بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

13 أغسطس 2010


مكتب محمد جابر عيسى المحامى




تعليقات
دراسة قانونية في القانون المدني


الطبيعة القانونية لعقد البحث العلمي




بحث منشور في العراق، مجلة جامعة بابل :للعلوم الإدارية والقانونية-المجلد 11 /العدد 6 سنة 2006 ( مقبول للنشر في 6/11/2004 )



المحتويات

المقدمة 1

المبحث الأول :عقد البحث العلمي عقد بيع معلومات 3

المطلب الأول :عرض فكرة بيع المعلومات 3

المطلب الثاني :تقويم فكرة بيع المعلومات 5

المبحث الثاني :عقد البحث العلمي عقد وكالة 7

المطلب الأول :عرض فكرة عقد الوكالة 8

المطلب الثاني :تقويم فكرة عقد الوكالة 10

المبحث الثالث :عقد البحث العلمي عقد عمل 11

المطلب الأول :عرض فكرة عقد العمل 11

المطلب الثاني :تقويم فكرة عقد العمل 14

المبحث الرابع: عقد البحث العلمي عقد مقاولة 17

المطلب الأول :عرض فكرة عقد المقاولة 17

المطلب الثاني :تقويم فكرة عقد المقاولة 20

الخاتمة 22

قائمة المراجع 24









المقدمة

آن صيغ التعاقد التقليدية أصبحت لا تتماشى مع أنماط التعامل الفكري المتطور دائماً ، لذا فأن عالم المعرفة بدأ يتجه آلي هياكل جديدة ومنظمة من اجل تنظيم نشاطه وإعطاء علاقته البحثية أطراً قانونية لتحقيق أهداف هذه الأبحاث وتستجيب لمتطلباته وتفسح المجال ، في الوقت عينه، أمام أي تقدم يطرأ فيها مع الاستعداد الدائم والمستمر للتكييف مع متطلبات كل مرحلة . ومن هنا كان التعاقد والعمل بأسلوب عقد البحث العملي يمثل استجابة لمرحلة جديدة من مراحل التطور البحث العلمي القائم على المعرفة العلمية .فهو ينشط في كثير من ميادين المعرفة العلمية ، فضلاً عن قابليته للتكييف مع الحاجات الخاصة لطالبي المعرفة العلمية. باعتباره صورة من صور نقل المعلومات من الشخص صاحب التخصص (الباحث) إلى الشخص المستعلم عن هذه المعلومات (المستفيد) لغاية يبغيها من وراء هذه المعلومات .

ومما لا شك فيه آن الجوانب الاقتصادية لهذا العقد(1)،والنتائج المنتظرة منه ، وتنوع الالتزامات ، لطرفيه ،والتزامات هذا العقد ،واعتماده على المعلومات .هذه الحقيقة ،التي تختلط بعقود أخرى تساهم فيها المعرفة ،مما يمكن القول معه إننا إزاء طائفة من العقود (عقود المعرفة ) لها ذاتيتها التي تنعكس على مجموعة التزامات أطرافها . هذه العقود التي اعترف الفقه بشأنها بأنها من قبيل العقود "المعقدة" التركيب ،إلا آن ذلك لا يحول من دون الخوض فيها ومحاولة الوقوف على ماهيتها(2)، حتى ولو اقتضى الأمر عدم الاقتصار بشأن ذلك على نسبة العقد الذي نحن بصدده إلى احد العقود التقليدية المعروفة .على آن ذلك لا يعني طرح كل صلة بين هذا العقد والعقود التقليدية ،حيث انه على الرغم من إننا إزاء عقداً حديث النشأة في شكله الخارجي والالتزامات ذات الطبيعة الخاصة المطلوب الوفاء بها، إلا انه يمكن تحقيق هذه الالتزامات ونسبتها آلي تلك الالتزامات التي يتعهد بها أطراف تلك العقود التقليدية .

و لأجل الوقوف على طبيعة عقد البحث العلمي يستلزم البحث عن مدى قدرة نسبة هذا العقد إلى تلك العقود التي يمكن تسميتها ،بالعقود التقليدية ، وهي البيع والوكالة والعمل والمقاولة . متناولين الإشارة إلى الدعائم الأساسية لكل عقد من هذه العقود ومدى تشابه عقد البحث العلمي وهذا العقد حتى يمكن القول بأنه يندرج تحت أحكامه من عدمه .

1. في اعتبار القيمة الاقتصادية للمعلومة والتي هي محل عقد البحث العلمي أنظر د. سليم عبد الله أحمد الناصر، الحماية القانونية لمعلومات شبكة المعلومات(الانترنيت)، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق جامعة النهرين، 2001، ص82 .

2.V.M. VIVANT: I’informatique dans la theorie generale du contrat. DALLOZ. 1994, No.3, p. 118.

وفي ضوء هذا التمهيد ،يمكننا أن نحصر البحث بتكييف عقد البحث العلمي من خلال

الأبعاد الاقتصادية له ، وطبيعة الالتزامات لطرفيه وتنوعها . وفي هذا الصدد يمكن القول إن تكييف عقد البحث العلمي يمكن أن يدور في فلك احد العقود الآتية : عقد البيع ،عقد الوكالة ،عقد العمل ، عقد المقاولة .

وعليه سنبحث في تكييف عقد البحث العلمي من خلال تلك العقود التقليدية في محاولة لتلمس أوجه التطابق بين هذه العقود وبين عقد البحث العلمي ابتغاء تطبيق قواعد أي من هذه العقود عليه .ونبحث كل عقد من هذه العقود من خلال ماله ،وما عليه، وذلك من خلال مبحث مستقل لكل عقد من هذه العقود .

ولا بد من التنويه ابتداء إننا لم نجد مصادر مباشرة تعالج هذا الموضوع وبصورة عامة ،وذلك لجدته ، وبذلك حاولنا أن نستفيد من الموضوعات التي تتداخل معه ،كالقواعد العامة للعقود ،وما كتب بصدد ملكية المعلومات وعقد المشورة وعقود نقل التكنولوجيا . وحاولنا الاستنتاج في ظل تصور ما يحدث عمليا في بيان تكييف عقد البحث العلمي ، وذلك على النحو الآتي :-



المبحث الأول

عقد البحث العلمي عقد بيع معلومات



يعد عقد البيع من العقود الناقلة للملكية(1)،ويثير جملة مشاكل بسب اشتراك كثير من عناصره مع عقد البحث العلمي . فالصلة بين العقدين متصلة كثيراً بحسبان آن المعلومات تصلح لان تكون محلا لعقد البيع ، إلى جانب كونه عقدا من عقود المعاوضة ويرتب التزامات متقابلة تقع على عاتق طرفيه(2) ،ومحل هذا العقد قد يكون شيئاً ماديا آو معنويا آو أي حق مالي آخر(3). و للإجابة على ذلك نتناول طرح فكرة بيع المعلومات ثم تقويمها وذلك على النحو الأتي :-

المطلب الأول

عرض فكرة بيع المعلومات

يذهب البعض إلى إن المعلومات تصلح محلا لعقد البيع :وذلك لأن المقصود بنقل المعلومات هو ان يتخلى البائع عنها بصورة نهائية أو أن تصبح ملك المشتري الذي تؤول إليه بما يخوله التصرف بها بجميع التصرفات(4)، كما أن مفهوم عقد البيع لم يعد ضيقاً بان لا يرد ألا على الأشياء المادية وإنما تصلح الأشياء غير المادية أن تكون محلاً له ولذلك لا يوجد ما يمنع ان تكون المعلومات هذا المحل(5) .

ويضف الأستاذ سافاتيه ((Savatier إلى ما تقدم ، أن عقد بيع المعلومات يختلف عن عقود البيع التقليدية ، إذ يتم به تبادل أشياء غير مادية ،مقابل مبلغ من النقود(6). من ناحية أخرى ، فان البيع ، هنا ، لا يعني نقل الملكية بالمعنى التقليدي لنقل ملكية الأشياء المادية ، وإنما هو بيع لمعلومات أي لأشياء معنوية(7) .

1. نظم القانون المدني العراقي أحكام عقد البيع في الكتاب الثاني منه ضمن الباب المخصص للعقود التي تقع على الملكية، أنظر المواد(506)وما بعدها من القانون المدني العراقي.

2. د. سعدون ألعامري، الوجيز في العقود المسماة، ج1، البيع والإيجار، ط3، بغداد، 1974، ص15.

3. أنظر د. أنور سلطان ود. جلال ألعدوي، العقود المسماة،عقد البيع، مصر، 1966، ص41.

4. أنظر أستاذنا د. صبري حمد خاطر، الضمانات العقدية لنقل المعلومات، بحث منشور في مجلة الحقوق، جامعة النهرين، المجلد الثالث، العدد3، السنة 1999، ص117.

5. أنظر في عرض فكر البيع والمبررات التي قيلت بشأن ذلك: المصدر السابق، ص177.

6. Savatier: La Vent de Service, D.1971, p.233.

7. CATALA: Edauche d’un theorie Juridique de l’information, ed, 1984, p.99.

وتجدر الإشارة إلى انه ،وعلى الرغم من إن محل العقد (معلومات) ،وهي أموال معنوية تعد نتاجا لمجهود مضن ، إلا إنها قيمة تقوم بالمال ،وهذا ما يمكن تقبله بصدد البحث العلمي شأنه في ذلك شأن الأشياء المعنوية الأخرى ، التي استقر الفقه بشأنها على إنها من قبيل الأموال . يتضح من كل ما تقدم ، إن مقايسة عقد البحث العلمي بعقد البيع تستند على ما يلي :-

2- إن المعلومات (أو المعرفة العلمية ) التي يتوصل لها الباحث ، لها قيمة اقتصادية قابلة للاستحواذ وهي تعد منتجاً من هذه الناحية ،إذ هناك علاقة قانونية بينهما وبين من توصل إليها ، علاقة يمكن وصفها بعلاقة المالك بالشيء الذي يملكه ،هذا ولما كانت الأموال المعنوية لها قيمة مالية، فأنها يمكن أن تصبح محلاً لحق ، إذ لا يمكن القول بوجود ملكية ما لم تكن هناك قيمة للمال محل هذه الملكية ،مما يترتب عليه جواز التنازل عن هذه القيمة مقابل ثمن و يعد عقد البيع أكثر أنواع العقود ملائمة لهذا التنازل(1). فالبيع هنا لا يعني نقل الملكية بالمعنى التقليدي لنقل ملكية الأشياء المادية وإنما نكون إزاء نقل ملكية معلومات، أي أشياء معنوية(2).

2- أن هذا التكييف يتفق وقصد المتعاقدين، طالما أن هذا العقد لا يتضمن أية مخالفة لأحكام عقد البيع التقليدي، ذلك أن المراد ببيع المعرفة العلمية – ما دامت هي أحدى صور المعلومات – هو تنازل الباحث عنها بشكل نهائي لتصبح من حق المستفيد، أي المشتري الذي يجوز له التصرف بها بالتصرفات القانونية كافة، فله أن يستغلها أو يستعملها أو يتصرف بها(3) . وله أن يحتج على الغير بملكيته لهذه المعلومات(4). وهذا التنازل يكون بمقابل هو الثمن، فاستغلال النشاط الذهني للإنسان بهدف الحصول على مقابل مالي أصبح الآن سمة من سمات العصر الحديث، لذا فأن عد عقد البحث العلمي عقد بيع تحصيل حاصل وأقرب إلى المنطق القانوني السليم(5).

3- أن حق الباحث على المعلومات هو حق المؤلف على مصنفه، إذ يعطيه صلاحية نقلها للغير، وبهذه الصورة فأن حق الباحث هو حق ملكية قابل للانتقال للغير.

1. أنظر قريب من هذا المعنى:- د. أحمد محمود سعد، نحو إرساء نظام قانوني لعقد المشورة المعلوماتية ،ط1 ،القاهرة ،1995 ،ص303. وأنظر:- د. سلام منعم مشعل، الحماية القانونية للمعرفة التقنية، أطروحة دكتوراه، مقدمة إلى كلية الحقوق، جامعة النهرين، 2003م،ص54.

2. أنظر في هذا المعنى:- د. السيد محمد السيد عمران، الطبيعة القانونية لعقود المعلومات ،مؤسسة الثقافة الجامعية ،الإسكندرية ،1992، / ص19.

3. د. صبري حمد خاطر، مصدر سابق، ص117.

4. المصدر السابق، ص118.

5. د. أحمد محمود سعد، مصدر سابق، ص304. د. سليم عبد الله أحمد، مصدر سابق، ص83.[/b].











..السراب

السراب





عدد الرسائل: 99

تاريخ التسجيل: 26/10/2007



مساهمة رقم 2

متابعة

من طرف السراب في الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:05 am

لمطلب الثاني

تقويم فكرة بيع المعلومات

في الواقع أنه لا يمكن تطبيق أحكام عقد البيع على عقد البحث العلمي في ظل اختلاف البناء القانوني لكل عقد إذ يرتكز عقد البحث العلمي على عناصر لا مثيل لها في عقد البيع. كما أن وضع هذا التكييف موضع التطبيق غير ممكن للأسباب الآتية:-

1- أن تصوير المعلومات على أنها تصلح محلاً لعقد البيع يعني أن البائع مالك الشيء موجود قبل البيع، في حين أن القاعدة هي أن المعلومات ملك للجميع، وأما إذا تم تخصيصها لتقتصر فائدتها على شخص معين فأن ذلك لا يستلزم بالضرورة أن يكون لهذا الشخص حق ملكية، إذ أن هذا الحق يستلزم على الأقل ترخيصاً بموجب القانون كأن تكون له براءة اختراع(1).

2-لا يمكن الربط بين القيمة الاقتصادية وفكرة الأموال، إذ أن الصلة لا تكون حتمية بينهما، فهناك من القيم الاقتصادية ما لا تعتبر من الأموال(2). وقد لا تعبر القيمة الاقتصادية تعبيراً حقيقياً عن محتوى الأفكار المطروحة في البحث العلمي. ولا يستلزم في البحث العلمي أن يكون ذات قيمة أو بعد اقتصادي. فالصلة ليست حتمية، ولعل ما يؤكد هذا أن البحث العلمي القانوني أو السياسي مثلاً لا يكون ذات بعد اقتصادي.

3-إن عقد البيع يفترض انتقال شيء من شخص لأخر ، وهذا لا يمكن تحققه بالنسبة للمعلومات . ذلك لأنها تنطوي على أفكار ، فإذا انتقلت الفكرة من شخص لأخر صارت الفكرة لدى كليهما.(3)

4-تترتب على عقد البحث العلمي التزامات تتعدى مرحلة تنفيذ العقد وتستمر إلى ما بعد انتهاء الرابطة القانونية بين الباحث والمستفيد ، وخصوصاً في ما يتعلق بالالتزام بالسرية ، وهذا الأمر لا يستقيم مع ما تقرره أحكام القانون بخصوص عقد البيع (4) .



1. أنظر في عرض هذا التقويم رأي كل من (MAGNIN Et CARBONNIER ) المشار إليه في بحث أستاذنا د. صبري حمد خاطر، المصدر السابق، ص118.

2. ومن قبيل ذلك المعلومات الاسمية الشخصية. للتوسع أنظر : د. سليم عبد الله احمد ، مصدر سابق ، ص84.

3. وذلك مثل الكتاب ، كما يقول فولتير الذي هو كالنار أستطيع أن استفيد منها وأعطي للجار والجار الأخر وتبقى النار كما هي من دون نقص . نقلاً عن الأستاذ (Lucas) الذي أشار إليه في بحث أستاذنا د. صبري حميد خاطر ، مصدر سابق ، ص125هـ9.

4. ويعد الالتزام بالسرية من الالتزامات ذات الطبيعة الخاصة التي تترتب بذمة الباحث في عقد البحث العلمي .

5-لا يستطيع المستفيد أن يلجأ إلى قواعد التنفيذ الجبري عند امتناع الباحث عن إعداد البحث ، وذلك للارتباط الوثيق بين البحث العلمي (كمحل للعقد) و بين الباحث صاحب المعرفة والتخصص . ويقتصر حق المستفيد في المطالبة بإنهاء الرابطة التعاقدية والتعويض أن كان له مقتضى (1) وهذا الأمر يختلف عن ما تقرره القواعد الخاصة بعقد البيع عند إخلال البائع بالتزاماته في عقد البيع (2)

6-لا يمكن الركون إلى نية الطرفين في تحديد الطبيعة القانونية لعقدهما وخصوصاً في عقد البحث العلمي الذي يتميز بأنه ينطوي على علاقة غير متوازنة بين طرفين احدهما قوي اقتصادياً بما يملكه من تخصص ومعرفة علمية والأخر ضعيف لا يملك التخصص والمعرفة العلمية في المجال الذي تعاقد فيه وهو البحث العلمي.

هذه الصعوبات في جملتها كانت وراء محاولة بحثنا عن فكرة أخرى تحاول تكييف عقد البحث العلمي بين الباحث والمستفيد إلى عقد وكالة . وكما هو موضح في المبحث القادم .

















1. انظر :- د. احمد محمود سعد ، مصدر سابق ، ص313.

2. انظر المادة 248/2من القانون المدني العراقي .











..السراب

السراب





عدد الرسائل: 99

تاريخ التسجيل: 26/10/2007



مساهمة رقم 3

عقد البحث اعلمي وعقد الوكالة

من طرف السراب في الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:07 am



المبحث الثاني

عقد البحث العلمي عقد وكالة

يعرف القانون المدني العراقي الوكالة بأنها : ((عقد يقيم به شخص غيره مقام نفسه في تصرف جائز معلوم )) (1) فالملتزم فيه وهو الوكيل ينوب عن الدائن وهو الموكل بالقيام بعمل قانوني باسمه ولحسابه (2) والوكالة كما هو معروف من العقود الواردة على العمل (3)

بيد انه يتميز عن سائر العقود الواردة على عمل كعقود المقاولة وعقد العمل بسمتين أساسيتين لهما نتائجهما على عقد الوكالة في الاحتفاظ بذاتيته الخاصة به :-

1- الوكيل يمثل الموكل أمام الغير ، إذ يقوم بإبرام التصرف باسمه ولحسابه .

2- محل عقد الوكيل هو القيام بتصرفات قانونية لحساب الوكيل .

ولما كان بحثنا ينصرف إلى التعرف على الطبيعة القانونية لعقد البحث العلمي فانه وفي ضوء تلك الخصائص المميزة لعقد الوكالة ، هل يمكن القول أن عقد البحث العلمي هو احد تطبيقات عقد الوكالة ؟ وللإجابة عن ذلك فإننا نقسم هذا المبحث على مطلبين ، الأول لعرض الفكرة والثاني لتقويمها و ذلك كالأتي :-













1.انظر نص المادة (927) من القانون المدني العراقي .

2.نظر أستاذنا د. حسن علي الذنون ، النظرية العامة للالتزام ، النظرية العامة للالتزام ،بغداد ،1976 ، ص51ومابعدها وانظر نص المادة (699) من القانون المدني المصري .

3.إذ تناولهما القانون المدني العراقي ضمن الباب الثالث (العقود الواردة على العمل) من الكتاب الثاني منه .

المطلب الأول

عرض فكرة عقد الوكالة

لما كان الباحث يقوم بإعداد البحث العلمي ، بالإضافة إلى أنه في بعض الأحيان يقدم المساعدة الفنية اللازمة عند تنفيذ البحث العلمي. إلا أنه في هذه الأعمال لا يقوم بعمل قانوني، حتى يمكن القول بأن محل عقده هو عين محل عقد الوكالة .ولا يقدح في ذلك كونه يقوم بأداء هذا العمل لمصلحة رب العمل، حيث كما سبق الذكر، الوكالة تقتضي القيام بالتصرفات القانونية، بأسم ولحساب الموكل.

وعلى الرغم من هذه الحقيقة، إلا أن هناك بعض السمات التي تثير الشك إلى أن الباحث في علاقته بالمستفيد هي علاقة وكيل بموكله، ومن ثم يمكن القول أن الرابطة القانونية بينهما ترتدي ثوب عقد الوكالة، وما يترتب على ذلك من نتائج، أسوة بما هو متبع بصدد بعض عقود المهن الحرة، كالعقد الطبي، وعقد المحامي مع عميله، وهذا هو ما كان معمولاً به أبان القانون الروماني في التمييز بين الأعمال المادية، والأعمال الذهنية، حيث كان يخضع هذا الأخير لأحكام عقد الوكالة(1).

ويمكن مما تقدم أن نستند إلى الحجج الآتية في تكييف العلاقة بين الباحث والمستفيد أنها عقد الوكالة:-

1- أن عمل الباحث تغلب عليه الصفة العقلية أو الذهنية، فلا يمكن أن يكون محلاً لعقد مربح، لذا فأنه يخضع لعقد الوكالة حتى لا يوضع العمل العقلي في مستوى العمل اليدوي، ولا ينحط العلم ليكون وسيلة للتجارة(2).

2- يعد الالتزام بالتبصير أو الأعلام من أهم الالتزامات الناشئة في عقد البحث العلمي(3) وهو ذات الالتزام الذي يقع على عاتق الوكيل، الذي يلتزم بتبصير موكله وإعطائه

1. في هذا الرأي ونقده أنظر:- د. محمد لبيب شنب، شرح أحكام عقد المقاولة، القاهرة ،1962، ص29 وما بعدهما. وأنظر:- د. محمد عبد الظاهر حسين، المسؤولية المدنية للمحامي تجاه العميل، دار النهضة العربية،1993،ص77.

2. وقد أشار جانب من الفقه بإخراج الروابط القائمة على الصفة الذهنية من نطاق الروابط القانونية وإلحاقها بالروابط التي تحكمها مبادئ الأخلاق لأن الشخص الذي يعتمد على النشاط الذهني أو العقلي يسمو بنفسه عن الاعتبارات المادية ولا ينبغي من وراء نشاطه هذا تحقيق أي ربح أنظر في هذا المعنى:- محمد علي عرفة، أهم العقود المدنية، الكتاب الأول، في العقود الصغيرة، مصر، 1954، ص10.

AUBRY et RAU Droit Civil Francais,Tome.V, 6eme Edition, 1947, par. Esmien. P.388.

3. إذ يلتزم الباحث بأعلام المستفيد عن نتائج البحث العلمي .

المعلومات اللازمة والحالة التي وصل إليها في تنفيذ الوكالة(1). وتنشأ مسؤولية الوكيل في حالة تأخره في تبصير موكله في الوقت المناسب(2).

3- لا يقتصر التزام الباحث على أعداد البحث العلمي، بل يلزم كذلك بإتباع كافة الوسائل التي تمهد القيام بهذا الالتزام مما يقرب عمله من عمل الوكيل.

4- أن الأجر المتفق عليه في عقد البحث العلمي، يكون خاضعاً لتقدير المحكمة(3)، أسوة بما هو مقرر في عقد الوكالة(4).

5- يقوم عقد البحث العلمي على عنصر رئيسي هو وجود ثقة بشخص الباحث وخبرته وكفاءته(5)، وهذه السمة موجودة أيضاً في عقد الوكالة الذي يتميز بتغلب الاعتبار الشخصي(6).

6- عقد البحث العلمي، كعقد الوكالة(7)، يتميز بأنه عقد غير لازم، إذ يجوز كقاعدة عامة أن يعزل الباحث، وللباحث أن يتنحى عن البحث العلمي.













1. انظر نص المادة (936) من القانون المدني العراقي .

2. انظر :- د. سهير منتصر ، الالتزام بالتبصير ، القاهرة ، بدون سنة طبع ، ص79.

3. في حالة عدم الاتفاق ابتداءاً على الأجر في العقد .

4. انظر نص المادة (940/2) من القانون المدني العراقي .

5. يعتمد اختيار المستفيد للباحث على الاعتبار الشخصي .

6. انظر الأستاذ السنهوري ، الوسيط ، ج7، مج1، بيروت ، 1973، ص374.

7. المصدر السابق ، ص375..











..السراب

السراب





عدد الرسائل: 99

تاريخ التسجيل: 26/10/2007



مساهمة رقم 4

تقويم فكرة عقد الوكالة

من طرف السراب في الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:09 am

المطلب الثاني

تقويم فكرة عقد الوكالة

لم يسلم هذا التكييف لعقد البحث العلمي من إعادة تقويمه مرة أخرى . وذلك ، انه ينبغي أن يطابق التكييف للعقد الطبيعية الخاصة لأداء الباحث . وفي ضوء ذلك يمكن ان نشير للاعتبارات آلاتية :-

1-يتميز عقد الوكالة بان محله الأصلي يكون دائماً تصرفاً قانونياً ، ولايمكن بأي حال من الأحوال عد البحث العلمي تصرفاً قانونياً .

2-أن الوكيل لا يسأل ألاعن بذل العناية اللازمة في إنجاز العمل الموكل إليه (1)

بينما يلتزم الباحث بتحقيق نتيجة تتمثل في إنجاز البحث وتسليمه للمستفيد.

3-أن القول بان العمل العقلي لا يصلح أن يكون محلاً لعقد مربح قول يناقض الواقع فالمعروف إن أصحاب المهن الحرة ، التي تعتمد اغلبها على الطابع الذهني ، يبرمون مع عملائهم عقوداً يبغون من ورائها الربح ، ولا تعاب سمعتهم أن قاموا بإجارة عملهم (2)

4-أن لجوء المحكمة إلى أحكام عقد الوكالة للوصول إلى تعديل الأجر المتفق عليه بين الباحث والمستفيد ليس بحجة قاطعة لثبوت هذا التكييف لعقد البحث العلمي ، لأن تدخل القاضي في هذه الحالة هو تدخل استثنائي الهدف منه التخفيف من المغالاة في الجور وإعادة التوازن بين طرفي العقد (3).

5-يتصرف الوكيل باسم الموكل ولحسابه (4) ، وأما الباحث فان عمله يصدر باسمه ولحسابه الخاص حتى في الحالة التي يكون فيها الباحث وكيلاً عن المستفيد (5) لذلك فانه إذا اختلطت الوكالة بعقد أخر ((كعقد البحث العلمي )) ينبغي في الأصل تطبيق كل قواعد الوكالة وقواعد العقد الأخر مادام لا يوجد تعارض بين العقدين .

وفي ضوء هذا التقويم نحن مدعون إلى محاولة البحث عن تكييف أخر لعقد البحث العلمي بين الباحث والمستفيد ، وهذا ما دعانا إلى تصوره بأنه عقد عمل . وكما هو موضح في المبحث القادم .



1.انظر نص المادة (934) من القانون المدني العراقي .

2.أنظر الأستاذ السنهوري، الوسيط، ج7، مصدر سابق، ص16، هـ2.

3.انظر قريب من هذا المعنى :- د. احمد محمود سعد ، مصدر سابق ، ص321.

4. الأستاذ السنهوري ، ج7، مصدر سابق ، ص373.

5. كأن يعهد المستفيد للباحث بإنجاز عمل معين أو تنفيذ نتائج البحث العلمي . وهذا يعني إننا إزاء عقد أخر مستقل عن عقد البحث العلمي . كأن يكون عقد عمل أو عقد وكالة أو أي عقد أخر .



المبحث الثالث

عقد البحث العلمي عقد عمل

مما لاشك فيه أن للأعمال الذهنية في المجتمع من أهمية ، لا يقل دورها أهمية عن دور الأعمال اليدوية بصورة عامة ، تلك الأعمال التي يتعاقد الشخص فيها بنفس الطريقة التي يتعاقد بها الشخص الذي يقوم بعمل يدوي بالاستناد إلى خبرته وتخصصه في عمله .

ولكن هل يدفعنا هذا القول إلى تشبيه العقود الواردة على الأعمال الذهنية ومنها عقد البحث العلمي بعقد العمل ؟ وخضوع عقد البحث العلمي لعين الأحكام التي يخضع لها عقد العمل ؟ وفي محاولة لمعرفة وجهة النظر هذه فإننا نقسم هذا المبحث على مطلبين ، الأول لعرض الفكرة والثاني لتقويمها . وذلك كالأتي :-

المطلب الأول

عرض فكرة عقد العمل

يعرف القانون المدني العراقي عقد العمل بأنه : عقد يتعهد به احد طرفيه بان يخصص عمله لخدمة الطرف الأخر ويكون في أدائه تحت توجيهه وأدارته مقابل اجر يتعهد به الطرف الأخر ويكون العامل أجيراً خاصاً (1) . بينما يعرفه قانون العمل العراقي بأنه : اتفاق بين العامل وصاحب العمل ، يلتزم فيه العامل بأداء عمل معين لصاحب العمل تبعاً لتوجيهه وإدارته ويلتزم فيه صاحب العمل بأداء الأجر المتفق عليه للعامل (2) .

ومن هذا التعريف تتضح العناصر الأساسية المميزة لعقد العمل التي تتمثل في تنفيذ العمل المتفق عليه والأجرة التي يلتزم بها رب العمل تجاه العامل وعلاقة التبعية التي تربط العامل تجاه رب العمل .

ونبادر إلى القول ابتداءاً إلى أن تنفيذ العمل ينبغي إسقاطه من عناصر التمييز ذلك لأن تنفيذ العمل المتفق عليه من طبيعة القوة الملزمة للعقد إذ ينبغي ((تنفيذ العقد طبقاً لما أشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية)). (3)

ويتفق عقد البحث العلمي مع عقد العمل في انه عقد يقوم على الاعتبار الشخصي من جانب العامل ، أي أن رب العمل يعتمد في الغالب على صفة العامل ومهارته في أداء

1.نص المادة (900/1) من القانون المدني العراقي .

2.نص المادة (29) من قانون العمل العراقي النافذ رقم (71) لسنة 1987م .

3.نص المادة (150/1) من القانون المدني العراقي .



العمل(1) ، هذا من ناحية . ومن ناحية ثانية ، فالعقدان يتفقان في إن كلاً منهما يقوم على

التنفيذ المتعاقب ، إذ لا ينفذ عقد العمل دفعة واحدة بل يمتد تنفيذه إلى فترة زمنية قد تطول أو قد تقصر (2) والأمر ذاته قد يحصل في عقد البحث العلمي . ومن ناحية ثالثة ، فان محل عقد البحث العلمي المتمثل بالبحث العلمي يشترط فيه ما يشترط في محل عقد العمل من وجوب كونه واضحاً وممكناً للاستفادة منه من جانب المستفيد ((رب العمل)) في إدارة عمله أو دفعه للقيام بعمل أو الامتناع عنه . ومن ناحية رابعة تؤكد المادة (903) من القانون المدني العراقي ، شمول أداء الخدمة بأحكام عقد العمل وان البحث العلمي كعقد يبرم مع شخص متخصص في مهنته لأداء خدمة معينة ، فهي من عمل داخل في مهنة من يؤديه .وأخيراً ، يترتب على العامل أن يحتفظ بأسرار رب العمل (3) وهذا عينه التزام الباحث بالسرية في عقد البحث العلمي .

بيد أن ما يثير الخلط بين العقدين هو عنصر التبعية . ففي عقد العمل يتمتع رب العمل بسلطة الرقابة والأشراف والتوجيه على العامل وينبغي على هذا الأخير أن لا يحيد عن تعليمات رب العمل و أوامره (4) ويقترب مركز الباحث في مواجهة المستفيد من مركز العامل. إذ يخضع الباحث إلى إشراف المستفيد وأدارته، وهذا الخضوع أو التبعية لا يقصد بها التبعية العلمية أو الفنية التي تخول المستفيد توجيه الباحث في ما يتعلق بالأصول العلمية أو الفنية للعمل(5). و أنما يقصد بها تبعية تنظيمية أو إدارية يقتصر فيها إشراف المستفيد على تحديد الظروف الخارجية التي يتم فيها تنفيذ العمل. والتبعية التنظيمية لا يشترط فيها أن يقوم المستفيد بالإشراف بصفة مباشرة ومستمرة على الباحث بل يكفي لثبوتها تحقق مكنة المستفيد في الرقابة والتوجيه وأن لم يمارسها(6). وهذه التبعية تختلف قوةً وضعفاً باختلاف كفاءة الباحث (العامل) ونوع العمل وحجم المشروع، وفي بعض



1.انظر نص المادة (923) من القانون المدني العراقي . والتي تقرر انتهاء عقد العمل بموت العامل مما يؤكد أهمية الاعتبار الشخصي في عقد العمل .

2.د. شاب توما منصور ، شرح قانون العمل ، ط3، بغداد ، 1968 ، ص340.

3 .انظر المادة (909) الفقرة (1/هـ) من القانون المدني العراقي .

4 .انظر أستاذنا د. عدنان العابد ود. يوسف الياس ، قانون العمل ، ط2، بغداد ، 1989، ص227.

5.وهذه التبعية من أقوى صور التبعية وهي تعني خضوع العامل عند أدائه العمل خضوعاً تاماً لرب العمل، بيد أنه يشترط لإمكان تحقق هذه التبعية أن يتمتع رب العمل بالخبرة والتخصص في المجال الذي يخضع العامل فيه لأشرافه وأدارته. أنظر:- د.شاب توما منصور، مصدر سابق، ص342.

6.أنظر:- المصدر السابق، ص342.

الصور قد تخفف هذه التبعية حتى ليصعب القول بتوفرها، ويتم استخلاص هذه التبعية من خلال بعض القرائن : كطريقة تحديد الأجر وطبيعة الالتزامات المتقابلة وتبعية الباحث الاقتصادية للمستفيد(1). كما يعتمد الباحث على المستفيد في مواجهة المشاكل التي تعترض عمله فيبدو الباحث وكأنه في حالة تبعية للمستفيد. وهنا يقع الخلط بين عقد العمل وعقد البحث العلمي.

وعلى وفق ذلك فأن فوائد هذا التكييف لا تقتصر على المستفيد فحسب(2) بل له فوائد عملية جمة لمصلحة الباحث، تتمثل بالآتي:-

1- اعتبار عقد البحث العلمي عقد عمل معناه أن الباحث سيستحق الأجرة إذا كان حاضراً ومستعداً للعمل في الوقت المعين(3).

2- أن المستفيد سيتحمل تبعة الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها الباحث أثناء أدائه لعمله من حيث عدم تضمن البحث المقدم له حلولاً معقولة للغاية التي يبغيها المستفيد.

3- أن الباحث سوف لن يلزم إلا ببذل عناية وليس بتحقيق نتيجة وبالتالي فأنه سيتحق الأجرة بمجرد بذل العناية اللازمة من دون حاجة إلى تحقق النتيجة المتوخاة من البحث العلمي(4).

4- أن الباحث سوف لن يكون مسؤولاً عن العيوب الخفية التي تكتنف البحث العلمي محل العقد(5).

5- -وأخيراً فأن الباحث سيستفيد من الحماية القانونية التي أسبغها المشرع للعامل(6).





1. أنظر في هذا المعنى:- د.محمد لبيب شنب، مصدر سابق ، ص30.

2. باعتباره الطرف القوي في عقد العمل وتستمد هذه القوة من الالتزامات الإضافية التي تلقى على عاتق الباحث إذا اعتبرناه عاملاً(أنظر المواد من(909) إلى(912) من القانون المدني العراقي والتي تحدد التزامات العامل.

3. أنظر نص المادة(914) من القانون المدني العراقي.

4 .أنظر نص المادة (909/1) من القانون المدني العراقي.

5. كاستعمال معلومات مزيفة أو مسروقة من دون مراعاة الأمانة العلمية وأصول البحث العلمي. أو تؤدي إلى نتائج مخالفة للنظام العام والآداب.

6. خصوصاً تلك المتعلقة بإنهاء عقد العمل. أنظر نص المادة (915) وما بعدها من القانون المدني العراقي

.











..السراب

السراب





عدد الرسائل: 99

تاريخ التسجيل: 26/10/2007



مساهمة رقم 5

تقويم فكرة عقد العمل

من طرف السراب في الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:12 am

قويم فكرة عقد العمل

لا غرو أن تكييف عقد البحث العلمي بأنه عقد عمل يمثل ضمانات كافية للباحث، سواء بعدم تحمل الأخير تبعة أخطائه أثناء البحث العلمي أم بعدم مسؤوليته عن العيوب الخفية التي تكتنف البحث العلمي (محل العقد) أم بما يترتب على الباحث من التزام ببذل عناية، هذا بالإضافة إلى استحقاقه الأجر من دون تحقق النتيجة المتوخاة من البحث. بيد أن وضع هذا التكييف موضع التطبيق غير ممكن للأسباب الآتية:-

1- أن المشكلة الحقيقية تظهر في عنصر التبعية المميزة لعقد العمل والتي تخول رب العمل الرقابة والأشراف والتوجيه على العامل وعنصر الرقابة والأشراف في عقد البحث العملي. وفي هذا الصدد يرتفع الخلط بين العقدين: فعنصر الرقابة والأشراف في عقد البحث العلمي يمثل تبعية اقتصادية لمعلومات الباحث(1) إذ أن المستفيد يعتمد في عمله على المعرفة العلمية للباحث فضلاً عن خبرة الباحث ومكانته وكفاءته العلمية، كما أنه يبقى محتفظاً باستقلاله القانوني عن المستفيد. إذ أن مركز الأبحاث أو المؤسسة التي يتعاقد معها الباحث تدار بطريقة خاصة وفقاً للقانون أو النظام الداخلي لهذه المؤسسة(2). في حين يخضع العامل لرقابة رب العمل وأشرافه ولا يتمتع باستقلال قانوني فهو يعمل لحساب رب العمل لا لحسابه هو.

2- ولا ينفي هذا الفرق مسؤولية كل من المستفيد ورب العمل عن أخطاء الباحث أو العامل ذلك أن أساس المسؤولية في كل منهما يختلف عن الآخر. فالمسؤولية في عقد العمل تقوم على أساس علاقة التابع بالمتبوع في حين نجد مسؤولية الباحث أساسها الاتفاق بين الباحث والمستفيد.

3- كما لا يمكن الخلط بين العقدين بحسبان أن رب العمل ينفرد بالحقوق الناشئة عن براءة الاختراع والاكتشافات التي يقوم بها العامل أثناء العمل (3) ،في حين لا يلتزم الباحث بذلك ،إذا ما أنتج الباحث ، وأثناء خدمته في إعداد البحث العلمي المتفق عليه مع المستفيد ،

1.إذ أن للمعلومات قيمة اقتصادية.

2.أنظر قانون بيت الحكمة رقم(11) لسنة 1995م. القانون منشور في جريدة الوقائع العراقية العدد(3577) الصادر بتأريخ 21/8/1995م.

3. انظر نص المادة 912 من القانون المدني العراقي .في استحواذ رب العمل على براءة الاختراع واكتشافات العمل أثناء العمل .







مصنفاً (1) ، لم يتم التعاقد عليه بالذات مع المستفيد . فان هذا النتاج لا يدخل ضمن واجباته والتزاماته ، ومن ثم تثبت للباحث صفة المؤلف وحقوق المؤلف الأدبية والمالية على هذا المصنف (2)

4-إن تعاقد الباحث مع المستفيد يرد على الحقوق المالية للمؤلف في استغلال مصنفه . وهذا يعني انه لا يجوز أن يتنازل الباحث في عقد العمل عن صفته كمؤلف إلى رب العمل ولا أن يتنازل عن حقه الأدبي على بحثه (3) . في حين أن نتاج العامل في عقد يأول بكامل حقوقه إلى رب العمل .

5-أن العامل لا يسأل إلا عن بذل العناية في إنجاز العمل الموكل إليه (4) . بينما يلتزم الباحث بتحقيق نتيجة تتمثل في إنجاز البحث وتسليمه.

6-أن تطبيق أحكام قانون العمل على أعمال الباحث بصورة عامة يؤدي إلى نتائج لا تنسجم مع طبيعة عقد البحث العلمي الذي يعتمد اساساً على جهد الإنسان الفكري وإبداعه الذهني سواء من ناحية الحقوق التي يتمتع بها الباحث (5) ، أو من ناحية إنهاء العقد الذي يربطه بالمستفيد(6) .

1.انظر نص المادة الثانية من قانون حماية حق المؤلف العراقي ، في تعريف المصنفات و تعدادها على وجه الحصر ، بأنها كل تعبير يظهر كتابته أو صوتاً أو رسماً أو تصويراً أو حركةً . وللتوسع انظر :- د. عصمت عبد المجيد بكر ود. صبري محمد خاطر ، الحماية القانونية للملكية الفكرية ، ط1 ،بيت الحكمة ،بغداد ،2001 ، ص40 وما بعدها

2. المصدر السابق ، ص23-24. وانظر نواف كنعان ، حق المؤلف ، ط2 ،عمان ،1992 ، ص274.

3. انظر :- الأستاذ السنهوري ، الوسيط ، ج8 ، المصدر السابق ، من 191 ص329 . أستاذنا زهير البشير ، الملكية الأدبية والفنية (حق المؤلف) ، الموصل ،1989، ص49-50. وانظر د. عصمت عبد المجيد بكر و د. صبري محمد خاطر ، مصدر سابق ، ص23.

4.انظر نص المادة (9.9/1) من القانون المدني العراقي .

5.إذ لا يتمتع الباحث بالحماية المقررة للعامل بمقتضى القواعد الخاصة بتنظيم العمل كتحديد ساعات العمل والعطلة الأسبوعية .

6.تختلف القواعد المتعلقة بانتهاء العقد اختلافاً جوهرياً في عقد العمل عنها في عقد البحث العلمي . فلاينتهي عقد العمل بوفاة رب العمل ، مالم تكن شخصيته قد روعيت في العقد . ولكن ينفسخ العقد بموت العامل (م923) من القانون المدني العراقي ) . بينما ينتهي عقد البحث العلمي بموت الباحث وموت المستفيد . ولا يمكن إنهاء عقد العمل ذي المدة المجددة قبل انتهاء الأجل المتفق عليه للعمل موضوع العقد وعلى القاضي في بعض الحالات في عقد العمل إلغاء فصل العامل والأمر بإعادته إلى عمله . ( انظر :- د. محمود جمال الدين زكي ، مشكلات المسؤولية المدنية، ج1 ، القاهرة ، 1978، ص448) . ولاشيء من ذلك كله في عقد البحث العلمي .

7-يعتبر الأجر عنصراً مهماً في عقد العمل وله نظام قانوني متميز روعي فيه مصلحة العامل (1) لذا فان عقد العمل هو عقد معاوضة (2) أما عقد البحث العلمي فالأصل فيه أن يكون بمقابل ، فهو اساساً من عقود المعاوضة مالم ينص صراحة أو ضمناً على خلاف ذلك وفي حالة وجود الأجر فيه فانه لا ينطبق عليه النظام القانوني الخاص بالأجرة في عقد العمل .

8-أن فسخ عقد العمل يترتب عليه استحقاق العامل لجزء من الأجر يتناسب وما أداه من عمل في الوقت قبل تقرير فسخ العقد (3) في حين إن الباحث لا يستحق أجراً إذا لم ينجز ما تعهد به .

وهذا عينه مايفرض على المقاول بحسب الأصل في عقد المقاولة ، إذ لا يستحق المقاول اجراً إذا لم ينجز ما تعهد به . فهل يمكن تكييف العلاقة بين الباحث والمستفيد في عقد البحث العلمي بأنها مقاولة ، هذا ماسوف نبحثه في المبحث القادم .













1. انظر :- د. محمود جمال الدين زكي ، المصدر السابق ، ص448.

2. انظر د. عدنان العابد ود. يوسف الياس ، مصدر سابق ، ص225.

3. انظر نص م( 918) من القانون المدني العراقي .



.











..السراب

السراب





عدد الرسائل: 99

تاريخ التسجيل: 26/10/2007



مساهمة رقم 6

عقد البحث العلمي عقد مقاولة

من طرف السراب في الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:14 am



المبحث الرابع

عقد البحث العلمي عقد مقاولة

نرمي في هذا المبحث الإشارة إلى المقصود بعقد المقاولة ، والخصائص المميزة له، لعلنا نجد، في هذه النقاط، ضالتنا في تكييف عقد البحث العلمي، ومن ثم يمكن تقبل النتائج المترتبة على القول بأننا بصدد عقد مقاولة عند الحديث عن عقد البحث العلمي. ولهذا سنشير – وبإيجاز – إلى الملامح الأساسية لعقد المقاولة بما يخدم غرضنا من البحث. وهذا يقتضي عرض هذه الفكرة ثم تقويمها وذلك كالآتي:-



المطلب الأول

عرض فكرة عقد المقاولة

يعرف عقد المقاولة بأنه عقد يقصد به أن يقوم شخص بعمل معين لحساب شخص آخر في مقابل أجر من دون أن يخضع لأشرافه وأدارته(1).

بيد أن التطورات الحاصلة في مفهوم الأداءات التي يقوم بها المقاول قد تعدت الإطار التقليدي له، باعتباره يقوم بأداءات مادية فقط، إذ أنه ليس ثمة ما يمنع منه أن المقولات تعني ذلك النوع من الاداءات، وأيضاً الاداءات ذات الطابع الذهني. فالمهن الحرة التي تندرج تحت مفهوم عقد المقاولة أصبحت -الآن- تتميز بوجود الاداءات الذهنية(2). وعليه فيتسع هذا المفهوم لأستيعاب عقد البحث العلمي الذي نحن بصدده نظراً لأندماج هذه الأعمال الذهنية في موضوع البحث المنجز. هذا بالإضافة إلى أن المميزات التي يتميز بها عقد المقاولة تنطبق على عقد البحث العلمي وتمثل دعائمه الأساسية. وأياً كان الأمر فأن مما يدعم وجهة النظر السابقة الحجج الآتية:-

1- أن عقد البحث العلمي يرد، كعقد مقاولة، على الأعمال المادية(3). فعمل الباحث ينسب أليه من حيث أدائه لأنه يقوم به بأسمه الشخصي وأن كان لمصلحة المستفيد، وبالتالي لا يكون عمله هذا تصرفاً قانونياً بل عملاً مادياً.



1. أنظر الأستاذ السنهوري، الوسيط، ج7، مج1، مصدر سابق، ص377. د. كمال قاسم ثروت، الوجيز في شرح أحكام عقد المقاولة، ج1، بغداد،1976. ص17.

2. أنظر د. أحمد محمود سعد، مصدر سابق، ص290.

3.انظر في ورود عقد المقاولة على الأعمال المادية .د. محمد لبيب شنب ، مصدر سابق ، ص59. وتعد هذه الخصيصة من أهم معايير التمييز بين عقد المقاولة وعقد الوكالة .

يضاف إلى ذلك أن طبيعة عقد المقاولة – كما ذكرنا آنفاً – تسمح بتعدد الأداءات ذات الطابع الذهني وتنوعها بالإضافة إلى الأداءات المادية التقليدية(1).

وخير دليل على ذلك هو أن أحكام عقد المقاولة الواردة في قانوننا المدني لم تحصر نطاق الأعمال التي تمثلها المقاولة وإنما أكتفت بإيراد أحكام لبعض صور المقاولة مما يسمح بالقول أن عقود المعلومات الواردة على الأعمال الذهنية لا تعدو إلا أن تكون أحد صور عقد المقاولة(2).

ويرى الأستاذ السنهوري أنه من الممكن تنوع الأعمال التي تكون محلاً للمقاولة بيد أنه يفرق بين الأعمال المادية والأعمال العقلية ، إذ أن لكل مصطلح منهما مدلوله الخاص عنده وان كان كلاهما يصلحان لأن يكونا محلاً في عقد المقاولة (3).

2- الاستقلال التام للباحث في أعداد بحثه فهو يقوم بالعمل باسمه الخاص مستقلاً عن إدارة المستفيد وإشرافه ، ويختار الوسائل والطرق التي يراها مناسبة لإنجاز العمل الموكل إليه .ولا يجوز للمستفيد أن يتدخل في طريقة تنفيذ الباحث لعمله مادام عمل الباحث مطابقاً لما هو متفق عليه في العقد ولما تفرضه عليه الأصول العلمية لكتابة وإعداد البحث العلمي (4) . ويعد هذا الاستقلال من أهم مميزات عقد المقاولة بل انه يعد من أهم معايير تمييز هذا العقد عن بقية العقود الواردة على العمل (5) .



1.انظر د. السيد محمد السيد عمران ، مصدر سابق ، ص96.

2.انظر في هذا المعنى .د. محمد لبيب شنب ، مصدر سابق ، ص5.

3.يقول الأستاذ السنهوري في ذلك (أن الأعمال المادية التي ترد عليها المقاولة أما أن تكون اعمالاً مادية ، وإما أن تكون اعمالاً عقلية . فالأعمال المادية مثلها الإنشاءات المختلفة ... والأعمال العقلية تكون بدورها أما اعمالاً قانونية كما في التعاقد مع المحامي ووكيل الأشغال وأما أعمالا فنية كما في التعاقد مع طبيب أو مع مهندس معماري ، انظر ، الوسيط ، ج7، مج1، مصدر سابق ، 59.

4. انظر هذا المعنى :- د. عصمت عبد المجيد بكر ود. صبري حمد خاطر ، مصدر سابق ، ص21-22. د.محمد لبيب شنب ، مصدر سابق ، ص27. د. طلبة وهبة خطاب ، المسؤولية المدنية للمحامي ، القاهرة ، 1986، ص39.

5.ويقرر القانون المدني العراقي صراحة هذه الخصيصة كمعيار مميز لعقد العمل عن عقد المقاولة . فقد نصت المادة (900/2) منه على انه (ويتميز عقد العمل عن عقد المقاولة ، بان في الأول دون الثاني حقاً لرب العمل في إدارة جهود العامل وتوجيهها أثناء قيامه بالعمل ، أو على الأقل في الإشراف عليه) . وانظر :د.طلبة وهبة خطاب ، المصدر السابق ، ص39.







3- أن عقد البحث العلمي عقد معاوضة ، إذ يتقاضى الباحث اجراً مقابل إعداد البحث العلمي ، ويلجأ المتعاقدان في تحديد هذا الأجر إلى نفس الوسائل التي يلجأ إليها أطراف عقد المقاولة وخصوصاً عن طريق الاعتماد على طبيعة الالتزامات التي تنشأ على عاتق الطرفين وعلى مقدار الوقت الذي يستغرقه تنفيذ هذه الالتزامات. وعند عدم اتفاق الطرفين على مقدار الأجر يقوم القاضي بتحديد الأجر وفقاً لما يقرره المشرع في النصوص الخاصة بعقد المقاولة (1) .

4- يلزم الباحث بتسليم البحث العلمي وهو التزام بتحقيق نتيجة . وهذا عينه التزام المقاول بتحقيق النتيجة التي يريدها رب العمل (2) . وهو ما مستقر في عقد المقاولة لأن رب العمل يطلب عملاً يتمتم لنجازه .

5- أن عقد البحث العلمي يقوم بالدرجة الأساس على الاعتبار الشخصي ، إذ أن شخصية الباحث تكون محل اعتبار عند إبرام العقد . كذلك الحال مع عقد المقاولة ، إذ لا يجوز للمقاول أن يكل تنفيذ العمل في جملته أو في جزء منه إلى مقاول أخر إذا كانت طبيعة العمل مما يفترض معه قصد الركون إلى كفايته الشخصية أو وجود شرط يقضي بذلك (3) . والكفاية الشخصية للباحث تعتمد على الخبرة والتخصص والكفاءة العلمية والمهارة في الإعداد للبحث العلمي . وكذلك ما نصت عليه المادة (888/1) من القانون المدني العراقي ، من أن تنتهي المقاولة بموت المقاول إذا كانت مؤهلاته الشخصية محل اعتبار في التعاقد . وهذا عينه ما يترتب في عقد البحث العلمي إذ ينتهي بموت الباحث.





1.انظر المواد (880-881) من القانون المدني العراقي وهذا الأمر بخلاف ما يقرره المشرع في عقد البيع حيث أن عدم تحديد الثمن يؤدي الى بطلان العقد ( المادة 528من القانون المدني العراقي ).

2.انظر في هذا المعنى .د. عبد الرشيد مأمون ، عقد العلاج بين النظرية والتطبيق ، القاهرة ، بدون سنة طبع ، ص113.

3.انظر نص المادة (882/1) من القانون المدني العراقي .

.











..السراب

السراب





عدد الرسائل: 99

تاريخ التسجيل: 26/10/2007



مساهمة رقم 7

تقويم فكرة عقد المقاولة

من طرف السراب في الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:16 am



المطلب الثاني

تقويم فكرة عقد المقاولة

قد يبدو إسناد عقد البحث العلمي إلى عقد المقاولة امراً مقبولاً ، فالطبيب يستند في عمله الى المعلومات الفكرية كذلك المحامي فهو يمارس عمله بموجب معلومات قانونية ومع هذا الجانب الفكري ليس ثمة ما يمنع من وصف عقديهما بأنه مقاولة . مع ذلك فانه ثمة ما يحول من دون وصف عقد البحث العلمي انه عقد مقاولة ويرد ذلك الى الأتي :-

1- أن عقد المقاولة ينطوي على فكرة إنجاز عمل ، تستلزم أن يقوم المقاول بعمل مادي حتى وان كان العمل يرتكز على الأسلوب الفكري . أما عقد البحث العلمي فقائم على فكرة انتقال معلومات من شخص الى أخر ، لا تستلزم جانباً ماديأً وبذلك يختلف الإنجاز عن الانتقال (1) .

2- أن تشبيه العيوب الواردة في عقد البحث العلمي بالعيوب الواردة في البناء هو أمر مبالغ فيه . فالبناء عمل مادي يظهر العيب فيه ذاتياً ، أما البحث العلمي فان المعلومات التي يحتويها -محل العقد- فهي أفكار قابلة للاتصال لا يظهر العيب فيها ذاتياً لمجرد التداول وإنما يظهر العيب بعد توظيف المعلومات مادياً .

3- إن وصف الاداءات التي يقوم بها الباحث بأنها أعمال مادية أمر محل نظر إذ يتعذر من الناحية القانونية التقريب بين هذه الاداءات وطبيعة الأعمال المادية ، تلك الطبيعة التي تتميز بمفهومها الخاص الذي ينصرف إلى الإعمال ذات الطابع المادي الملموس والتي تنأ عن فكرة المعرفة العلمية التخصصية .

4- يستطيع كل طرف في عقد البحث العلمي أن ينهي العقد بإرادته المنفردة من دون ان يلزم بتعويض الطرف الأخر . أما عقد المقاولة فهو عقد ملزم لجانبين ولا يستطيع احد طرفيه إنهاءه بإرادته المنفردة من دون التحمل بالتزام يتمثل غالباً بالتعويض (2) .

5- أن المقاول يقوم بعمل تجاري ، إذ يغلب – على نشاطه الطابع التجاري ، وما يترتب على ذلك من تطبيق أحكام قانون التجارة (3) . بينما يعد عمل الباحث عملاً مدنياً ومن الأعمال الذهنية التي تعتبر اعمالاً مدنية ولو قام بها الشخص على وجه الاحتراف.



1.انظر قريب من هذا المعنى :- أستاذنا د. صبري حمد خاطر ، البحث المشار إليه سابقاً ، ص119.

2.انظر نص المادة (885) من القانون المدني العراقي .

3.ويصدق هذا القول إذا كان العمل المطلوب من المقاول عملاً تجارياً وفقاً للمادة الخامسة من قانون التجارة العراقي رقم 30لسنة 1984النافذ .

6-والصفة التجارية تتعارض مع طبيعة عمل الباحث الذي يتطلب فيمن يباشره مؤهلات خاصة ويعتمد على العقل والفكر . وان العلاقة بين الباحث والمستفيد تقوم على أساس الثقة ولا يكون تحقيق الربح الغاية الأولى فيها





1. انظر د. محمد لبيب شنب ، مصدر سابق ، ص53.





















الخاتمة

لما كانت الخاتمة هي المحطة الأخيرة في البحث ونهاية المطاف حول الهدف الذي أراد الباحث تحقيقه فأنها تحتوي على محصلة الجهود وخلاصة ما توصل أليه الباحث لتصلح أساساً يركن إليها في توسيع رحاب المعرفة.

ومن خلال ما تقدم يتضح لنا أن عقد البحث العلمي لا يخرج عن كونه ، في واقع الحال ، إلا عقد مقاولة بالمفهوم المتداول المعروف به .

- فعلى الرغم من عدم التسليم بالتطابق التام بين عقد البحث العلمي وعقد المقاولة ، الا أن ما يؤكد تكييف العلاقة بين الباحث والمستفيد على إنها مقاولة هو وجود عناصر محددة وثابتة في عقد البحث العلمي ، هي بعينها تعبر عن الدعائم الأساسية التي لا توجد مجتمعة إلا في عقد المقاولة .

- والحديث عن توافر جوهرية عقد المقاولة وخصائصه في عقد البحث العلمي يجد صداه في كل مرحله سواء في انعقاده أو في تنفيذه أو في إنهائه .

- كما أن الانتقادات التي آثرناها بصدد تقويم فكرة عقد المقاولة لا تستند الى حجج متينة كفيلة بزعزعة هذا التكييف . إذ أن عقد البحث العلمي ينطوي على فكرة إنجاز عمل ، تسلتزم أن يقوم الباحث بتسليم البحث العلمي للمستفيد ، على الرغم من أن عمل الباحث هذا ينطوي على فكرة انتقال المعلومات من شخص الى أخر ، هذا من جانب . ومن جانب ثانٍ ، يمكن للمستفيد في عقد البحث العلمي أن يستخدم الرخصة الممنوحة لرب العمل في إنهاء عقد المقاولة(1) . ومن جانب ثالث، أن إطلاق صفة العمل التجاري على عمل المقاول ليس صفة دائمة ، إذ يمكن أن يكون عمل المقاول عملاً مدنياً وبالذات عندما يتخلف شرط من شروط العمل التجاري(2) .

- كما إن تعريف الأستاذ جوانا شمدت ( Joanna chimidt) للمقاولة (3) ، بأنها "عقد بموجبه يتعهد شخص بان يجهز أداءً معيناً لمصلحة شخص أخر مقابل ثمنً" .وصف يتطابق مع وصف تداول المعرفة العلمية في عقد البحث العلمي ، إذ يلتزم شخص بموجب هذا



1.انظر نص المادة (885/1) من القانون المدني العراقي .

2.انظر د. محمد لبيب شنب ، المصدر السابق ، ص86. وانظر كذلك ، د. محمد شكري سرور ، مسؤولية مهندسي ومقاولي البناء والمنشات الثابتة ، دراسة مقارنة ، دار الفكر العربي ، 1985، ص127.

3.التعريف أشار إليه أستاذنا د. صبري حمد خاطر ، البحث المشار إليه سابقاً ، ص118.

العقد بان يزود شخصاً أخر ببحث علمي مقابل ثمن مجزي ، وهنا يوجد أيضا أداء لمصلحة شخص مقابل ثمن (1) .

-ويرى الأستاذ ماينان (Magnin) ، انه لابد من القول أن كل عقد فيه يلزم الشخص بان ينفذ عملاً مادياً أو معنوياً في مواجهة شخص أخر هو عقد مقاولة مادام يتم تنفيذ العقد من دون أن يكون المدين تابعاً فيه للدائن (2) . وهذا ما يتلاءم مع عقد البحث العلمي خاصة المعرفة العلمية إذ أن العقد الذي تداولها به يوصف بأنه مقاولة (3) .

-اذاً من ينقل المعلومات أو المعرفة العلمية لأخر يقوم بعمل فكري ، وعلى حق هذا التصور فان عقد البحث العلمي الذي يبرم لهذا الغرض هو عقد مقاولة .



مكتب محمد جابر عيسى المحامى




أحكام النقض في حماية حق المؤلف


أحكام النقض في حماية حق المؤلف



حماية حق المؤلف - والحق في كتابة اسمه:



1 - استقر الرأي على أن حماية حق المؤلف تظل له (طيلة حياته على الأقل).



(طعن 13/29 ق جلسة 7/7/1964).



2 - للمؤلف وحده الحق في استغلال مصنفه مالياً بالطريقة التي يراها فلا يجوز لغيره مباشرة هذا الحق بغير (إذن منه) وإلا كان عمله عدواناً على الحق الذي اعترف به الشارع للمؤلف وإخلالاً به وبالتالي عملاً غير مشروع (وخطأ) يستوجب مسؤولية فاعله عن (تعويض الضرر) الناشئ عنه طبقاً (م 151 مدني قديم) و (م 163 مدني حالي).



(طعن 471/25 جلسة 26/10/1961)



3 - حق المؤلف في أن يكتب اسمه على كل نسخة من نسخ المصنف الذي ينشره بنفسه أو بواسطة غيره، وفي جميع الإعلانات عن هذا المصنف - ثبوته له دون حاجة إلى إبرام اتفاق مع الغير على ذلك (م 9/1 ق 354/1954).



(طعن 1352/53 ق جلسة 7/1/1987)



4 - جاء نص م 13 ق 354 / 1954 بقيود على حق المؤلف يمليها (الصالح العام) فلا يجوز للمؤلف منع (الدراسات التحليلية والاقتباسات القصيرة) التي تستهدف (النقد أو المناقشة أو الأخبار) فهذه الأعمال (مباحة للكافة) ولا تنطوي على اعتداء على حق النشر ما دامت تشير إلى (المصنف واسم المؤلف) إذا كان معروفاً ولا تستلزم موافقة المؤلف أو ورثته على نشرها، فإذا كان الحكم قد أقام قضاءه على أن المؤلف قد نشر مصنفه بدون إذن الورثة فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وشابه فساد في الاستدلال.



(طعن 2362/57 ق جلسة 22/11/1988)



5 - حق استغلال المصنف مالياً هو (للمؤلف وحده) ولا يجوز لغيره مباشرة هذا الحق دون (إذن مسبق منه) أو من ورثته كخلف عام، وللمؤلف وحده حق نقل حقوق الاستغلال لغيره وتحديد مدتها، فله حق إجازة نشر مؤلفه لمن يشاء أو منعه لمن يشاء وله حق السكوت على الاعتداء على حقه إذا وقع من الغير أو لا يسكت عليه إذا تكرر من نفس المعتدي أو وقع من غيره دون أن يعتبر سكوته في المرة الأولى (مانعاً له) من مباشرة حقه في دفع الاعتداء في المرة الثانية ما دام أن هذا الحق (قائم لم ينقض).



(طعن 13/29 ق جلسة 7/7/1964)



متى يحق منع تداول الكتاب؟



1 - أجاز قانون المطبوعات رقم 20/1936 لمجلس الوزراء بمصر منع تداول المطبوعات التي تتعرض للأديان تعرضاً من شأنه تكدير السلم العام أو المطبوعات المثيرة للشهوة وقضت م 30 منه على (ضبط) المطبوعات في حالة (مخالفة) ما سلف.



(طعن 2062/51 ق جلسة 5/12/1982)



تعليق: كل ما يخالف النظام العام والآداب ممنوع من التداول بصفة عامة.



هل يجوز الاقتباس وإعادة طبع الكتب القديمة؟



1 - يشترط لإعادة الطبع انقضاء مدة الحماية (50 سنة)، وإدخال (ابتكار) أو ترتيب في التنسيق وما يتسم بأداء (مجهود ذهني متميز) عن (الطبعة الأصلية) المنقول عنها بما يمكن معه إعطاء صاحب (الطبعة الجديدة) حق المؤلف، وإضفاء الحماية على حقه أو أضفى بهامشه شروحاً من مراجع عديدة، وأضفى عليها ترتيباً فريداً من نوعه، وفهرس منظم، (وتنقيحات) تواكب التعديلات في القوانين والتطورات الحديثة بما يضفي عليه عنصر (الابتكار) الذي يتسم بالطابع الشخصي لصاحبه، فلا معقب على المحكمة مصدرة الحكم في ذلك.



(طعن 13/29 ق جلسة 7/7/1964)



2 - إذا خلا العمل المقتبس من (الابتكار) الموجب لحماية القانون ومن (عدم وجود تماثل) بين الأصل والمقتبس منه، فلا يمكن الاستناد في الطعن إلى إغفال المحكمة (لندب خبير) وعدم استجابتها لطلب المستأنف في ذلك أو عدم انتقال المحكمة للمعاينة والفحص ما دام قد رأت في أدوات الدعوى وعناصرها الأخرى ما يكفي لتكوين عقده هيئة المحكمة.



(طعن 174/31 ق جلسة 18/2/1965)



س) هل يخضع المؤلف للضريبة على المهن الحرة؟ ومتى يخضع؟



م - 71 فقرة 5 ق 187 / 1993 الخاص بالضريبة الموحدة (تعفى) أرباح تأليف وترجمة الكتب والمقالات الدينية والعلمية والثقافية والأدبية من الضريبة تشجيعاً للحركة الفكرية والعلمية وما تؤدي إليه من ازدهار وتقدم ونمو الدول والشعوب، وكذا أرباح أعضاء هيئة التدريس بالجامعات والمعاهد التي تطبع للتوزيع على الطلاب داخل الحرم الجامعي طبقاً لأسعار الجامعات وكذا أرباح الفنانين التشكيليين (تصوير ونحت وحفر) الفقرتان 6، 7 من المادة سالفة الإشارة أما ما يكون ناتجاً من بيع المؤلف أو الترجمة (لإخراجه في صورة مرئية) (سينما - تليفزيون) أو صوتية (راديو، شرائط الكاسيت) فيخضع للضريبة.



س) ما هي المدة المقررة لحماية حق المؤلف واستغلاله مالياً؟



ج) هي طيلة حياته، و 50 عاماً من وقت وفاته طبقاً لنص م 20 ق 354/1954 الخاص بحماية حق المؤلف، فإن كان مترجم للغة أجنبية ويراد ترجمته للغة العربية فتكون بمرور 5 سنوات تبدأ من تاريخ أول نشر للمصنف الأصلي أو المترجم دون مباشرة ترجمة المصنف إلى العربية طبقاً م 8 ق 354/ 1954 سالف الإشارة. وذلك رعاية لمصالح البلاد وحتى لا تحرم من ثمار العقول في مختلف الأمم الأخرى.



س) وهل يجوز للمؤلف حق تعيين أشخاص معينة لاستغلال مصنفه مالياً ولو كانوا من غير الورثة ولو جاوز ذلك مقدار الثلث المنصوص عليه في الوصية؟



ج) نعم يجوز ذلك طبقاً م 18 ق 354/ 1954 سالف الإشارة.



س) هل يجب إيداع نسخ من المؤلف دار الكتب وما عددها وما الجزاء على ذلك في حالة الامتناع وما أهمية الإيداع؟



ج) الإيداع واجب يمليه حفظ حق المؤلف من السرقة ونسبته إلى غير مؤلفه والادعاء زوراً بأنه صاحبه، وقد ألزمت م 48 ق 354/ 1954 المؤلفين بذلك بإيداع عشرة نسخ يخصص نسخة منها لمكتبة مجلس الشعب ويعاقب الناشر عن التخلف عن الإيداع بغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد عن خمسة آلاف جنيه إلى جانب الإيداع ويكون الالتزام بالإيداع قبل عرض الكتاب للبيع وفي حالة إعادة طبعها يتجدد الالتزام بالإيداع طبقاً للمواد 1، 6، 7، 10 من قرار وزير الثقافة رقم 178/1968 وذلك بقصد إثراء وتغذية المكتبات العامة وتمكين الدولة من مراقبة ما ينشر في البلاد، وقد (أُعفيت) المصنفات المنشورة بالجرائد والمجلات من الإيداع عدا حالة نشرها (مستقلة) وأوضحت م 23 ق حماية حق المؤلف أنه في حالة وفاة المؤلف ولم يقم ورثته بإعادة طبع مصنفه وكان على جانب من الأهمية فإنه تحقيقاً للصالح العام لوزير الثقافة طلب نشره بخطاب موصى عليه موجه للورثة فإذا لم يستجيبوا خلال 6 شهور من تاريخه كان للوزير حق نشره بعد استصدار أمر من رئيس محكمة القاهرة الابتدائية مع تعويض ورثة المؤلف (تعويضاً عادلاً).



س) ما جزاء من يقلد مصنفاً؟



ج) العقوبة هي طبقاً م 47 ق 354/ 1954:



1 - الحبس وغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد عن عشرة آلاف جنيه.



2 - أو إحدى العقوبتان المذكورتان.



3 - المصادرة للنسخ المقلدة.



4 - نشر ملخص حكم الإدانة في (جريدة يومية) واحدة على (نفقة المحكوم عليه).



وفي حالة العود: تكون العقوبة الحبس والغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد عن خمسين ألف جنيه.



س) ما هي خصائص الحق الأدبي للمؤلف؟



ج) هو حق غير مالي متصل (بشخصه) وهو عنصر في حق المؤلف الوارد على مصنفه ويترتب على ذلك عدة نتائج وآثار هي:



1 - أنه غير قابل للتصرف فيه وإذا حدث فإنه يقع باطلاً طبقاً لنص م 38 من القانون.



2 - أنه غير قابل للحجز عليه طبقاً لنص م 10 من القانون.



3 - مؤيد لا يسقط بعدم الاستعمال بمضي المدة (التقادم) حتى ولو سقط حق استغلاله مالياً.



4 - أن له الحق في منع نشره بدون إذنه أو منع نسبته لغيره أو إحداث أي تعديل فيه بالحذف أو الإضافة حتى ولو لم يلحقه ضرر من جراء ذلك كما أن له الحق في التعويض عما يلحقه من ضرر الاعتداء على حقه.



5 - أنه ينتقل بوفاته إلى ورثته، غير أنه ليس لهم الحق في سحب مصنفه من التداول طالما أن المؤلف لم يوصِ بذلك قبل وفاته.



س) هل يجوز لأي شخص استنساخ نسخة من المصنف؟



ج) يجوز إذا كانت (لاستعماله الشخصي) وليست للبيع والتجارة والكسب طبقاً لنص م 12 ق حماية المؤلف رقم 354/ 1954.



س) ما هي القيود الواردة على الحق المالي للمؤلف؟



1 - انتهاء الحماية المقررة للمؤلف ولمن ترجم مصنفه إلى لغة أجنبية بالنسبة لحقها في ترجمة المصنف إلى اللغة العربية بمرور 5 سنوات من تاريخ أول نشر للمصنف الأصلي أو المترجم دون مباشرتهما ترجمته للعربية رعاية لمصالح البلاد وحتى لا تحرم من ثمار العقول في مختلف الأمم الأخرى. (م 8 من القانون).



2 - حق الغير في إيقاع المصنفات أو تمثيلها أو إلقائها في اجتماعات خاصة بدون تعويض كالاجتماعات العائلية أو المدارس (م 11 من القانون) وحق فرق موسيقا القوات العسكرية في إيقاع المصنفات الموسيقية دون تعويض للمؤلف ما دام لا يحصل عنها رسم أو مقابل مالي من جمهور المستمعين (م 11 من القانون).



3 - حق عمل نسخة واحدة من المصنف للاستعمال الشخصي (م 1 من القانون).



4 - إباحة التحليلات والاقتباسات القصيرة إذا عملت بقصد النقد والمناقشة أو التثقيف أو الأخبار ما دامت تشير إلى المصنف واسم مؤلفه (م 13 من القانون).



5 - حق الجرائد أو المجلات في نقل المقالات الخاصة بالمناقشات السياسية أو الاقتصادية أو العلمية أو الدينية التي تشغل الرأي العام ما دام لم ينص صراحة على حظر النقل (م 14/2 من القانون).



6 - نشر وإذاعة ما يلقى في الجلسات العلنية للهيئات التشريعية أو الإدارية أو الاجتماعات العلمية والأدبية والفنية والسياسية من خطب أو محاضرات أو أحاديث (ما دامت موجهة إلى العامة) والمرافعات القضائية العلنية في حدود القانون (م 15 من القانون).



7 - نقل مقتطفات قصيرة من بعض المصنفات إلى الكتب المعدة للتعليم وإلى مؤلفات الأدب والتاريخ والعلوم والفنون بشرط التزام حد الاعتدال في النقل وذكر مصدرها واسم مؤلفها (م 18 من القانون).



8 - تخويل وزير التعليم حق الحلول محل ورثة المتوفى أو من يخلفه في مباشرة حقوق النشر والاستغلال المالي إذا لم يباشروا هذه الحقوق لعجزهم أو لعدم أهليتهم وغيرها لاعتبارات الصالح العام فللوزير أن يطلب من الورثة نشره بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول فإذا انقضت مدة 6 شهور دون نشر كان للوزير مباشرة هذا الحق بعد استصدار أمر من رئيس محكمة القاهرة الابتدائية بشرط تعويض الورثة عن ذلك تعويضاً عادلاً (م 23 من القانون).



هل يجوز للصحفي نشر مصنفات المؤلف بالجريدة؟



حظرت م 14 ق 354/ 1954 معدل بقانون 38/ 1994: على الصحف نشر المقالات العلمية أو الأدبية أو الروايات المسلسلة والقصص القصيرة التي تنشر بالصحف دون (موافقة مؤلفيها) يستوي في ذلك أن يكون النشر وارد على فصل أو باب من أبواب المصنف أو ورد عليه بأكمله، وسواء كان نشره مرة واحدة أو على حلقات متتالية. ويجوز للصحفي التخلص من هذا القيد بقصر النشر على موجز أو ملخص للمصنف مع ذكر مصدر المصنف واسم مؤلفه، وأما بالنسبة للأخبار اليومية والحوادث الجارية التي يتلقاها الصحفي من وكالات الأنباء أو المراسلين أو التي تصل إلى علمه باجتهاده الشخصي، فتخرج من نطاق الحظر.



فإذا تجاوز الصحفي تلك الحدود المرسومة، فإنه طبقاً م 43 من القانون سالف الإشارة، فإنه للمؤلف أو من يخلفه اتخاذ (الإجراءات التحفظية) على ما نشر (بدون إذن مكتوب منه) فضلاً عن حقه في المطالبة (بالتعويض) عما لحقه من (ضرر) نتيجة النشر (غير المشروع


مكتب محمد جابر عيسى المحامى
تعليقات
أحكام خطاب الضمان / ماهية خطابات الضمان وأهميتها




خطاب الضمان البنكي





الفصل

التمهيدي : أحكام خطاب الضمان



تمهيد وتقسيم:



ابتكر العرف المصرفي ما يسمى بالضمانات البنكية المستقلة، أو ما يطلق عليه بخطاب

الضمان المستقل.

وقد ارتبط ظهوره وتطوره بالمعطيات الاقتصادية الجديدة، التي افرزها محيط التجارة

الدولية، والذي كان من شأنه التأثير في خصوصية تقنيات الضمان التقليدية التي كانت

تتداول على مستوى الصفقات التجارية الدولية.

هذا التطور كان من طبيعة إحلال خطابات الضمان البنكية أو الضمانات المستقلة كظاهرة

قانونية حديثة مركز الصدارة في مجال التأمينات الشخصية، وذلك بفضل الأهمية العملية

التي تتميز بها.

والحقيقة أن خطابات الضمان البنكية نشأت لدى العديد من الدول، كفرنسا وألمانيا

وغيرهما، ثم انتشرت في كل بقاع العالم لتكون أداة فعالة في إبرام الصفقات سواء على

المستوى المحلي أو الدولي.

وحتى نتمكن من سبر أغوار هذا المولود الجديدة الوارد على الساحة القانونية، لابد

من البحث عن كنه وماهية خطاب الضمان، والبحث عن أهميته وجدواه سواء على المستوى

الاقتصادي أو القانوني (المبحث الأول). على أن نحاول إيجاد سر تفوقه على باقي

التأمينات الشخصية، من خلال مقارنته ببعض الأنظمة القانونية المشابهة له (المبحث

الثاني).





المبحث

الأول: ماهية خطابات الضمان وأهميتها





تعتبر خطابات

الضمان البنكية من أهم الأعمال المصرفية التي تضطلع بها البنوك في مجال النشاط

الاقتصادي، إذ ساعدت على تشجيع وازدياد حركة التجارة الدولية، باعتبارها إحدى

وسائل الضمان الواسعة الانتشار في مجال التجارة.

إلا أن مسألة تحديد ماهية خطاب الضمان تعترضها صعوبات كثيرة تتمثل خصوصا في تعدد

التسميات المتداولة ( ) للتعبير عن مفهوم هذا النظام، وذلك نتيجة لإختلاف وتعدد

صور وأنواع خطابات الضمان تبعا لتنوع المعاملات التي تستلزم وجود هذا النوع من

الضمان.

وللإحاطة بهذا المبحث سنتناول في المطلب الأول ماهية خطابات الضمان، على أن نتناول

أهمية هذه الخطابات بالنسبة لأطرافها في المطلب الثاني.





المطلب

الأول: ماهية خطابات الضمان

تجدر الإشارة

بداية إلى تعدد التعريفات القانونية والقضائية والفقهية لخطابات الضمان، إلا أن

هذا لا يعني اختلافها، فهي وإن اختلفت من حيث الصيغة فإنها تتفق في جوهرها

ومبادئها وأحكامها، وأهم هذه المبادئ الالتزام بالوفاء لدى الطلب دون التمسك بدفوع

مستمدة من علاقات أخرى.

وسنعمل على جرد أهم هذه التعريفات في الفقرة الأولى، على أن نتطرق في الفقرة

الثانية لخصوصيات ومميزات خطاب الضمان.

الفقرة الأولى: تعريف خطاب الضمان

سنتناول تعريف خطاب الضمان من خلال بعض الاجتهادات القضائية والفقهية

(ثانيا) بعد أن نعمد إلى تعريفها من خلال بعض التشريعات الوطنية، والهيئات الدولية

(أولا).

أولا: تعريف خطاب الضمان من خلال بعض التشريعات الوطنية

والهيئات

الدولية:

تصدت بعض التشريعات والأنظمة القانونية لوضع أحكام خاصة تضبط مقتضيات

خطابات الضمان -رغم أنها تبقى قليلة- إذ حاول البعض منها تنظيم هذا النوع من

الضمان وتقنين أحكامه بما يحسم كل خلاف حول طبيعته القانونية.

فعلى مستوى الهيئات الدولية نشير إلى المجهودات التي بذلتها غرفة التجارة الدولية،

من أجل وضع قواعد موحدة بصدد هذا النوع من الضمانات، حيث عرفت الفقرة الأولى من

المادة الثانية من مشروع القواعد الموحدة حول الضمانات المستقلة، الصادرة بتاريخ 3

يناير 1991 والذي وضعته لجنة الممارسات التجارية الدولية، بتعاون مع اللجنة الخاصة

بالتقنيات المصرفية، خطاب الضمان ب “التزام خطي من قبل البنك أو شركة التأمين أو

أية هيئة أخرى أو أي شخص (و يطلق عليه الضامن) بدفع مبلغ نقدي وفقا لنصوص وشروط الضمانة

وذلك:

1)-بناء على طلب من الأمر وبمقتضى تعليماته.

2)-بناء على طلب أو تعليمات ومسؤولية معرفة أو شركة ضمان أو أية هيئة أو شخص

(ويسمى جهة مصدر التعليمات) لفائدة طرف أخر يسمى المستفيد” ( ).

ومن جهة أخرى فقد نصت المادة الثانية الفقرة: (أ) من نصوص إتفاقية الأمم المتحدة

لسنة 1995 على أنه “لأغراض هذه الإتفاقية يمثل التعهد إلتزاما مستقلا، يعرف في

الممارسة الدولية بأنه ضمان مستقل أو خطاب اعتماد ضامن مقدم من مصرف أو مؤسسة أخرى

أو شخص آخر ( )، بأن يدفع للمستفيد مبلغا معينا أو قابل للتعيين لدى تقديم مطالبة

بسيطة أو مطالبة مشفوعة بمستندات أخرى حسب أحكام التعهد، وأي من شروطه المستندية

تبين أو يستدل منها إستحقاق السداد بسبب تقصير في أداء إلتزام ما، أو بسبب حدث

طارئ آخر أو سداد المال مقترض أو مستلف أو سدادا لأي دين مستحق السداد واقع على

الأصيل أو شخص آخر” ( ).

ويتضح من خلال هذين التعريفين أن خطاب الضمان هو عبارة عن تعهد مستقل ومنفصل، قابل

للدفع لدى أول طلب تصدره مؤسسة مالية سواء أكانت بنكا أو مؤسسة أخرى أو شخص آخر،

وذلك بناءا على طلب العميل المضمون لمصلحة المستفيد، يلتزم بمقتضاه الضامن بالوفاء

دون معارضة الرجوع إلى السفر.

أما على مستوى التشريعات الوطنية فقد عرف قانون المعاملات التجاري الإمارتي خطاب

الضمان في المادة 414 بأنه “تعهد يصدر من المصرف الضامن بناء على طلب عميل له

(الأمر) بدفع مبلغ معين أو قابل للتعيين لشخص آخر (المستفيد) دون قيد أو شرط، مالم

يكن خطاب الضمان مشروطا إذا طلب منه ذلك خلال المدة العينة في الخطاب، ويوضح في

خطاب الضمان الغرض الذي صدر من أجله” ( ).

أما المشرع الكويتي ( ) فقد نص في المادة: 382 من قانون التجارة الصادر سنة 1980،

على أن خطاب الضمان “تعهد يصدر من بنك بناء على طلب عميل له (الأمر) بدفع مبلغ معين

أو قابل للتعيين لشخص أخر (المستفيد)، دون قيد أو شرط إذا طلب منه ذلك خلال المدة

المعينة في الخطاب، ويوضح في الخطاب الغرض الذي صدر من أجله”( ).

وبإجراء مقارنة بسيطة بين هذين النصين يتضح أن المشرع الإمارتي قد تحرى الدقة اكثر

من نظيره الكويتي، الذي اقتصر فقط على صورة واحدة من صور خطابات الضمان وهي تلك

التي يكون فيها تنفيذ الضامن لإلتزامه لدى أول طلب، بخلاف النص الإماراتي الذي

أعطى لأطراف العلاقة إمكانية الإتفاق على خلاف ذلك ( ).

أما قانون ألمانيا الإتحادية لـ 5 فبراير 1976 المتعلق بالعقود الإقتصادية فقد عرف

خطاب الضمان في المادة 251 كما يلي “بمقتضى الضمانة يلتزم أحد المتعاقدين (الضامن)

اتجاه متعاقد آخر (المستفيد)، بالوفاء بمبلغ نقدي معين في حالة تحقق الواقعة التي

حددتها الضمانة وذلك حتى حدود مبلغ معين” ( ).

أما المشرع المغربي فيعتبر خطاب الضمان عملية من العمليات الإئتمانية البنكية، وهو

ائتمان بالتوقيع، فقد جاء في المادة الثالثة من الظهير بمثابة قانون الصادر بتاريخ

6 يوليوز 1993 والمتعلق بمزاولة نشاط مؤسسة الإئتمان ومراقبتها ما يلي: “تشكل

عملية إئتمان تسري عليها مقتضيات هذا الظهير كل عقد يضع بمقتضاه شخص أو يلتزم بوضع

أموال رهن إشارة شخص آخر بمقابل، على أن يسددها هذا الشخص الأخير أو يتحمل لفائدته

إلتزاما بالتوقيع كالضمانة أو الكفالة أو أي توقيع أخر”.

وبالتالي فإن المشرع المغربي الذي أهمل تعريف وتنظيم الضمانات البنكية قد أحال

بصورة ضمنية على القواعد البنكية والحرفية الجاري بها العمل في هذا المجال.

وعلى العموم فإن التشريعات التي حاولت إعطاء مفهوم دقيق لخطاب الضمان تظل قليلة

وهو ما حاولت بعض الاجتهادات القضائية والدراسات الفقهية تداركه، وهذا ما سنتطرق

إليه في النقطة الموالية.

ثانيا: تعريف خطابات الضمان على ضوء بعض الاجتهادات

القضائية

والدراسات الفقهية:

دأب كل من الفقه والقضاء على إعطاء بعض التعاريف لخطاب الضمان.

فعلى مستوى الإجتهاد القضائي نجد محكمة النقض الفرنسية قد عرفت خطاب الضمان في

قرار لها بتاريخ 2 فبراير 1988 بأنه “يشكل ضمانة مستقلة، العقد الذي بمقتضاه يلتزم

البنك ويطلب من الأمر بأن يدفع سلفا نقذا معينا ودون أن يكون بإمكان المؤسسة

المالية تأخير الوفاء أو إثارة أي اعتراض كيفما كان نوعه”.

أما المحكمة الفدرالية الألمانية فقد ذهبت إلى أن “الضمانة هي عقد ملزم لجانب

واحد، والذي بمقتضاه يتحمل احد المتعاقدين (الضامن) مسؤولية تحقيق نتيجة اقتصادية

أو خطر معين، بمعنى الضرر الذي قد يتم عن العلاقة القانونية مع أحد من الغير”

ومن قضاء محكمة النقض المصرية والذي حاولت فيه تعريف “خطاب الضمان” نجد ما ورد فيه

الطعن رقم 1189 لسنة 49 قانونية لجلسة 13-2-1984، الذي جاء فيه بأن من مقتضى خطاب

الضمان أن يلتزم البنك وبمجرد إصداره ووصوله إلى المستفيد، بأداء المبلغ الذي

يطالب به هذا الأخير فور طلبه، بإعتباره حقا يحكمه خطاب الضمان، طالما كان هذا

الأداء في حدود التزام البنك المبين منه” ( ).

وقد جاء أيضا في قرار المحكمة الإتحادية العليا لدولة الإمارات ( ) بأن “خطاب

الضمان يعتبر من عمليات الإئتمان التي تباشرها المصارف، وبمقتضاه يلتزم المصرف

بدفع مبلغ الضمان المحدد في الخطاب إلى المستفيد، بمجرد الطلب خلال مدة معينة أو

بغير شرط، فهو التزام يتم بتصرف قانوني وبإرادة منفردة من المصرف، على اعتبارات

شخصية تراعى في العميل، وتتعلق بمركزه المالي، والثقة فيه، وفي قدرته على الوفاء

بالتزاماته للمستفيد، لأن توقفه على الوفاء بها من شأنه أن يعرض المصرف للمطالبة

بقيمة الضمان الوارد في الخطاب” ( ).

أما محكمة التمييز بدبي بنفس الدولة فقد ذهبت في القرار رقم 148 لسنة 1990 إلى أن

“خطاب الضمان يمكن أن يكون مشروط، ويكون خطاب الضمان غير مشروط حينما يكون من حق

المستفيد المطالبة بقيمة الضمان في أي وقت أثناء مدة سريانه، إذا قام بتأكيد إخلال

صاحب الحساب المضمون، وذلك دون حاجة إلى اللجوء إلى أي شخص أو جهة للحصول منها على

مستندات تؤيد المطالبة، ويكون الضمان مشروط إذا صدر بشروط تلزم المستفيد بتقديم

مستندات أو أوراق معينة، بغرض مساندة مطالبته، وتكون هذه المستندات أو الأوراق

مطلوبة من قبل صاحب الحساب المضمون، وهذا الالتزام لا ينفي عن تعهد المصرف

إستقلاليته مادام لا يكون للمصرف – بمقتضى الخطاب –سلطة التحقق من صدق المستند، بل

يكفي أن يكون صادقا في ظاهره لكي يستحق المستفيد مبلغ الضمان وتظل الإشتراطات مجرد

إجراءات شكلية لا تلزم المستفيد على التدليل على صدق ما يدعيه فيها” ( ).

والملاحظ أن قرار محكمة التمييز قد تفادي ما وقفت فيه المحكمة الإتحادية العليا

لدولة الامارات، والتي لم تعتد إلا بنوع واحد من الضمانات، وهي الضمانات لدى أول

طلب.

وعلى مستوى الدراسات الفقهية نجد الفقه قد درج على إعطاء مجموعة من التعاريف: فقد

عرفه “جمال الدين عوض” بأنه “تعهد نهائي يصدر من البنك بناء على طلب عميله (ونسميه

الأمر)، يدفع مبلغ نقدي معين أو قابل للتعيين، بمجرد أن يطلب المستفيد ذلك من

البنك خلال مدة محددة، ودون توقف على شرط آخر” ( ).

أما “عبد الحميد الشواربي” فقد عرفه باعتباره “تعهد كتابي صادر من البنك بناء على

طلب عميله، بأن يدفع لطرف ثالث وهو المستفيد مبلغا معينا من المال خلال مدة سريان

هذا الخطاب، وقد يكون خطاب الضمان غير مشروط فيوجب على البنك دفع القيمة عند أول

طلب من المستفيد بغض النظر عن أي اعتراض من عميله، وقد يكون خطاب الضمان مشروط

باشتراطات معينة منصوص عليها في متن خطاب الضمان يلزم توافرها أولا قبل دفع البنك

القيمة للمستفيد” ( ).

ومن جهته فقد عرفه « P. Mattout » على أنه “التزام بمقتضاه يقبل

الضامن بناء على طلب العميل القطعي الوفاء بصفته مدينا أصليا لدى مطالبة بسيطة

بمبلغ نقدي لمستفيد معين، طبقا لشروط ومقتضيات الضمانة، مع التنازل مسبقا عن

ممارسة أية رقابة خارجية حول شروط وضع الضمانة موضع التنفيذ”.

ولا يحيد بعض الفقه المغربي عن هذه الاتجاهات حيث عرفه البعض باعتباره “تعهد يتحمل

به أحد من الغير (الضامن) اعتبارا لعقد أصلي وبالاستقلال عنه بأن يدفع للدائن

(المستفيد) مبلغا نقديا وذلك تبعا لمقتضيات خطاب الضمان” ( ).

ومن خلال استعراض هذه التعاريف وغيرها، يتضح أن خطاب الضمان هو تعهد من جانب

الضامن (البنك) بدفع مبلغ نقدي معين أو قابل للتعين، خلال مدة معينة، اعتبارا

للعقد الأصلي وبالاستقلال عنه. دون إمكانية التمسك بأية دفوع.

يتضح إذن من مختلف التعريفات الخاصة بخطابات الضمان، أن هذه الأخيرة، تتميز

بمجموعة من الخصائص، وهو ما سنتعرض إليه في النقطة الموالية.





الفقرة

الثانية: خصائص خطابات الضمان

لا يمكن

إدراك وفهم كنه وماهية خطاب الضمان دون التطرق لمختلف الخصائص المميزة له، والتي

يمكن استنباطها من التعاريف السابق ذكرها.

فقد دأب كل من التشريع والفقه والقضاء على استخلاص مجموعة من الخصائص التي تميز

خطابات الضمان، لذلك سنحاول الوقوف عليها في النقط التالية.

أولا: استقلالية التزام البنك

يقوم خطاب الضمان على مبدإ استقلال التزام البنك عن العلاقة القائمة بين

المستفيد والعميل، لذا لا يجوز للضامن التمسك بالدفوع الناشئة عن العلاقات الأخرى،

ويترتب على ذلك التزام الضامن بالوفاء لدى أول طلب من جانب المستفيد، ورغم أية

معارضة من جانب العميل (الأمر) حتى ولو أصدر الأخير للبنك أمرا بعدم الدفع، وهو ما

نصت عليه صراحة المادة 29 من القانون التجاري العراقي بقولها أنه: “لا يجوز للمصرف

أن يرفض الأداء للمستفيد لسبب يرجع إلى علاقة المصرف بالأمر أو المستفيد، أو علاقة

الأمر بالمستفيد” ( ).

كما أكدت محكمة النقض المصرية بتاريخ 27/06/1994 ( ) على نفس الخاصية بقولها “أنه

من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن خطاب الضمان وإن صدر تنفيذا للعقد المبرم بين

البنك وعميله، إلا أن علاقة البنك بالمستفيد الذي صدر خطاب الضمان لصالحه هي علاقة

منفصلة عن علاقته بالعميل…”.

وفي هذا الصدد يقول الأستاذ “محسن شفيق” من الواضح أن كل رأي أو تفسير يهدف إلى

ربط التزام البنك بالتزام العميل الأمر أو إقامة علاقة سببية بينهما ينبغي أن

يستبعد لأنه يقوض خطابات الضمان من أساسها، ويقضي على الفائدة المرجوة منها”( ).

وهو نفس ما ذهب إليه الأستاذ سيملر Simler الذي يعتبر

“أن صفة استقلال الضمان ليست مجرد وصف للضمان بل هي لب فكرته وقلبها، وهي التي

تبعده عن الكفالة وتؤدي دورا جوهريا في معرفة وترتيب آثاره” ( ).

والجدير بالذكر، أن التزام البنك مستقل، لو كان متضامنا مع الغير، إذ أن هذا

التضامن لا ينفي عن إلتزام البنك صفة الإستقلالية.

ثانيا: قيام خطاب الضمان على الاعتبار الشخصي

ترى معظم الآراء ( ) إن حق المستفيد من خطاب الضمان من الحقوق ذات الطابع

الشخصي، أي أن له وحدة سلطة استعماله، وقد رتب أصحاب هذا الرأي على ذلك عدم جواز

التنازل عن خطاب الضمان من جانب المستفيد وعدم جواز تداوله، ومنهم الدكتور علي

جمال الدين عوض الذي يرى أنه “يترتب على أن الخطاب شخصي، أنه لا يجوز للمستفيد

تظهيره إلى غيره خاصة وأنه يتضمن شرط الإذن ولا يعتبر لذلك ورقة تجارية بل لا يجوز

له أن يتنازل عنه لأي شخص آخر بأي طريق حتى ولو بالتبعية لتنازله عن عقد المقاولة

الأصلي لأن شخصية المستفيد من الخطاب وأمانته محل اعتبار لدى البنك( ).

وقد نص مشرع القانون التجاري المصري في المادة 302 على أنه “خطاب الضمان لا يجوز

التنازل عنه من قبل المستفيد إلا بموافقة البنك” وتطبيقا لذلك لا يكتفي في حالة

تنازل المستفيد عن خطاب الضمان بمجرد إعلان المدين بل لابد من موافقة البنك( ).

ومن نتائج هذا الاعتبار الشخصي أنه لا يجوز تحويل العقد الأصلي، إلى شخص آخر لأن

التحويل يجعل تنفيذ الضمان غير مقبول سواء كان التحويل من جانب العميل الآمر إلى

آخر، أو من جانب المستفيد إلى غيره. ولهذا إذا توفي المستفيد وحل محله ورثته، أو

تغير شكل الشركة بحيث يغير من شخصيتها القانوية، فإنه لا يمكن تنفيذ الضمان من

جانب البنك ما لم يكن الأطراف قد اتفقوا في خطاب الضمان على استدراك مثل هذه

الوقائع، فيكون طلب تنفيذ الضمان متفقا مع مقتضيات خطاب الضمان ( ).

ثالثا: التزام البنك بالوفاء خلال الأجل المحدد ( ).

الخاصية الثالثة التي يتميز بها خطاب الضمان هي التزام الضامن بالوفاء خلال

الأجل المحدد لتقديم طلب الضمان، وكل وفاء بعد هذا التاريخ يعد وفاءا غير صحيح

ويتحمل البنك مغبته.

وقد يحدث أن يذكر في الضمان تاريخ انتهاء صلاحية التعهد، وكذلك عادة ما ينقضي

الضمان بوقوعه، وبالتالي ينتهي الضمان بحلول تاريخ انتهاء أو بوقوع الحادثة

المذكورة أيهما أولا. لذا فعلى البنك عدم إدراج أي مصطلح من شأنه أن يخلق غموضا

حول مدة الضمان لما يترتب عليه، لأن كل كلمة مدة تقديرية أو احتمالية غير كافية

لتحديد مدة الضمان.

رابعا: فورية التعهد بالضمان

يعتبر التعهد في خطاب الضمان مستحقا فور صدوره، وهذه الفورية هي خاصية

لازمة لوظيفة الخطاب، ذلك أن الدائن الذي يقبله ويرضى به بدلا من قبضه نقودا

فورية، يلزم أن يكون من حقه أن يطلب وفاء الخطاب فور صدوره، ولهذا فإن خطاب الضمان

لا يكون أبدا مستحقا في تاريخ لاحق لإصداره، وإلا فإن المستفيد الذي كان يطلب

النقود فورا لا يقبل بدلا منها نقودا مؤجلة ( ).

يتضح مما سبق أن خطابات الضمان من ابتكار وخلق الممارسة والعمل التجاري والعرف

البنكي، لم يكن لها أن تفرض وجودها على المستوى العملي لولا خصوصياتها القانونية،

وأهميتها ومزاياها العملية بالنسبة لأطرافها.





المطلب

الثاني: أهمية خطابات الضمان

تقوم خطابات

الضمان بدور هام في الحياة الاقتصادية حيث أنها تمثل بديلا عن التأمين النقدي

لضمان حسن تنفيذ الإلتزامات الناشئة بين المتعاقدين، وهي تمنح مزايا متعددة لكل

الأطراف سواء كان العميل (الآمر) طالب الإصدار (الفقرة الأولى)، أو المستفيد منه الذي

صدر لصالحه الضمان (الفقرة الثانية). أو البنك الذي أصدر خطاب الضمان (الفقرة

الثالثة).

الفقرة الأولى: أهمية خطابات الضمان بالنسبة للعميل

(الآمر)

يحقق خطاب الضمان للعميل عدة فوائد من قبيل حلوله محل التأمين النقدي الذي

يطلبه عادة المستفيد من العميل، فبدلا من تجميد المبالغ النقدية لدى الجهة

المستفيدة من الضمان، يقوم الآمر (العميل) باستصدار خطاب ضمان مستقل من بنك يحصل

به على رضا وقبول المستفيد للتعاقد معه، وبالتالي يمكن إستثمار هذه الأموال في

أوجه أخرى( ).

ومما لا شك فيه أن العمولة التي سيدفعها العميل للبنك مقابل إصداره لخطاب الضمان

ستكون أقل من سعر الفائدة التي يتحملها، لذا ما اقترض قيمة التأمين النقدي من

البنك.

وفي حالة ما إذا كان العميل مقيما بالخارج، فإن الضمان يغنيه عن تحويل العمولات

الأجنبية الموازية لقيمة التأمين الواجب تقديمه ثم إعادة تحويله مرة ثانية عند

انتهاء العملية أو عدم رسم العطاء عليه، وما يترتب على ذلك من آثار مالية نتيجة

تغيير أسعار الصرف لفترة ما بين تقديم التأمين وسحبه، وصعوبة تحديد الطرف الذي

يتحمل هذه الخسارة إن وجدت ( ).

الفقرة الثانية: أهمية خطابات الضمان بالنسبة للمستفيد

يعد صدور خطاب الضمان من بنك معتمد ضمانا كافيا من وجهة نظر المستفيد لا

تقل عما يؤديه التأمين النقدي المودع لديه، خاصة وأن خطاب الضمان يتضمن شروطا تجعل

التزام البنك الضامن التزاما مستقلا وملزما بالدفع دون أي قيد أو شرط، بالرغم من

اعتراض العميل، وقد أوضحت محكمة الاستئناف بباريز بتاريخ 24 نونبر 1981، هذا الأمر

بقولها بأن “مفهوم الضمان لدى أول طلب يفيد في الحد ذاته بأن المستفيد يستطيع

المطالبة بالوفاء بمبلغها بسرعة، وباتباع أقل الإجراءات الشكلية، والموضوعية” ( ).

ومن جهة ثانية يحقق خطاب الضمان للمستفيد مزية أخرى، تتمثل في تجنب المشاكل

الناتجة عن إيداع هذه المبالغ لديه، وإعادة سحبها في نهاية المدة، مع ما يترتب عن

ذلك من دفع تكلفة هذا الايداع وارتفاع قيمتها، حسب المدة التي قد تطول أو تقصر حسب

نوع كل عملية على حدة ( ).

ومن جهة ثالثة لا يخفى أن قبول خطاب الضمان بدلا من التأمين النقدي من الجهات

المستفيدة، يشجع الموردين والمقاولين على التقدم إلى المزايدات والمناقصات التي

يعلن عنها للمزايا التي يحققها خطاب الضمان لهم، من عدم ضرورة إيداع مبالغ نقدية

وتعطيلها عن الإستثمار، أو الإقتراض من البنك بفائدة مرتفعة، مما يترتب عليه حصول

الجهة المستفيدة على أفضل الشروط وأرخص الأسعار.

الفقرة الثالثة: أهمية خطاب الضمان بالنسبة للبنك

وأخيرا يستفيد البنك، من إصداره لهذه الخطابات، لأنه يتقاضى عمولة من عميله

تتناسب مع قيمة الضمان وأجله، ونوع العملية المطلوب تقديم خطاب الضمان عنها.

وخطاب الضمان لا تسدد قيمته للمستفيد في أغلب الأحوال، ولا يكلف البنك في إصداره

إلا نفاقات إدارية بسيطة إذا ما قورنت بعمليات مصرفية أخرى (مثل فتح الحسابات

الجارية وتقديم القروض…).

كما لا يتحمل البنك في النهاية خسارة إذا ما دفع قيمة الضمان، إذ يحتفظ عادة بغطاء

ويأخذ على العميل تعهدات كافية، تضمن له سداد هذه القيمة، ورجوعه على العميل هذا

فضلا على أن أموال العميل تشكل ضمانا عاما للبنك.

بالإضافة إلى ما سبق، فإن البنك يهدف من وراء إصدار خطابات الضمان تحقيق هدف آخر،

ألا وهو خدمة عملائه الذين تربطهم به علاقات مصرفية أخرى أكثر ربحا للبنك، (مثل

الحسابات الجارية، وتقديم القروض…). ( ).

ومن كل هذه المزايا التي تترتب عن الضمانة لفائدة أطرافها يتضح مدى تمييزها

وإختلافها عن التأمينات التقليدية المعروفة كالكفالة وغيرها، وهي من الأمور التي

كانت وراء اتساع مجالات استخدامها مقارنة بباقي الأنظمة المشابهة.





المبحث

الثاني: تمييز خطابات الضمان عن بعض الأنظمة المتشابهة





كما سبق القول

فخطاب الضمان هو تعهد نهائي يصدر من البنك بناء على طلب العميل بدفع مبلغ نقدي

معين أو مقابل للتعيين بمجرد أن يطلب المستفيد ذلك خلال مدة محددة، ودون قيد أو

شرط.

انطلاقا من هذا التعريف يتبين أن خطاب الضمان يقوم على علاقة ثلاثية تربط بين

أطراف العملية، وهو ما جعله يشتبه ببعض الأنظمة القانونية التي تقوم على نفس

الأساس، لذلك سيكون علينا تمييز خطاب الضمان عن الكفالة (المطلب الأول) ثم عن

الاعتماد المستندي (المطلب الثاني) وأخيرا عن الإنابة (المطلب الثالث).





المطلب

الأول: خطاب الضمان والكفالة

الكفالة عقد

بمقتضاه يضم شخص ذمته إلى ذمة مدين في تنفيذ إلتزامه، وهذا الإلتزام أكثر ما يكون

مبلغا من النقود فإذا لم يكن الالتزام المكفول مبلغا من النقود فإن الكفيل لا

يتعهد بالقيام بنفس العمل إذا تخلف عنه المدين، بل إنه يضمن ما عسى أن يحكم به على

المدين الأصلي من تعويض جراء إخلاله بالالتزام بإعطاء شيء غير النقود ( ).

ويعد التمييز بين الكفالة وخطاب الضمان من المسائل التي تثير إشكالات كثيرة على

مستوى الاجتهاد القضائي والفقهي.

فقد أدت حداثة ظهور خطاب الضمان في البداية إلى اعتباره مجرد نوع من الكفالة ولم

يكن الفقه والقضاء يجرآن على فصله عن النظام القانوني الذي يحكم الكفالات البنكية،

فقد ذهبت محكمة الاستئناف بباريز في قرار لها بتاريخ 15 يونيو 1973 إلى أن “بنود

الالتزام بالضمان وإن كانت تشير وبشكل واضح إلى أن البنك يلتزم بالدفع لدى أول طلب

فإن ذلك ليس من شأنه تعطيل مفعول مقتضايت الفصل 2036 من القانون المدني الفرنسي

والذي بمقتضاه يحق للكفيل التمسك بمواجهة الفاعل بكل الدفوع التي للمدين الأصلي

المتعلقة بالدين الأساسي”( ).

والحقيقة أنه رغم التشابه بين خطابات الضمان والكفالة في كون كل منهما يضيف إلى

ذمة مالية ذمة ثانية. مكلفة بالتزام اتفاقي أو قانوني، إلا أنهما مع ذلك يفترقان

في أن التزام المصرف بالدفع بالكفالة المصرفية مرتبط وتابعا لالتزام العميل

(المدين اتجاه الغير المستفيد) وللمصرف أن يقوم بالتنفيذ عينا وبطريق التعهد في

حالة تقاعس العميل عن الوفاء بالتزامه، أما في خطاب الضمان فإن التزام البنك مستقل

بذاته يتعهد فيه بأن يدفع المبلغ المبين في الخطاب بمجرد أن يطلب المستفيد منه

ذلك، وبغض النظر عن الالتزام الذي قدم لضمانه ذلك الخطاب.

لقد أوضحت المحكمة الإتحادية العليا لدولة الإمارات في قرار الطعن رقم 260 لسنة 17

نقض مدني لجلسة 19/03/1996، الفرق بين الكفالة المصرفية وخطاب الضمان بقولها “لما

كان البين من عبارة، كفالات الدفعة المقدمة، أنها وإن تشير في ديباجتها أنها صدرت

تنفيذا لعقود المقاولة (…)، إلا أنها تظمنت تعهدا من المصرف الطاعن بناء على طلب

عميلته شركة (…) بدفع قيمتها بالكامل أو جزئيا عند أول مطالبة خطية إلى المستفيد

دون اعتداء بأي اعتراض من قبل هذه الشركة الأخيرة، ومن ثم فإنها وفقا لصحيح

القانون، تعتبر خطابات الضمان ولا تعد من قبيل الكفالات المدنية أو المصرفية، التي

يعتبر فيها التزام الكفيل تابعا لالتزام المدين المكفول” ( ).

وانطلاقا مما سبق يبدو أن هناك فرقا جوهريا بين خطاب الضمان والكفالة المصرفية

يتمثل أساسا في العلاقة الناشئة بين الأطراف، ففي إطار الكفالة للكفيل أن يتمسك في

مواجهة الدائن بكل دفوع المدين الأصلي، سواء كانت شخصية له أو متعلقة بالدين

المضمون، وله أن يتمسك بهذه الدفوع، ولو برغم اعتراض المدين أو تنازله عنها، كما

أنه يمكنه أن يحتج بالدفوع التي هي خاصة بشخص المدين الأصلي كالإبراء من الدين

الحاصل له شخصيا.

أما في إطار خطاب الضمان فإن التزام البنك هو تعهد نهائي متقطع الصلة بالتزام

العميل مديونيته، لأن خطاب الضمان ينشئ بين البنك والمستفيد علاقة مباشرة لا صلة

لها من الناحية القانونية بين البنك والعميل، أو العميل والمستفيد.



المطلب الثاني: خطاب الضمان والاعتماد المستندي

يعرف الإعتماد المستندي بأنه “تعهد مشروط بالوفاء، وبعبارة أخرى هو تعهد

مكتوب من بنك يسمى (المصدر)، يسلم للبائع (المستفيد) وذلك بناء على طلب المشتري

(مقدم الطلب أو الأمر) وبالمطابقة لتعليماته، يستهدف القيام بالوفاء (أي بوفاء

نقدي أو قبول كمبيالة أو خصمها) في حدود مبلغ محدد خلال فترة معينة وفي نظير

مستندات مشترطة ( ).

انطلاقا من هذا التعريف يبدو أن هناك أوجه تشابه كثيرة بين خطاب الضمان والاعتماد

المستندي.

فكما هو شأن خطاب الضمان، فإن الاعتماد المستندي هو الآخر من خلق وابتكار العمل

والعرض البنكي، وذلك بقصد تسهيل المعاملات التجارية الدولية من جهة، ولحماية اطراف

العلاقات التعاقدية من جهة ثانية.

ويبرز القاسم المشترك أيضا بين خطاب الضمان والاعتماد المستندي، أساسا في صفة

استقلالية التزام البنك تجاه المستفيد وكفايته الذاتية في كلتا العملتين: ففي

الاعتماد المستندي تترتب عن هذه الإستقلالية النتائج التالية:

-استقلال الإعتماد المستندي عن عقد البيع.

-استقلال التزام البنك تجاه المستفيد عن العلاقة السابقة على إنشائه.

ويترتب على ما سبق عدم جواز عرقلة تنفيذ التزام البنك تجاه المستفيد عن طريق إثارة

الدفوع المستمدة من عقد البيع، أو من عقد فتح الإعتماد، طالما أن المستفيد تقدم

للبنك داخل مدة صلاحية الإعتماد المطابقة لشروط خطاب الضمان.

وفي خطاب الضمان سواء كان مستنديا أو لدى طلب نجد نفس الاستقلالية والتجريد،

فعلاقة البنك بالمستفيد الذي صدر خطاب الضمان لصالحه، هي علاقة منفصلة عن علاقته

بالعميل، إذ يلتزم البنك بمقتضى خطاب الضمان بمجرد إصداره ووصوله الى المستفيد

بوفاء المبلغ الذي يطالب به هذا الأخير باعتباره حقا له ( ).

وقد دفع هذا التشابه القائم بين الاعتماد المستندي وخطاب الضمان، على هذا المستوى

الفقه والقضاء في العديد من المناسبات، وعن طريق القياس إلى تمديد تطبيق نفس

النتائج والآثار التي تترتب عن صفة إستقلالية إلتزام البنك في إطار عملية الاعتماد

المستندي على الالتزام بالضمان. فالتزام البنك (الضامن) كما هو شأنه في حالة فتحه

لاعتماد مستندي قطعي يلتزم إتجاه المستفيد بالوفاء، دون أن يكون له الحق في

التراجع عن التزامه ولم تأثرت علاقته بالأمر وعلاقة هذا الأخير بالمستفيد، بطوارئ

معينة ( ).

كما دفع هذا التشابه أيضا بالعديد من الهيئات الحكومية والمؤسسات البنكية أثناء

عملية مناقشة مشروع قواعد الضمانات التعاقدية من طرف غرفة التجارة الدولية بتعاون

مع لجنة الأمم المتحدة سنة 1978 إلى اقتراح تطبيق نفس القواعد العامة التي يخضع

لها الإعتماد المستندي على الضمانات التعاقدية.

وإذا أمكننا ملاحظة بعض أوجه التشابه، فإن هناك بعض الاختلافات الواضحة بينهما،

حيث تعتبر خطابات الضمان عملية من عمليات الإئتمان البنكي غير المباشر وبطريق

التوقيع تهدف إلى تعويض المستفيد عن الأضرار التي تلحق به من جراء عدم تنفيذ

العميل (الأمر) لإلتزاماته التعاقدية، أما الإعتماد المستندي فهو من عمليات

الائتمان البنكي المباشر، ويهدف إلى ضمان حصول البائع على الثمن وهو بذلك لا يشكل

إلا جزءا من العملية المرتبطة بالاعتماد المستندي.

ومن الوجهة الاقتصادية فإن العمليتين معا تتقابلان أو يكمل بعضهما البعض، مادام أن

الاعتماد المستندي خصص للبائع (اعتماد التصدير) لضمان دفع الثمن من جانب المشتري،

وأن خطاب الضمان فهو توقيع خصص للمشري (اعتماد الاستيراد) والذي يضمن لهذا الأخير

تنفيذ الصفقة ( ).



المطلب الثالث: خطاب الضمان والإنابة (الوكالة)

ينص الفصل 217 من ق.ل.ع على أن الإنابة “تصرف بمقتضاه يحول الدائن حقوقه

على المدين لدائنه هو، وفاءا لما هو مستحق عليه له، وتكون الإنابة أيضا بتصرف من

يكلف أحدا من الغير بالوفاء عليه، ولو لم يكن هذا الغير مدينا لمن وكله عن

الوفاء”.

طلبا لمقتضيات هذا الفصل فإن الإنابة هي اتفاق ثلاثي الأطراف تقدم فيه المدين إلى

دائنه بمدين جديد للوفاء بدينه، يحل محله ويقضي التزامه فتكون إنابة كاملة أو ينضم

في المديونية فتكون إنابة قاصرة.

ويفسر بعض الفقهاء خطاب الضمان بأنه إنابة، تنضم فيها ذمة مدين إلى ذمة المدين

الأصلي، مما يطمئن الدائن إلى وجود ضمان قوي لإستيفاء حقه، ذلك أن الدائن بتنفيد

عقد مقاولة، يتفق مع المدين على أن يكتفي بتقديم مدين آخر يلتزم إلى جانب المدين

الأًصلي بالوفاء بالإلتزام المضمون بدلا من إيداع مبلغ نقدي، فإذا كان هذا المدين

الثاني هو البنك والتزم أمام الدائن بوفاء الدين، كان هذا الالتزام أصليا ومباشرا،

ومستقلا عن التزام المدين الأصلي وهذه هي الإنابة الناقصة والتي مفادها أنه فيما

يتعلق بالعلاقة بين المنيب (المدين) والدائن يبقى المنيب مدينا للدائن ولا تبرأ ذمته

إلا إذا وفى الإلتزام الجديد الذي في ذمته للدائن، وتبرأ إذ وفي المنيب نفسه

للدائن الدين الأصلي الذي في ذمته، وبمجرد أن يقوم المنيب أو المناب بالوفاء

للدائن تبرأ ذمة الآخر ( ).

ويذهب بعض الفقه المعاصر إلى أن خطاب الضمان يعد وكالة، حيث يرى ان خطاب الضمان

المصرفي بعلاقاته المتعددة وغاياته المختلفة يستطيع أن يجد له مكانا في إطار الفقه

الإسلامي الخصيب، وأن تكييف خطاب الضمان على أنه وكالة لا يبدو متباينا مع نظرة

الفقه الإسلامي للموضوع في نطاق الكفالة، حيث يرجع فيها الكفيل لما يدفع على من

أمره بذلك تماما كما يرجع الوكيل، لأن الكفالة بالأمر ما هي إلا وكالة بالآداء( ).

على ان هذه الإتجاهات الفقهية والتي حاولت تفسير خطاب الضمان على أساس الإنابة، لم

تأخذ بعين الإعتبار مجموعة من الفروقات الموجودة بين خطاب الضمان والإنابة والتي

نوجزها في النقط التالية:

ففي الإنابة يمكن للبنك أن يتمسك بجميع الدفوع التي كانت للعميل في مواجهة

المستفيد لإتحاد محل الالتزامين، إلا أن الأمر في خطاب الضمان غير ذلك، إذ الواقع

العملي لخطاب الضمان المصرفي يتميز بالتجرد والاستقلالية، فالتزام البنك تجاه

المستفيد يظل مستقلا عما يمكن أن يثار من دفوع سواء في علاقة المستفيد بالعميل

(الآمر) أو في علاقة هذا الأخير بالبنك.

كما أن الإنابة تتيح للمستفيد حرية الإختيار في الرجوع على البنك أو العميل، وهذا

لا يصح في خطاب الضمان، إذ أن العميل يظل ملتزما مع البنك بالوفاء بالمبلغ المطلوب

في مواجهة المستفيد. كما أن المستفيد ليس له أن يطالب أيهما، فمطالبة المستفيد

للعميل تنحصر في تنفيذ التزامه الأصلي نحوه، فإذا قصر في ذلك يتحول المستفيد

للبنك، ويطلب منه أن يدفع له قيمة التأمين، والقول بغير ذلك يجعل المستفيد يقتضي

حقه مرتيين من البنك والعميل ( ).

بالإضافة الى ما سبق في خطاب الضمان يتعاقد البنك مع العميل على إصدار خطاب الضمان

ولا يتدخل المستفيد في هذا التعاقد، وهذا عكس الحال في الإنابة، لأن المناب لديه

(الدائن) يعتبر دائما طرفا في الإنابة، ولا تنعقد بغير رضاه، أما في خطاب الضمان

فإن رضا المستفيد غير مطلبوب، إنما المطلوب هو عدم الاعتراض، بل إن خطاب الضمان

يصدر بناء على شرطه والمدرج في العقد المبرم بينه وبين العميل (الأمر)، لذلك لا

يمكن تصور عدم قبوله لخطاب الضمان، وإنما يمكن تصور اعتراضه له فقط إذا كان خطاب

الضمان قد صدر مخالفا لمقتضيات الاتفاق.

ويترتب على ذلك نتيجة هامة تتمثل في أن المناب لديه يمكنه الطعن في عقد الإنابة

نتيجة وجود عيب من عيوب الرضا، وهذا بخلاف المستفيد في خطاب الضمان، فلا يستطيع

الادعاء بوجود عيب من عيوب الإرادة لأن إرادته غير متطلبة أصلا ( ).

وقد قطع القضاء الإماراتي في أحكامه بأن خطاب الضمان التزام مستقل بذاته ولا يفسر

على ضوء الوكالة في العلاقة بين العميل والبنك.

فقد قضت محكمة تمييز دبي في الطعن رقم 27 لسنة 1993 في جلستها المنعقدة في

18/04/1993، بأن “خطاب الضمان مشروطا أو غير مشرط، هو تعهد نهائي يصدر من المصرف

بناء على طلب العميل (الآمر) بدفع مبلغ نقدي معين أو قابل للتعيين بمجرد أن يطلب

المستفيد ذلك من المصرف خلال مدة محددة، ولا يعتبر ضمان المصرف لصالح المستفيد

عقدا بينه من جهة وبين المصرف والعميل من جهة أخرى، كما أنه ليس تنفيذا لعقد بين

العميل والمستفيد من خطاب الضمان، إذ يلتزم المصرف التزاما نهائيا بمجرد إصداره أو

وصوله إلى علم المستفيد منه، ولا يعتبر المصرف في التزامه بخطاب الضمان نائبا أو

وكيلا عن العميل أو كفيلا له، وإنما هو أصيل في الإلتزام به، ومن ثم يكون كل من

العميل والمصرف ملتزمين قبل المستفيد، كل دين مستقل ومنفصل عن دين الآخر، بحيث

يخضع كل منهما للعلاقة التي نشأ عنها دينه ولأحكام هذه العلاقة، وما يقوم العميل

بدفعه للمصرف لتغطية خطاب الضمان إنما هو تنفيذ للعلاقة القائمة بينه وبين المصرف

وحدهما، ولا صلة للمستفيد بها. وبالتالي فهي لا تعد حوالة دين حسبما تدعيه

الطاعنة. ولا تخضع لأحكام الحوالة المنصوص عليها في القانون طالما أن التزامها

بالدين مستقل عن التزام المصرف المطعون ضد الثاني به من حيث مصدره ومحله” ( ).

هكذا، وانطلاقا مما سبق يمكن القول بأن اللجوء إلى القواعد العامة التي تحكم بعض

الأنظمة المشابهة لتطبق على خطاب الضمان، لا يقوم على أساس قانوني، نظرا

للاختلافات الجوهرية القائمة بينهما، لهذا حاولت بعض الأنظمة القانونية الوطنية

والهيئات الدولية الإعتراف بتأصيل قانوني متميز للضمانات المستقلة بعيدا عن كل

نظام قانوني قائم، أي بالانطلاق من وضعيتها القانونية الذاتية التي ساهم العرف

وإرادة الأطراف، وكذا الأهمية العملية التي تمتاز بها بالنسبة لهذه الأطراف في

بلورتها وتكريسها خاصة في ميدان التجارة الخارجية.

مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




تعليقات
خطاب الضمان، حقيقته وحكمه


د.بكر أبو زيد

19 - 5 - 2009







فإن من نوازل العصر وقضاياه؛ جريان المعاملة بخطابات الضمان لدى البنوك الأهلية مع المستفيد سواء كان شخص اعتباري أو طبيعي أو حُكْمِي، وتجلية موقعها من الشريعة المطهرة يقتضي إعطاء التصور الكامل لطبيعة خطابات الضمان، وخطواتها الإجرائية، وأنواعها، وما جرى مجرى ذلك من القوالب التي تسير عليها، ثم تنزيل الفقه الشرعي عليها.





المبحث الأول: خطاب الضمان:





وفيه الفروع الآتية:





1- حقيقته:





خطاب الضمان المصرفي: هو تعهد قطعي مقيد بزمن محدد غير قابل للرجوع، يصدر من البنك بناء على طلب طرف آخر (عميل له)، بدفع مبلغ معين لأمر جهة أخرى مستفيدة من هذا العميل، لقاء قيام العميل بالدخول في مناقصة أو تنفيذ مشروع بأداء حسن، ليكون استيفاء المستفيد من هذا التعهد (خطاب الضمان) متى تأخر أو قصر العميل في تنفيذ ما التزم به للمستفيد في مناقصة أو تنفيذ مشروع ونحوهما، ويرجع البنك بعد ذلك على العميل بما دفعه عنه للمستفيد.





2- أركانه:





من هذا يتضح أن أركان خطاب الضمان أربعة وهي:





البنك: وهو الطرف (الضامن)، والضامن هو من التزم ما على غيره.





العميل: وهو الطرف (المضمون عنه)، ويكون شخصية حكمية (اعتبارية)؛ كالشركة أو المؤسسة ممثلة في (مديرها المسئول)، ويكون شخصًا طبيعيًّا.





المستفيد: وهو الطرف (المضمون له)، وهو رب الحق الذي التزمه الضامن، وعادة لا يكون إلا شخصية اعتبارية؛ كمصلحة حكومية، أو مؤسسة أو شركة معروفة، ومن النادر أن يكون شخصًا طبيعيًّا.





قيمة الضمان: وهو (المبلغ المضمون)، والمضمون به هو الحق الذي التزم الضامن، فإذا أطلق خطاب الضمان؛ حوى هذه الأركان.





3- أهدافه:





لخطاب الضمان أهمية كبيرة في حماية المستفيد (المضمون له)؛ حكومة أو شركة لضمان تنفيذ المشاريع، أو تأمين المشتريات وفق شروطها ومواصفاتها وفي أوقاتها المحددة، ففيها توفير الضمان للمستفيد عن أي تقصير تنفيذي أو زمني من الطرف العميل، إضافة إلى أن البنك لا يقبل في استقبال خطاب الضمان، أن يكون طرفًا مع العميل لصالح المستفيد، إلا إذا توفرت لديه القناعة بكفاءة العميل المالية والمعنوية، ففي هذا ضمان إضافي إلى سابقه أن لا يدخل في المشاريع والمناقصات إلا شخص قادر على الوفاء بما التزم به.





4- طريقة إصدار خطاب الضمان:





يقدم طالب خطاب الضمان طلبًا للبنك يحدد فيه مبلغ الضمان ومدته والجهة المستفيدة والغرض من الضمان، ويجب أن تكون لدى البنك قبل إصداره الضمان المذكور القناعة بأن كفاءة العميل المالية والمعنوية كفيلة بالوفاء بالتزامه، فيما إذا طلب منه دفع قيمة الضمان أو تمديده، وإذا كان مبلغ الضمان كبيرًا فإن البنك يطلب عادة تأمينات لقاء ذلك، إما أن تكون رهنًا عقاريًّا مسجلًا، أو رهن أسهم في شركات بإيداع أوراق مالية لدى البنك يسهل تحويلها إلى نقد فيما لو طلب من البنك دفع قيمة مبلغ الكفالة، مع خطاب من مودعها ما يتنازل عنها إذا اقتضى الأمر، أو كفالة بنك خارجي معروف.





وإضافة إلى كل ذلك فإن البنك يحتفظ عادة بتأمينات نقدية يودعها العميل بنسبة حوالي 25% من قيمة الضمان، وقد تزيد هذه النسبة أو تقل تبعًا لمركز العميل المالي والمعنوي، ولطبيعة المشروع الذي قدم الضمان من أجله، وبعد كل هذه الإجراءات يقوم البنك بإصدار الضمان.





5- أنواع خطابات الضمان:





تجري المعاقدة عليها على أنواع:





أولًا: خطاب الضمان الابتدائي:





ويكون مقابل الدخول في مناقصات أو مشاريع، ويكون مبلغ الضمان مساويًا لـ1% من قيمة المناقصة أو أكثر، وساري المفعول لمدة معينة، وعادة تكون لثلاثة أشهر، وهذا التعهد المصرفي (خطاب الضمان) يقدمه العميل للمستفيد من مصلحة حكومية أو غيرها؛ ليسوغ له الدخول في المناقصة مثلًا، فهو كتأمين ابتدائي يمكِّن المستفيد من الاطمئنان على قدرة العميل على الدخول في المناقصة، ولا يسوغ إلغاء هذا الخطاب إلا بإعادته بصفة رسمية من الجهة المقدم إليها (المستفيد).





ثانيًا: خطاب الضمان النهائي:





وهذا يكون مقابل حسن التنفيذ وسلامة الأداء في العملية من مناقصة أو مشروع ونحو ذلك، ويكون مبلغه بنسبة 5% من قيمة المشروع أو المناقصة، وهو معين بمدة عام كامل مثلًا قابل للزيادة، وهذا التعهد البنكي (خطاب الضمان النهائي) يقدمه العميل للمستفيد من مصلحة حكومية أو غيرها؛ ليستحق المستفيد الاستيفاء منه عند تخلف العميل عن الوفاء بما التزم به، فهو كتأمين نهائي عند الحاجة إليه، ولا يكون إلغاؤه إلا بخطاب رسمي من الطرف المستفيد.





ثالثًا: خطاب الضمان مقابل غطاء كامل لنفقات المشروع أو المناقصة:





أي مقابل سلفة يقدمها العميل إلى البنك على حساب المشروع مثلًا لصالح الطرف المستفيد، والغاية منه كما في سابقه (خطاب الضمان النهائي).





رابعًا: خطاب الضمان (ضمان المستندات):





وهناك نوع رابع من خطابات الضمان يقدمه المصرف لصالح شركات الشحن أو وكالات البواخر، في حالة وصول البضاعة المستوردة إلى الميناء المحدد، وتأخر وصول مستندات الشحن الخاصة بالبضاعة إلى ذلك المصرف الذي جرى الاستيراد عن طريقه، فخشية من أن يلحق بالبضاعة تلف من جراء تأخر بقائها في جمرك الميناء؛ يكون الضمان المذكور تعهدًا من المصرف بتسليم مستندات الشحن الخاصة بالبضاعة إلى وكلاء البواخر فور وصولها، واستنادًا إلى هذا الضمان يتم فسح البضاعة للمستورد.





ولإصدار مثل هذا الضمان يقدم العميل المستورد طلبًا بذلك إلى المصرف، ويسدد قيمة اعتماد الاستيراد بالكامل ـ (وهي قيمة البضاعة المستوردة)، ومن ثَم يصدر المصرف خطاب الضمان ويسلمه إلى العميل؛ فيقوم العميل بتسليمه إلى وكلاء الباخرة المعنيين.





6- مدى استفادة البنك من خطاب الضمان:





هذا التعهد الذي ألزم البنك به نفسه مع العميل، بأن يدفع للطرف المستفيد من عميله المبلغ الصادر بموجبه خطاب الضمان، وفق ما فيه من شروط وإجراءات؛ للبنك من وراء هذا مصلحة مادية وهي ما تسمى بالعمولة، بمعنى أن البنك يستحق بالشرط على العميل نسبة مئوية معينة، مقابل هذا التعهد وهذه الخدمة نحو 2% حسبما يتم الاتفاق عليه، (وبهذا ينتهي المبحث الأول الذي يعطي التصور الكامل لخطابات الضمان الجارية في المصارف مع عملائها أمام المستفيدين منهم).





المبحث الثاني: الفقه الشرعي لخطاب الضمان:





قد علم بأصل الشرع جواز الضمان، وهو: ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون في التزام الحقوق المستحقة، بمعنى التزام دين على آخر، وهو عقد إرفاق وإحسان جاء به الشرع مع ما فيه من توثيق للحقوق وحفظ لها، وخلاصة ما تقدم في المبحث الأول لطبيعة خطاب الضمان تنحصر في الفقرتين الأخيرتين منه، وهما:





1- أنواعه.





2- عمولة البنك لقاءه.





أما أنواعه الأربعة المتقدمة فلم يظهر في ماهيتها ما يخرج عن المنصوص عليه في أحكام الضمان شرعًا وتوفر شروطه؛ فالضامن (البنك) ممن يصح تبرعه، ولوجود رضا الضامن، وكون الحق معلومًا حالًا أو مآلًا، وأن أجله معلوم غير مجهول، سوى ما جاء في النوع الأول وهو خطاب الضمان الابتدائي؛ فإنه من باب ضمان ما سيجب، وضمان ما لم يجب عقد معلق، وقد علم أن الضمان عقد التزام لازم فلا يعلق كغيره من العقود اللازمة، ولأن الضامن التزم ما لم يلزم الأصيل (المضمون عنه وهو العميل) بعد.





لكن الجمهور من أهل العلم على جوازه، وهو مذهب الأئمة الثلاثة؛ أبي حنيفة ومالك وأحمد، والشافعي في القديم، والخلاف المذكور للشافعي في الجديد، وما ذهب إليه الجمهور ألصق بأصول الشرع، لاسيما إباحة التعامل في الأصل ما لم يعتوره مانع من غرر ونحوه، ولا يظهر في ضمان ما لم يجب بعد ما يمنع؛ فيبقى على الأصل [انظر: فتح القدير، (5/402)، حاشية ابن عابدين، (5/301)، الشرح الكبير مع الدسوقي، (3/333)، وقوانين ابن جزي، ص(353)، روضة الطالبين للنووي، (4/244)، والغاية القصوى للبيضاوي، (4/592)، كشف المخدرات للبعلي، ص(252)، بداية المجتهد، (2/298)]، والله أعلم، ولهذا قال الحنابلة في تعريف الضمان: هو التزام ما وجب أو يجب على غيره مع بقائه عليه، أو: هو ضم الإنسان ذمته إلى ذمة غيره فيما يلزمه حالًا أو مآلًا [شرح منتهى الإرادات، منصور بن يونس البهوتي، (2/ 108-110)].





وقالوا في ضمان ما يئول إلى الوجوب: يصح الضمان بالحق الذي يئول إلى الوجوب، فيصح الضمان بما يثبت على فلان، أو بما يقر به، أو بما يخرج بعد الحساب عليه، أو بما يداينه فلان.





أخذ العمولة عليه:





أي أخذ (الأجرة) لا (الجعالة) فإن الجعالة: أن يجعل جائز التصرف شيئًا معلومًا، لمن يعمل له عملًا معلومًا أو مجهولًا، من مدة معلومة أو مجهولة، فلا يشترط العلم بالعمل ولا المدة ولا تعيين العامل للحاجة، فهي إذًا: التزام مال في مقابلة عمل لا على وجه الإجارة، فليس ما هنا مما هنالك إضافة إلى أن الجعالة: عقد جائز من الطرفين، لكل من العاقدين فسخها، بخلاف الإجارة، فهي عقد لازم ابتداء، وإن كان وقع في عبارات بعضهم باسم الجعل على الضمان؛ ففي هذا تسامح في التعبير، أو على سبيل النزول، بمعنى: أنه إذا لم يجز الجعل فالإجارة من باب أولى، وإن كانت الجعالة في معنى الإجارة لكن الجعالة أوسع من باب الإجارة، فالجعالة كما علمت في تعريفها فلا يشترط العلم بالعمل ولا المدة، ويجوز فسخها من الطرفين، بخلاف الإجارة فهي عقد على منفعة أو عين، لازم من الطرفين، لا يملك أحدهما فسخها.





وعليه؛ فإن جمهور أهل العلم على تقرير عدم الجواز لأخذ العوض على الضمان، كما في مجمع الضمانات على مذهب الإمام أبي حنيفة للبغدادي، ص(282)، والشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي، (3/404)، والشرح الصغير (3/242)، والفروع لابن مفلح الحنبلي، (4/207)، وكشاف القناع، (3/262)، وغيرها مصرحة بالمنع وعدم الجواز، وجماع تعليلهم للمنع فيما يلي:





1- إنه يئول إلى قرض جر نفعًا، وجه ذلك: أنه في حال أداء الضامن للمضمون له؛ يكون العوض مقابل هذا الدفع الذي هو بمثابة قرض في ذمة المضمون عنه، وفي خطاب الضمان: أقوى في بعض أحواله؛ لأن المستفيد يستوفي عادة من البنك لا من العميل.





2- إن هذا العقد مبناه على الإرفاق والتوسعة والإحسان، ففي أخذ العوض لقاءه دفع لمقصد الشارع منه.





3- إنه في بعض حالات الضمان يستوفي المضمون له من المضمون عنه، فيكون أخذ الضامن للعوض بلا حق وهذا باطل، لأنه مِن أكل المال بالباطل، وفي خطاب الضمان الابتدائي أو المستندي مثلًا؛ يستوفي المضمون له المستفيد من العميل لا من البنك.





وهنا تنبيهان:





الأول: جرى في القواعد الفقهية قولهم: (الأجر والضمان لا يجتمعان) [شرح القواعد الفقهية، الزرقا، (1/430)]، وهذه القاعدة ليست مما نحن فيه من أحكام الضمان؛ لأن الضمان هنا يقصد به (ضمان المتلفات).





الثاني: جرى في القواعد الفقهية قولهم: (ليس كل ما جاز فعله جاز إعطاء العوض عليه)، بل فيه ما يجوز كالجعالة على رد الآبق، وما يمتنع كالعوض على الضمان واللهو المباح ونحو ذلك، كما جاء في فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية، (30/215-216).





النتيجة:





مما تقدم يعلم الآتي:





أن خطاب الضمان من حيث الغطاء له من قبل العميل ثلاثة أحوال:





1- خطاب ضمان ليس له غطاء البتة:





فهذا ينسحب عليه ما قرره جمهور العلماء من منع العوض على الضمان، فهكذا في هذه الحالة من خطابات الضمان.





2- خطاب ضمان له غطاء كامل من العميل:





فهذه الحالة ـ والله أعلم ـ لا يظهر في العوض عليها (أجرة المثل) ما يمنع في حق الضامن أو المضمون عنه؛ لأن هذا العوض (العمولة) مقابل الخدمات الإجرائية، ففي حال دفع المصرف للمستفيد فهو من مال المضمون عنه، وفي حال عدم دفعه فهو مقابل حفظه لماله وخدماته لذلك.





3- خطاب ضمان قد صار الغطاء لنسبة منه:





فهذه تنسحب عليها أحكام الحالتين قبلها؛ فيجوز فيما قابل المغطى لا فيما لم يقابله.



مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




تعليقات