".



ثالثاً - فض النزاع وحسم النسب آراء مذهبية:



الأصل في الطبيعة السوية عدم التنازع في النسب لخصوصية العلاقات الأسرية، ولكن قد تضطرّنا الظروف إلى مثل هذا النوع من النزاع.



ومن أسباب هذا النزاع: وجود التهمة القائمة على أساس ظاهري، ومن أمثلة ذلك: التهمة في نسب أسامة من أبيه زيد بن حارثة، لسواد بشرة الابن وبياض بشرة الأب. وكذلك اللقيط، إذا ادّعى نسبه رجلان فأكثر. ومنه: اختلاط المولودين في المستشفيات، ومنه: الوطء بشبهة من رجلين لامرأة واحدة فحملت من أحدهما لا بعينه. ومنه: تعارض بينتين متساويتين على ثبوت النسب أو نفيه. في مثل هذه الحال: كيف يمكن لنا فض النزاع وحسم النسب.. ولا دليل مرجح؟



لقد اختلف الفقهاء في الإجابة عن هذا السؤال، ويمكن إجمال أقوالهم في مذهبين:



المذهب الأول:



يرى هذا المذهب الأخذ بالشبه عن طريق القيافة، وهو مذهب الجمهور. فإن تنازع القيافة اختلف الجمهور على أقوال أربعة. فقد قيل: يحتكم للقرعة. وقيل: يخيّر الولد. وقيل: يلحق بهما جميعًا. وقيل: يضيع نسبه.



المذهب الثاني:



يرى عدم الأخذ بالقيافة، وإنما يتمّ الترجيح بأدلة الإثبات المعتادة، فإن تساوت ألحق الولد بالمتنازعين جميعًا، وهو مذهب الحنفية والهادوية.













مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




الحبس الاحتياطي








الحبس الاحتياطي في القانون المصري



تعريفه :



لم يضع التشريع المصري تعريفاً محددا للحبس الاحتياطى ، وإنما اكتفى بإيراد قواعد تعالج موضوع الحبس الاحتياطى فى قانون الإجراءات الجنائية ، لذلك فقد تعددت تعريفات الفقه المصري للحبس الاحتياطي :-



فعرفه الأستاذ الدكتور نجيب حسنى تعريفا للحبس الاحتياطى على النحو التالى : هو سلب حرية المتهم مدة من الزمن تحددها مقتضيات التحقيق ومصلحته وفق ضوابط قررها القانون .



وعرفه الدكتور المرصفاوى بأنه : إجراء من إجراءات التحقيق الجنائى يصدر عمن منحة المشرع هذا الحق ويتضمن أمرا لمدير السجن بقبول المتهم وحبسه به ويبقى محبوسا مدة قد تطول أو تقصر حسب ظروف كل دعوى حتى ينتهى أما بالإفراج عن المتهم أثناء التحقيق الابتدائى أو أثناء المحاكمة واما بصدور حكم فى الدعوى ببراءة المتهم أو بالعقوبة وبدء تنفيذها عليه .



وعرفت المادة (381) من تعليمات النيابة العامة الحبس الاحتياطي على النحو التالي : هو إجراء من إجراءات التحقيق غايته ضمان سلامة التحقيق الابتدائى من خلال وضع المتهم تحت تصرف المحقق وتيسير استجوابه أو مواجهته كلما أستدعى التحقيق ذلك ، والحيلولة دون تمكينه من الهرب أو العبث بأدلة الدعوى أو التأثير على الشهود أو تهديد المجنى علية ، وكذلك وقاية المتهم من احتمالات الانتقام منه وتهدئة الشعور العام الثائر بسبب جسامة الجريمة .



ومن مجمل هذه التعريفات يبرز لنا مضمون الحبس الاحتياطي بأنه ينصب على من هو متهم ويكمن جوهرة فى سلب حريته ولفترة محددة من الزمن قابلة للمد والتجديد وهو يختلف عن سلب الحرية كعقوبة فهو من أوامر التحقيق ويصدر عن الجهة المخولة قانونا بالتحقيق وليس نتيجة لحكم قضائى بات ، كما يبرز الطابع المؤقت للحبس الاحتياطى وارتباطه بمدى زمنى لا يتجاوزه وان كان يقبل الامتداد مما يميزه عن الحبس المطلق كما تظهر بجلاء علته والغاية منه



مبررات الحبس الاحتياطي :



موقف الفقه : يكاد يحصر الفقه الراجح هذه المبررات فى أداء ثلاث وظائف : -:



أولاً : الحبس الاحتياطي كأجراء يضمن تنفيذ العقوبة :فهو وسيلة تضمن التحفظ على المتهم تحت أيدى سلطات التحقيق حتى يصدر حكم بالإدانة فتنفذ العقوبة أو يقضى بالبراءة فيخلى سبيله مما يضمن ألا يفلت متهم من العقاب



ثانياً : الحبس الاحتياطي كإجراء من إجراءات الأمن : حيث يهدف إلى حماية المجتمع من عودة المتهم إلى ارتكاب جرائم أخرى ، ويحمى المتهم من محاولات انتقام أهل المجنى علية ، أو غيرهم ممن استفزهم واستثارا سخطهم اقتراف المتهم لفعلة ، خاصة ولو اتسم بوضاعة عالية .



ثالثاً :الحبس الاحتياطي بوصفة وسيلة من وسائل التحقيق : وهى الوظيفة الأساسية ، حيث يحقق بعض الأغراض التى يمكن إجمالها في ، وبقاء المتهم في متناول سلطة التحقيق ، و المحافظة على أدلة الجريمة من محاولة المتهم إخفائها أو طمسها ، إذا أطلق صراحة ، منع التواطؤ بالحيلولة بين اتصال المتهم بباقى شركائه فى ارتكاب الجريمة ، وبغل يده عن تجهيز شهود نفى مزيفين ، أو من تهديد شهود الإثبات .



في التشريع المصري :



يمكن إجمال ما ورد فى التشريع المصرى بخصوص الحبس الاحتياطى بأنه قد نظر إلى الحبس الاحتياطى بوصفة إجراء من إجراءات التحقيق ، وبوصفة تدبيرا احترازيا فى الوقت نفسه ، فبوصفة إجراء من إجراءات التحقيق يحب أن يكون هو الوسيلة الوحيدة للمحافظة على الأدلة والقرائن العادية وللحيلولة دون ممارسة المتهم ضغطا على الشهود أو اتصالا سريا بغيرة من المتهمين وهو ما يستفاد من نص المادة 143/1 من قانون الإجراءات المصرى فعلى الرغم من خلو القانون المصرى من تحديد مبررات الحبس الاحتياطى فإنه نص في هذه المادة على ما يفيد أن مد الحبس الاحتياطى يكون لمصلحة التحقيق ، ونص المشرع الدستورى المصرى فى المادة 41 من الدستور الحالى على انه " لا يجوز القبض على المتهم …… أو حبسة ……… إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع ، إما بوصفة تدبيرا احترازيا يستهدف منع التأثير الضار للخطورة الإجرامية التى كشف عنها اقتراف المتهم لجريمته وهو ما عبر عنه المشرع المصرى بالمادة المشار إليها " صيانة أمن الدولة " وهو ما يدرجة الفقه عادة بوصف الحبس الاحتياطى كأجراء من إجراءات الأمن – يعمل على تفادى ارتكاب الجرائم سواء من المتهم أو من غيرة كرد فعل على جريمته.



القواعد العامة للحبس الاحتياطي :



مجـالـه :



يستفاد من نص المادة 134 أ . ج أن مجاله ينحصر – بحسب الأصل في الجنايات والجنح المعاقب عليه بالحبس مدة تزيد عن ثلاثة شهور والعبرة هنا بالعقوبة التي يقررها القانون للجريمة ومن ثم يتم استبعاد المخالفات والجنح المعاقب علية بالغرامة أو الحبس الذي لا تزيد مدته عن ثلاثة شهور من نطاق الحبس الاحتياطي، وقد أورد المشرع على هذا الأصل استثئنائين أحدهما موسعا من مجاله والأخر مضيقا له ، فمن حيث التوسيع : أجاز المشرع الحبس الاحتياطي في الجنح المعاقب عليه بالحبس ، مهما قلت مده إذا لم يكن للمتهم محالة إقامة ثابت معروف في مصر ، وحظر المشرع حبس الحدث الذي لا يتجاوز عمره خمسه عشر سنة حبسا احتياطياً م26 من قانون رقم 31 سنة 74 بشأن الأحداث .

كما حظره في الجرائم التي تقع بواسطة الصحف ( 135 . أ .ج ) ألا إذا كانت من الجرائم المنصوص عليه في المواد 173 ، 179 ، 180/2 من قانون العقوبات أو كانت تتضمن طعن في الأعراض أو تحريضا على فساد الأخلاق .



شروط الحبس الاحتياطي :



أولاً : توافر دلائل كافية على ارتكاب المتهم للجريمة أو اشتراكه فيها : بمعني أن على الجهة مصدرة الأمر التثبت من وقوع الجريمة ونسبتها أو إسنادها إلى المتهم أي يتطلب توافر أدلة كافية لإثبات توافر جميع أركان الجريمة سوء الركن المادي أو المعنوي بجميع عناصرهما ثم عليها أن تستخلص من هذه الدلائل ملائمة الحبس وتحديد مدى الكفاية والملائمة أمور تقديرية متروكة للمحقق تحت رقابة محكمة الموضوع التى لها ان تعتبر الحبس باطلا لانتفاء دلائل الاتهام وعدم كفايتها وتستبعد - من ثم - كل دليل مستمد منة وتأمر بالإفراج عن المتهم المحبوس فورا .



ثانياً : آن يسبق الأمر به استجواب المتهم إلا إذا كان هاربا : وعلة ذلك .. مادام أمر الحبس تقديريا للمحقق فيتعين علية تجميع عناصر تقدير ملائمة هذا الأمر مما يستلزم الاستماع إلى المتهم لتكتمل أركان الصورة لدى المحقق .فيكون اكثر قدرة على تقدير مدى كفاية الأدلة وأيضا مدى ملائمة الحبس الاحتياطي للحالة الواقعية وعند استحالة تنفيذ هذا –حالة هرب المتهم – فان المشرع أعفى المحقق من هذا الشرط .



ثالثاً : أن تسمع أقوال النيابة إذا كان قاضي التحقيق هو الأمر بالحبس : وعلة ذلك اكتمال كافة جوانب الموقف من زاوية المتهم ( الشرط السابق) ومن زاوية النيابة ( بوصفها جهة اتهام ) فيكون المحقق أكثر قدرة علي تقدير مدي كافية الأدلة . ومدي ملائمة الحبس الاحتياطي بداهة لا محل لهذا الشرط إذا كانت النيابة العامة هي التي تتوالى التحقيق .



الجهة المخولة بإصدار أمر الحبس الاحتياطي :



الحبس الاحتياطي بوصفه أمر من أوامر التحقيق يتصور أن يصدر في إحدى ثلاث لحظات من حياة الخصومة الجنائية ( اتهام- إحالة – محاكمة ) وتتباين الجهات المخولة سلطة إصداره في كل مرحلة من هذه المراحل وذلك على النحو التالى :



سلطة الحبس الاحتياطي في مرحلة التحقيق :



تتباين وتتعدد الجهات المخولة سلطة إصدار أوامر الحبس الاحتياطى فى التشريع المقارن فهناك من يعطى هذه السلطة للقضاء وحدة ، وهناك من يعطيها للنيابة العامة ، وهناك من يشارك الاثنين كمال يوجد أيضا من يعطى هذه السلطة لضباط الشرطة فيما يلى نتناول موقف التشريع المصرى فى هذا الشأن .



1- الفصل بين وظيفتي الاتهام والتحقيق :



تبني هذه الخطة قانون تحقيق الجنايات الأهلي الصادر في 1883 فكان الأصل العام أن التحقيق من اختصاص قاضي التحقيق أو من يندبه لذلك ( م 3 ، 4) يقوم به من تلقاء نفسه ،أو بناء على طلب أعضاء قلم النائب العمومي ، أو المدعي بالحقوق المدنية أو بناء على طلب محكمة الاستئناف ، وخرج على هذا الأصل العام في حالة التلبس حيث أجاز لأعضاء قلم النائب العمومي ولمأمور الضبطية القضائية إجراء التحقيقات الابتدائية في حالة مشاهدة الجاني متلبسا بالجريمة (13 م ) وانحصرت سلطة الحبس الاحتياطي في يد قاضي التحقيق وحده فإن تبين له بعد استجواب المتهم أو في حالة هربه أو عدم حضوره أن الشبهات كافية قبله وكانت الجناية أو الجنحة – المتهم بارتكابها معاقبا عليه بالحبس أو بعقوبة أشد جاز له يصدر أمر " بسجن المتهم أو ان يبدل بأمر الضبط والإحضار السابق صدوره أمر أخر بسجنه ( م88 ، 90) وكان هذا الأمر الذي يصدره قاضي التحقيق بحبس المتهم احتياطيا –غير محدد بمده.



2- الجمع بين وظائف الاتهام ، والتحقيق ، والحكم في يد هيئات إدارية



وعرفت باسم " قومسيونات الأشقياء " حيث عطلت السلطات تنفيذ قانون تحقيق الجنايات الأهلي حتى تطلق يدها في مواجهة الثورة العرابية وتذرعت بأن " الأشرار " قد أساءوا فهم الحريات التي منحها إياهم القانون الجديد وعاثوا في البلاد فسادا فأصدرت في 24 أكتوبر 1884 " ديكريتو " يتعلق بالوجه القبلي ويقضي كلاهما بنقل اختصاص الفصل في الجرائم التي من شانها الإخلال بالأمن أو تهديد الأملاك إلى لجنة سميت بأسم " قومسينات الأشقياء " وهي مشكلة من رئيس يعينه مجلس الوزراء ومدير بالمديرية ورئيس النيابة واثنين من قضاه المحكمة الابتدائية أو محكمة الاستئناف وكانت هذه اللجان تتولى التحقيق والفصل في القضايا غير مقيدة بالقواعد والإجراءات التي كان ينص عليها قانون تحقيق الجنايات ، وأسرفت تلك اللجان في القسوة يقصد الإرهاب وانتهكت حقوق الدفاع ولم تتورع عن الالتجاء إلي التعذيب أثناء التحقيق واكتفت بالإدانة بمجرد الشبهات وقد ألغيت في عام 1889 بعد أن ظهر من تقرير " مسيو ليجريل " أنها سجنت كثيرين بين عدة سنوات بغير محاكمة واتضح أنها كانت تحكم بالإدانة لأدني شبهة وتعذب المتهمين لحملهم على الاعتراف . . . الخ وكان نظام البوليس فاسدا إلى حد أحرج مراكز رؤساء الحكومة ومديري البوليس على السواء فقد وضع نظام البوليس بأسره على قاعدة عسكرية وجرد المديرين من كل سلطتهم عليه مما حفز " نوبار " إلى الشكوى من عجز المديرين من المحافظة على الأمن وادي إلى رئيس البوليس الإنجليزي " كليفورد لورد " وإعادة سلطة المديرين على البوليس من جديد ، وكما يبدو فإن سلطات الاحتلال كانت متأثرة بفكرة عبر عنها صراحة " ملنر " بعد زمن طويل من الثورة العرابية ، حينما وصف المصرين " بأنهم أمة من العبيد الخاضعين المجردين من أدني روح للحرية .



3- الجمع بين سلطتي الاتهام والتحقيق :



استحدث " ديكريتو " صادر في 28 /5/1895 أحكاما جديدة منها ما تضمن تخويل النيابة العامة سلطة التحقيق فضلا عن سلطة الاتهام وان ابقي نظريا –على نظام قاضي التحقيق وعلى سلطاته في التحقيق والحبس الاحتياطي تلجا النيابة العامة إذا شاءت في الجنايات وبعض الجنح وبمقتضي ذلك التعديل أصبح للنيابة العامة – هي الأخرى – سلطة الحبس الاحتياطي لمدة لا تزيد عن خمسة عشر يوما قابلة للتجديد بمعرفتها كما كان للمتهم المحبوس أن يعارض في أمر حبسه أو في الأمر الصادر من النيابة بتجديد ذلك الحبس ويفصل قاضي الأمور الجزئية في تلك المعارضة خلال ثمانية أيام ( المواد 10 ، 12 ، 13 (، وقد عدلت سلطة النيابة العامة الحبس الاحتياطي بعد ذلك بـ " دكريتو " صادر في 19 يناير 1879 بموجبه حرم النيابة العامة حق حبس المتهم احتياطياً بتعديل المادة العاشرة من الأمر العالي الصادر في 28 مايو 1895 ، وفرقت بين حالتين الأولي : أجازت فيها للنيابة العامة إصدار أمر بحبس المتهم احتياطيا ولكن بعد موافقة رئيس المحكمة أو من يقوم مقاومة أو موافقة قاضي الأمور الجزئية كتابة إذا كان المتهم في وجهة غير الجهة الكائن بها مركز المحكمة – وذلك إذا وقعت الواقعة مما يستوجب العقاب بالحبس ( مثل جنحة السرقة أو الشروع فيها ... الخ )

والثانية : يصدر الأمر بالحبس من رئيس المحكمة أو من يقوم مقامة أو قاضي الأمور الجزئية –إذا كان المتهم في جهة غير الجهة الكائن بها مركز المحكمة بعد أن تستحضر النيابة المتهم أمام أيهما ( حسب الأحوال ) وإذا كانت الواقعة من الجنح التي تستوجب الحبس عدا ما ذكر في الحالة الأولي وكذلك إذا لم يحضر المتهم بعد استدعائه بالطرق القانونية ، وبذلك سلب المشرع النيابة حق حبس المتهم احتياطيا ووكله إلى القضاء وعدلت سلطة النيابة العامة في الحبس الاحتياطي بعد ذلك بالقانون الصادر في 1904 واختط فيه المشرع طريقا وسطا حيث خول النيابة العامة حق حبس المتهم احتياطيا في أحوال معنية لمدة محدده وحرم المتهم حق المعارضة في الأمر الصادر بحبسه .



4- الفصل بينهما في الجنايات والجمع بينهما في الجنح :



تبني هذا المسلك قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950 حيث جعل التحقيق بمعرفة قاضي التحقيق وجوبيا في مواد الجنح وجوزيا – بناء على طلب النيابة في مواد الجنح ومنح النيابة العامة سلطة التحقيق في مواد الجنح والمخالفات بالقيود الواردة في الباب الرابع من الكتاب الأول والتي خول القانون بمقتضاها لقاضي التحقيق سلطة مراقبة النيابة العامة في بعض التحقيقات .



5- التوسع في سلطة النيابة العامة ، والحد من سلطة قاضي التحقيق :



صدر المرسوم بقانون رقم 353 لسنة 52 الذي أعاد للنيابة العامة سلطة التحقيق كاملة في مجال الجنايات باستثناء جرائم محددة اختص بها قاضي التحقيق اختصاصا وجوبيا وبذلك عدل المشرع المصري – مرة أخري – عن نظام الفصل بين سلطتي الاتهام والتحقيق وابقي هذا التعديل على قاضي التحقيق كسلطة احتياطية للتحقيق مع إعطائه اختصاصا وجوبيا بالنسبة لجرائم التفاليس والجرائم التي تقع من الصحف وغيرها من طرق النشر إذا الزم النيابة العامة بإحالتها إليه للتحقيق ، وبمقتضي قانون رقم 113 لسنة 57 ألغيت الأخير من المادة 64 التي توجب التحقيق من جرائم التفاليس والصحافة اكتفاء بالأصل العام المقرر بالفقرة الأولي من المادة المذكورة وهو يتح للنيابة العامة –في مواد الجنايات أو الجنح أن تطلب ندب قاض لتحقيقها إذا رأت أن في ذلك أكثر ملاءمة لظروفها ، وبمقتضي هذه التعديلات أصبح نظام قاضي التحقيق – الذي ينص عليه التشريع المصري ( مواد 64-65) نظاما صوريا وأجريت دراسة ميدانية حول موضوع الأشراف القضائي على التحقيق في ضوء الدراسات الخاصة بمشروع قواعد الحد الأدنى لتنظيم العدالة الاجتماعية والتي أشرف عليها " المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية " وتبين من نتائج هذه الدراسة – التي بدأت عام 1970 ونشرت عام 1977 أنه لم يندب أحد من قضاه التحقيق طبقا للمادتين 64-65 إ . ج طوال هذه الفترة .



سلطة الحبس الاحتياطي في مرحلة الإحالة :



نظام الإحالة عبارة عن تقيم للاتهامات المقامة ضد المتهم وتقدير لمدلول الأدلة المستمدة من إجراءات التحقيق وعدم كفايتها لإحالة الدعوى إلى قضاء المحاكمة عن طريق قرار الإحالة ويكون له في سبيل ذلك سلطات إجراء تحقيق تكميلي أو تكليف سلطة التحقيق الابتدائي بإجرائه والأمر بحبس المتهم احتياطيا إذا كان مفرجا عنه أو الإفراج عنه أن كان محبوسا وان يأمر بإحالة الدعوى إلى المحاكمة أو يأمر بالا وجه لإقامتها

وسنخصص فرعا لإيضاح موقف كلا من التشريع المقارن والتشريع المصري بشأن الإحالة .



إسناد الإحالة لسلطة التحقيق



أحل قانون الإجراءات الجنائية الحالي ( 150 لسنة 50 ) غرفة الاتهام محل قاضي الإحالة وكانت تتكون من ثلاثة قضاه ، ثم بمقتضى القانون رقم 107 لسنة 62 أصبح قاضي الإحالة يتكون من مستشار الإحالة بدلاً من القضاة الثلاثة الذين تتكون منهم غرفة الاتهام ، ثم بمقتضي القانون رقم 5 لسنة 1973 ( الصادر في 21 فبراير ) أضيفت م 366 مكرر إلى قانون الإجراءات الجنائية وبمقتضاها تتم الإحالة مباشرة من النيابة العامة إلى المحكمة المختصة في طائفة معينة من الجنايات وهي جنايات الرشوة واختلاس الأموال الأميرية – والغدر – والتزوير – وغيرها من الجنايات الواردة في الأبواب : الثالث . والرابع . والسادس عشر من قانون العقوبات والجرائم المرتبطة بها ، ثم تم إلغاء مستشار الإحالة في 4 نوفمبر 1981 إصدار قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 170 لسنة 81 بتعديل بعض نصوص قانون الإجراءات الجنائية وبمقتضاه تم استبدال نص المادة 158 والمادة 124 بنصوص جديدة تسند إحالة الدعوى إلى جهة التحقيق ( لقاضي التحقيق – وفقا للمادة 158 ) أو النيابة العامة ( وفقا للمادة 124 ) التى لها أن ترفع الدعوى في مواد المخالفات والجنح بطريق تكليف المتهم أمام المحكمة الجزئية إلا ما استثني وترفع الدعوى في مواد الجنايات بإحالتها من المحامي العام – أو من يقوم مقامة- إلى محكمة الجنايات بتقرير اتهام وفقا لضوابط عددتها المادة ، واستحدثت مادة برقم 214 مكرر تقضي بأنه إذا صدر بعد صدور الأمر بالإحالة – ما يستوجب إجراء تحقيقات تكميلية ، فعلي النيابة العامة أن تقوم بإجرائها وتقدم المحضر إلى المحكمة ونص قرار رئيس الجمهورية سالف الذكر – في مادته الثالثة – على حذف كلمة " مستشار الإحالة أينما وردت في قانون الإجراءات الجنائي ، ونصت المادة الرابعة على إلغاء الفصل الثالث عشر المعنون " في غرفة الاتهام " ( المواد من 193 – 196) من الباب الثالث من الكتاب الأول .



سلطة الحبس الاحتياطي في مرحلة المحاكمة :



أ‌- محكمة الموضوع : يستفاد من نص م 151/1 إ . ج أن سلطة حبس المتهم الذي سبق حبسه احتياطيا من قبل ثم افرج عنه من اختصاص المحكمة المحالة إليها الدعوى سواء كانت محكمة جزئية أو استئنافية أو محكمة جنايات وتتقيد المحكمة في هذه الحالة – بنفس ما تقيد به قاضي التحقيق عند إصداره أمرا جديد بالقبض على المتهم أو حبسه وهي الشروط المنصوص عليها في م 150 إ . ج ، ويستفاد ذلك من ترتيب المواد ، وتنحصر ( إذا قويت الأدلة على المتهم ، إذا أخل بالشروط على المفروضة عليه ، إذا وجدت ظروف تستدعي اتخاذ هذا الإجراء ) وتوسع المشرع في سلطة محكمة الجنايات فوفقا للمادة 380 إ . ج لا تتقيد محكمة الجنايات بمثل ما تقيد به المحاكم الأخرى فيجوز لها أن تأمر بحبس المتهم احتياطيا في أية حالة تراها ولها أن تأمر بحبس المتهم (ولو كان طليقا ولم يسبق حبسه من قبل ) حيث جري نصها كما يلي ": لمحكمة الجنايات في كل الأحوال أن تأمر بالقبض على المتهم وإحضاره ولها أن تأمر بحبسه احتياطيا وان تفرج – بكفالة أو بغير كفالة – عن المتهم المحبوس احتياطيا .



ب – المحكمة المستأنفة المنعقدة في غرفة المشورة : عند إحالة الدعوى إلى محكمة الجنايات وفي غير أدوار انعقادها ، و في حالة الحكم بعدم الاختصاص ( م 151 / 3 ) .



حدود السلطة المخولة بالحبس الاحتياطي :



أ‌- مدة الحبس الاحتياطي : مدة الحبس الاحتياطي في التشريع الإجرائي المصري تختلف تبعا لاختلاف الجهة المصدرة للأمر كما يلي ::



1- مدة الحبس الاحتياطي عند صدور الأمر به من النيابة العامة : وفقا للمادة 201/ إ . ج لا يكون نافذ المفعول إلا لمدة الأربعة أيام التالية للقبض على المتهم أو تسليمه للنيابة العامة إذا كان مقبوض علي المتهم إذا كان مقبوض عليه من قبل أي تحسب من تاريخ القبض على المتهم إذا كان عضو النيابة هو الذي أمر بالقبض عليه كرئيس للضبط القضائي ( م 35 ، 36 أ . ج ) ، أو من تاريخ تسليمه للنيابة للنيابة إذا كان مقبوضا عليه بقرار من مأمور الضبط في حالة التلبس ( م24) ، أو بأمر صادر من سلطة التحقيق بضبطه وإحضاره ( م 126 ، 127) أو بأمرها بالقبض عليه ( م 130 ( والمادة تميز بين الواقعة التي ننسب إليها بدء تاريخ الحبس الاحتياطي ( من تاريخ القبض عليه ، أو من تاريخ التسليم ) وتجد هذه التفرقة أساسها في مثول المتهم أمام النيابة – في حالة القبض عليه بناء على أمر النيابة بوصفها رئيسا للضبط القضائي – لا يتراخي عن القبض ، أما إذا كان مقبوضاً عليه من قبل (بقرار من مأمور الضبط في أحوال التلبس وبناء على أمر سلطة التحقيق بضبطه وإحضاره أو بالقبض عليه ) فلسلطة التي قامت بالقبض أن تعرض على سلطة التحقيق في خلال 24ساعة ولسلطة التحقيق أن تستجوبه خلال 24 ساعة أخري ( م31) فينسب بدء حبس المتهم إلى وقت تسليمه للنيابة وليس إلى وقت استجوابه حتى لا يتحمل عبء تأخير استجوابه بلا موجب .



2- مدته عند صدور الأمر من قاضي التحقيق :وفقا للمادة 142/ 1 إ . ج يكون قراره بحبس المتهم احتياطيا نافذا لمدة خمسة عشر يوما وله بعد سماع النيابة والمتهم أن يصدر أمر بمد الحبس مدة أو مددا أخرى لا يزيد مجموعها على خمسة وأربعين يوما .



3- سلطة مستشار الإحالة قبل إلغائه: كانت له سلطة واسعة قبل تعديل م 143 كما سلف فيما سبق حيث كان له مد مدة الحبس الاحتياطي على ذمة التحقيق إلى حين الانتهاء منه بدون آيه قيود زمنية واستمرت له بعد ذلك السلطات الموضحة في المواد 175 إ . ج الأولي تعالج سلطته في الحبس الاحتياطي على ذمة التحقيق وتخوله ذات سلطات قاضي التحقيق عند إجرائه تحقيقا تكميليا ومن بينها سلطة الآمر من جديد بالقبض على المتهم المفرج عنه أو بحبسة وفقا لاحكام م 150 إ . ج ، وأقرت محكمة النقض تلك السلطة له ولو لم يصدر قرار بإجراء التحقيق على سند من أن أمره بالقبض يعد في ذاته إجراءات التحقيق التي يملكها دون قيد ، أما بخصوص الحبس الاحتياطي المقترن بالإحالة فلا قيود ترد على سلطته وعليه وفقا للمادة 184 ففي أمر الإحالة له أن يفصل في استمرار حبس المتهم احتياطيا أو الإفراج عنه أو في القبض عليه وحبسه احتياطيا إذا لم يكن قد قبض عليه أو إذا كان قد أفرج عنه ، وعلى كل فقد تم إلغاء نظام مستشار الإحالة في التشريع المصري بالقانون رقم 170 لسنة 1981 وألغيت هذه المواد تماما



مد مدة الحبس الاحتياطي :



سلطة قاضي التحقيق : يجوز له بعد سماع أقوال النيابة العامة والمتهم أن يصدر أمرا بمد الحبس – الذي سبق له وأن إصدار – مدة أو مدد أخري لا يزيد مجموعها على خمسة وأربعين يوما ( م142/أ.ج ) .



سلطة القاضي الجزئي : وفقا لنص م 202 / إ . ج له أن يصدر آمرة – بناء على طلب النيابة بمد الحبس الاحتياطي لمدة متعاقبة بحيث لا يزيد مجموعها عن خمسة وأربعين يوما وبديهي على النيابة تقديم طلبها أثناء سريان مدة الحبس الاحتياطي الصادر منها ( أي قبل انقضاء مدة الأربعة أيام .



سلطة محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة :خولها القانون سلطة مد المدة في الأحوال الآتية :



أ – عند استنفاد المدد التي يملكها القاضي الجزئي ورأت النيابة مد الحبس الاحتياطي لأكثر من ذلك فعليها – قبل انقضاء تلك المدة – عرض الأوراق علي محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة لتصدر أمرها – بعد سماع أقوال النيابة العامة والمتهم – بمد الحبس مددا متعاقبة لا يزيد كل منها على خمس وأربعين يوما إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك ( م 203 ، 143 / 1 إ . ج )



ب- عندما تستنفذ المدد التي يملكها قاضي التحقيق فعليه قبل انقضائها – أن رأي مد الحبس الاحتياطي – أن يحيل الأوراق على محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة لتصدر أمرها – بعد سماع أقوال النيابة العامة والمتهم – بمد الحبس مددا متعاقبة لا يزيد كل منها على خمسة وأربعين يوماً ( م 143 / 1 إ . ج( .



جـ- في حالة إحالة الدعوى إلى محكمة الجنايات وفي غير دور الانعقاد تكون هي المختصة بمد مدة الحبس الاحتياطي المقترن بالإحالة كما تكون المختصة كذلك في حالة الحكم بعدم الاختصاص إلى أن ترفع الدعوى إلى المحكمة المختصة ونرى عدم وجود قيد زمني عليها (م151/ 2/3 إ . ج ) .



المحكمة المختصة بنظر الدعوى :



عند خروج القضية من حوزة المحقق – بإحالة المتهم إلى المحكمة الموضوع المختصة بنظر الدعوى – تكون تلك المحكمة هي المختصة بالفصل في أمر الحبس الاحتياطي بدون قيد زمني عليها ( م 151/1 إ . ج(



الإفراج المؤقت :



هو إخلاء سبيل المتهم المحبوس احتياطيا على ذمة التحقيق لزوال مبررات الحبس والأصل أن يصدر من السلطة التي أمرت بالحبس الاحتياطي مادمت الدعوى لم تخرج من حوزتها فللنيابة العامة – إذا كانت تباشر التحقيق أن تفرج عن المتهم المحبوس احتياطيا في أي وقت سواء أكان حبسه قد تم بأمر منها أو مد بناء على طلبها مادامت القضية في يدها ، فإذا خرجت من حوزتها انتقلت سلطة ذلك إلى الجهة التي أحيلت إليها وكل ما للنيابة هو أن تطلبه تلك الجهة ، ولقاضي التحقيق – الذي يجري التحقيق بمعرفته تلك السلطة سواء أكان هو مصدر الأمر أم النيابة عندما كانت تباشر التحقيق قبل ندبه وللنيابة العامة استئناف الأمر الصادر من قاضي التحقيق بالإفراج المؤقت عن المتهم المحبوس احتياطيا في جناية (65 إ . ج) ، وللجهة التي تفصل في طلبات مد الحبس الاحتياطي ( قاضي جزئي –محكمة الجنح المستأنفة في غرفة مشورة) أن تصدر أمرها بالإفراج عنه سواء بكفالة أو بغيرها – في الأحوال التي تري زوال مبررات الحبس الاحتياطي وقد يكون الإفراج وجوبيا في حالات وجوازيا في حالات أخري .



حالات الإفراج الوجوبي :



1- عن المتهم المقبوض عليه في مواد الجنح بعد مرور ثمانية أيام من تاريخ استجوابه إذا كان له محل إقامة معروف في مصر وكان الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانونا لا يتجاوز سنة واحدة ولم يكن عائدا أو سبق الحكم عليه بالحبس أكثر من سنة ( م142/2 أ ج ) .



2- إذا أصدرت سلطة التحقيق أمرا بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية وجب الإفراج عن المتهم المحبوس ما لم يكن محبوسا لسبب أخر (154/2 ، 209/2 أ . ج( .



3- إذا انقضت مدة الحبس الاحتياطي دون تجديدها قبل انقضائها .



4- إذا تبين لسلطة التحقيق أن الواقعة المنسوبة للمتهم والمحبوس احتياطيا بسببها لا تكون جريمة من الجرائم التي يجوز فيها الحبس الاحتياطي .



5- إذا بلغت مدة الحبس الاحتياطي الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانونا للجريمة التي حبس المتهم من أجلها .



6- إذا بلغت مدة الحبس الاحتياطي سته شهور دون أن يعلن المتهم بإحالته إلى المحكمة المختصة قبل انتهاء هذه المدة أو لم يصدر أمر من المحكمة المختصة – إذا كانت التهمة جناية – بمد الحبس الاحتياطي .



الإفراج الجوازي :



في غير الحالات السابق الإشارة إليها يكون الإفراج جوازيا لسلطة التحقيق إذا قررت زوال مبرراته ، بشرط أن يعين المتهم محلا له في الجهة الكائن بها مركز المحكمة أن لم يكن مقيم فيها ( م 154 إ . ج ) وأن يتعهد بالحضور كلما طلب وبالا يفر من تنفيذ الحكم الذي يمكن أن يصدر ضده ( م 144 إ . ج ) ويجوز تعليق الإفراج الجوازي على تقديم كفالة ، يقدر مبلغها في أمر الإفراج .



إعادة حبس المتهم بعد الإفراج عنه :





وفقا للمادة ( 150 إ.ج ) لسلطة التحقيق إلغاء أمر الإفراج عن المتهم وإعادة حبسه في الحالات التالية : ( إذا قويت الأدلة ضد المتهم ، إذا أخل بالشروط المفروضة عليه في أمر الإفراج ، إذا جدت ظروف تستدعي اتخاذ هذا الأجراء ) ، وبديهي أن حكم هذه المادة ينصرف إلى حالات الإفراج الجوازي ، فلا محل له في حالات الإفراج الو جوبي إلا إذا صدر قرار بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى ثم ظهرت دلائل جديدة تستدعي إلغائه والرجوع إلى الدعوى فيصبح عندئذ العدول عن أمر الإفراج وإعادة حبس المتهم احتياطيا .

وتكون سلطة إصدار الأمر بإعادة الحبس في يد نفس الجهة التي أمرت بالإفراج عنه بشرط أن تكون الدعوى مازالت في حوزتها وإلا فالجهة التي آلت إليها الدعوى فعلا .



موجـــــــز



سلطة التحقيق في الحبس الاحتياطي :

النيابة العامة : 4 أيام - قاضى المعارضات : 45 يوم - الجنح المستأنفة : 15 يوم تجدد لمدد أخرى

قاضى التحقيق : يجمع بين سلطات النيابة وقاضى المعارضات ومحكمة الجنح المستأنفة فى غرفة المشورة .. وهذه الطبيعة تتوافر لقاضى التحقيق المنتدب طبقا للمادة 65 من قانون الإجراءات .. وتتوافر أيضا للنيابة العامة فى بعض الجرائم المنصوص عليها .. ومن أهمها اختصاصات نيابة أمن الدولة العليا ونيابة الأموال العامة .

ويجوز للسلطة المختصة بالحبس الإحتياطى أن تصدر بدلاً منه أمراً بأحد التدابير الآتية :

1ــ إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه أو موطنه .

2ــ إلزام المتهم بأن يقدم نفسه لمقر الشرطة في أوقات محددة .

3ــ حظر المتهم أماكن محددة .

أقصى مدة للحبس الأحتياطى :

الجنح : لا تجاوز 3 شهور

الإحالة قبل انتهاء الثلاثة أشهر : يجب عرض أمر الحبس على المحكمة المختصة ( محكمة الموضوع ) خلال 5 أيام من تاريخ الإحالة - الجنايات : لا تجاوز 5 شهور

مدد الحبس الاحتياطي يجب ألا تتجاوز ثلث العقوبة بحد أقصى :

6 شهور في الجنح - سنة ونصف في الجنايات - سنتين إذا كانت العقوبة المؤبد أو الإعــدام

استئناف قرار الحبس والإفراج :

للمتهم استئناف القرار بالحبس الاحتياطي ومد الحبس أي كانت الجهة التي أصدرته

للنيابة استئناف قرار الإفراج في الجناية

قرار قاضى التحقيق يستأنف أمام محكمة الجنح المستأنفة

قرار الجنح المستأنفة يستأنف أمام محكمة الجنايات

قرار محكمة الجنايات يستأنف أمام محكمة الموضوع

يفصل في الاستئناف خلال 48 ساعة من رفعه وإلا وجب الإفراج عن المتهم .