بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

28 أغسطس 2011

حوالة الدين في القانون المدني




تعتبر حوالة الدين بمثابة اتفاق ( عقد ) بين طرفين على نقل عبء الدين من ذمة المدين الأصلي إلى ذمة مدين جديد يحل محله .

ـ ما الفرق بين حوالة الدين و الإنابة الناقصة ؟

# حوالة الدين تؤدي إلى براءة ذمة المدين الأصلي قبل الدائن .

# أما الإنابة الناقصة فتقتصر على ضم مدين جديد إلى المدين القديم . ( وسندرس الإنابة القاصرة لاحقاً ) .

ـ ما الفرق بين حوالة الدين و الاشتراط لمصلحة الغير ؟

1ـ حوالة الدين تؤدي إلى براءة ذمة المدين الأصلي قبل الدائن .

أما في الاشتراط لمصلحة الغير فلا تبرأ ذمة المشترط ـ إذا كان أصلاً مديناً للمنتفع ـ إلا إذا أبرأه هذا الأخير باتفاق آخر .

2ـ كما أنه يترتب على حوالة الدين انتقال نفس الدين بصفاته و دفوعه و تأميناته إلى المدين الجديد .

بينما في الاشتراط لمصلحة الغير ينشأ دين جديد بين المنتفع و المتعهد .



انـعقاد حوالة الديـن

تنعقد حوالة الدين بموجب اتفاق :

ü ـ إما بين المدين بالالتزام و المدين الآخر الذي انتقل إليه الدين ، و يسمى المحال عليه : و في هذه الحالة لا بد من إقرار الدائن لهذه الحوالة حتى تكون نافذة في حقه .

ü ـ و إما بين الدائن و المحال عليه : و في هذه الحالة لا يشترط رضا المدين بالحوالة أو إقراره لها .

أولاً ـ الاتفاق على حوالة الدين بين المدينين :

يقصد بالاتفاق على حوالة الدين بين المدينين ، انعقاد الحوالة بين المدين الجديد ( المحال عليه ) والمدين الأصلي ( المحيل ) ، و هنا تتم الحوالة حقيقة باتفاق الطرفين .

ويشترط لنفاذ هذه الحوالة شرطان هما :

1 ـ خضوعها للقواعد العامة في انعقاد العقود .

2 ـ إقرارها من قبل الدائن .

1) ـ خضوعها للقواعد العامة في انعقاد العقود :

تخضع حوالة الدين باعتبارها عقداً للقواعد العامة في انعقاد العقود و صحتها .

فلا بد من وجود رضا صادر عن شخص كامل الأهلية و خال من العيوب .

كما يجب وجود محل ، و أن يكون مستوفياً لشروطه القانونية . و المحل هنا هو الدين المحال .

و لكن لا يشترط في حوالة الدين أن ترد على دين منجز ، فقد يكون محل الحوالة ديناً حالاً أو مستقبلاً غير مستحق الأداء ، و قد يكون محلها أيضاً مضافاً إلى أجل واقف أو معلقاً على شرط واقف .

( ملاحظة : أيضاً لا يشترط في حوالة الحق أن ترد على حق منجز ) .

2) ـ إقرارها من قبل الدائن :

لا يعتبر إقرار الدائن لحوالة الدين , التي يتفق عليها المدين و المحال عليه ، شرطاً

لتمام الحوالة ، و إنما لمجرد نفاذها في حق الدائن .

و سنتكلم عن إقرار الدائن للحوالة ، ثم عن رفضه لها .



أ - إقرار الدائن للحوالة :

إقرار الدائن للحوالة يعني موافقته على حوالة الدين التي تمت بين المدين و المحال عليه ، وقبول نفاذ آثارها بحقه .

و المقصود بنفاذ الحوالة في حق الدائن إمكانية الاحتجاج عليه بآثارها و إجازة تمسكه بها ... بمعنى أن انتقال الدين الأصلي إلى المدين الجديد يكون سارياً في مواجهة الدائن ، و تبرأ ذمة الأول , و يصبح الثاني هو وحده المدين للدائن .

ويعتبر إقرار الدائن للحوالة تصرفاً بإرادة منفردة ، و ليس قبولاً ينعقد به عقد جديد .

و إذا تم هذا الإقرار استند أثره إلى تاريخ انعقاد الحوالة حيث يعتبر المحال عليه في علاقته مع الدائن خلفاً خاصاً للمحيل من تاريخ الاتفاق على الحوالة .

و هكذا ، فإقرار الدائن لحوالة الدين هو السبيل الوحيد لنفاذها في حقه ، فهي لا تنفذ بتبليغه إياها ، على خلاف حوالة الحق .

ـ شكل الإقرار :

لا يتطلب القانون شكلاً معيناً للإقرار ، فيكفي إخطار من الدائن إلى أحد المتعاقدين أنه يقر الحوالة التي تمت بينهما .

و قد يكون الإقرار صريحاً أو ضمنياً .

ـ مثال على الإقرار الضمني : قبول الدائن الوفاء من المحال عليه ببعض الدين أو بالفوائد المستحقة عنه ، مع علمه بالحوالة و دون تحفظ .

و لا ينتج إقرار الدائن للحوالة أثره إلا إذا وصل إلى علم من وجه إليه ، فإذا وصل إلى علم المدين أو المحال عليه ، فلا يجوز لهما بعد ذلك العدول عن الحوالة ، أما قبل وصول هذا العلم إليهما ، فإنه يجوز لهما العدول أو التعديل في الحوالة .

ب ـ رفض الدائن للحوالة :

يؤدي رفض الدائن الإقرار بالحوالة إلى اعتبارها غير سارية في مواجهته ، إلا أن العقد الذي تم بين المدين و المحال عليه يبقى قائماً و ملزماً للمحال عليه في مواجهة المدين لوفاء الدائن في الوقت المناسب .

و قد يرفض الدائن الحوالة رفضاً صريحاً أو ضمنياً .

و من صور الرفض الضمني : أن يبلغ المحيل أو المحال عليه الدائن بالحوالة و يعين له أجلاً معقولاً ليقرها ، فإذا انقضى الأجل دون أن يستبين موقف الدائن من الحوالة اعتبر سكوته رفضاً لها .

ـ عدم تحديد الدائن موقفه بالإقرار أو الرفض :

إذا لم يحدد الدائن موقفه من الحوالة إقراراً أو رفضاً ، كان المحال عليه ملزماً تجاه المدين الأصلي بالوفاء للدائن في الوقت المناسب ما لم يوجد اتفاق يقضي بغير ذلك ، و يسري هذا الحكم و لو رفض الدائن الحوالة .

و لكن لا يجوز للمدين الأصلي أن يطالب المحال عليه بالوفاء للدائن ما دام هو لم يقم بما التزم به نحو المحال عليه بمقتضى عقد الحوالة .



ثانياً ـ الاتفاق على حوالة الدين بين الدائن و المحال عليه :

ـ ما المقصود بالاتفاق على الحوالة بين الدائن و المحال عليه ؟

المقصود بذلك أن يتم الاتفاق على حوالة الدين بواسـطة عقد بين الدائن و المحال عليه مباشرة ، دون رضا من المدين الأصلي و دون مشاركة منه ، لأن القاعدة في الوفاء أنه يجوز من غير المدين ، و لا يضر هذا الأخير أن تبرأ ذمته ، ولا أن يتحمل غيره ما كان عليه من دين .

و يجب أن يقع اتفاق الحوالة على الدين ذاته ، حتى ينتقل الدين إلى المدين الجديد ،

و يجب أن يكون الاتفاق بنية الحوالة .

[ ملاحظة : تنعقد الحوالة بين الدائن و المحال عليه ، دون موافقة المدين , استناداً للقاعدة التي تجيز للأجنبي أن يفي بالدين أو يتحمله عن المدين دون حاجة لرضا المدين ] .

ـــ أثر عدم اشتراك المدين في حوالة الدين التي تتم بين الدائن و المحال عليه :

يظهر أثر عدم اشتراك المدين في حوالة الدين التي تتم بين الدائن و المحال عليه من ناحيتين :

1 ـ يكون رجوع المحال عليه على المدين الأصلي بما يوفيه للدائن على أساس الإثراء بلا سبب ، لأن الحوالة لم تتم بتدخل المدين .

2ـ لا يلتزم المدين بضمان يسار المحال عليه .



آثار حوالة الدين باتفاق المدين و المحال عليه

يترتب على هذه الحوالة ثلاثة آثار تمس جميع أطراف الحوالة , و بالتالي سنتكلم عن :

أولاً : علاقة المحيل بالمحال عليه .

ثانيا : علاقة الدائن بالمحال عليه .

ثالثاً : علاقة الدائن بالمحيل .

أولاً ـ علاقة المحيل بالمحال عليه :

إذا انعقدت الحوالة باتفاق المدين الأصلي و المحال عليه فيجب هنا التمييز بين مرحلتين :

أ ) ـ قبل إقرار الدائن الحوالة أو عند رفضها :

في هذه المرحلة إذا سكت المتعاقدان عن تنظيم آثار الحوالة قبل إقراراها بمعرفة الدائن , أو بعد رفضها ، فيكون المحال عليه ملزماً قبل المحيل بالوفاء للدائن في الوقت

المناسب .

فإذا قام الدائن بمطالبة المدين قضائياً ، حق له الرجوع على المحال عليه , باعتبار أنه تعهد بالوفاء عنه ليجنبه هذه المطالبة , فإن تخلف عن الوفاء كان للمدين المحيل أن يرجع عليه بالتعويضات .

ب ) ـ بعد إقرار الدائن الحوالة :

المحال عليه قد يقصد من تحمل تبعة الدين :

ü إما إقراض المدين ما يعادل مبلغ الدين ، و عندئذٍ يلتزم المدين الأصلي بالمقابل وفقاً للشروط و في المواعيد التي حددها الاتفاق على الحوالة .

ü و إما التبرع له به ، و بالتالي لا يكون له الرجوع على المدين الأصلي .



ثانيا ً ـ علاقة الدائن بالمحال عليه :

تختلف علاقة الدائن بالمحال عليه قبل إقرار الحوالة عنها بعد إقرارها :

# حيث أنه قبل إقرار الدائن للحوالة ، ليس للدائن أي حق قبل المحال عليه ، و ليس له التمسك بالحوالة ما دام إقراره لم يصل إلى المحيل أو المحال عليه .

# أما بعد إقرار الحوالة و اتصال هذا الإقرار بعلم من وجه إليه فإن الدين ينتقل من المدين الأصلي إلى المحال عليه ، و يصبح الأخير مديناً للدائن من تاريـخ انعقاد الحوالة ، تطبيقاً لفكرة الأثر الرجعي للإقرار .



و يترتب على انتقال نفس الدين إلى المحال عليه :

1 ـ احتفاظ الدين بصفته التي كانت لدى المدين الأصلي .

2 ـ تبقى للدين المحال به ضماناته :

و مع ذلك لا يبقى الكفيل ـ عينياً كان أم شخصياً ـ ملتزماً قبل الدائن إلا إذا رضي هذا الكفيل بالحوالة .

3 ـ انتقال الدين إلى المحال عليه بدفوعه :

فقد نصت المادة 320 من القانون المدني على أنه :

« للمحال عليه أن يتمسك قبل الدائن بالدفوع التي كان للمدين الأصلي أن يتمسك بها ، كما يجوز له أن يتمسك بالدفوع المستمدة من عقد الحوالة » .

أ ـ فيستطيع المحال عليه التمسك في مواجهة الدائن بما كان للمدين الأصلي من دفوع :

فمثلاً : يكون للمحال عليه التمسك في مواجهة الدائن ببطلان التصرف المنشئ للدين المحال به ، لسبب يرجع إلى الرضا أو عدم توفر شروط المحل ، أو عدم مشروعية السبب ...

كذلك الدفع بالإبطال بسبب نقص أهلية المدين الأصلي ، أو بسبب عيب شاب إرادته .

و من هذه الدفوع ما يرجع إلى فسخ العقد الذي نشأ بموجب الدين ...

فمثلاً : إذا كان المدين الأصلي مشترياً لم يدفع الثمن ، و لم يقم البائع بتسليمه المبيع ، و كان يحق للمشتري دفع مطالبة الدائن بفسخ العقد ، فإنه يحق للمحال عليه أن يطلب الفسخ بدلاً منه .

و إذا انقضى الدين بأي سبب من أسباب الانقضاء ، كان للمحال عليه التمسك به ، سواء تم الانقضاء بالوفاء ، أو بما يقوم مقامه ، كالتجديد أو استحالة التنفيذ أو الإبراء أو التقادم .

ب ـ الدفوع التي نشأت عن عقد الحوالة : يمكن للمحال عليه التمسك بالدفوع المستمدة من عقد الحوالة ، كالدفع ببطلان الحوالة لأي سبب كان ، و الدفع بعدم الوفاء .



ثالثاً ـ علاقـة الدائـن بالمحيل :

يظل المدين الأصلي ملزماً بالدين ما دام لم يقر الدائن الحوالة , أما إذا أقرها فتبرأ ذمة المدين الأصلي .

غير أنه من غير المعقول أن يقر الدائن الحوالة إلا على أساس يسار المحال عليه . ولهذا تنص المادة 319 من القانون المدني على أنه : « يضمن المدين الأصلي أن يكون المحال عليه موسراً وقت إقرار الدائن للحوالة ، ما لم يتفق على غير ذلك » .



آثار حوالة الدين باتفاق الدائن و المحال عليه

إذا انعقدت الحوالة نتيجة اتفاق بين الدائن و المحال عليه مباشرة دون تدخل المدين الأصلي ، فالحوالة في هذه الصورة تنتج جميع آثارها ، و تكون نافذة في حق الدائن و في حق المدين الأصلي بمجرد انعقادها ، و تؤدي إلى براءة ذمته من الدين بمجرد انعقادها ، و دون حاجة إلى رضائه بذلك .

و تترتب على ذلك الآثار التالية :

1 ـ انتقال الدين إلى المحال عليه بصفته و تأميناته و دفوعه : فتبقى تأمينات ( ضمانات ) الدين ، باستثناء الكفالة الشخصية و العينية .

كذلك يحق للمحال عليه التمسك قبل الدائن بالدفوع المتعلقة بالدين المحال به ، وبأوجه الدفع الخاصة بشخصه .

2 ـ عدم ضمان يسار المحال عليه : فلا يضمن المدين الأصلي يسار المحال عليه ، لأن الحوالة تمت بمعزل عنه ، لذلك يتحمل الدائن وحده تبعة إعسار المدين الجديد .

إذاً : في حوالة الحق ، يتم انتقال الحق بعقد بين الدائن و من يخلفه ، دون حاجة إلى مشاركة المدين ، لأنه يستوي لدى المدين لمن يكون الوفاء .

ولكن يختلف الأمر في حوالة الدين ، فلا يمكن أن يخلف مدين جديد المدين الحالي في الدين دون مشاركة من الدائن ، إذ أن تغيير شخص المدين يؤثر تأثيراً جوهرياً في مصالح الدائن , و لا يمكن أن يجبر الدائن على قبول مدين جديد قد يكون معسراً بدل مدينه الحالي .

ليست هناك تعليقات: