بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

28 أغسطس 2011

الفرق بين ((...)) و ((... )) في القانون المدني



1- التمييز بين الخلف الخاص والدائن.

-الخلف الخاص هو من يتلقى شيئاً سواء كان هذا الشيء حقاُ عينياُ كملكية عقار أو حقاً شخصياُ كحوالة الحق.

-أما الدائن فهو من يترتب له حق شخصي في الذمة المالية للمدين.

ففي الدين العلاقة هي علاقة مديونية وليست علاقة خلافة (فالمستأجر هو صاحب الحق شخصي مترتب له في ذمة

المؤجر – لا يعد خلفاً خاصاً للمؤجر بل هي علاقة مستأجر بمؤجر).

2-الفرق بين المتعهد عن الغير والكفيل.

-المتعهد عن الغير يكفل قيام التزام لم يوجد بعد في ذمة الغير دون أن يكفل تنفيذه .

-الكفيل يكفل تنفيذ التزام موجود دون أن يكفل إيجاده.

3- الفرق بين الوعد بعقد والتعهد عن الغير.

الوعد بعقد هو عقد وليس تصرفاً من تصرفات الإرادة المنفردة .فحتى ينشأ الوعد بعقد صحيحاً يجب أن تحدد

شروطه وأن تحدد مهلة قصوى لهذا الوعد .

وأن يتم تثبيت الوعد بعقد وفق الشروط الشكلية التي يحتاجها إبرام العقد النهائي.

-فالوعد بعقد هو عقد تمهيدي يمهد لعقد ثان هو العقد النهائي .

-أيضاً في الوعد بعقد لا تتغير أطرافه في العقدين المنفصلين, وإذا رفض الملتزم بموجب الوعد بعقد تنفيذ التزامه

استطاع المستفيد من إبرام العقد التقدم للقضاء وإلزامه بإبرام العقد النهائي.

-أما في التعهد عن الغير فتتغير أطرافه.

4-الفرق بين حجية العقد وبين أثره بالنسبة للغير

- حجية وجود العقد معناها أن العقد باعتباره تصرفاً قانونيا يحتج به في مواجهة الكافة فلا يجوز لأي شخص أن

ينكر وجود العقد.

- أما أثر العقد فمعناه أن يصبح الشخص بمقتضى العقد دائناً يمكنه أن يطالب بتنفيذ الالتزامات الناشئة عنه أو مديناً

يمكن مطالبته بتنفيذ تلك الالتزامات.

5-الفرق بين الاشتراط لمصحة الغير والتعاقد وكالة.

الوكيل لا يتعاقد شخصياً وإنما باسم الأصيل الذي يعد هو الطرف الأخر للعقد.

أما المشترط فيتعاقد باسمه وهو طرف في العقد

6-الفرق بين التفسير والتكييف بالنسبة للعقد.

يختلف التفسير عن التكييف بأن التفسير وسيلة لمعرفة إرادة الطرفين المتعاقدين

في حين يهدف التكييف لمعرفة طبيعة العقد والقواعد القانونية التي ستطبق عليه- فأساس التفسير هو الواقع أما

أساس التكييف فهو القانون

7- الفرق بين التفسير الذاتي و التفسير الموضوعي.

التفسير الذاتي يلزم القاضي بطريقة معينة في القانون دون تحقيق نتيجة معينة.

أما التفسير الموضوعي فلا يلزم القاضي بطريقة معينة بقدر مايملي عليه نتيجة معينة حيث أن القانون هو الذي يفسر

العقد وليس القاضي.

8-التمييز بين الحادث الطارئ و القوة القاهرة.

فإن كانا يشتركان بكون كلاهما أمر غير متوقع الحدوث عند التعاقد ولايُمكن دفعه إلا أنهما يفترقان بمايلي:

1- الحادث الطارئ لا يؤدي الى استحالة تنفيذ الالتزام بل جعله مرهقاً للمدين ولذا يكون الجزاء فيه هو رد الالتزام

الى الحد المقبول

أما القوة القاهرة فإنها تؤدي إلى استحالة تنفيذ الالتزام وانقضائه تبعاً لذلك.

2- الحادث الطارئ يجب أن يكون عاماً يشمل على الأقل فئة من الناس,أما القوة القاهرة فمن الممكن أن تكون

عامة أو خاصة.

3- الحادث الطارئ من متعلقات النظام العام فلا يجوز الإتفاق مسبقاً على استبعاد تطبيق نظرية الظروف الطارئة

في حين أنه يجوز للمتعاقدين الإتفاق على استبعاد القوة القاهرة.

9-التمييز في عقود التبرع بين ما يسمى بعقود الهبات وعقود التفضل.

1-عقود الهبات:هي عقود مجانية يلتزم بموجبها المتعاقد بإثراء الذمة المالية للأخر,كالهبة

2- عقود التفضل:هي عقود خدمة مجانية ,لايلتزم بموجبها المتعاقد بإثراء الذمة المالية للأخر ,وإنما بإسداء خدمة أو

منفعة,كإعارة شيئ للاستعمال دون مقابل .

10-الفرق بين التعبير الضمني والسكوتي.

التعبير الضمني :هو عمل تستخلص فيه الإرادة من ظروف إيجابية تدل عليها.

أما السكوت فلا يعبر عن ذاته بأي مظهر خارجي ,فهو أمر سلبي.

11-الفرق بين الإيجاب والدعوة للتفاوض.

1-إذا قبل الطرف الآخر الإيجاب ,فنكون عندئذ أمام إيجاب وقبول وينعقد العقد,ولايمكن التحلل منه بإرادة منفردة.

في حين لاتعد الدعوة للتفاوض إيجاباً,وإنما هي إبداء رغبة بالتعاقد,كإعلان شخص عن بيع منزله دون ذكر

الثمن,لذلك إذا رفض الشخص إبرام العقد بعد قبول الدعوة من قبل الطرف الآخر فلا يعد ذلك إخلالاً بالعقد لعدم

وجود العقد أصلاً.

2-الإيجاب يكون محدداً أما الدعوة للتفاوض فهي عامة وغير محددة.

12-المقارنة بين الوعد بالعقد و الإيجاب الملزم.

!وجه الشبه:يتفق الإيجاب الملزم مع الوعد بالعقد بأن كلاً منهما يقترن بمدة لإظهار الرغبة في التعاقد.

!وجه الخلاف:إلا أنهما يختلفان بأن الإيجاب الملزم هو تصرف من جانب واحد يلزم صاحبه(أي الموجب)استناداً

لإرادته المنفردة.

أما الوعد بالعقد فهو تصرف من جانبين, أي عقد حيث يتضمن إيجاباً وقبولاً.

13-الفرق بين العقد بعربون والعقد بدون عربون.

-إذا كانت النقطة المشتركة بينهما هي انعقاد العقد,فإن نقطة الخلاف هي أن العقد غير مقترن بعربون لا يستطيع أي

من الطرفين المتعاقدين أن يتحلل منه بإرادته المنفردة وإنما يحتاج إلى قبول الطرف الآخر .د

-أما في العقد المقترن بعربون فكل واحد من الطرفين المتعاقدين يستطيع أن يتحلل من العقد بإرادته المنفردة رغم

معارضة الطرف الآخر, ولكن مقابل خسارة العربون ,أما إذا رجع عن التزاماته الشخص الذي قبض العربون فإنه

يدفع الضعف.

14-التمييز بين النائب والرسول.

يعتبر دور النائب قانونياً باعتباره يعبر عن إرادته هو لا عن إرادة الأصيل.أما الرسول فدوره مادي بحت يقتصر

على نقل إرادة الأصيل دون أن يعبر عن إرادته الشخصية.وبالتالي فدوره لايزيد عن دور الخطاب أو البرقية أو

الشريط المسجل حيث أنه ما على الرسول إلا البلاغ.

15-التمييز بين النائب والعضو.

العضو هو جزء مكون للشخص الاعتباري فهو ليس شيئاً خارجاً عنه وقائماً بذاته كما هو حال النائب بالنسبة

للأصيل .

فالنائب يعبر عن إرادته هو لاعن إرادة الأصيل. أما العضو فهو الذي يعبر عن إرادة الشخص الاعتباري.

16-التمييز بين الغلط بالقانون ومبدأ عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون.

فيقصد بعدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون منع استبعاد تطبيق حكم القانون بحجة عدم العلم به.

أما التمسك بالغلط في القانون فيقصد به إعمال حكم القانون وليس استبعاد

17-التمييز بين التدليس والغش.

فإذا جاءت الخديعة سابقة لإبرام العقد أي أثناء تكوينه فتسمى تدليساً وتطبق أحكامه.

أما إذا كانت الخديعة مرافقة لتنفيذ العقد فلا تسمى تدليساً وإنما غشاً .

18-التمييز بين محل العقد ومحل الالتزام.

محل العقد هو الأثر القانوني الذي أراد الطرفان إحداثه نتيجة إبرام العقد أي هو الأثر المتوخى إحداثه

نتيجة اتفاق إرادتين كالبيع أو الآجار أو الرهن.

أما محل الالتزام فهو الأداء الملقى على عاتق الملتزم في العقد والذي جاء نتيجة إبرام العقد أي هو كل ما يلتزم به

المدين.

18- التمييز بين سبب الالتزام.و سبب العقد.

فسبب الالتزام هو الغرض المباشر الذي يهدف إليه الملتزم من وراء التزامه .

أما سبب العقد فهو الغرض الشخص البعيد الذي دفع المتعاقد للتعاقد.

19-التمييز بين المسؤولية العقدية والتنفيذ العيني.

التنفيذ العيني هو حق الدائن في إجبار مدينه على تنفيذ التزامه قضاءً إن لم ينفذه طوعاً.ولا تحكم المحكمة بالتنفيذ

العيني إلا بتوافر الشروط التالية: 1- أن يطلب الدائن من المحكمة الحكم على المدين بالتنفيذ العيني .

2-أن يكون هذا التنفيذ العيني ممكناً.

3-أن لا يؤدي التنفيذ العيني إلى إرهاق المدين أما لو كان مرهقاً فإنه بإمكان المدين أن يطلب من القضاء استبدال

التنفيذ

العيني بالتنفيذ عن طريق التعويض.

أما المسؤولية العقدية هي الجزاء المترتب على عدم تنفيذ المدين لالتزامه العقدي ويتمثل هذا الجزاء بالتعويض

المستحق للدائن جبراً للضرر الذي لحق به من جراء إخلال المدين في تنفيذ التزامه.

20-الفرق بين الفسخ والبطلان .

الفسخ كالبطلان يؤدي لزوال العقد دون تنفيذ ويختلفان في:

أن البطلان خلل رافق تكوين العقد .أما الفسخ فنحن أمام عقد صحيح ومنعقد ونافذ المفعول ويستطيع كل منهما أن

ينفذ العقد رضاءً أو قضاءً لكن أحدهما آثر عدم الاستمرار في تنفيذ العقد فتحلل منه.

21-التمييز بين فسخ العقد و انفساخه.

1-لا محل لاعذار المدين: لأن الاعذار لايتطلب إلا إذا كان التنفيذ ممكناً في حين أنه في انفساخ العقد يكون الالتزام

قد استحال تنفيذه.

2- كذلك لاوجه للرجوع على المدين بالتعويض:لأن استحالة التنفيذ ليست راجعة إلى خطئه بل إلى سبب أجنبي.

3-يقع الانفساخ في العقود الملزمة لجانبين والعقود الملزمة لجانب واحد,

- أما الفسخ فيقتصر على العقود الملزمة لجانب واحد.

22-التمييز بين تبعة هلاك الشيء وتبعة العقد.

- يراد بتبعة هلاك الشيء الخسارة التي تتمثل في ضياع قيمة الشيء بسبب هلاكه.

- أما تبعة العقد فيراد بها الخسارة التي تتمثل في انقضاء الالتزام لاستحالة تنفيذه.

23-التمييز بين الإرادة المنفردة و العقد الملزم لجانب واحد.

-العقد الملزم لجانب واحد لا ينشأ إلا بطابق إرادتي شخصين وإن كان لا يرتب التزاماً إلا في ذمة أحدهما فقط ولذا

فهو ثنائي من حيث انعقاده وأحادي من حيث آثاره.

-أما التصرف بالإرادة المنفردة فهو أحادي من حيث نشوءه ولذا يمكن تعريفه بأنه تصرف قانوني يرتب التزاماً في

ذمة شخص بالإرادة المنفردة لهذا الشخص .

!-فالإرادة المنفردة قد تكون سبب في كسب الحق العيني كالوكالة أو سبباً في انقضائه كالنزول عن حق الارتفاق أو

حق الرهن أو سبباً في بقاء الحق الشخصي كإجازة العقد القابل للإبطال أو كإقرار العقد الصادر من الغير أو سبباً

في زوال الرابطة التعاقدية كعزل الوكيل والنزول عن الوكالة أو سبباً في إسقاط الحق الشخصي كالإبراء.

24-أهمية التمييز بين المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية.

تنحصر أهمية التمييز بين هاتين المسؤوليتين في الأمور التالية:


1-الأهلية : فأهلية التمييز تكفي لقيام المسؤولية التقصيرية ,على حين أن كمال الأهلية لازم في أكثر العقود لنشوء

العقد ولتحقق المسؤولية العقدية.

2-الإعذار:فالإعذار كقاعدة عامة شرط لقيام المسؤولية العقدية و المطالبة بالتعويض ,أما في المسؤولية التقصيرية

فلا حاجة إلى إعذار.

3-شرط الإعفاء من المسؤولية:يجوز في الأصل الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية العقدية ,في حين أن مثل هذا

الاتفاق يقع باطلاً بالنسبة للمسؤولية التقصيرية.

4-مدى التعويض:ففي المسؤولية العقدية يكون التعويض عن الضرر المباشر المتوقع فقط دون الضرر غير المتوقع

باستثناء حالتي العمد والخطأ الجسيم.أما في المسؤولية التقصيرية فيكون التعويض عن الضرر المباشر المتوقع وغير

المتوقع.

5-التضامن:فالتضامن في حال تعدد المسؤولين تعاقدياً لا يفترض وإنما يكون بناء على اتفاق أو على نص في

القانون ,في حين أنه ثابت قانونا في حالة تعدد المسؤولين في المسؤولية التقصيرية.

6-التقادم:تتقادم المسؤولية العقدية بخمس عشر سنة ,أما المسؤولية التقصيرية فتتقادم بثلاث سنوات من يوم علم

المضرور بالضرر أو بخمس عشر سنة من وقوع العمل غير المشروع على حسب الأحوال.



25-الفرق بين الوعد بالجائزة والإيجاب الموجه للجمهور.

-تنشأ إرادة الواعد في الوعد بالجائزة دون الحاجة إلى صدور إي تعبير من شخص لأخر فلا ضرورة لوصولها إلى

علم المستفيد من الوعد


-أما الإيجاب الموجه إلى الجمهور فلا يتم إلا بوصوله إلى علم المخاطب.

26-الفرق بين مسؤولية الناقل بالمجان ومسؤولية الناقل بالأجرة.

-في النقل بالأجرة مسؤولية عقدية, أما النقل بالمجان مسؤولية تقصيرية.

27- الفرق بين النقل بالمجان و النقل بالأجرة في مجال الإثبات.

-في النقل بالأجرة يمكن للمضرور الحصول على تعويض بمجرد الضرر وعلاقة السببية.

-أما في النقل بالمجان حتى يتمكن المضرور من الحصول على تعويض فيجب عليه إثبات الضرر والخطأ وعلاقة

السببية.

28-الفرق بين حالة الضرورة والدفاع الشرعي .

1-الخطر الذي يهدد المدافع في الدفاع الشرعي يعتبر عملاً غير مشروع مما يؤدي لانعدام مسؤولية المدافع,

في حين لايعتبر كذلك في حالة الضرورة وإنما يؤدي إلى مسؤولية الفاعل مسؤولية مخففة.

2-إن المضرور في الدفاع الشرعي هو المعتدي مصدر الخطر , بينما يكون المضرور في حالة الضرورة شخصاُ

بريئاُ ليس له يد في الضرر.

29-الفرق بين رضاء المضرور بالضرر والعلم بالضرر مع مثال.

* رضا المضرور بالضرر من شأنه الإعفاء من مسؤولية المدعى عليه .

=فمن يشترك في إحدى الألعاب الرياضية الخطرة ,كالملاكمة يُعتبر قابلاُ بالضرر الذي قد يصيبه من خصمه ,


وبالتالي يعفي خصمه من المسؤولية. *

أما علم المضرور بالضرر فليس من شأنه الإعفاء من المسؤولية

=فمن يركب سيارة يعلم مسبقا بماقد يقع من حوادث ولكن لا يُعتبر قابلاُ لها وبالتالي لايعفى السائق من المسؤولية.

30-ما الفرق بين الضرر الأدبي الذي يصيب المتوفى نفسه قبل وفاته و الضرر الأدبي الذي يصيب ذوي المتوفى

من جراء وفاته.

-التعويض عن الضرر الأدبي الذي أصاب المتوفى نفسه

لاينصب مباشرة في ذمة المضرورين وإنما ينتقل إليهم عن طريق الميراث وذلك إذا تحدد بمقتضى اتفاق ,أو طالب

به المتوفى قبل وفاته أمام القضاء وهو يشمل الورثة.

-أما التعويض الضرر الأدبي الذي أصاب ذوي المتوفى ,فهو ينصب مباشرة في ذمتهم دون أية واسطة ويقتصر

على الأزواج والأقارب حتى الدرجة الثانية.

31-ما هي أوجه الشبه والاختلاف بين الضرر المستقبل والضرر الاحتمالي .

-يتشابهان في أن كلاُ منهما لم يقع

ويختلفان في أن الضرر المستقبل مؤكد الوقوع في المستقبل وبالتالي يتم التعويض عنه

-أما الضرر الاحتمالي فهو غير مؤكد الوقوع وبالتالي فلا تعويض عنه.

32-بما يختلف مسؤولية المتبوع عن مسؤولية متولي الرقابة.

-ففي مسؤولية متولي الرقابة تكون الرقابة عامة وليست لحساب المتبوع ومصلحته.

-أما في مسؤولية المتبوع فيجب أن تكون الرقابة في عمل معين يقوم به التابع لحساب المتبوع ومصلحته.




33-قارن بين خصائص دعوى الإثراء بلا سبب في القانون المدني السوري وخصائصها في القانون المدني الفرنسي

- اعتبر القانون المدني الفرنسي دعوى الإثراء بلا سبب دعوى احتياطية لايحق للدائن اللجوء إليها إلا إذا لم يخوله

القانون أي دعوى أخرى. كما اشترط أن يكون الإثراء قائماً وقت رفع الدعوى .

-أما القانون المدني السوري فلم يجعل دعوى الإثراء بلا سبب دعوى احتياطية إذ يمكن اللجوء إليها في هذا القانون

ولو كان هناك دعوى أخرى يمكن اللجوء إليها,كما أنه يشترط أن لم يكون الإثراء قائماً وقت رفع الدعوى .لأن

مصدر الالتزام بالتعويض هو واقعة الإثراء ولا أثر لزوال الإثراء بعد ذلك.

34-التمييز بين الفضالة والإثراء بلا سبب.

-تلتقي الفضالة مع الإثراء بلا سبب كونها تعتبر تطبيقاً خاصاً للقاعدة العامة في الإثراء بلا سبب

حيث أن الفضولي يهدف لتحقيق منفعة رب العمل دون أن يوجد سبب لإثراء هذا الأخير .

ويختلفان بأنه لايُشترط في الإثراء أن يقصد المفتقر إثراء الغير في حين أننا نشترط في الفضالة أن يعمل الفضولي

لتحقيق مصلحة رب العمل.

إن المفتقر في الإثراء بلا سبب لا يستطيع الحصول على تعويض يفوق الإثراء الذي حصل عليه و إنما فقط في

حدود أقل قيمتي الإثراء والافتقار

أما الفضولي فيحصل على تعويض يتناسب مع المصاريف الضرورية أو النافعة التي أنفقها ومع الضرر الذي وقع

عليه بسبب تدخله لصالح غيره ولو لم تتحقق النتيجة المرجوة من هذا التدخل.

35-التمييز بين الفضالة والاشتراط لمصلحة الغير.

تتشابه الفضالة مع الاشتراط لمصلحة الغير في أن كليهما يكسب الغير حقوقاً دون تدخل من جانبه.

ويختلفان :في أن الفضالة تبنى على أساس فكرة النيابة ,في حين أن الاشتراط لمصلحة الغير يكسب المنتفع حقاً

مباشراً تجاه المتعهد نتيجة التصرف المبرم بين هذا الأخير والمشترط دون أن ينطوي الأمر على نيابة

36-التمييز بين المسؤولية التعاقدية والمسؤولية التقصيرية.

تنقسم المسؤولية إلى مسؤولية عقدية وتقصيرية وتحقق المسؤولية العقدية إذا امتنع المدين من تنفيذ التزامه العقدي أو

نفذه على وجه معيب ألحق ضرراً بالدائن.

مثال: إصابة الراكب أثناء نقله بوسيلة نقل كسيارة أو قطار تستوجب مسؤولية الناقل مسؤولية عقدية لإخلاله بالالتزام

الذي يفرضه عقد النقل بسلامة الركاب .

-أما المسؤولية التقصيرية فتتحقق إذا أخل شخص بما يفرضه عقد القانون من الالتزام بعدم الإضرار بالغير .

وتمثل المسؤولية التقصيرية الأصل العام في المسؤولية نظراً لعموم تطبيقها واتساع نطاقها فهي لا تتطلب سوى

الضرر وتحقق الفعل الموجب للمسؤولية.

-أما المسؤولية العقدية فتتطلب إلى جانب ذلك قيام علاقة عقدية بين المسؤول و الضرر وأن يكون الضرر الذي

لحق هذا الأخير قد ترتب إثر الإخلال بالتزام ناشئ عن العقد.

37-التمييز بين الفضالة والوكالة.

تلتقي الفضالة مع الوكالة من حيث أن كلاً منهما :

يعد مصدراً للنيابة,فقد تنقلب الفضالة إلى وكالة إذا أقرّ رب العمل عمل الفضولي ,وكذلك قد تنتهي الوكالة إلى

فضالة إذا تجاوز الوكيل حدود نيابته أو استمر في عمله بعد انتهاء الوكالة.

وتختلف الفضالة عن الوكالة في أن ما يترتب عليها من التزامات بالنسبة إلى الفضولي مصدره القانون,في حين أن

مصدر التزام الوكيل هو العقد. في الفضالة لم تختر رب العمل الفضولي ولم يكلفه القيام بشؤونه في حين أن الموكل

يختار وكيله ويفوضه بالقيام بما فوضه فيه.

قد تكون الفضالة في تصرف قانوني أو عمل مادي في حين تقتصر الوكالة على التصرفات القانونية.

38-الفرق بين النظرية الذاتية و النظرية الموضوعية.

النظرية الذاتية تقيم المسؤولية على الخطأ سواء كان هذا الخطأ مفترضاً كالمسؤولية عن فعل الغير والمسؤولية عن

الأشياء.

أما المسؤولية الموضوعية فتقيم المسؤولية على الضرر كالتعويض عن إصابات العمل.

39-بماذا يفترق الإجازة عن الإقرار ؟أعط مثالاً على استعمال كل منهما.

- الإجازة تصدر من أحد المتعاقدين (صاحب الحق بالإبطال ) مثال:إجازة المتعاقد الذي وقع في الغلط للعقد.

-أما الإقرار فيصدر من شخص خارج عن العقد,و به يضيف آثار العقد إليه.مثال:بيع ملك الغير لايسري في مواجهة

المالك الحقيقي إلا إذا أقره.

الإرادة المنفردة



الإرادة المنفردة la volonté unilatérale عمل قانوني صادر من جانب واحد ينتج آثار قانونية معينة، فهو على هذا الأساس، يتم بإرادة واحدة، ولا يمثل إلا مصلحة طرف واحد. فأما كونه يتم بإرادة واحدة، فهذا يعني أنه يتم بتعبير واحد عن الإرادة، ولا يتوقف في إنتاج آثاره إلا على إرادة من صدر منه التعبير. وأما كونه يمثل مصلحة طرف واحد، فهذا يعني أن المتصرف بالإرادة المنفردة لا يستهدف من تصرفه إلا مصلحته هو من دون أن تدخل مصلحة الغير في حسبانه.
وقد عَدّت معظم القوانين العربية الإرادة المنفردة مصدراً للالتزام في حالات محددة، أي أنها مصدر استثنائي له، إلى جانب العقد [ر] الذي يعدّ هو المصدر العام للالتزام.
وإذا كان التصرف بالإرادة المنفردة ينشأ بإرادة المتصرف وحده، فإنه ينقضي أيضاً بإرادته، أما مصلحة الغير الذي كان مقصوداً بآثار التصرف بالإرادة المنفردة، فيحميها القانون حين يجعل هذا التصرف نهائياً لا يجوز الرجوع عنه إلا من المتصرف نفسه وفي شروط معينة.
وقد وردت في القوانين الوضعية العربية صور تطبيقية متفرقة للإرادة المنفردة بوصفها مصدراً للالتزام، ومن هذه الصور، الوقف [ر] والوصية [ر] والإقرار [ر] والوعد بجائزة.
تسري على تصرف الإرادة المنفردة الأحكام الخاصة بالعقد عدا ما تعلق منها بوجود إرادتين والذي تأباه طبيعة التصرف الأحادي. وعلى هذا الأساس، يجب أن تتوافر في التصرف الذي تنشئه الإرادة المنفردة الشرائط التالية:
ـ أن يصدر تصرف الإرادة المنفردة عن إرادة جدية ترمي إلى إنشاء الالتزام.
ـ أن يكون لالتزام المتصرف سبب، وأن يكون الدافع إلى التصرف مشروعاً، كما يجب أن يكون له محل.
ـ أن يكون المتصرف بإرادته المنفردة، متمتعاً بالأهلية اللازمة لذلك، فلا تُعَدُّ تصرفات المجنون جنوناً مطبقاً صحيحة لفقدانه أهلية التصرف.
كما يجب أن تكون إرادته خالية من أي عيب من العيوب التي تعتريها أحياناً، كالإكراه والغلط والتدليس والغبن الاستغلالي فلا يعدّ صحيحاً تصرف الإرادة المنفردة الصادر تحت وطأة الإكراه مثلاً.
وللإرادة المنفردة بوصفها مصدراً استثنائياً للالتزام، حالات تطبيقية مختلفة في القانون، ذكرت على سبيل الحصر كالإيجاب الملزم والوصية والوقف، إذ ليس للإرادة المنفردة أي سلطان في خلق تصرفات وحيدة الطرف لم يذكرها القانون، بل يقتصر دورها على تحديد مضمون التصرف القانوني الأحادي الذي أجازه القانون، ولعل أهم تطبيق لنظرية الإرادة المنفردة في القانون المدني السوري والقوانين العربية الأخرى، هو الوعد بجائزة.
الوعد بجائزة هو تخصيص أجر لشخص لن يتعين إلا بتنفيذ الأداء الذي حدده الواعد. كأن يعلن شخص عن جائزة لمن يصنع دواء لمعالجة مرض مستعص، أو لمن يعثر على أشياء مفقودة أو لمن يخترع آلة لغرض معين. فمن قام بكشف الدواء أو من عثر على الأشياء المفقودة أو من نجح في اختراع الآلة، استحق الجائزة التي أعلن عنها الواعد. والوعد بالجائزة معروف في الفقه الإسلامي، وقد عالجه الفقهاء تحت عنوان الجعالة. والجعالة، هي أن يجعل أحد شيئاً معلوماً لمن يعمل له عملاً كما لو قال صاحب حاجة فقدت منه، من ردها إليّ فله جائزة قدرها كذا.
ولكي يكون الوعد بجائزة منشئاً للالتزام، يجب أن تتوافر فيه الشروط الآتية:
ـ أن يكون الوعد بجائزة وعداً جاداً صادراً عن شخص ذي أهلية وعن إرادة خالية من العيوب.
ـ أن يكون الوعد موجهاً إلى الجمهور لا إلى شخص معين، فإذا وجه إلى شخص معين أو فئة معينة خرج عن كونه وعداً وأصبح إيجابياً لا ينشئ التزاماً إلا إذا اقترن بقبول، فيكون مصدر الالتزام هو العقد لا الإرادة المنفردة.
ـ أن يوجه الوعد إلى الجمهور بصورة علنية، كالإعلان في الصحف أو في إحدى طرق النشر المعروفة كالإذاعة والتلفاز أو بتوزيع النشرات وتثبيت الملصقات على ألواح الإعلان المخصصة لذلك في الطرق العامة والشوارع.
ـ أن تكون ثمة جائزة مادية أو أدبية يلتزمها الواعد، أي أن يتضمن الإعلان المنشور تحديداً بيّناً للجائزة التي يلتزم الواعد إعطاءها من جهة، والعمل المطلوب القيام به لاستحقاق الجائزة من جهة أخرى.
وللواعد إضافة إلى ذلك أن يشترط ما يشاء من الشروط لاستحقاق الجائزة، كأن يحدد أوصاف الآلة التي يجب اختراعها، أو الدواء الذي يجب صنعه، وله ألاّ يشترط أية شروط.
أما آثار الالتزام الناشئ عن الوعد بجائزة فهي:
1ـ إذا حدد الواعد مدة لإنجاز العمل فإنه لا يجوزله أن يرجع عن وعده في المدة التي حددها، وإذا قام أحد بالعمل في المدة المحددة، يصبح دائناً للواعد بالجائزة ولو لم يكن يعلم بالوعد. أما إذا انقضت المدة المحددة ولم يقم أحد بالعمل المطلوب، فإن التزام الواعد ينقضي.
وإذا قام شخص بعد ذلك بالعمل، فلا يلتزم الواعد أداء الجائزة ولا يسأل عنها.
2 ـ أما إذا لم يحدد الواعد مدة لإنجاز العمل، فله أن يرجع عن وعده قبل أن يتم أحد العمل المطلوب، ويتحلل بذلك من التزامه، على أن يتم رجوعه بالوسائل نفسها التي تم بوساطتها الإعلان عن الوعد للجمهور. ولكن إذا كان هناك من بدأ العمل قبل أن يعلن الواعد الرجوع عن وعده ولم يتمه بعد، أو أتمه بعد الرجوع، فإنه لا يستحق الجائزة ولكن على الواعد أن يرد عليه ما أنفقه بتعويض مناسب.
وعندما ينجز المستفيد العمل المطلوب القيام به، يستحق الجائزة من الواعد وتدخل في ذمته المالية، كما تؤول إلى ورثته بوفاته حتى لو كانت الوفاة قبل علمه بالوعد.
وتتقادم دعوى المطالبة بالجائزة بانقضاء خمس عشرة سنة من يوم إنجاز العمل سواء أكان الواعد قد حدد مدة لذلك أم لم يحدد. أما إذا رجع الواعد عن وعده، وكان المستفيد قد أتم العمل قبل إعلان الرجوع، فإن للمستفيد أن يطالب بالجائزة في غضون ستة أشهر من تاريخ إعلان الرجوع على الجمهور. وهذه المدة مدة سقوط لا مدة تقادم، أراد بها الشارع أن يمنع كل محاولة مصطنعة يراد بها استغلال الوعد بالجائزة بعد إعلان العدول.

الإرادة المنفردة



الإرادة المنفردة la volonté unilatérale عمل قانوني صادر من جانب واحد ينتج آثار قانونية معينة، فهو على هذا الأساس، يتم بإرادة واحدة، ولا يمثل إلا مصلحة طرف واحد. فأما كونه يتم بإرادة واحدة، فهذا يعني أنه يتم بتعبير واحد عن الإرادة، ولا يتوقف في إنتاج آثاره إلا على إرادة من صدر منه التعبير. وأما كونه يمثل مصلحة طرف واحد، فهذا يعني أن المتصرف بالإرادة المنفردة لا يستهدف من تصرفه إلا مصلحته هو من دون أن تدخل مصلحة الغير في حسبانه.
وقد عَدّت معظم القوانين العربية الإرادة المنفردة مصدراً للالتزام في حالات محددة، أي أنها مصدر استثنائي له، إلى جانب العقد [ر] الذي يعدّ هو المصدر العام للالتزام.
وإذا كان التصرف بالإرادة المنفردة ينشأ بإرادة المتصرف وحده، فإنه ينقضي أيضاً بإرادته، أما مصلحة الغير الذي كان مقصوداً بآثار التصرف بالإرادة المنفردة، فيحميها القانون حين يجعل هذا التصرف نهائياً لا يجوز الرجوع عنه إلا من المتصرف نفسه وفي شروط معينة.
وقد وردت في القوانين الوضعية العربية صور تطبيقية متفرقة للإرادة المنفردة بوصفها مصدراً للالتزام، ومن هذه الصور، الوقف [ر] والوصية [ر] والإقرار [ر] والوعد بجائزة.
تسري على تصرف الإرادة المنفردة الأحكام الخاصة بالعقد عدا ما تعلق منها بوجود إرادتين والذي تأباه طبيعة التصرف الأحادي. وعلى هذا الأساس، يجب أن تتوافر في التصرف الذي تنشئه الإرادة المنفردة الشرائط التالية:
ـ أن يصدر تصرف الإرادة المنفردة عن إرادة جدية ترمي إلى إنشاء الالتزام.
ـ أن يكون لالتزام المتصرف سبب، وأن يكون الدافع إلى التصرف مشروعاً، كما يجب أن يكون له محل.
ـ أن يكون المتصرف بإرادته المنفردة، متمتعاً بالأهلية اللازمة لذلك، فلا تُعَدُّ تصرفات المجنون جنوناً مطبقاً صحيحة لفقدانه أهلية التصرف.
كما يجب أن تكون إرادته خالية من أي عيب من العيوب التي تعتريها أحياناً، كالإكراه والغلط والتدليس والغبن الاستغلالي فلا يعدّ صحيحاً تصرف الإرادة المنفردة الصادر تحت وطأة الإكراه مثلاً.
وللإرادة المنفردة بوصفها مصدراً استثنائياً للالتزام، حالات تطبيقية مختلفة في القانون، ذكرت على سبيل الحصر كالإيجاب الملزم والوصية والوقف، إذ ليس للإرادة المنفردة أي سلطان في خلق تصرفات وحيدة الطرف لم يذكرها القانون، بل يقتصر دورها على تحديد مضمون التصرف القانوني الأحادي الذي أجازه القانون، ولعل أهم تطبيق لنظرية الإرادة المنفردة في القانون المدني السوري والقوانين العربية الأخرى، هو الوعد بجائزة.
الوعد بجائزة هو تخصيص أجر لشخص لن يتعين إلا بتنفيذ الأداء الذي حدده الواعد. كأن يعلن شخص عن جائزة لمن يصنع دواء لمعالجة مرض مستعص، أو لمن يعثر على أشياء مفقودة أو لمن يخترع آلة لغرض معين. فمن قام بكشف الدواء أو من عثر على الأشياء المفقودة أو من نجح في اختراع الآلة، استحق الجائزة التي أعلن عنها الواعد. والوعد بالجائزة معروف في الفقه الإسلامي، وقد عالجه الفقهاء تحت عنوان الجعالة. والجعالة، هي أن يجعل أحد شيئاً معلوماً لمن يعمل له عملاً كما لو قال صاحب حاجة فقدت منه، من ردها إليّ فله جائزة قدرها كذا.
ولكي يكون الوعد بجائزة منشئاً للالتزام، يجب أن تتوافر فيه الشروط الآتية:
ـ أن يكون الوعد بجائزة وعداً جاداً صادراً عن شخص ذي أهلية وعن إرادة خالية من العيوب.
ـ أن يكون الوعد موجهاً إلى الجمهور لا إلى شخص معين، فإذا وجه إلى شخص معين أو فئة معينة خرج عن كونه وعداً وأصبح إيجابياً لا ينشئ التزاماً إلا إذا اقترن بقبول، فيكون مصدر الالتزام هو العقد لا الإرادة المنفردة.
ـ أن يوجه الوعد إلى الجمهور بصورة علنية، كالإعلان في الصحف أو في إحدى طرق النشر المعروفة كالإذاعة والتلفاز أو بتوزيع النشرات وتثبيت الملصقات على ألواح الإعلان المخصصة لذلك في الطرق العامة والشوارع.
ـ أن تكون ثمة جائزة مادية أو أدبية يلتزمها الواعد، أي أن يتضمن الإعلان المنشور تحديداً بيّناً للجائزة التي يلتزم الواعد إعطاءها من جهة، والعمل المطلوب القيام به لاستحقاق الجائزة من جهة أخرى.
وللواعد إضافة إلى ذلك أن يشترط ما يشاء من الشروط لاستحقاق الجائزة، كأن يحدد أوصاف الآلة التي يجب اختراعها، أو الدواء الذي يجب صنعه، وله ألاّ يشترط أية شروط.
أما آثار الالتزام الناشئ عن الوعد بجائزة فهي:
1ـ إذا حدد الواعد مدة لإنجاز العمل فإنه لا يجوزله أن يرجع عن وعده في المدة التي حددها، وإذا قام أحد بالعمل في المدة المحددة، يصبح دائناً للواعد بالجائزة ولو لم يكن يعلم بالوعد. أما إذا انقضت المدة المحددة ولم يقم أحد بالعمل المطلوب، فإن التزام الواعد ينقضي.
وإذا قام شخص بعد ذلك بالعمل، فلا يلتزم الواعد أداء الجائزة ولا يسأل عنها.
2 ـ أما إذا لم يحدد الواعد مدة لإنجاز العمل، فله أن يرجع عن وعده قبل أن يتم أحد العمل المطلوب، ويتحلل بذلك من التزامه، على أن يتم رجوعه بالوسائل نفسها التي تم بوساطتها الإعلان عن الوعد للجمهور. ولكن إذا كان هناك من بدأ العمل قبل أن يعلن الواعد الرجوع عن وعده ولم يتمه بعد، أو أتمه بعد الرجوع، فإنه لا يستحق الجائزة ولكن على الواعد أن يرد عليه ما أنفقه بتعويض مناسب.
وعندما ينجز المستفيد العمل المطلوب القيام به، يستحق الجائزة من الواعد وتدخل في ذمته المالية، كما تؤول إلى ورثته بوفاته حتى لو كانت الوفاة قبل علمه بالوعد.
وتتقادم دعوى المطالبة بالجائزة بانقضاء خمس عشرة سنة من يوم إنجاز العمل سواء أكان الواعد قد حدد مدة لذلك أم لم يحدد. أما إذا رجع الواعد عن وعده، وكان المستفيد قد أتم العمل قبل إعلان الرجوع، فإن للمستفيد أن يطالب بالجائزة في غضون ستة أشهر من تاريخ إعلان الرجوع على الجمهور. وهذه المدة مدة سقوط لا مدة تقادم، أراد بها الشارع أن يمنع كل محاولة مصطنعة يراد بها استغلال الوعد بالجائزة بعد إعلان العدول.

الالتزامات الشرعية الناشئة عن الارادة المنفردة









(... واوفوا بالعهد ان العهد كان مسئولا) «الاسراء/34» (... انما يتذكر اولوا الالباب الذين يوفون بعهد اللّه ولا ينقضون الميثاق) «الرعد/19 و 20» (صدق اللّه العلي العظيم) تمهيد الالتزامات الارادية الالتزامات الارادية، المعتد بها شرعا او قانونا، قد تكون التزامات ناشئة كما هو الاصل عن ترابط ارادة بارادة اخرى تطابقها، اي عن ايجاب وقبول، وهو المسمى ب«العقد» الذي تسري تطبيقاته على نطاق واسع من الروابط الاجتماعية.



وقد تكون هذه الالتزامات ناشئة، تارة اخرى، عن ارادة واحدة، وعلى وجه الاستقلال، اي من دون ان تكون متوقفة وهي تنتج اثرها الشرعي على الارتباط بارادة ثانية صادرة من طرف آخر.

وهذه الصورة هي التي يطلق عليها، في الاصطلاح الفقهي، «الايقاعات»، وفي الاصطلاح القانوني «الارادة المنفردة»، والتي تسري تطبيقاتها هي الاخرى على نطاق غير يسير من الروابط الاجتماعية، المتمثلة بكل التزام شرعي احادي قائم على صورة «ايقاع» او تعهد.

ولعل المحقق الحلي في كتابه الخالد «شرائع الاسلام»، كان اول من راعى هذه المنهجية في تقسيمه الاحكام الشرعية، حيث وزعها بقدر ما يتعلق الامر بالالتزامات الادارية الى قسم خاص بالعقود وآخر بالايقاعات، مضافا الى قسم العبادات، الذي صدر به «الكتاب» بوصفه قسما تقليديا سائدا في سائر الكتب الفقهية، ومضافا الى قسم رابع واخير اسماه «الاحكام»، وارادبه اي تصرف او التزام ناشيء عن امر او حكم شرعي صادر مباشرة من الشارع، من دون ان يكون للارادة دخل في تكوينه.


نظرية الارادة المنفردة وانما انيطت هذه الدراسة التي نتطلع الى توسيع آفاقها في مجال آخر بموضوع الارادة المنفردة، من دون غيره من الموضوعات المذكورة. فذلك لاني لاحظت ان هذا الموضوع قد اغفله معظم الباحثين المعاصرين المعنيين بالدراسات الفقهية اغفالا بينا، وقصروا اهتمامهم بالمقابل على موضوع العقد- بوصفه مصدرا من مصادر الالتزامات الشرعية بحيث صاغوا من هذاالموضوع نظرية عامة ومستوعبة، ناهبك عن اهتماماتهم الاخرى التي انصبت على تطبيقاتها الواسعة، مع ان الموضوعين العقد والارادة المنفردة يصدران من منهل واحد، هو الارادة، الامرالذي جعل بينهما تجانسا في هذا الموضوع مع تضارع في الاهمية.

كما لاحظت، من جهة اخرى ان الخلاف بين فقهاء القانون على وجه الخصوص ما برح قائما حول الارادة المنفردة، منذ ان بدا الاهتمام بشانها بوصفها مصدرا للالتزام في اواخر القرن التاسع عشر، مضافا الى ان هذا الخلاف قد انعكس بدوره على بعض الدراسات الفقهية الاسلامية الحديثة.

لذلك كله، وجدت من المفيد ان نعرض بشيء من التركيز لهذا الخلاف الذي يدور حول فكرة الالتزام بالارادة المنفردة، لعلنا نصل اذا ما واتتنا الادلة الى صياغة نظرية عامة فيها، تضاهي او تضارع نظرية العقد التي اخذت نصيبها من البحث والدراسة.

موضع الخلاف على ان مما يجدر ذكره هنا هو ان الخلاف المشار اليه عن الارادة المنفردة، انما يتركز حول صلاحية هذه الارادة لتكوين الالتزام في ذمة صاحبها، واعتبارها بالتالي مصدرا عاما ومستقلا من مصادر الالتزام، اذ هناك من يميل كما سنرى الى الاعتراف بهذه الفكرة باعتبارها مصدرا للالتزام، في حين يميل آخرون الى انكارها واخراجها عن دائرة المصادر الا على نحو الاستثناء.اما صلاحية هذه الارادة في انتاج آثار شرعية او قانونية اخرى غير تكوين الالتزام، فلا اجد بشانها اي خلاف بين المدارس الفقهية والقانونية المختلفة، لانها امر واقع ولا سبيل الى نكرانه اوتجاهله.

الاثار الاخرى التي تنتجها الارادة المنفردة فارادة الشخص، بمفردها واستقلاليتها، قادرة من غير ما خلاف اجده:

على ان تكون، من ناحية، سببا في اكتساب الملكية، كما في الوصية، فالموصى له يستطيع ان يكتسب حقا عينيا، متعلقا ببعض ممتلكات الموصي التي تقررها ارادته المنفردة، على ان تكون مضافة الى ما بعد وفاته.

وعلى ان تكون، من ناحية ثانية، سببا آخر لانقضاء بعض من تلك الحقوق العينية كمن يتنازل عن حق رهن، او حق انتفاع مقرر لصالحه على بعض اعيان المالك، كحقوق الشرب، والسقي،والمرور، والمطل ونظائرها.

كما ان الارادة الواحدة قد تكون، من ناحية ثالثة، قادرة على ان تكون سببا في اسقاط بعض الحقوق المالية او انهائها، كما في الابراء ونحوه.

وارادة الشخص بمفردها قد تصلح، من جهة رابعة، لتكون سببا في تصحيح بعض العقود او انفاذها، كما في العقد القابل للابطال قانونا، او العقد الموقوف في الفقه الاسلامي الذي تجعله الاجازة اللاحقة الصادرة من المالك عقدا صحيحا ونافذا، كما اشار بالفعل الى ذلك بعض فقهائنا الاعلام.

كما قد تكون الارادة المنفردة، من جهة اخرى، سببا لانهاء انماط مختلفة من العقود الموصوفة بعدم اللزوم، كما في عقد الوكالة، فالموكل يستطيع ان يعزل وكيله عن مهمته دونما ادنى حرج، كما ان الوكيل بدوره يستطيع بارادته ان يتنازل عن حق الوكالة، وكل من العزل والتنازل يتم كما ترى بارادة واحدة. وباعتبارهما من العقود غير اللازمة، وذلك لاسقاط الرابطة العقدية اصلا فيهما او انهائها.

من كل هذا يتبين ان موطن الخلاف المتعلق بمسالة الارادة المنفردة بين الفقهاء من شرعيين وقانونيين، انما يتركز فقط، كما سبق ان اشرنا، حول نقطة واحدة، وهي قدرة هذه الارادة على انشاء الالتزام في ذمة صاحبها مع اعتبارها مصدرا عاما ومستقلا من مصادر الالتزام، الى جانب العقد وغيره من المصادر العامة الاخرى للالتزام، اما ما سوى ذلك من آثار الالتزام، فلا اجدخلافا بين الفقهاء عموما بشان قدرة الارادة او المشيئة الواحدة على تحقيقها وايجادها والتي مر بنا قبل هنية بيانها.


الفصل الاول:

قدرة الارادة المنفردة على تكوين الالتزام

المطلب الاول:

راي فقهاء القانون نشا، منذ اواخر القرن الثامن عشر الميلادي، تقريبا، وما زال، خلاف واسع بين فقهاء القانون الوضعي حول امكانية اعتبار الارادة المنفردة مصدرا عاما للالتزام، وتبلور من خلال ذلك كمامرت الاشارة اليه اتجاهان متميزان:

الاتجاه الاول ينزع الى انكار قدرة الارادة المنفردة على انشاء الالتزام في وجه عام، وقد انحاز الى هذا الاتجاه فريق من فقهاء القانون الفرنسي من تقليديين ومحدثين، ولهذا حمل هذاالاتجاه مسمى «النظرية الفرنسية».

ويرى هؤلاء ان المشيئة الواحدة لا تصلح بمفردها، وعلى وجه الاستقلال، ان تنهض بانشاء اي التزام في ذمة صاحبها، ذلك ان الالتزام لا يمكن ان يتحقق، في تقديرهم، الا حيثما توجدرابطة قانونية، وان هذه الرابطة بالتالي لا يمكن ان تنشا الا بارتكازها على طرفين او ارادتين متوافقتين فيما تهدفان اليه من تحقيق آثار قانونية، اي عن طريق «العقد». وعليه فالعقد يعد اساس الالتزامات ومصدرها الفاعل.

ولعله من هنا ذهبت بعض الاتجاهات المتطرفة في ظل القانون الدولي العام المعاصر الى تجريد فكرة الارادة المنفردة عن اية قيمة قانونية اذا نظر اليها بمعزل عن اي ظرف او وضع تتدخل فيه ارادة اخرى، حتى لو عبرت عن نفسها بطريق السكوت، بل عبر بعضهم في وصف فني رائع، ان الالتزام بالارادة المنفردة انما هو بمثابة بناء على رمال متحركة.

وقد ساق هؤلاء ادلة اخرى تدعيما لرايهم لا نرى مجالا لعرضها في هذا النطاق الضيق من البحث، على اننا لا نراها تصلح لنفي فكرة الارادة المنفردة باعتبارها مصدرا للالتزام لانها ادلة غيرمنطقية، فما قيل مثلا من اقتصار بعض التقنينات الوضعية على ايراد حالات او تطبيقات معينة ومحدودة للارادة المنفردة، الامر الذي يجعلها حالات استثنائية امر غير جدير بالاعتبار، لان هذا لا يمنع من صياغة قاعدة عامة للارادة المنفردة وجعلها صالحة للتطبيق على اية حالة اخرى يمكن ان تنشا في اطارها.

اما الاتجاه الثاني فينزع الى الاعتراف بفكرة الارادة المنفردة، وقد انحاز الى هذا الاتجاه جانب من الفقه الالماني، ولهذا اطلق عليه مسمي «النظرية الالمانية»، ويوجه هؤلاء لرايهم بان الالتزام المنبثق عن فريق واحد لا ينشا الا عن ارادة الملتزم وحده وعلى وجه الاستقلال، حيث لا يحتاج الى اتجاه لارادة طرف آخر، وهو الذي وقع الالتزام لصالحه، ولهذا فان الملتزم المذكور لا يمكنه التحلل من التزامه طالما لم يصدر بعد من الطرف الاخر ما ينم عن رفضه للايجاب الصادر عن الملتزم.

واستنتج منظر هذه الفكرة الاستاذ «سيجل» من ذلك الزامية الايجاب وحده، وبالتالي عدم امكانية العدول ممن صدر عنه الايجاب اصلا.

كما وجه هذا الراي بتوجيهات وادلة اخرى، لا مجال هنا لعرضها، ونرى انها ادلة لا تخلو من وجاهة واعتبار، وسنرى ونحن نعرض لراينا الذي نتفق فيه بصفة عامة مع اصحاب هذا الاتجاه جانبا من هذه الادلة.

المطلب الثاني:

راي الفقهاء المسلمين وعلى صعيد الفقه الاسلامي برز ايضا بحسب ما استنتجه بعض الباحثين المحدثين المعنيين بالدراسات الاسلامية اتجاهان متميزان حول نظرية الارادة المنفردة، فذهب فريق من الفقهاءالى الاعتراف بالارادة المنفردة بوصفها مصدرا عاما للالتزامات الشرعية، من دون ان يحددها بحالات معينة في حين ذهب فريق آخر الى انكار قدرة هذه الارادة على تكوين الالتزامات الاعلى نحو الاستثناء:

اولا: راي المعترفين بفكرة الارادة المنفردة ولعل من ابرز من ذهب من الفقهاء المسلمين كما هو معروف الى هذا الاتجاه القاضي بالاعتراف بقدرة الارادة المنفردة على تكوين الالتزامات الشرعية هم فقهاء المالكية، الذين صورهم بعض الباحثين بانهم الطرف الوحيد الذي توصل الى هذه الفركة واماط اللثام عنها بوصفها نظرية اسلامية تفوق في بنيانها وكيانها النظري نظرية الالتزام الوضعية، بحيث جعلواالارادة الواحدة هي الاصل في تكوين التصرفات الشرعية، وليس العقد.

واكد هذا المعنى الرازي، في تفسيره المعروف، عند تعرضه لاية العقود، حيث جعل العقد يتشكل من الزام كل طرف لنفسه بشيء معين. وهذا يعني ان الارادة المنفردة ذاتها هي مصدر الالتزامات الارادية وليس العقد المبني على ترابط الارادتين وتوافقهما.

وعليه فانه بموجب هذا الراي اذا ما التزم شخص باداء مال لاخر من دون ان يبرم عقدا معه، فانه مع ذلك يكون ملزما له ما لم يمت او يفلس.

ويمكن الاستدلال لهذا الراي ببعض الايات الكريمة التي تحث على الالتزام بالعهد والوفاء به، مثل قوله تعالى (واوفوا بعهد اللّه اذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم اللّهعليكم كفيلا) «النحل/91» (واوفوا بالعهد ان العهد كان مسئولا) «الاسراء/34» وقوله تعالى (انما يتذكر اولوا الالباب × الذين يوفون بعهد اللّه ولا ينقضون الميثاق) «الرعد/19 -20».

ومعلوم ان التعهد مثلما يمكن ان يحصل من جانبين، يمكن ان يحصل من جانب واحد وفي صورة منفردة، خلافا للعقد الذي يدل على الشد والاستيثاق ولا يكون الا بين اثنين.

كما يمكن الاستدلال للراي المذكور بفحوى ما جاء في قصة يوسف(ع) في قوله تعالى: (قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وانا به زعيم) «يوسف/72» اي كفيل، وذلك في اشارة الى امكانية التزام الواحد عن طريق الكفالة.

وقد استحب بعض الباحثين المحدثين هذا الاتجاه فايده معتقدا انه اجدر بالقبول من الاتجاه المقابل، ومعللا بانه اذا صلحت الارادة المنفردة ان تكون مصدرا في حالات معينة من الالتزام. صلحت كذلك ان تكون مصدرا في غيرها من الحالات...اذ لا فرق بين التزام وآخر في هذا الشان.

وعلى الرغم مما عرف، بين الباحثين، من ان فقهاء المالكية كانوا هم الطرف الوحيد الذي اخذ بنظرية الارادة المنفردة، لكني لاحظت ان ثمة اطرافا اخرى من الفقهاء المسلمين قد نزعواالى هذا الاتجاه، وفي مقدمتهم بعض فقهاء الامامية، امثال الشيخ الانصاري الذي اوضح في كتابه المعمق «المكاسب» ان الايقاعات او الارادة الواحدة تقوم على التحقق والنفوذ اي انتاج اثرها الشرعي بمجرد اجراء الصيغة، دونما حاجة الى ارتباطها بارادة اخرى. ثم اوضح، وهو يتحدث عن فكرة الخيارات: ان اشتراط الخيار في الايقاعات امر يتنافى مع فكرة النفوذوالتحقق، اضافة الى ان مفهوم الشرطيعني وقوعه بين اثنين، بخلاف الايقاع الذي يعتمد على طرف واحد.

والى التفرقة في الحكم بين العقد والايقاع اوضح فقيه آخر من الامامية، وهو الشيخ صاحب الجواهر، ان الايقاعات هي تلك التي يكفيها ويفي بها الايجاب وحده، او القصد، او الرضاالصادر من جانب واحد، خلافا للعقد الذي يلزم ان يشتمل على ايجاب وقبول، او رضا الطرفين، او على قصد من الجانبين.

وهذه التفرقة تدل بوضوح على الاعتراف بصحة الالتزام بالارادة المنفردة واستقلاليتها في التاثير.

ومعلوم ان كتاب «الجواهر» جاء شرحا على كتاب «شرائع الاسلام» للمحقق الحلي، الذي اعط ى «الايقاعات» خصوصية معينة واهتماما متميزا عندما فصلها وهو يبرمج لكتابه عن العقدبقسم مستقل وخاص، كما سبق ان اشرنا، وعندما ضمن هذا القسم صورا عديدة للالتزامات المالية وغير المالية الناشئة عن ارادة منفردة او ايقاع، مثل الطلاق ومداخلاته كالرجعة والظهاروالايلاء، ومثل العتق واصنافه كالمكاتبة والتدبير والاستيلاد، ثم مثل الاقرار والجعالة والايمان والنذور ونحوها من التصرفات الشرعية الصادرة عن ارادة ومشيئة واحدة.

وكذلك يبدو ان الشيخ المفيد ينزع للاخذ بفكرة الارادة المنفردة، وذلك من خلال ما اورده في كتاب «المقنعة» من تطبيقات وصور لهذه الارادة والدالة على ضرورة الالتزام بمضمونها، وان لم يكن ذلك قد جاء بصورة متناسقة.

بل يمكن ان نعتبر ان الفقيه ابن تيمية، من فقهاء الحنابلة، كان من بين من اخذ بفكرة الالتزام بالارادة سواء كانت هذه الارادة منفردة او مرتبطة بارادة اخرى، حيث جعل لارادة العاقد في العقود المالية سلطانا يلزم الشخص بكل ما تعهد به، وذلك لتغليب القاعدة العامة التي اشارت الى وجوب الوفاء بالعقود (لاحظ الاية ر1 من سورة المائدة والاية /34 من سورة الاسراء» وضرورة قيام الشخص بكل ما تعهد وما التزم به، ثم لتغليب القاعدة العامة التي تقضي بجعل الرضا سببا لنقل الحقوق واسقاطها والمشار اليها «بسورة النساء».

وفي كل هذا وغيره من القواعد والاحكام التي بينها الفقيه المذكور دلالة واضحة على الاقرار بسلطان الارادة في الالتزامات الناشئة عن العقود والعهود، احادية كانت اومتعددة.

ومضافا الى كل هذا فان الراي في ما يبدو- متفق عليه بين جميع الفقهاء بصدد امكانية سقوط بعض الحقوق بالارادة المنفردة، وبخاصة في حالة الاسقاطات المحضة من قبيل الطلاق والعتاق، اما موضوع الخلاف بين فقهاء المالكية، من جانب وفقهاء المذاهب الثلاثة الاخرى من جانب آخر فيرتكز حسبما استنتج بعض الباحثين بطائفة «التبرعات الايجابية» من صدقة وهبة ونحوها، فان تمام العقد متوقف على قبول المتبرع له المعين وهذا عند الجمهور، واما عند مالك فان الالتزام يتم بالايجاب وحده.

ثانيا راي الفقهاء المنكرين لفكرة الالتزام بالارادة المنفردة وفي مقابل ذلك كله ذهب جانب آخر من الفقه الاسلامي يتمثل في ما قيل بفقهاء المذاهب الثلاثة (الحنفية والشافعية والحنابلة) الى انكار قدرة الارادة الواحدة على تكوين الالتزامات الشرعية من وجه عام، وان امكن لها ان تنشيء بعض الحقوق او الالتزامات غير المالية او تسقطها كما مر بنا قبل هنية.

فالاصل ان الشخص لا يكون ملزما ان يتقيد بما اوجبه على نفسه، من حق او مال، يعطيه الى آخر من دون عقد او ترابط، ذلك ان هذا النحو من الالتزامات الشرعية انما هو من قبيل التبرع،والتبرع غير ملزم عندهم حيث لا يجبر الانسان على تبرعه، خلافا للمالكية، كما سبق ان راينا.

اما بشان الايات، الانفة الذكر، والتي استدل بها المعترفون بفكرة الالتزام الارادة المنفردة فقد اعتبروا انها جاءت على سبيل النصح والارشاد وليس على سبيل الالزام، شانها في ذلك شان الامر بكتابة الدين، فمن اوفى بما عليه من تعهدات فقد حصل على الاجر والثواب، لان ذلك هو الافضل والاولى، وان امتنع عن الوفاء فلا اثم عليه.

ولعله مما يمكن ان يجري بهذا الاتجاه ما صرح به امام الشافعية في كتابه «الام» بالنسبة الى كل من الوصية والهبة والصدقة، ونحوها من وجوه الملك سوى الميراث: ان المتملك يكون بالخيار ان شاء قبلها وان شاء ردها، الامر الذي يجعل هذا النحو من التصرفات الشرعية قلقة وغير لازمة او ثابتة، لانها ترد بالرد.

بل قد يبدو، من تصريحات بعض فقهاء الامامية، ومن بينهم الشيخ المفيد والشهيد الثاني، انهم يميلون الى هذا الاتجاه القاضي بانكار فكرة الالتزام بالارادة المنفردة،حيث اعتبروا التصرفات المبنية على التبرع، مثل الهبة والصدقة والنحلة ونحوها من العناوين والتصرفات، غير لازمة ولا ملزمة، وذلك بموجب ما اعطي المتبرع من حق الرجوع عن التزامه،حتى بعد عملية الاقباض، طالما كانت العين قائمة، ولم يتصرف الموجب بها تصرفا متلفا للعين او ناقلا للملكية او نحوها من التصرفات.

ولكن الواقع ان هذا النحو من التصرفات الشرعية المبنية على التبرع، وان بدت انها من حالات الارادة المنفردة وتطبيقاتها المعروفة، الا انها اقرب صلة بالعقود منها بالعهود المبنية على ارادة واحدة، نظرا لافتقارها الى ايجاب وقبول، ناهيك عن اشتراط القبض والتسليم فيها، الامر الذي لا ينبغي ان تسري عليها احكام الارادة المنفردة باعتبارها مصدرا للالتزام، او يجري بشانهاالخلاف المطروح حول هذه الارادة، وذلك على الاقل بالنسبة الى راي هؤلاء الفقهاء ونظراتهم من فقهاء المذاهب الاخرى.

المطلب الثالث:

رجحان العمل بفكرة الالتزام بالارادة المنفردة اما نحن فنرى من جانبنا ان الاقرب الى الصواب، في مسالة الارادة المنفردة، التي طال الجدل حولها واسعا في ظل القانون الوضعي كما سبق ان عرضناه هو الاخذ بالاتجاه الاول الذي يقضي بامكانية الاعتراف بالارادة المنفردة بوصفها مصدرا عاما للالتزامات الشرعية او القانونية، بحيث تكون هذه الفكرة صالحة للانطباق على اية حالة من حالات التصرف الصادرة عن«ايقاع» او مشيئة واحدة، وان لم يرد بها نص شرعي او وضعي محدد.

فبالاضافة الى الادلة النصية والحجج والاعتبارات التي استند اليها انصار هذه الفكرة، والتي تدل دلالة واضحة وصريحة على لزوم الاعتراف بنظرية الارادة المنفردة، الامر الذي لا يحتاج الى اعادة الاستدلال بها...يمكننا، ايضا، ان نسند راينا ونبنيه على عدة ادلة واعتبارات اخرى، وهي لا تخرج عن كونها اعتبارات منطقبة، واخرى عملية، بالاضافة الى بعض الاعتبارات والجوانب المنهجية.

1- الاعتبارات المنطقية فهذه الاعتبارات، وما يجري مجراها، لا تمنع الشخص في الاصل من ان يلزم نفسه بارادته المنفردة وان يحملها من القيود والاعباء والالتزامات ما تتفق مع رغباته وقدراته الفعلية، طالما كان ذلك ناشئا عن رضا وقناعة، وغير خارج عن حدود المشروعية في الفقه والقانون.

وهذا ما يتفق فعلا مع مبدا حرية الارادة، او مبدا سلطان الارادة ونحوها من المبادىء التي غدت من المقومات الاساسية للشخصية الانسانية والتي اقرتها الانظمة والقوانين الشرعية والوضعية.

لكن قيل للرد على هذه الحجة المنطقية: انه اذا كان من الجائز ان يصير الشخص مدينا بارداته المنفردة، حيث يلزم نفسه بذلك وفقا لمبدا سلطان الارادة، فليس من الجائز ان يصير الطرف الاخر دائنا او صاحب حق من دون ارادته ورغما عن انفه، فلو اشترطنا عليه ان يقبل ذلك فقد تجاوزنا مرحلة الارادة المنفردة الى مرحلة العقد الكامل.

وللرد على هذا الاعتراض يمكن القول، طبقا للتصوير الموضوعي للالتزام، بانه ليس ثمة ما يجير الطرف الدائن على قبول الحق الذي انشاه له المدين، بل لا يشترط وفقا للمنطق القانوني اوالشرعي ان يكون الدائن موجودا او معروفا وقت نشوء الالتزام، كما هو الحال في فكرة الاشتراط لمصلحة الغير، كمن يوصي ببعض امواله لمن سيولد من ابنائه.

وما من شك ان للارادة سلطانا وقدرة على تكوين الالتزامات على الذات، وان لم يقترن بارادة طرف آخر، وان لم يكن لها القدرة على انشاء الالتزامات في حق الغير بان يصبح الشخص مدينا دون رضاه، اذ تحول بذلك اعتبارات اولية جماعها حماية الفرد وضمان استقلاله، وبحيث صار من المسلم به ان الشخص لا يستطيع اثقال غيره بالتزام الا في حالات استثنائية كحالة الفضالة.

2- الاعتبارات الواقعية اما من ناحية الاعتبارات الواقعية او العملية، فلا ينبغي ان ننكر ان ثمة حالات كثيرة قد حرص القانون الوضعي في النص عليها ومراعاتها، كما حرص بالمقابل الفقهاء المسلمون على ايرادهاباعتبارها حالات ملزمة وناشئة عن «ايقاع» ارادة منفردة.

ومن بينها واشهرها: حالة الالتزام بالجعالة او ما يسمى قانونا «الوعد بجائزة»، وحالة الالتزام بانشاء الوقف الخيري او ما يجري مجراه من المؤسسات الخاصة التي يقرها القانون. ثم حالة الايجاب الملزم غير الملحوق بالقبول، والتي تقضي بان يظل المرء على وعده او عهده وهو يوجب شيئا على نفسه حتى انتهاء المدة المضروبة.

ومن بينها ايضا كل من حالات الالتزام بالنذر او العهد، او باليمين او الوصية، والتي سياتي عرضها مفصلا في نطاق الفصل الخاص بالتطبيقات.

مضافا اليها ما نص عليه القانون من حالات اخرى كحالة السند لحامله التي يكون الشخص ملزما بارادته المنفردة تجاه آخر لم يعين الا في ما بعد، وحالة الاشتراط لمصلحة الغير ونحوها من الحالات التي حرص القانون في النص عليها.

هذا اذا اردنا ان نقتصر على تلك التطبيقات او الحالات المتعلقة بفكرة «انشاء الالتزام ومنعكساته من الحقوق الشخصية» والتي هي منشا الخلاف ومناطه بين الباحثين.

اما اذا اردنا ان نوسع من دائرة التطبيقات على فكرة الارادة المنفردة، لنتناول حالات اسقاط بعض الحقوق الشخصية، او الحقوق العينية، وحالات زوال بعض الروابط العقدية غير اللازمة،مثل عقد الوكالة والوديعة والعارية، او حالات اكتساب حق الملكية التي يمكن ان تكون الارادة المنفردة سببا في اكتسابها.

اذا اردنا ذلك ونحوه، فان الامر سوف يتسع مداه، بحيث تخرج تلك الحالات تماما عن وصفها بانها حالات استثنائية لتصبح حالات شمولية. يمكن ان نبني على اساسها قاعدة اونظرية.

بل حتى لو اقتصر الامر فقط على تلك الحالات الخاصة ب«انشاء الالتزام ومنعكساته»، وهي بلا شك حالات معدودة ومحدودة في حدود ما وصل الى علمنا، فان الواقع العملي لا يحول دون صياغة نظرية او قواعد عامة تجعل من الارادة المنفردة مصدرا عاما للالتزام الى جانب «العقد» ونحوه من مصادره الاخرى المعروفة. فانه اذا صلحت الارادة الواحدة لان تكون مصدراللالتزام في حالات وتطبيقات معينة، صلحت كذلك لان تكون مصدرا للالتزام في غيرها من الحالات التي قد تنشا، اذ لا فرق بين التزام وآخر في هذا المضمار.

ثم اننا، فوق ذلك، نعرف ان القاعدة العامة شرعية كانت ام قانونية عندما تشرع لا يشترط فيها، من حيث المبدا، ان تكون منطبقة بالفعل على حالات واسعة الانتشار، وانما يشترط اويفترض على الاقل فيها ان تكون صالحة للانطباق على اية حالة يمكن وقوعها حالا او مستقبلا.

بل ان القاعدة الشرعية او القانونية قد لا تصاغ ولا تنطبق فعلا على اية حالة موجودة، تحسبا وتوقعا لحدوث حالات صالحة للانطباق عليها، فالقاعدة القانونية او الشرعية لا يضر في عموميتهااو تجريدها عدم انطباقها على حالات قائمة فعلا، اذ لا تكون القاعدة وهي تشرع ناظرة الى اشخاص بذواتهم، ولا الى وقائع او حالات بعينها، لذلك فانها لا تضع حكما لغرض بعينه، وانماتضع حكما لغرض يتحدد بوصفه وعناصره وشروطه.

3- الاعتبارات المنهجية منهجية الفقه الاسلامي، من حيث العموم، تختلف في طرحها للاحكام الشرعية عن منهجية القوانين الوضعية المتاثرة اصلا بالقانون الروماني، حيث تقوم هذه القوانين كما هو معروف على منهج نظري ينحو الى ايراد القاعدة العامة او المسبب ثم تتناول الاسباب اي المصادر واحكامها حالة حالة، لذلك بدا في نظرية الالتزام بالحق، اولا، وقسموه الى حق شخصي (التزام)وحق عيني ثم تكلموا عن احكامه في حالة التطبيق.

اما طريقة الفقه الاسلامي فتقوم، في الاصل، على منهج عملي ومنطقي في ما يتصل، على الاقل، بالحقوق المدنية، وذلك بايراد التطبيقات او الحالات التفصيلية وهي الاسباب او المصادر،دون التعرض في الغالب للنظرية او القاعدة العامة لها وهذه الطريقة هي الطريقة التشريعية نفسها التي جرت عليها بعض القوانين الانجلوسكسونية والجرمانية.

ولكن يظل الفرق في النتيجة بين المنهجين التشريعيين غير شاسع، اذ يمكن بلورة الحالات والمسائل التفصيلية المعروفة في ثنايا الكتب الفقهية الاسلامية الى نظريات او قواعد عامة صالحة لاحتواء اية مسالة او حالة اخرى مستجدة، وعلى العكس من ذلك يمكن ايراد التطبيقات حالة حالة او مسالة مسالة للقواعد العامة الموضوعة، بموجب السياسة التشريعية لبعض القوانين الوضعية، وذلك كلما عرضت المسائل على صعيد القضاء والمشورة والافتاء.

وعلى اية حال فان هذه التفرقة الملحوظة بين المنهجين المذكورين المنهج النظري الذي اتبعه جانب من القانون الوضعي، والمنهج الذي اتبعه الفقه الاسلامي هي التي اوجبت الالتباس على بعض الباحثين ممن عرض لمسالة الالتزام بالارادة المنفردة على وجه الخصوص، حيث تصور فصرح هذا البعض ان الفقه الاسلامي لا يعرف من فكرة الالتزام بالارادة المنفردة سوى حالاتها المنصوص عليها في ثنايا الكتب الفقهية، وهي بالطبع حالات محدودة، الامر الذي جعله يعتقد ان هذه الحالات قد وردت بصفة خاصة، وعلى سبيل الاستثناء من الحكم العام القاضي بعدم الالتزام بالارادة المنفردة.

ولكن فاته ان طريقة الفقه الاسلامي كما اوضحنا لا تقوم على ايراد القواعد العامة، وانما تكتفي بايراد الاحكام حالة حالة، وهذه الحالات لا تمنع من تطبيق حالات اخرى عليها اذا مااقتضى الامر ذلك.

وعلى هذا النحو، نجد ان الفقه الاسلامي، حين اهمل كما هو منهجه العام ذكر القاعدة العامة بالنسبة الى فكرة الالتزام بالارادة المنفردة واقتصر على بعض حالاتها ومسائلها التفصيلية كالذي فعله جمهور الفقهاء...فان ذلك لا يعني لزوم الوقوف على هذه الحالات واعتبارها حالات استثنائية، وانما يمكن انتزاع قاعدة عامة في هذا المضمار للارادة المنفردة تصلح لاحتواء اية حالة اخرى يمكن ان تثار، او تعرض، على صعيد الواقع.

وهكذا الشان بالنسبة الى غير الارادة المنفردة من مصادر الالتزام، حيث نجد ان الفقه الاسلامي لم يضع بالنسبة الى العقد، مثلا، قاعدة او نظرية عامة لفكرة العقد تلم شتات العقود بانواعهاوتطبيقاتها المختلفة، وانما نجد على العكس من ذلك عقودا مسماة تاتي عقدا اثر عقد على ترتيب غير منسق او مبلور غالبا، ويختلف هذا الترتيب من كتاب لاخر، حتى ليظن الباحث على حد قول الباحث السنهوري ان الفقه الاسلامي في هذا المضمار لا يعرف سوى هذه الحالات المسماة، وان اي اتفاق لا يدخل تحت عقد من هذه العقود لا يكون مشروعا، مع انه خلاف الواقع.

وهكذا توارد الظن على بعض الباحثين الاخرين بالنسبة الى فكرة الارادة المنفردة، فتصور ان اية حالة اخرى من الحالات التي اهمل الفقه ذكرها مما يصدر عن ارادة منفردة لا يصح الاخذبها ولا الالتزام بشانها، بناء على خروجها عن نطاق المشروعية.

والامر نفسه بجري بالنسبة الى فكرة المسؤلية التقصيرية، او العمل غير المشروع، او ما نسميه نحن في الفقه الاسلامي ب«الضمان» باعتباره مصدرا من مصادر الالتزام، حيث ان هذا الفقه عالج هذه النظرية كما هو معروف من خلال حالتين او ثلاث حالات فقط توجب الضمان، وهي حالات الغصب والاتلاف ووضع اليد. ومع ذلك فلو امكن وقوع الضرر، عن غيرطريق هذه الحالات، فلا ينبغي ان يتعطل القرار الاسلامي عن اصدار حكمه بهذا الشان، اذ تظل هناك قاعدة منطوية تحت تلك الحالات، يمكن للباحث وللمفتي استخدامها وبالتالي تطبيقها على اية حالة او قضية اخرى مستجده لوجود العناصر والشروط والمعالم المشتركة.

وعليه يمكن القول، في قناعة، نتيجة بحث مستفيض، ان الاقتصار في الفقه الاسلامي على ذكر التطبيقات والحالات التفصيلية لاي موضوع او باب من الابواب الفقهية، بما فيها موضوع الارادة المنفردة (اي الايقاعات وما سواها من الاسقاطات) لا يعني وجوب الاقتصار على هذه الحالات واخراج ما سواها عن حكمها، اذ يمكننا صياغة نظرية او قاعدة عامة بهذا الشان صالحة للانطباق على تلك الحالات المفروضة، وعلى اية حالة او مسالة اخرى مستجدة، سواء ما كان منها متعلقا بانشاء حق شخصي او التزام الذي هو الرافد الاساسي لقاعدة الالتزام بالارادة المنفردة، وسواء ما كان منها متعلقا بانشاء حق عيني او اسقاطه كحق الملكية وحقوق الارتفاق، او متعلقا بزوال بعض العقود غير اللازمة او تصحيحها او نحو ذلك من الحالات التي تصدر عن ارادة منفردة، الا ما خرج منها عن الجواز الشرعي بنص او دليل.

ولعلنا، في هذا البحث المقتضب، نستطيع ان نلم ولو يسيرا بعناصر هذه النظرية من خلال اعتمادنا على بعض المصادر الفقهية المعروفة وذات الاهتمام الخاص بتطبيقات الارادة المنفردة.

الفصل الثاني:

الارادة المنفردة في مجال التطبيق تمهيد تناول بعض الفقهاء المسلمين، ومن اليهم من فقهاء القانونن الوضعي، بالبحث طائفة من الحالات والمسائل التي تصلح، ان تكون تطبيقا وتحريرا لفكرة الارادة المنفردة، ونحن بدورناسنتناول بالبحث بعضا من تلك الحالات وفي حدود ما يمكن ان تعطيه من دلالة على الالتزام والالزام بالارادة المنفردة، لعل ذلك يتيح لنا ان نؤصل نظرية او قاعدة للارادة المنفردة من حيث كونها مصدرا للالتزامات الشرعية المتعلقة بالذمة او العين، وتلك المتعلقة بالالتزامات الشرعية غير المالية...وذلك خلافا لما جرى عليه الفقه في ظل القانون الوضعي الذي بحث عن الارادة المنفردة من حيث كونها مصدرا للالتزامات (اي الحقوق الشخصية) بشكل خاص لكونها موضع الخلاف. وعليه فان دراستنا عن حالات الارادة المنفردة وتطبيقاتها سوف تتسع لكل ما يتصل ب:

1- الالتزامات الشرعية المالية.

2- والالتزامات الشرعية غير المالية.

3- كما ستتسع، ايضا، لبعض ما يتصل بالالتزامات السلبية الناشئة عن اسقاط الحق او انهائه، وذلك على اعتبار ان هذه الالتزامات الاخيرة سوف تكون مقابلة للالتزامات الاولى المالية منهاوغير المالية باعتبارها التزامات ايجابية.

وكل هذا سنبحثه في المطالب الثلاثة التالية:

المطلب الاول:

الالتزامات المالية

المبحث الاول:

الجعالة التعريف الجعالة (مثلثة الجيم)..تطلق، ويراد بها لغة: «المال الذي يجعل مقابل فعل» اما، في الاصطلاح فتطلق ويراد بها:

«الاجارة على منفعة مظنون حصوله» او «الالتزام الذي ياخذه الانسان على نفسه بان يمنح آخر اجرا مقابل عمل ينجزه»، مع عدم اشتراط المعلومية في العمل والعوض، وبنحو لا يؤدي الى التنازع، وذلك كمن يلتزم باداء مبلغ من المال لمن يردله ضالته، او يحقق له مطلبه، او كمن يعطي على نفسه وعدا او عهدا بان يمنح مكافاة لاوائل الخريجين او المتسابقين مثلا في مضمار اعمال فنية. ولهذا اطلق، في الاصطلاح القانوني، عليهامسمى «الوعد بجائزة».

مشروعيتها ويمكن الاستدلال على مشروعيتها بقوله تعالى في قصة يوسف: (قالوا واقبلوا عليهم ماذا تفقدون × قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وانا به زعيم) «يوسف/71 - 72»، اي كفيل، كما يمكن الاستدلال ب آيات اخرى سبق بيانها والخاصة بحكم الوفاء بالعهد، وعدم نقض المواثيق.

وقد اعتبرت هذه الحالة من ابرز حالات الالتزام بالارادة المنفردة او «الايقاعات» وتطبيقاتها واكثرها دلالة او تعبيرا عن الفكرة، كما تطابقت في ما يبدو- كلمات الفقهاء من شرعيينوقانونيين على مشروعيتها، وعلى لزومها من جانب الجاعل او الواعد وعدم لزومها من جانب المجعول له، ومن هنا اعتبرت ايقاعا او فعلا صادرا عن ارادة منفردة، لعدم توقف الالتزام بها على ارادة اخرى. ويكون مدى التزام الجاعل منوطا بالقدر والشرط الذي شرطه هو على نفسه.

يقول الشيخ المفيد- وهو يحدد طبيعتها في بعض من امثلتها:

«واذا جعل صاحب الضالة لمن ردها جعلا، فواجب عليه الخروج اليه منه، على ما سماه من قدره وشرطه فيه على نفسه».

بل ان حكم الجعالة باللزوم على الجاعل يسري حتى لو لم يشترط هو شيئا على نفسه، حيث يضيف الشيخ المفيد الى ذلك قوله: «واذا وجد الانسان عبدا آبقا او بعيرا شاردا، وكان له على ذلك جعل..ان كان وجده في المصر فدينار، وان كان وجده في غير المصر فاربعة دنانير..بذلك ثبتت السنة عن النبي(ص) ».

ويبدو ان هذا التحديد بهذا المقدار للعوض هو خاص بما اذا كانت الضالة من نوع العبيد او الجمال، اما اذا كانت شيئا آخر فان العوض يتحدد- كما صرح الشيخ المفيد نفسه وفق الاعراف والعادات السائدة، ووفق ظروفها الزمانية والمكانية.

ولكن قيل ان الالتزام الناشيء عن الجعالة في مثل هذه الصورة ونحوها لا يقوم على اساس الارادة المنفردة، وانما على اساس العقد بناء على ان الجعل لا يثبت الا بالشرط..اي بالاتفاق كماهو راي الشافعية ، او على اساس الاثراء بلا سبب بناء على ثبوت الاستحقاق من دون شرط كما هو راي الحنفية ، الامر الذي دعا الاستاذ السنهوري الى ان يستبعد «الجعالة» بعمومها من دائرة الارادة المنفردة باعتبارها مصدرا للالتزام.

ولكننا لا نقره على هذا الاتجاه، لان دور الارادة المنفردة في مثل تلك الصورة يظل قائما، حتى لو جرى الاشتراط، او ثبت الاستحقاق بالشرع، فلولا ارادة الجاعل الخاصة وما فرضه على نفسه من التزامات، فلا مورد لقيام فكرة الجعالة.

على ان تلك التي اثير حولها الاشكال المذكور هي صورة واحدة من صور الجعالة..فان جاز اخراجها عن هذه الدائرة لطبيعتها الخاصة، فان حكمها لا يسري على بقية صور الجعالة وخاصة ان الشيخ المفيد قد ترك تقديرات العوض في غير حالة العبد والجمل الضالين الى العرف والعادة او الظروف الزمانية والمكانية السائدة كما مر.

الوعد بجائزة والجعالة، في صورتها او في مصطلحها القانوني وهو (الوعد بجائزة)، ورد النص بها صريحا في عدد من التقنينات الوضعية باعتبارها صورة من صور الارادة المنفردة، ولكنها صورة جاءت على سبيل الاستثناء وليس تطبيقا للقاعدة كما تفيد بذلك النصوص القانونية المختلفة، حيث تقول المادة 162 مصري: «من وجه للجمهور وعدا بجائزة يعطيها عن عمل التزم باعطاء الجائزة لمن قام بهذا العمل، ولو قام به دون نظر الى الوعد بالجائزة او دون علم بها...الخ».

ولكن تقنينات، او مشروعات اخرى للقوانين، اعتبرت «الوعد بجائزة» صورة عادية من صورة الارادة المنفردة وليست صورة استثنائية، لان حكم الالتزام بالارادة المنفردة يعتبر قاعدة عامة صالحة للتطبيق على اية حالة من حالات الارادة المنفردة..حتى لو لم يرد نص محدد..تقول المادة (60) من مشروع القانون المدني الفرنسي الايطالي الذي عقد فصلا خاصا للارادة المنفردة باعتبارها مصدرا عاما للالتزام: ان هذه الارادة اذا كانت مكتوبة، واقترنت باجل محدد تلزم صاحبها بمجرد وصولها الى علم من توجهت اليه ولم يرفضها، وتنطبق على الارادة المنفردة القواعد التي تنطبق على العقد عدا القواعد المتعلقة بضرورة توافق الارادتين لانشاء الالتزامات.

وبهذا النحو جاء النص صريحا في المادة (228) من المشروع التمهيدي للقانون المدني المصري، والتي الغيت في ما بعد لما تبدى لواضعيها من اتجاه جديد بالنسبة الى نظرية الارادة المنفردة.

كما يبدو ان القانون المدني الاردني الحالي يميل الى هذا الاتجاه حسبما استظهرناه.

المبحث الثاني:

الوقف تعريفه الوقف، في الاصطلاح الشرعي، عبارة عن «تحبيس الاصل واطلاق المنفعة» اخذا من قوله(ص): «حبس الاصل وسبل المنفعة» او هو حالة من التابيد المانعة من اجراء التصرفات القولية او الفعلية على عينه، المؤدية الى خروج الوقف عن حده، من دون تسبيل المنفعة التي اطلقها الواقف، فان كانت هذه المنفعة مقتصرة ومحبوسة على جماعة معينة او قوم مخصوصين قيل للوقف بانه وقف ذري او خاص، وان كانت المنفعة شاملة، اي محبوسة على الكافة، قيل:

بانه وقف عام او خيري، وللجهة بانها جهة عامة او خيرية.

وقد ورد عن الرسول الاعظم(ص) في رواية مشهورة انه قال:

«اذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث: صدقة جارية، او علم ينتفع به من بعده، او ولد صالح يدعو له» ويقصد بالصدقة الجارية الوقف في مدلوله الاصطلاحي، ومن هنا جعل الشيخ المفيد: «الوقف والصدقات» تحت بند واحد.

الالتزام بالوقف وينشا الالتزام بالوقف بمجرد صدور الصيغة الدالة عليه، اي انه لا يفتقر الى القبول، وانما تكفيه الارادة الواحدة الصادرة عن الواقف، والتي توجب الالتزام بجميع مقتضياته الشرعية ومايترتب عليه من آثار.

وهذا الراي الذي يقضي بعدم اشتراط القبول، يعبر عن راي اكثرية فقهاء المذاهب..سواء كان الوقف ذريا او عاما، وذلك لاصالة عدم الاشتراط، ولان الوقف يعبر عن ازالة ملك فيكفيه الايجاب شانه شان الجعالة والعتق والطلاق.

ومثلما لا يشترط فيه القبول، فقد قيل: انه لا يشترط فيه قصد القربة، وان توقف عليها الثواب.

ولهذا كله قضى الشيخ المفيد بعدم جواز الرجوع في الوقف بعد صدور صيغته، لان الوقف بمثابة الصدقة الثابت عدم الرجوع فيها، كما قضى بعدم جواز تغيير شرائطه ولا نقله عن وجوهه وسبله التي رسمها الواقف باي حال.

ويتاكد عدم الجواز في الرجوع اذا ما اخرج الواقف الوقف عن يده الى من وقفه عليه، وفاقا لراي بعضهم ممن اناط صحة الوقف بخروجه عن يده

غير ان الشيخ المفيد، في ما يتصل بقصد القربة، اشترطها لانعقاد الوقف، والا خرج الوقف عن ان يكون حبسا مطلقا ودائما، الامر الذي يتيح لنا من باب اولى ان نجعل البحث في الوقف داخلا من الناحية المنهجية ضمن قسم العبادات وليس ضمن قسم المعاملات او نحوها من الاقسام الفقهية، ولكننا لم نجد من اتبعه من الفقهاء، كما اننا لا نميل من جانبنا الى هذا الاتجاه بحسب ما ابدينا في مكان آخر من راي حول عملية توزيع الاحكام الشرعية وانما نميل الى وضعه ضمن قسم «الايقاعات» التي تجعل من الارادة المنفردة مصدرا واصلا لنشوئها،وذلك لان الوقف يعتبر بموجب ما تبيناه سابقا من شروطه من اظهر حالات فكرة الارادة المنفردة وتطبيقاتها.

وهذا ما صرح به بالفعل كثير من المحدثين الذين تناولوا موضوع الوقف.

المؤسسة الخاصة وتقابل نظرية الوقف، في الاسلام، نظرية انشاء المؤسسة الخاصة في القانون الوضعي، حيث استحدثت بعض القوانين الوضعية نظاما اسمته بالمؤسسة ليحل محل نظام الوقف.

والمؤسسة بحسب بعض النصوص: مال مخصص لغرض معين، وينشا بموجب سند رسمي او وصية، بحيث تكون ارادة المنشي ء المنفردة هي التي تنشي ء هذا النوع من المؤسسات لتنتج آثارها اما في حياته، او بعد وفاته عن طريق الوصية، ثم يلتزم المنشىء بارادته المنفردة، ايضا بان ينقل الى المؤسسة التي انشاها ملكية ما تعهد به من المال الذي خصصه لها..فالارادة المنفردة تكون بهذا قد خلقت شخصا معنويا والتزاما نحو هذا الشخص.

ولهذا عرف بعضهم المؤسسة بانها «تصرف قانوني صادر من جانب واحد، ويعتبر تاما لمجرد صدوره..اذ هو تصرف غير واجب التسليم شانه في ذلك شان الوقف في صورته الاسلامية».

المبحث الثالث:

الوصية التعريف الوصية، اصطلاحا، عبارة عن «تصرف مضاف الى ما بعد الموت..في تمليك عين او منفعة، او تسليط شخص على فعل، او اسقاط لحق من الحقوق».

ضروب الوصية ..فالوصية على هذا اما ان تكون ل«تمليكية»، كان يوصي لشخص على نحو التمليك بشي ء من تركته عينا او منفعة.

واما ان تكون «عهدية»، كان يعهد الى شخص بتادية عمل معين عنه، مثل فريضة الحج، او تنفيذ مشروع باسمه..او نحو ذلك.

كما قد تكون في صورة ثالثة على شكل «اسقاط» حق من حقوق الموصي او تنازل عنه كمن يعتق للّه عبدا، او يتنازل عن حق ارتفاق او يبري ء شخصا مما له عليه من ديون، مضافا الى ما بعدالموت.

صدور الوصية عن ارادة منفردة:

وبذلك كله يبدو واضحا ان الوصية تصرف شرعي صادر عن ارادة الموصى المنفردة، الامر الذي جعل بعضهم يعتبرها قسما من «الايقاعات» وليس من اقسام العقود او نحوها،بدليل عدم اشتراط القبول في اية صورة من صور الوصية المذكورة بما فيها الصورة التمليكية لانها تتم بالايجاب وحده.

ولكن هذا الحكم بعدم اشتراط القبول والذي تبناه البعض بمن فيهم الشيخ المفيد وزفر والشافعي في احد قوليه، جاء خلافا لراي المشهور الذي قصر مهمة هذا الحكم على خصوص الصورة «العهدية» القائمة على «عمل»، بيد ان هذا التخصيص لا يخلو في تقديرنا من تحكم..فالقبول اذا ما اشترطناه على الموصي له لا يختلف في حالة ما اذا كانت الوصية تمليكية او عهدية، فمثلما لا يصح ان يفرض على شخص تملك شي ء قهرا من دون رضاه، مثلما لا يصح ان يفرض عليه تنفيذ عمل وبذل طاقة من دون موافقته ورضاه.

وعلى اية حال، فاني لا اجد تنافيا بين فكرة اشتراط القبول، وبين اعتبار الوصية ضربا من ضروب «الايقاعات» التي تقوم على ارادة منفردة..ذلك ان الالتزام بالوصية امر ثابت ومحقق طالما لم يرجع الموصي عن وصيته قبل الموت، حيث لا يكون للموصي له بعدئذ رد على هذه الوصية علاوة على ان القبول الذي يكون بعد الموت لا قبلة انما اشتراط فلدخول الموصي به في ملك الموصي له.

اما الحق الذي يعط ى للموصي له بالرجوع قبل الموت، مما قد يعني عدم لزوم الوصية، فهو امر طبيعي، ذلك ان الوصية هي عبارة عن اضافة الى ما بعد الموت، وتحققها ونفوذها ولزومها لايحصل الا بعد واقعة الموت.

شمول الحكم لسائر الحالات الناشئة عن الوصية:

هذا، والحق ان الوصية، باعتبارها تصرفا صادرا عن ارادة منفردة، لا تختص فقط بحالة الايصاء، وانما يمكن ان تشمل ايضا حالة الرجوع عنها، وحالة ردها، اذ ان كلا من الرجوع والرد انمايتم كذلك بارادة منفردة، وايجاب لوحده، اي سواء كان التصرف في الوصية صادرا عن الموصي او الموصى له.

المبحث الرابع:

الايجاب المقترن بميعاد توصيف الاصل ان الالتزام الناشي ء عن عقد لا يتم الا بعد اقتران القبول بالايجاب، اي باتحاد الارادتين الصادرتين عن الموجب والقابل وتواردهما على موضوع واحد.

راي القانون لكنه مع ذلك فقد ذهبت بعض التقنينات الوضعية الى ان الالتزام يمكن ان ينشا بالايجاب وحده. اي قبل اقترانه بالقبول واتحادهما في وعاء واحد، وذلك عندما يتقدم احدالمتعاقدين وهو الموجب- بعرض الى المتعاقد الاخر وهو القابل بشان ابرام عقد معين معه، بحيث يربط رغبته هذه بميعاد صريح او ضمني..يتحلل بعده عن التزامه اذا لم تصدرالموافقة بالقبول من الطرف الاخر خلال فترة هذا الميعاد.

هذه الحالة من الايجاب تسمى، في الاصطلاح القانوني، ب«الايجاب القائم الملزم» تمييزا لها عن حالة «الايجاب القائم غير الملزم» الذي يصدر غير مقترن بميعاد للقبول، الامر الذي يعط ي الموجب الحق بالرجوع عن ايجابه ولو اكتمل لهذا الايجاب كيانه القانوني او الموضوعي.

الارادة المنفردة اساس التزام الموجب:

واساس التزام الموجب في البقاء على ايجابه في الحالة الاولى المذكورة، يعود الى «الارادة المنفردة» الصادرة عن الموجب، وليس العقد الذي ما زال غير ملتثم ولا متتام بعد، ولا الى اي اساس او سبب قانوني آخر قد يتصوره او يبرره بعضهم.

بل ان بعض التقنينات الوضعية، كالقانون المدني الالماني في المادة (145) منه، يعضدها جانب من الفقه الفرنسي، يميل الى الزام الموجب بالبقاء على ايجابه لفترة زمنية معقولة حتى لو لم يربط الموجب نفسه بميعاد معين، لان طبيعة الايجاب تقضي بهذا النحو من الالزام حرصا على استتباب التعامل وضروراته.

موقف الفقه الاسلامي اما بالنسبة الى الفقه الاسلامي فلا اجد فيه ما يمنع من الاخذ بفكرة الالتزام بالايجاب المقترن بمدة، وذلك عملا بمبدا سلطان الارادة، الذي بمقتضاه يمكن للشخص ان يلزم نفسه وبارادته الذاتية وحدها، وان كان هذا الالزام يوجد للغير حقا. ثم استنادا الى الحديث الشريف القائل بان المؤمنين عند شروطهم..فالشخص اذا ما شاء وهو عازم على ابرام عقد- ان يربط نفسه بقيد تطمينا للطرف الاخر وحسبانا لبعض الظروف، فليس ثمة ما يمنعه من ذلك طالما كان تصرفه هذا لا يخالف الجواز الشرعي.

بل ان هناك من توسع من الفقهاء في الزامية الايجاب، كالمالكية الذين جعلوا الايجاب ملزما في كل حالاته، طالما كان المتقاعدان منشغلين بموضوع التعاقد. حتى لو رجع الموجب عن ايجابه قبل صدور القبول، اذ يبقى الايجاب قائما وملزما حتى يقبل الطرف الاخر او ينتهي المجلس بالاعراض او بغيره..ومن باب اولى ان يظل الايجاب قائما لو قرن الموجب ايجابه بمدة،او اذا كان العرف قد جرى على تقييد الموجب بمدة محددة .

لكنه يبدو، بالنسبة الى راي الشيخ المفيد في المسالة، من خلال تحليل لفكرة العقد، انه لم يعط للايجاب قوته الملزمة الا اذا كان مقترنا بالقبول، مضافا الى ضرورة حصور التقابض. اذ يجوزبموجب هذا الشرط الاخير او فحواه (اي طالما لم يحصل التقابض) ان يرجع كل من المتعاقدين عن قوله بعدم ابرام العقد، ومن باب اولى ان يجوز للموجب اذا انفرد بايجابه لوحده ان يرجع عنه حتى لو اقترن بمدة..طالما كان التقابض، بالطبع، بعد لم يحصل.

ولعل اطلاق الحديث الشريف القائل: «البيعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا الا بيع الخيار» يؤيد هذا الاتجاه الذي تبدي من شيخنا المفيد، ذلك ان الخيار الذي يطلق عليه بخيار المجلس، يجعل لكل من البائع والمشتري بعد ابرام العقد ان يرجع عنه، الا اذا افترقا او خير احدهما للاخر بقوله: اختر فيقول: امضيت البيع او ما في معناه.. ومن باب اولى ان يكون للموجب الخيار او حق الرجوع طالما لم يقترن ايجابه بعد بالقبول، وان قيد بمدة.

المطلب الثاني:

الالتزامات غير المالية المبحث الاول: النذور والعهود النذر وحالاته النذر عبارة عن الزام الانسان نفسه بامر من الامور التي لم يكلفه اللّه تعالى به، قاصدا به القربة، كمن يوجب على نفسه ان يؤدي مناسك الحج، او يقوم بصوم يوم او شهر، ونحوها من الالتزامات غير المالية اذا عوفي من مرضه، او ربح في تجارته، او كفي شر عدوه..بل يمكن ان يسري النذر حتى الى الالتزامات المالية، مثل ان يوجب المرء على نفسه ان يقيم مشروعا خيريا بماله او يتصدق على الفقراء او نحو ذلك، ولكن حيث ان الالتزامات غير المالية في هذا المجال هي الاكثر شيوعا بين الناس، لذلك وضعنا هذا الموضوع تحت بندالالتزامات غير المالية.

مشورعية النذر:

ولا ريب في مشروعية هذه الحالات ونحوها من النذور..ذلك ان ضابط النذر ان يقع في طاعة، واجبا كان او مندوبا او مباحا راجحا، وان يكون مقدورا عليه اذ لا نذر في معصية اوفي شىء خارج عن حدود القدرة والطاقة، كما ورد في الحديث الشريف القائل: «لا نذر في معصية اللّه، وكفارته كفارة يمين».

صدور النذر عن ارادة منفردة وعليه فان الناذر يصير ملزما بارادته في الوفاء بما الزم به نفسه، فان لم يف بذلك ترتبت عليه كفارة مخصوصة تقوم على اساس التخيير بين عتق رقبة او صيام شهرين متتابعين او اطعام ستين مسكينا، او تقوم على اساسين من التخيير والترتيب والمنطبقين على كفارة اليمين حيث يلزم الناكل عتق رقبة او اطعام عشرة مساكين او كسوتهم، فان عجز عن ذلك صام ثلاثة ايام، على الراي المشهور عند الامامية، وبالاتفاق لدى فقهاء المذاهب الاربعة.

ومن ذلك يتبين ان انعقاد النذر انما يتم بارادة منفردة، هي ارادة الناذر، وانه بالتالي لا يجوز له الرجوع عما عقد به نذره لوجوب الوفاء به كما اشرنا، والا ترتبت عليه كفارة، اضافة الى الاثم.

كما يصح لنا من خلال ذلك، ان نعد النذر بعمومه حالة من حالات الالتزام بالارادة الواحدة، وخاصة اذا ما كان الالتزام منصبا على اداء مالي، باعتبار ان نظرية الارادة المنفردة تقتضيهابحسب الاصل.

شروط النذر ولكن انعقاد النذر متوقف في الاصل على اجراء صيغة مخصوصة تلك التي تقوم على بر او زجر او تبرع، وعلى شروط وضوابط متعددة... اتينا على بعضها آنفا.

العهد واليمين العهد، ومثله اليمين، ضربان من ضروب النذر..لذلك هما لا يختلفان عنه في الاحكام والشرائط والضوابط عدا ما يتصل بالصيغة.

فصيغة «العهد» ينبغي ان يعبر عنها بلفظ مخصوص دال عليها، كعاهدت اللّه او علي عهد اللّه ان افعل كذا.

اما صيغة «اليمين» فيلزم ان يتم فيها الحلف باللّه تعالى وحده،او احد اسمائه الحسنى، على ان لا يكون اليمين طريقا من طرق الاثبات في باب المرافعات.

ومن ذلك كله نستنتج ان الالتزام بالنذر وضروبه المختلفة من اليمين والعهد.. يلزم ان يكون ناشئا عن ارادة منفردة غير معتمدة على ارادة اخرى كما مر بنا في الحديث عن النذر وان توقف النذر واليمين في بعض التكاليف الشرعية على اذن الزوج والوالد مثلا، اما في العهد فلا يتوقف في الاصح على اذن احد ايا كانت درجة ولايته وسلطته. وطبيعي ان هذه الارادة لكي تنتج اثرها لابد من توافر الشروط العامة فيها من البلوغ والعقل والقصد والاختيار.

الاعتراض بشان لزومية النذر ولكن ثمة اعتراض اثير بشان حقيقة الالتزام وتوابعه من العهد واليمين، اذ قيل عن هذا الالتزام بانه لا يصح اعتباره التزاما شرعيا وفرديا بالمعنى المعروف عن الالتزامات والتصرفات القانونية، وذلك لعدم خضوع الامر فيه للتقاضي وما يترتب عليه من توقيع الجزاءات، فمن لم يف بنذره او عهده الشرعي او يمينه فلا يترتب عليه ما يترتب على النكول بالتصرفات الفردية العادية من جزاءات دنيوية او قضائية، من حيث ان امر الوفاء به واجب او مفترض بين العبد وربه فقط فلا يترتب عليه سوى جزاءات اخروية.

ولكن الواقع انه، وان لم يترتب على ذلك سوى جزاءات اخروية، فان فكرة الالتزام بالارادة المنفردة في النذر وشبهه تظل سارية، وملحوظة، حيث لا تخرج عن كونها حالة من حالات الالتزام بهذه الارادة، اذ لا يفرق على الاقل في نطاق الاحكام الشرعية ان يكون الالتزام ناشئا عن علاقة بين المرء وربه، او بينه وبين شخص آخر نظير له.

على ان بعض الفقهاء، كالحطاب من فقهاء المالكية، قد اراد ان يفرق في هذا المجال بين حالة ما اذا كان النذر لمعين، فانه يخضع للقضاء، وبين حالة ما اذا كان هذا النذر لغير معين فلا يقضى به. وتلك حالة خاصة..

وطبيعي انه لا يوجد لذلك النمط من الالتزامات القائمة على العلاقة بين العبد وربه اساس في القوانين الوضعية حتى يرد عليها النزاع، او تثور بشانها فكرة الالتزام، وما يقتضيها من مرافعات قضائية.

المبحث الثاني:

الطلاق وبعض حالاته التعريف الطلاق عبارة عن رفع القيد الثابت شرعا بالنكاح، وفق صيغة واحكام مخصوصة، او هو على حد تعبير بعض الفقهاء وبعض التقنينات الوضعية: «حل عقدة الزواجبصيغة مخصوصة.

وقوع الطلاق بالايقاع ويتم الطلاق، في الاصل، بالايقاع اي بارادة الزوج المنفردة، اذ لا يتوقف وقوعه على رضا الزوجة او قبولها، لان «الطلاق لمن اخذ بالساق» كما في الحديث الشريف.

وهذا الحكم متفق عليه بين الفقهاء، خلافا لبعض القوانين الوضعية التي اناطت امر الطلاق في بعض حالاته برضى الزوجة، او بطلب يصدر من احدهما.

كما لا شان بوقوع الطلاق ان يتم عن طريق المحكمة الشرعية او غيرها من الهيئات القضائية، او ان يبادر الى توثيق اشهار طلاقه لدى الموثق المختص او ان يقدم لهذا الموثق اقرارا كتابيا يتضمن حالته الاجتماعية فتلك اجراءات شكلية اقتضتها طبيعة الظروف الاجتماعية..

وعليه، فمن طلق بارادته المنفردة امام شاهدين عدلين مسلمين (واشهدوا ذوي عدل منكم) «الطلاق/2» بصيغة:

«انت طالق» وما سواها من الصيغ الصريحة التي تفيد التعيين فقدبانت بواحدة.

تجريد صيغة الطلاق ولعل الطلاق هو ابرز واظهر حالات «الايقاع» الناشي ء بارادة منفردة، وذلك لعدم توقفه على رضا الزوجة او قبولها كما مر ، ولتجريده من التعليق على شرط او صفة، وخلوصه من الاكراه والهزل، حيث تحل الرابطة الزوجية التي هي عصمة مستفادة من الشرع بمجرد ايقاع صيغة الطلاق الصريحة المجردة عن اي شرط او صفة او شكلية.

ولذلك لا يقع الطلاق في الراي المشهور عند الامامية بالكتابة ولا بالكناية ولو نوى بها الطلاق، ولا باي شكل من الاشكال المؤدية الى اللبس والاغلاق، اعتمادا على ما صرح به الامام الباقر بصيغة الحصر: «..انما الطلاق: ان يقول: انت طالق..».

ولكن لفقهاء المذاهب الاربعة آراء اخرى مختلفة في هذا المجال، حيث افاد الشيخ ابن رشد في كتابه المقارن عن بعض ذلك بقوله: «وكل الذي اتفقوا فيه ان الطلاق يقع اذا كان بنية وبلفظ صريح، ولكنهم اختلفوا هل يقع بالنية الذي ليس بصريح، او بالنية دون اللفظ، او اللفظ دون النية. واتفق الجمهور منهم على ان الفاظ الطلاق المطلقة صنفان صريح وكناية» كماصرح غيره بان الطلاق يقع بالصريح وان لم ينوه جادا او هازلا ونحو ذلك من الاختلافات في الاحكام التي تشوه صورة الطلاق المشرقة المبنية على ارادة منفردة صريحة ومجردة.

الطلاق الرجعي التعريف الرجعة عبارة عن «اعادة مطلقة غير بائن الى ما كانت عليه بغير عقد».

وعليه فالرجعة حق اعط ي للزوج وحده باعادة الرابط الزوجية بعد حلها، طالما كانت العدة قائمة والشروط مستوفاة، وهي نوع من انواع ما يسمى بالطلاق السني قبالا للطلاق البدعي الذي يخترق بعض الشروط او يخل بها.

الرجعة ايقاع وتعد الرجعة بصورتها الشرعية، المذكورة «ايقاعا» يتم بارادة الزوج المنفردة ولا يتوقف على ارادة الزوجة كطرف آخر، ولذلك صرح بعض الفقهاء بما يفيد ان الزوج: «هو املك برجعتها ما لم يخرج عن عدتها» لكنه لم يشترط كما هو الراي الارجح في الرجعة الاشهاد، خلافا لاصل الطلاق، وان استحبه احتياطا لثبوت الولد منه.

ويظهر ان الحكم بعدم توقف الرجعة على رضا الزوجة باعتبارها ايقاعا امر متفق عليه بين فقهاء المسلمين جميعا دونهما خلاف، حيث صرح الشيخ ابن رشد بعدم اعتبار رضاالزوجة في الرجعة، مسندا هذا الحكم الى اجماع المسلمين لقوله تعالى (وبعولتهن احق بردهن) «البقرة/228».. بل جعل الامام مالك عدم اشتراط رضا الزوجة جزءا من التعريف بالرجعة، حيث قال: «ان الرجعي هو الذي يملك فيه الزوج رجعتها من غير اختيارها» لكن الرجعة تتميز من اصل الزواج بانها تصح بالفعل، اي بالممارسة الجنسية، مثلما تصح بالقول الصادر عنه، خلافا للشافعي الذي قصر حق الرجوع بالقول وحده، ولكن مع القدرة.

المبحث الثالث:

الاعتاق وما يجري مجراه يطلق على العتق ويراد به: «خلوص الادمي او بعضه من الرق منجزا بصيغة مخصوصة». وهذه الصيغة في الاصل متنزعة من كلمة التحرير او ما بمعناها. ومعلوم ان الرق يختص باهل الحرب من دون اهل الكتاب القائمين بشرائط الذمة والمحميين بالعهد.

ويجمع الفقهاء على ان العتق هو من اظهر اعمال الخير والاحسان، واكثرها اجرا وفضلا حتى روي عن الرسول الاعظم(ص) قوله: «من اعتق عبدا مؤمنا لوجه اللّه اعتق بكل عضو منه عضوامن النار».

اسباب ازالة الرق وتكون، في الاصل، ازالة الرق باحد اسباب اربعة هي ما يقال لها اصطلاحا: المباشرة، والسراية، والملك، والعوارض، ولكل من هذه الاسباب ونحوها شرائط واحكام اتى الفقهاءعلى تفصيلها، ولكننا لا نجد اليوم اية فائدة من وراء عرضها.

زوال العبودية بارادة منفردة وتزول العبودية او الرقية بارادة المولى المنفردة، من دون ان يكون للمعتق او العبد اي خيار في ذلك، اذ يصبح بمجرد اجراء صيغة العتق (بالمباشرة) حرا، وقادرا على ان يتصرف كيف يشاء بما اباحه اللّه تعالى اياه من وجوه التصرف. كما يكون املك بنفسه من اي احد في معيشته وتصرفه.

التدبير وهكذا الشان بالنسبة الى صورة التحرير الاخرى التي تحدث بالتدبير لا بالتحرير الفعلي، ومعلوم ان «التدبير» هو عتق يجري مجرى الوصية، بمعنى ان عملية التحرير لا تكون ماضية ومنجزة الا بعد وفاة مالك العبد او مولاه، وانما سميت هذه الصورة بالتدبير، لان المدبر دبر امر دنياه باستخدامه واسترقاقه وامر آخرته باعتاقه.

المكاتبة ولكن المكاتبة وهي صورة من صور التحرير لا تحصل الا بالاتفاق بين العبد وسيده، حيث يمكن العبد فيها من شراء نفسه من مولاه بمال يكتسبه العبد- حينما يتيسر له ان يكون صاحب عمل او مكسب.

وقد عبر بعض الفقهاء بالفعل عن هذه الحالة ب«المكاتبة» اي بصيغة المفاعلة التي تحتاج في انعقادها الى طرفين والى وجود اتفاق بينهما يقضي بانهاء حالة الرق. وهذه المكاتبة تتميز بكونهامربوطة باداء مبلغ، ومنجمة على اساس دفع هذا المبلغ باقساط، ومدعمة بشهادة الشهود.

وبهذا الشكل تخرج هذه الصورة على وجه الخصوص عن حالات فكرة الالتزام بالارادة المنفردة وتطبيقاتها.

المطلب الثالث:

اسقاط الحقوق والالتزامات انشاء الحقوق واسقاطها الارادة المنفردة مثلما يمكن ان تصير مصدرا او سببا لانشاء الحقوق والالتزامات مثلما يمكن ان تصير سببا آخر لاسقاطها وانهائها..وقد مر البحث مطولا في الحالات المتعلقة بانشاء تلك الحقوق والالتزامات القائمة على ارادة منفردة، ويظل من مهمتنا البحث في الحالات المتعلقة باسقاط هذا النحو من الحقوق والالتزامات.

اسقاط الحقوق ثم ان هذا الاسقاط قد يكون حالة واردة على عين..، كما قد يكون حالة واردة على دين.

الحقوق العينية:

وابرز حالات الاسقاط للحقوق الواردة على عين.. والتي خصها الدارسون بالبحث هي كل من حقوق الرهن، حيازية كانت او تامينية، وحقوق الارتفاق. سقيا كانت او شربا او مرورا او مطلا،ثم حق الشفعة باعتباره في راي حقا شرعيا قابلا للاسقاط..ونظائرها من الحقوق الواردة على الاعيان او الاشياء والتي يمكن اسقاطها بارادة واحدة، وهذه الحقوق والحالات سوف لانعرض لها بالبحث، لانها خارجة عن موضوع النزاع بين فقهاء القانون على الاقل، لان موضع الخلاف بينهم والذي انعكس بدوره على الفقهاء المسلمين يقوم كما مر على الحقوق الشخصية المتعلقة بالذمة او الدين.

الحقوق المتعلقة بالدين:

اما الحقوق المتعلقة بالذمة او الدين فلا يمكن حصرها لانها ليست كالاعيان، ولكنه يمكن حصر اسباب سقوطها او على الاقل بيان اهمها، وهي: الابراء، والوفاء، واتحاد الذمة، والمقاصة،ومرور الزمان المانع من سماع الدعوى..الموسوم في الاصطلاح القانوني بالتقادم.

واسباب سقوط هذه الحقوق..منها ما يمكن ان يسقط بارادة منفردة بالابراء، ومنها ما لا يمكن ان يسقط الا بارادة مزدوجة كالوفاء او بواقعة مادية كالتقادم.

وطبيعي اننا سوف لا نعرض الا لتلك الحالة التي تتم بارادة منفردة وهي الابراء..خاصة وان هذه الحالة تعتبر، فقها وقانونا، من ابرز حالات الالتزام بالارادة المنفردة، او على الاقل من ابرزالحالات التي فشا النزاع طويلا بشانها بين الفقهاء، وهذا ما سنراه.

الابراء: سبب من اسباب سقوط الحقوق بالارادة المنفردة تعريف وتوصيف الابراء، اصطلاحا هو «حالة من التصرف الشرعي الذي يؤدي الى اسقاط ما في الذمة من حقوق مالية للغير اختيارا بدون عوض».

وهذه الحالة من الابراء تختلف عن حالة «البراءة للذمة» التي تنتهي الى تساقط الحقوق والالتزامات بالوفاء المتبادل، والتي اشار اليها بعضهم تحت عنوان «مختصر كتاب البراءات»،حيث تضمن هذا المختصر بيان اقرار الدائن بوفاء المدين له بحقوقه كاملة، الامر الذي ترتب عليه براءة ذمته، وذلك عن طريق «رسم كتبي».

نشوء الابراء بارادة منفردة ثم ان الابراء باعتباره ايقاعا او ناشئا عن ارادة منفردة لم يسلم من الجدل والنقاش بين الباحثين من رجال الفقه والقانون، فقد ثار فيه الجدل واسعا ولا تزال ذيوله قائمة حتى الان حول سببية نشوئه، حيث ذهب بعض هؤلاء الباحثين الى اعتبار الابراء تصرفا شرعيا او قانونيا ناشئا من جانب واحد، هو ارادة الدائن المنفردة، بينما ذهب بعضهم الاخر الى اعتباره تصرفا صادرا من جانبين متمثلين بارادة كل من الدائن والمدين.

وقد نزع الى الاتجاه الاول جمهرة الفقهاء على اساس ان الغرض الاساسي من الابراء هو الاسقاط للحق كالشفعة، والقصاص، والطلاق، وليس الغرض منه هو التمليك للعين كالتبرعات.

كما نزع الى الاتجاه نفسه كثير من التقنينات الوضعية التي يمكن استخلاص هذه الفكرة منها بشكل واضح.

اما الاتجاه الثاني الذي اعتبر الابراء تصرفا صادرا من جانبين، فقد نزع اليه جانب من الفقه الاسلامي يتمثل بالمالكية وقول للشافعية، وذلك اعتبار ان في الابراء دلالة على نقل الملكية،حكمه في ذلك حكم التصرفات القائمة على التبرع والتي لا يملك احد بارادته المنفردة ان يجبر الاخرين بقبولها، كما نزع الى هذا الاتجاه الثاني بعض التقنينات الوضعية، ومن بينهاالقانون المدني الفرنسي وقانون الموجبات والعقود اللبناني.

وطبيعي ان الاخذ باحد الاتجاهين المذكورين ليست مسالة نظرية بقدر ما هو مسالة عملية تترتب عليها آثار شرعية وقانونية مختلفة.

ولكن ليس من مهمتنا، في هذا النطاق الضيق من البحث، ان نعني بهذا النحو من المجادلات، وبخاصة بعد ان كاد يستقر الراي الفقهي، بل القانوني، على اعتبار الابراء حالة من حالات الارادة المنفردة التي تقوم على جانب واحد متمثل بارادة الدائن وحده التي لا يتوقف ايقاعها نفسه على قبول ارادة الطرف الاخر ورضاه، كما نصت بالفعل على ذلك بعض التقنينات الوضعية كما مرت الاشارة اليها آنفا. فمن شاء ان يبرىء مدينة بارادته ورغبته واحاسيسه الخيرة..استطاع ذلك.

وان اباه هذا المدين او رده، سقط كل من الحق والالتزام الناشئين عن الدين بالتقابل..لا بالتقايل! صحيح ان الابراء قد لا يمكن فرضه على المدين، اذ يجوز ان يكون هذا المدين غير راغب في هذا التنازل بناء على ما قد يكون فيه من منة ياباها المدين ويترفع عنها، مضافا الى ما قد يكون في ذلك من مساس بكرامته واعتباره الادبي او التجاري.

ولكن طالما سقط الحق بالابراء، فان الالتزام المتصل به لا يعود بناء على قاعدة فقهية عامة واردة في هذا المضمار مضافا الى ان العودة تعني انشاء التزام جديد، وذلك لا يكون الا باتفاق، ومن ثم قالوا انه لا يجوز الرد بارادة واحدة.

بل ان الابراء يظل موصوفا بانه تصرف صادر من جانب واحد حتى لو قلنا انه يرتد بالرد، وذلك وفقا لراي بعض الفقهاء الذي جاء توفيقا بين الاتجاهين، وطبقا لنص قانوني يقول: ان «الابراءيتم متى وصل الى علم المدين ويرتد بالرد».. وذلك بعد ان صرح في مقدمته ان الالتزام ينقضي: «اذا ابرا الدائن مدينة مختارا..» وقد تطابق بالفعل على هذا الحكم، بل وعلى هذا النص حرفيا كثير من التقنينات الوضعية السائدة.

الإرادة المنفردة


الإرادة المنفردة la volonté unilatérale عمل قانوني صادر من جانب واحد ينتج آثار قانونية معينة، فهو على هذا الأساس، يتم بإرادة واحدة، ولا يمثل إلا مصلحة طرف واحد. فأما كونه يتم بإرادة واحدة، فهذا يعني أنه يتم بتعبير واحد عن الإرادة، ولا يتوقف في إنتاج آثاره إلا على إرادة من صدر منه التعبير. وأما كونه يمثل مصلحة طرف واحد، فهذا يعني أن المتصرف بالإرادة المنفردة لا يستهدف من تصرفه إلا مصلحته هو من دون أن تدخل مصلحة الغير في حسبانه.
وقد عَدّت معظم القوانين العربية الإرادة المنفردة مصدراً للالتزام في حالات محددة، أي أنها مصدر استثنائي له، إلى جانب العقد [ر] الذي يعدّ هو المصدر العام للالتزام.
وإذا كان التصرف بالإرادة المنفردة ينشأ بإرادة المتصرف وحده، فإنه ينقضي أيضاً بإرادته، أما مصلحة الغير الذي كان مقصوداً بآثار التصرف بالإرادة المنفردة، فيحميها القانون حين يجعل هذا التصرف نهائياً لا يجوز الرجوع عنه إلا من المتصرف نفسه وفي شروط معينة.
وقد وردت في القوانين الوضعية العربية صور تطبيقية متفرقة للإرادة المنفردة بوصفها مصدراً للالتزام، ومن هذه الصور، الوقف [ر] والوصية [ر] والإقرار [ر] والوعد بجائزة.
تسري على تصرف الإرادة المنفردة الأحكام الخاصة بالعقد عدا ما تعلق منها بوجود إرادتين والذي تأباه طبيعة التصرف الأحادي. وعلى هذا الأساس، يجب أن تتوافر في التصرف الذي تنشئه الإرادة المنفردة الشرائط التالية:
ـ أن يصدر تصرف الإرادة المنفردة عن إرادة جدية ترمي إلى إنشاء الالتزام.
ـ أن يكون لالتزام المتصرف سبب، وأن يكون الدافع إلى التصرف مشروعاً، كما يجب أن يكون له محل.
ـ أن يكون المتصرف بإرادته المنفردة، متمتعاً بالأهلية اللازمة لذلك، فلا تُعَدُّ تصرفات المجنون جنوناً مطبقاً صحيحة لفقدانه أهلية التصرف.
كما يجب أن تكون إرادته خالية من أي عيب من العيوب التي تعتريها أحياناً، كالإكراه والغلط والتدليس والغبن الاستغلالي فلا يعدّ صحيحاً تصرف الإرادة المنفردة الصادر تحت وطأة الإكراه مثلاً.
وللإرادة المنفردة بوصفها مصدراً استثنائياً للالتزام، حالات تطبيقية مختلفة في القانون، ذكرت على سبيل الحصر كالإيجاب الملزم والوصية والوقف، إذ ليس للإرادة المنفردة أي سلطان في خلق تصرفات وحيدة الطرف لم يذكرها القانون، بل يقتصر دورها على تحديد مضمون التصرف القانوني الأحادي الذي أجازه القانون، ولعل أهم تطبيق لنظرية الإرادة المنفردة في القانون المدني السوري والقوانين العربية الأخرى، هو الوعد بجائزة.
الوعد بجائزة هو تخصيص أجر لشخص لن يتعين إلا بتنفيذ الأداء الذي حدده الواعد. كأن يعلن شخص عن جائزة لمن يصنع دواء لمعالجة مرض مستعص، أو لمن يعثر على أشياء مفقودة أو لمن يخترع آلة لغرض معين. فمن قام بكشف الدواء أو من عثر على الأشياء المفقودة أو من نجح في اختراع الآلة، استحق الجائزة التي أعلن عنها الواعد. والوعد بالجائزة معروف في الفقه الإسلامي، وقد عالجه الفقهاء تحت عنوان الجعالة. والجعالة، هي أن يجعل أحد شيئاً معلوماً لمن يعمل له عملاً كما لو قال صاحب حاجة فقدت منه، من ردها إليّ فله جائزة قدرها كذا.
ولكي يكون الوعد بجائزة منشئاً للالتزام، يجب أن تتوافر فيه الشروط الآتية:
ـ أن يكون الوعد بجائزة وعداً جاداً صادراً عن شخص ذي أهلية وعن إرادة خالية من العيوب.
ـ أن يكون الوعد موجهاً إلى الجمهور لا إلى شخص معين، فإذا وجه إلى شخص معين أو فئة معينة خرج عن كونه وعداً وأصبح إيجابياً لا ينشئ التزاماً إلا إذا اقترن بقبول، فيكون مصدر الالتزام هو العقد لا الإرادة المنفردة.
ـ أن يوجه الوعد إلى الجمهور بصورة علنية، كالإعلان في الصحف أو في إحدى طرق النشر المعروفة كالإذاعة والتلفاز أو بتوزيع النشرات وتثبيت الملصقات على ألواح الإعلان المخصصة لذلك في الطرق العامة والشوارع.
ـ أن تكون ثمة جائزة مادية أو أدبية يلتزمها الواعد، أي أن يتضمن الإعلان المنشور تحديداً بيّناً للجائزة التي يلتزم الواعد إعطاءها من جهة، والعمل المطلوب القيام به لاستحقاق الجائزة من جهة أخرى.
وللواعد إضافة إلى ذلك أن يشترط ما يشاء من الشروط لاستحقاق الجائزة، كأن يحدد أوصاف الآلة التي يجب اختراعها، أو الدواء الذي يجب صنعه، وله ألاّ يشترط أية شروط.
أما آثار الالتزام الناشئ عن الوعد بجائزة فهي:
1ـ إذا حدد الواعد مدة لإنجاز العمل فإنه لا يجوزله أن يرجع عن وعده في المدة التي حددها، وإذا قام أحد بالعمل في المدة المحددة، يصبح دائناً للواعد بالجائزة ولو لم يكن يعلم بالوعد. أما إذا انقضت المدة المحددة ولم يقم أحد بالعمل المطلوب، فإن التزام الواعد ينقضي.
وإذا قام شخص بعد ذلك بالعمل، فلا يلتزم الواعد أداء الجائزة ولا يسأل عنها.
2 ـ أما إذا لم يحدد الواعد مدة لإنجاز العمل، فله أن يرجع عن وعده قبل أن يتم أحد العمل المطلوب، ويتحلل بذلك من التزامه، على أن يتم رجوعه بالوسائل نفسها التي تم بوساطتها الإعلان عن الوعد للجمهور. ولكن إذا كان هناك من بدأ العمل قبل أن يعلن الواعد الرجوع عن وعده ولم يتمه بعد، أو أتمه بعد الرجوع، فإنه لا يستحق الجائزة ولكن على الواعد أن يرد عليه ما أنفقه بتعويض مناسب.
وعندما ينجز المستفيد العمل المطلوب القيام به، يستحق الجائزة من الواعد وتدخل في ذمته المالية، كما تؤول إلى ورثته بوفاته حتى لو كانت الوفاة قبل علمه بالوعد.
وتتقادم دعوى المطالبة بالجائزة بانقضاء خمس عشرة سنة من يوم إنجاز العمل سواء أكان الواعد قد حدد مدة لذلك أم لم يحدد. أما إذا رجع الواعد عن وعده، وكان المستفيد قد أتم العمل قبل إعلان الرجوع، فإن للمستفيد أن يطالب بالجائزة في غضون ستة أشهر من تاريخ إعلان الرجوع على الجمهور. وهذه المدة مدة سقوط لا مدة تقادم، أراد بها الشارع أن يمنع كل محاولة مصطنعة يراد بها استغلال الوعد بالجائزة بعد إعلان العدول.


_________________

التصرفات القانونية من جانب واحد - الارادة المنفردة ((سورى ))




تعتبر الإرادة المنفردة تصرفاً قانونياً من جانب واحد ، و يطلق عليها تسمية التصرف القانوني الأحادي ، و يقصد بذلك كل تعبير عن الإرادة يتم و ينتج أثره بإرادة صاحبه وحدها .

[ الإرادة المنفردة مصدر من مصادر الالتزام ... و هي مصدر إرادي ، أو تصرف قانوني ... تذْكَّر : المصدر الإرادي الآخر هو العقد ، فالعقد يتطلب إرادتين ، أما الإرادة المنفردة فهي إرادة واحدة ] .

ـ التمييز بين الإرادة المنفردة و العقد الملزم لجانب واحد :

# العقد الملزم لجانب واحد لا ينشأ إلا بتطابق إرادتي شخصين ، و إن كان لا يرتب التزاماً إلا في ذمة أحدهما فقط ، و لذا فهو ثنائي من حيث انعقاده , و أحادي من حيث آثاره .

# أما التصرف بالإرادة المنفردة فهو أحادي من حيث نشوئه , و أحادي من حيث آثاره .

والإرادة المنفردة قد تكون سبباً في كسب الحق العيني ، كالوصية . أو سبباً في انقضاء الحق العيني كالنزول عن حق الارتفاق أو حق الرهن .

و قد تكون سبباً في بقاء الحق الشخصي ، كإجازة العقد القابل للإبطال ، أو كإقرار العقد الصادر من الغير .

و قد تكون سبباً في زوال الرابطة التعاقدية ، كعزل الوكيل .

كما قد تكون سبباً في إسقاط الحق الشخصي ، كالإبراء .

ـ الاتجاهات المختلفة لدور الإرادة المنفردة في إنشاء الالتزام :

يتنازع دور الإرادة المنفردة في إنشاء الالتزام نظريتان : نظرية فرنسية و أخرى ألمانية .

أ ـ النظرية الفرنسية : تأثرت النظرية الفرنسية بالمذهب الشخصي الذي كان سائداً في القانون الروماني ، فقالت :

إن الإرادة المنفردة لا تستطيع أن تلزم صاحبها ، و من ثم لا تصلح لإنشاء الالتزام ، و إنما يجب أن تلتقي مع إرادة أخرى ( و هذا هو العقد ) .

ب ـ النظرية الألمانية : تأثرت هذه النظرية بالمذهب الموضوعي . و تتلخص بأن الإرادة المنفردة تملك القدرة على إنشاء الالتزام و إنهائه ، فإرادة المدين هي التي تنشئ الالتزام ، أما إرادة الدائن فيقتصر دورها على الانضمام إلى الإرادة الأولى ليثبت بذلك حقه .

ـ موقف المشرع السـوري من الإرادة المنفـردة :

اعتبر القانون المدني السوري الإرادة المنفردة مصدراً استثنائياً لإنشاء الالتزام ، حين ينص القانون على ذلك . و من تطبيقاتها :

1 ـ إرادة الموجب هي مصدر التزامه في الإيجاب الملزم ، بالبقاء على إيجابه المدة التي يحددها أو التي تحددها ظروف الحال أو طبيعة المعاملة .

2 ـ لدى إنشاء الشركات الخاصة ، تعتبر الإرادة المنفردة لمؤسس الشركة هي مصدر التزام هذا المؤسس ( أو ورثته ) بأن ينقل للشركة ملكية المال الذي خصصه لها .

3 ـ الوصية : و هي تصرف شخص في ماله أو في جزء منه إلى شخص آخر لما بعد وفاة الموصي . و هي تنشأ بإرادة الموصي وحدها ، و لكنها لا تصبح لازمة إلا بعد وفاة الموصي ، لأنه يستطيع الرجوع عنها حتى حصول الوفاة .

4 ـ الإبراء : وهو تصرف بإرادة منفردة يترتب عليه انقضاء الالتزام ، و لكنه يرتد إذا علم به المدين ورده .

5 ـ الوقف : و فيه تعتبر الإرادة المنفردة مصدر التزام الواقف أو ورثته بقيد الوقف في السجل العقاري .

6 ـ الوعد بجائزة :















نصت المادة 163 من القانون المدني السوري على ما يلي :

" 1 ـ من وجه للجمهور وعداً بجائزة يعطيها عن عمل معين ، التزم بإعطاء الجائزة لمن قام بهذا العمل ، ولو قام به دون نظر إلى الوعد بالجائزة أو دون علم بها .

2 ـ و إذا لم يعين الواعد أجلاً للقيام بالعمل ، جاز له الرجوع في وعده بإعلان للجمهور ، على أن لا يؤثر ذلك في حق من أتم العمل قبل الرجوع في الوعد . و تسقط دعوى المطالبة بالجائزة إذا لم ترفع خلال ستة أشهر من تاريخ إعلانه العدول للجمهور " .

ـ تعريف الوعد بجائزة :

هو تعبير موجه إلى شخص غير معين من الجمهور ، يتضمن وعداً بإعطاء جائزة لمن يقوم بعمل معين .

ـ أمثلة : كالوعد بإعطاء جائزة لمن يقوم بتحقيق اختراع علمي أو صناعي في موضوع معين ، أو لمن يعثر على شيء ضائع ، أو لمن يقبض على مجرم معين ، أو لمن يرشد إلى عصابة ما ... الخ .

ـ شروط الوعد بجـائزة :

يشترط لقيام الوعد بجائزة توافر الشروط التالية :

1 ـ أن تصدر من الواعد إرادة جدية :

و يجب أن تكون هذه الإرادة صادرة من شخص أهل للالتزام بما وعد ، و أن تكون خالية من عيوب الإرادة ، و مستكملة لشرائط المحل و السبب ، و إلا كان الوعد عرضة للإبطال .

و يقصد بالسبب هنا ، سبب الالتزام ، و معنى هذا أن التزام الواعد يجب أن يكون له سبب ، هو قيام مسـتحق الجائزة بعمل معين ، فإذا انعدم السبب بطل التزام الواعد كالتزام بإرادة منفردة .

و لكن بطلان التزام الوعد بإرادته المنفردة لتخلف السبب لا يمنع من قيامه إذا توافرت أركان مصدر آخر له .

مثال : صدور وعد بجائزة لمن يوجد في مركز معين ، دون أداء أي عمل ( كمن يولد في يوم معين ، كالعيد الوطني ، أو كمن يوجد في مكان معين كالطائرة الفلانية ) ... يبطل كوعد بجائزة لعدم وجود السبب ( الأداء ) ، و لكن يمكن أن يعتبر هبة إذا توافرت أركانها .

لاحظ : الوعد بجائزة في القانون المدني السوري لا يتناول إلا القيام بعمل معين , كالعثور على شيء ضائع ، أي لا يتناول من يوجد في مركز معين كالمولود في يوم معين .

ولكن في القانون المدني الإيطالي يصح أن يكون الوعد بجائزة لمن يوجد في مركز معين , أو لمن يقوم بعمل معين .

2 ـ أن تتوجه إرادة الواعد إلى الجمهور :

أي إلى أشخاص غير معينين ، لأنها إذا وجهت لشخص معين فتعتبر إيجاباً لا بد أن يقترن به

قبول ، و بذلك نكون أمام التزام عقدي ، و ليس أمام تصرف بالإرادة المنفردة .

3 ـ أن يتم توجيه الإرادة إلى الجمهور بشكل علني :

كالإعلان في الصحف أو في الإذاعة أو التلفزيون .

و الغاية من العلانية ، تيسير وصول الوعد إلى علم عدد كبير من الناس .

4 ـ أن تكون هناك جائزة يلتزم بها الواعد :

سواء في ذلك أن تكون الجائزة مادية كمبلغ من المال ، أو نفقات رحلة ، أو أن تكون أدبية ( معنوية ) كوسام أو كأس أو غير ذلك من علامات التقدير .



ـ آثار الوعـد بجائـزة :

و هنا يجب التمييز بين حالتين :

الأولى : ما إذا كان الوعد قد صدر مقيداً بمدة يجب إتمام العمل خلالها .

الثانية : ما إذا صدر الوعد مطلقاً أي بدون تحديد مدة .

الحالة الأولـى ـ تقييد الوعد بمدة :

إذا صدر الوعد مقيداً بمدة يجب إتمام العمل خلالها ، التزم الواعد بإرادته ، و امتنع عليه العدول عن وعده خلال المدة المحددة .

فإذا قام شخص بإتمام العمل المطلوب قبل انتهاء المدة ، فيصبح من قام به دائناً بالجائزة ، ولو لم يصدر في ذلك عن رغبة في الحصول عليها ، بل ولو كان جاهلاً بالوعد ، وهذا ما ينفي عن الوعد بجائزة صفته العقدية .

أما إذا أنجز العمل بعد انتهاء المدة ، فلا يمكن الرجوع على الواعد على أساس الالتزام بالإرادة المنفردة ، لأن هذا الالتزام ينقضي بانقضاء المدة المحددة في الوعد ، و لذا يكون لمن

أتم العمل بعد انقضاء المدة الرجوع على الواعد على أساس الإثراء بلا سبب .

الحالة الثانية ـ عدم تقييد الوعد بمدة :

في هذه الحالة يلتزم الواعد بالوعد الصادر منه ، و لكن يحق له الرجوع عنه بنفس الطريقة التي تم بها ، أي بطريق الإعلان في الصحف أو الإذاعة ... الخ .

و لا تخلو الحال في الفترة التي تمضي بين إعلان الوعد المطلق و العدول عنه من أحد الفروض الثلاثة التالية :

أ ـ إذا لم يكن قد بدأ أحد في تنفيذ العمل المطلوب : تحلل الواعد نهائياً من التزامه الانفرادي .

ب ـ إذا أتم شخص العمل المطلوب قبل إعلان الواعد العدول عن وعده : كان له مطالبة الواعد بجائزة على أساس التزامه بالإرادة المنفردة ، ولو كان جاهلاً هذا الوعد .

وعلى المستفيد رفع الدعوى بالجائزة خلال ستة أشهر من تاريخ إعلان الرجوع , تحت طائلة السقوط ، فهي مدة سقوط لا مدة تقادم .

ج ـ إذا بدأ شخص في تنفيذ العمل المطلوب ، و صدر عدول الواعد قبل إتمامه ، كان له الرجوع على الواعد لا على أساس التزامه الانفرادي ، لأنه انقضى ، بل على أساس المسؤولية التقصيرية ، وفي هذه الحالة يحكم له بتعويض عن الضرر الذي أصابه , دون أن يجاوز هذا التعويض مقدار الجائزة .

ـ سقوط دعوى المطالبة بالجائزة :

إذا لم يكن الواعد قد رجع عن وعده ، فإن حق المستفيد من الجائزة ينقضي بالتقادم العادي ، أي بمرور خمس عشرة سنة من يوم تمام العمل .

أما إذا رجع الواعد عن وعده ، ثم تبين أن العمل قد تم قبل إعلان رجوعه ، فإن حق المستفيد بالادعاء بالجائزة يسقط إذا لم يرفع دعوى المطالبة بالجائزة خلال ستة أشهر من تاريخ إعلان العدول ، تحت طائلة السـقوط ، فهي مدة سقوط و ليست تقادماً .

و قد راعى المشرع هنا وجوب قطع السبيل على كل محاولة مصطنعة يراد بها استغلال الوعد بجائزة بعد إعلان العدول , و حسم المنازعات التي قد تنشأ بسبب تقادم العهد على الجائزة , و صعوبة الإثبات .

بحث الارادة المنفردة ((جزائرى))


خطـة البحــــــث



- الـــمقدمــــة

- المبحث الأول: مفهوم الإرادة المنفردة

المطلب الأول : مفهوم الصرف بالإرادة المنفردة

المطلب الثاني : هل الإرادة المنفردة مصدر عام للإلتزام

المطلب الثالث : موقف المشرع الجزائري من الإرادة المنفردة

المطلب الرابع : التطبيقات التشريعية للإلتزام بالإرادة المنفردة في القانون الجزائري .

- المبحث الثاني : الوعد بجائزة

المطلب الأول : تعريف الوعد بجائزة

المطلب الثاني : شروط الوعد بجائزة

المطلب الثالث : أحكام الوعد بجائزة

- الخــاتمــة








مقدمـــــة



إن مصدر الإلتزام هو سبب نشوئه أو الواقعة التي يترتب على حدوثها نشوء الإلتزام، لأن الالتزام أمر عرضي في حياة الأشخاص لابد من سبب ينشئه في ذمتهم فالتزام المشتري يدفع ثمن مصدر عقد البيع، والتزام المتاجر بدفع الأجرة مصدره عقد الإيجار، والتزام المتسبب في ضرر بتعويض هذا الضرر مصدره الفعل الضار، والتزام الإنفاق على أولاده مصدره نص في القانون وهكذا .

وقد قسم الفقيه الفرنسي بوتيه مصادر الالتزام إلى خمسة مصادر منشئا منها الإرادة المنفردة حيث أخذ بهذا القسيم التقنين المدني الفرنسي و التقنينات التي نسجت على منواله ومع منتصف القرن التاسع عشر واجه انتقادات لاذعة من طرف الكثيرين من الفقهاء وعلى رأسهم بلانيول الذي انتقده بقوله على أنه ناقص لأنه لم يذكر الإرادة المنفردة إلى جوار العقد كمصدر المصادر الإرادية للإلتزام .

وسنقوم في هذا البحث بدراسة الإرادة المنفردة كمصدر الالتزام من حيث المصادر الإرادية كالآتي :

- المبحث الأول: مفهوم الإرادة المنفردة

- المطلب الأول : مفهوم الصرف بالإرادة المنفردة

- المطلب الثاني : هل الإرادة المنفردة مصدر عام للإلتزام

- المطلب الثالث : موقف المشرع الجزائري من الإرادة المنفردة

- المطلب الرابع : التطبيقات التشريعية للإلتزام بالإرادة المنفردة في القانون الجزائري .

- المبحث الثاني : الوعد بجائزة

- المطلب الأول : تعريف الوعد بجائزة

- المطلب الثاني : شروط الوعد بجائزة

- المطلب الثالث : أحكام الوعد بجائزة











المبحث الأول : مفهوم الإرادة المنفردة

المطلب الأول : مفهوم الصرف بالإرادة المنفردة

يقصد بالإرادة المنفردة إرادة شخص واحد، وهي تختلف في هذا عن العقد الذي يقوم على تطابق إرادتين لشخصين مختلفين[1] .

فالإرادة المنفردة هي تصرف قانوني من جانب واحد، وهي قادرة على إحداث آثار قانونية متعددة، كإنشاء الأشخاص الاعتبارية، أو الوقف، أو المؤسسات الخاصة . كما أنها قادرة على أن تنشئ حقا عينيا كما في النزول عن حق ارتفاق أو رهن ، وهي قادرة على تصحيح عقد قابل للإبطال، كما في الإجازة، وأن تجعل العقد يسري حق الغير، كما في الإقرار، وهي تؤدي إلى إلغاء عقد معين، كما في الوكالة و العارية و الوديعة و الشركة و الإيجار و العمل و غيرها[2] .

كما أن الإرادة المنفردة قد تؤدي إلى إسقاط حق شخصي أو إنهاء الالتزام ، كالإبراء الذي يؤدي إلى انقضاء الدين (المادة 305 من القانون المدني الجزائري) و تستطيع كذلك أن تنشئ حقا شخصيا أو التزاما في ذمة صاحبها كما في الإيجاب الملزم و الوعد بجائزة الموجهة إلى الجمهور (المادة 63 و 123 ق.م) و غيرها من الحالات المعينة التي نص عليها القانون .

كل هذه الأحكام لا شك فيها، ولكن الجدال يثور مع ذلك فيما إذا كانت الإرادة المنفردة قادرة على إنشاء الالتزام، وبتعبير آخر هل الإرادة المنفردة قادرة على إنشاء التزام في ذمة صاحبها لأنه من الواضح أنه لا تستطيع أن تنشئ التزام في ذمة شخص آخر.

المطلب الثاني : هل الإرادة المنفردة مصدر عام للالتزام ؟

ظل العقد حتى القرن التاسع عشر يعتبر هو المصدر الوحيد للالتزام الإرادي، أما الإرادة المنفردة فلا تولد التزاما [3].

غير أنه في سنة 1874 قرر أحد شراح القانون النمساوي وهو " سيجيل " وجوب الأخذ بالإرادة المنفردة كمصدر للالتزام بجانب العقد .

ولقد لاقت فكرته قبولا لدى واضعي القانون الألماني سنة 1900 ، فقرروا للإرادة المنفردة مكانا بجانب العقد، و إن لم يأخذوا بها كمصدر عام للالتزام (المادة 305 ق. الألماني) . ومن هنا نادي الفقهاء في ألمانيا إلى اعتبار الإرادة المنفردة مصدرا للالتزام الإرادي على أساس مبدأ سلطان الإرادة .

ولقد تأثرت بعض التفنينات الحديثة بهذه النظرية، كالقانون السويسري و القانون البولوني، و القانون الإيطالي و(م 1987) و القانون العراقي (م 184 و 185 )، و القانون الجزائري . غير أتن جميع هذه التفنينات سارت على نسق التقنين الألماني في الأخذ بالإرادة المنفردة كمصدر استثنائي للالتزام الإرادي لا كمصدر عام كما هو الشأن بالنسبة إلى العقد . فقد جعلت منه مصدرا ثانويا ، له تطبيقات محددة نص عليها القانون مثل الوعد بجائزة المقرر في القانون الجزائري بنص المادة ( 115 ق . م).

وسار على هذا النهج التقنين السوري (م 163 ) ، و التقنين الليبي (م 164)، وكذا التقنين اللبناني (م 148 )، وقد لقيت هذه النظرية قبولا من بعض كبار الفقهاء الفرنسيين في أواخر القرن الماضي و أوائل هذا القرن ، ولكنها لم تلق القبول العام في الفقه الفرنسي حتى اليوم، و الفقه الفرنسي في تحفظه ينطلق من أحكام القانون الروماني التي لا تعترف إلا بالعقد مصدرا إراديا للالتزام، و يعتمد في موقفه على بعض الأسباب التي يمكن ردها إلى ثلاث نقاط رئيسية هي: أن الالتزام بالإرادة المنفردة يتنافر مع الميادين العامة للقانون، و يصطدم بصعوبات قانونية بالغة و يشكل ازدواجا مع مصادر الالتزام الأخرى، ويعتبر الأستاذ "تالير" زعيم الخصوم منذ أن قال عبارته المشهورة ( أن الالتزام بالإرادة المنفردة بناء على رمال متحركة ...) .

وقد رد أنصار نظرية الإرادة المنفردة على انتقادات خصومهم بأن الإرادة المنفردة كمصدر للالتزام تستند في آخر الأمر إلى القانون شأنها في ذلك شأن العقد، و أن الالتزام بالإرادة لن يبتلع العقد ولن يشكل ازدواجا معه بل إن لكل نطاقا خاصا به ، و أنه ليس هناك ما يمنع لا من الناحية القانونية ولا من الناحية المنطقية أن تكون الإرادة المنفردة ضرورة قانونية، تنسجم مع المنطق القانوني مراعاة لاعتبارات الثقة في المعاملات ، و للمقتضيات وعليه فإنه ليس هناك ما يحول قانونا أو عدالة دون أن تكون الإرادة المنفردة مصدرا للالتزام ينشأ في ذمة صاحبه .









المطلب الثالث : موقف المشرع الجزائري من الإرادة المنفردة

يأخذ المشرع الجزائري بالإرادة المنفردة مصدرا للالتزام في حالات محددة وليس باعتبارها مصدرا عاما للالتزام، و إنما جعلها مصدرا استثنائيا في الأحوال التي ينص فيها القانون على ذلك[4] ،

فالإرادة المنفردة في القانون الجزائري لا تستطيع أن تنشئ التزاما إلا حيث أجيز لها بنصوص خاصة وهي لا تلزم صاحبها إلا في أحوال خاصة، فالعقد هو المصدر الإرادي للالتزام، و يحتفظ إلى جانبه بالإرادة المنفردة باعتبارها مصدرا استثنائيا أو ثانويا ، وذلك في الحالات المنصوص عليها في القانون من الإرادة المنفردة تنشئ التزاما .

و الحقيقة أنه ليس هناك م يحول قانونا أو عدالة دون أن تكون الإرادة المنفردة مصدرا للالتزام في الحالات التي تدعوا الحاجة فيها إلى اعتبار هذه الإرادة التي تستمد قوتها من القانون، و يسري عليها ما يسري على العقد من أحكام إلا ما تعلق منها بضرورة وجود إرادتين متطابقتين لإنشاء التزام، ومن هنا فإن أحكام الأهلية و عيوب الرضا و المحل و السبب تسري على الإرادة المنفردة كمصدر استثنائي للالتزام، ذلك أن القواعد التي وردت في القانون المدني المتعلقة بتنظيم العقد، تعتبر في الحقيقة المبادئ العامة لنظرية التصرف القانوني، وتطبق تبعا لهذا التصرف الذي يصدر عن الإرادة المنفردة في الحالات التي يكون فيها وفقا لنصوص القانون مصدرا للالتزام، عدا ما تعلق من تلك القواعد بوجود إرادتين متطابقتين الذي لا علاقة له بداهة إلا بالعقد

ولقد نصت المادة 184 من القانون المدني العراقي بأنه ( لا تلزم الإرادة المنفردة صاحبها إلا في الأحوال التي نص فيها القانون على ذلك ويسري عليها ما يسري على العقد من الأحكام إلا ما تعلق منها بضرورة وجود إرادتين متطابقتين لإنشاء الالتزام ).

فالقانون هو المصدر المباشر لكل الالتزامات في القانون الجزائري ، ولكن بجانب هذا المصدر غير المباشر يوجد مصدر آخر مباشر لكل مجموعة من الالتزامات و يكون هذا المصدر المباشر هو العقد أو الإرادة المنفردة أو العمل غير المشروع .







المطلب الرابع : التطبيقات التشريعية للالتزام بالإرادة المنفردة في القانون الجزائري[b][5] .[/b]

ذكرن سابقا بأن المشرع أقر بقدرة الإرادة المنفردة على إنشاء الالتزام في أحوا استثنائية تقررها النصوص، ومن هنا نص القانون الجزائري على عدة حالات يكون فيها التصرف بالإرادة المنفردة مصدرا للالتزام ، كالوعد بجائزة الموجه إلى الجمهور ( م 115 ق.م ) و الإيجاب الملزم ( م 63 ق.م ) و الوعد من جانب واحد بالبيع أو بالشراء قبل إعلان الطرف الآخر رغبته ( م 71 ق.م) ، و إنشاء المؤسسات الخاصة ( م 70 ق.م ) ، و الاشتراط لمصلحة الغير ( م 116 ق.م ) و تطهير العقد المرهون ( م 915 و 916 ق.م ) و صاحب السند يلتزم تجاه حامله بإرادة منفردة ، و إجازة العقد القابل للإبطال (م 100 ق.م ) و الإقرار الوارد في المواد 114 و152 و398 وقي المادة 83 من قانون الأسرة

كما أن المشرع الجزائري نص في قانون الأسرة الصادر في 09 جوان 1984 انطلاقا من أحكام الشريعة الإسلامية على الوصية (م 184 ق.أ ) و الوقف ( م 213 ق.أ )

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الفقه الإسلامي سبق الفقه الغربي للالتزام، و جعلها صالحة لأن تكون أساسا لتصرف شرعي أو قانوني على خلاف بين الفقهاء في مدى الصلاحية، ومن تطبيقات التصرف الانفرادي في الفقه الإسلامي نذكر منها إنشاء الوقف و الوصية و الإيجاب الملزم و الكفالة و الإبراء و الطلاق و غيرها، وهذا قبل انعقاد المؤتمر العالمي في منتصف القرن التاسع عشر و بالذات سنة 1854 في مدينة " قيسن" الذي اعتبر أن الالتزام بالإرادة المنفردة هو الأساس الوحيد لالتزام الواعد بجائزة، وكذلك قبل أن يتوصل إليها العالم النمساوي "سيجيل" في سنة 1874 و قبل أن يقررها الفقيه الفرنسي "سالي" .

ولقد ذكر الأستاذ الجليل عبد الرزاق السنهوري في كتابه مصادر الحق في الفقه الإسلامي، بأنه للإرادة المنفردة في الفقه الإسلامي ميدانا فسيحا نراها فيه تنتج آثار قانونية متنوعة ، فهناك أولا تصرفات وهي عقود في الفقه الغربي و تتم في الفقه الإسلامي بإرادة منفردة، وهناك ثانيا تصرفات بإرادة منفردة في كل من الفقهين الإسلامي و الغربي، وفوق ذلك فإن مذهب الإمام مالك قد بلغ في هذا مبلغ الفقه الجرماني فقد جعل من الإرادة المنفردة مصدرا عاما للالتزام .

ولقد استمد الفقه الإسلامي نظرية الإرادة المنفردة من قوله سبحانه و تعالى : (قَالُوا أنفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير و أنا به زعيم)[6] .

كما أن المشرع الجزائري أخذ بالإرادة المنفردة كمصدر للالتزام في أمثلة عديدة ، ومنها إبراء الدائن المدين بإرادة منفردة ( م 305 ق.م ) وهو حكم مستمد من الفقه الإسلامي، في حين أن القانون الفرنسي لا يجعل الإبراء تاما إلا بإرادتي الدائن و المدين ، لأنه لم يعترف بالإرادة المنفردة كمصدر للالتزام .

هذا و بما أن الوعد بجائزة الموجه إلى الجمهور هو التطبيق النموذجي للالتزام الذي مصدره الإرادة المنفردة ، و الذي يسلم به الجميع تقريبا فإننا سنقف عنده بشكل عام ونخصص له دراسة مستقلة .

المبحث الثاني : الوعد بجائزة

المطلب الأول : تعريف الوعد بجائزة

الوعد بجائزة هو تصرف بإرادة منفردة، أو هو تعبير عن الإرادة يوجه إلى الجمهور، فيلتزم صاحبه بمقتضاه أن يقدم أداء معينا لأي شخص يقوم بعمل معين ، ولقد نصت المادة 123 ق .م على انه : "1- من وعد الجمهور بجائزة يعطيها عن عمل معين يلزم بإعطائها لمن قام بالعمل ، ولو قام به دون نظر إلى الوعد بالجائزة أو دون علم بها . 2- و إذا لم يعين الواعد أجلا لإنجاز العمل ، جاز له الرجوع في وعده بإعلان الجمهور على ألا يؤثر ذلك في حق من أتم العمل قبل الرجوع في الوعد . 3- و تسقط دعوى المطالبة بالجائزة إذا لم ترفع خلال ستة أشهر من تاريخ إعلان العدول للجمهور " .

ومن هذا النص يتضح لنا بأن الوعد بجائزة هو عمل قانوني من جانب واحد، ينتج اثره متى قامت أركانه، و توافرت شروطه دون الحاجة إلى القبول الصريح أو الضمني، ويختل من ثم عن الإيجاب ولو كان ملزما[7] .

وتطبيقات الوعد بجائزة كثيرة في الحياة العملية، كالوعد الذي يوجه إلى الجمهور بجائزة أو بمكافئة في الصحف اليومية ، لمن قام بعمل معين أو من يقوم بتحقيق كشف أو اختراع علمي أو صناعي في موضوع معين أو لمن يعثر على شيء ضائع أو لمن يفوز في مسابقة أو لمن يقبض أو يرشد عن مجرم معين ...



المطلب الثاني : شروط الوعد بجائزة

يتبين من نص المادة 123 ق.م أنه يجب لقيام الوعد أن تتوافر الشروط الآتية حتى يقال أننا بصدد الوعد بجائزة [8]

أ‌- أن توجد إرادة جدية و باتة تتجه إلى الالتزام.

ب‌- أن يوجد الوعد إلى الجمهور.

ت‌- أن يتضمن الوعد إعطاء جائزة معينة

أ‌- أن توجد إرادة جدية و باتة تتجه إلى الالتزام : لقيام الوعد بجائزة يجب أن تصدر عن الواعد إرادة جدية و باتة فيها معنى الالتزام النهائي و ليس فقط مجرد الدعوى إلى التفاوض لأن مصدر الالتزام هنا هو الإرادة المنفردة الباتة هي الإرادة التي ينشأ عنها الالتزام ،و يجب أن ترد هذه الإرادة على محل مستوف شروطه من حيث المكان و التعيين و المشروعية، وأن يتوافر لها سبب مشروع، وأن تتوافر الأهلية اللازمة لدى الواعد، و أن تكون إرادة سليمة من العيوب التي تفسدها، كغلط أو تدليس أو إكراه أو استغلال.

و يقصد بالسبب هنا العمل الذي خصصت له الجائزة من أجله أي قيام مستحق الجائزة بعمل معين فإذا انعدم السبب بطل التزام الواعد بإرادة منفردة و هذا الحكم ظاهر بنص المادة 123 ق.م التي تقر أن " من وجه للجمهور وعدا بجائزة يعطيها عن عمل معين "

فيجب على الفائز القيام بالعمل المطلوب الذي أعلن عنه الواعد، وهذا هو في الحقيقة سبب التزامه فإذا كان هناك عمل ولم يقم أحد من الناس، أو قام به و لكن ليس بالشروط التي اشترطها الواعد فإنه لا يلتزم قانونا بتقديم الجائزة، ومن أمثلة العمل العثور على شيء ضائع ، أو النجاح في امتحان أو الفوز في مسابقة معينة، أو اكتشاف اختراع، أو وضع أفضل كتاب في فرع من العلوم أو الفنون، و نلاحظ بأن نص المادة 123 ق.م و المتعلقة بالوعد بجائزة توضح لنا أننا لسنا بصدد التزام قانوني إذ أن عديم الأهلية لا يمكن أن يتحمل مثل هذه الالتزام، كما أن النص المذكور لا يتضمن الإيضاح الكافي لهذا الالتزام إذ يقتصر على تقرير أن الواعد يلتزم بإعطاء الجائزة، وعليه فإن التزام الواعد بجائزة مصدره الوحيد هو الإرادة المنفردة، أي أن هذا الالتزام يتوقف إنشاؤه عليه على مشيئة الواعد إذ النص يقول صراحة " من وجه للجمهور وعدا ..." و يتفق حكم القانون الجزائري في هذه المسألة مع حكم القانون المدني الألماني الذي يجعل سبب الالتزام الواعد بجائزة هو قيام شخص بعمل معين، حيث تنص المادة 657 ق.م الألماني على أن " كل من يعد بجائزة بطريقة الإعلان العام للقيام بعمل أو على الخصوص للحصول على نتيجة، يلتزم بإعطاء تلك الجائزة لمن قام بالعمل

ب‌- أن يوجه الوعد إلى الجمهور: أي أن تتوجه إرادة منفردة إلى أشخاص غير معنيين، لأنها إذا وجهت إلى شخص معين فلا تكون وعدا بالمفهوم القانوني المقصود في هذا المقام و إنما تصبح إيجابا لا بد أن يقترن به قبول، وفي هذه الحالة نخرج من مجال التصرف بالإرادة المنفردة إلى مجال العقد .

وعليه فإنه يجب أن يتم التعبير عن الإرادة بطريق علني، و يقصد بالجمهور ذلك العدد غير المحدد من الناس، و اللذين لا يعرفهم الواعد بذواتهم و إن عرفهم بصفاتهم، والتوجه بالخطاب إلى هذا الجمهور يقتضي أن يتم بوسيلة من شأنها أن تعلم الناس بالوعد و بمضمونه، كأن يلجأ الواعد إلى إحدى دور النشر كالصحف و الراديو و التلفزيون و الملصقات و غيرها .

ت‌- أن يتضمن الوعد إعطاء جائزة معينة : سواء في ذلك أن تكون الجائزة مادية كمبلغ من النقود أو شيئا آخر له قيمة مادية كأسهم أو سيارة أو نفقات رحلة أو أن تكون ذات قيمة معنوية أو أدبية ككأس أو وسام أو غير ذلك من علامات التقدير، و يلتزم الواعد ب‘طاء الجائزة ( التي هي محل الوعد ) لمن يفوز بها أيا كان محل هذه الجائزة ومن ثم ينبغي لأي محل للالتزام أن تكون معينة أو قابلة للتعيين .

وانطلاقا من المادة 123 ق.م فإن الواعد يلتزم بإعطاء الجائزة لمن يقوم بالعمل المعين، ذلك أن سبب الوعد هو القيام بعمل معين وليس فقط التواجد في مركز معين، ومن هنا فإن الوعد بجائزة لمن تتوافر فيه صفة معينة لا يخضع لحكم هذه المادة .

إن الوعد بجائزة لمن تتوافر فيه صفة معينة أو يوجد في مركز معين، أو في وضع معين، كمن يوجد في مركز مريض بمرض معين، أو لقيط ، أو معوق بلغ من العجز قدرا معينا، أو عجوز بلغ من العمر سنا معينا، أو ابن شهيد من شهداء حرب التحرير مثلا، فالوعد في مثل هذه الأحوال وعلى خلاف القانون الإيطالي ( م 1989/ 1 ق.م الإيطالي ) لا ينشىء التزاما بالإرادة المنفردة على عاتق الواعد بل لا بد أن يقترن بها قبول من الطرف الآخر لتمام العقد، فينشأ الالتزام عن العقد وليس عن الإرادة المنفردة .











المطلب الثالث : أحكام الوعد بجائزة

إذا توافرت الشروط السابقة قام التزام الواعد، و ترتبت عليه آثار قانونية وهي تختلف بحسب ما إذا كان الواعد قد حدد لوعده مدة معينة أم لم يحدد له مدة معينة ما[9] .

وهذه تفرقة منطقية و معقولة، على أن يراعى أن المدة تتحدد للقيام بالعمل المطلوب.

1- تقييد الوعد بمدة زمنية :

إذا حددت للوعد مدة معينة كأن يشترط الواعد مدة معينة يتم العمل خلالها، فإن الواعد يلتزم نهائيا بإرادة منفردة، بحيث لا يجوز له الرجوع في وعده قبل فوات هذه المدة كما أن الواعد يلتزم قبل مستحق الجائزة إذا أتم هذا الأخير العمل المطلوب قبل انقضاء هذه المدة .

أما إذا انقضت المدة دون أن يقوم أحد بالعمل المطلوب انقضى التزام الواعد و إذا قام شخص بعد ذلك بهذا العمل فلا يلتزم الواعد إلا على أساس الإثراء بلا سبب .

و يلاحظ أنه إذا تحقق القيام بالعمل المطلوب، قبل فوات المدة إستحق من قام به الجائزة الموعود بها، ويستوي في هذا العمل بقصد الحصول على الجائزة أو لم يكن لديه هذا القصد ، ويستوي أن يعلم بالجائزة وقت قيامه بالعمل أو لا يعلم بها ، كما يستوي أن يتم العمل بعد الإعلان عن الجائزة أو قبل الإعلان عنها لأن مصدر التزام الواعد إرادته المنفردة .

هذا و إذا قام بالعمل أكثر من شخص على إنفراد، فإن الجائزة تكون للأسبق أما إذا قاموا بالعمل في وقت واحد كانت الجائزة سوية بينهم أي قسمت على عدد الرؤوس

و إذا تعاون عدة أشخاص في القيام بالعمل تقسم الجائزة عليهم على أساس تقدير عادل قوامه ما يكون لكل منهم من نصيب في إتمام العمل المذكور .

2- عدم تقييد الوعد بمدة زمنية :

و إذا تحدد للوعد مدة معينة ، فإن الواعد يلتزم كذلك بالوعد الصادر منه ، فإنه يلتزم بإعطاء الجائزة لمن قام بالعمل المطلوب و يجوز للواعد ما دام لم يحدد مدة معينة لوعده أن يرجع فيه ، على أن يكون رجوعه بذات العلانية التي توفرت في الوعد حتى يصل نبأ العدول إلى الجمهور.

وفي هذا تنص المادة 123 ق. م على أنه << إذا لم يعين الواعد أجلا لإنجاز العمل ، جاز له الرجوع في وعده بإعلان الجمهور على ألا يؤثر ذلك في حق من أتم العمل قبل الرجوع في وعده>> . وهذا النص يتفق مع طبيعة تكوين الالتزام بإرادة منفردة ، إذ يقوم هذا الالتزام على إرادة واحدة ، فهو يستمد منها وجوده ، ومن ثم لا يبقى هذا الوعد إلا بقيت تلك الإرادة .

على أنه وفقا لما جاء في هذه المادة في فقرتها الثانية عند رجوع الواعد في وعده ، حماية مصالح الغير و الحفاظ عليها و هنا لا يخلو الأمر من واحد من القروض الثلاثة الآتية :

أ‌- إذا لم يكن قد بدأ أحد في تنفيذ العمل المطلوب تحلل الواعد نهائيا من التزامه الانفرادي .

ب‌- إذا أتم شخص العمل المطلوب قبل إعلان الواعد الرجوع في وعده ، كان له مطالبة الواعد بالجائزة على أساس التزامه بالإرادة المنفردة .

ت‌- إذا بدأ شخص في تنفيذ العمل المطلوب ، وصدر عدول الواعد قبل إتمامه ، كان له الرجوع على الواعد على أساس أحكام المسؤولية التقصيرية ، وفي هذه الحالة يحكم له بتعويض عن الضرر الذي أصابه دون أن يجاوز هذا التعويض مقدار الجائزة .

ومن هنا ، فإنه إذا لم يحدد الواعد لوعده مدة معينة لا يلتزم يه إلى غير نهاية مادام لم يرجع عنه ، بل خلال المدة المعقولة التي يرجع في تقديرها إلى آثار خلاف في شأنها إلى قاضي الموضوع ، على أنه يجب الحفاظ على مصالح الغير و المقصود بالغير هنا هو الجمهور الذي وجه الوعد إليه .

هذا و يتعين على من قام بالعمل أن يطالب الواعد بالجائزة خلال ستة أشهر من تاريخ إعلان للرجوع للجمهور المادة 123 ق.م وقد أراد المشرع الجزائري قطع السبيل على كل منم محاولة مصطنعة يراد بها استغلال الوعد بجائزة بعد إعلان العدول ، ومدة ستة أثهر هي مدة سقوط وليست مدة تقادم ، ولذلك قلا يراد عليهما الوقف أو الانقطاع .

وفي غير حالة العدول عن الوعد فإن حق من قام بالعمل لا يتقادم إلا بخمس عشرة سنة فهو حق ناشئ عن التزام إرادي ، ولم تحدد مدة خاصة لتقادم فتسري عليه القاعدة العامة في التقادم الواردة في المادة 308 في القانون المدني .











الخـــــــــــاتمة



توصلنا من خلال بحث الإرادة المنفردة إلى النتائج التالية :

أولا : أنه ليس للإرادة المنفردة كامل القدرة في إنشاء الالتزام ، إنما لها القدرة إنشاء الالتزام في الحدود التي يرسمها القانون لها ولذا فهي تتأثر بتدخل المشرع تأثرا كبيرا يؤدي إلى الحد من قدرتها على إنشاء الالتزام .

ثانيا : أن للمشرع كامل الصلاحية في إنشاء مجالات جديدة للالتزام بالإرادة المنفردة و تحديدها و رسم خطاها و مداها .

ثالثا : أن أغلب التشريعات الحديثة أخذت بالإرادة المنفردة كمصدر للالتزام ولكنه مصدر استثنائي ، وليس مصدرا أصليا .

رابعا : أن الإرادة المنفردة تمثل من جهة الإرادة الحرة التي لها القدرة على التعهد بأي التزام تشاء وفي هذا صلة بالمذهب الحر ومن جهة أخرى تساعد على تيسير المعاملات التي كثرت في العصر الحديث من دون الحاجة إلى دائن معين ، وفي هذا الاتجاه تمت بصلة وثيقة إلى المذهب المادي ، ولهذا فهي لم تقطع صلتها بتطور الفكر القانوني عبر التاريخ ، و تتجه فقط اتجاها كليا إلى الحاضر و المستقبل .

خامسا : إن مجالات الإرادة المنفردة محدودة بوجه عام ، سواء كانت إرادة منفردة تنشئ التزاما على عاتق صاحبها ، أو إرادة منفردة تحدث آثارا قانونية مختلفة .

سادسا : إن هناك تمييزا بين مجالات الإرادة المنفردة التي تنشئ التزاما ز بين الإرادة المنفردة التي آثارا قانونية مختلفة .



















قائمة ال