بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

28 أغسطس 2011

التصرفات القانونية من جانب واحد - الارادة المنفردة ((سورى ))




تعتبر الإرادة المنفردة تصرفاً قانونياً من جانب واحد ، و يطلق عليها تسمية التصرف القانوني الأحادي ، و يقصد بذلك كل تعبير عن الإرادة يتم و ينتج أثره بإرادة صاحبه وحدها .

[ الإرادة المنفردة مصدر من مصادر الالتزام ... و هي مصدر إرادي ، أو تصرف قانوني ... تذْكَّر : المصدر الإرادي الآخر هو العقد ، فالعقد يتطلب إرادتين ، أما الإرادة المنفردة فهي إرادة واحدة ] .

ـ التمييز بين الإرادة المنفردة و العقد الملزم لجانب واحد :

# العقد الملزم لجانب واحد لا ينشأ إلا بتطابق إرادتي شخصين ، و إن كان لا يرتب التزاماً إلا في ذمة أحدهما فقط ، و لذا فهو ثنائي من حيث انعقاده , و أحادي من حيث آثاره .

# أما التصرف بالإرادة المنفردة فهو أحادي من حيث نشوئه , و أحادي من حيث آثاره .

والإرادة المنفردة قد تكون سبباً في كسب الحق العيني ، كالوصية . أو سبباً في انقضاء الحق العيني كالنزول عن حق الارتفاق أو حق الرهن .

و قد تكون سبباً في بقاء الحق الشخصي ، كإجازة العقد القابل للإبطال ، أو كإقرار العقد الصادر من الغير .

و قد تكون سبباً في زوال الرابطة التعاقدية ، كعزل الوكيل .

كما قد تكون سبباً في إسقاط الحق الشخصي ، كالإبراء .

ـ الاتجاهات المختلفة لدور الإرادة المنفردة في إنشاء الالتزام :

يتنازع دور الإرادة المنفردة في إنشاء الالتزام نظريتان : نظرية فرنسية و أخرى ألمانية .

أ ـ النظرية الفرنسية : تأثرت النظرية الفرنسية بالمذهب الشخصي الذي كان سائداً في القانون الروماني ، فقالت :

إن الإرادة المنفردة لا تستطيع أن تلزم صاحبها ، و من ثم لا تصلح لإنشاء الالتزام ، و إنما يجب أن تلتقي مع إرادة أخرى ( و هذا هو العقد ) .

ب ـ النظرية الألمانية : تأثرت هذه النظرية بالمذهب الموضوعي . و تتلخص بأن الإرادة المنفردة تملك القدرة على إنشاء الالتزام و إنهائه ، فإرادة المدين هي التي تنشئ الالتزام ، أما إرادة الدائن فيقتصر دورها على الانضمام إلى الإرادة الأولى ليثبت بذلك حقه .

ـ موقف المشرع السـوري من الإرادة المنفـردة :

اعتبر القانون المدني السوري الإرادة المنفردة مصدراً استثنائياً لإنشاء الالتزام ، حين ينص القانون على ذلك . و من تطبيقاتها :

1 ـ إرادة الموجب هي مصدر التزامه في الإيجاب الملزم ، بالبقاء على إيجابه المدة التي يحددها أو التي تحددها ظروف الحال أو طبيعة المعاملة .

2 ـ لدى إنشاء الشركات الخاصة ، تعتبر الإرادة المنفردة لمؤسس الشركة هي مصدر التزام هذا المؤسس ( أو ورثته ) بأن ينقل للشركة ملكية المال الذي خصصه لها .

3 ـ الوصية : و هي تصرف شخص في ماله أو في جزء منه إلى شخص آخر لما بعد وفاة الموصي . و هي تنشأ بإرادة الموصي وحدها ، و لكنها لا تصبح لازمة إلا بعد وفاة الموصي ، لأنه يستطيع الرجوع عنها حتى حصول الوفاة .

4 ـ الإبراء : وهو تصرف بإرادة منفردة يترتب عليه انقضاء الالتزام ، و لكنه يرتد إذا علم به المدين ورده .

5 ـ الوقف : و فيه تعتبر الإرادة المنفردة مصدر التزام الواقف أو ورثته بقيد الوقف في السجل العقاري .

6 ـ الوعد بجائزة :















نصت المادة 163 من القانون المدني السوري على ما يلي :

" 1 ـ من وجه للجمهور وعداً بجائزة يعطيها عن عمل معين ، التزم بإعطاء الجائزة لمن قام بهذا العمل ، ولو قام به دون نظر إلى الوعد بالجائزة أو دون علم بها .

2 ـ و إذا لم يعين الواعد أجلاً للقيام بالعمل ، جاز له الرجوع في وعده بإعلان للجمهور ، على أن لا يؤثر ذلك في حق من أتم العمل قبل الرجوع في الوعد . و تسقط دعوى المطالبة بالجائزة إذا لم ترفع خلال ستة أشهر من تاريخ إعلانه العدول للجمهور " .

ـ تعريف الوعد بجائزة :

هو تعبير موجه إلى شخص غير معين من الجمهور ، يتضمن وعداً بإعطاء جائزة لمن يقوم بعمل معين .

ـ أمثلة : كالوعد بإعطاء جائزة لمن يقوم بتحقيق اختراع علمي أو صناعي في موضوع معين ، أو لمن يعثر على شيء ضائع ، أو لمن يقبض على مجرم معين ، أو لمن يرشد إلى عصابة ما ... الخ .

ـ شروط الوعد بجـائزة :

يشترط لقيام الوعد بجائزة توافر الشروط التالية :

1 ـ أن تصدر من الواعد إرادة جدية :

و يجب أن تكون هذه الإرادة صادرة من شخص أهل للالتزام بما وعد ، و أن تكون خالية من عيوب الإرادة ، و مستكملة لشرائط المحل و السبب ، و إلا كان الوعد عرضة للإبطال .

و يقصد بالسبب هنا ، سبب الالتزام ، و معنى هذا أن التزام الواعد يجب أن يكون له سبب ، هو قيام مسـتحق الجائزة بعمل معين ، فإذا انعدم السبب بطل التزام الواعد كالتزام بإرادة منفردة .

و لكن بطلان التزام الوعد بإرادته المنفردة لتخلف السبب لا يمنع من قيامه إذا توافرت أركان مصدر آخر له .

مثال : صدور وعد بجائزة لمن يوجد في مركز معين ، دون أداء أي عمل ( كمن يولد في يوم معين ، كالعيد الوطني ، أو كمن يوجد في مكان معين كالطائرة الفلانية ) ... يبطل كوعد بجائزة لعدم وجود السبب ( الأداء ) ، و لكن يمكن أن يعتبر هبة إذا توافرت أركانها .

لاحظ : الوعد بجائزة في القانون المدني السوري لا يتناول إلا القيام بعمل معين , كالعثور على شيء ضائع ، أي لا يتناول من يوجد في مركز معين كالمولود في يوم معين .

ولكن في القانون المدني الإيطالي يصح أن يكون الوعد بجائزة لمن يوجد في مركز معين , أو لمن يقوم بعمل معين .

2 ـ أن تتوجه إرادة الواعد إلى الجمهور :

أي إلى أشخاص غير معينين ، لأنها إذا وجهت لشخص معين فتعتبر إيجاباً لا بد أن يقترن به

قبول ، و بذلك نكون أمام التزام عقدي ، و ليس أمام تصرف بالإرادة المنفردة .

3 ـ أن يتم توجيه الإرادة إلى الجمهور بشكل علني :

كالإعلان في الصحف أو في الإذاعة أو التلفزيون .

و الغاية من العلانية ، تيسير وصول الوعد إلى علم عدد كبير من الناس .

4 ـ أن تكون هناك جائزة يلتزم بها الواعد :

سواء في ذلك أن تكون الجائزة مادية كمبلغ من المال ، أو نفقات رحلة ، أو أن تكون أدبية ( معنوية ) كوسام أو كأس أو غير ذلك من علامات التقدير .



ـ آثار الوعـد بجائـزة :

و هنا يجب التمييز بين حالتين :

الأولى : ما إذا كان الوعد قد صدر مقيداً بمدة يجب إتمام العمل خلالها .

الثانية : ما إذا صدر الوعد مطلقاً أي بدون تحديد مدة .

الحالة الأولـى ـ تقييد الوعد بمدة :

إذا صدر الوعد مقيداً بمدة يجب إتمام العمل خلالها ، التزم الواعد بإرادته ، و امتنع عليه العدول عن وعده خلال المدة المحددة .

فإذا قام شخص بإتمام العمل المطلوب قبل انتهاء المدة ، فيصبح من قام به دائناً بالجائزة ، ولو لم يصدر في ذلك عن رغبة في الحصول عليها ، بل ولو كان جاهلاً بالوعد ، وهذا ما ينفي عن الوعد بجائزة صفته العقدية .

أما إذا أنجز العمل بعد انتهاء المدة ، فلا يمكن الرجوع على الواعد على أساس الالتزام بالإرادة المنفردة ، لأن هذا الالتزام ينقضي بانقضاء المدة المحددة في الوعد ، و لذا يكون لمن

أتم العمل بعد انقضاء المدة الرجوع على الواعد على أساس الإثراء بلا سبب .

الحالة الثانية ـ عدم تقييد الوعد بمدة :

في هذه الحالة يلتزم الواعد بالوعد الصادر منه ، و لكن يحق له الرجوع عنه بنفس الطريقة التي تم بها ، أي بطريق الإعلان في الصحف أو الإذاعة ... الخ .

و لا تخلو الحال في الفترة التي تمضي بين إعلان الوعد المطلق و العدول عنه من أحد الفروض الثلاثة التالية :

أ ـ إذا لم يكن قد بدأ أحد في تنفيذ العمل المطلوب : تحلل الواعد نهائياً من التزامه الانفرادي .

ب ـ إذا أتم شخص العمل المطلوب قبل إعلان الواعد العدول عن وعده : كان له مطالبة الواعد بجائزة على أساس التزامه بالإرادة المنفردة ، ولو كان جاهلاً هذا الوعد .

وعلى المستفيد رفع الدعوى بالجائزة خلال ستة أشهر من تاريخ إعلان الرجوع , تحت طائلة السقوط ، فهي مدة سقوط لا مدة تقادم .

ج ـ إذا بدأ شخص في تنفيذ العمل المطلوب ، و صدر عدول الواعد قبل إتمامه ، كان له الرجوع على الواعد لا على أساس التزامه الانفرادي ، لأنه انقضى ، بل على أساس المسؤولية التقصيرية ، وفي هذه الحالة يحكم له بتعويض عن الضرر الذي أصابه , دون أن يجاوز هذا التعويض مقدار الجائزة .

ـ سقوط دعوى المطالبة بالجائزة :

إذا لم يكن الواعد قد رجع عن وعده ، فإن حق المستفيد من الجائزة ينقضي بالتقادم العادي ، أي بمرور خمس عشرة سنة من يوم تمام العمل .

أما إذا رجع الواعد عن وعده ، ثم تبين أن العمل قد تم قبل إعلان رجوعه ، فإن حق المستفيد بالادعاء بالجائزة يسقط إذا لم يرفع دعوى المطالبة بالجائزة خلال ستة أشهر من تاريخ إعلان العدول ، تحت طائلة السـقوط ، فهي مدة سقوط و ليست تقادماً .

و قد راعى المشرع هنا وجوب قطع السبيل على كل محاولة مصطنعة يراد بها استغلال الوعد بجائزة بعد إعلان العدول , و حسم المنازعات التي قد تنشأ بسبب تقادم العهد على الجائزة , و صعوبة الإثبات .

ليست هناك تعليقات: