بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

09 يونيو 2011


الرهن الرسمي في الفقة الاسلامي

يعتبر الرهن من أقدم ضمانات العقود التي عرفها التاريخ ولا يزال أهمها إلى وقتنا الحاضر ،والفقه الغربي طور فكرة الرهن من خلال نظرية الحقوق العينية فاعتبر الرهن حقاً عينياً للمرتهن ،وأيضاً خلق نوعاً آخر من الرهن لا يلزم منه حيازة المرتهن للرهن كي يضمن حقه بل ابتدع التسجيل الرسمي للرهن لدى جهة مخولة تثبت الرهن دون الحاجة إلى أن ينتزع من مالكه الراهن .

نظرية الحق في الفقه الغربي وما تفرع عنها من تقسيم تحتاج إلى مقام آخر لأتحدث عنها ، وسأتطرق اليوم إلى ( الرهن الرسمي أو المسجل أو العيني ) من خلال الفقه الإسلامي وهل يتعارض مع نظرية الرهن لدى الفقهاء المسلمين أم يصح أن يدخل في أحكام الرهن دون أن يخل بأساس عقد الرهن في نظرة الفقهاء المسلمين.



في الفقه الغربي:

أهم ركيزة ينبني عليها الرهن الرسمي في الفقه الغربي هو الشكلية ، ويقصد بشكلية العقد هو اشتراط القانون بالإضافة إلى تلاقي إرادة الطرفين ( الرضائية ) شكلا معيناً ، فلا يصح العقد بدون هذا الشكل ولا ينعقد ، أو يكون المقصود بهذا الشكل هو لنفاذه في حق الغير ، أو لتنبيه المتعاقدين بخطورة التعاقد.

فعقد الرهن لا ينعقد إلا بشكلية التسجيل لدى الجهة المختصة ، وبدون التسجيل لا وجود لعقد رهن رسمي .



في الفقه الإسلامي:

بتأملنا في عقد الرهن الوارد في الفقه الإسلامي نجده اعتبر الرضائية كركن وحيد ينعقد به عقد الرهن عموماً ، لكنه اشترط شكلية معينه للزومه فيما يتعلق بالمتعاقدين وبالتالي نفاذه في حق الغير .



ما هو الشكل الوارد في الفقه الإسلامي ؟

الشكل الوارد في الفقه الإسلامي هو القبض فإن الرهن يشترط للزومه القبض، وهذا هو الذي ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة ، القول الثاني: إنه لا يشترط للزوم الرهن القبض، وإنما يلزم الرهن بمجرد العقد, وهذا هو مذهب المالكية .

فإذا اعترفنا أن الفقهاء أقروا نوعاً من الشكلية للزوم هذا العقد وهي القبض ، فالقبض في عهدهم هو الوسيلة الوحيدة لضمان حماية حق المرتهن واستيفاء حقه من الرهن إذا تأخر الراهن ، فإن التطور أظهر لنا وجود شكليات أخرى أيضا لها دور قد يكون أعظم لإثبات حق المرتهن وهو التسجيل لدى كتابات العدل بكون العين مرهونة ، وتأخذ حكم شكلية القبض بمعنى أن الرهن الرسمي لا يلزم المتعاقدين إلا بعد تسجيله وأيضا لا ينفذ في حق الغير بطبيعة الحال.



ونجد أن هذه النظرة في الفقه الإسلامي لم تتطور كما تطورت في قبض المبيع والتي تعتبر شكلية لصحة تصرفات معينة لا تجوز إلا بعد قبض المبيع ، فإن الفقهاء المعاصرين كيفوا التسجيل بالنسبة لكثير من المبيعات مثل العقار والسيارات يعتبر من قبيل القبض ، وهم بهذا التكييف عالجوا واقعة معينة ولم يأصلوا لاستبدال شكلية القبض بشكلية أخرى تأخذ حكمها ألا وهي التسجيل ، فالحاصل أنه يمكن الاستدلال بتوجه الفقهاء المعاصرين ونظرتهم للتسجيل فيما يتعلق بقبض المبيع وتطويره وتنزيله على قبض الرهن والله أعلم ....



وأترككم مع هذين النقلين :

1) قال في كشاف القناع : (( ( وَصِفَةُ قَبْضِهِ ) أَيْ : قَبْضِ الرَّهْنِ ( ك ) صِفَةِ قَبْضِ ( مَبِيعٍ فَإِنْ كَانَ ) الرَّهْنُ ( مَنْقُولًا فَقَبْضُهُ نَقْلُهُ ) كَالْحُلِيِّ ( أَوْ تَنَاوُلُهُ ) إنْ كَانَ يُتَنَاوَلُ كَالدَّرَاهِمِ وَنَحْوِهَا ( مَوْصُوفًا كَانَ ) الرَّهْنُ ( أَوْ مُعَيَّنًا كَعَبْدٍ وَثَوْبٍ وَصُبْرَةٍ وَإِنْ كَانَ ) الرَّهْنُ ( مَكِيلًا ف ) قَبَضَهُ ( بِكَيْلِهِ أَوْ ) كَانَ ( مَوْزُونًا ف ) قَبَضَهُ ( بِوَزْنِهِ أَوْ ) كَانَ ( مَذْرُوعًا ) فَقَبَضَهُ ( بِذَرْعِهِ أَوْ ) كَانَ ( مَعْدُودًا ف ) قَبَضَهُ ( بِعَدِّهِ وَإِنْ كَانَ ) الرَّهْنُ ( غَيْرَ مَنْقُولٍ كَعَقَارٍ ) مِنْ أَرْضٍ وَبِنَاءٍ وَغِرَاسٍ .

( وَ ) ك ( ثَمَرٍ عَلَى شَجَرٍ وَزَرْعٍ فِي أَرْضٍ ف ) قَبَضَهُ ( بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُرْتَهِنِهِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ . 10/95



2) قال صاحب شرح منتهى الإرادات : ( وَلَا يَلْزَمُ رَهْنٌ إلَّا فِي حَقِّ رَاهِنٍ ) ؛ لِأَنَّ الْأَحَظَّ فِيهِ لِغَيْرِهِ فَلَزِمَ مِنْ جِهَتِهِ كَالضَّمَانِ بِخِلَافِ مُرْتَهِنٍ ؛ لِأَنَّ الْأَحَظَّ فِيهِ لَهُ وَحْدَهُ فَكَانَ لَهُ فَسْخُهُ كَالْمَضْمُونِ لَهُ ( بِقَبْضٍ ) لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إرْفَاقٍ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ فَافْتَقَرَ إلَى الْقَبْضِ كَالْقَرْضِ وَقَبْضُ رَهْنٍ ( كَقَبْضِ مَبِيعٍ ) عَلَى مَا سَبَقَ فَيَلْزَمُ بِهِ ) .

الشروط المتعلقة بالمال المرهون لإنشاء عقد الرهن الرسمي

يشترط في عقد الرهن الرسمي أن يكون المال المرهون عقارا ، وقابلا للتعامل فيه وبيعه بالمزاد العلنى ، ويكون معينا من حيث طبيعته وموقعه ، وان يكون موجودا وقت الرهن ، وأخيرا يكون مملوكا للراهن 0

أولا : أن يكون المرهون عقارا : ــ

يقع الرهن الرسمي على عقار وليس على منقول وذلك لضمان عدم التغرير من الغير ، إذ أن المنقول سريع التنقل من يد لأخرى ، وهو عبارة عن أشياء مثلية ، كذلك فان المنقول لا يتبع فيه نظام للشهر ، والمنقول تتبع فيه قاعدة الحيازة في المنقول سند الحق ، لكل ذلك كان من العدالة أن يكون الرهن الرسمي واقعا على عقار 0
ويقع الرهن الرسمي كذلك على ملحقات هذا العقار مثل حقوق الارتفاق أو حق المرور والعقارات بالتخصيص 0
ولكن هذه الملحقات يجوز الاتفاق على ما يخالفها ، أي يمكن الاتفاق على عدم جعل هذه الملحقات تابعة للرهن الرسمي 0
والأصل هو أن العقار يقع عليه الرهن الرسمي ما لم يوجد نص يقضى بغير ذلك ، ومثال ذلك النصوص الخاصة برهن السفينة والمحل التجاري 0
ثانيا : أن يكون المال المرهون مما يجوز التعامل فيه وبيعه بالمزاد العلنى : ــ

يشترط أن يكون هذا العقار المرهون جائز التعامل فيه بالبيع والشراء والرهن وكافة أنواع التعامل ، ويجوز كذلك أن يباع بالمزاد العلنى 0
وعلى هذا الأساس فلا ينفذ الرهن الرسمي إذا كان هذا المال موقوفا أو كان مالا عاما ، وذلك كله لعدم إمكان الحجز عليها وبيعها بالمزاد العلنى أو غيــر العلنى 0

ثالثا : أن يكون المال موجودا وقت الرهن : ــ

بعكس الدين المضمون الذي يجوز أن يكون احتماليا أو مستقبلا ، فان المال المرهون يجب أن يكون موجودا وقت الرهن ، وعلى ذلك فلا ينعقد الرهن إذا كان المال المرهون سوف يؤول إلي الراهن بالميراث أو الوصية أو الهبة أو غير ذلك ، إذ انه في مثل هذه الحالات لم يكن المال المرهون موجودا بالفعل في ملـــك الراهن 0

رابعا : أن يكون معينا من حيث طبيعته وموقعه : ــ

يلزم أن يكون المال المرهون معينا تعيينا دقيقا ، أو بمعنى آخر فانه يشترط أن يتم تعيين العقار تعيينا بذاته فيحدد موقعه بالضبط بأنه عبارة عن عقار في شارع كذا ورقم كذا ويحيط من حواليه كذا وكذا وحدود هذا العقار ومساحته وكل ما يتعلق بتعيينه تعيينا بذاته لا يثير أية شبهة 0
ويجب أن يتم هذا التحديد في عقد الرهن الرسمي الأصلي أو في عقد رسمي لاحق على هذا العقد الأصلي 0
وجزاء عدم التحديد هو البطلان المطلق 0
خامسا : أن يكون المال المرهون مملوكا للراهن : ــ

نبحث هذا الشرط في مطلبين كالاتى : ــ
المطلب الأول : رهن مال غير مملوك للراهن
المطلب الثاني : رهن المال الشائع

اما عن المطلب الأول فنتكلم فيه عن :
1 ــ رهن مال غير مملوك للراهن ولم يكن مملوكا له
2 ــ رهن عقار زالت ملكيته عن الراهن بأثر رجعى
3 ــ الرهن الصادر من المالك الظاهر

اما عن المطلب الثاني والخاص برهن المال الشائع فنتكلم عن : ــ
1 ــ الرهن الصادر من جميع الشركاء
2 ــ الرهن الصادر من أحد الشركاء ، وهذه الجزئية تنقسم إلي : ــ
أ ــ رهن الشريك لحصته الشائعة
ب ــ رهن الشريك لحصة مفرزة
ج ــ رهن الشريك لكل المال الشائع

إنشاء الرهن الرسمي

يشترط لعقد الرهن الرسمي شروط خاصة لإنشائه ، وبالإضافة إلي هذه الشروط الخاصة فهناك شروط متطلبة وفقا للقواعد العامة مثل الرضا وعدم عيوب الإرادة والأهلية والولاية 0

اما بالنسبة للأهلية والولاية فنفرق بين الدائن والمدين ، فأهلية الدائن المرتهن يشترط الا يكون عديم التمييز وبالتالي فيجوز لمن لم يبلغ سن الرشد ولكنه مميز أن يبرم عقد الرهن الرسمي 0

وعن الولاية فيجوز لأي ولى أو نائب عن الدائن القيام بالرهن الرسمي 0

ولكن بالنسبة لأهلية الراهن فيشترط بلوغه سن الرشد ، اما حكم تصرف الصبي المميز فهو البطلان إذا كان التصرف ضارا ضررا محضا ، وقابلا للإبطال أن كان التصرف دائرا بين النفع والضرر ، والأهلية المطلوبة يشترط فيها أن يكون الراهن مالكا للعقار المرهون ، اما بالنسبة للنائب عن الراهن فان النيابة الاتفاقية يشترط فيها توكيل خاص يحدد المال المرهون بالضبط والشكل المفروض في عقد الرهن ، اما عن النيابة القانونية فيشترط اخذ اذن المحكمة المختصة في ذلك ، باستثناء الأب الذي يجوز التصرف في أموال ابنه القاصر في حدود 300 جنيه أو ذلك الذي آل إلي الابن عن طريق الأب 0

هذه هي مجمل الشروط المتطلبة وفقا للقواعد العامة ، وبالإضافة إلي ذلك فهناك شروط متطلبة ومتعلقة بالدين المضمون ، وثمة شروط أخري متعلقة بالمال المرهون ، وأخيرا فهناك شروط متعلقة بالإجراءات الشكلية 0

ا

الرهن الرسمي

هو عقد بين المدين الراهن والدائن المرتهن، والراهن هو المدين الأصلي، وقد يكون من الغير (الكفيل العيني) ويرتب العقد للدائن حق عيني تبعي هو الرهن. ويطلق الرهن على العقد الذي بين الراهن والمرتهن، وعلى الحق العيني التبعي الذي يخول للدائن سلطة التقدم على سائر الدائنين العاديين والمرتهنين التالين له في المرتبة وإيضاً تتبع العين المرهونة في يد الغير.

وللعقد الرهن الرسمي خصائص، فهو أولاً حق عيني تابع للالتزام، فلا يقوم على استقلال بل مرتبط بالدين الأصلي فيقوم مع قيام الدين ويزول مع زواله بالانقضاء أو البطلان أو الإبطال. ويتميز الرهن الرسمي ثانياً بأنه حق عيني عقاري فلا ينشأ ولا ينعقد إلا على عقار وإن ارتبط الدين الأصلي بمنقول، وأخيراً يتميز الرهن الرسمي بأنه حق غير قابل للتجزئة من ناحيتين، من ناحية العقار المرهون ومن ناحية الدين المضمون ويخضعان لقاعدة (كل جزء من العقار ضامن لكل الدين وكل جزء من الدين مضمون بكل العقار)، وتفسير هذه القاعدة أن كل جزء من العقار ضامن لكل الدين، أي أن الدائن يستطيع أن يستوفي كل الدين من أي جزء من العقار في حالة توزيعه أو اقتسامه. وكل جزء من الدين مضمون بكل العقار، تعني مثلاُ في حال توفي الدائن المرتهن فإن الحق الشخصي يوزع على الورثة لذلك لكل وارث الحق في أن يستولي على العقار وينفذ عليه لاستيفاء حقه فقط حتى لو كانت قيمة العقار أكبر من قيمة الدين، ولا يكون للراهن ان يعارض باعتبار أنه جزء من الدين، وإذا كان هذا هو الأصل فيجب مراعاة عدم التعسف من الدائن في حقه وإلا كان للقضاء أن يتدخل

لرهن الرسمي

هو عقد يكسب به الدائن على عقار حقا عينيا يكون له بموجبه أن يتقدم على الدائنين العاديين والدائنيين التالين له في المرتبة في استيفاء حقه من ذلك العقار في أي يد يكون
لا ينعقد الرهن الرسمي إلا إذا كان بورقة رسمية موثقة وفقا للقانون
لا يجوز أن يرد الرهن الرسمي إلا على عقار مما يصح بيعه استقلالا بالمزاد العلني ويجب أن يكون معنيا بالذات تعينا دقيقا من حيث طبيعته وموقعه في عقد الرهن ذاته أو في عقد رسمي لاحق وإلا وقع الرهن باطلا
يجوز لمالك المباني القائمة على أرض الغير أن يرهنها رهنا رسميا وفي هذه الحالة يكون للدائن المرتهن حق التقدم في استيفاء الدين من ثمن الانقاض إذا هدمت المباني ومن التعويض الذي يدفعه مالك الأرض إذا استبقى المباني
يبقى نافذا الرهن الصادر من جميع الملاك لعقار شائع أيا كانت النتيجة التي تترتب على قسمة العقار أو على بيعه لعدم إمكان قسمته

يشمل الرهن الرسمي ملحقات العقار المرهون التي تعتبر عقارا ما لم يتفق على غير ذلك
إذا رهن أحد الشركاء حصته الشائعة في عقار كلها أو بعضها فان الرهن ينقل بعد القسمه ما يقع في نصيب الراهن أو جزءا مما يقع قي نصيبه يعادل في قيمته الحصة المرهونة
يجب على الراهن ضمان سلامة العقار المرهون
يجب أن يكون العقار باسم الراهن
انقضاء الرهن الرسمي
ينقضي الرهن الرسمي أولا بصفة تبعية لانقضاء الدين المضمون وذلك بالوفاء به وفي هذه الحالة يجب أن يقوم الدائن المرتهن بإصدار إقرار شطب رسمي موثق لاثبات انقضاء الدين على العقار المرهون
ينقضي الرهن الرسمي بصفة أصلية حتى ولو لم ينقض الدين المضمون به كله أو بعضه بتمام إجراءات التطهير وبيع العقار جبرا بالمزاد العلني -
الكفالة
الكفيل هو الشخص الذي يضم ذمته إلى ذمة المدين ضمانا لدين ترتب عليه ويتعهد للدائن بأدائه اذا لم يؤده المدين

شروط عقد الكفالة

عقد الكفالة لا ينعقد إلا بناء على رضاء الكفيل الصريح يجب أن يكون الكفيل موسرا ويجب أن يكون مقيما في دولة الكويت بغض النظر عن جنسيته
إذا تعدد الكفلاء بعقد واحد وكفلوا نفس الدين ونفس المدين وكانوا غير متضامنين قسم الدين عليهم بالتساوي ما لم يبين العقد فقط ما يكفل كل منهم
لا يجوز للدائن أن يرجع على الكفيل وحده إلا بعد رجوعه على المدين كما لا يجوز له أن ينفذ على أموال الكفيل إلا بعد تجريد المدين من أمواله وذلك كله ما لم يكن الكفيل متضامنا مع المدين
يبرأ الكفيل ببراءة المدين
الكفيل العيني
هو الذي يقدم ضمانا عينيا سواء نقودا محددة أو منقولا أو عقارا معينا لضمان الدين على المدين ويسأل عن الدين بمقدار قيمة المال الذي رهنه تأمينا للدين ولا تتعدى مسؤوليته إلى الأموال الأخرى المملوكة له

صيغة عقد الرهن الحيازى

انه في يوم ………… الموافق..../ ..../ ..... تم الاتفاق بين كل من :-
أولا :- السيد / ……… ومهنته …… وجنسيته…… ويحمل بطاقة / جواز سفر رقم ……… صادر من ……… والمقيم سكناً……… ( طرف أول )
ثانيا :- السيد / ……… ومهنته …… وجنسيته…… ويحمل بطاقة / جواز سفر رقم ……… صادر من ……… والمقيم سكناً ……… ( طرف ثان )
بعد أن أقر الطرفان بأهليتهما للتعاقد وعلى إبرام مثل هذا التصرف انفقا على ما يلى :-

البند الأول

بموجب هذا العقد رهن الطرف الأول للطرف الثاني ما هو ( يذكر تفصيلا الشيء المرهون ويراعي أن يكون الشيء المرهون منقولا ) وذلك ضمانا لوفاء الطرف الأول للدين الواجب عليه للطرف الثاني مبلغ وقدره 000000

البند الثاني
انتقال حيازة الشيء المرهون للدائن المرتهن
يقر الطرف الثاني ( الدائن المرتهن ) أنه تسلم من الطرف الأول ( المدين الراهن ) المال المرهون وأنه أصبح في حوزته وحيازته منذ تاريخ تحرير هذا العقد.
البند الثالث
استثمار المال المرهون
يتعهد الطرف الثاني ( الدائن المرتهن ) باستثمار المال المرهون لديه استثمارا مناسبا على أن يخصم عائد الاستثمار من مبلغ المديونية الأصلي والبالغ 00000 جنيه.
البند الرابع
التزام الدائن المرتهن بحفظ المال المرهون
يقر الطرف الثاني ( الدائن المرتهن ) بمسئوليته عن حفظ المال المرهون ومسئوليته عما يلحق به من إتلاف أو هلاك ويستثني من ذلك حالة الهلاك أو التلف بسبب أجنبي لا يد له فيه.
البند الخامس
التزام الدائن المرتهن برد المال المرهون
يقر الطرف الثاني ( الدائن المرتهن ) بمسئوليته عن رد الشيء المال المرهون إلى الراهن بعد استيفاء حقه كاملا وما يستحقه من مصروفات وتعويضات إن كان لها وجه.
البند السادس
الاختصاص القضائي
تختص محكمة ……… بالفصل فى أى نزاع ينشأ تنفيذ أو تفسير أو صحة ونفاذ هذا العقد .
البند السابع
يقر الطرفان بأن العنوان المبين بهذا العنوان الذى يعتد به فيما يتعلق بالإعلانات والاخطارات ما لم يتم الإخطار عن تغيير العناوين بموجب خطاب مسجل موصى عليه بعلم الوصول أو بإنذار رسمى .
البند الثامن
جميع مصروفات هذا العقد يتحملها الطرف الثاني وحده .
البند التاسع
حرر هذا العقد من نسختين نسخة بيد كل طرف للعمل به عند اللزوم .

الطرف الأول ( المدين الراهن ) الطرف الثاني ( الدائن المرتهن )
………………………………………… ……………………………………………

نبذة عن : الرهن الحيازي

الرهن الحيازي

يعرف الرهن الحيازي بــ : أنه عقد يلتزم بموجبه الشخص الضمان لدين عليه أو على غيره ، بأن يسلم للدائن أو إلى أجنبي يعينه المتعاقدان ،
شيئاً يترتب عليه حقاً عينياً سكون لمن هو بيده حق حبس
هذه العين لحين استيفاء الدين ، و التقدم على الدائنين العاديين و التالين له
في الرتبة في استيفاء ديونهم من هذه العين في أي يد تكون .
فهو عقد يضع يضع بموجبه المدين شيئاً عينياً في حيازة الدائن أو في حيازة من اتفق عليه المتعاقدان تأميناً للدين ، و هذا العقد يعطي للدائن حق حبس الشيء المرهون لحين الوفاء بالتمام ، و حق استيفاء دينه من ثمن المرهون مقدماً بالإمتياز على من عداه . ( قانون مدني مصري – التقنين السابق – م 540 ) .
ثم إن تسليم الشيء المرهون ( في عقد الرهن الحيازي ) لا يعد ركناً في العقد ، بل هو مجرد إلتزام يتولد من العقد بعد تمامه في ذمة المدين ،
أي أن عقد الرهن الحيازي عقداً رضائياً ينعقد بمجرد تبادل الإيجاب و القبول المتطابقين ، و التسليم في هذا العقد هو إلتزام في جانب المدين ( الراهن ) وليس ركناً .
خصائص عقد الرهن الحيازي :
1- أنه عقد رضائي ( ينطبق عليه جميع ما يقال في العقود الرضائية ) .
2 – أنه عقد تابع ( فهو عقد لا يبرم إلا بعد إبرام عقد دين ، فلا يبرم إبتداءاً من غير أن يسبقه عقد دين ) .
3- عقد غير قابل للتجزئة .
* أنه عقد رضائي ملزم للجانبين : فهو عقد ينعقد بمجرد تبادل إيجاب و قبول متطابقين ، من غير ضرورة لتسليم الشيء المرهون ، لأن التسليم فيه إلتزام و ليس ركناً . فالرهن الحيازي كان يعتبر عقداً عينياً في القانون المدني المصري القديم ، و كان تسليم الشيء المرهون ركناً لا التزاماً ، و عليه يكون عقد الرهن ملزم لجانب واحد و هو جانب الدائن ( المرتهن ) ، فإنه يلتزم بالمحافظة على الشيء المرهون و استثماره و رده عند انقضاء الرهن .
و أما في القانون المدني الجديد اعتبر الرهن الحيازي عقداً ملزماً للجانبين ، فإلى جانب إلتزام الدائن بالمحافظة على الشيء المرهون و استثماره و رده عند انقضاء الرهن ، يلتزم المدين بتسليم العين المرهونة ، منقولة كانت أو عقاراً . فالتسليم ألتزامٌ في ذمة المدين لا ركناً في العقد .
* أنه عقد تابع : فهو عقد يستلزم و جود ألتزام أصلي يضمنه ، كما هو الحال في الكفالة و الرهن الرسمي و حق الاختصاص . ثم إن الإلتزام الأصلي إذا كان باطلاً أو قابلاً للإبطال أو صار إلى الإنقضاء ، يتبعه عقد الرهن الحيازي في تلك الأوصاف فيكون باطلاً أو قابلاً للإبطال أو منقضياً .
و إذا كان الإلتزام الأصلي تجارياً كانت المنازعات الخاصة بانعقاد الرهن
و تنفيذه من أختصاص المحكمة التجارية ، حتى و لو كان المتعاقدان ليسا تاجرين .
و الإلتزام الأصلي الذي يضمنه الرهن الحيازي يصح أن يكون محله كما هو الغالب ، مبلغاً من النقود ، لكن يصح أيضاً أن يكون محله التزاماً بعمل . أو امتناع منه ، أو نقل حق عيني . كما يصح أن يكون الإلتزام الأصلي مقروناً بأجل ، أو معلقاً على شرط ، و عليه يكون الرهن الحيازي مقروناً بذات الأجل المقرون به الالتزام الأصلي ، أو معلقاً على الشرط المتعلق به الأصلي .
* الرهن الحيازي عقد غير قابل للتجزئة : فكل جزء من أجزاء العين المرهونة ضامن لكل الدين ، و كل جزء من الدين مضمون بهذه العين المرهونة . فإذا كان الالتزام الأصلي جزئين متساويين ، و كانت العين المرهونة متساوية القيمة مع كل جزء ، كان كل جزء من الدين ( الالتزام الأصلي ) مضموناً بكل الرهن ، و كل جزء من الرهن ضامناً لكل الدين .
فلو قسم الدين المضمون إلى جزئين و أعطي كل جزء لشخص لم يجز لأي شخص من الشخصين أن يدفع نصف هذا الإلتزام لتخليص جزئه ، لأن الجزء مضمون بكل الرهن لا بنصفه ، كما لو دفع المدين نصف الالتزام الأصلي و بقي نصفه الآخر ، فإن العين المرهونة تبقى ضماناً لهذا النصف المتبقي من الالتزام . فعدم تجزئة الرهن الحيازي من طبيعة الرهن ، لا من مستلزماته ، فيجوز الإتفاق على عكس ذلك ، و على تخليص بعض المرهون بالوفاء ببعض الدين
__________________

الرهن الحيازي

مقدمـة:
يعتبر الرهن الحيازي أقدم صورة عرفها الرهن بصفة عامة، فقد عرف عند الرومان عندما تمكنوا من التمييز بين ملكية الشيء وحيازته، كما عرفها أيضا القانون المدني الفرنسي القديم.وقد تطرقت الشريعة الإسلامية هي الأخرى لموضوع الرهن الحيازي، ويكفي أن نستدل على ذلك بقوله تعالى:" وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة". بل إن هناك من يقول بأن الفقهاء المسلمين لم يكونوا يعرفون إلا الرهن الحيازي الذي ينتقل بمقتضاه الشيء المرهون إلى حيازة الدائن أو إلى من يقوم مقامه1.
لكن بالرغم من أن مفهوم الرهن لم يكن غريبا في الشريعة الإسلامية، فإننا نجد أنه مقابل إجماع علماء الإسلام على جواز الرهن في السفر، فإنهم اختلفوا في جوازه في الحضر وإن كانت جمهرة الفقهاء قد أجازته في الحضر أيضا2
ويخضع الرهن الحيازي في المغرب لكل من ق ل ع وكذا لظهير 2 يونيو 1915بشأن التشريع المطبق على العقارات المحفظة وكذا الأحكام الفقه الإسلامي، وذلك تبعا لطبيعة الشيء موضوع الرهن الذي يمكن أن يكون منقولا أو عقارا. فالمنقول يخضع في رهنه لقواعد الرهن الحيازي المنظمة في ق ل ع م. أما العقار، وهو موضوع هذه الدراسة، فالقواعد التي تحكم رهنه يميز فيها بين ما إذا تعلق الأمر بعقار محفظ أو بعقار غير محفظ.
تطبق على الرهن الحيازي الوارد على العقار المحفظ مقتضيات ظهير 2 يونيو 1915 وكذلك الأحكام العامة المنظمة للرهن الحيازي في ق ل ع م. ويخضع في المقابل، الرهن الحيازي متى ورد على عقار غير محفظ لأحكام الفقه الإسلامي.
ويعتبر الرهن الحيازي العقاري إحدى الضمانات العينية المعتمد عليها لخدمة الائتمان، خصوصا إذا علمنا أن العقار محل الرهن، بالإضافة إلى قيمته الاقتصادية الكبيرة، يتميز بخاصية أساسية وهي أنه يمكن ضبطه إذ لا ينتقل من مكان إلى آخر بخلاف المنقول الذي لا تتوفر فيه هذه الميزة، مما يجعل هذا الأخير يخضع لقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية. والرهن الحيازي العقاري بالرغم من أهميته، لا يمكنه أن يؤدي الخدمة المنوطة به إلا إذا هيئت له الوسائل الكفيلة بذلك والتي من بينها العمل على إيجاد تنظيم قانوني مضبوط لهذا الرهن.
إن أقل ما يمكن أن يقال بشأن هذا التنظيم القانوني أنه مشتت بين ثلاثة مصادر: ق ل ع م، ظهير 2 يونيو 1915 وأحكام الفقه الإسلامي. وهذا التشتت لن يخدم الرهن الحيازي العقاري كأداة لتشجيع الائتمان وذلك لغياب نظرة قانونية موحدة وواضحة لهذا الرهن، وهذا أمر يشكل قصورا قانونيا لابد من تداركه.
وما زاد الأمر خطورة هو أن مجال تطبيق هذه المصادر الثلاثة غير محدد بشكل دقيق: فخضوع المعاملات المتعلقة بالعقار غير المحفظ بصفة عامة والرهن بصفة خاصة لأحكام الفقه الإسلامي أمر مختلف فيه فقها وقضاء، إذ هناك من يقـول بتطبيـق ق ل ع م على هذا العقار. والمشكل لا يطرح فقط على مستوى الرهن الحيازي الوارد على العقار غير المحفظ بل أيضا على ذلك الوارد على العقار المحفظ، من خلال معرفة ما إذا كان الرهن الحيازي لهذا العقار الأخير تطبق عليه، إلى جانب القواعد الواردة في ظ 2 يونيو 1915 والمتعلقة بهذا الرهن، الأحكام العامة للرهن الحيازي الواردة في ق ل ع م فقط، أم تخضع أيضا للقواعد المنظمة للرهن الحيازي للمنقول الواردة في هذا القانون.
نظم ق ل ع م، كما هو معروف، الرهن الحيازي في القسم الحادي عشر من الكتاب الثاني، تناوله في بابين: باب أول تطرق فيه للأحكام العامة للرهن الحيازي سواء تعلق الأمر بعقار أو بمنقول، وتطرق في الباب الثاني للرهن الحيازي للمنقول.
لذلك نستطيع التساؤل : ألا يمكن الاعتماد على القواعد المنظمة للرهن الحيازي للمنقول لتجاوز تشتت المصادر القانونية في مجال الرهن الحيازي العقاري من خلال تطبيق هذه القواعد على هذا الرهن الأخير؟ أو بعبارة أخرى هل يمكن تطبيق القواعد القانونية المنظمة للرهن الحيازي للمنقول على الرهن الحيازي العقاري بشكل يضمن لهذا الأخير أداء دوره كأداة لتشجيع الائتمان؟.
لا يجادل أحد في أن الرهن الحيازي العقاري تراجعت فعاليته الائتمانية بظهور ضمانات أخرى وخاصة منها الرهن الرسمي، لكن هذا التراجع لم يصل إلى درجة تدعو إلى القول بالاستغناء عن مؤسسة الرهن الحيازي العقاري في أي تشريع شامل مرتقب في مادة الحقوق العينية ( الفرع الثاني) لذلك، وفي انتظار صدور هذا التشريع يبدو أن الرجوع إلى ق ل ع في تنظيم هذه المؤسسة مبرر مادام أن أغلبية القواعد المنظمة للرهن الحيازي للمنقول صالحة لتطبق على الرهن الحيازي العقاري ( الفرع الأول).
الفــرع الأول: أغلبية القواعد القانونية المنظمة للرهن الحيازي للمنقول في ق ل ع م صالحة للتطبيق على الرهن الحيازي العقاري.
إن المتمعن في القواعد المنظمة للرهن الحيازي للمنقول في ق ل ع سوف لن يتردد في القول بملاءمة أغلب هذه القواعد للتطبيق على الرهن الحيازي العقاري سواء من حيث تكوين هذا الرهن الأخير حيث يصبح شكليا ( المبحث الأول) أو من حيث آثاره (المبحث الثاني) أو انقضائه ( المبحث الثالث).
المبحث الأول: تطبيق القواعد المنظمة للرهن الحيازي للمنقول في ق ل ع م على الرهن الحيازي العقاري يجعل هذا الأخير شكليا.
يقتضي تكوين الرهن الحيازي العقاري، كقعد شكلي، توفر الأركان العامة للتعاقـد ( المطلب الأول) بالإضافة إلى الشكلية ( المطلب الثاني).
المطلب الأول: خضوع إنشاء عقد الرهن الحيازي العقاري لقواعد التعاقد العامة.
يقتضي تكوين عقد الرهن الحيازي أن يوجد الرضا وجودا صحيحا ( الفقرة الأولى) وأن يتبلور هذا الرضى بتعلقه بكل من المحل والسبب ( الفقرة الثانية).
الفقــرة الأولى : وجـود الرضى وجودا صحيحا.
1- وجود الرضى:
يقصد بهذا الوجود أن تتطابق إرادتا الطرفين على العناصر الأساسية لعقد الرهن، بحيث تنصبان على هذا العقد لا على عقد آخر، وذلك من خلال تعبير كل أطراف العقد تعبيرا صحيحا عن إرادتهم بشكل يفصح عن الرغبة في الالتزام بشروط عقد الرهن وإضافة إلى التعبير عن الإرادة الذي يقتضيه وجود الرضى فإن هذا الوجود يقتضي أيضا ألا يكون أحد أطراف العقد غير مميز. ويترتب على انعدام الرضى في عقد الرهن الحيازي بطلان هذا العقد بطلانا مطلقا.
2- صحة الرضى:
لكي يكون الرضى صحيحا في عقد الرهن يجب أن تتوفر في أطراف هذا العقد الأهلية المتطلبة قانونا، إضافة إلى خلو إرادة هذه الأطراف من عيوب الرضى.
أ- الأهلية المتطلبة في عقد الرهن الحيازي العقـاري: ينص الفصل 1171 ق ل ع م على أنه" لإنشاء الرهن الحيازي يلزم توفر أهلية التصرف بعوض في الشيء المرهون". أقل ما يمكن أن يقال عن هذا الفصل أنه غير دقيق، ذلك أن الأهلية المتطلبة في عقد الرهن تختلف باختلاف طرفي العقد أي بحسب ما إذا تعلق الأمر بالراهن أو بالمرتهن.
+ أهليـة الـراهـن:تختلف الأهلية اللازمة في الراهن بحسب ما إذا كان الراهن هو المدين بالالتزام المضمون بالرهن أو شخصا آخر غير المدين بهذا الالتزام ( الكفيل العيني).ففي الحالة الأولى فإن الأهلية المتطلبة في الراهن لكي يكون عقد الرهن صحيحا هي أهلية مباشرة الأعمال الدائرة بين النفع والضرر. أما في الحالة الثانية المتعلقة بالكفيل العيني فالأهلية المتطلبة في الرهن هي أهلية مباشرة الأعمال الدائرة بين النفع والضرر إذا كانت الكفالة العينية بمقابل، وأهلية التبرع إذا تمت دون مقابل.
+ أهلية المرتهن: يضع الرهن الحيازي على عاتق المرتهن التزامات يمكن أن نمثل لها بالالتزام المتعلق بالمحافظة على المرهون، لذلك، وما دام يكسبه في المقابل عدة حقوق فإن الأهلية اللازمة في المرتهن، سواء كان دائنا أو غيرا ، هي أهلية مباشرة الأعمال الدائرة بين النفع والضرر.
ب- خلو إرادة طرفي عقد الرهن الحيازي من عيوبها.: يشترط في صحة رضى طرفي عقد الرهن أن يكون سالما من العيوب التي قد تشوبه، ونظرا لعدم تميز عيوب الإرادة في عقد الرهن عن هذه العيوب في باقي العقود، لذلك نكتفي هنا بالإحالة على الأحكام العامة المنظمة لها في الكتاب الأول من ق ل ع.
الفقـرة الثانيـة: تعلق الرضى بكل من محل وسبب الالتزام
أولا : المحل كركن من أركان عقـد الرهـن: ينص الفصل 1174 ق ل ع على أن" كل ما يجوز بيعه بيعا صحيحا يجوز رهنه"، لذلك يمكن القول بأنه يشترط في الرهن ما يلي.
1 - أن يكون مما يصح التعامل فيه وبيعه بالمزاد العلني: وعليه لا يصح أن يكون محلا للرهن كل من المال العام والمال الموقوف وحقوق الارتفاق لعدم قابليتها للبيع استقلالا.
2- أن يكون العقار المرهون قابلا للتسليم: هذا الشرط تقتضيه ضرورة نقل حيازة العقار المرهون إلى المرتهن لقيام الرهن الحيازي، وينجر على هذا، القول بأنه لا يجوز رهن الحصة المشاعة ما لم يقبل كل الشركاء على الشيوع بتسليم العقار كله للمرتهن ( 1189 ق ل ع) وكذلك لا يجوز رهن ملك الغير ما لم يقر هذا الأخير هذا الرهن أو يصبح مالكا له.
ثانيا: السبب كركن من أركان الرهن: يقدم الراهن العقار المرهون ضمانا لوفائه بالتزامه الشخصي تجاه الدائن المرتهن الذي يلتزم من جهته بالمحافظة على هذا العقار وباستثماره لتسلمه إياه.
1- الالتزام المضمون بالرهن كسبب لالتزام الراهن: يشترط في الالتزام لكي يصح ضمانه برهن حيازي عقاري ما يلي:
أ- أن يكون التزاما نقديا:لا يجوز رهن عقار ضمانا لالتزام بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل، وهذا ما يستشف من الفصل 1174 ق ل ع وكذا من الفصل 101 من ظهير 2 يونيو 1915.
ب- أن يكون الالتزام المضمون صحيحا: لأن الرهن الحيازي العقاري من الحقوق العينية التبعية التي تقتضي صحتها صحة الالتزام الذي تضمنه.
2 – تسلم العقار المرهون من طرف المرتهن كسبب لالتزامه بمقتضى الرهن. : بما أن التسليم ركن في الرهن الحيازي العقاري، إذا طبقنا على هذا الرهن المقتضيات القانونية الواردة في ق ل ع م المنظمة للرهن الحيازي للمنقول، .

لمطلب الثـاني: شكلية عقد الرهـن الحيـازي العقاري

إن تطبيق المادة 1188 ق ل ع على الرهن الحيازي العقاري يجعل هذا الأخير عقدا عينيا والعينية شكلية من الشكليات.
وإذا كانت شكلية التسليم تشكل ركنا مشتركا بين الرهن الحيازي الوارد على العقار المحفظ وذلك الوارد على العقار غير المحفظ ( الفقرة الأولى) فإن شكليتي الكتابة والتسجيل بالسجل العقاري خاصتين بالرهن الحيازي الوارد على العقار المحفظ ( الفقرة الثانية).
الفقـرة الأولى: شكلية التسليم كركن مشترك بين الرهن الحيازي الوارد على العقار المحفظ والرهن الحيازي الذي محله عقارا غير محفظ.

إذا كانت أحكام الفقه المالكي التي لازالت تطبق على العقارات غير المحفظة تقضي بأن عقد الرهن الحيازي عقد رضائي ينعقد بمجرد تبادل الإيجاب والقبول حتى لو لم يقع التسليم الذي هو شرط تمام، فإن تطبق المادة 1188 ق ل ع على الرهن الحيازي العقاري يجعل هذا الأخير عقدا عينيا لا ينعقد إلا بتسليم العقار المرهون إلى الدائن المرتهن. ويقصد بالتسليم قيام الراهن بعمل يتمثل في نقل الحيازة المادية للعقار المرهون من الراهن إلى الدائن أو إلى شخص ثالث متفق عليه. والتسليم المقصود في المادة 1188 ق ل ع إنما هو ذلك التسليم المادي، لأن هذه المادة تطلبت "تسليم الشيء المرهون فعليا إلى الدائن". وإذا كان الأصل أن يتم نقل حيازة العقار المرهون للدائن، فإنه لا مانع من نقل هذه الحيازة للغير الذي يعين إما باتفاق الراهن والمرتهن ( 1188 ق ل ع ) أو عن طريق المحكمة (1189 ق ل ع).
ويضطلع التسليم في الرهن الحيازي العقاري بعدة وظائف، فبالإضافة إلى الوظيفة الإنشائية لهذا التسليم، فهو يمكن الدائن من حبس العقار إلى أن يدفع المدين دينه المضمون، كما أن هذا التسليم يفيد في إعلام الغير بأن العقار المرهون لم يعد من أملاك الراهن الحرة الخالية من حقوق الغير عليها.
الفقرة الثانية: شكليتا الكتابة والتسجيل خاصتين بالرهن الحيازي الوارد على العقار المحفظ.
إذا كان الإجماع الفقهي حاصلا على كون الكتابة شكلية انعقاد في الرهن الحيازي الوارد على العقار المحفظ( أولا) فإن شكلية التسجيل في السجل العقاري مختلف بشأن تكييفها بين أمرين: كونها ركنا من أركان قيام حق الرهن وكونها مجرد شرط لينتج الحق آثاره ( ثانيا).
أولا: الكتابة شكلية لانعقاد الرهن الحيازي الوارد على العقار المحفظ
يجعل الفصل 108 في ظهير 2 يونيو 1915 من عقد الرهن الحيازي الوارد على العقار المحفظ عقدا شكليا لا ينعقد إلا إذا حرر هذا العقد كتابة. وتنطوي الكتابة في عقد الرهن الحيازي على عدة إيجابيات، إذا أن هذه الكتابة تسمح بضبط الدين المضمون من حيث مقداره أو تاريخ أدائه وكذا بتحديد العقار المرهون. ويكتسي إفراغ الرهن الحيازي الواقع على عقار محفظ في محرر كتابي، أهمية خاصة من حيث أن هذا المحرر سيشكل الأرضية التي سيعتمد عليها المحافظ العقاري في تسجيل حق الرهن في السجل العقاري.
ثانيـا: التسجيل في السجـل العقاري شكلية مختلف في تكييفها بين شـرط انعقـاد وشـرط إنتاج الآثار.
يخضع الرهن الحيازي العقاري، شأنه في ذلك شأن باقي الحقوق العينية الأخرى، لإجراء القيد في السجل العقاري.
وقد شكل التسجيل في هذا السجل إحدى النقط التي كانت محل خلاف في الفقه3حول طبيعة هذا التسجيل هل هو ركن من أركان قيام الحق أم أنه فقط شرط لينتج الحق آثاره؟.إلا أن المتمعن في الفصل 67 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن التحفيظ العقاري لن يتردد في القول بأن هذا التسجيل ليس ركنا في العقد وإنما هو إجراء إضافي ليرتب هذا العقد أثره العيني.وعليه فتسجيل الرهن الحيازي العقاري في السجل العقاري هو شرط لينتج هذا الحق آثاره سواء بالنسبة للمتعاقدين أو بالنسبة للغير.

المبحث الثاني: المقتضيات القانونية المنظمة لآثار الرهن الحيازي للمنقـول في ق ل ع تصلح في أغلبها للتطبيق على الرهن الحيازي العقاري.

يمكن التمييز في الآثار المترتبة عن الرهن الحيازي العقاري بين تلك الآثار المشتركة بين هذا الرهن وباقي الضمانات العينية الأخرى ( المطلب الأول) وتلك الآثار الخاصة بالرهن الحيازي العقاري ( المطلب الثاني).
المطلب الأول: الآثار المشتركة بين الرهـن الحيازي العقاري وباقي الضمانات العينية الأخرى.
يمكن التمييز في الآثار التي يشترك فيها الرهن الحيازي العقاري مع باقي الضمانات العينية الأخرى بين تلك الآثار التي ينتجها بالنسبة للمتعاقدين ( الفقرة الأولى) وتلك الآثار بالنسبة للغير (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الآثار المشتركة بين الرهن الحيازي العقاري وباقي الضمانات العينية الأخرى بالنسبة للمتعاقدين
أولا : الراهن يبقى مالكا للعقـار المـرهون: تبقى ملكية العقار المقرر عليه حق عيني تبعي للراهن بغض النظر عما إذا تمثل هذا الحق في الامتياز أو في الرهن الرسمي أوفي الرهن الحيازي، وهكذا فإن هذا الأخير لا يفقد الراهن ملكية العقار محل الرهن،إذا أنه يحتفظ بسلطات الملكية الثلاث وهي: الاستغلال والاستعمال والتصرف، غير أن مباشرة الراهن لهذه السلطات تبقى مقيدة بحق الرهن المقرر للمرتهن ( لاحظ مثلا الفصل 1177 ق ل ع).
ثانيـا: حق المرتهن في طلب بيع العقار المرهون عند عدم استيفائه لحقه المضمون: تخول الحقوق العينية التبعية صاحبها حق بيع الشيء المقررة عليه هذه الحقوق، قصد استيفاء حقه المضمون من الثمن المتحصل من البيع، وذلك عند امتناع المدين الراهن عن الوفاء بدينه.والرهن الحيازي العقاري يمنح، هو الآخر الدائن المرتهن عند حلول تاريخ الاستحقاق، حق طلب بيع العقار المرهون بالمزاد العلني إذا لم يؤد دينه كليـا أو جزئيـا (الفصل 1179 ق ل ع والفصل 104 من ظ 2 يونيو 1915).
الفقـرة الثانية: الآثار المشتركة بين الرهن الحيازي العقاري وباقي الضمانات العينـة الأخـرى بالنسبة للغير.
أولا : حـق الأفضليـة : يمنح الرهن الحيازي العقاري، كغيره من الحقوق العينية التبعية الأخرى، الدائن المرتهن حق استيفاء دينه من ثمن العقار المرهون بالأولوية على سائر الدائنين العاديين وكذا عن باقي الدائنين الذين لهم حق عيني تبعي على هذا العقار إذا كانوا لاحقين له في المرتبة. وحق الأفضلية لا يقتصر فقط على أصل الدين وإنما يشمل أيضا توابع الدين ومصروفات الحفظ وما إلى ذلك ( 1199 ق ل ع). وكيفية تحديد مرتبة الدائن المرتهن تختلف بحسب ما إذا كان الرهن الحيازي واردا على العقار المحفظ أو على العقار غير المحفظ. فالعبرة في تحديد مرتبة الدائن المرتهن بتاريخ تسجيل الحق في الرهن لا بتاريخ العقد المنشئ لهذا الرهن متى ورد هذا الأخير على عقار محفظ، أما إذا تعلق الأمر برهن حيازي محله عقارا غير محفظ فالعبرة في تحديد هذه المرتبة إنما هي بتاريخ العقد المنشئ للرهن.
ثانيا: حـق التتبع: تمنح الحقوق العينية التبعية لذويها سلطة التتبع تخولهم حق التنفيذ على الشيء محل هذه الحقوق في أية يد انتقل إليها هذا الشيء. والتتبع في الرهن الحيازي لا يقصد به التتبع المادي للحيازة لأن الدائن المرتهن رهن حيازة لا يحتاج إلى تتبع العقار وهو في يده وإنما يقصد به التتبع المعنوي للملكية. وتجدر الإشارة إلى أن منح الرهن الحيازي لسلطة التتبع للدائن المرتهن محل خلاف فقهي حاد4.
المطلب الثاني: الآثار الخاصة بالرهن الحيازي العقاري
يميز في الآثار الخاصة بالرهن الحيازي بين تلك الآثار التي تترتب عليه أثناء قيام هذا الرهن والتي تتمثل في انتقال الحيازة المادية دون الحيازة القانونية للعقار المرهون إلى الدائن المرتهن ( الفقرة الأول) من جهة، وتلك الآثار التي يرتبها هذا الرهن عند استحقاق الدين المضمون والتي تدور حول استيفاء الدائن المرتهن لهذا الدين من جهة أخرى(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: انتقال الحيازة المادية دون الحيازة القانونية إلى الدائن المرتهن أثناء قيام الرهن
أولا: احتفاظ الراهن بالحيازة القانونية لملكية العقار المرهون دون الحيازة المادية لهذا العقار
1- احتفاظ الراهن بالحيازة القانونية لملكية العقـار المرهون: يبقى الراهن حائرا قانونيا لملكية العقار المرهون وذلك بالرغم من انتقال الحيازة المادية لهذا العقار للدائن المرتهن الذي يعتبر من جهته حائزا قانونيا لحقه في الرهن.والحيازة المادية للدائن المرتهن للعقار المرهون هي من قبيل النيابة عن المالك لهذا العقار، لذلك فهذا الدائن يحوز العقار حيازة عرضية فقط لا تتنقل بها ملكيته مهما طال زمن هذه الحيازة.
2- خروج الحيازة المادية للعقار المرهون من يد الراهن: لن نتحدث هنا عن التسليم الذي تخرج به الحيازة المادية للعقار المرهون من يد الراهن لتنتقل إلى الدائن المرتهن لأن التسليم سبق أن تم التطرق إليه باعتباره ركنا من أركان الرهن الحيازي العقاري، وعليه فالذي يهمنا في هذا الإطار هو الآثار المترتبة عن خروج الحيازة المادية للعقار المرهون من يد الراهن بعد التسليم الذي ينعقد به الرهن الحيازي العقاري. وتتمظهر هذه الآثار على مستويين:
أ- التزام الراهن بترك العقار المرهون في يد المرتهن إلى حين وفاء الدين المضمون ( 1201، 1202 ق ل ع ، 103 من ظ 2 يونيو 1919).
ب – التزام الراهن بضمان فعالية الرهن الحيازي العقاري ( 1179 ق ل ع، 1183 ق ل ع )
ثانيـا: انتقال الحيازة المادية دون الحيازة القانونية للعقار المرهون إلى الدائن المرتهن.
سبق القول بأن الذي ينتقل إلى الدائن المرتهن بمقتضى الرهن الحيازي العقاري إنما هي الحيازة المادية للعقار المرهون (1) دون الحيازة القانونية لهذا العقار (2
- انتقال الحيازة المادية للدائن المرتهن: ينشأ للدائن المرتهن، بمجرد انتقال الحيازة المادية للعقار المرهون إلى هذا الدائن، حق حبس هذا العقار (أ)، وهذا الحق ينشئ عليه بالمقابل التزاما بالمحافظة على هذا العقار واستثماره ( ب).
أ- انتقال الحيازة المادية للعقار المرهون إلى الدائن المرتهن يخوله حق حبس هذا العقار إلى حين استيفاء دينه المضمون. يترتب عن الرهن الحيازي العقاري حق الدائن المرتهن في حبس العقار المرهون إلى حين استيفاء دينه المضمون وملحقاته،ويمارس الدائن هذا الحق إما أصالة عن نفسه أو يباشره الغير نيابة عنه.وقد نص على هذا الحق كل من الفصل 1184 والفصل 1201 ق ل ع .وتجدر الإشارة إلى أن حق الحبس لا ينصب فقط على العقار المرهون بل ينصب أيضا على ملحقاته وخاصة منها الثمار التي يمكن أن تنتج عن استغلال العقار، هذا الاستغلال الذي يعتبر إلى جانب المحافظة على العقار المرهون من الالتزامات الملقاة على عاتق المرتهن أثناء قيام الرهن.
ب- التزام الدائن المرتهن بالمحافظة على العقار المرهون وباستثماره بسبب انتقال الحيازة المادية إليه بمقتضى الرهن
يلتزم الدائن المرتهن أو العدل بأن يحافظ على العقار المرهون بمجرد انتقال الحيازة المادية لهذا العقار إلى هذا الدائن، ويقتضي هذا من الدائن أداء التكاليف والتحملات السنوية الخاصة بالعقار الذي بيده على وجه الرهن الحيازي، ما لم يتفق على غير ذلك، كما يقتضي منه أيضا القيام بالترميمات والإصلاحات النافعة والضرورية للعقار وإلا كان مسؤولا عن تعويض الضرر ( 102 ظ 2 يونيو 1915). ودرجة العناية المطلوبة من الدائن في تنفيذ التزامه المتمثل في حفظ وصيانة العقار المرهون هي عنايته في الحفاظ على ماله ( 1204). وفضلا عن أن المرتهن يلتزم بحفظ العقار المرهون فهو يلتزم أيضا باستثمار هذا العقار واستغلاله، إذا أن انتقال الحيازة المادية لهذا العقار من الراهن إلى المرتهن لا يجب أن يؤدي إلى تعطيل العقار المرهون عن استغلاله. ورغم أنه لا يوجد من بين نصوص ق ل ع المنظمة للرهن الحيازي ما يشير صراحة إلى إلزام الدائن المرتهن باستغلال الشيء واستثماره، إلا أن هذه النصوص تضمنت ما يدل على تحمل الدائن بهذا الالتزام. وهذا ما يتضح من خلال الفصل 1204 ق ل ع الذي يلزم الدائن " بأن يسهر على حراسة الشيء أو الحق المرهون..." وهكذا نجد في هذا الفصل ما يغني عن النص بشكل صريح على التزام الدائن المرتهن باستثمار العقار المرهون، فالفصل المذكور ألزم الدائن بحراسة الشيء، ومن مقتضيات هذه الأخيرة ، حسب الفصل 821 ق ل ع إلزام الحارس بإدارة الشيء عن طريق استثماره.
2- عدم انتقال الحيازة القانونية لملكية العقار المرهون إلى الدائن المرتهن تقتضي من هذا الأخير الامتناع عن التصرف في العقار المذكور بدون إذن الراهن: لا يجوز للدائن المرتهن استعمال العقار المرهون أو رهنه للغير أو التصرف فيه بأية طريقة أخرى لمصلحة نفسه ما لم يؤذن له في ذلك صراحة ( 1207). ويرجع سبب منع الدائن المرتهن من التصرف في العقار المرهون بدون إذن الراهن إلى أن من شأن مثل هذا التصرف أن يؤدي إلى تعطيل حق الراهن في استرداد هذا العقار عند انقضاء الدين.
الفقـرة الثانية: الآثار الخاصة بالرهن عند استحقاق الدين المضمون تدور حول استيفاء الدائن المرتهن لهذا الدائن
إذا كان وفاء المدين الراهن لدينه المضمون يخوله استرداد عقاره المرهون ( أولا) فإن عدم وفاء المدين بهذا الدين عند استحقاقه يخول الدائن المرتهن استيفاء حقه المضمون من ثمن العقار المرهون المتحصل من بيعه (ثانيا).
أولا : وفاء المدين الراهن لدينه المضمون يخوله استرداد عقاره المرهون: يحق للراهن بمجرد الوفاء بدينه أو بصفة عامة بانقضاء الدين المضمون وتوابعه كليا بأي سبب من أسباب الانقضاء، بأن يسترد العقار المرهون وتوابعه مرفقا بحساب عما قبضه من ثماره أثناء حيازته له ( 1209 ق ل ع). ورد العقار المرهون قد يلزم به الدائن المرتهن ولو لم ينقض الدين المضمون في حالة ما إذا كان العقار المرهون وثماره تنذر بالتعيب أو الهلاك، ففي هذه الحالة يحق للراهن أن يسترد هذا العقار ويستبدل به شيئا آخر يساويه في القيمة (1206 ق ل ع ). ويحق للراهن، في سبيل استرداده لعقاره المرهون، أن يرفع إحدى الدعويين:
- دعوى شخصية تجاه الدائن المرتهن ناشئة عن عقد الرهن.
- دعوى عينية تستند إلى ملكيته للعقار المرهون وهي دعوى الاستحقاق.
ثانيا: عدم وفاء المدين الراهن لدينه عند استحقاقه يخول الدائن المرتهن استيفاء حقه المضمون من ثمن العقار المرهون.
يحق للدائن المرتهن الذي لم يدفع له المدين الدين المضمون عند استحقاقه أن يلجأ إلى القضاء لطلب بيع العقار المرهون عن طريق المزاد العلني. إلا أن هذا الطلب لا يمكن أن يستجاب له إلا بعد مرور سبعة أيام من الإعلام الرسمي الحاصل للمدين بالأداء يحق خلالها للمدين التعرض على البيع. وإذا كان للطرفان أن يمددا الأجل المتعلق بالتعرض المتحدث عنه سابقا فإنه بالمقابل لا يجوز لهما الاتفاق على مدة أقصر ( 1219 ق ل ع). ومباشرة عملية البيع يجب أن تتقيد بجملة من الضوابط ورد النص عليها في الفصل ( 1221 ق ل ع). وتجدر الإشارة إلى أنه لا يجوز الاتفاق على عدم مراعاة المسطرة القانونية في التنفيذ ( 1226 ق ل ع ) كما أنه لا يجوز كذلك الاتفاق على تملك الدائن المرتهن للعقار المرهون بمجرد عدم أداء المدين لدينه المضمون (104 ظ 2 يونيو1915).
المبحث الثالث: القواعد المنظمة لانقضاء الرهن الحيازي للمنقول تصلح للتطبيق على الرهن الحيازي العقاري.
وفقا للمقتضيات المنظمة للرهن الحيازي في ق ل ع، فإن هذا الرهن إما أن ينقضي بصفة تبعية أي تبعا لانقضاء الدين المضمون بهذا الرهن ( المطلب الأول). وإما أن ينقضي بصفة أصلية ( المطلب الثاني).
المطلب الأول: انقضاء الرهن بصفة تبعية
يعتبر الرهن الحيازي حقا عينيا تبعيا، لذلك فهذا الرهن ينقضي إذا أبطل أو زال أو انقضى الالتزام المضمون بهذا الرهن. والحالات التي ينتهي فيها الرهن تبعا لانتهاء الدين المضمون هي كالتالي:
1- بطلان الالتزام الأصلي أو إبطاله
2- زوال الدين المضمون المعلق على شرط بتحقق الشرط الفاسخ وتخلف الشرط الواقف
3- انقضاء الالتزام بتنفيذه عينا
4- انقضاء الالتزام بما يعادل الوفاء
ينقضي الالتزام في هذه الحالة لا بتنفيذ الالتزام عينا ولكن بما يعادل الوفاء، ويشمل تنفيذ الالتزام بما يعادل الوفاء كل من الوفاء بمقابل والتجديد والمقاصة واتحاد الذمة. إلا أن ما يجب التنبيه إليه بشأن المقاصة واتحاد الذمة هو أنهما لا يؤديان إلى انقضاء الرهن إلا إذا ترتب عنهما انقضاء الالتزام المضمون بصفة كلية لأن الانقضاء الجزئي للالتزام لا يؤدي إلى انقضاء الرهن.
5- انقضاء الالتزام بدون الوفاء به.
يمثل هذا النوع الأسباب التي تؤدي إلى انقضاء الالتزام دون تنفيذه لا عينا ولا بمقابل، وأسباب هذا الانقضاء هي كالتالي : الإبراء والإقالة الاختيارية، أما استحالة التنفيذ والتقادم المسقط فلا يؤديان إلى انقضاء الرهن.
أ- عدم تصور استحالة تنفيذ الالتزام المضمون بالرهن الحيازي: سبق القول بأن الالتزام النقدي هو وحده الذي يمكن ضمانه بالرهن الحيازي العقاري، وهذا الالتزام لا ينقضي باستحالة التنفيذ لأن محل هذا الالتزام نقود وهي أشياء مثلية لا تهلك قانونا ولو هلكت واقعيا.
ب- عدم انقضاء الدين المضمون بالرهن الحيازي العقاري عن طريق التقادم: السبب هو أن بقاء المرهون بين يدي الدائن المرتهن يشكل اعترافا مستمرا من المدين ببقاء ذمته منشغلة لمصلحة الدائن المرتهن. وبما أن الاعتراف يعد سببا من أسباب قطع التقادم فإن الاعتراف المستمر يؤدي إلى القطع المستمر للتقادم.
المطلب الثاني: انقضاء الرهن بصورة أصلية
" ينقضي" الرهن بصورة مستقلة عن الالتزام المضمون في الحالات الآتية:
1- زوال الرهن الحيازي تبعا لبطلانه أو إبطاله.
2- فسخ عقد الرهن من طرف الراهن نتيجة إخلال المرتهن بالتزامه بحفظ العقار المرهون ( 1208 ق ل ع).
3- أسباب انقضاء الرهن بصفة تبعية بمعناه المضبوط.
نص على هذه الأسباب الفصل 1234 ق ل ع، وسيتم الحديث في هذا الإطار عنها بالترتيب الذي وردت به في هذا الفصل.
أ- تنازل الدائن المرتهن عن الرهن( 1235 ق ل ع)
ب- هلاك العقار المرهون هلاكا كليا
ج- اتحاد ذمة الراهن والمرتهن: اتحاد الذمة المقصود هنا هو ذلك الذي يؤدي إلى الانقضاء الكلي للرهن.
د- فسخ الرهن الحيازي العقاري المعلق على شرط عند تحقق الشرط الفاسخ أو حلول الأجل الفاسخ.
هـ- انقضاء الرهن بحوالة الدين ما لم يشترط غير ذلك
و- بيع العقار المرهون بناء على طلب دائن مرتهن ذي أولوية.
إذا بيع العقار المرهون بالمزاد العلني استجابة لطلب تصفية الرهن المقدم من طرف دائن مرتهن سابق التاريخ فإن الرهن ينقضي بالنسبة للدائنين المرتهنين الآخرين مع حفظ حقهم فيما يفضل من الثمن بعد استيفاء الدائن المرتهن الأسبق لكل دينه (1240 ق ل ع). غير أن ما تجدر الإشارة إليه هو أنه متى انقضى الرهن الحيازي الوارد على العقار المحفظ بإحدى الطرق السابق ذكرها، فإنه يجب التشطيب على هذا الرهن من السجل العقاري،إذا أنه بدون هذا التشطيب لا يعتبر منقضيا من الناحية القانونية.
خلاصة القول أن المقتضيات المنظمة للرهن الحيازي للمنقول تصلح للتطبيق على الرهن الحيازي العقاري سواء من حيث تكوينه أو إنتاجه لآثاره أو انقضائه. والقول بإمكانية تطبيق ق ل ع على الرهن الحيازي الوارد على كل من العقار المحفظ والعقار غير المحفظ لا يبتغى منه إقصاء قواعد الفقه المالكي لكونها غير مسايرة للتطور القانوني الحالي، ولكن يستهدف فقط الحد من التعدد غير المبرر للقوانين التي تحكم العقارات في المغرب، حتى تلعب دورها الاقتصادي بجعلها أداة ائتمان لأصحابها تخولهم الحصول على قروض مقابل رهنها مثلا رهنا حيازيا، الذي يتبين أن تراجع التعامل به سببه ليس فقط هذا التعدد في القوانين الذي تحكمه.
الفرع الثاني: تراجع الفعالية الائتمانية لمؤسسة الرهن الحيازي العقاري لا يقتضي الاستغناء عن هذه المؤسسة.
تقف عدة أسباب وراء تراجع الدور الائتماني للرهن الحيازي العقاري (المبحث الأول) إلا أن هذا التراجع لم يصل إلى درجة تدعو إلى الاستغناء عن هذا الرهن لذلك فالاحتفاظ به مبرر(المبحث الثاني)، وهذا ما فعله مشروع مدونة الحقوق العينية عندما احتفظ بمؤسسة الرهن الحيازي العقاري ( المبحث الثالث).
المبحث الأول: تعدد أسباب تراجع أهمية الرهن الحيازي العقاري كأداة للائتمان
يرجع تقهقر الدور الائتماني للرهن الحيازي العقاري إلى التنظيم القانوني غير المضبوط لهذا الرهن (المطلب الأول) وكذا إلى الآليات الخاصة بهذا الأخير التي لا تخدم مصالح أطرافه ( المطلب الثاني).
المطلب الأول: التنظيم القانوني الحالي للرهن الحيازي العقاري غير مضبوط
يتميز التنظيم القانوني الحالي للرهن الحيازي العقاري بتعدد مصادر هذا التنظيم، إذ أن هذا الرهن يخضع لأحكام كل من ق ل ع وظهير 2 يونيو 1915 وكذا الفقه المالكي.وأهم ما يمكن قوله عن تعدد المصادر القانونية المنظمة لمؤسسة الرهن الحيازي العقاري هو أن هذا التعدد ينم عن غياب نظرة موحدة لهذه المؤسسة، إذ نجد أنفسنا أمام مؤسسة قانونية واحدة لها، في المقابل، تنظيمات قانونية متعددة. إذ بماذا يتميز الرهن الحيازي الوارد على العقار المحفظ عن الرهن الحيازي الذي محله عقار غير محفظ؟. يمكن القول بأن العقار الأول لا يتميز عن العقار الثاني إلا بتقنية التسجيل في السجل العقاري، لذلك فالمنطق يقتضي القول أن كل ما ليس من متطلبات التسجيل يطبق على الرهنين معا أي على كل من الرهن الحيازي الوارد على العقار المحفظ وعلى ذلك الرهن الواقع على العقار غير المحفظ. وما زاد الأمر خطورة هو أن مجــال تطبيـق ق ل ع في علاقته بأحكام الفقه المالكي غير واضح بشكل دقيق، إذ لازال هذا المجال محل خلاف فقهي حاد كما أنه ثبت أن العديد من القرارات سواء منها تلك الصادرة عن محاكم الموضوع أو المجلس الأعلى طبق فيها ق ل ع على نزاعات تتعلق بعقارات غير محفظة. وفضلا عن الحدود غير الواضحة بين كل من ق ل ع وأحكام الفقه الإسلامي، يمكن القول بأن الرجوع إلى هذه الأحكام لتطبيقها على الرهن الحيازي الوارد على العقار غير المحفظ محفوف بمجموعة من الصعوبات. إذ أن عدد الكتب التي يرجع إليها القضاء المغربي في مجال هذا العقار والمواد الشرعية الأخرى يفوق الثلاثين مرجعا5 .وعليه فالمشكل المطروح على مستوى أحكام الفقه المالكي هو أنها غير مجموعة في مدونة واحدة لكي يسهل الرجوع إليها بل هي مشتتة على عدة مصنفات.
وأقل ما يمكن أن يقال عن تعدد هذه المصنفات هو أنه يتضمن إضرارا بمبدأين أساسيين وهما الاستقرار والتوقع القانونيين، خصوصا إذا علمنا أنه ثبت من خلال الأحكام القضائية أن القواعد الواجبة التطبيق على العقارات غير المحفظة تختلف بحسب القضاة وبحسب تفضيلهم لهذا المصنف أو ذاك من المصنفات المعتمدة مما يؤدي لا محالة إلى تعارض واختلاف بين الاجتهادات ويعرقل بالتالي كل عمل من أجل التوحيد6. وهكذا نخلص إلى أن هذا التنظيم القانوني غير المضبوط للعقارات غير المحفظة لن يساعد هذه الأخيرة على أداء دورها الاقتصادي لأن هذه العقارات لن تقبل كأداة ائتمان تمكن مالكيها من الحصول على القروض.
المطلب الثاني: الآليات الخاصة بالرهن الحيازي العقاري لا تخدم مصالح أطرافه
أهم الآليات التي يقوم عليها الرهن الحيازي العقاري تلك المتعلقة بخروج الحيازة المادية من يد الراهن وانتقالها إلى يد المرتهن. فخروج هذه الحيازة من يد الراهن فيه إضرار بمصالحه ( الفقرة الأولى) وبالمقابل فإن انتقال الحيازة المادية إلى الدائن المرتهن يثقل هذا الأخير بعدة التزامات (الفقرة الثانية).
الفقـرة الأولى : خروج الحيازة المادية من يد الراهن فيه إضرار بمصالحه
سبق القول بأن الرهن الحيازي العقاري يقوم على ميزة أساسية وهي تسليم العقار المرهون إلى الدائن المرتهن أو العدل. وعليه فهذا الرهن يؤدي إلى خروج العقار من حيازة مالكه،وهذا الخروج يتضمن في الحقيقة تقييدا كبيرا للسلطات التي يمنحها حق ملكية هذا العقار. وهكذا فانتقال الحيازة المادية للعقار المرهون إلى الدائن المرتهن يؤدي إلى حرمان الراهن من استعمال واستغلال العقار المرهون بنفسه، كما أنه يؤدي إلى تقييد سلطة تصرف الراهن في هذا العقار بإذن المرتهن. قد يقال بأن الدائن المرتهن يقوم بحفظ واستثمار العقار المرهون لفائدة الراهن، ولكن المتمعن في درجة العناية المتطلبة من المرتهن في القيام بهذا الحفظ وهذا الاستثمار وهي عناية هذا الدائن في حفظ واستثمار أمواله، سيجد بأن تحديد هذه العناية بهذا الشكل فيها خطر على الراهن، إذ الأخذ بالمعيار الشخصي في هذا الإطار يجعل العناية المتطلبة تختلف من شخص لآخر، وهكذا إذا كان الدائن المرتهن لا يحسن حفظ واستثمار أمواله فإن نقل حيازة العقار المرهون إلى مثل هذا الدائن فيه إضرار بمصالح الراهن الذي لن يكون له الحق في إلزام هذا الدائن ببذل عناية أكبر من تلك التي يبذلها في حفظ واستثمار أمواله. وينطوي خروج الحيازة المادية من يد الراهن على سلبية أخرى تتمثل في أن هذا الخروج لا يمكن الراهن من الحصول على قروض جديدة لأن هذا الانتقال للحيازة المادية إلى المرتهن لا يساعد على تجزيء الائتمان بين دائنين متعددين.
الفقرة الثانية: انتقال الحيازة المادية للدائن المرتهن يثقل كاهل هذا الأخير بعدة التزامات.
يشكل نقل الحيازة المادية للعقار المرهون إلى الدائن المرتهن عبئا ثقيلا على هذا الدائن، إذ أن هذا النقل يلزمه بحفظ العقار واستثماره ويحمله مسؤولية كبيرة عن الإخلال بالالتزامين المتمثلين في هذا الحفظ وهذا الاستثمار.
وعليه فالرهن الحيازي العقاري يحمل الدائن المرتهن التزامات مرهقة، مقابل حصوله على حقه المضمون بهذا الرهن، وهذا هو السبب الذي يدفع إلى عدم قبول هذا الرهن كضمانة للديون.إذا الغالب أن ذوي رؤوس الأموال يفضلون الاحتفاظ بهذه الأخيرة بدل إقراضها مقابل الحصول على الرهن الحيازي العقاري، ما دام أن هذا الإقراض لن يدر عليهم نفعا.
المبحث الثاني: الاحتفاظ بمؤسسة الرهن الحيازي العقاري له ما يبرره
ما يبرر ضرورة الاحتفاظ بمؤسسة الرهن الحيازي العقاري هو النسبة الكبيرة للعقارات غير المحفظة مقارنة مع العقارات المحفظة ( المطلب الأول) وكذا التعامل بهذا الرهن في المناطق الريفية المغربية( المطلب الثاني).
المطلب الأول: النسبة الكبيرة العقارات غير المحفظة مقارنة مع العقارات المحفظة تبرر الاحتفاظ بمؤسسة الرهن الحيازي العقاري.
نظرا للمزايا الكثيرة التي يحققها نظام التحفيظ العقاري، فقد اتخذ المشرع المغرب عدة مبادرات تستهدف تشجيع الناس على تحفيظ عقاراتهم قصد تعميم هذا النظام، إلا أن هذا التعميم اعترضته عدة معوقات جعلته بعيد المنال.
ورغم عدم توفرنا على إحصائياترسمية بخصوص النسبة المحفظةمن العقارات،إلا أن المتداول فقها هو أن هذه النسبة لا تتجاوز 20% من مجموع العقارات. ومادام الرهن الرسمي لا يرد إلا على العقارات المحفظة بخلاف الرهن الحيازي الذي يرد على كل من العقارات المحفظة والعقارات غير المحفظة، لذلك فالاعتماد فقط على الرهن الرسمي سيجعل العقارات غير المحفظة خارج الحلبة الاقتصادية.
المطلب الثاني: التعامل بالرهن الحيازي العقاري في المناطق الريفية المغربية يبررالاحتفاظ بمؤسسة الرهن الحيازي العقاري.
اعتبارا لكون الرهن الحيازي يمثل الصورة التقليدية للرهون، لذلك نجد أن الناس ألفوا هذا النوع من الرهون خصوصا في المناطق القروية، وذلك بخلاف الرهن الرسمي الذي يجهله أغلب الناس. وتجدر الإشارة إلى أنه تمت الدعوة في مصر، من بعض أعضاء مجلس الشيوخ إلى إلغاء الرهن الحيازي العقاري من القانون المدني، إلا أنه لم يستجب لهذه الدعوة لعدة مبررات من بينها أن الاحتفاظ بهذا الرهن في القانون المدني المصري تستدعيه كثرة التعامل بهذا الرهن في المناطق الريفية.
المبحث الثالث: احتفاظ مشروع مدونة الحقوق العينية بمؤسسة الرهن الحيازي العقـاري
نظم مشروع القانون رقم 19.01 المتعلق بمدونة الحقوق العينية الذي أعدته وزارة العدل، الرهن الحيازي العقاري في المواد من 288 إلى311. والملاحظ على هذا المشروع أنه بالرغم من تضمنه لبعض المستجدات على مستوى الرهن الحيازي العقاري ( المطلب الثاني) إلا أنه ( أي المشروع) جعل من الأحكام المنظمة للرهن الحيازي في ق ل ع الشريعة العامة لهذا الرهن( المطلب الأول).
المطلب الأول: مشروع مدونة الحقوق العينية يجعل القواعد المنظمة للرهن الحيازي في ق ل ع كشريعة عامة للرهن الحيازي العقاري.
أحال مشروع مدونة الحقوق العينية، بمناسبة تنظيمه للرهن الحيازي العقاري، في مادته 290 على مجموعة من الفصول المنظمة للرهن الحيازي في ق ل ع، ويصل عدد هذه الفصول المحال عليها إلى 45 فصلا. وعليه فأحكام الرهن الحيازي المنصوص عليها في ق ل ع شكلت الأساس المعتمد عليه في صياغة مقتضيات الرهن الحيازي العقاري الواردة في المشروع المتحدث عنه، خصوصا إذا علمنا أنه بالإضافة إلى إحالة هذا المشروع في مادته 290 منه على عدة فصول من ق ل ع، فجل مواده الأخرى كرست قواعد تضمنتها مقتضيات ق ل ع الخاصة بالرهن الحيازي، إلا أن هذا لا ينفي القول بوجود بعض المستجدات.
المطلب الثاني: مستنجدات مشروعه مدونة الحقوق العينية على مستوى الرهن الحيازي العقاري.
أتى مشروع مدونة الحقوق العينية ببعض المقتضيات الجديدة على مستوى الرهن الحيازي والتي لا مثيل لها في الأحكام المنظمة لهذا الرهن في ق ل ع. ويمكن حصر أهم المستجدات التي تضمنها المشروع فيما يتعلق بهذا الرهن على المستويات التالية:
+ صحة عقد الرهن تقتضي حسب المادة 291 من المشروع:- أن يبرم هذا العقد في محرر يحرره عدلان- أن يكون الرهن لمدة معينة- تضمن العقد لما يفيد معاينة حوز العقار المرهون.
+ عقود الرهن المبرمة خارج المغرب على عقار بالمغرب لما أثر لها( 293).
+ الاهتمام بقاعدة التخصيص من خلال الحرص على تضمين عقد الرهن مجموعة من البيانات المتعلقة بالعقار المرهون وبمبلغ الدين المضمون ( 294).
+ اشتراط موافقة المالك الحقيقي بمقتضى محرر رسمي في حالة رهن ملك الغيـر( 295).
+ عدم جواز رهن العقارات التي ستملك مستقبلا ( 299).
+ للمدين حق رد عقاره المرهون بعد أداء دينه المضمون ولو قبل حلول تاريخ استحقاق هذا الدين ( 310).
.

تعريف الرهن الرسمي و تمييزه عن بعض المصطلحات المشابهة :((بحث جزائرى))

الرهن الرسمي هو حق عيني ينشأ بموجب عقد رسمي هو الرهن ،ويتقرر ضمانا للوفاء بدين على عقار مملوك للمدين أو لكفيل عيني ،ويكون بموجبه للدائن الحق في إستيفاء دينه من ثمن هدا العقار متقدما في دلك على الدائنين العاديين لمالك هدا العقار و الدائنين أصحاب الحقوق العينية على هدا العقار المتأخرين في المرتبة و متتبعا هدا العقار تحت يد من إنتقلت إليه ملكيته .

المطلب الأول : تعريف الرهن الرسمي :

عرفت المادة 882 من القانون المدني الجزائري الرهن الرسمي على أنه "(عقد يكسب به الدائن حقا عينيا على عقار لوفاء دينه ،يكون له بمقتضاه أن يتقدم على الدائنين التالين له في المرتبة في استيفاء حقه من ثمن دلك العقار في أي يد كان )".

ونخلص من هدا النص أن الرهن الرسمي يطلق على العقد الدي يترتب به للدائن حق عيني على عقار مخصص لوفاء دينه ،ويكون للدائن بموجبه حق تقدم في استيفاء دينه من ثمن العقار المرهون ويتقدم الدائن بموجب هدا الحق العيني ليس فحسب على الدائنين العاديين لمالك العقار الموهون ،بل وعلى الدائنين الدين لهم حق عيني آخر على هدا العقار ،من دائنين مرتهنين وأصحاب حقوق إختصاص إدا كانوا متأخرين في المرتبة أي مقيدين بعد تاريخ قيد الدائن المرتهن .

وعادة ما يلجأ الدائن المرتهن في إستيفاء دينه من ثمن العقار المرهون إلى التنفيد على هدا العقار وبيعه بالمزاد العلني ولكن العقار المرهون قد يهلك قبل بيعه بالمزاد العلني كأن يتعدي الغير على العقار المرهون فيتحول حق الدائن المرتهن إلى قيمة هدا العقار كمبلغ تعويض أو مبلغ تأمين في حالة التأمين على العقار عند إحدى شركات التأمين أو مبلغ مقابل في حالة نزع ملكية العقار المرهون للمنفعة العامة .

وقد تناولت التشريعات العربية الرهن الرسمي كالتشريع المصري الدي عرفه في المادة 1030 من القانون المدني وتقابلها المادة 1071 من التقنين المدني السوري ونجد نظيرا للتعريف الوارد في التقنين الأخير في قانون الملكية العقارية اللبناني في مادته 120 وكدلك في القانون المدني العراقي المادة 1285 الدي يسميه الرهن التأميني .



المطلب الثاني : تمييز الرهن الرسمي عن بعض المصطلحات المشابهة :

الرهن الرسمي وحق التخصيص :حسب نص المادة 941 و 942 مدني جزائري فإن حق التخصيص هو حق يتقرر بأمر على عريضة من رئيس المحكمة لصالح الدائن الدي بيده حكم واجب التنفيد على عقار أو أكثر من عقارات مدينه .

وعلى هدا يتفق حق التخصيص مع الرهن الرسمي في أن كل منهما يرد على عقار وأن كل منهما أداة لضمان إستفاء الدين .ويختلفان في المصدر المنشئ لهدا الضمان ،فالرهن الرسمي مصدره العقد الإرادي (الإتفاق)بينما مصدر الضمان في حق التخصيص القضاء .

أما بالنسبة للرهن الرسمي و الرهن الحيازي :فتنص المادة 948 مدني جزائري ( الرهن الحيازي عقد يلتزم به شخص ضمانا لدين عليه أو على غيره ،أن يسلم إلى الدائن أو إلى أجنبي يعينه المتعاقدان ،شيئا يرتب عليه للدائن حقا عينيا يخوله حبس الشيء إلى أن يستوفي الدين ،و أن يتقدم الدائنين العاديين و الدائنين التالين له في المرتبة في أن يتقاضى حقه من ثمن هدا الشيء في أي يد يكون ).

وعلى هدا فيتفق الرهنان الرسمي و الحيازي من حيث أن كل منهما حق عيني وحق تبعي و غير قابل للتجزئة و ناشئ بمقتضى عقد رسمي .

كما أن المادة 950 مدني جزائري الواردة في الباب الثالث المتعلق بالرهن الحيازي تنص على تسري على الرهن الحيازي أحكام المواد 891 و 893 و 904 المتعلقة بالرهن الرسمي ).
و يختلفان من حيث موضوع الرهن فالحيازي يرد على العقارات كما يرد على المنقولات أما الرسمي فهو في الأصل لا يرد إلا على العقارات .

وبالنسبة للرهن الرسمي و حق الإمتياز : فنصت المادة 982 مدني جزائري على الإمتياز أولوية يقررها القانون لدين معين مراعاة منه لصفته .ولا يكون للدين امتياز إلا يمقتضى نص قانوني ).
وعليه يتفق حق الإمتياز مع الرهن الرسمي في أن كل منهما يضمن الوفاء بالدين كما تنص المادة 986 مدني جزائري ف1 تسري على حقوق الإمتياز العقارية ،أحكام الرهن الرسمي بالقدر الدي لا تتعارض فيه مع طبيعة هده الحقوق ).

كما تنص المادة 987 مدني جزائري على يسري على الإمتياز ما يسري على الرهن الرسمي من أحكام متعلقة لهلاك الشيء أو تلفه ).


وأيضا المادة 988 مدني جزائري نصت على ينقضي حق الإنتياز بنفس الطرق التي ينقضي بها حق الرهن الرسمي و حق رهن الحيازة ،ووفقا لأحكام إنقضاء هدين الحقين ،ما لم يوجد نص يقضي بغير دلك .

* ويختلف الرهن الرسمي عن حق الإمتياز من حيث المصدر فالأخير مصدره القانون حسب مص المادة 982 مدني وأما الرهن الرسمي مصدره الإتفاق ،كم يختلفان كدلك حسب نص المادة 986 ف 3 .ق.م.ج .

أما عن الرهن الرسمي و الكفاله :فيتفقان أن كل منهما يعد من عقود الضمان ويختلفان في أن الإلتزام في الكفالة يكون في أموال الكفيل (دمته المالية ) وأما الإلتزام في الرهن الرسمي فيكون على المال محل الرهن فقط .

وكدلك يتباينان من حيث محل الضمان ،فالكفيل يقدم مالا لضمان دين غيره بينما الراهن في الرهن الرسمي يقدم مالا لضمان دين عليه نفسه .

المبحث الثاني : خصائص الرهن الرسمي :
إن الرهن الرسمي حق من الحقوق العينية العقارية ،غير أنه حق تبعي و ليس من الحقوق العينية الأصلية وهو غير قابل للتجزئة و ينشأ بمقتضى عقد رسمي لا ينقل الحيازة .
وسنبين هده الخصائص في المطالب الآتية .

المطلب الأول : الرهن الرسمي حق عيني عقاري :
تنص المادة 882 ق.م.ج.على أنه الرهن الرسمي عقد يكسب به الدائن حقا عينيا ....).
فبموجبه يكسب الدائن أفضلية على غيره من الدائنين العاديين والدائنين المرتهنين التالين له في المرتبة ،وهو في هدا لا يحتاج إلى وساطة شخص آخر كما في الحقوق الشخصية ،بل له سلطة مباشرة في الوصول إلى حقه من هدا الطريق متقدما على غيره .

وقد ظهر خلاف فقهي حول ما إدا كانت سلطة المرتهن تنصب على العقار داته أو على حق الراهن على العقار المرهون .لكن أغلب الفقهاء يرون أن الراهن يرهن العقار وليس الحق على العقار بدعوى أن الحق لا يرد على حق آخر وهدا الرأي إعتنقناه كطلبة باحثون في هدا الموضوع.فحق الرهن الرسمي ليس جزءا من حق الملكية كحق الإنتفاع و حق الإرتفاق بل هو حق الملكية داته (أي حق عقاري آخر ).

كما أن الرهن الرسمي يرد على مال عقاري و لا يرد على المنقول ،ودلك لأنه لا يتيسر إيجاد نظام لشهر الرهن على المنقولات ،إلا أن المشرع قد يخص بعض المنقولات دات القيمة بنظام لرهنها رسميا ، كالسفن والطائرات و المحل التجاري والقاطرات وغيرها .....

أما في غيرها فلا يرهن المنقول رهنا رسميا و إنما يرهن رهنا حيازيا .

المطلب الثاني : الرهن الرسمي حق تبعي وغير قابل للتجزئة :
إن نشوء الرهن الرسمي يكون ضامنا لحق شخصي لدائن معين ولدا يكون الرهن الرسمي تابعا للحق ،ويظل تابعا له في وجوده وصحته وإنقضائه حسب ما جاء في المادة 893 ق.م.ج.فإدا كان الدين الأصلي باطلا يبطل الرهن وإدا كان قابلا للإبطال كان الرهن كدلك ،أما إدا إنقضى الدين بالوفاء أو غيره من طرق الإنقضاء فينقضي الرهن بالتبعية له ،حتى و إن كان الإلتزام الأصلي موصوفا بالشرط أو الأجل كان الرهن مؤجلا أو شرطيا مثله .

و يجوز أن ينتقل الرهن مع إنتقال الحق إلى الخلف العام أو الخاص للدائن المرتهن .
كما تنص المادة 892 ق.م.ج على كل جزء من العقار أو العقارات المرهونة ضامن لكل دين ، وكل جزء من الدين مضمون بالعقار أو العقارات المرهونة كلها مالم ينص القانون أو يقضي الإتفاق بغير دلك ).
وتقابلها المادة 1041 مدني مصري(1) ،ويستفاد من الادة السابقة الدكر معنيان :
1- أن كل جزء من العقار ضامن لكل الدين .
2- أن أي جزء من الدين مضمون بكل العقار المرهون .

فبالنسبة للعقار المرهون يكون كل جزء منه ضامنا للدين بأكمله ،ويظل التأمين ملازما له إلى أن يتم الوفاء بآخر جزء من الدين ،فمثلا :
إذا توفي المدين ينقسم الدين بين ورثته كما ينقسم بينهم العقار غير أن الرهن يظل ملازما لكل حصة من حصص الورثة في العقار إلى أن يتم الوفاء بكامل الدين ،فلو نفرض أن أحد الورثة أوفى بنصيب الدين (على أساس الجزء الدي آل إليه ) فإن الرهن يظل واردا على حصته في العقار المرهون إلى أن يتم بباقي الدين .

أما من حيث الدين المضمون فيكون كل جزء منه مضمونا بكل العقار المرهون فإدا أوفى المدين (الراهن ) جزءا من الدين بقي العقار بكامله ضامنا للجزء الباقي من الدين .
وكدلك إدا توفي المدين وإنقسم العقار على ورثته ،ثم قام أحدهم بوفاء نصيبه من الدين ،فإن التأمين يظل على حصته في العقار إلى أن يقوم سائر الورثة بوفاء نصيبهم من الدين (2 ).
وكدلك إدا تفرغ الدائن عن جزء من دينه (أي تنازل ) إلى شخص آخر فيكون للمدين دائنان فإن كل واحد منهما (الدائنان ) يستفيد من كامل الرهن لضمان الوفاء بحصته من الدين .


المطلب الثالث : حق ناشئ بمقتضى عقد رسمي لا ينقل الحيازة :

من خصائص الرهن الرسمي أيضا في الجزائر وبعض الدول العربية أنه عقد رسمي وبينت دلك المادة 883 ق.م.ج (لا ينعقد الرهن إلا بعقد رسمي ....) .
وكدلك المادة 1031 فقرة أولى مدني مصري والمادة 1091 مدني سوري و المادة 1034 مدني ليبي والمادة 1286 مدني عراقي و126-127-141-142 من قانون الملكية العقارية اللبناني . فالرهن الرسمي لا ينعقد إلا بورقة رسمية وإلا كان باطلا ف2 المادة 886 ق.م.ج.و هدا ما يميزه عن غيره من التأمينات العينية كما لا تنتقل الحيازة في الرهن الرسمي بل يبقى المدين الراهن حائزا للشيء المرهون و لا يؤثر هدا على قدرة المرتهن لإستفائه حقه .

اثار الرهن بالنسبة للمتعاقدين

عقد الرهن الرسمي يكسب الدائن المرتهن حقا على العقار المرهون وهو حق الراهن وهذا الحق يقيم علاقة فيما بينه وبين الراهن وهذا مانسميه بأثار الرهن الرسمي فيما بين المتعاقدين وبموجب هذا الحق يستطيع الدائن المرتهن إذا حل أجل دينه أن يستعمل دعوى الرهن على العقار المرهون فيكون له حق التقدم على جميع الدائنين العاديين لمدينه وكذلك على الدائنين المقيدين إذا كانوا متأخرين من المرتبة ويكون له كذلك حق التتبع فينتج العقار المرهون فيما إذا إنتقلت ملكيته من الراهن في يد من أنتقلت إليه الملكية وهو الحائز للعقار
فما هي الأثار التي تترتب على الرهن من جهة الراهن والمرتهن؟؟؟


المبحث الأول:أثار الرهن الرسمي بالنسبة للراهن.
مط01:إلتزامات الراهن.
فرع01:
الإلتزام باعطاء المرتهن حق الرهن: حق الدائن المرتهن ينشأ بمجرد العقد ولا يتوقف على أي إجراء لاحق كإجراء القيد مثلا لأن القيد واجب لنفاذ الرهن في مواجهة الغير وليس لنشأة الحق ذاته م902"يمكن للدائن بعد التنبه على المدين بالوفاء أن ينفذ بحقه على العقار المرهون ويطلب بيعه في الأجال ووفقا للأوضاع المقررة في ق.إ.م"
وإذا كان الراهن شخصا آخر غير المدين جاز له تفادي أي إجراء موجه إليه إن هو تخلى عن العقار المرهون ووفقا للأوضاع والأحكام التي يتبعها الحائز في تخلية العقار فالدائن لا يمكنه مباشرة الأفضلية في حالة تعدد الدئنين المرتهنيين ولا يمكن له تتبع العقار إذا دخل في ذمة شخص آخر إذا لم يكن حقه قد أشهر,الرهن ينشأ عن عقد الرهن ذاته ولا تتأخر نشأته إلى وقت القيد.
فرع02:إلتزام الراهن بضمان سلامة الرهن:الم 898 ( يلتزم الراهن بضمان سلامة الرهن وللدائن المرتهن أن يعترض على كل عمل أو تقصير من شأنه إنقاص ضمانه إنقاصا كبيرا وله في حالة الإستعجال أن يتخذ ما يلزم من الوسائل التحفظية اللازمة وأن يرجع على الراهن بما يتفق في ذلك) الضمان واجب على الراهن وحق للدائن المرتهن بمعنى أن الراهن ملزم بعدم المساس بالرهن وجب على الراهن أن يتحمل ذلك أما كونه حق للدائن فيسمح له الإعتراض م898 وم899 إذا وقعت الأعمال الماسة بالرهن والصادرة من الراهن فلا يجوز للمرتهن الإعتراض عليها إلا إذا كانت تنقص من ضمانه إنقاصا كبيرا أما إذا كانت الأعمال صادرة من الغير فإن حق الدائن غير مقيد للدائن الإعتراض عليها مهما كانت درجتها (رفع دعوى وتعيين حارس قضائي)
فرع03:الإلتزام بضمان الهلاك أو التلف: إذا تسبب الراهن بخطئه في هلاك العقار المرهون أوتلفه كان للدائن المرتهن الخيار بين أن يطلب تأميننا كافيا أو أن يستوفي حقه فورا.وإذا نشأ الهلاك أو التلف عن سبب لا ينسب إلى الدائن ولم يقبل الدائن بقاء الدين بلا تأمين فللمدين الخيار بين أن يقدم تأمينا كافيا أو أن يوفي الدين فورا قبل حلول الأجل وفي جميع الأحوال إذا كان من شأن الأعمال الواقعة أن تعرض العقار المرهون للهلاك أو التلف أو جعله غير كاف للضمان كان للدائن المرتهن أن يطلب من القاضي وقف هذه الأعمال والأمر باتخاذ الوسائل التي تمنع وقوع الضرر .الم900(إذا هلك العقار المرهون أو تلف لأي سبب كان أنتقل الرهن بمرتبته إلى الحق الذي يترتب على ذلك من مبلغ التعويض عن الضرر أو مبلغ التأمين أو الثمن المقرر مقابل نزع ملكيته للمنفعة العامة)(01)
فرع04: إلتزام الراهن بنفقات الرهن: الم883/2 (تكون مصاريف العقد على الراهن إلا إذا إتفق على غير ذلك) والراهن هو الذي يرفع مصاريف العقد والقيد.


مط02:حقوق الراهن.
فرع01:حق التصرف في العقار: يجوز للراهن أن يتصرف في العقار المرهون سواء كان التصرف ماديا أو قانونيا شرط أن لا يضر بحقوق الدائن المرتهن وهذا ما نصت عليه الم894 من الق المدني (يجوز للراهن أن يتصرف في العقار المرهون على أن أي تصرف يصدر منه لا يؤثر في حق الدائن المرتهن) فإذا كان التصرف ماديا وجب ألا يكون من شأنه الإنقاص من قيمة الرهن لأن الراهن ملزم بضمان سلامة الرهن. أما بالنسبة للتصرفات القانونية فله أن يتصرف في العقار بالبيع أو الهبة أو المقايضة مثلا باعتباره مالكا شرط عدم الإضرار بحق المرتهن وكل هذه التصرفات القانونية لا تلحق ضررا بحق الدائن المرتهن إذا كانت لاحقة لقيد الرهن ويجوز للراهن أن يرتب على العقار المرهون كافة الحقوق العينية الأخرى كحق الإنتفاع والإرتفاق أو رهن العقار مرة ثانية ومعيار التفرقة بين التصرف الحائز والتصرف غير الحائز هو الإنقاص من ضمان الدائن المرتهن.
بيع العقار المرهون باعتباره منقولا بحسب المآل: قد لايكون تصرف الراهن يمثل خطرا على المرتهن كأن يتصرف في الثمار وهي متصلة بالعقار أو محصول الأراضي لأنه يعد من قبيل أعمال الإدارة ويجوز للراهن ذلك طالما لم تلحق الثمار بالعقار المرهون تسجيل التنبيه بنزع الملكية أما إذا كان التصرف يرد على أصل العقار باعتبار منقول بحسب المآل فهذا التصرف يمثل خطرا بالنسبة للمرتهن كأن يهدم الراهن العقار ويبيعه أنقاضا ففي هذه الحالة يجوز للمرتهن أن يفترض على هدم العقار إن لم يكن قد تم.
بيع العقارات بالتخصيص: أن التصرف في العقارات بالتخصيص يشكل ضررا بالنسبة للدائن المرتهن لأنه ينقص من قيمة الضمان وهذا التصرف لا ينفذ في حق الدائن المرتهن إذا تم بعد قيد الرهن وإذا قام الراهن بمثل هذا التصرف فللمرتهن أن يعترض على فصل العقار بالتخصيص إن لم يكن قد تم ذلك فعلا أما إذا تم فصله وانتقلت حيازته إلى المشتري فهنا نراعي نية المشتري فإذا كان سيء النية جاز للمرتهن إسترداده ولا يستطيع المشتري التمسك بقاعدة الحيازةأما إذا كان المشتري حسن النية فإن حق الدائن المرتهن في التتبع ينقضي لأن المشتري يحتج عليه بحيازته للمنقول بحسن النية وما يبقى للدائن إلا الحجز على الثمن وإلا تنفيذ عليه بالأفضلية.
فرع02سلطة الإستعمال:للراهن باعتباره المالك والحائز للعقار المرهون الحق في إستعماله إلى حين التنفيذ عليه دون أن يتسبب في إنقاص أو إضعاف الضمان المقرر للمرتهن إضعافا كبيرا ويمنع عليه أن يخرب العقار المرهون أو أن يتركه يتخرب ممتنعا عن صيانته وللمرتهن عندئذ كافة الوسائل للحفاظ على حقه في الرهن ويرجع على الراهن بما أنفق كما أن له الرجوع على الراهن بمقتضى قواعد الضمان بحيث يكون له الإختيار بين إقتضاء تأمين كافي أو إستيفاء حقه فورا على إعتبار أن ما يصدر من الراهن مضعفا به ما قدمه من تأمينات من شأنه إسقاط أجل الدين .(02)
فرع03: سلطة الإستغلال: المبدأ أن الرهن لايحرم الراهن من سلطته كمالك ولا ينزع عنه حيازته للعقار المرهون ويترتب على ذلك أن يحتفظ الراهن إلى حين التنفذ على العقار بسلطة إستغلاله بما نخوله له من إدارة وإستغلال بالكيفية التي تحقق مصلحته وتحصيل ثماره ولا يحد من حقه في كل ذلك لإلتزامه بضمان سلامة الرهن وذلك طبقا للم 898 ق م فإذا صدر عن الراهن في مباشرته سلطة الإستغلال ما يعتبره المرتهن متناقضا مع الإلتزام بالضمان كان له أن يعارض في ذلك مطالبا بوقف الإعمال الضارة بحقه وله أن يتخذ الوسائل التحفظية الكفيلة بحماية ضمانه كطلب تعيين حارس على العقار المرهون ولقد حدد المشرع التاريخ الذي تغل فيه يد الراهن عن الإستغلال بالتاريخ الذي يشرع فيه الدائن بالتنفيذ على العقار المرهون إستيفاءا لحقه وذلك بتسجيل تنبيه نزع الملكية إذا كان التنفيذ يتم تحت يد الراهن أو من تاريخ الإنذار بالدفع ذا كان التنفيذ يتم تحت يد الحائز على إعتبار أنه من هذا التاريخ يعتبر العقار محجوز وتلحق بالعقار ثماره وإيراداته عن المدة التالية لتسجيل التنبيه وعلى ذلك فلأصل أن للراهن في مرحلة سابقة على تسجيل نزع الملكية كامل الحرية في قبض ثمار العقار المرهون والتصرف فيه وقبض الأجرة المستحقة عن الفترة السابقة على التسجيل أما بعده فإن يد الراهن تغل عن إستغلاله وقد إختلف الحكم لما يصدر عن الراهن من إيجار للعقار المرهون بحسب صدوره في تاريخ تسجيل التنبيه أو بعده باعتباره تاريخ الشروع في التنفيذ على العقار وإلحاق الثمار به.(03)
1/الإيجار الثابت التاريخ قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية:لقد أقر المشرع في الم896 ق م بنفاذ ما يصدر على الراهن من إيجار ثابت التاريخ قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية على إإعتبارماله من سلطة في إستغلال العقار المرهون في هذه الفترة السابقة للتنفيذ على العقار لكن المشرع قرر حماية للمرتهن عما قد يصدر من إيجار طويل المدة 9 سنوات وبأن الإيجار الذي لا تتجاوز مدته 9 سنوات مما يدخل في أعمال الإدارة المعتادة التي لا يجوز تقييد سلطة الراهن بشأنها لكن البعض يرى بأن المرتهن يستطيع عدم الإحتجاج بالإيجار الذي يبرمه الراهن لمدة أقل من 9 سنوات وذلك إذا أثبت التواطؤ بين الراهن والمستأجر على الإضرار بحقوقه بأن يتم الإيجار بأجرة غير متكافئة وذلك إستنادا إلى القواعد العامة في مباشرة دعوى عدم نفاذ التصرف إلا أن المشرع قد أقر نفاذ الإيجار لمدة تزيد عن 9 سنوات إذا كان قد سجل قبل قيد الرهن الم 896/2 (تفسير ذلك أن الإيجار الذي تزيد مدته عن 9 سنوات يصير أقرب إلى أعمال التصرف فوجب أن يكون معروفا للدائن المرتهن عن طريق التسجيل وذلك قبل أن يقيد الرهن .
2/الإيجار غير الثابت التاريخ أو المنعقد بعد تسجيل التنبيه بنزع الملكية: بتسجيل تنبيه نزع الملكية تغل يد الراهن عن إستغلال العقار المرهون وعلى ذلك لا ينفذ من حيث المبدأ في حق الدائن المرتهن الإيجار الصادر من الراهن بعد تسجيل التنبيه ويأخذ حكمه في ذلك الإيجار غير الثابت الم 896/1 وذلك على إعتبار أن عدم نفاذ ما تقرر من إيجار بعد تسجيل التنبيه هم حماية المرتهن مما قد يضر بالضمان المقرر له وقد إنتفت هذه الشبهة في الإيجار الذي لم تعجل فيه الأجرة والمعتبر من أعمال الإدارة الحسنة فلا مبرر من إمتناع نفاذه في مواجهة المرتهن ويبقى تحديد ما يعتبر من أعمال الإدارة الحسنة إلى السلطة التقديرية للقاضي بالإستناد إلى العرف الجاري آخذا في الحسبان مدة الإيجار والأجرة بالنظر إلى طبيعة العقار أما في حالة قبض الأجرة مقدما أو الحوالة بها في مواجهة الدائن المرتهن فإستنادا إلى سلطة الراهن في إدارة وإستغلال العقار المرهون قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية أن يقبض الأجرة المستحقة قبل هذا التاريخ أو يحولها إلى غيره

ولا يمتد حق الدائن المرتهن إلى الأجرة المستحقة عن المدة السابقة على التنبيه حتى ولو تم الوفاء بها بعد التسجيل بالتنبيه في المقابل فإن كل مايستحق منها عن المدة التالية لتسجيل التنبيه يلحق بالعقار وتغل عن يد الراهن وتعتبر محجوزة تحت يد المستأجر بمجرد تكليفه من الحجز أو أي دائن بيده سند تنفيذي بعدم دفعها للمدين أي الراهن وإذا وفى المستأجر الأجرة قبل هذا التكليف صح وفاؤه وسئل عنها الراهن بوصفه حارسا لذلك فتوفيقا بين حق الراهن في القبض المعجل لأجرة عقاره أو تقرير حوالة بها كصورة من صور إستغلال العقار المرهون وقبض ثماره فيما سبق تاريخ تنفيذ الدائن على العقار المرهون وهو ما لا يستطاع معرفة معرفة تاريخه مسبقا وبين مصلحة المرتهن في عدم الإنتقاص من الضمان المقرر له نتيجة القبض المعجل للأجرة عن ما يلي تسجيله لتنبيه نزع الملكية من مدة فقد ميز المشرع بين عدة فروض.
- المخالفة بالأجرة أو الحوالة بها لمدة تزيد عن 3 سنوات: وهذه لاتكون نافذة في حق الدائن المرتهن إلا إذا كانت ثابتة التاريخ قبل تسجيل تنبيه نزع الملكية الم897.
- المخالفات والحوالات غير ثابتة التاريخ: التي لا تكون نافذة في حق الدائن المرتهن .
- حالة بيع الثمار قبل جنيها ومدى نفاذها في مواجهة الدائن المرتهن: حق جني الثمار أو التصرف فيها يدخل ضمن سلطة الراهن في الإستغلال إلى حين إلتحاقها بالعقار المرهون من تاريخ تسجيل تنبيه نزع الملكية في حالة التنفيذ تحت يد الراهن أو من تاريخ إنذار الحائز بدفع الدين أو تخليته للعقار وتبليع التنبيه إليه في حالة التنفيذ تحت يد الحائز للعقار المرهون بحيث تستبعد الثمار من الإلتحاق بالعقار المرهون المحجوز عليه إذا كانت قد جنيت فعلا قبل تسجيل التنبيه وتسجيل الإنذار .
المبحث الثاني: آثار الرهن الرسمي بالنسبة للدائن المرتهن.
مط01:حقوق الدائن المرتهن بحسب ما إذا كان الراهن مدينا أم كفيلا عينيا.
فرع01:قبل حلول أجل الدين: لا يكون للدائن المرتهن سوى الحق في مراقبة ما يترتب عليه المساس بحق أو الإنقاص منه فإذا حدث ذلك فله إتخاذ الإجراءات التحفظية اللازمة للمحافظة على العقار من التلف.
فرع02:بعد حلول أجل الدين:إذا حل الأجل ولم يف المدين بالدين جاز للدائن المرتهن التنفيذ على العقار المرهون متبعا في ذلك إجراءات فرضها القانون كما يجوز له التنفيذ على سائر أموال المدين (الضمان العام)في حالة عدم كفاية ثمن العقار للوفاء بالدين فالدائن المرتهن لا يستوفي حقه من العقار المرهون إلا طبقا لإجراءات معينة تنتهي إلى بيع العقار جبرا بالمزاد العلني وكل إتفاق يخالف ذلك يعد باطلا لمخالفته للنظام العام وهذا ما نتعرض إليه فيما يلي:
1/بطلان شرط تملك العقار المرهون عند عدم الوفاء :الم903(يكون باطلا كل إتفاق يجعل للدائن الحق عند عدم إستيفاء الدين وقت حلول أجله في أن يتملك العقار المرهون في نظير ثمن معلوم أيا كان أو في أن يبيعه دون مراعاة للإجراءات التي فرضها القانون ولو كان هذا الإتفاق قد أبرم بعد الرهن.غير أنه يجوز بعد حلول الدين أو قسط منه الإتفاق على أن يتنازل المدين لدائنه عن العقار المرهون وفاء لدينه)
الغرض من بطلان شرط التملك حماية للراهن من إستغلال الدائن المرتهن والبطلان يرد على الشرط دون الرهن أما إذا دخل الدين يجوز الإتفاق على تمليك العقار لانتفاء شبهة الإستغلال فيه.
2/بطلان شرط البيع دون اتباع الإجراءات التي فرضها القانون: الشرط يبطل والرهن يبقى قائما
الفرع03:حقوق المرتهن على الكفيل العيني:
باعتبار أن الكفيل العيني هو راهن ضامن لدين الغير فإن مسؤوليته تتحدد بالمال الذي قدمه ضمانا لدين المدين ومن ثم لا يجوز للدائن المرتهن أن ينفذ على غيره كما لا يجوز له في حالة عدم كفايته للوفاء بكامل حقه التنفيذ بالباقي على أموال الكفيل العيني الأخرى وليس أمام الدائن المرتهن إلا الرجوع بالباقي على المدين بما له قبله من ضمان الم902(إذا كان الراهن شخصا آخر غير المدين فلا يجوز التنفيذ على ماله إلا ما رهن من هذا المال ..)
ورغم أن إلتزام الكفيل العيني تابع واحتياطي لالتزام المدين فإن المشرع حرمه من التمسك بتجريد المدين سواء بالتنفيذ أولا على ضمانه العام أو على ما قرره المدين من رهن ضمانا لهذا الدين ما لم يتفق على غير ذلك.
إذا قرر الدائن المرتهن التنفيذ على العقار المرهون المقدم من الكفيل العيني كان عليه بعد تكليف المدين بالوفاء أن يعلن التنبيه بنزع ملكية العقار على الراهن والحكمة من توجيه التنبيه بنزع الملكية إلى الكفيل العيني دون المدين أن العقار الذي يتم التنفيذ عليه مملوك للكفيل وليس للمدين.(04)
مط02:القواعد العامة في التنفيذ على رجوع المرتهن.
ينفذ الدائن بحقه على العقار المرهون بعد التنبيه على المدين بالوفاء علما بأن إستيفاء الدائن لحقه من ثمن بيع العقار بالمزاد العلني من ثمن بيع العقار بالمزاد العلني وفقا للإجراءات المبينة في ق إ م مما يتعلق بالنظام العام بحيث يبطل كل إتفاق على غير ذلك قبل حلول أجل الدين لما في هذا الإتفاق من شبهة إستغلال المرتهن لحاجب الراهن تحت ضغط الحاجة بما يمثل إضرارا بالرهن وبباقي الدائنين كما يكون للدائن الحق عند عدم إستيفاء الدين وقت حلول أجله أن يتملك العقار المرهون نظير ثمن معلوم سواء كان مبلغ الدين أو أكبر منه أو أقل وسواء كان الراهن هو المدين او كفيلا عينيا وسواء أدرج هذا الشرط ضمن عقد الرهن أو كان بمقتضى إتفاق لاحق مادام قد تم قبل حلول أجل الدين على أنه إذا حل أجل الدين فقد إنعدمت شبهة إستغلال الدائن المرتهن لحاجة الراهن ومن ثم يصح في القانون كل من الصورتين السابقتين تقديرا من أنه قد يجد الراهن في مصلحه تجنب مصروفات بيع العقار بالمزاد العلني ويعتبر الإتفاق على تملك الدائن المرتهن للعقار مقابلا للدين من قبيل الوفاء بمقابل وهو ما تجيزه القواعد العامة.(05)

في النهاية نخلص إلى أنه لا يترتب على تقدير الرهن الرسمي تجريد الراهن من ملكيته أو حيازته للعقار المرهون فإن من شأن تقرير الرهن فرض لإلتزامات من الراهن بما من شلأنه ضمان سلامة الرهن وضمان هلاك أوتلف العقار المرهون .
فضلا عن أن تقريره لا يخلو من تقييد لسلطات الراهن على ملكه بحيث يمنع عليه كل من شأنه إيجابا أو سلبا عملا ماديا أو تصرف قانونيا إضعاف التأمين المقرر لمصلحة الدائن المرتهن.

المقدمة.
المبحث الأول: آثار الرهن الرسمي بالنسبة للراهن.
مط01: إلتزامات الرهن.
مط02: حقوق الراهن.
المبحث الثاني: آثار الرهن الرسمي بالنسبة للدائن المرتهن.
مط01: حقوق الدائن المرتهن بحسب ما إذا كان الراهن مدينا أم كفيلا عينيا.
مط03: القواعد العامة في التنفيذ على رجوع المرتهن.

انقضاء الرهن الحيازي العقاري

عقد الرهن الحيازي الوارد على العقار بوصفه عقد تبعيا بانقضاء الالتزام المضمون بالرهن إذ الرهن يتبع الالتزام المضمون وجودا أو عدما كما ينقضي الرهن أيضا بأسباب مستمدة من الرهن و هي طريقة ينقضي بها الرهن بصفة أصلية.
لذلك سنقسم المطلب إلى الفرعين التاليين:
الفرع الأول: انقضاء الرهن الحيازي العقاري بصفة تبعية.
الفرع الثاني: انقضاء الرهن الحيازي العقاري بصفة مستقلة.
الفرع الأول:انقضاء الرهن الحيازي العقاري بصفة تبعية
يعتبر الرهن الحيازي الوارد على العقار عقدا تبعيا في شأنته و في انقضائه إذ لم ينشأ إلا لضمان الالتزام الأصلي فينقضي بانقضائه, و في ذلك نصت المادة 964 من القانون المدني على أنه" ينقضي حق الرهن الحيازي بانقضاء الدين المضمون و يعود معه إذا زال السبب الذي انقضى به الدين دون الإخلال بالحقوق التي يكون الغير حسن النية قد كسبها قانونا في الفترة ما بين انقضاء الحق و عودته" (1).
و يلاحظ على هذا النص أنه يتناول 3 حالات و هي:
الحالة 1- زوال الرهن الحيازي بزوال الالتزام المضمون.
الحالة 2- عودة الرهن الحيازي بزوال سبب انقضاء الالتزام.
و هاتين الحالتين ما هما إلا تكريس لمبدأ التبعية المقرر بنص المادة 893 من القانون المدني و الذي يقضي بأنه لا ينفصل الرهن عن الدين المضمون بل يكون تابعا له في صحته و انقضائه ما لم ينص القانون على غير ذلك و في كلتا الحالتين يفترض وجود دين صحيح انقضى لأحد الأسباب. لكن قد يحدث و أن يزول الدين لأنه وجد في عقد باطل فيبطل العقد و يبطل معه الرهن الحيازي بصفة تبعية أو أن يوجد في عقد قابل للإبطال فيختار من له مصلحة إبطال العقد فيبطل العقد و معه الدين و يبطل معهما الرهن الحيازي. أو أن يكون سبب زوال الدين أن ينشأ في عقد معلق على شرط فاسخ فيتحقق الشرط و يزول العقد بأثر رجعي و يزول بزوال الدين الرهن بأثر رجعي كذلك (2).


(1) نص المادة 964 من القانون المدني مطابق تماما لما نص عليه المشرع في المادة 933 من نفس القانون المتعلقة بالرهن الرسمي
(2) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق- بند 614 - ص 1002
الحالة 3- فهي حماية الغير حسن النية الذي يكون قد اكتسب حق على المرهون خلال الفترة الممتدة بين انقضاء الحق و عودته فما هي إلا تكريس للاتجاه العام في التشريع الذي يحمي الأشخاص الذين اعتقدوا على مظاهر معينة و تعاملوا على أساسها و هم حسني النية و مثالها انقضاء الدين بالوفاء و بالتالي انقضى الرهن الحيازي فرتب المدين على العقار محل الرهن الحيازي رهنا رسميا لشخص حسن النية اعتقد أن الرهن قد انقضى بانقضاء الدين بالوفاء ثم تبين أن الوفاء باطل فعاد الدين كما كان, فان الرهن الرسمي الذي كسبه الغير حسن النية يبقى ساريا.
هذا و يلاحظ أن انقضاء الدين المنصوص عليه في المادة 964 مدني لا يعني إلا الانقضاء الكلي للدين المضمون تطبيقا لمبدأ عدم تجزئة الرهن, فإذا بقي جزء من الدين المضمون بقي الرهن ضمانا له إذ الرهن لا يتجزأ فكل جزء من الالتزام مضمون بكامل الدين المرهون فيبقى الرهن ضمانا للالتزام الأصلي حتى و إن وفى الراهن بجزء منه حتى إن كان العقار قابلا للانقسام إلا أن هذا المبدأ هو من طبيعة الرهن لا من مستلزماته لذلك يجوز الاتفاق على تجزئة الرهن.
كما يلاحظ أن انقضاء الرهن بالتبعية هي تبعية مطلقة لم يرد عليها استثناء في تشريعنا بخلاف التشريع الفرنسي في المادة 2082 في فقرتها الثانية و التشريع السوري في المادة 1042 في فقرتها الثانية التي تقضي بأنه يزول الرهن بزوال الدين المضمون كقاعدة عامة لكن خروجا على هذا المبدأ تقضي ببقاء الرهن بالرغم من انقضاء الالتزام المضمون متى نشأ على نفس المدين دين ثاني لنفس الدائن بعد إنشاء الدين الأول المضمون بالرهن. فيحتفظ الدائن بحيازة العقار المرهون بالرغم من انتهاء الالتزام المضمون أصلا بالرهن و يتراخى الالتزام بالرد حتى يستوفي حقه من الدين الثاني على أساس فكرة الرهن الضمني (1)
أما عن أسباب الانقضاء التي تنهي الالتزام المضمون بالرهن ما هي إلا أسباب لانقضاء الالتزام بصفة عامة ما عدا التقادم (2) و هي:
أولا: الوفاء Paiement :
و يشترط لصحة الوفاء أن يصدر من مالك الشيء الذي يتم الوفاء به, و أن يكون أهلا للتصرف فيه طبقا للمادة 260 من القانون المدني. و إذا أبطل الوفاء لعدم توافر هذه الشروط عاد الدين و عاد معه الرهن الذي يكلفه بمرتبته على ألا يتضرر الغير بهذا الزوال.


( 1 ) أنظر فيما سبق صفحة
(2) يعتبر التقادم سببا من أسباب انقضاء الالتزام إلا أنه في حالة الرهن لا يسقط الالتزام به مادام أن الشيء المرهون في حيازة المرتهن و ذلك لأن ترك المدين الراهن حيازة الشيء المرهون تحت يد المرتهن يعتبر بمثابة إقرار ضمني بوجود الدين و من ثمة هذا الإقرار يقطع التقادم لنص المادة 318 من القانون المدني«ينقطع التقادم إذا أقر المدين بحق الدائن إقرارا صريحا بأن يترك المدين تحت يد الدائن ما لا له مرهون حيازيا تأمينا لوفاء الدين»

ثانيا التجديد : Novation :
و هو عمل مركب فهو قضاء دين قديم و إنشاء دين جديد يحل محله (1) و يتحقق باستكمال الشروط التالية:
1- وجود التزامين متعاقبين الجديد منهما يحل محل القديم وفقا لما تنص عليه المادة 291 من القانون المدني حيث يترتب على التجديد انقضاء الالتزام الأصلي بتوابعه و إنشاء التزام جديد. و هنا يجب أن يكون الالتزام الأصلي القديم صحيحا أن لا يكون باطلا بطلانا مطلقا . أما إذا كان الالتزام القديم قابلا للإبطال فإن دلك لا يمنع من أن يكون سببا لإنشاء الالتزام الجديد لأن عملية التجديد ذاتها تعتبر في حد ذاتها إجازة للالتزام القابل للبطلان (2) , كما يجب أن يكون الالتزام الجديد صحيحا لأن بطلانه يؤدي الضرورة إلى إحياء الالتزام القديم .وطبقا لنص المادة 964 من القانون المدني فإن بعودة الالتزام القديم يعود معه الرهن بالتبعية.
2- أن يكون هناك اختلاف فعلي بين الالتزام الجديد والقديم في أحد عناصره لأنه إذا كان الالتزام الجديد لا يغاير الالتزام القديم في عنصر هام في الدين أو في المدين أو في الدائن فلا يعدو الأمر أن يكون هذا إقرار بالالتزام القديم كما هو دون تغيير أو إجازة له حتى يزول البطلان أو نحو ذلك ، ولكنه لا يكون على كل حال تجديدا (3).
و يعتبر تجديدا متى تغير محل الدين أو مصدره طبقا للفقرة الأولى من المادة 287 من القانون المدني أو تغير المدين وفقا لما تنص عليه المادة 287 في فقرتها الثانية أو تغير الدائن طبقا للمادة 287 في فقرتها الثالثة .
3- أن تتوفر لدى الأطراف نية التجديد صراحة أو ضمنا وفقا لما تنص عليه المادة 289 من القانون المدني.
ثالثا : المقاصة Compensation :
ويسري في شأنها القواعد المقررة في المواد 297 إلى 303 من القانون المدني ،فبالمقاصة يقضى على الدينين مرة واحدة دون تجسيد الوفاء في صورة مادية بدفع المدين لدائنه أي شيء و سيتوفي بدوره منه شيء آخر ،إلا من كان محل التزامه أكبر فيدفع لدائنه ما فاق به هذا الدين على الدين الآخر طبقا لأحكام المادة 300 من القانون المدني.


(1) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق- بند616 - ص 1002
(2) لعربي بن قسمية - المرجع السابق - صفحة
(3) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق- بند 349 - ص

و يشترط في المقاصة توافر شروط معينة نص عليها المادة 297 من القانون المدني
1- أن يكون هناك تقابل ما بين الدينين بأن يكون طرفي المقاصة مدينا للآخر و في نفس الوقت ذاته دائنا له.
2- أن يكون محل كل من الدينين مال مثلي نقودا كان أو شيئا آخر غير النقود متحد النوع و الجودة.
3 - أن يكون كل من الدينين خاليا من النزاع و يكون كذلك متى كان محققا و ثابتا في ذمة المدين و معلوم
المقدار ،و على ذلك فلا يجوز إجراء المقاصة بالديون الإحتمالية
4 - أن يكون كل من الدينين مستحق الأداء
5- أن يكون كل من الدينين صالحا للمطالبة به قضاءا و بذلك تخرج الالتزامات الطبيعية كما أن هناك شروط أخرى نستخلصها من مواد أخرى متفرقة :
6- أن يكون كلا من الدينين قابلا للحجز عليه وقفا للمادة 299 في فقرتها الرابعة من القانون المدني
7- ألا يكون الشيء قد نزع من مالكه دون مسوغ مشروع و ألا يكون مودعا أو معارا طبقا لما تنص عليه المادة 299 في فقرتها الثانية من القانون المدني.
8- أن يتمسك بالمقاصة من له مصلحة فيها طبقا للمادة 300 من القانون المدني
9- أن تقضي المقاصة الدينين بقدر الأقل منها فمن زاد دينه عن الدين المقابل يبقى مدينا بهذه الزيادة تجاه دائنه وفقا لنص المادة 300 من نفس القانون.
10- ألا تقع المقاصة إضرارا بحقوق الغير التي اكتسبها طبقا للمادة 300 من القانون المدني.

رابعا : الوفاء بالمقابل Dation en paiement :
و يعتبر الوفاء بمقابل سببا من أسباب انقضاء الالتزام طبقا للمادة 285 من القانون المدني بالشروط التالية:
1- أن يحصل اتفاق (1) بين الدائن و المدين أو يقضي بنقل ملكية الشيء الآخر إلى الدائن ليقوم مقام الوفاء الأصلي و يستعيض عنه
2- أن يتم فعلا نقل ملكية الشيء الذي حل محل الالتزام الأول إلى الدائن حيث لا تبرأ ذمة المدين إلا بتمام نقل ملكية ذلك الشيء.

(1) يستوحى الاتفاق من نص المادة 277 من القانون المدني التي تنص على أنه الدائن لا يجبر على قبول شيء غير الشيء المستحق له أصلا و لو كان هذا الشيء مساويا له في القيمة أو كانت له قيمة أعلى مما يفيد أن نص المادة 285 من القانون المدني التي تستلزم قبول الدائن ليس تطبيق للقاعدة العامة في المادة 276 مدني

خامسا : الإبراء La remise de l’obligation :
الإبراء من الدين هو تصرف تبرعي من جانب واحد و هو الدائن المبرئ و ينقضي به الدين فيزول به الرهن.
فبالإبراء ينقضي الدين و ينقضي ما كان يكفله من تأمينات .و قد يكتفي الدائن بالنزول عن الرهن و في هذه الحالة يزول الرهن وحده بالنزول عنه من المرتهن و لكن يبقى الدين إذ الم يوجد سبب لزواله،بالرهن يزول مع الدين أما الدين فلا يزول مع الرهن لأن الرهن تابع و الدين أصيل (1).
الفرع الثاني:انقضاء الرهن الحيازي العقاري بصفة أصلية:
لقد عدد المشرع الأسباب التي ينقضي بها الرهن الوارد على العقار بصفة مستقلة أي دون انقضاء الدين المضمون بالرهن الحيازي بنص المادة 965 من القانون المدني و حصرها في أسباب ثلاثة.
أولا. التنازل عن حق الرهن:
تنص المادة 965 من القانون المدني على أن حق الرهن ينقضي:" .. إذا تنازل الدائن المرتهن عن هذا الحق.." فللمرتهن التنازل عن رهنه فيكتفي بماله من حق شخصي تجاه مدينه و يزول الحق العيني و يبقى الالتزام الأصلي دون ضمان. و يشترط في أهليته النزول عن الرهن الحيازي أهلية الإبراء و هذه الأهلية هي أهلية التبرع (2) . لأن التنازل عن الرهن يعد بمثابة التنازل عن الدين نفسه لأنه قد يترتب على التنازل عن الرهن عدم استيفاء المرتهن حقه بما أن الضامن للالتزام الأصلي هو الرهن الحيازي العقاري فمعنى ذلك أنه من الممكن ألا يستوفي الدائن دينه إذا زال هذا الرهن. و باستكمال الدائن المرتهن شروط أهلية الإبراء جاز له التصرف في الدين و على ذلك يجوز له التنازل صراحة أو ضمنا عن حقه في الرهن بإرادته المنفردة دون اشتراط حصول قبول الراهن.
هذا و إن كان التنازل الصريح لا يثير أي إشكال أما بالنسبة للتنازل الضمني فانه يستفاد من ظروف الحال تظهر فيها نية المرتهن في النزول عن الرهن, و قد أعطى المشرع مثالين قدر فيهما بيان الظرف الذي تم فيه التنازل إلا أنهما قرينتين قانونيتين بسيطتين يمكن إثبات عكسهما:
الأولى: هو ما نصت عليه المادة 952 من القانون المدني و التي رتبت انقضاء الرهن على واقعة رجوع المرهون لحيازة الراهن.

(1) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق- بند 360 - ص 742
(2) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق- بند621 - ص 1011
الثانية: ما نصت عليه المادة 965 القانون من المدني التي تقضي بجواز التنازل ضمنيا بتخلي الدائن باختياره عن الشيء المرهون أو من موافقته على التصرف فيه دون تحفظ.
و المشرع أقام من هاتين الواقعتين قرينة بسيطة على أن المرتهن ينوي النزول عن حقه في الرهن و عليه دحض هذه القرينة بإثبات عكسها.
ثانيا: اتحاد الذمة:
و يعتبر أيضا سببا من أسباب انقضاء الرهن بصفة أصلية و ذلك بذوبان المال المرهون في ذمة المرتهن وفقا لنص المادة 965 في فقرتها الثانية من القانون المدني التي تنص على أن الرهن ينقضي إذا اجتمع حق الرهن الحيازي مع حق الملكية في يد شخص واحد. كما لو ورث الدائن المرتهن العقار المرهون أو أشتراه فينصهر العقار المرهون في مال المرتهن و بانتقال العقار المرهون إلى ملكية الدائن المرتهن ينقضي الرهن و يبقى المدين الراهن ملتزما بتنفيذ التزامه الأصلي في مواجهة الدائن.
و في حالة زوال سبب اتحاد الذمة بأثر رجعي كزوال ملكية المشتري لسبب من الأسباب كالفسخ أو البطلان يعود الرهن إلى صاحبه بمرتبته الأصلية دائنا مرتهنا لا مالكا دون إخلال بحقوق الغير حسن النية التي ترتبت في الفترة التي حدث فيها اتحاد الذمة طبقا للقواعد العامة.
ثالثا: هلاك العقار المرهون:
حسب نص المادة 965 من القانون المدني ينقضي الرهن بإنقضاء الحق المرهون على أن يكون الإنقضاء كليا لا جزئيا فإن كان جزئيا بقي الرهن على الجزء المتبقي تطبيقا لقاعدة عدم التجزئة في الرهن. و يقصد بالهلاك بمعناه المادي و كذا المعنوي كنزع الملكية للمنفعة العامة.
و كما سبق تبيانه قد يقع الهلاك بخطأ من الراهن فإذا دفع تأمين بسبب هذا الهلاك انتقل الرهن من العقار المرهون إلى مبلغ التأمين وفقا لقاعدة الحلول العيني.
أما التعويض الذي يقدمه الراهن المخطئ فانه بالرجوع إلى نص المادة 899 قانون مدني فهي تمنح للدائن المرتهن حق الاختيار بين تقديم المدين تأمينا كافيا أو يستوفي منه حقه فورا.
أما إذا وقع الهلاك بخطأ الدائن أو الغير فبطبيعة الحال أن من كان سببا في الهلاك يكون مسؤولا و يلزم بالتالي بالتعويض طبقا للقواعد العامة في المسؤولية فان تحقق التعويض انتقل الحق في الرهن إلى التعويض.
أما إذا وقع الهلاك بقوة قاهرة أو حادث فجائي, فهنا ينبغي التمييز بين حالة وقوع الهلاك تحت حيازة الراهن كأن لم يسلم الراهن العقار بعد أو تسلمه المرتهن ثم رد للراهن بعد تأجيره له في هذه الحالة تقع تبعة الهلاك على الراهن.
أما في حالة هلاك العقار المرهون تحت حيازة المرتهن ففي هذه الحالة و طبقا لتكييف طبيعة التزام المرتهن بالمحافظة بأنه التزام بغاية فبمجرد هلاك العقار المرهون بين يديه تقام قرينة على أنه مخطئ و لا يتخلص من هذه المسؤولية إلا بقطع علاقة السببية كأن يثبت أن الهلاك وقع بفعل القوة القاهرة مثلا. و متى تمكن من دفع المسؤولية تنقل تبعة الهلاك على مالكه. بينما يرى الأستاذ السنهوري أنه إذا كان السبب هو القوة القاهرة أو القضاء و القدر لم يكن أحد مسؤولا عن التعويض فلا يدفع التعويض. لكن هذا الرأي مردود عليه ذلك أنه بالرجوع لأحكام المادة 899/2 التي أحالت إليها المادة 954 في فقرتها الثانية من القانون المدني و التي تقضي بما يلي:" إذا نشأ الهلاك أو التلف عن سبب لا ينسب إلى الدائن و لم يقبل الدائن بقاء الدين بلا تأمين فللمدين الخيار بين أن يقدم تأمينا كافيا أو أن يوفي الدين فورا قبل حلول الأجل" و قد عالج الأمر على ضوء القاعدة العامة التي تحكم تبعة الهلاك حيث يكون للدائن الخيار بين بقاء الدين بلا تأمين أو يستوفي الدين فورا قبل حلول الأجل. على أساس أن الهلاك يقع على المالك الذي لا يلزم في هذه الحالة بتقديم تعويض بل تقديم تأمين آخر أو الوفاء بالدين فورا و هو ما يقوم مقام التعويض (1)
رابعا: التنفيذ الجبري:
لم ينص المشرع في الرهن الحيازي عما إذا كان البيع الجبري ينهي الرهن كما نص عليه بشأن الرهن الرسمي في المادة 936 من القانون المدني, فبمباشرة التنفيذ على العقار المرهون من طرف دائن آخر سابق في المرتبة يفقد الدائن المرتهن حق الرهن و ينتقل حقه بالأفضلية إلى الثمن و يتقدم على كل دائن آخر صاحب امتياز أم لا.
و بذلك يكون البيع الجبري مطهرا للعقار من جميع الحقوق العينية التبعية و يدخل في ذلك الرهن الرسمي و الرهن الحيازي.

آثار الرهن الحيازي العقاري بالنسبة للغير

المقصود بالغير هو" كل شخص له حق يضار من وجود الرهن الحيازي فيشمل:
1- كل شخص له حق عيني تبعي على المال المرهون, دائن له حق رهن رسمي (3), أو حق اختصاص (4). أو حق رهن حيازة, أو حق امتياز (5).
2- الدائن العادي.
3- كل شخص له حق عيني أصلي على المال المرهون, كما إذا انتقلت ملكية المال المرهون إلى مالك آخر فان هذا المالك الآخر يعتبر غيرا" (6).
-------------------
(3) يعرف الرهن الرسمي بالمادة 882 من القانون المدني«الرهن الرسمي عقد يكسب به الدائن حقا عينيا ،على عقار لوفاء دينه ،يكون له بمقتضاه أن يتقدم على الدائنين التاليين له في المرتبة في استيفاء حقه من ثمن ذلك العقار في أي يد كان»
(4) نص المشرع على حق بالتخصيص بالمادة 937/1 من القانون المدني«يجوز لكل دائن بيده حكم واجب التنفيد صادر في أصل الدعوى يلزم المدين بشيء معين ،أن يحصل على حق التخصيص بعقارات مدينه ضمانا لأصل الدين و المصاريف»
(5) يعرف حق الامتياز بالمادة 982 من القانون المدني«الامتياز أولوية يقررها القانون لدين معين مراعاة منه لقضيته ولا يمكن للدين امتياز إلا بمقتضى نص قانوني»
(6) د/ عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق - بند 586 - ص 975

و من آثار الرهن الحيازي العقاري بالنسبة للغير أنه ينشىء حقا عينيا هذا الأخير الذي لا ينفذ في مواجهة الغير إلا بانتقال حيازة العقار المرهون من الراهن إلى المرتهن و بقيده, حيث يخوله امتيازات يحتج بها على الغير و هي حبس العقار في مواجهة الغير الذي يكسب حقا عليه أو الدائن المرتهن رهنا تأمينيا إذا كان قد أشهر حقه قبلهما و بالأولى في مواجهة الدائنين العاديين, كما يثبت حقه في مواجهة إجراءات التطهير (1) ذلك أنه و إن كان لمن يكتسب ملكية العقار المرهون رهنا تأمينيا أن يتخلص من الدائنين المرتهنين رهنا تأمينيا و ذلك بواسطة التطهير بأن يعرض عليهم الثمن الذي اشترى به, إلا أنه ليس لمشتري العقار المرهون هذا الحق في مواجهة الدائن المرتهن رهن حيازي عقاري لأن للدائن المرتهن رهن حيازة حق الحبس على العقار المرهون, و له أيضا حق الأفضلية على الثمن المتحصل من بيع العقار المرهون, كما له حق التتبع فهو يستفيد من دعاوى وضع اليد Les actions possesoires للمحافظة على حقه في الحبس و ما يتفرع عنه من مزايا (2)

آثار الرهن الحيازي العقاري بالنسبة للغير

المقصود بالغير هو" كل شخص له حق يضار من وجود الرهن الحيازي فيشمل:
1- كل شخص له حق عيني تبعي على المال المرهون, دائن له حق رهن رسمي (3), أو حق اختصاص (4). أو حق رهن حيازة, أو حق امتياز (5).
2- الدائن العادي.
3- كل شخص له حق عيني أصلي على المال المرهون, كما إذا انتقلت ملكية المال المرهون إلى مالك آخر فان هذا المالك الآخر يعتبر غيرا" (6).
-------------------
(3) يعرف الرهن الرسمي بالمادة 882 من القانون المدني«الرهن الرسمي عقد يكسب به الدائن حقا عينيا ،على عقار لوفاء دينه ،يكون له بمقتضاه أن يتقدم على الدائنين التاليين له في المرتبة في استيفاء حقه من ثمن ذلك العقار في أي يد كان»
(4) نص المشرع على حق بالتخصيص بالمادة 937/1 من القانون المدني«يجوز لكل دائن بيده حكم واجب التنفيد صادر في أصل الدعوى يلزم المدين بشيء معين ،أن يحصل على حق التخصيص بعقارات مدينه ضمانا لأصل الدين و المصاريف»
(5) يعرف حق الامتياز بالمادة 982 من القانون المدني«الامتياز أولوية يقررها القانون لدين معين مراعاة منه لقضيته ولا يمكن للدين امتياز إلا بمقتضى نص قانوني»
(6) د/ عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق - بند 586 - ص 975

و من آثار الرهن الحيازي العقاري بالنسبة للغير أنه ينشىء حقا عينيا هذا الأخير الذي لا ينفذ في مواجهة الغير إلا بانتقال حيازة العقار المرهون من الراهن إلى المرتهن و بقيده, حيث يخوله امتيازات يحتج بها على الغير و هي حبس العقار في مواجهة الغير الذي يكسب حقا عليه أو الدائن المرتهن رهنا تأمينيا إذا كان قد أشهر حقه قبلهما و بالأولى في مواجهة الدائنين العاديين, كما يثبت حقه في مواجهة إجراءات التطهير (1) ذلك أنه و إن كان لمن يكتسب ملكية العقار المرهون رهنا تأمينيا أن يتخلص من الدائنين المرتهنين رهنا تأمينيا و ذلك بواسطة التطهير بأن يعرض عليهم الثمن الذي اشترى به, إلا أنه ليس لمشتري العقار المرهون هذا الحق في مواجهة الدائن المرتهن رهن حيازي عقاري لأن للدائن المرتهن رهن حيازة حق الحبس على العقار المرهون, و له أيضا حق الأفضلية على الثمن المتحصل من بيع العقار المرهون, كما له حق التتبع فهو يستفيد من دعاوى وضع اليد Les actions possesoires للمحافظة على حقه في الحبس و ما يتفرع عنه من مزايا (2)

كتاب الرهن والكفالة والضمان والحوالة

وفيه أربعة فصول..

الفصل الأول

في الرهن

وهو اتفاق يتضمن جعل مال وثيقة على دين ليستوفي منه صاحب الدين دينه، فهو يتضمن جعل حق لصاحب الدين في الوثيقة المذكورة يقتضي حجرها لذلك. والشيء المجعول وثيقة هو المرهون وقد يطلق عليه لفظ الرهن أيضاً، والمدين هو الراهن، وصاحب الدين هو المرتهن. والكلام في ذلك يقع في ضمن مباحث..

المبحث الأول

في إنشاء الرهن

لابد في تحقق الرهن من التزام الراهن بمضمونه وقبول المرتهن به. ويكفي فيه كل ما يدل على ذلك من قول أو فعل، ويقع على وجهين..

الأول: أن يلتزم به استقلالاً، إما ابتداء أو جرياً على اشتراطه في ضمن عقد لازم، كعقد القرض فيقول المدين للدائن مثلاً: رهنتك هذا الثوب على دينك، فيقبل الدائن بذلك.

الثاني: أن يلتزم به في ضمن عقد لازم، كعقد القرض أو غيره، فيقول المقرض مثلاً: أقرضتك هذه المائة دينار على أن يكون هذا الثوب رهناً عليها، فيقبل المقترض بذلك، أو يقول الدائن: بعتك هذا الدفتر بهذا الدينار على أن يكون ثوبك هذا رهناً على دينك، فيقبل المدين.

(مسألة 1): الرهن من الإنشاءات اللازمة بالأصل، ولا يجوز الرجوع فيها لأحد الطرفين إلا بالتقايل أو بطروء أحد أسباب الخيار العامة، كتخلف الشرط الصريح أو الضمني. نعم يجوز للمرتهن إسقاط حقه من المال المرهون متى شاء، فينفذ عليه، ولا يجوز له الرجوع فيه بعد ذلك، لكنه ليس فسخاً للرهن، بل هو نظير الإبراء من الدين لا يكون فسخاً للعقد الذي أوجبه.

(مسألة 2): يصح الرهن ويلزم بمجرد اتفاق الطرفين عليه، ولا يتوقف صحته ولا لزومه على قبض المرتهن للمال المرهون.

(مسألة 3): يسقط حق الرهن ببراءة ذمة من عليه الدين من الدين الذي وقع الرهن له بتمامه، ولا يكفي براءته من بعضه في سقوط حق الرهن عن بعض المال بنسبته، فضلاً عن سقوطه عنه بتمامه.

(مسألة 4): إذا كان للمرتهن على الراهن دينان وكان الرهن على أحدهما دون الآخر، فإذا برئت ذمة الراهن من الدين الذي عليه الرهن لم يكن للمرتهن إمساك المال المرهون ليكون رهناً على الدين الآخر، بل يجب تسليمه للراهن مع مطالبته به.

(مسألة 5): إذا تلف المال المرهون أو سقط عن قابلية استيفاء الحق منه، فإن كان بوجه مضمون قام بدله مقامه في كونه رهناً على الحق، وإن لم يكن مضموناً بطل الرهن، ولا يجب على الراهن إبداله بغيره إلا إذا سبق اشتراط ذلك عليه في الرهن أو في عقد آخر.

(مسألة 6): يعتبر في الراهن والمرتهن الكمال والبلوغ والعقل وعدم الإكراه، كما يعتبر في الراهن ملك المال المرهون وعدم الحجر بسفه أو فلس، ولا يعتبر ذلك في المرتهن، لعدم كون الرهن تصرفاً في ماله. وإذا كان أحد الطرفين قاصراً قام وليه مقامه، كما يقوم الوكيل مقام الأصيل في ذلك.

(مسألة 7): إذا وقع الرهن مع قصور سلطنة أحد الطرفين كان فضولياً وتوقف نفوذه على إجازة من له السلطنة وجرت فيه فروع الفضولي، ويتضح كثير منها مما تقدم في البيع.

المبحث الثاني

في المال المرهون

ولابد من كونه مالاً قابلاً لأن يستوفى منه الحق أو بعضه بلحاظ ماليته، إما بنفسه ـ كما لو كان من سنخ الحق المرهون عليه ـ أو ببدله، كالأعيان القابلة لأن تباع، فلا يصح رهن ما لا مالية له، كبعض الحشرات، ولا ما له مالية عرفية إلا أنه لا يقابل بالمال شرعاً، كالخمر والخنزير، أو ما له مالية إلا أنه لا يمكن استيفاء الحق منه، مثل ما يسرع له الفساد إذا ابتنى الرهن على أن لا يباع بل يبقى بعينه إلى حين حلول الدين.

(مسألة 8): لا يصح رهن الخمر والخنزير مع كون الراهن أو المرتهن مسلماً، وإن كان الآخر كافراً.

(مسألة 9): لا إشكال في صحة رهن الأعيان الخارجية. وأما منافع الأعيان قبل استيفائها والديون غير المقبوضة فيشكل صحة رهنها، نعم لا بأس بجعلها وثيقة على الحق تبعاً لشرط في ضمن عقد لازم، نظير ما تقدم في الوجه الثاني لإنشاء الرهن وذلك بأحد وجهين..

الأول: أن يشترط في العقد اللازم كونها بنفسها وثيقة على الدين، فيقول المقرض مثلاً للمقترض: أقرضتك هذه المائة دينار إلى سنة على أن تكون منفعة دارك أو الدين الذي لك على زيد وثيقة لديني هذا، فيقبل المقترض ذلك.

الثاني: أن يشترط في العقد اللازم جعل الوثيقة من دون تعيين، فيقول المقرض مثلاً للمقترض: أقرضتك هذه المائة دينار إلى سنة على أن تجعل لي وثيقة على ديني هذا، فيقبل المقترض، ثم يتفقان اتفاقاً آخر على أن الدين الخاص أو المنفعة الخاصة هي الوثيقة على ذلك الدين عملاً بمقتضى الشرط. وعلى كلا الوجهين يكون للمقرض في المنفعة أو الدين المذكورين حق نظير حقه في الرهن يقتضي حجرهما له واستحقاقه استيفاء دينه منهما، ولا يصح الالتزام بكونهما وثيقة على نحو الاستقلال من دون شرط سابق، نظير ما تقدم في الوجه الأول لإنشاء الرهن، فإن ذلك يختص برهن الأعيان. وبلحاظ مشروعية الوجه السابق يصح تعميم الرهن للمنافع والديون.

(مسألة 10): رهن المنافع بالوجه المتقدم يبتني..

تارة: على التعجيل باستيفائها بالأجر ثم حفظ الأجر ليستوفى منه الدين عند حلوله.

واُخرى: على عدم استيفائها إلا عند حلول الدين، فيستوفي منها حينئذٍ صاحب الدين بنفسه ما يقابل دينه، أو تستأجر العين ويستوفى الدين من أجرتها.

وكذلك الديون حيث يبتني رهنها..

تارة: على التعجيل باستيفائها وحفظ المال ليستوفى منه الدين عند حلوله.

واُخرى: على عدم استيفائها إلا عند حلول الدين. وتعيين أحد هذه الوجوه تابع لاتفاق الطرفين.

(مسألة 11): تعارف في عصورنا أن يشترط الدائن على المدين استيفاء دينه من راتبه الشهري الذي يستحقه بعمله بقدر معين أو بنسبة معينة في كل شهر. وذلك إن ابتنى على التزام المدين للدائن بالعمل الذي يستحصل به الراتب ـ بحيث ليس له التفرغ وترك العمل ـ كان مبتنياً على ما سبق من رهن المنافع، لأن الأعمال من جملة المنافع، وإن لم يبتن على ذلك بأن لم يكن ملزماً من قبله بالعمل، فهو أجنبي عن الرهن، وراجع إلى اشتراط الوفاء من مال خاص، وهو شرط نافذ، وإن لم يكن ذلك المال مستحقاً بعمل، بل كان من سنخ التبرع، كما لو اشترط الدائن على المدين أن يوفي دينه مما يصل له من حقوق شرعية أو عادات على الناس أو هبات مبتدأة خاصة، أو نحو ذلك. ومنه الرواتب التي تبذل في عصورنا للمشتغلين بطلب العلوم الدينية. ويترتب على ذلك أنه لابد في صحة العقد على الوجه الأول من كون العمل الذي يستحق به الراتب محللاً والاستئجار عليه صحيحاً. أما الثاني فيكفي في صحته ملكية المدين للراتب ولو بعد حصوله في يده، لكونه مباحاً أصلياً أو مالاً مجهول المالك يصح له تملكه بوجه شرعي.

(مسألة 12): ما سبق في رهن الدين والمنفعة جارٍ في رهن الحق إذا كان مقابلاً بالمال، كحق السرقفلية الذي تقدم الكلام فيه في ذيل كتاب الإجارة، وحق الأولوية للمزارع في الأراضي الخراجية الذي تقدم الكلام فيه في فصل شروط العوضين من كتاب البيع.

(مسألة 13): في جواز رهن الكلي على إطلاقه ـ كثوب أو بقرة ـ أو الكلي في المعين ـ كثوب من رزمة معينة ـ إشكال. نعم يجوز التوثق بهما للدين بالالتزام به في ضمن عقد لازم، نظير ما سبق في المنافع والديون، وحينئذٍ يكون على من عليه الدين دفع فرد من الكلي ليكون هو الوثيقة.

(مسألة 14): لا يجوز رهن الأعيان غير المملوكة كالأوقاف والأراضي الخراجية، إلا أن يرجع رهن الوقف إلى رهن منفعته إذا كانت ملكاً للموقوف عليهم، ورهن الأرض الخراجية إلى رهن حق الأولوية فيها، فيصح بالوجه الذي تقدم في المسألة (9).

(مسألة 15): المال المرهون على دين يجوز رهنه على دين آخر إما بنحو يزاحم مقتضى الرهن الأول، كما لو اقتضى كون الاستيفاء للدينين في عرض واحد أو ابتنى على شرط مخالف لمقتضى الأول، وإما بنحو لا يزاحمه، كما لو اقتضى الاستيفاء للدين الثاني بعد استيفاء الدين الأول من دون أن يبتني على شرط مناف لمقتضى الرهن الأول، ولا فرق بين كون الدينين لشخص واحد وكونهما لشخصين. نعم لابد في الصورة الثانية من رضا المرتهن الأول إذا كان الرهن الثاني مزاحماً للرهن الأول، أما إذا لم يزاحمه فلا يعتبر رضاه. كما يمكن في المقام فسخ الرهن الأول بالتقايل من الطرفين ثم رهن المال على الدينين معاً.

(مسألة 16): يجوز تعدد الرهن على الدين الواحد، فللمرتهن استيفاء دينه من كل من الرهنين مخيراً بينهما أو مع تقديم أحدهما، حسب ما يتفق عليه الطرفان.

(مسألة 17): لا يعتبر في المال المرهون أن يكون ملكاً للمدين بل يجوز رهن ما لا يملكه المدين، سواء كان ملكاً لغيره أم لم يكن مملوكاً لأحد كالصدقات العامة. نعم لابد من إذن من له الولاية على المال المرهون من مالك أو ولي، وإذا وقع الرهن بغير إذنه كان فضولياً وتوقف نفوذه على إذنه. بل يصح التبرع لغير المدين برهن ماله على دين غيره، فإذا كان زيد مديناً لعمرو جاز لبكر أن يرهن ماله على الدين المذكور، وحينئذٍ لا يعتبر إذن زيد، بل يكفي اتفاق بكر وعمرو على ذلك، والراهن في الحقيقة في جميع ذلك هو صاحب المال المرهون.

(مسألة 18): من رهن ماله على دين غيره، فإن لم يكن الرهن بطلب من المدين ولا بإذنه فلا يستحق الرجوع على المدين إذا استوفى المرتهن دينه من المال المرهون، وإن كان بإذن المدين أو بطلب منه كان لصاحب المال المرهون الرجوع عليه إذا استوفى المرتهن دينه من المال، إلا أن يكون إذنه في الرهن أو طلبه له مبنياً على التبرع وعدم الضمان، فلابد حينئذٍ من قيام القرينة على ذلك.

(مسألة 19): لا يعتبر العلم بمقدار المال المرهون ولا بصفاته ولا بمقدار ماليته.

المبحث الثالث

في الدين الذي يرهن له

يصح الرهن على كل عين ثابتة في الذمة، كالدراهم والدنانير والطعام ونحوها مما يكون ديناً في ذمة الغير. وفي عمومه للمنافع إشكال، كما لو استأجر إنسان على عمل لم تؤخذ فيه المباشرة، فأراد المستأجر أن يستوثق لنفسه فيأخذ رهناً، ليكون له أن يستوفي منه العمل المستأجر عليه إذا لم يؤده الأجير، فيبيع الرهن المذكور ويستأجر بثمنه من يقوم بذلك العمل. نعم يجوز له التوثق لذلك بالالتزام في ضمن عقد لازم بجعل شيء وثيقة للعمل المطلوب، نظير ما تقدم في رهن الديون والمنافع.

(مسألة 20): لا يصح الرهن على ما يتوقع ثبوته في الذمة قبل أن يثبت فعلاً، سواء تحقق مقتضي ثبوته كالجعل في الجعالة قبل الإتيان بالعمل، وبدل المغصوب قبل التلف لأن يد الغاصب سبب للضمان، أم لم يتحقق المقتضي، كبدل الأمانات غير المضمونة إذا أراد صاحبها التوثق بأخذ الرهن حذراً من التفريط فيها، وبدل المبيع الذي يقبضه المشتري إذا أراد البائع التوثق بأخذ الرهن حذراً من حصول أحد أسباب الفسخ أو البطلان من دون أن يستطيع استرجاع المبيع كي يستطيع استيفاء بدله من الرهن، ونظيره بدل الثمن الذي يقبضه البائع إذا أراد المشتري التوثق بأخذ الرهن حذراً من حصول أحد أسباب الفسخ أو البطلان من دون أن يستطيع استرجاع الثمن.

وكذا الحال في الأعيان المملوكة إذا كانت في يد الغير ـ كالأمانة والمبيع الذي يشترط تأجيل تسليمه ـ وأراد صاحبها التوثق لنفسه بأخذ مال ممن هي في يده ليكون ملزماً بتسليمها بأعيانها.

نعم يمكن اشتراط التوثق في جميع ذلك في ضمن عقد لازم، نظير ما تقدم في رهن المنافع والديون، كما لو اشترى عمرو سيارة زيد نقداً واشترط عليه أن تكون داره وثيقة للثمن الذي دفعه ليستوفيه منها لو ظهرت السيارة معيبة أو مغصوبة ثم وقع تسليم الثمن مبنياً على الشرط المذكور، بأن يكون دفعه مع احتمال بطلان البيع مبنياً على جعل الدار وثيقة له، وكما لو اشترى زيد دار عمرو على أن تسلم إليه الدار بعد سنة واشترط على عمرو أن يدفع له سيارته لتكون وثيقة للدار من أجل أن يسلمها بعد السنة وهكذا، فإن الشرط المذكور نافذ، كما تقدم نظيره.

المبحث الرابع

في أحكام الرهن

(مسألة 21): إطلاق الرهن يقتضي استحقاق المرتهن أخذ المال المرهون، فيجب على الراهن تسليمه له وإذا امتنع أجبر على ذلك، ولا يجوز له استرجاعه منه بعد أخذه له. وقد يتأكد مقتضى الإطلاق بالشرط، كما قد يخرج عنه باشتراط بقاء المال المرهون عند الراهن أو عند شخص ثالث، ويجب العمل بالشرط حينئذٍ.

(مسألة 22): المال المرهون وإن كان باقياً على ملك الراهن إلا أن مقتضى الرهن ثبوت حق للمرتهن فيه، وهو حق استيفاء دينه منه، وقد سبق أن مقتضى إطلاقه أنه يستحق وضع يده عليه وجعله في حوزته، وحينئذٍ يتعين منع الراهن من كل تصرف ينافي أحد هذين الحقين ـ ولو لكونه دخيلاً في كيفية إعمالهما ـ إلا بإذن المرتهن، فلا يجوز له إتلافه، أو إخراجه عن ملكه ببيع أو وقف أو عتق أو نحوها، أو تغيير حاله بصبغ أو كسر أو نحوهما مما قد يعرضه لقلة الرغبة فيه، ولا إجارته أو إعارته أو نحوهما مما يوجب خروجه عن حوزة المرتهن أو يجعله معرضاً للتلف والضرر، ولا أن يحدث فيه ما يصعب معه حفظه على المرتهن وجعله في حوزته، كحل شده الموجب لانفراط أجزائه وتفرقها، وإحبال الدابة الموجب لزيادة الكلفة في حفظها مع ولدها، أو نحو ذلك. وإذا فعل الراهن شيئاً من ذلك من دون إذن المرتهن، فإن كان تصرفاً خارجياً ـ كالإتلاف والصبغ ـ كان حراماً ومعصيةً، وإن كان تصرفاً اعتبارياً ـ كالبيع والإجارة ـ لم ينفذ إلا أن يجيزه المرتهن، كالعقد الفضولي.

(مسألة 23): يجوز للراهن التصرف في المال المرهون من غير إذن المرتهن إذا لم يكن منافياً لحقّه بالوجه المتقدم، ومن ذلك بيعه على أن يبقى بعينه مرهوناً مستحقاً للمرتهن، بحيث لا يستقل المشتري به إلا بعد وفاء الحق المرهون عليه، نظير ما لو كان المال المرهون ملكاً لغير من عليه الحق.

(مسألة 24): إذا أذن المرتهن في بيع المال المرهون أو أجاز بيعه بعد وقوعه قام الثمن مقام المبيع في كونه رهناً على الدين، إلا أن يبتني الإذن أو الإجازة على إسقاط حق الرهن، فحينئذٍ يستقل الراهن بالثمن.

(مسألة 25): المال المرهون إذا صار ـ بمقتضى إطلاق عقد الرهن أو بمقتضى الشرط تحت يد الراهن ـ فهو أمانة بيده لا يضمنه إلا بالتعدي أو التفريط، على النحو المتقدم في أوائل الفصل السادس من كتاب الإجارة.

(مسألة 26): لا يجوز للمرتهن التصرف في المال المرهون إلا بوجهين:

الأول: التصرف الذي هو مقتضى أمانته، كإطعام الحيوان ونشر الثوب أو الطعام لو خيف عليهما من التلف.

الثاني: ما يأذن به المالك صريحاً، أو يفهم من ظاهر حاله ولو بسبب التعارف.

(مسألة 27): إذا تعرض المال المرهون للفساد بنحو يسقط قيمته، أو ينقصها نقصاً معتداً به وجب مراجعة مالكه، فإن أذن ببيعه فذاك، وإلا فإن بلغ الضرر حداً يمنع من استيفاء الدين من الرهن كان للمرتهن بيعه بعد الاستئذان من الحاكم، وكذا إذا تعذرت مراجعة المالك. ويجري ذلك فيما لو تعرض المال المرهون للخطر من غير جهة الفساد، كما لو كان معرضاً للسرقة أو نحوها.

(مسألة 28): منافع المال المرهون ـ كركوب الدابة وسكنى الدار ـ ونماءاته ـ كالبيض والحليب ـ ملك للراهن، وليس للمرتهن استيفاؤها وأخذها إلا بإذنه الصريح أو المستفاد من ظاهر الحال، فإن ابتنى إذنه على المجانية فهو، وإلا كان عليه بدلها ونقص مقداره من دينه. وكذا الحال إذا استوفاها من غير إذنه.

(مسألة 29): إذا اشترط المرتهن أن تكون منافع المال المرهون أو نماءاته له، أو أن له استيفاءها وأخذها مجاناً فلذلك صور..

الاُولى: أن يشترط ذلك في عقد القرض، كما إذا أقرض المال برهن واشترط حين القرض أن تكون منافع المال المرهون أو نماءاته له، أو أقرض المال واشترط على المقترض أن يجعل عليه رهناً تكون منافعه ونماءاته له.

الثانية: أن يشترط ذلك في نفس الرهن ـ فيما إذا أنشئ استقلالاً ـ ، كما لو طالب الدائن المدين بالرهن، فلما أراد أن يرهن عنده شيئاً اشترط عليه في الرهن أن تكون منافعه ونماءاته له فقبل الراهن الشرط. الثالثة: أن يشترط ذلك في عقد ثالث، كما إذا باع شيئاً بثمن مؤجل برهن واشترط في عقد البيع أن تكون منافع المال المرهون أو نماءاته له، أو رهن المدين شيئاً على دينه ثم أوقع مع المرتهن عقداً ـ كالبيع ـ وشرط أن تكون منافع ذلك الشيء المرهون أو نماءاته له.

أما في الصورة الاُولى فيبطل الشرط المذكور، لأنه من الربا المحرّم، فإذا استوفى المرتهن المنافع والنماءات كان ضامناً لها ونقص من دينه بقدرها، وأما في الصورتين الأخيرتين فالظاهر جواز الشرط المذكور ونفوذه، فيملك به المرتهن منافع المال المرهون ونماءاته، فإذا استوفاها وأخذها لم يكن ضامناً لبدلها ولم تنقص من دينه.

(مسألة 30): تجري الصورتان السابقتان أيضاً فيما إذا كان المشروط هو استيفاء الراهن المنافع وأخذه النماء بعوض.

(مسألة 31): إذا أراد الطرفان استيفاء الراهن منافع العين المرهونة ونماءاتها مجاناً أمكنهما الاستعاضة عن الدين والرهن ببيع الشرط الذي تقدم التعرض له في الخيار الثالث من الفصل الرابع من كتاب البيع، فمثلاً إذا أراد زيد أن يقترض من عمرو ألف دينار إلى سنة ويرهن عليها داره، فبدلاً من ذلك يبيع زيد داره من عمرو بألف دينار ويجعل له خيار رد الثمن إلى سنة، فإذا أرجع زيد لعمرو الألف دينار في آخر السنة يفسخ البيع ويسترجع داره، فإن الدار ومنافعها في تلك السنة تكون ملكاً لعمرو حينئذٍ، وله أن يستوفيها مجاناً. نعم لو تلفت الدار يكون تلفها عليه، بخلاف ما لو كانت مرهونة فإن تلفها يكون على زيد ولا يضمنه عمرو إلا مع التفريط، كما أنه إذا لم يأت زيد بالثمن في الأجل المحدد فليس له الفسخ إلا أن يرضى عمرو.

(مسألة 32): حق الرهانة يورث، فإذا مات المرتهن انتقل حق الرهن في المال المرهون لورثته، ولا يسقط حق كل منهم إلا بإسقاطه، أو ببراءة ذمة المدين من حصته من الدين الذي عليه الرهن.

(مسألة 33): لا يبطل الرهن بموت الراهن، بل يبقى المال المرهون معه مورداً لحق الرهن وإن صار للوارث.

(مسألة 34): إذا حل وقت استيفاء الدين لم يستقل المرتهن باستيفائه من المال المرهون، بل لابد من مراجعة الراهن ليقوم بأدائه من عنده، أو من المال المرهون ـ إن كان من سنخ الدين ـ أو ببيع المال المرهون على المرتهن أو غيره ويوفي الدين بثمنه. وإن امتنع جاز إجباره على أحد الأمرين، وإن تعذر ذلك جاز للمرتهن أن يتولى البيع بنفسه. والأحوط وجوباً مراجعة الحاكم الشرعي مع الإمكان. ويجري ذلك فيما إذا تعذرت مراجعة المالك لغيبة أو جهالة أو نحوهما.

(مسألة 35): إذا اشترط المرتهن على الراهن في عقد الرهن أو في عقد آخر أن يكون له بيع الرهن لاستيفاء الدين من دون مراجعته نفذ الشرط المذكور. وكذا إذا جعله الراهن وكيلاً عنه في البيع وشرط عليه المرتهن في عقد الرهن أو في عقد آخر غير عقد الوكالة أن لا يعزله. نعم الأحوط وجوباً عدم اشتراط ذلك في عقد القرض.

(مسألة 36): إذا أفلس المرتهن أو مات مديناً ديناً لا تفي به تركته ففي تقديم حق المرتهن في العين المرهونة على بقية الغرماء إشكال، والأحوط وجوباً التراضي والتصالح معهم.

(مسألة 37): إذا مات الراهن ولم يكن للمرتهن بينة على دينه عليه، وخاف إن هو أقر بالمال المرهون أن يأخذه الورثة منه وينكروا دينه، جاز له أن يستوفي دينه من المال المرهون بنفسه ويرجع ما زاد منه للورثة من دون أن يقر بالرهن.

(مسألة 38): إذا وجد المرتهن عنده رهناً على دين وجهل صاحبه كان له استيفاء دينه منه، فإن كان الدين بقدر الرهن فذاك، وإن كان أكثر من الرهن بقي الزائد من دينه في ذمة الراهن المجهول، وإن كان أقل من الرهن بقي الزائد من الرهن أمانة في يده للراهن المجهول، وجرى عليه حكم الأمانة المجهول مالكها، وقد تقدم في المسألة (16) من كتاب الاستيداع. وإن جهل مقدار الدين واحتمل كونه بقدر الرهن جاز له احتسابه بدينه ويكون له.

(مسألة 39): إذا تردد الدين الذي عليه الرهن بين الأقل والأكثر بني على الأقل.

(مسألة 40): إذا كان عند شخص عين لآخر، وتردد بين كونها رهناً على دين وكونها وديعة أو نحوها بني على عدم كونها رهناً، سواء علم بأن صاحب العين مدين للشخص الذي عنده العين، أم لم يعلم بذلك. نعم إذا اتفقا على كونه مديناً له، وادّعى الدائن أن العين رهن على ذلك الدين وادّعى المدين أنها ليست برهن كان القول قول الدائن ما لم يقم المدين البينة على عدم كونها رهناً، ويكفي أن يقيم البينة على أنه تسلمها منه لا على وجه الرهينة، ولا يسمع مع ذلك دعوى الدائن أنه رهنها عنده بعد ذلك، إلا ببينة.

الفصل الثاني

في الكفالة

وهي نظير الرهن في كونها استيثاقاً للحق، لكن موضوعها النفس والغرض منها الحضور. فهي عبارة عن تعهد شخص لآخر بحضور شخص ثالث، بحيث يلزمه أن يحضره لو لم يحضر. والأول الكفيل، والثاني المكفول له، والثالث المكفول. ومحل الكلام ما إذا وجب الحضور على المكفول، وكان المكفول له يستحق ذلك عليه. ويأتي تمام الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى.

(مسألة 1): لا إشكال في توقف الكفالة على رضا الكفيل والمكفول له، والظاهر توقفها على رضا المكفول أيضاً، فمع عدم رضاه بها لا سلطان للكفيل عليه، ولا يترتب أثرها بالنسبة إليه. نعم المفروض وجوب الحضور عليه على كل حال ولو مع عدم الكفالة، لكن ذلك لا يقتضي سلطنة الكفيل على إحضاره ولا لزوم متابعته للكفيل بالحضور ما لم يرض بالكفالة.

(مسألة 2): لابد من إنشاء مضمون الكفالة والتزام الأطراف المعنية به وإبراز الالتزام المذكور بكل ما يدل عليه من قول أو فعل، نظير ما سبق في بقية العقود.

(مسألة 3): يجوز اشتراط الكفالة على الكفيل ـ من قبل المكفول أو المكفول له أو شخص ثالث ـ في ضمن عقد لازم، فينفذ مع رضا المكفول والمكفول له. وهو على وجهين:

الأول: أن يشترط كونه كفيلاً لزيد مثلاً ومسئولاً به.

الثاني: أن يشترط عليه أن يكفل زيداً. وفي الأول يكون كفيلاً بمجرد الشرط، وفي الثاني لا يكون كفيلاً إلا بعد إنشاء الكفالة، ولا يكون فائدة الشرط إلا وجوب إنشائها.

(مسألة 4): لما كانت الكفالة متمحضة في التعهد من جانب الكفيل وحده فالأحوط وجوباً الاقتصار في نفوذها على ما إذا ابتنت على أن يترتب عليها شيء من جانب المكفول له، كما إذا كان قد اشترط الكفالة فيرجع قبوله بها للقبول بكونها وفاء بشرطه، أو كان مستحقاً الحضور على المكفول أو حابساً له فعلاً فيأذن بانصرافه أو يطلق سراحه اعتماداً على الكفالة، أو كان طالباً ـ من المكفول أو من غيره ممن يتعلق به ـ التوثق لحقه ساعياً لذلك، فيترك الطلب والسعي المذكورين اكتفاء بالكفالة أو نحو ذلك. أما إذا كانت مبتدأة من دون ذلك نظير الوعد المجرد فيشكل نفوذها إلا أن تكون مشروطة على الكفيل من قبل المكفول له في ضمن عقد آخر فتنفذ تبعاً لنفوذ العقد.

(مسألة 5): يعتبر في الكفيل أن يكون قابلاً لأن يلزم بإحضار المكفول على ما تقتضيه الكفالة لكماله بالبلوغ والعقل، فإذا كان مقتضى الكفالة إحضار المكفول بعد شهر من العقد ـ مثلاً ـ لزم كمال الكفيل حينئذٍ ولا يجب كماله حين إجراء العقد، بل يمكن قيام وليه مقامه في إجراء العقد إن كانت الكفالة صلاحاً له. أما المكفول والمكفول له فلا يعتبر كمالهما، فيمكن كفالة الصبي والمجنون والكفالة لهما إذا رضي بها وليهما بدلاً عنهما.

(مسألة 6): لا يعتبر قدرة الكفيل على إحضار المكفول واقعاً، بل يكفي زعمه القدرة على ذلك، فإذا كفله بالزعم المذكور ثم تبين عجزه لم ينكشف بطلان الكفالة. وليس المراد بالقدرة على إحضاره القدرة على مباشرة الإحضار بنفسه بحيث يأتي به معه، بل المراد ما يعم استجابة المكفول للكفيل لو أمره بالحضور.

(مسألة 7): تشرع الكفالة سواء كان طلب حضور المكفول لتعلق حق مالي به ـ كدين أو كفالة أو تسليم مبيع أو نحوها ـ من أجل أن يستوفى منه ذلك الحق، أم كان لأمر آخر، كحضوره لمرافعة أو لأداء شهادة أو دخول سجن بحق أو ليقتص منه أو غير ذلك. ويعتبر في القسم الأول أن لا يكون الكفيل والمكفول له محجوراً عليهما بسفه أو فلس. ولا يعتبر ذلك في المكفول لثبوت الحق عليه على كل حال.

(مسألة 8): تصح الكفالة في الماليات، سواء كان الحق ثابتاً فعلاً، كما لو كان المكفول مديناً للمكفول له، أم لم يكن ثابتاً فعلاً مع وجود سببه، كالجعل في عقد الجعالة والعوض في عقد السبق والرماية، بل تصح مع عدم وجود السبب فعلاً، كثمن أو أجر في بيع أو إجارة متوقعي الحصول، كما لو قال: بعه الدار أو آجره الدكان وأنا كفيل بإحضاره ليؤدي الثمن أو الأجرة.

(مسألة 9): مع إطلاق الكفالة في الماليات يجب على الكفيل إحضار المكفول، ومع تعذر ذلك يجب عليه دفع المال الذي عليه. أما لو صرح في عقد الكفالة باقتصاره على إحضار المكفول فلا يجب عليه مع تعذر الإحضار دفع المال. نعم لو دفع المال انحلت الكفالة، لما يأتي من انحلالها ببراءة ذمة المكفول من الحق.

(مسألة 10): يمكن في الكفالة مطلقاً جعل شرط جزائي على تقدير عدم إحضار المكفول، لكن لابد في نفوذه من تقديم الشرط، فإذا قال الكفيل: علي كذا إن لم أحضره، لزمه الشرط. وإذا قال: إن لم أحضره فعلي كذا، لم يلزمه الشرط ولم يكلف إلا بإحضاره.

(مسألة 11): في الكفالة في الماليات إذا دفع الكفيل المال، فإن كان بإذن المكفول أو بطلب منه كان للكفيل الرجوع عليه بما دفع، وإن لم يكن بإذنه لم يرجع عليه، إلا إذا كان آذناً في الكفالة المطلقة التي سبق ظهورها في دفع الحق عند تعذر الإحضار، فإن له الرجوع حينئذٍ إذا كان قد دفع المال مع تعذر الإحضار.

(مسألة 12): مع إطلاق الكفالة يلزم الكفيل إحضار المكفول في بلد عقد الكفالة، ولا يكفي إحضاره في غيره إلا مع القرينة الصارفة عن مقتضى الإطلاق.

(مسألة 13): يجب على المكفول الاستجابة للكفيل والحضور معه، فإن امتنع جاز له إجباره ولو بالاستعانة بالظالم. نعم نفقة الإحضار على الكفيل ولا يتحملها المكفول إلا مع الشرط، وإن كان ضمنياً مستفاداً من شاهد الحال عند إذن المكفول في الكفالة.

(مسألة 14): يجوز أن يكفل الكفيل شخص ثان، يكون ملزماً بإحضاره ليقوم بمقتضى كفالته، كما يجوز أن يكفل الثاني شخص ثالث، وهكذا تترامى الكفالات.

(مسألة 15): إذا أمسك صاحب الحق من عليه الحق لاستيفاء حقه منه من دون تعد عليه فجاء آخر فخلصه منه كان عليه تسليمه أو أداء الحق الذي عليه. وإذا كان قاتلاً عمداً لزمه إحضاره ليقتص منه أولياء المقتول، ولهم حبسه لذلك، إلا أن يرضوا منه بالدية فيدفعها لهم. وكذا إذا مات القاتل فيجب على من خلصه من أيدي أولياء المقتول دفع الدية لهم.

(مسألة 16): الكفالة عقد لازم لا يجوز فسخه من طرف الكفيل، إلا مع الخيار، أو بالتقايل منه ومن المكفول له. نعم ينحل باُمور..

الأول: القيام بمؤداه وهو إحضار المكفول.

الثاني: براءة ذمة المكفول من الحق الذي عليه بأدائه، أو بارتفاع موضوعه، كما إذا كان كافلاً لشخص فبطلت كفالته له.

الثالث: انتقال الحق من المكفول له لشخص آخر، ببيع أو صلح أو حوالة أو غيرها، فإن الشخص الآخر لا يقوم مقام المكفول له في استحقاق الكفالة، بل تنحل الكفالة. نعم إذا كان الانتقال بالإرث قام الوارث مقام المورث في استحقاق الكفالة ولم تنحل.

الرابع: موت المدين أو سقوطه عن قابلية الإحضار لاستيفاء الحق بجنون أو نحوه. نعم إذا ابتنت الكفالة على أداء الكفيل للحق عند تعذر الإحضار فلا تبطل الكفالة حينئذٍ، بل يجب عليه أداء الحق إن تعذر أداؤه من ماله أو تركته.

الخامس: إسقاط المكفول له حقه من الكفالة.

(مسألة 17): لا تصح الكفالة إذا لم يجب الحضور على المكفول مع قطع النظر عنها، كالمحبوس ظلماً، والشاهد في الترافع عند الظالم، والملزم ظلماً بدفع مال، ونحو ذلك، فلو وقعت الكفالة لم يحل للمكفول له إلزام الكفيل بإحضار المكفول، ولم يجب على الكفيل إحضاره. نعم يمكن نفوذ الكفالة حينئذٍ في حق المكفول بالإضافة إلى الكفيل إذا ابتنى رضاه بالكفالة على تعهده بالاستجابة له في الحضور إن كفله، دفعاً للضرر الوارد على الكفيل لو لم يحضر، فالمسجون بظلم مثلاً قد يرضى الظالم بخروجه من السجن مؤقتاً إذا كفله شخص وتعهد برجوعه بعد الوقت، كما قد يتعارف في زماننا، وحينئذٍ إذا طلب من شخص أن يكفله عند الظالم متعهداً له بالرجوع للسجن بعد الوقت لئلا يقع الكفيل في الضرر فكفله ذلك الشخص بناء على التعهد المذكور وجب عليه الحضور، وجاز للكفيل إحضاره وإجباره على الحضور بمقتضى نفوذ التعهد المذكور، وإن لم يستحق المكفول له حضوره، بل كان ظالماً في ذلك، إلا أن يكون الحضور محرّماً فيشكل الأمر، كما إذا كان يتعرض في رجوعه للسجن للهلكة أو لضرر يحرم تحمله.

تتميم:

المعروف من الكفالة هي كفالة النفس التي تبتني على التعهد بحضور المكفول لاستيفاء الحق منه، وهي التي سبق الكلام فيها. والظاهر مشروعية الكفالة المتمحضة في المال، المتعارفة في زماننا هذا، وهي تعهد الكفيل للمكفول له بأداء حقه الثابت له على المكفول، لا بمعنى جعل الحق المذكور في ذمة الكفيل وبراءة المكفول منه ـ كما يأتي في الضمان ـ بل بمعنى تعهد الكفيل للمكفول له بحصوله على حقه بأن يؤديه له المكفول، فإن لم يفعل أداه هو عنه، من دون أن تقتضي الكفالة المذكورة براءة ذمة المكفول من الحق. والظاهر عدم اشتراط إذن المكفول في هذا القسم من الكفالة، بل يكفي اتفاق الكفيل والمكفول له عليها ورضاهما بها.

(مسألة 18): كما تجري هذه الكفالة في الاُمور الذمية تجري في الأعيان الخارجية، كما لو قال: لا تتعقب السارق وأنا كفيل بما أخذ، أو لا تخاصم الغاصب وأنا كفيل بما غصب، على معنى أنه مسئول بإرجاع عين المال ومع تعذره فهو مسئول ببدله، من دون أن تبرأ ذمة صاحب اليد مما أخذ.

(مسألة 19): لا يعتبر في هذه الكفالة ثبوت الحق وانشغال ذمة المكفول فعلاً، بل يكفي تحقق سبب ثبوته وانشغال الذمة به وإن لم تنشغل بعد، كما لو قال: بع زيداً أو آجره وأنا كفيل بالثمن أو الأجر، أو أدخله بيتك وأنا كفيل بما أتلف، أو أعره المتاع وأنا كفيل به، أو لا تغلق باب المنزل وأنا كفيل بما يسرق منه. نعم لابد في جميع ذلك من أن تبتني على أن يترتب عليها شيء من جانب المكفول له على النحو المتقدم في المسألة (4) فلا تنفذ بدون ذلك، كما لو أيس المسروق من الظفر بما له فقال له: أنا كفيل بما سرق منك، أو أحكم الشخص غلق أبوابه أو قام بأقصى جهده في التحفظ على ماله فقال له: إن سرق منك شيء فأنا كفيل به، ونحو ذلك.

(مسألة 20): تصح كفالة درك الثمن لو ظهر المبيع مغصوباً أو غير ذلك مما يوجب بطلان البيع، فإذا باع شخص شيئاً بثمن معين، وخشي المشتري أن يكون المبيع مغصوباً كان له طلب الكفيل بالثمن الذي دفعه، فإذا كفله شخص كان له الرجوع عليه بالثمن الذي دفعه لو ظهر بطلان البيع لكون المبيع مغصوباً. كما تصح كفالة الثمن على تقدير فسخ البيع بخيار، أو بطلانه لتلف المبيع قبل القبض، أو نحو ذلك.

(مسألة 21): إذا لم تكن هذه الكفالة بإذن المكفول لم يكن للكفيل الرجوع عليه بما أدى عنه، وإن كانت بإذنه كان للكفيل الرجوع عليه بما أدى عنه من الحق في وقته على حسب مقتضى الكفالة، إلا أن يبتني إذنه له في الكفالة على عدم ضمانه له لو أدى عنه، وهو يحتاج إلى عناية وقرينة خاصة.

(مسألة 22): يجوز ترامي هذه الكفالة، نظير ما تقدم في كفالة النفس.

(مسألة 23): تجوز هذه الكفالة مع عدم ثبوت الحق على المكفول شرعاً، بل كان مؤاخذاً به ظلماً، فإنها وإن لم تنفذ في حق المكفول له لكونه ظالماً، إلا أنها تنفذ في حق المكفول إذا أذن بها أو طلبها، فيجب عليه أداء المال للكفيل لو أداه عنه بمقتضى الكفالة، نظير ما تقدم في المسألة الأخيرة من كفالة النفس.

الفصل الثالث

في الضمان

وهو عبارة عن تحمل شخص ديناً في ذمة آخر، بحيث تنشغل ذمته بالدين وتفرغ منه ذمة المدين. والمتحمل هو الضامن، والمدين الأول هو المضمون عنه، وصاحب الدين هو المضمون له. ويكفي في إنشائه كل ما يدل على الالتزام بالمضمون المذكور من قول أو فعل، كما تقدم في غيره من العقود.

(مسألة 1): الضمان عقد بين الضامن والمضمون له، فلابد من صدوره عن اختيارهما، ولا يقع مع الإكراه كسائر العقود، كما لابد فيه من كونهما بالغين عاقلين غير محجور عليهما بسفه. وأما عدم الحجر بالفلس فالظاهر اشتراطه في المضمون له إذا كان نفوذ الضمان منافياً لمقتضى الحجر، ولا يعتبر في الضامن، غايته أن المضمون له لا يشارك الغرماء في أمواله التي هي مورد الحجر، ويأتي التعرض لذلك في كتاب الحجر إن شاء الله تعالى. أما المضمون عنه فلا يعتبر رضاه، كما لا يعتبر فيه ما سبق، بل يصح الضمان عنه وإن كان ميتاً.

(مسألة 2): إذا كان الضامن والمضمون له قاصرين لصغر أو جنون قام وليهما مقامهما، كما يقوم وكيلهما مقامهما لو كانا كاملين.

(مسألة 3): لابد في الضمان من ثبوت الدين في ذمة المدين، سواء كان لازماً ـ كالقرض ـ أم متزلزلاً ـ كثمن المبيع في زمن الخيار ـ فمع عدم ثبوته لا يصح ضمانه، سواء تحقق سببه، كالجعل في الجعالة قبل العمل، أم لم يتحقق، كثمن المبيع قبل البيع. كما لابد في الضمان أيضاً من كون الحق ذمياً، ولا يجري في الأعيان المضمونة كالمغصوب. نعم تصح الكفالة في جميع ذلك من دون أن تبرأ بها ذمة من عليه الحق، كما تقدم.

(مسألة 4): إذا لم يكن الضمان بإذن المضمون عنه لم يكن للضامن الرجوع عليه بما أدى من الحق، أما إذا كان بإذنه فله الرجوع عليه بما أدى، ولا يجوز الرجوع عليه بما لم يؤده لعجز أو إبراء، وكذا لو صالح على الدين بما هو دونه، فإنه ليس له الرجوع إلا بما صالح به.

(مسألة 5): الضمان من العقود اللازمة، فلا يجوز الرجوع فيه للضامن ولا للمضمون له، بل لا يمكن حله حتى بالتقايل منهما، ولا يصح شرط الخيار فيه، كما لا يثبت فيه خيار تخلف الشرط أو الوصف، فإذا رضي المضمون له بالضمان بشرط أن يفعل الضامن شيئاً أو بشرط أن يكون موسراً، فلم يفعل الضامن ذلك الشيء أو بان إعساره حين الضمان لم يكن للمضمون له الفسخ، سواء كان الشرط صريحاً أم ضمنياً. نعم إذا كان الضمان بإذن المضمون عنه فالظاهر صحة شرط الخيار فيه، وثبوت خيار تخلف الشرط أو الوصف فيه إذا كان الاشتراط بإذنه أيضاً. كما أن الظاهر إمكان التقايل فيه بإذن المضمون عنه، بحيث يرضى الثلاثة بحله ورفع اليد عنه.

(مسألة 6): يجوز ضمان الدين الحال مؤجلاً، بحيث لا يستحق المضمون له المطالبة إلا بعد الأجل، كما يجوز العكس، وهو ضمان الدين المؤجل حالاً.

(مسألة 7): إذا أمر شخص صاحب المال بإتلاف ماله، فإن كان الإتلاف محرّماً ـ لكونه تبذيراً ـ وعلم صاحب المال بذلك لم يكن عليه ضمانه، حتى لو تعهد بضمانه على تقدير الإتلاف، كما لو قال: أحرق ثوبك وعلي قيمته، وإن لم يكن محرّماً ـ لوجود غرض عقلائي مخرج له عن التبذير ـ أو كان محرّماً ولم يعلم صاحب المال بذلك، فإن فهم صاحب المال إرادة الآمر المجانية فلا ضمان أيضاً. وكذا إذا وجب الإتلاف على صاحب المال وكان الأمر به من باب الأمر بالمعروف. وفي غير ذلك يتعين الضمان، سواء صرح الآمر بالضمان أم لا، لكن ذلك ليس من الضمان الذي هو محل الكلام، بل هو نظير الضمان بالاستيفاء الذي تقدم في المبحث الأول من خاتمة كتاب الإجارة.

الفصل الرابع

في الحوالة

والمراد بها تحويل المدين للدائن بدينه على غيره، بحيث تبرأ ذمة المدين من الدين وتنشغل به ذمة ذلك الغير. والمدين الأول هو المحيل، والدائن هو المحال، وقد يسمى بالمحتال، والذي يحوّل عليه الدين هو المحال عليه. ويكفي في إنشائها كل ما دل على الالتزام بالمضمون المذكور من قول أو فعل.

(مسألة 1): لابد في الحوالة من رضا المحيل والمحال، أما المحال عليه فلابد من رضاه أيضاً إذا كان بريئاً غير مدين للمحيل، وكذا إذا كان مديناً له وكانت الحوالة بغير الجنس، كما إذا كان مديناً له بدراهم فأحال عليه بدنانير، وأما إذا كان مديناً وكانت الحوالة بنفس الجنس، فإن أريد بالحوالة عليه الحوالة على ذمته ابتداء ـ ولو لتخيل كونه بريئاً ـ فلابد من رضاه أيضاً، وإن أريد بها الحوالة على الدين الثابت في ذمته فلا يعتبر رضاه.

(مسألة 2): لابد في المحيل والمحال من البلوغ والعقل وعدم الإكراه، كما يجب ذلك في المحال عليه في المورد الذي يعتبر فيه رضاه.

(مسألة 3): يعتبر عدم الحجر بسفه أو فلس في المحال والمحال عليه في كل مورد يكون نفوذ الحوالة منافياً لمقتضى الحجر. ولا يسعنا تفصيل ذلك، بل قد يظهر بالتأمل وبملاحظة ما يأتي في كتاب الحجر.

(مسألة 4): تجوز الحوالة على البريء ـ غير المدين للمحيل ـ بإذنه، كما أشرنا إليه، فإن ابتنت الحوالة على رجوعه على المحيل بما أحال عليه انشغلت ذمة المحيل له بمثل الذي أحال به، وإن ابتنت على تبرع المحال عليه فلا تنشغل ذمة المحيل له بشيء.

(مسألة 5): إذا تم عقد الحوالة بشروطه برئت ذمة المحيل من الدين الذي أحال به للمحال، وبرئت ذمة المحال عليه إذا كان مديناً للمحيل من مقدار الدين الذي أحال به عليه، وانشغلت ذمة المحيل للمحال عليه بمثل الدين الذي أحال به إذا كان المحال عليه بريئاً وكان مبنى الحوالة على رجوعه على المحيل بما أحال عليه، ولا يتوقف شيء من ذلك على أداء المحال عليه للمحال الدين الذي أحيل به.

(مسألة 6): لابد في الحوالة من ثبوت الدين في ذمة المحيل حينها، ولا يكفي حصول سببه ـ كالجعل في الجعالة قبل العمل ـ فضلاً عن توقع ثبوته من دون ذلك، كثمن المبيع قبل البيع.

(مسألة 7): الحوالة كالضمان في اللزوم، وعدم إمكان شرط الخيار وغيره إلا إذا كانت بإذن المحال عليه، فيمكن فيها شرط الخيار وغيره والتقايل، نظير ما تقدم في الضمان. نعم إذا كان المحال عليه معسراً حين الحوالة ولم يعلم المحال بإعساره كان له الخيار إذا علم بعد ذلك. وإذا زال إعساره قبل الفسخ ففي بقاء الخيار إشكال، كالإشكال في ثبوت الخيار إذا كان بناء المحال عليه على الاقتراض أو الاستيهاب أو نحوهما وكان يمكنه ذلك، بل الأظهر هنا عدم الخيار.

تتميم

الحوالة المصطلحة للفقهاء والتي دلت عليها النصوص هي الحوالة بالمعنى المتقدم المبتني على نقل الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه. أما الحوالة المعروفة في زماننا هذا فهي عبارة عن طلب المحيل من المحال عليه دفع المال عنه للمحال من دون أن تنشغل ذمة المحال عليه للمحال بشيء. ويترتب على ذلك اُمور..

الأول: أنه لا يعتبر في المال المحال به أن يكون ديناً ثابتاً فعلاً في ذمة المحيل، بل كما يكون كذلك يكون ثمناً في بيع حين الحوالة، كما إذا اشترى المحيل شيئاً بثمن يأخذه المشتري من المحال عليه، أو يكون ديناً آيلاً إلى الثبوت، كالجعل في الجعالة قبل العمل، وثمن المبيع قبل البيع، بل يمكن أن يكون مالاً متبرعاً به.

الثاني: أنه لا يعتبر رضا المحال إلا حيث يكون له الامتناع عن أخذ المال المحال به، كما إذا كان ثمناً في بيع، حيث يجوز له الامتناع عن إطلاق الثمن بحيث يشمل المال المحال به، بخلاف ما إذا كان ديناً في ذمة المحيل، فإنه حيث يكون تعيين الوفاء تابعاً للمدين فإذا كان إطلاق الدين يشمل المال المحال به وعيّن المدين الوفاء به لم يكن للدائن الامتناع عن قبضه.

وأما المحال عليه فقد يكون ملزماً بقبول الحوالة، كما إذا كان وكيلاً للمحيل، أو كان بينهما عقد ملزم بالدفع عند التحويل.

الثالث: إذا دفع رجل إلى آخر مالاً في بلد ليأخذ بدله في بلد آخر، فإن اختلف المالان في الجنس فلا إشكال، كما لو دفع في العراق ديناراً عراقياً ليأخذ بدله في خارج العراق عملة اُخرى، لرجوعه إلى بيع إحدى العملتين بالاُخرى. وإن اتفقا في الجنس، فله صور ثلاث..

الاُولى: أن يكون المدفوع أولاً أقل من المأخوذ بدلاً عنه، كما لو دفع في العراق ألف دولار على أن يأخذ في الخارج ألفاً وخمسين دولاراً، وحينئذٍ إن كان الدفع بعنوان القرض كانت الزيادة ربا محرّماً، وإن كان بعنوان البيع، بأن يبيعه ألف دولار في العراق بألف وخمسين دولاراً في الخارج كان حلالاً، لعدم حرمة الزيادة في العوضين في المعدود. نعم الأحوط وجوباً عدم الزيادة المذكورة مع انحصار الفرق بالزمن، كما لو باعه ألف دولار معجلة بألف وخمسين دولاراً مؤجلة إلى شهر مثلاً من دون فارق من جهة اُخرى كالمكان.

الثانية: أن يكونا متساويين، فيحل في البيع والقرض، لأن شرط اختلاف المكان لايحرم بالقرض، كما تقدم.

الثالثة: أن يكون المدفوع أولاً أكثر من المأخوذ بدلاً عنه، كما لو دفع في العراق ألف دولار على أن يأخذ في الخارج تسعمائه وخمسين دولاراً، والظاهر جواز ذلك مطلقاً، سواء كان بعنوان البيع أم بعنوان القرض، لأن أخذ الزيادة إنما تحرم على الدائن لا على المدين.

والحمد لله رب العالمين.