بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

28 يوليو 2010


العنف والدفاع المشروع بين الشريعة والقانون الدولي العام


تمهيد :

يطلق العنف المشروع على كل قوة لإزالة ضرر ودفع خطر عن النفس أو المال أو العرض ، لهذا فهو سلطة وقائية يكون بموجبها للشخص ( فعل مايلزم شرعاً ، لدفع خطر حقيقي غير مشروع ، حال على حق معصوم )-1-.

وقد اوضح عبد القادر عودة في كتابه ( التشريع الجنائي الإسلامي )معنى العنف المشروع فقال :

- الدفاع الشرعي : هو واجب الإنسان في حماية نفسه أو نفس غيره ، وحقه في حماية ماله أو مال غيره ، من كل اعتداء حال غير مشروع بالقوة اللازمة لدفع هذا الإعتداء )-2- .

بلحاظ أن علاء الدين المروادي ذكر في ( الإنصاف ) أن : ( الحنابلة لايرون الدفاع عن النفس واجباً إلا في حالة الفتنة ، ومنهم من يوجب الدفاع عن المال إذا تعلق به حق الغير )-3- .

والمعروف أن بعض الفقهاء قد توسعوا في موضوع الدفاع الشرعي ، حيث جعلوه موضوعاً عاماً شاملاً يستوعب الدفاع عن دار الإسلام من خطر الأعداء ، كما عند الإمام الخميني-4- .

فيما رأى آخرون ان الدفاع الشرعي والعنف المشروع هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -5- .

وهكذا فإن الفقهاء المسلمين قد اجمعوا على حق الدفاع الشرعي ، لدفع الخطر غير المشروع عن الأعراض أوالمال أوالنفس ، لكنهم اختلفوا في اللفظ الدال على هذا الحق ، وفي تكييف الخطر المنصب على هذا الحق . فمنهم من جعله خطراً محرماً أو عدواناً أو ظلماً –6- ، فيما قال آخرون عن هذا الخطر بانه : ( من أريدت نفسه وحرمته أو ماله )-7- ، وذهب غيرهم الى لفظ آخر وهو الصيال فقالوا : ( للمرء قتل ماصال عليه ـ من آدمي أو بهيمة ولم يندفع إلا بالقتل اجماعاً )-8- .

لهذا فإن الشيعة الإمامية أباحوا الدفاع الشرعي ، وأوجبوا مسؤولية المعتدي الجنائية والمدنية عن الأضرار التي يصيب بها المدافع-9- .

وقد استدلوا باحاديث منها الحديث النبوي : ( من قتل دون ماله فهو شهيد ) ، والحديث المروي عن الإمام الصادق (ع) : ( أيما رجل علا على رجل ليضربه فدفعه عن نفسه فجرحه أو قتله فلا شئ عليه ) .

أما الحنفية فقالوا : ( ومن قتل دون ماله فهو شهيد )-10- ، وقالوا ايضاً : ( دم المدفوع هدر ولا شئ بقتله لدليل قوله (ص) من شهر على المسلمين سيفاً فقد أبطل دمه لأنه باغياً )-11- .

كما أن الحنابلة قالوا : ( دم المدفوع هدر ، وهو الى النار)-12- ، لقوله تعالى (ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة )-13- .

وقال الشافعية : ( إن الصائل يجوز دفعه )-14- .

وقال الزيدية : ( وللمرء قتل ماصال عليه ) -15- .

وقال المالكية : ( جاز دفعه بالقتل وغيره )-16- .

وقال الظاهرية : ( قوله عليه الصلاة والسلام : ( من قتل دون ماله فهو شهيد ) عموم لم يخص معه سلطاناً من غيره . ولافرق في قرآن ولا حديث ولا اجماع ولا قياس بين من أريد ماله أو أريد دمه أو أريد فرج امرأته أو أريد ذلك من جميع المسلمين )-17- .

ومن المفيد ذكره في هذا الصدد … أن فقهاء القانون الوضعي اجازوا الدفاع الشرعي والعنف المشروع ، ووضعوا التكييف القانوني له فقالوا بأن : ( آثار الإباحة هو أن يخرج الفعل من نطاق نص التجريم فيصير مشروعاً وينتفي الركن الشرعي للجريمة )-18- . وقد نص قانون العقوبات العراقي في المادة 42 على انه :

) لاجريمة إذا دفع الفعل استعمالاً لحق الدفاع الشرعي ) . ونص القانون السوري سنة 1949 على المعنى نفسه في المادة 183 .

بلحاظ أن العنف المشروع نراه موجوداً في اغلب القوانين والتشريعات القديمة والحديثة ،لكنه يختلف فيها من حيث تكييفه وشروطه وحدوده -19- . لهذا يذهب الدكتور حمودي الجاسم في كتابه ( التعديلات الواجب إدخالها في قانون العقوبات العراقي ) الى أن : ( التشريعات الوضعية توسعت في الدفاع الشرعي فشملت الأشخاص والأموال معاً ) .

علماً ان الغرب أخذ بنظرية الدفاع الشرعي (كالقانون الإيطالي الحديث المادة 52 ، وقانون الدنمارك سنة 1930 المادة 13 ، وقانون بولونيا سنة 1932 المادة 21 ، وقانون ليتوانيا سنة 1933 المادة 44 ، وقانون سويسرا سنة 1937 المادة33 ، ومشروع القانون الفرنسي الحديث المادة 113 و 114 )-20- .

وهكذا نعرف أن العنف الشرعي له تكييفه القانوني في الشريعة الإسلامية قبل القوانين الوضعية باكثر من 1400 سنة ،مما يدل على عظمة الإسلام وسمو قواعده القانونية . خصوصاً وان بعض الفقهاء - كما قلنا سابقاً - يتوسعون فيه ليشمل الدفاع عن الإسلام والمسلمين ودفع الأخطار الخارجية وفق قواعد القانون الدولي الإسلامي الأخلاقية .

لهذا فإن الموضوعية تحتم علينا أن نتناول الدفاع والعنف الشرعي في القانون الدولي العام ، وفق منهجية علمية تستقرئ وتقارن بين القواعد القانونية الموجودة في القانون الدولي الإسلامي وغيره من القواعد الدولية .



تحديد القواعد القانونية الدولية الوضعية:

… تُعرف القوانين بأنها ( القواعد المجردة التي تحكم سلوك الأمة أو داخل مجتمع ما وفقاً لضوابط معينة ارتضاها الناس ، والتي تقترن بجزاء توقعه السلطة المختصة في حالة الخروج على هذه القواعد )-21-.

ويطلق تسمية قانون – جمع قوانين – لغة على ( الشرائع والنظم التي تنظم علاقات المجتمع سواء كان من جهة الأشخاص أو من جهة الأموال. والقوانين كثيرة أهمها : القانون الأساسي أو الدستوري، القانون التجاري ، القانون الجزائي ، قانون العرف والعادة ، القانون المدني ) –22-. لذا فإن القانون يطلق عادة على كل ( قاعدة مطردة تفيد الإستمرار في تطبيق حكم معين وفقاً لنظام ثابت )-23- .

أما تسمية الدولي فترجع نسبتها الى الدول ، والدولي ( هو العالمي )-24-. وعليه فإن ( القانون الدولي العام ) يعتبر بأنه ( مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين الدول وتحدد حقوق كل منها وواجباتها )-25- .

ويذهب ( شتروب )-26- الى وصف (القانون الدولي العام) بأنه ( مجموعة القواعد القانونية ،التي تتضمن حقوق الدول وواجباتها وحقوق وواجبات غيرها من أشخاص القانون الدولي ) . في حين يذهب ( شارل روسو ) الى أن ( القانون الدولي العام ) هو ( ذلك الفرع من القانون الذي يحكم الدول في علاقاتها المتبادلة )-27- .

ومن المعروف أن تسمية ( القانون الدولي العام ) ترجع الى الفيلسوف الإنجليزي

) بنتام ) ، فقد أطلق على مجموعة القواعد التي تحكم علاقات الدول إسم :

( international law ) . ولكن بعض الفقهاء يذهبون الى وصف ( القانون الدولي العام ) بأنه ( قانون الشعوب والأمم ) ، لأن تسمية ( القانون الدولي ) مشتقة من كلمة ( nations ) أي الأمم .

وقد استعمل هذه التسمية كثير من الكتاب المتقدمين أمثال ( دي ماتنز ) ، و ( كلوبر ) ، و ( فاتيل ) وغيرهم ، ويتجه الإتجاه نفسه ( جورج سيل )-28- . بلحاظ أن الألمان يأخذون بتسمية ( قانون الشعوب ) على اعتبار أنها الأصح . ويمكن الإطلاع على تسميات أخرى استعملها بعض الكتاب والفقهاء للدلالة على ( القانون الدولي ) ، حيث سماه المحامي الهولندي (جروسيوس ) : ( قانون الحرب والسلم ) ، وسماه ( بسكال فيور ) : قانون الجنس البشري ) ، وسماه ( ميجل ) : ( القانون السياسي الخارجي ) الى غيرها من الأسماء .

ويرى ( روسو ) أن أدق تسمية ( للقانون الدولي العام ) – باعتباره ينظم العلاقات بين الدول – هي ( قانون الشعوب ) ، لكنه مع ذلك لايجد حرجاً من استعمال تسمية ( القانون الدولي ) ، لأنها استقرت فقهاً وعملاً واصبحت لها صفة

تقليدية-29-. ويعلق الدكتور ابو هيف على ذلك معتبراً التسمية العربية (للقانون الدولي) تتفق مع وجهة نظر ( شارل روسو ) ، لأن القواعد القانونية الدولية ( تنظم العلاقات بين الأمم والشعوب ، التي لايكون لها كيان قانوني إلا من خلال الدول التي تتبعها )-30-.

ومن المعروف أن الشريعة الإسلامية قد اهتمت بشؤون الدول ، وبينت حقوقها وواجباتها المختلفة ، وكذلك أوجبت القواعد الإسلامية الدولية ( على المسلمين الإلتزام بها قي معاملة المسلمين وغير المسلمين ، محاربين أو مسالمين ، سواء أكانوا اشخاصاً أو دولاً ، في دار الإسلام أو في خارجها )-31-.

وقد احتوت رسائل الفقه الإسلامي احكاماً وفتاوى عن المرتدين ، والبغاة ، وقطاع الطرق . كما اوضحت كتب السير بالتفصيل ايضاً معاملة المسلمين لغيرهم . لهذا يمكن القول أن فقهاء الإسلام قد وضعوا أسس القانون الدولي الإسلامي لتنظيم العلاقات بين الدول-32- .

.












رد: العنف والدفاع المشروع بين الشريعة والقانون الدولي العام


الطبيعة القانونية للقواعد الدولية :

الجدير ذكره في هذا الصدد أن القواعد الدولية الإسلامية لاتثير أي تساؤلات حول طبيعتها القانونية ، في حين أن قواعد ( القانون الدولي العام ) يشوبها بعض الشكوك حول طبيعتها هل هي قواعد أخلاقية أو هي قواعد قانونية بالمعنى المتعارف عليه ؟! فقد ذهب البعض الى الشك في صفتها القانونية لعدم وجود مشرع ، وسلطة قضائية تنفيذية ، وعدم وجود جزاء يترتب على مخالفتها-33-.

واتصور أن ذلك لاينفي صفة القانون عن القواعد الدولية ، خصوصاً وأن الرأي الفقهي القانوني السائد قد اقر دون تردد الصفة القانونية لها ، بلحاظ أن بعض القوانين الداخلية استقرت واصبحت ملزمة دون وجود مشرع لها كالقانون الإنجليزي . أما عدم وجود سلطة قضائية لتنفيذ ( القانون الدولي) فهي مسألة مبالغ فيها كثيراً ، وعلى فرض صحة ذلك فإنه لاينفي عن القواعد الدولية صفة القانون ، لأن القاعدة القانونية موجودة أصلاً قبل تدخل القضاء لتنفيذها فالقاضي (لايخلق القانون بل يطبق القانون الموجود)،والشئ نفسه يسري على الجزاء…فعلى الرغم من أنه يحفظ القواعد القانونية إلا أنه لاينفي صفة القانون عنها ، فهي موجودة ( وإن لم يصحبها جزاء )-34-.

وهكذا نعرف أن عدم وجود مشرع ، وقضاء دولي ، وجزاء لاينفي الصفة القانونية عن القواعد الدولية ، علماً أن ( التشريع ليس هو المصدر الوحيد للقانون ، فقد عرفت المجتمعات المختلفة قواعد القانون قبل التشريع وكانت ولاتزال تتلقى جانباً منها من العرف ومن القضاء . بل إن للعرف دوراً خطيراً في نطاق القانون الدستوري والقانون التجاري … وعليه فما يصدق على القانون الداخلي يصدق على القانون الدولي )-35-.

ولكن مع ذ لك فإن القوانين الدولية تختلف عن القوانين الداخلية في كونها تنشأ عن طريق التراضي بين الدول ، ( غير أن هذا الإختلاف ظاهري واختلاف درجة لا اختلاف أصل )-36-. خصوصاً وأن العالم بدأ يشعر بحاجته للقواعد الدولية ، وحاجته للمنظمات الدولية ، ( بسبب تزايد ايمان الدول بأهمية التضامن بينها لأجل أمن وتعاون دولي في كافة المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والعسكرية )-37-. وقد بدأ منذ أكثر من خمسين عاماً عقل جمعي دولي لإقرار قواعد

( القانون الدولي العام ) ، التي تحث الدول على نبذ الحرب ، والإلتجاء الى الطرق السلمية لفض المنازعات ، والحفاظ على السلم والأمن الدوليين-38- ، مع اقرار حق الدول في الدفاع الشرعي لرد العدوان ، واستعمال العنف كوسيلة لدفع الخطر إذا لم تنجح الوسائل السلمية لحل النزاعات بين الدول .

وللأمانة والموضوعية نقول … أن نظام الأمن الذي إقترحته عصبة الأمم ، وكذلك هيئة الأمم المتحدة ، لم يكن موفقاً لانظرياً ولاعملياً في تحريم الإلتجاء الى القوة المسلحة غير المشروعة ، أو في وضع قواعد جديدة تلزم الدول بالتزاماتها

وتعهداتها –39-. ومن الملاحظ أن هيئة الأمم المتحدة قد وضعت مبدأ عدم تدخلها في الأعمال ، التي تكون في صميم السلطان الداخلي للدول ، إلا في حالة تطبيق تدابير القمع إذا اقتضى الأمر تطبيقها –40- … وهذا المبدأ استغلته الولايات المتحدة الأميركية - بعد انحلال الإتحاد السوفيتي السابق - للتدخل في شؤون الدول المعارضة لها -41- .

وأرى من خلال ذلك أن الدول الكبرى قد استغلت عيوب ( القانون الدولي العام )، واستعملت الدفاع الشرعي بصورة سيئة ، لكي تتدخل في شؤون الدول الأخرى ، وتتوسع في تفسير معنى العدوان ، وتتذرع بأوهى الأسباب للتدخل في صميم السلطان الداخلي للدول من أجل حماية مصالحها الإقتصادية ، وفتح الأسواق العالمية أمام تجاراتها-42- .

وعليه لابد أن تنصب الجهود الدولية للحد من سلطان الدول الكبرى ، وتقييد لجوئها الى القوة المسلحة قبال دول ( العالم الثالث ) ، وتحديد مبدأ الدفاع الشرعي بصورة واضحة لردع الدول التي تتذرع به للعدوان على الدول الأخرى .

وفي هذا المجال يعتقد الدكتور ابو هيف أن الحرب والقوة في التعامل الدولي لازالت

( في نظر الكثيرين من رجال السياسة عملاً مشروعاً دائماً من حق الدولة أن تأتيه كلما كانت مصلحتها تقتضي ذلك،ويذهب البعض منهم الى حد القول بأن الحرب هي أصلح أد اة تتوسل بها الدولة لتنفيذ سياستها القومية وتحقيق

أعراضها ) –43- .

ويضيف ابو هيف بأنه : ( لم يجرأ واضعوا عهد عصبة الأمم على النص على تحريم الحرب اطلاقاً في عبارة صريحة قاطعة … ويلاحظ أن ميثاق الأمم المتحدة لم يفرق في التحريم بين الحرب العدوانية وغيرها )-44- .

والمعروف أن ميثاق الأمم المتحدة قد استثنى حالة واحدة تكون فيها الحرب مشروعة ، وهي حالة الإضطرار دفعاً لاعتداء ، أو كما يقول فقهاء الشريعة الإسلامية : الدفاع الشرعي –45- .

ولكن في هذا المجال نقول أن القانون الدولي العام فشل في الحد من الحروب بسبب مصالح الدول ، ( فالمعيار السياسي قد يتناقض مع المعيار القانوني في حكم استخدام القوة في العلاقات الدولية ، فتارة يلتقيان وأخرى يفترقان ، وهذا هو سبب التعامل الدولي بالكيل بمكيالين في العلاقات الدولية وازدواجية لغتها السياسية

والقانونية )-46-.

وبصورة عامة يمكن القول أن عيوب ( القانون الدولي العام ) قد أستغلت من قبل بعض الدول للإعتداء على الغير ، وزيادة مصالحها وإن كانت غير مشروعة ، خصوصاً وأن تياراً كبيراً في الغرب يرى أن المصلحة هي الحق ، الذي لابد للقانون أن يتكفل بحمايته-47- … ولذا ظهر مصطلح ( المصالح الحيوية ) ، الذي استخدمته المانيا النازية لتبرير احتلالها لأراضي الدول المجاورة لها .

وقد حاول الفقهاء الألمان (أن يجدوا مبرراً لاتساع دولتهم على حساب جيرانها من الدول الصغيرة ، فابتدعوا نظرية المجال الحيوي )-48- . والمعروف أن الفقه الألماني اخذ بنظرية أخرىتدعى (نظرية الضرورة ) لتبرير احتلال الدول المجاورة ، وقد طبقها الألمان اثناء الحرب العالمية الأولى ، ( فاقتحمت جيوشهم دولتي بلجيكا ولكسمبورج المحايدتين على زعم أن سلامة المانيا كانت تقتضي احتلالهما عسكرياً ، ونشر أحد فقهائهم المعروفين في نفس الوقت كتاباً بعنوان حق الضرورة برر فيه مسلك دولته ودافع عنه ، كذلك شهدت الحرب العالمية الثانية من الإعتداءات الألمانية ايضاً باسم الضرورة عندما اكتسحت القوات النازية سنة 1940 الدانمارك والنرويج ثم هولندا وبلجيكا ، ولم تكن أي من هذه الدول الأربعة طرفاً في الحرب …. القول بوجود حق كهذا معناه هدم قواعد القانون الدولي العام بايجاد سبب ذي مظهر قانوني تستند اليه الدول لخرق هذه القواعد وتبرير كل مايقع منها من اعتداءات )-49- .

في الإتجاه نفسه طرحت ( اسرائيل ) مصالحها – التي اسمتها حيوية واستراتيجية – وفقاً لشعار ( حماية الأمن الإسرائيلي ) من أجل التوسع واحتلال الأراضي العربية . وقد عارض الفقيه الأميركي ( كونس رايت ) هذا التوجه ، لأنه يتناقض مع قواعد (القانون الدولي العام ) . ولم تجد ( اسرائيل ) أمام الإنتقادات الدولية الواسعة لإجراءاتها العدوانية غير التمسك ( بنظرية التقادم المكسب ) ، لتبرير احتلالها للأراضي العربية . ولكن هذه النظرية لايمكن تطبيقها والإحتجاج بها إلا في حالة التقادم لمدة طويلة مع عدم وجود منازع ، بلحاظ أن الدول العربية لم تعترف بحدود ( اسرائيل ) ، ولم تقبل الهدنة معها منذ احتلال عام 1949 م . لذا فإن الإجراءات العدوانية ( الإسرائيلية ) تعتبر باطلة قانونياً ، مع ( انتفاء الأساس القانوني للحجج التي استندت اليها الحكومة الإسرائيلية والمدافعون عن موقفها لضم أراض

جديدة)-50-.

والمعروف ان المادة51 من ميثاق الأمم المتحدة اجاز للدول حق الدفاع الشرعي واستعمال القوة لرد العدوان ، وذلك يتشابه مع الدفاع الشرعي الذي اقره القانون الدولي الإسلامي ، والفرق بينهما هو استناد القواعد الإسلامية الدولية الى اسس اخلاقية لاتجيز التعسف في استعمال الحق ، وهذا غير متوفر في العلاقات الدولية ، مما دعا الدول الغربية الكبرى الى استعمال القوة المسلحة خارجياً لمعاقبة الدول المعارضة لها ، وتثبيت وجودها غير المشروع في منطقة الخليج بحجة حماية مصالحها القومية ، التي تسميها ( مصالح استراتيجية ) . وقد توافق كل ذلك مع اتهام أي جهد معارض بانه يندرج تحت قائمة الإرهاب !!!

واعتقد أن ذلك كان السبب في تشويه الحضارة الإسلامية في الغرب، حيث سعى (برنارد لويس) بخبث لتشويه التصورات الإسلامية حول (الثورة والنهوض) واتهام المسلمين بالإرهاب ، وذلك في مقال كتبه للتهجم على الإسلام، واستخراج اشتقاقات مضحكة لكلمة ثورة من اللغة العربية، حيث ادعى أن: لفظة ثورة (ترمز وتشير) عند العرب والمسلمين إلى (الثور والهيجان غير المنطقي والغير واقعي، والهمجي اللامنضبط)!!

أما (النهوض الإسلامي) فعند (برنارد لويس) مشتق من (نهوض الجمل)!! وهو إيحاء مقصود ندركه نحن المقيمين في الغرب، وندرك أبعاده للنيل من العرب والمسلمين، ونعتهم بالجهل والتخلف.

ويذكر ادوارد سعيد في كتابه (الاستشراق) سبب عداء (برنارد لويس) للإسلام وللعرب، فهو في كل بحوثه يتعجب ويتساءل بقوله:

ـ (لماذا ما يزال المسلمون يرفضون أن يهدؤوا ويقبلوا ملك إسرائيل على الشرق الأدنى)-51-.

فهذا هو السبب الحقيقي، إضافة إلى الأسباب الحضارية الأخرى، وراء اندفاع بعض (المثقفين الغربيين) للهجوم على المسلمين، واتهامهم بالإرهاب، من أجل توسيع حجم (المصالح الغربية) اللامشروعة في منطقة (الشرق الأوسط)، والدفاع عن العدو الصهيوني وتأييد توجهاته العنصرية واحتلاله لفلسطين.

لقد شنّ هؤلاء (المثقفون الغربيون) هجوماً عنيفاً على العرب، واللغة العربية، لاتهام المسلمين بأشنع الأوصاف، والتأكيد على أنهم لا يفهمون من معنى الثورة غير هيجان الثورلأنهم إرهابيون !!

في حين ان هناك مصطلحات عربية وإسلامية، كالفتنة، والملحمة، والخروج، والنهضة، جاءت لتعطي نفس المعنى السياسي الحديث لمصطلح الثورة. ويعلّق الدكتور محمد عمارة في كتابه (مسلمون ثوار) على هذا الموضوع بقوله، إنّ:.











..

ـ (كلمة الفتنة استخدمت قديماً بمعنى الاختلاف والصراع حول الآراء والأفكار، وقيام الأحزاب والتيارات الفكرية المتصارعة، واستخدمت بمعنى (الثورة)، أي الوثوب ووقوع الابتلاء والامتحان... وكلمة الملحمة كانت تعني ـ ضمن ما تعني ـ التلاحم في الصراع والقتال في (الفتنة) (الثورة)… وكانت تعني أيضاً الإصلاح العميق الذي يشمل الأمة ويعمّها… كما استخدمت ـ قديماً كذلك ـ لهذا المعنى كلمة (الخروج)، فقيل (خرج) على السلطان بمعنى (ثار)، ضده ووثب عليه... وإلى عصر قريب كانت كلمة (النهضة) تستخدم بمعنى (الثورة)، لأن (النهوض) يعني (الوثوب) و(الانقضاض)... ولقد استخدمها هذا الاستخدام جمال الدين الأفغاني، وكذلك سعد زغلول سنة 1919م)-52-.





ضرورة وجود الفقه الدولي الإسلامي واقرار مبدأ الدفاع الشرعي :

تداخل العالم مع بعضه في علاقات متبادلة يقتضي وقفة جادة ومسؤولة من علماء المسلمين ، لإيجاد فقه دولي يهتم بعلاقات الدول الإسلامية مع غيرها من الدول ، وتقنين ذلك الفقه وفق المذاهب الإسلامية المتعددة ، بحيث يفرز مساحة واسعة لحق الشعوب في تقرير مصيرها واستعمال القوة والعنف المشروع للدفاع عن المقدسات ، وكذلك حق الإنسان للتحرر من العبودية والقهر والإستغلال ، واقرار السلم والأمن الدوليين بصورة واقعية حقيقية … وهذه كلها غايات سعت اليها هيئة الأمم المتحدة ولم توفق في تحقيقها ، بسبب مصالح الدول ونظرتها القومية الضيقة ، التي حالت دون نشوء علاقات دولية اخلاقية متساوية ومتوازنة ، مما أدى الى التوسع في استعمال العنف غير الشرعي في العلاقات الدولية .

واعتقد أن ظهور الفقه الدولي الإسلامي وتقنينه ليس عملاً مستحيلاً إذا سعت الدول الإسلامية الى تنظيم علاقاتها ، وعقد معاهداتها ، وإرساء عرفها الدولي على أسس اجتهادية معاصرة ، اضافة الى إنشاء مجمعات تهتم بالقانون الدولي الإسلامي ، وتقنين قواعده القانونية، التي من شأنها التأثير بالعلاقات الدولية ، و ( بالقانون الدولي العام ) وتطويره وتلافي عيوبه من خلال المشاركة الفاعلة في اصلاح النظام القانوني الدولي ، على غرار اصلاح النظام القانوني الداخلي للدول ، علماً أن القواعد الدولية لاتزال الى اليوم في حالة عدم ثبات ، وفي تطور دائم ومناقشة وشك-53- .





مشروعية اللجوء الى تحكيم غير المسلمين :

يمكن أن يثار في هذا الموضوع تساؤل حول شرعية قبول المسلمين بأحكام القضاة الدوليين غير المسلمين ، أو الإلتجاء الى القضاء الدولي في محكمة العدل الدولية لحل النزاعات بين دول إسلامية وغيرها من الدول ، خصوصاً وأن الشريعة الإسلامية لاتجيز تحكيم غير المسلمين في فض النزاعات وفقاً للآية الكريمة ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً )-54- .

وعليه لاولاية للكافر على المسلم ، وكل (مايؤدي الى مهانة المسلم ، أو جماعة المسلمين ، أو الأمة الإسلامية ، أو يدخل وهناً على الإسلام ، بأي وجه من الوجوه ، فإن ارتكابه في حال الإختيار ، من أعظم المحرمات الدينية ، وأشد المنكرات الشرعية)-55- .

لذا فإن القاعدة العامة هي عدم جواز التحكيم عند غير المسلمين-56- . وعند الضرورة يمكن للفقهاء المسلمين أن يجيزوا التحكيم الدولي غير المسلم بالعناوين الثانوية إذا توقف تحصيل الحق به وفقاً لقاعدة دفع الضرر-57- . وقد ذهب فقهاء المالكية الى تحكيم غير المسلمين-58- لإنهاء الحرب ، لكنهم قيدوا ذلك بقيد الخوف من الأعداء فقالوا : ( يجوز عقد هدنة مع غير المسلمين على أن يحكموا بين مسلم وكافر إذا كان هناك خوف منهم ) .

بلحاظ أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وافقت على تدخل الأمم المتحدة لحل نزاعها وحربها مع العراق ، وقبلت مصر اللجوء الى لجنة التحكيم الدولية بخصوص طابا بينها وبين ( اسرائيل ) ، وقبلت البحرين التحكيم الدولي بشأن نزاعها مع قطر حول بعض الجزر في الخليج .





ترابط احكام الشريعة الإسلامية :

الذي أريد قوله وباختصار شديد … هو ترابط احكام الشريعة وانسجامها وتداخلها وتنظيمها لكل انشطة المجتمع المسلم ، وعليه فإن من الضروري تصدي الفقهاء لتطبيق القواعد الإسلامية العامة الثابتة ، واستنباط الأحكام الشرعية لاستيعاب تطور العصر وتقدمه . ويدخل القانون الدولي الإسلامي ضمن ذلك لأنه (لافرق في نظام الإسلام بين الأمور الدينية أو الأمور التشريعية ، فكلها ذات صفة إلزامية لامناص منها ، وكلها واجبة التنفيذ)-59- .

وهكذا فإن الإسلام يعتبر ديناً له نظامه السياسي المحكم ، ونظامه الإجتماعي الكامل ، بحيث لاتنحصر تعاليمه بعلاقات الإنسان بربه فقط ، بل يمتد ذلك الى تكوين المجتمع المثالي ، الذي يتوسل الى تحقيق اهدافه بتوفير العنصر الإخلاقي في نفس الإنسان-60- . وقد امتد العنصر الأخلاقي الى كل جوانب الحياة ، فشمل علاقات المسلمين بغيرهم ، فكان بدء تاريخ وجود المسلمين كأمة ، وبدء وجودهم الدولي (مقرراً بالهجرة حيث انتقل المسلمون من الموقف السلبي الى الموقف الإيجابي بمواجهة الأعداء )-61- . علماً أن المسلمين عند استعمالهم للقوة المشروعة كانوا مرتبطين بمبادئ اخلاقية ، بحيث لم يتعسفوا في استعمال حقوقهم .

بلحاظ أن الإسلام يمتلك قوى تحريك هائلة ، حيث استطاع بنجاح في زمن الرسول ( ص ) والخلافة الراشدة أن ينقل احكامه وقواعده العامة خارج دار الإسلام ، مما ادى الى نشوء القانون الدولي الإسلامي وتطور قواعده بعد ذلك .

كما أن الرسول( ص ) كان يؤكد دائماً على اخلاقية القواعد الإسلامية ويقول :

( اغزوا باسم الله وفي سبيل الله وقاتلوا من كفر بالله . اغزوا ولاتغلوا ولا تغدروا ولاتمثلوا ولاتقتلوا وليداً ) .

لذا تصدى فقهاء المسلمين لتنظيم العلاقات الدولية زمن الحرب ، واستعمال العنف على أسس روحية اخلاقية . كما تصدوا الى تنظيم القواعد الدولية الإسلامية وقت السلم ( كالصلح والأمان وشروطهما والوفاء بالعهود وتبادل السفراء . غير أن الحرب كانت تأخذ مكان الصدارة بسبب الظروف التي احاطت بالدولة الإسلامية وتربص الأعداء بها في الداخل والخارج )-62- . ومع ذلك كانت علاقات المسلمين بغيرهم علاقات سلم وأمان ، ولم يكن الجهاد عندهم إلا لرفع راية الإسلام، والحفاظ على إعلاء كلمة لاإله إلا الله –63- .







وثيقة أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) الى مالك الأشتر :

تعتبر وثيقة الإمام علي بن أبي طالب ( ع ) الى مالك الأشتر النخعي ، عندما ولاه مصر ، من الوثائق السياسية والإدارية المهمة ، التي تدل على اهتمام المسلمين بالمبادئ الأخلاقية عند تعاملهم مع الناس ، كل الناس ، مسلمين وغير مسلمين –64- .

ويذهب الدكتور الزحيلي الى أن جمهور الفقهاء قد تأثروا ( بالحالة الواقعية التي سادت علاقات المسلمين بغيرهم في عصر الإجتهاد الفقهي في القرن الثاني الهجري ….فقرروا أن اصل العلاقات الخارجية مع غير المسلمين هي الحرب لا السلم ، مالم يطرأ مايوجب السلم من إيمان أو أمان )-65-.

ولكن التأثر بالحالة الواقعية للفقهاء لم يبعدهم عن مبادئهم الأخلاقية ، فكانوا بحق مصداق الآية المباركة الكريمة : ( لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين . إنما ينهاكم عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون )-66- .

لهذا فإن الدولة الإسلامية زمن الرسول ( ص ) والخلافة الراشدة لم تشن حرباً هجومية على الدول المسيحية الغربية ( على الصورة التي هاجمت بها الدول الأوروبية المسيحية الدولة الإسلامية في الحروب الصليبية ، متذرعة حماية الأماكن المسيحية المقدسة ، ثلاث قرون كاملة ، ولم تدخل الدولة الإسلامية في حرب على اساس المبدأ المعروف بمبدأ توازن القوى ، وهو المبدأ الذي تأسست عليه علاقات الدول الأوروبية المسيحية ببعضها )-67- .



الحاجة الى مبادئ السماء :

يظل الإنسان دائماً وفي كل مكان بحاجة الى مبادئ السماء الموجودة في القرآن الكريم ، والسنة النبوية لتحقيق السعادة والأمن والسلام في الأرض . علماً أن العلاقات الدولية التي سادت بين المسلمين وغيرهم في الماضي لاتختلف من حيث المضمون عن العلاقات الدولية الحالية ، وإن اختلفت معها في الشكل

والمظهر-68-. فقد كان الرسول ( ص ) ومعه الصحابة ( رض ) يطبقون النصوص القرآنية بدقة ، مما جعلهم يمتنعون عن مقاتلة من يلقي إليهم السلم ، لأن الإسلام لايجيز للمسلمين أن يعتدوا على أحد ، لكنه لايجيز لهم أيضاً أن يستسلموا باسم السلم والأمن لدولة غير إسلامية ، ولايجيز لهم استعمار دولة أخرى ، ( وليس للمسلمين أن يتدخلوا في شؤون الدول الأخرى المسالمة إلا لحماية الحريات العامة ، وإغاثة المظلومين ، ودفع الإعتداء عن المعتقدين بالإسلام ، وذلك منعاً للفتنة في الدين …. الإسلام يحترم حق كل دولة في البقاء والسيادة ، وفي الدفاع عن أراضيها وسيادتها ، وإن العلاقات بين المسلمين وغيرهم تقوم أساساً على السلام ، وما الحرب إلا ضرورة يفرضها حق الدفاع عن النفس وعن العقيدة )-69- .

من وحي مااسلفنا نعرف أن فقهاء الشريعة الإسلامية قد اهتموا كثيراً باستنباط قواعد التنظيم بين الدول ، حيث ارسوا بذلك القانون الدولي الإسلامي-70- ،الذي يستند الى قواعد اخلاقية لتوطيد السلم والأمن الدوليين لكافة الناس دون تمييز أو عنصرية-71- . لقد كان هذا القانون الإلهي اخلاقياً لأنه لايجيز ابداً استعمال القوة والعنف للإفساد في الأرض ، وإتلاف الحرث والنسل ، والتخريب المتعمد في حالتي السلم والحرب-72- ، كما أن الحرب في الإسلام لاتكون أبداً من أجل احتلال أراضي الغير والتوسع غير المشروع على حساب الدول الأخرى-73-. والجهاد يكون ضرورة إذا :

- ازدحم الكفار على المسلمين بحيث يخاف منه زوال الحق وإثبات الكفر والباطل ، فيجب على جميع المسلمين حينئذ مدافعتهم ) –74-.

وهكذا فإن العلاقات الدولية في الإسلام ، المستندة الى قيم روحية أخلاقية ، هي ماتحتاجه الإنسانية في تطلعها للمساواة والحرية ،واقرار السلم والأمن في العالم . لأن (القانون الإلهي إذا نزل يقرر ويبطل، ويزيد وينقص ،فيطرح القوانين الباطلة ويضع القوانين الصالحة )-75- من أجل الناس جميعاً .مكتب / محمد جابرعيسى المحامى




تعليقات
دور محكمة النقض في توحيد كلمة القانون






موجز الدراسة





دور محكمة النقض في توحيد كلمة القانون

الجمع بين المنطق القضائي والمنهج ...

الرقابة عند تحديد معني القانون ...

دور محكمة النقض فى مجال التكييف ...

أمثلة لإبداعات محكمة النقض في ...

خاتمة







موجز الدراسة



احتفل القضاء المصري وأساطين القانون في مصر بالعيد الماسي لمحكمة النقض،‏ أي بمضي خمسة وسبعين عاما علي إنشائها باعتبارها منارة للتطبيق القانوني السليم‏،‏ وضمانا لتوحيد كلمة القانون واستقرار مبادئه‏. وقد شهدت البلاد في كنفها نهضة قضائية باهرة بلغت أروع المدى رصعتها المبادئ الخالدة التي شيدتها‏،‏ والتي في ضوئها تأكدت معاني العدل والحرية والمساواة‏.‏

في ساحة هذه المحكمة العليا تجتمع الأقضية التي تفصل فيها المحاكم علي اختلاف أنواعها وأيا كانت المصالح التي يشتبك بينها النزاع‏،‏ لكي تقول فيها كلمة القانون العليا حسما لأي خلاف أو جدل‏،‏ لكي تتوحد كلمة العدل مع توحيد كلمة القانون‏. وقد استطاعت محكمة النقض مرفوعة الهامة أن تشق طريقها بحكمة واقتدار وسط الشعاب والصخور التي قابلتها علي مدى تاريخها الطويل‏.‏
الجمع بين المنطق القضائي والمنهج القانوني في الرقابة علي حسن تطبيق القانون‏






وماكانت أسباب العدل وعلم القانون لتجتمع في قضاء محكمة النقض لو لم تستخدم كلا من المنطق القضائي والمنهج القانوني السليم أسلوبا لتفكيرها‏،‏ للوصول الي الحل القضائي السليم. فاستطاعت المحكمة أن تشق طريقها في مراقبة منطق الاستخلاص الموضوعي للقاضي في مقام الرقابة علي حسن تطبيق القانون‏.‏

وقد اتخذت المنطق القضائي أداة لمراقبة مدي حسن تطبيق القانون‏،‏ تأسيسا علي أنه لايمكن لمحكمة النقض أن تضمن وحدة كلمة القانون في أحكام القضاء ما لم تضمن في الوقت ذاته سلامة المنطق القضائي الذي ينبني عليه استخلاص الواقع‏. فالمنطق المعوج في استخلاص واقع الدعوي يقود إلي تطبيق معوج للقانون‏،‏ لأن التحكم في الواقع لابد أن يسفر عن خطأ في القانون‏.‏

وقد استطاعت محكمة النقض وضع قواعد للمنطق القضائي في مجال رقابتها علي تسبب الأحكام‏،‏ بما يسمح بضمان سلامة هذا المنطق كخطوة لازمة نحو وحدة القضاء في حسن تطبيق القانون‏. وتجلي ذلك واضحا في كثير من أحكامها التي تتحدث إما عن سلطة المحكمة في استخلاص الدليل بطريق الإستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية‏،‏ أو عن حق المحكمة في استنباط الحقيقة بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية طالما اتفق ذلك مع العقل والمنطق‏. ومن خلال هذه القواعد التي أقامتها محكمة النقض حددت المحكمة عيوب التسبب التي كشفت عن اعوجاج منطق الحكم‏،‏ فاستجلت عيوب القصور في البيان والفساد في الاستدلال والخطأ في الإسناد في مقام رقابتها علي منطق المحكمة في تحديد الواقع أو استخلاصه‏.‏

وتجلت قيمة رقابة محكمة النقض علي محكمة الموضوع بشأن الواقع في نقضها للأحكام إذا كانت المقدمات التي انتهت إليها المحكمة لاتؤدي من الناحية المنطقية الي النتيجة التي خلصت إليها‏. ومن صور هذه الرقابة ما أطلقت عليه محكمة النقض تعبير التعسف في الاستنتاج لتتأكد رقابة المحكمة علي المنطق القضائي لمحكمة الموضوع في معرض استخلاص الواقع‏. وكل ذلك إيمانا بأن الأسس التي يقوم عليها المنطق القضائي هي المدخل نحو حسن تطبيق القانون‏. وفي هذا النظام تجلت روعة قضاء محكمة النقض حين أخرجت الإثبات المادي للوقائع من نطاق رقابتها‏،‏ بينما مدت هذه الرقابة علي منطق استخلاص الواقعة برمتها في ضوء ما أثبتته من ماديات الوقائع‏. ومن خلال رقابة محكمة النقض علي المنطق القضائي لمحكمة الموضوع ساهمت المحكمة في الاقتناع العام بعدالة الأحكام التي تتأبي ما لم تكن مبنية علي منطق سليم‏،‏ وساهمت بذلك في ضمان الأمن القانوني للحيلولة دون الخطأ في تطبيق القانون تحت تأثير الخطأ في الواقع الذي يعتبر مجرد هيكل عظمي يكسوه القانون‏،‏ فإذا كان الهيكل معوجا أو مشوها انعكس ذلك علي تطبيق القانون‏.‏



الرقابة عند تحديد معني القانون لضمان حسن تطبيقه‏






وإذا كان القانون علما واسع النطاق يمتد في كل اتجاه ويتخذ أشكالا مختلفة‏،‏ فإن منهج التفسير القانوني يعين في تحديد معني القاعدة القانونية الواجبة التطبيق‏،‏ ويحرك النشاط القضائي عند إعمال حكم القانون‏. ولا يتوحد منهج التفسير القانوني الذي يلجأ إليه المنشغلون بالقانون علي اختلاف مشاربهم ومواقعهم بل يسوده الاختلاف‏. وقد اتسعت ساحة محكمة النقض للاستماع إلى مختلف أسانيد رجال القضاء من خلال أحكامهم المطعون فيها وإلى مختلف أسانيد المحاماة من خلال مرافعاتهم‏،‏ وكأنها تعبر عما يقبع في عقولهم عن فهم لمعني القانون‏. فالمحامون يرتكزون في حججهم القانونية علي حق الدفاع‏،‏ والقضاة يرتكزون في أسانيدهم القانونية علي رسالة القضاء في إقامة العدل وإعمال صحيح حكم القانون‏. ووسط هذا الزخم الكبير من الحجج والأسانيد تأتي محكمة النقض لكي تحسم الخلاف في تحديد كلمة القانون وتفرض الحل القانوني للنزاع بعد أن تتحري وجه الصواب في المنطق القضائي عند استخلاص الواقع الذي يتم عليه إنزال حكم القانون‏.‏

ولقد استطاعت محكمة النقض عبر تاريخها العريق في تفسير القانون أن تتجاوز متونه الشكلية لكي تكفل الحياة المتجددة للقانون وتكفل صلاحيته للتطبيق عبر المستقبل بغض النظر عن ظروف نشأته واللحظة التاريخية لميلاده وذلك بالنظر الي نصوصه بوصفها قواعد قانونية عامة مجردة لا مجرد متون شكلية‏.‏

لقد آمنت محكمة النقض بأن معني القانون ليس أسيرا لنصوصه الجافة أو حروفه الجامدة‏،‏ وأمكن لها استخلاصه من خلال التفاعل مع الواقع والمستقبل بعوامله السياسية والاقتصادية والاجتماعية‏. كما لم يوهن من قدرة المحكمة علي التأويل الذي يكفل تطور معاني القانون‏،‏ أن هذا القانون كان من صنع جيل قديم‏،‏ لأن القانون بحسب الأصل لا تنتهي صلاحيته بتاريخ معين‏. كما أنه بين الجيل القديم الذي عاصر وضع القانون والجيل الجديد الذي يعاصر تفسيره وتطبيقه علاقة تربط الآباء بالأبناء. وعلي كل جيل من الأجيال التي تتسلم أمانة تطبيق القانون أن تتطور وأن تستمر لا أن يلقي في الهواء ما تسلمه من تراث أسلافه‏.

وتجلت حنكة محكمة النقض في تفسير القانون تارة في مجال تطبيق النص‏،‏ وتارة أخري في مجال تحديد المركز القانوني الذي أنشأه النص‏،‏ وكذلك في مجال تحديد الفكرة التي عبر عنها النص‏.‏ في هذا الإطار استطاعت محكمة النقض أن تنهض بدورها في مراقبة صحة تطبيق القانون بعد أن تعمل فيه منهج التفسير القانوني السليم وتستجلي معانيه‏. وإذا كان التمييز يجري بين مخالفة القانون‏،‏ والخطأ في تطبيقه‏،‏ والخطأ في تأويله‏،‏ إلا أن هذه الصور لاتنفصل عن بعضها‏. فالخطأ في تطبيق القانون يقود عادة إلي مخالفة القانون‏،‏ كما أن الخطأ في تأويل القانون يقود عادة الي الخطأ في تطبيقه أو إلي مخالفته‏. وقد استطاعت محكمة النقض توحيد كلمة القانون من خلال مراقبة صحة تطبيقه في ضوء المعني القانوني الذي تحدده للقاعدة القانونية التي يحملها نص القانون بين جنباته‏. ويتحقق ذلك في مناسبتين هما‏، إعمال التكييف القانوني علي واقعة معينة، والنطق بحكم القانون عند الفصل في الدعوى.‏


دور محكمة النقض فى مجال التكييف القانوني على واقعة معينة






أوجبت محكمة النقض علي قاضي الموضوع ان يبحث الواقعة بجميع كيوفها وأوصافها حتي ينزل عليها التكييف القانوني السليم إعمالا لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات‏، فهذا المبدأ ليس موجها الي المشرع وحده‏، بل موجه أيضا إلي القاضي‏. فإذا تجاهل تطبيقه بأن أضفي على الواقعة وصفا قانونيا خاطئا انطوى ذلك علي إخلال بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات في بعض الأحوال. وفي هذا الصدد حددت محكمة النقض أربع دعائم لسلطة قاضي الموضوع في اعمال التكييف القانون الصحيح‏:

(أولاها‏)‏ عدم التقيد بالتكييف القانوني المرفوعة به الدعوي كما ورد في أمر الاحالة الصادر من النيابة أو في ورقة التكليف بالحضور او في طلبات النيابة العامة‏،‏ وانما يتعين علي القاضي ان يضفي علي الواقعة المعروضة عليه التكييف القانون السليم‏(‏ المادة‏208‏ اجراءات‏)‏ انظر قضاء مستقرا لمحكمة النقض مقالة نقض‏16‏ اكتوبر سنة‏1967‏ مجموعة أحكام النقض س‏18‏ رقم‏200‏ ص‏21،986‏ ديسمبر سنة‏1967‏ س‏18‏ رقم‏295‏ ص‏3،1228‏ مارس سنة‏1988‏ س‏39‏ رقم‏55‏ ص‏377)

(ثانيتها‏) أن القاضي لا يتقيد بالتكييف القانوني الذي أثبتته غيره من جهات القضاء‏.‏ ويستوي ان تكون هذه الجهة من قضاء التحقيق او قضاء محكمة اول درجة مع ملاحظة ان المحكمة الاستئنافية مقيدة بعدم الاضرار بمركز المتهم اذا كان هو المستأنف الوحيد‏،‏ طبقا لمبدأ عدم اضرار المستأنف باستئنافه‏(‏ المادة‏3/417‏ اجراءات‏)‏ ومقيدة بحدود الاستئناف المعروض عليها‏،‏ وقد رتبت محكمة النقض علي ذلك ان الحكم الصادرفي المعارضة بعدم جوازها او بعدم قبولها لرفعها عن حكم غير قابل لها يقتصر في موضوعه علي هذا الحكم باعتباره حكما شكليا قائما بذاته دون ان ينصرف اثر الاستئناف الي الحكم الابتدائي الفاصل في الموضوع لاختلاف طبيعة الحكمين‏(‏ نقض‏23‏ اكتوبر سنة‏2005‏ الطعن رقم‏23757‏ لسنة‏65‏ ق‏). وكذلك الشأن فإنه نظرا لتحديد نطاق الاستئناف بشخص رافعه‏،‏ فإن استئناف النيابة العامة يكون مقصورا علي الدعوي الجنائية‏،‏ مما لا يجوز معه للمحكمة الاستئنافية ان تنظر الدعوي المدنية وتفصل فيها‏(‏ نقض‏4‏ يناير سنة‏2006‏ الطعن رقم‏18598‏ لسنة‏70‏ ق‏)

(ثالثتها‏) أن تغيير التكييف القانوني للواقعة ليس محض رخصة للمحكمة‏،‏ بل هو

واجب عليها‏،‏ فعليها ان تمحص الواقعة المطروحة عليها بجميع أوصافها وان تطبق عليها نصوص القانون تطبيقا صحيحا‏ (نقض‏8‏ يونيو سنة‏1964،‏ مجموعة أحكام النقض س‏15‏ رقم‏94‏ ص 476.‏ 12مايو سنة‏1964‏ س‏15‏ رقم‏74‏ ص ‏380. ‏ أول يونيو سنة‏1965‏ س‏16‏ رقم ‏108‏ ص ‏538. 7 نوفمبر‏1966‏ س‏17‏ رقم‏201‏ ص ‏1076. 10‏ ابريل سنة‏1967‏ س ‏18‏ رقم ‏98‏ ص‏ 512. 13 أكتوبر سنة‏1974‏ س ‏25‏ رقم‏ 142‏ ص‏661). فليس للمحكمة أن تقضي بالبراءة في دعوي قدمت اليها بوصف معين الا بعد تقليب وقائعها علي جميع الوجوه القانونية والتحقق من أنها لا تقع تحت أي وصف قانوني من أوصاف الجرائم المستوجبة قانونا للعقاب ‏(‏ نقض‏2‏ ابريل سنة ‏2001‏ الطعن رقم ‏3388‏ لسنة‏65‏ ق. 8‏ يونيو سنة‏1964‏ مجموعة احكام النقض س ‏15‏ رقم 94‏ ص ‏476‏. 23مايو سنة ‏1967‏ س ‏18‏ رقم ‏138‏ ص ‏705).‏

(ورابعتها‏) وجوب تنبيه المتهم إلى التكييف القانوني الجديد احتراما لحق الدفاع عندما يتطلب الامر ذلك‏، ولذلك وجب علي المحكمة في هذه الحالة ان تمنح المتهم أجلا لاعداد دفاعه إذا طلب ذلك. وطالما أن تغيير التكييف لا يمس حق الدفاع فلا تلتزم المحكمة بلفت نظر الدفاع إلى التكييف القانوني الجديد إذا كان هذا التكييف مما يتسع له التكييف المرفوعة به الدعوي (‏ نقض‏25‏ يناير سنة‏1965‏ مجموعة احكام النقض ص ‏16‏ رقم ‏24‏ ص‏101).‏ وذلك الشأن إذا استندت المحكمة في تغيير وصف الجريمة إلى استبعاد بعض عناصر الواقعة الجنائية المرفوعة بها الدعوي‏،‏ مثل نية القتل أو سبق الإصرار‏(‏ نقض‏27‏ نوفمبر سنة‏1956‏ مجموعة احكام النقض س ‏7‏ رقم‏133‏ ص 1188. 3 ديسمبر سنة‏1957‏ س ‏8‏ رقم ‏259‏ ص 44. 5 مارس سنة ‏1962‏ س ‏5313‏ ص 201. 4 أكتوبر سنة ‏1965‏ س ‏16‏ رقم‏127‏ ص 662). كما أنه إذا كان كل ما فعلته المحكمة عند إضافة عناصر جديدة هو مجرد تصحيح لبيان كيفية ارتكاب الجريمة بما لا يغير في وصف الجريمة‏،‏ فإنه لا يقضي تنبيه المتهم الي ذلك‏(‏ نقض ‏28‏ فبراير سنة ‏1956‏ مجموعة أحكام النقض س ‏7‏ رقم ‏82‏ ص ‏281).‏

واحتراما لحق الدفاع استقر قضاء النقض علي وجوب تنبيه المتهم كلما ترتب علي تغيير وصف التهمة أو تعديله إثارة دفاع جديد للمتهم. ويتحقق ذلك في حالتين هما‏:

(أ‏)‏ أن يتم تغيير وصف التهمة إلى وصف آخر أشد ولو كان مبنيا علي ذات الواقعة المنسوبة اليه دون اضافة أي عنصر اخر إليها‏ (نقض ‏26‏ نوفمبر سنة ‏1962‏ مجموعة أحكام النقض س ‏13‏ رقم ‏188‏ ص 770. 14 أكتوبر سنة ‏1963‏ س ‏14‏ رقم ‏113‏ ص‏612)‏.

‏(‏ب‏)‏ أن يتم تعديل وصف التهمة بناء على إضافة عناصر جديدة إلى الواقعة المرفوعة بها الدعوي‏،‏ بغض النظر عما إذا كان التعديل منطويا علي صالح المتهم أو ضده. ومن أمثلة تعديل وصف التهمة لصالح المتهم إذا عدلت المحكمة وصف التهمة من فاعل أصلي في تزوير إلى اشتراك فيه بناء على عنصر جديد لم يرد في أمر الإحالة ‏(‏نقض 28‏ فبراير سنة‏1956‏ مجموعة أحكام النقض س ‏7‏ رقم ‏82‏ ص‏ 271)، أو استبعاد جناية الاختلاس لعدم توافر أركانها ثم إسناد جنحة السرقة إليه استنادا إلى عنصر جديد ‏(‏نقض 9‏ يناير سنة ‏1956‏ مجموعة أحكام النقض س ‏7‏ رقم ‏9‏ ص‏ 14).‏ وكذلك الشأن في تعديل وصف التهمة من ضرب أفضي إلى عاهة مستديمة إلى إصابة خطأ‏،‏ بعد استبعاد المحكمة ركن العمد‏،‏ لما ينطوي عليه هذا التعديل من اضافة ركن الخطأ حتي يكون المتهم علي بينة مما نسب اليه‏.‏


أمثلة لإبداعات محكمة النقض في استخلاص المبادئ






وكما بينا من قبل استقر قضاء محكمة النقض في مجال اعمالها التكييف القانوني السليم على الواقعة على أن تجري ذلك فيما يتعلق بتحديد نطاق تطبيق النص، أو فيما يتعلق بتعريف المركز القانوني الذي انشأه النص‏،‏ أو فيما يتعلق بتحديد الفكرة التي عبر عنها النص‏،‏ وفي هذه المجالات الثلاثة أبدعت محكمة النقض في استخلاص المباديء التي تحمي الحقوق والحريات العامة‏،‏ فقدمت ثروة قضائية استطاعت بها أن تسهم في تأكيد سيادة القانون بشأن حماية الحقوق والحريات العامة‏،‏ نعرض امثلة لها فيما يلي‏.‏

‏(‏أ‏)‏ التفسير في مجال تحديد نطاق تطبيق النص‏:‏ قضت محكمة النقض بأنه لا يصح تفتيش المحال العامة المفتوحة للجمهور بناء علي حقهم في دخولها ما لم يكن هذا التفتيش قائما علي حالة تلبس لا علي حق ارتياد المحال العامة‏(‏ نقض 2‏ فبراير سنة ‏1986‏ مجموعة أحكام النقض س‏ 37‏ ص ‏217)‏ وقضت بعدم التوسع في القيود المفروضة علي حرية النيابة العامة في رفع الدعوي الجنائية‏. مما يجيز لها أن تباشر التحقيق في جريمة الاشتراك في تزوير عقد الزواج لانها مستقلة في ركنها المادي عن جريمة الزنا ‏(‏نقض 16‏ أكتوبر سنة 1988‏ مجموعة أحكام النقض س ‏39‏ ص 914).

‏وأكدت محكمة النقض أن القيود التي وضعها المشرع علي حرية النيابة العامة في استعمال الدعوى الجنائية لا تمس حق المدعي بالحقوق المدنية في تحريك الدعوى أمام محكمة الموضوع مباشرة (نقض 9‏ يناير سنة ‏1996‏ الطعن رقم ‏48182‏ لسنة ‏59‏ ق‏). كما أكدت محكمة النقض أن حرية مجلس الشعب فيما يسنه من قوانين مقيدة باتخاذ الشريعة الاسلامية مصدرا رئيسيا لها ‏(نقض 7‏ أكتوبر سنة ‏1982‏ مجموعة أحكام النقض س‏ 33‏ ص ‏736).‏

وقضت محكمة النقض بأن لكل من اعضاء النيابة العامة في حالة اجراء التحقيق بنفسه ان يكلف أي مأمور من مأموري الضبط القضائي ببعض الاعمال التي من اختصاصه غير استجواب المتهم‏،‏ دون ان يمتد الي تحقيق المندوب له خارج دائرة اختصاصه المكاني طالما كان هذا الاجراء في صدد دعوى بدأ تحقيقها علي اساس وقوع واقعتها في دائرة اختصاصه وانعقد الاختصاص فيها لسلطة التحقيق النادبة (نقض 11‏ فبراير سنة 1974‏ مجموعة أحكام النقض س ‏25‏ ص ‏138،‏ أول يونيو سنة ‏1989‏ س ‏40. 15‏ يونيو سنة ‏1989‏ س ‏40‏ ص‏ 630. 5 مايو سنة ‏1991‏ س ‏42‏ ص ‏732). وفي صدد تحديد نطاق النص علي سلطة القاضي الجنائي في الحكم بالبراءة اعطت محكمة النقض القاضي الجنائي سلطة واسعة بالنسبة للقضاء بالبراءة فاكتفت في صحة قضائه بالبراءة بأن يتشكك في صحة التهمة ولو تردى الحكم في خطأ قانوني أو لم ترد المحكمة الواقعة إلى وصف قانوني بعينه بل استقر قضاء محكمة النقض علي عدم اشتراط تضمن حكم البراءة امورا او بيانات معينة أسوة بأحكام الإدانة ‏(‏نقض 25‏ مايو سنة 1983‏ مجموعة أحكام محكمة النقض س 34‏ ص ‏674). وفي صدد تطبيق المادتين 189‏ و‏190‏ عقوبات فيما يتعلق بنشر القضايا قصرت محكمة النقض إباحة النشر علي الإجراءات القضائية العلنية والأحكام التي تصدر علنا‏،‏ دون ما يجري في الجلسات غير العلنية أو التحقيق الابتدائي أو التحقيقات الأولوية أو الإدارية ‏(نقض 24‏ مارس سنة 1959‏ مجموعة أحكام النقض س‏ 10‏ ص 348. 16‏ يناير سنة ‏1963‏ س 14‏ ص 47‏)، وقضت محكمة النقض بأن النص في المادة 44‏ من الدستور ينص علي صون حرمة المسكن وحظر دخوله أو تفتيشه إلا بأمر قضائي مسبب وفقا للقانون‏،‏ قابل للإعمال بذاته (نقض 20‏ نوفمبر سنة 1985‏ مجموعة الأحكام س 36‏ ص 1027).

‏ ب‏)‏ التفسير في صدد تحديد المركز القانوني الذي انشأه النص‏:‏

قضت محكمة النقض بانه لما كانت حرمة المسكن تستمد من حرمة الحياة الخاصة لصاحبه‏،‏ فإن مدلول المسكن يتحدد في ضوء ارتباط المسكن بحياة صاحبه الخاصة‏،‏ فهو كل مكان خاص يقيم فيه الشخص بصفة دائمة‏،‏ او مؤقتة‏،‏ وعلي ذلك فإن عدم اكتمال بناء المسكن او عدم تركيب ابواب او نوافذ له لا يقدح في أنه مكان خاص طالما أنه في حيازة صاحبه يقيم فيه ولو لبعض الوقت ويرتبط به ويجعله مستودعا لسره ويستطيع ان يمنع الغير من الدخول إليه إلا بإذنه فلا يعد مكانا متروكا يباح للغير دخوله دون إذنه ولا يجوز لرجال السلطة العامة دخوله إلا في الأحوال المبينة في القانون، وقضت بأن القيود الواردة علي حق رجل الضبطية القضائية في إجراء القبض والتفتيش تمتد إلي السيارات الخاصة بالطرق العامة طالما هي في حيازة أصحابها‏. وفي صدد الدفاع الشرعي‏،‏ نظمت محكمة النقض في تفسيرها لنصوص القانون حرية الدفاع الشرعي بوضع قيود تستلزمها الرقابة من اتخاذ تلك الجريمة وسيلة للاعتداء وليس لرد الاعتداء‏،‏ فأكدت محكمة النقض أنه لا قيام للدفاع الشرعي مقابل دفع اعتداء مشروع‏،‏ وأن حق الدفاع شرع لرد العدوان ومنع استمراره‏،‏ وليس من قبيل القصاص والانتقام لعدم تناسبهما. وقضت بأن استطاعة المدافع الاستعانة برجال السلطة العامة لحماية الحق المهدد تحول دون إباحة فعل الدفاع الشرعي‏،‏ وذلك باعتبار أنه لا محل للدفاع الشرعي إلا عند عجز السلطات العامة عن حماية الحق. وقضت بأنه لا وجود لحق الدفاع الشرعي إذا كان الاعتداء قد انتهي. وقضت بأنه كون المدافع محاميا لا يحرمه من حق الدفاع الشرعي عن ماله ولا يلزمه بأن يتخلي عن استعمال هذا الحق لرد ما يقع من اعتداء حفاظا علي ماله اكتفاء بالعمل علي استرداده بعد ضياعه. وقد حرصت محكمة النقض في تفسيرها للمادة ‏61‏ من قانون العقوبات علي عدم حصر حالة الضرورة في نطاق ضيق وتوسعت فيها تمكينا للافراد من وقاية أنفسهم أو غيرهم مما قد يتعرضون له من أخطار جسيمة علي وشك الوقوع ليس لهم دخل في حدوثها‏،‏ إلا أن محكمة النقض حرصا منها علي عدم اتخاذ حالة الضرورة وسيلة للاعتداء علي حريات الافراد‏،‏ وضعت لحالة الضرورة قيدا جوهريا هو أن الجريمة التي ارتكبها المتهم هي الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر‏. وقضت محكمة النقض بأن المشرع نظم ممارسة حرية الصحافة بوضع قيود تستلزمها الوقاية من سطوة أقلام قد تتخذ من الصحف أداة للمساس بالحريات أو النيل من كرامة الشرفاء إن سبا أو قذفا أو إهانة أو غير ذلك من أفعال يتأبي علي المشرع إقرارها تحت ستار حرية الصحافة وما لها من قدسية وحماية‏،‏ وبتقدير أن الحرية في سنتها لا تتصور انفلاتا من كل قيد ولا اعتداء علي حقوق الغير ولا تسلطا علي الناس وباعتبار أنه لا شيء في الوجود يكون مطلقا من أي قيود‏.‏

‏(‏ج‏)‏ التفسير في صدد تحديد الفكرة القانونية التي عبر عنها النص دون ان يحدد مدلولها صراحة‏:‏ عنيت محكمة النقض بهذا التحديد في مقام مراقبة محكمة الموضوع في تحديدها لمعني بعض الافكار غير المعرفة في القانون‏،‏ ومن أمثلة ذلك قولها عن التلبس بانه حالة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها‏،‏ وأنه يتعين أن يشاهد مأمور الضبط القضائي أثرا من اثارها ما ينبيء بذاته عن وقوعها‏،‏ وصونا للحرية الشخصية للافراد توسعت محكمة النقض في تفسيرها بالمقصود بالتعذيبات البدنية في صور تطبيق المادتين 208 ، 282‏ عقوبات‏،‏ فلم تشترط فيها درجة معينة من الجسامة. وفي صدد تحديد المقصود بلفظ (الإذن‏)‏ برفع الدعوي الجنائية في جرائم النقد طبقا لمادة 419‏ من القانون رقم 80‏ لسنة 1947‏ بتنظيم الرقابة علي عمليات النقد المضافة بالقانون رقم 111‏ لسنة 1953‏ قضت بأنه بحسب التكييف القانوني السليم هو "طلب" بالمعني الوارد في المادة التاسعة من قانون الاجراءات الجنائية‏. وفي صدد حماية حرية الاختراع وتشجيعها توسعت محكمة النقض في تعريف الابتكار الذي يستحق الحماية‏،‏ فقضت بأن الابتكار قد يتمثل في فكرة أصلية جديدة فيخلق صاحبها ناتجا جيدا‏،‏ وقد تتخذ الفكرة الابتكارية شكلا آخر ينحصر في الوسائل التي يمكن عن طريقها تحقيق نتيجة كانت تعتبر غير ممكنة في نظر الفن الصناعي لا قائم قبل الابتكار‏،‏ وقد يكون موضوع النشاط الابتكاري مجرد التوصل الي تطبيق جديد لوسيلة مقررة من قبل‏،‏ وليس من الضروري أن تكون النتيجة جديدة‏،‏ بل الجديد هو الربط بين الوسيلة والنتيجة واستخدام الوسيلة في غرض جديد‏،‏ وتسمي البراءة في الحالة براءة الوسيلة وهي تنصب علي حماية التطبيق الجديد‏،‏ وفي صدد تحديد معني الاعتراف الذي يعول عليه استقر قضاؤها علي وجوب أن يكون اختياريا وأنه لا يعتبر كذلك ولو كان صادقا إذا صدر تحت تأثير الاكراه أو التهديد كائنا ما كان قدره. وفي صدد تحديد المقصود بكذب البلاغ قضت محكمة النقض بأن العبرة في كذب البلاغ أو صحته هي بحقيقة الواقع‏،‏ ولا يصح القول بانه إذا عجز المبلغ عن الاثبات فإن بلاغه يعتبر كاذبا‏،‏ وعرفت محكمة النقض الاستيقاف بأنه إجراء بمقتضاه يحق لرجل السلطة العامة ان يوقف الشخص ليسأله عن هويته وعن حرفته ومحل إقامته ووجهته اذا اقتضي الحال علي أساس أن له مسوغا‏،‏ واستندت محكمة النقض الي هذا التعريف في التمييز بين الاستيقاف والقبض واعتبار الاستيقاف غير المشروع قبضا باطلا لا يستند إلى أساس وينسحب هذا البطلان إلى تفتيش المتهم وما أسفر عنه من العثور علي المادة المخدرة‏،‏ لان ما بني علي الباطل باطل‏. وفي صدد المرض العقلي الذي تنعدم به المسئولية الجنائية طبقا لنص المادة 62‏ من قانون العقوبات هو ذلك المرض الذي من شأنه أن يعدم الشعور أو الإدراك‏،‏ أما سائر الامراض والاحوال النفسية التي لا تفقد الشخص شعوره أو إدراكه فلا تعد سببا لانعدام المسئولية‏. وفي صدد تعريف الاستيلاء علي مال الدولة المنصوص عليه في المادة 113‏ عقوبات عرفته محكمة النقض بأنه يقتضي وجود المال في ملك الدولة عنصرا من عناصر ذمتها المالية‏،‏ ثم قيام موظف عام‏-‏ أو من في حكمه‏-‏ بانتزاعه منها خلسة او حيلة او عنوة. وعرفت محكمة النقض المقصود بالحكمين المتناقضين وفقا للفقرة الثانية من المادة 441‏ إجراءات لقبول طلب إعادة النظر في الحكم النهائي الصادر بالعقوبة‏،‏ بأنه ينصرف إلى الحالة التي تكون فيها حجية أحد الحكمين تتناقض مع حجية الحكم الآخر أو تهدرها فلا يتفق أساس ادانة كل من المحكوم عليه مع اساس ادانة الاخر‏،‏ ولا يستقيم في حكم العقل والمنطق قيام الحكمين معا‏.‏

وعرفت محكمة النقض المقصود بالاهانة التي توجه الي موظف عمومي أثناء تأدية وظيفته او بسبب تأديتها المؤثمة بالمادة 134‏ عقوبات ينصرف إذا تعمد الجاني توجيه العبارات الي المجني عليه مباشرة‏،‏ فإذا وجهت الي إدارة تابعة له لا تتوافر أركان جريمة الإهانة. وعرفت محكمة النقض الرهن الذي قصده الشارع في جريمة خيانة الامانة بأنه الرهن الحيازي دون الرهن الرسمي. وعرفت محكمة النقض الاجراءات الجنائية التي لا يجوز اتخاذها قبل عضو مجلس الشعب الا بعد استئذان المجلس بأنها اجراءات التحقيق الماسة بشخص عضو مجلس الشعب كتكليفه بالحضور أو استجوابه أو إصدار أمر بضبطه واحضاره أو حبسه أو تفتيش شخصه أو مسكنه أو إقامة الدعوي ضده أمام المحكمة الجنائية‏،‏ أما غير ذلك من إجراءات التحقيق غير الماسة بشخص عضو المجلس كسماع الشهود واجراء المعاينات وندب الخبراء وغيرها والتحقيق دون قيد مشابه مع متهمين آخرين لا يلزم للتحقيق معهم إذن فلجهة التحقيق ان تجريها دون انتظار لإذن المجلس‏،‏ وأنه لا محل‏-‏ من بعد‏-‏ لاعمال حكم الفقرة الثانية من المادة التاسعة من قانون الاجراءات الجنائية التي جري نصها علي أنه‏:‏ "وفي جميع الأحوال التي يشترط القانون فيها لرفع الدعوي الجنائية تقديم شكوي أو الحصول علي إذن أو طلب من المجني عليه أو غيره لا يجوز اتخاذ إجراءات التحقيق فيها إلا بعد تقديم هذه الشكوى أو الحصول علي هذا الإذن أو الطلب‏.." فحرمت اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق‏،‏ ولو لم يكن ماسا بشخص المتهم أو مسكنه إذا لم يكن هناك إذن‏،‏ ذلك أن نص هذه الفقرة الأخيرة ورد بشأن الإذن الذي يستلزمه قانون من القوانين‏،‏ فخرج بذلك الاذن الوارد بالمادة ‏99‏ من الدستور من إطارها‏-‏ إذ لا يجوز تقييدها بموجب تشريع أدني وكان تحت نظر المشرع الدستوري عند صياغة المادة المشار بيانها‏،‏ ولو كان يرى هذا الرأي لنص عليه صراحة‏.


خاتمة






هذه بعض نظرات علي قضاء محكمة النقض لضمان حسن تطبيق القانون، لقد عملت هذه المحكمة علي تأكيد سيادة القانون من خلال استخلاص معناه الحقيقي وصولا لاستخدام رقابتها من اجل العمل علي توحيد كلمة القانون‏. وقد ساهمت محكمة النقض عبر قضائها المستنير في تحقيق الأمن القانوني‏،‏ لأن اختلاف المحاكم في تطبيق القانون من شأنه ان يؤدي الي تعدد معناه واختلاف الناس في تفسيره‏. وهذا الأمر يؤثر في الأمن القانوني بما يزعزع سيادة القانون ويخل بمبدأ المساواة امام القانون‏. ولهذا حرصت محكمة النقض علي منع هذا الاختلاف‏،‏ وتحقيق الاستقرار في تحديد معني القانون لضمان سلامة تطبيقه‏.

ولكننا نلاحظ أن محكمة النقض رغم الاعباء الجسام التي تتحملها لضمان حسن تطبيق القانون مازالت تؤدي دورها عبر توافر شرط المصلحة في الطعن لدي أحد الخصوم‏،‏ وكم كنا وما زلنا نأمل ان ينفتح طريق الطعن بالنقض الجنائي لمصلحة القانون ضد الاعمال القضائية والقرارات او الاحكام المخالفة للقانون وذلك بناء علي طلب النائب العام حتي لا يتأذي القانون بسوء تطبيقه بما يسيء للعدالة‏.‏

ومن ناحية أخرى، أليس أمرا عجبا أن نرى حكما قضائيا مخالفا للقانون‏،‏ ثم يسمح القانون بعد ذلك ان ينتج هذا الحكم أثاره دون إصلاح الخطأ القانوني بدعوي انطباق نظرية العقوبة المبررة؟‏!‏

إن محكمة النقض بما تملكه من سمو موقعها في مراقبة حسن تطبيق القانون قادرة علي كشف ما يعتور التشريع في بعض الاحوال من عيوب تتبدى عند تطبيقه. ولهذا نأمل أن يصدر تقرير سنوي من محكمة النقض حول نشاط المحكمة وملاحظاتها عند فحص الطعون،‏ وما ترى إدخاله من تحسينات لمعالجة الصعوبات التي تقابلها‏،‏ ومنها ظاهرة ازدياد الطعون الجنائية وتأخر الفصل فيها‏،‏ بالإضافة إلى هيكل محكمة النقض بما يتطلبه من تحديث وتطوير لضمان فاعلية أسلوب العمل فيها‏ واقتراح ما تراه من تعديلات للقوانين لمعالجة بعض العيوب التشريعية التي تلاحظها‏.‏

ونقر بأن محكمة النقض كان لها دور محمود في توجيه المشرع نحو تعديل بعض نصوص قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية وتقنين للمباديء الرفيعة التي أرستها هذه المحكمة‏. وإذا كان لنا في العيد الماسي لمحكمة النقض أن ننظر بإعجاب وتقدير كبيرين للإنجازات الضخمة التي أنجزتها المحكمة في مقام العمل علي حسن تطبيق القانون وتوحيد كلمته‏، فإننا في ذات الوقت نسجل أن هذه المحكمة هي الحصن الامين للحقوق والحريات‏،‏ فبفضل استجلاء معاني القانون وتوحيد كلمته ارتفعت سيادة القانون وتوحدت قيم المشروعية والأمن القانوني. ولا أدل علي ذلك مما سطرته محكمة النقض بحروف من نور من أنه لا يضير العدالة إفلات مجرم من العقاب بقدر ما يضيرها الافتئات علي حريات الناس والقبض عليهم بدون وجه حق.


مكتب / محمد جابرعيسى المحامى

















































































تعليقات
ما لا يبيحه الدفاع الشرعي


مادة 248-249



المادة 248



لا يبيح حق الدفاع الشرعي مقاومة أحد مأموري الضبط أثناء قيامة بأمر بناء على واجبات وظيفته مع حسن النية ولو تخطي هذا المأمور حدود وظيفته إلا إذا خيف أن ينشأ عن أفعاله موت أو جروح بالغة وكان لهذا الخوف سبباً معقول .



المادة 249



حق الدفاع الشرعي عن النفس لا يجوز أن يبيح القتل العمد إلا إذا كان مقصوداً به دفع أحد الأمور الآتية.



أولا :- فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة.



ثانيا :- إتيان امرأة كرها أو هتك عرض إنسان بالقوة.



ثالثا :- اختطاف إنسان



مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




تعليقات
تعدي حدود الدفاع الشرعي


مادة 251



- لا يعفي من العقاب بالكلية من تعدي بنية سليمة حدود حق الدفاع الشرعي أثناء استعماله إياه دون أن يكون قاصداً إحداث ضرر أشد مما يستلزمه هذا الدفاع ،ومع ذلك يجوز للقاضي إذا كان الفعل جناية أن يعده معذورا إذا رأي لذلك محلا وأن يحكم عليه بالحبس بدلا من العقوبة المقررة فى القانون



مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




تعليقات
توقيت الدفاع الشرعي وأحكامه المرتبطة بزمن الدفاع الشرعي


مادة 245-246-247



المادة 245



لا عقوبة مطلقاً على من قتل غيره أو أصابه بجراح أو ضربه أثناء استعماله حق الدفاع الشرعي عن نفسه أو ماله أو عن نفس غيره أو ماله وقد بينت ف المواد الآتية الظروف التي ينشأ عنها هذا الحق والقيود التي يرتبط بها.



المادة 246



حق الدفاع الشرعي عن النفس يبيح للشخص إلا فى الأحوال الاستثنائية المبينة بعد استعمال القوة اللازمة لدفع كل فعل يعتبر جريمة على النفس منصوصاً عليها فى هذا القانون.



وحق الدفاع الشرعي عن المال يبيح استعمال القوة لرد أي فعل يعتبر جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى الأبواب الثاني والثامن والثالث عشر والرابع عشر من هذا الكتاب وفى الفقرة 4 من المادة 279.



المادة 247



وليس لهذا الحق وجود متى كان من الممكن الركون فى الوقت المناسب إلى الاحتماء برجال السلطة العمومية





--------------------------------------------------------------------------------

مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




تعليقات
الدفاع الشرعى




ما هو الدفاع الشرعى وكيف يكون لك الحق فى استعماله

دون ان تسأل جنائيأ وحدود الدفاع الشرعى ووقت اسعماله

____________________________



تعريفه

الدفاع الشرعى هو حق عام يعطى صاحبه استعمال القوة الضروريه لدفع كل عدوان على النفس او المال

_______________________________-



متى يسمح لك بالدفاع الشرعى اى ما هيه شروطه



_1_

وقوع اعتداء بفعل يعد جريمه



فيجب ان يكون الفعل الذى يهدد حياتك يعتبر جريمه وهذا الشرط اساسى لتبرير اى شكل من اشكال الدفاع عن نفسك لكن هناك ملحوظه هامه لايعتبر دفاع شرعى فى بعض الاعمال المباحه مثل الاب عند عقابه لابنه فهنا لا ينشئ لابن الحق فى الدفاع الشرعى



_2_

لا دفاع شرعى فى مواجهه مأمورى الضبط اثناء قيامه بواجبات وظيفته فالدفاع الشرعى لايجوز عن به مواجهه الشرطه الا اذا تطور الامر بفعل يعد جريمه دون ان يكون حسن النيه

_3_

ينشا حق الدفاع الشرعى فى مواجه المعتدى ولو كان غير مسئول جنائيأ مثل مواجه الاعتداء من مجنون او طفل غير مميز فهنا ايضا ينشأ لك حق الدفاع الشرعى

_4_

ينشا حق الدفاع الشرعى اذا كان المعتدى البادئ بالعدوان يتمتع بعذر قانونى مثال عند مفاجاة الزوج لزوجته فى حاله الزنا هنا ايضا يجوز للزوجه ومن كانت معه استعمال الحق فى الدفاع الشرعى على الرغم من ان الزوج يتمتع بعذر قانونى



( الخطر الوهمى )



يحدت ان يظن الانسان ان هناك خطر يهدد فيلجأ للدفاع الشرعى ويتضح بعد ذلك انه كان موهوم لكن الفقه استقر ان يرجع ذلك الى تقدير ظروف كل حاله على حدى وتختص المحكمه بتقدير ذلك



___________________________



انواع الجرائم التى يجوز فيها الدفاع الشرعى



_1_



جرائم الاعتداء على النفس



مادة 246 من قانون العقوبات تبيح كلك شخص الحق فى استعمال القوة الازمه لدفع كل فعل يعتبر جريمه على النفس

كالقتل والجرح او الضرب الذى يفضى الى عاهه مستديمه او الاختطاف وما يمثل الاعتداء على العرض كهتك العرض والاغتصاب



_2 _



جرائم الاعتداء على المال



وهنا لم يخص الشارع بالدفاع الشرعى على النفس فقط بل اضاف اليها المااااال وهى وردت على سبيل الحصر



أ- جرائم الحرق العمد ب _ جرائم السرقه ج_ جرائم التخريب والاتلاف



د_ جرائم انتهاك حرمه ملك الغير ر_ جرائم الدخول على الاراضى الزراعيه المهيأة للزراعه او مبذور فيها زرع او بها بهائم او دواب وتلك الحالات تكون تقديرة للمحكمه



_____________________________



ضرورة استعمال القوة لرد الاعتداء مـــــــــــــتى



_1_



يجب ان يكون الاعتداء حالا



يجب ان يكون حالا او وشيك الوقوع حتى يكون استعمال القوة ضرورى فاذا لم يكن حالا او وشيك الوقوع لا ينشا حق الدفاع الشرعى



واذا وقع الاعتداء وانتهى فلا ينشأ حق الدفاع الشرعى واذا دافع عن نفسه بعد انتهاء الفعل يعتر ما قام به عدوان وليس دفاع شرعى

لان القانو حددة بشرطين هو ان يكون حالا او وشيك الوقوع ولا محل للدفاع الشرعى اذا فر الجانى وترك المسروقات او هرب بعد ان قام بحرق اى شئ



_2_



اتجاة فعل الدفاع الى مصدر الخطر يجب ان يوجه المعتدى عليه دفاعه اللى الشخص الذى يسبب له الخطر وليس الى اى شخص اخر

_3_



استعمال القوة هى الوسيله الوحيدة لدفع العدوان اى يكون المعتدى عليه لم يجد اى وسيله اخرى لدفع العدوان الا باستعمال القوة فاذا امكن له دفع الضرر باى وسبله اخرى لا ينشا بحقه الدفاع الشرعى مثال اذا وجه تهديد لشخص بالقتل فهنا يمكن لهذا الشخص

الاتصال بالسلطات ولا ينشا له الدفاع الشرعى



__________________________



حدود استعمال الدفاع الشرعى



_1_



تناسب القوة المستعمله مع جسامه الاعتداء

اى لا تكون القوى التى ديفع بها العدوان اكبر من القدر الازم وتلك مشكله تترك لقاضى الموضوع مثال لو طفل صغير يريد ان يضرب رجل كبير فاستعمل الرجل سلاح نارى فهنا لا ينشأ الدفاعه الشرعى



_2 _



القتل

حالات القتل للدفاع عن النفس وهى الحالات التى يجوز فيها القتل للدفاع عن النفس



اولا



فعلا يتحوف منه الموت او يحدث منه جراح قاتله



ثانيا



اتيان امراة كرهأ او هتك عرض انسان بالقوة

ثالثا

اختطاف انسان



رابعا

الدخول ليلا لمنزل مسكون قاصد ارتكاب جريمه فهنا اباح القانون القتل واستلزم القانون ان يكون الدخول ليلا وبوسيله غير مشورعه



__________________________



شروط المدافع عن نفسه واستعماله الدفاع الشرعى



_1_



يجب ان يكون حسن النيه فذا لم يكن حسن النيه اعتبر خارج عن القانون وتقدير حسن النيه او سوء النيه امر متروك للمحكمه

فلابد ان يكون الشخص حقيقتأ فى موقف دفاع عن نفسه



___________________________



عذر تجاوز الدفاع الشرعى



ارادالمشرع تخفيف على من توافر له حق الدفاع الشرعى ولكنه تجاوز ذلك الحد بحسن نيه فهنا لا يعفى من العقاب كليأ لكن اجاز تخفيف العقاب وفق تقدير قاضى الموضوع



مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




تعليقات
الدفاع الشرعي




المحامي حيدر البصري



تمهيد



إن الآلية التي تسير وفقها عجلة الحياة الاجتماعية في المجتمعات البشرية تختلف في طبيعتها عن تلك التي تسير وفقها عجلة الحياة في غيرها من التجمعات.



فالأمر المسلم أن غير الإنسان من مخلوقات الله تعالى تحكم القوة حياته وعلاقاته. وهو عين المنطق الذي كان يحكم المجتمعات البشرية إبان الحياة البدائية للإنسان، الذي تنبه الإنسان بحكم التطور الذي حصل في تفكيره إلى خطأ هذا الأسلوب الفادح في إدارة الحياة البشرية مما ألجأه إلى منطق آخر، وآلية مختلفة تماماً عن آلية الحياة البدائية ـ أو منطق القوة ـ ومن هنا برز لنا القانون ودوره في الحياة الاجتماعية.



ونحن هنا لا نرمي من هذا الكلام الخوض في موضوع نشوء القانون والحاجة إليه. وانما الذي يهمنا هو أن هناك اعتبارات تضطر الإنسان للرجوع إلى منطق القوة في سبيل حماية البعض مما يستحق الحماية من قبيل الأنفس والأموال والأعراض. وذلك حين يتعذر اللجوء إلى القانون والاحتماء به لأجل حمايتها.



فهل يعد اللجوء لهذا المنطق ـ منطق القوة ـ الاستثنائي أمرا كيفياً يعود تقديره إلى ذات الشخص ودوزانا تحكمه ضوابط معينة أم أن هناك شروطا حددتها التقنيات ـ إلهية كانت أم أرضية ـ بحيث لا يتسنى للإنسان اللجوء إلى ذلك المنطق ما لم تتوفر؟ هذا ما سنتناوله في هذه الدراسة الموجزة.



تعريف الدفاع الشرعي



يمكن تعريف الدفاع الشرعي بأنه: (حق يتمكن الإنسان من خلاله الدفاع عن نفسه، أو ماله، أو عرضه بنفسه حين يتعذر عليه اللجوء إلى القانون الذي من شأنه حماية حقه).



طبيعة حق الدفاع الشرعي



هناك أمر مهم يجب أن يعرف وهو طبيعة هذا الحق فهل هو حق طبيعي للإنسان يوجد مع وجود الإنسان وليس للقانون دور في الأمر سوى حماية هذا الحق، أم هو حق مكتسب أي أن القوانين هي التي أعطت الإنسان هذا الحق.



إن القول بالأمر الثاني ـ كون الدفاع الشرعي حقاً مكتسباً ـ يعني أن الفرد يتمتع بهذا الحق ما دام القانون يخوله ذلك، أما حين يسلب منه القانون ذلك الحق فانه سيفتقد له، ولكن هل أن هذا القول مطابق للعقل أم انه مما يخالف العقل والوجدان؟



إن التدقيق والتأمل من قبل الإنسان ـ وبغض النظر عن مستواه العلمي والثقافي ـ سيقوده إلى حتمية خطأ هذا القول. كما أن الواقع يقول بغير هذا تماما.



فالكل يدرك بالوجدان بان الإنسان وبمجرد إحساسه بوجود خطر ـ عليه أو على عرضه أو ماله ـ يتحرك بتأثير دافع داخلي نحو الوقوف بوجه ذلك الخطر وصده، وهذا الأمر لا يختص به الإنسان الذي يعيش في كنف القانون، بل حتى ذلك الإعرابي الذي يقطن في بطن الصحراء، أو الذي يعيش في ظلمات الغابات.



بل يجد الإنسان أن هذا الذي يعيش بعيداً عن ظل القوانين أميل إلى ذلك، ولو كان هذا الحق ـ حق الدفاع الشرعي ـ حقاً منح للإنسان من قبل القوانين لكان الذي لا يخضع لسلطان القانون فاقداً لهذا الحق، بل ولا يعرف شيئاً عنه.



ثم أن هذا الأمر مما جبلت عليه الطبيعة الإنسانية من لدن أول مخلوق ولا يمكن سلب هذا الأمر عن النفوس.



إذن فالدفاع الشرعي حق طبيعي وجد مع الإنسان وليس للقوانين دور فيه سوى حماية هذا الحق.



أقسام الدفاع الشرعي



1ـ الدفاع الشرعي بالنسبة للأفراد: وهو الحق الذي يملكه كل فرد ـ على حدة ـ في الدفاع عن نفسه أو ماله أو عرضه وهذا الحق حق شخصي.



2ـ الدفاع الشرعي بالنسبة للدول: كما أن المجتمع يتكون من أفراد يمتلك كل فرد حقه في الدفاع عن ما يخصه من النفس أو العرض أو المال، فان المجتمع الدولي يتكون بدوره من أفراد، وأفراد هذا المجتمع هي الدول، وهذه الدول تمتلك بدورها حقاً في الدفاع عن كيانها، ورعاياها حين يتعذر اللجوء إلى القانون الدولي لصد الأخطار التي تداهمها.



شروط الدفاع الشرعي



1ـ أن يكون الخطر حقيقياً: فلا يكفي لاستخدام حق الدفاع الشرعي مجرد احتمال الخطر كأن يسحب الطرف المقابل سكيناً أو آلة حادة أو مسدساً فان مجرد سحب هذه الأمور لا يكفي في التيقن بكون هذا الطرف ينوي الاعتداء على النفس أو غيرها فهناك احتمالات كثيرة يمكن أن يفسر بها عمل كهذا.



2ـ أن يكون الخطر حالاً: أي انه بعد التيقن بحقيقة الخطر المقابل، يكون قد شرع بذلك المتيقن.



3ـ أن يستحيل اللجوء إلى حماية السلطات لدفع الخطر: فلو كان هناك إمكانية للالتجاء إلى السلطات والاحتماء بها لم يكن للإنسان الذي يقابل الخطر أن يلجأ إلى استخدام حقه في الدفاع الشرعي.



*ـ أن يتناسب الدفاع مع الخطر المواجه: فلا يمكن القول بان الإنسان الذي يقتل بالمسدس آخر يريد سرقة بعض المال منه قد استعمل حقه في الدفاع الشرعي وذلك لعدم تناسب وسيلة الدفاع مع الخطر المحدق.



التدرج في استعمال الدفاع الشرعي



إن الدفاع الشرعي ـ بحسب القانون ـ لم يقر إلا بمقدار كونه سلطة وقائية للإنسان يتمكن من خلالها اتقاء الخطر ودفعه حفظاً للمعصوم من نفس أو عرض أو مال، بناءاً على ذلك ـ كون الدفاع للدفع حسب ـ هل يحق للمدافع أن يقصد القتل.



لا يوجد قائل بان للمدافع الحق في أن يقصد القتل عند ممارسته حقه في الدفاع الشرعي، وذلك أن الدفاع الشرعي إنما هو سلطة وقائية لا غير كما تقدم ذكره، ولذلك يجب على المدافع مراعاة التدرج عند استخدامه لهذا الحق.



(فقد اتفق الفقهاء من الامامية، والشافعية، والمالكية، والحنابلة، والظاهرية، والزيدية على أن الدفاع يقصد لمنع العدوان ودرء الأذى، ولو أدى إلى القتل. ولهذا ليس للمدافع أن يباشر القتل، أو يـــقصده ابتداءاً بحجــــة الدفاع، لأنه ملزم بمراعات التدرج، ولكنـــه يملك حق الــــدفاع، ولـــــو أدى إلى قتل المعتدي إذا توقف الدفاع عليه)(1).



(ولابد من التأكيد على أن الجميع متفقون على وجوب مراعاة الترتيب في مقام الدفاع، بحيث لو كان في الإمكان دفع المعتدي باليد أو العصا لا يسوغ دفعه بالسلاح القاتل المؤدي إلى جرحه أو قتله، ولو تجاوز فكسر عضواً من اعضائه، أو جنى على حياته يكون ضامناً ومسؤولا عن جنايته، كما أن المعتدي إذا فر فليس لمن كان هدفاً لعدوانه أن يتبعه، وإذا ضربه فقطع يمينه وولى مدبراً، فضربه وقطع رجله أو أحد أعضائه يكون مسؤولاً وضامناً لجنايته، لأنه قد تجاوز حقه)(2).



الدفاع الشرعي بالنسبة للأشخاص الدوليين



كان ما تقدم من البحث هو حول الدفاع الشرعي بالنسبة للأفراد، وهنا نخوض في موضوع الدفاع الشرعي من القسم الثاني ـ الدفاع بالنسبة للدول ـ هو موضوع على قدر كبير من الأهمية، وذلك أن الخطر الذي يتهدد الدول اكبر بكثير من ذلك الذي يتهدد الفرد، ولذا يجب أن يعطى موضوع الدفاع الشرعي بالنسبة للدول أهمية فائقة، إن موضوع الاعتداء على الدول وتهديد كياناتها بالسلاح والقوة كان على اوجه في القرون المتقدمة فكان أمر الدفاع الشرعي ومعالجته لا يختلفان كثيراً عن موضوع الدفاع الشرعي بالنسبة للأفراد ومعالجته.



أما اليوم فقد اتخذ الخطر المتوجه نحو الدول من قبل الدول الأخرى طابعاً آخر مما قاد إلى أن يتخذ الموضوع طابعاً من التعقيد في المعالجة. فقديماً كان الخطر الذي يواجه كيان الدول هو الاستعمار والاحتلال بالقوة المسلحة، أما اليوم فان الخطر الذي يتهدد الدول وكيانها هو سلب الإرادة والاختيار والقدرة على اتخاذ القرار، وهذا لا يختلف في الحقيقة عن ذلك الخطر الذي يتوسل إلى مآربه بالقوة المسلحة، فسلب الإرادة، والاختيار، والحرية في اتخاذ القرار، هو ـ في الحقيقة ـ إ**اء، فالرق لا يختلف في الحقيقة عن الموت وال**اء.



والحرب التي كانت تشن بالسلاح في سبيل السيطرة على ثروات البلدان ونهبها، قد اختلفت طبيعتها اليوم، إذ صارت الهيمنة الاقتصادية هي البديل الذي تلتجئ إليه الدول من خلال السيطرة على التجارة العالمية، وامتلاك زمام أمورها. كما صار انتهاك الأعراف والاعتداء عليها يتوسل إليه بنشر الثقافات الإباحية.



فقد (أكدت الأمم المتحدة، شرعية كفاح الشعوب في سبيل التحرر من السيطرة الاستعمارية، والأجنبية، والقهر الأجنبي بكافة الوسائل المتاحة بما في ذلك الكفاح المسلح، كما ورد في قرار الجمعية العامة رقم 32*6 (الدورة 29 بتاريخ 29 تشرين الثاني ـ نوفمبر 197*).



وورد في هذا القرار أيضاً:



(إن الجمعية العامة إذ تشعر بالسخط إزاء القمع المستمر والمعاملة اللا إنسانية، والحاطة بالكرامة التي تفرض على الشعوب التي لا تزال واقعة تحت السيطرة الاستعمارية والأجنبية والقهر الأجنبي) (3).



علاوة على حق الدول في الدفاع عن كيانها ضد الاعتداء الموجه ضدها، وضع القانون الدولي حق الدول في تقرير مصيرها موضع الاهتمام.



فقد اتفق خبراء القانون الدولي على:



(1ـ أن تقرير المصير حق قانوني في القانون الدولي الوضعي، وهكذا فانه ليس مسألة من اختصاص القانون الداخلي لدولة ما بل انه شأن عالمي دولي.



2ـ أن الشعوب بفضل حقها في تقرير مصيرها، يجب أن تقرر بحرية وضعها السياسي، وتنشد بحرية تنمية حياتها الاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية)(*).



هذا بالنسبة للاعتداءات التي تشبه في طبيعتها الاعتداءات التي تهدد الفرد، أما الاعتداءات التي أشرنا إليها آنفاً والتي كانت وليدة التطور العلمي، والتي لجأت إليها بعض الدول تحت غطاء الديمقراطية لتهيمن على دول أخرى دون أن تثير الحساسية والفعل المضاد اللتين يولدهما الاعتداء بالقوة. فانه يتوجب على الدول التنبيه إلى هذا الأسلوب الديمقراطي الشكل الذي يحمل بين طياته الطمع والحقد في الهيمنة والسيطرة على الشعوب وثرواتها وقرارها.



وهناك جزء من المسؤولية يقع على عاتق القانون الدولي أيضاً الذي يجب أن تبقى قواعده ـ مـــن حيث تشريعها ـ بعيدة عن الخضوع إلى الدول التي تروم السيطرة على العالم. فالقانون يجب أن يشرع القواعــد التي تحد من خطر الدول التي تحمل أطماعا في السيطرة على العالــم اجمع، بأسلوب حديث مغطى بغطاء الديمقراطية.



الخلط المقصود بين الدفاع الشرعي والإرهاب



من المعلوم أن وسائل الإعلام يخضع اغلبها إلى سيطرة وتوجيه البعض من الجهات التي تحمل للعالم حقداً وأطماعا دفينين، فهذه الجهات قامت بتوجيه وسائل الإعلام الخاضعة لسيطرتها للإقدام على خلط الأوراق المتعمد لإظهار صورة الممارس لحقه في الدفاع الشرعي بصورة الإرهابي كي تشوه صورته أمام العالم في حين يظهر المحتل المعتدي في صورة المدافع عن حقه الشرعي.



إن قيام الجهات المعتدية بالقتل والتهجير والتشريد للأبرياء لا يعد عملاً إرهابيا في نظر هؤلاء، في حين يعد قتل المالك الأصلي لمن يقوم بتدنيس أرضه ومقدساته هو العمل الإرهابي.



الدفاع الشرعي بالنسبة للاقليات



يتفرع على الدفاع الشرعي بالنسبة للدول، فرع من فروع الدفاع الشرعي الا وهو الدفاع الشرعي بالنسبة للاقليات وهي التجمعات التي تحمل هوية واحدة، وتنضوي تحت ظل دولة معينة، فهل لهذه الاقليات حقها في الدفاع الشرعي عن كيانها أم ليس لها حق في ذلك.



إن هذه التجمعات لا تختلف عن غيرها ـ من الأفراد والدول ـ في امتلاك هذا الحق ـ حق الحفاظ على هويتها ـ الذي أقرته كل من القوانين السماوية والأرضية معاً. فالدين الإسلامي كان يحترم هذه الاقليات، ويحترم هويتها، بل اكثر من ذلك جعل الدين الإسلامي اختلاف البشر إلى أمم هو الأساس الذي خلق الله الخلق على صورته فالقرآن الكريم يشير إلى هذه الحقيقة في قوله تعالى:



( وجعلناكم شعوباً وقبائل... ) (5).



أما القانون الدولي فهو اقر لتلك الاقــليات حقها في تقرير مصيرها والمحافظة على هويتها بشرط أهليتها لتقرير مصيرها ولكن ذلك يكون تحت إدارة السلطة المركزية للدولة التي يعيشون في كنفها.



(إن اصطلاح (شعب) ينطبق ـ كما هو متفق عليه عموماً ـ فقط على غالبية السكان المحددين إقليميا، أي الدول المستقلة، والمناطق غير المتمتعة بالحكم الذاتي، والمناطق الموضوعة تحت الوقاية... وهكذا فان أية منطقة يقطنها شعب مؤهل لممارسة تقرير المصير لها في القانون الدولي صفة منفصلة عن الدولة المستعمرة (بكسر الميم) والمحتلة، مهما كان الحال)(6).



أما الأقلية التي ليست لديها الأهلية لممارسة تقرير المصير فان القانون الدولي لم يعترف لها بذلك الحق (فتقرير المصير ليس حق الأقلية في هذه المناطق..) (7).



تجاوز حق الدفاع الشرعي



تقدم أن المبرر الذي دفع القوانين إلى الإشارة إلى حق الإنسان في الدفاع الشرعي هو (اتقاء الخطر، حفظاً للمعصوم من نفس أو عرض أو مال)(8).



كما أن القوانين ـ إلهية أو وضعية ـ إنما لجأت إلى تنظيم ضوابط وشروط هذا الحق كي لا يتسنى لكل إنسان أن يتعسف في استخدام هذا الحق، فيختل النظام القانوني.



فانه (لا يجوز التعسف في استعمال الحق، كما لا يجوز الفتوى والقضاء على طبق التعسف إذا كان التعسف يصل إلى الضرر الكثير في حق نفسه، ومطلق الضرر في حق الغير، وإلاّ جاز، إذ لا نص بالنسبة إلى لفظ (التعسف) وانما الميزان هو: ما ذكر في الشريعة من لفظ (لا ضرر ولا ضرار)) (9).



إذن فالشخص الذي لا يراعي الشروط اللازم توفرها لكي ينطبق عليه عنوان (الدفاع الشرعي) يكون ضامناً لكل شيء مما تجاوز فيه المقدار الذي يمكن أن يندفع به الخطر.



فعليه يقع واجب (اعتماد الأسهل، فلو اندفع الخصم بالصياح اقتصر عليه)(10) فلو ضرب المهاجم الذي يندفع بالصياح كان متعسفاً في استخدام حقه في الدفاع الشرعي، وكان عليه ضمان ما ينشأ نتيجة هذا الضرب وهكذا.



فحق الدفاع الشرعي هو أسلوب وقائي وتدبير احترازي نابع من داخل كل إنسان عليه أن لا يسيء استخدامه وإلا انقلب المدافع عادياً.

مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




تعليقات

باب موانع الميراث

وهي ثلاثة :

أحدها : اختلاف الدين ، فلا يرث أهل ملة أهل ملة أخرى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ولقوله صلى الله عليه وسلم : لا يتوارث أهل ملتين شتى والمرتد لا يورث أحداً وإن مات فماله فيء .

الثاني : الرق ، فلا يرث العبد أحداً ولا له مال يورث ، ومن كان بعضه حراً ورث وورث ، وحجب بقدر ما فيه من الحرية .

الثالث : القتل ، فلا يرث القاتل المقتول بغير حق وإن قتله بحق كالقتل حداً أو قصاصاً أو قتل العادل الباغي عليه فلا يمنع ميراثه .


















مكتب / محمد جابر عيسى المحامى

تعليقات

مكتب / محمد جابر عيسى المحامى
تعليقات