بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

13 أغسطس 2010

أحكام خطاب الضمان / ماهية خطابات الضمان وأهميتها




خطاب الضمان البنكي





الفصل

التمهيدي : أحكام خطاب الضمان



تمهيد وتقسيم:



ابتكر العرف المصرفي ما يسمى بالضمانات البنكية المستقلة، أو ما يطلق عليه بخطاب

الضمان المستقل.

وقد ارتبط ظهوره وتطوره بالمعطيات الاقتصادية الجديدة، التي افرزها محيط التجارة

الدولية، والذي كان من شأنه التأثير في خصوصية تقنيات الضمان التقليدية التي كانت

تتداول على مستوى الصفقات التجارية الدولية.

هذا التطور كان من طبيعة إحلال خطابات الضمان البنكية أو الضمانات المستقلة كظاهرة

قانونية حديثة مركز الصدارة في مجال التأمينات الشخصية، وذلك بفضل الأهمية العملية

التي تتميز بها.

والحقيقة أن خطابات الضمان البنكية نشأت لدى العديد من الدول، كفرنسا وألمانيا

وغيرهما، ثم انتشرت في كل بقاع العالم لتكون أداة فعالة في إبرام الصفقات سواء على

المستوى المحلي أو الدولي.

وحتى نتمكن من سبر أغوار هذا المولود الجديدة الوارد على الساحة القانونية، لابد

من البحث عن كنه وماهية خطاب الضمان، والبحث عن أهميته وجدواه سواء على المستوى

الاقتصادي أو القانوني (المبحث الأول). على أن نحاول إيجاد سر تفوقه على باقي

التأمينات الشخصية، من خلال مقارنته ببعض الأنظمة القانونية المشابهة له (المبحث

الثاني).





المبحث

الأول: ماهية خطابات الضمان وأهميتها





تعتبر خطابات

الضمان البنكية من أهم الأعمال المصرفية التي تضطلع بها البنوك في مجال النشاط

الاقتصادي، إذ ساعدت على تشجيع وازدياد حركة التجارة الدولية، باعتبارها إحدى

وسائل الضمان الواسعة الانتشار في مجال التجارة.

إلا أن مسألة تحديد ماهية خطاب الضمان تعترضها صعوبات كثيرة تتمثل خصوصا في تعدد

التسميات المتداولة ( ) للتعبير عن مفهوم هذا النظام، وذلك نتيجة لإختلاف وتعدد

صور وأنواع خطابات الضمان تبعا لتنوع المعاملات التي تستلزم وجود هذا النوع من

الضمان.

وللإحاطة بهذا المبحث سنتناول في المطلب الأول ماهية خطابات الضمان، على أن نتناول

أهمية هذه الخطابات بالنسبة لأطرافها في المطلب الثاني.





المطلب

الأول: ماهية خطابات الضمان

تجدر الإشارة

بداية إلى تعدد التعريفات القانونية والقضائية والفقهية لخطابات الضمان، إلا أن

هذا لا يعني اختلافها، فهي وإن اختلفت من حيث الصيغة فإنها تتفق في جوهرها

ومبادئها وأحكامها، وأهم هذه المبادئ الالتزام بالوفاء لدى الطلب دون التمسك بدفوع

مستمدة من علاقات أخرى.

وسنعمل على جرد أهم هذه التعريفات في الفقرة الأولى، على أن نتطرق في الفقرة

الثانية لخصوصيات ومميزات خطاب الضمان.

الفقرة الأولى: تعريف خطاب الضمان

سنتناول تعريف خطاب الضمان من خلال بعض الاجتهادات القضائية والفقهية

(ثانيا) بعد أن نعمد إلى تعريفها من خلال بعض التشريعات الوطنية، والهيئات الدولية

(أولا).

أولا: تعريف خطاب الضمان من خلال بعض التشريعات الوطنية

والهيئات

الدولية:

تصدت بعض التشريعات والأنظمة القانونية لوضع أحكام خاصة تضبط مقتضيات

خطابات الضمان -رغم أنها تبقى قليلة- إذ حاول البعض منها تنظيم هذا النوع من

الضمان وتقنين أحكامه بما يحسم كل خلاف حول طبيعته القانونية.

فعلى مستوى الهيئات الدولية نشير إلى المجهودات التي بذلتها غرفة التجارة الدولية،

من أجل وضع قواعد موحدة بصدد هذا النوع من الضمانات، حيث عرفت الفقرة الأولى من

المادة الثانية من مشروع القواعد الموحدة حول الضمانات المستقلة، الصادرة بتاريخ 3

يناير 1991 والذي وضعته لجنة الممارسات التجارية الدولية، بتعاون مع اللجنة الخاصة

بالتقنيات المصرفية، خطاب الضمان ب “التزام خطي من قبل البنك أو شركة التأمين أو

أية هيئة أخرى أو أي شخص (و يطلق عليه الضامن) بدفع مبلغ نقدي وفقا لنصوص وشروط الضمانة

وذلك:

1)-بناء على طلب من الأمر وبمقتضى تعليماته.

2)-بناء على طلب أو تعليمات ومسؤولية معرفة أو شركة ضمان أو أية هيئة أو شخص

(ويسمى جهة مصدر التعليمات) لفائدة طرف أخر يسمى المستفيد” ( ).

ومن جهة أخرى فقد نصت المادة الثانية الفقرة: (أ) من نصوص إتفاقية الأمم المتحدة

لسنة 1995 على أنه “لأغراض هذه الإتفاقية يمثل التعهد إلتزاما مستقلا، يعرف في

الممارسة الدولية بأنه ضمان مستقل أو خطاب اعتماد ضامن مقدم من مصرف أو مؤسسة أخرى

أو شخص آخر ( )، بأن يدفع للمستفيد مبلغا معينا أو قابل للتعيين لدى تقديم مطالبة

بسيطة أو مطالبة مشفوعة بمستندات أخرى حسب أحكام التعهد، وأي من شروطه المستندية

تبين أو يستدل منها إستحقاق السداد بسبب تقصير في أداء إلتزام ما، أو بسبب حدث

طارئ آخر أو سداد المال مقترض أو مستلف أو سدادا لأي دين مستحق السداد واقع على

الأصيل أو شخص آخر” ( ).

ويتضح من خلال هذين التعريفين أن خطاب الضمان هو عبارة عن تعهد مستقل ومنفصل، قابل

للدفع لدى أول طلب تصدره مؤسسة مالية سواء أكانت بنكا أو مؤسسة أخرى أو شخص آخر،

وذلك بناءا على طلب العميل المضمون لمصلحة المستفيد، يلتزم بمقتضاه الضامن بالوفاء

دون معارضة الرجوع إلى السفر.

أما على مستوى التشريعات الوطنية فقد عرف قانون المعاملات التجاري الإمارتي خطاب

الضمان في المادة 414 بأنه “تعهد يصدر من المصرف الضامن بناء على طلب عميل له

(الأمر) بدفع مبلغ معين أو قابل للتعيين لشخص آخر (المستفيد) دون قيد أو شرط، مالم

يكن خطاب الضمان مشروطا إذا طلب منه ذلك خلال المدة العينة في الخطاب، ويوضح في

خطاب الضمان الغرض الذي صدر من أجله” ( ).

أما المشرع الكويتي ( ) فقد نص في المادة: 382 من قانون التجارة الصادر سنة 1980،

على أن خطاب الضمان “تعهد يصدر من بنك بناء على طلب عميل له (الأمر) بدفع مبلغ معين

أو قابل للتعيين لشخص أخر (المستفيد)، دون قيد أو شرط إذا طلب منه ذلك خلال المدة

المعينة في الخطاب، ويوضح في الخطاب الغرض الذي صدر من أجله”( ).

وبإجراء مقارنة بسيطة بين هذين النصين يتضح أن المشرع الإمارتي قد تحرى الدقة اكثر

من نظيره الكويتي، الذي اقتصر فقط على صورة واحدة من صور خطابات الضمان وهي تلك

التي يكون فيها تنفيذ الضامن لإلتزامه لدى أول طلب، بخلاف النص الإماراتي الذي

أعطى لأطراف العلاقة إمكانية الإتفاق على خلاف ذلك ( ).

أما قانون ألمانيا الإتحادية لـ 5 فبراير 1976 المتعلق بالعقود الإقتصادية فقد عرف

خطاب الضمان في المادة 251 كما يلي “بمقتضى الضمانة يلتزم أحد المتعاقدين (الضامن)

اتجاه متعاقد آخر (المستفيد)، بالوفاء بمبلغ نقدي معين في حالة تحقق الواقعة التي

حددتها الضمانة وذلك حتى حدود مبلغ معين” ( ).

أما المشرع المغربي فيعتبر خطاب الضمان عملية من العمليات الإئتمانية البنكية، وهو

ائتمان بالتوقيع، فقد جاء في المادة الثالثة من الظهير بمثابة قانون الصادر بتاريخ

6 يوليوز 1993 والمتعلق بمزاولة نشاط مؤسسة الإئتمان ومراقبتها ما يلي: “تشكل

عملية إئتمان تسري عليها مقتضيات هذا الظهير كل عقد يضع بمقتضاه شخص أو يلتزم بوضع

أموال رهن إشارة شخص آخر بمقابل، على أن يسددها هذا الشخص الأخير أو يتحمل لفائدته

إلتزاما بالتوقيع كالضمانة أو الكفالة أو أي توقيع أخر”.

وبالتالي فإن المشرع المغربي الذي أهمل تعريف وتنظيم الضمانات البنكية قد أحال

بصورة ضمنية على القواعد البنكية والحرفية الجاري بها العمل في هذا المجال.

وعلى العموم فإن التشريعات التي حاولت إعطاء مفهوم دقيق لخطاب الضمان تظل قليلة

وهو ما حاولت بعض الاجتهادات القضائية والدراسات الفقهية تداركه، وهذا ما سنتطرق

إليه في النقطة الموالية.

ثانيا: تعريف خطابات الضمان على ضوء بعض الاجتهادات

القضائية

والدراسات الفقهية:

دأب كل من الفقه والقضاء على إعطاء بعض التعاريف لخطاب الضمان.

فعلى مستوى الإجتهاد القضائي نجد محكمة النقض الفرنسية قد عرفت خطاب الضمان في

قرار لها بتاريخ 2 فبراير 1988 بأنه “يشكل ضمانة مستقلة، العقد الذي بمقتضاه يلتزم

البنك ويطلب من الأمر بأن يدفع سلفا نقذا معينا ودون أن يكون بإمكان المؤسسة

المالية تأخير الوفاء أو إثارة أي اعتراض كيفما كان نوعه”.

أما المحكمة الفدرالية الألمانية فقد ذهبت إلى أن “الضمانة هي عقد ملزم لجانب

واحد، والذي بمقتضاه يتحمل احد المتعاقدين (الضامن) مسؤولية تحقيق نتيجة اقتصادية

أو خطر معين، بمعنى الضرر الذي قد يتم عن العلاقة القانونية مع أحد من الغير”

ومن قضاء محكمة النقض المصرية والذي حاولت فيه تعريف “خطاب الضمان” نجد ما ورد فيه

الطعن رقم 1189 لسنة 49 قانونية لجلسة 13-2-1984، الذي جاء فيه بأن من مقتضى خطاب

الضمان أن يلتزم البنك وبمجرد إصداره ووصوله إلى المستفيد، بأداء المبلغ الذي

يطالب به هذا الأخير فور طلبه، بإعتباره حقا يحكمه خطاب الضمان، طالما كان هذا

الأداء في حدود التزام البنك المبين منه” ( ).

وقد جاء أيضا في قرار المحكمة الإتحادية العليا لدولة الإمارات ( ) بأن “خطاب

الضمان يعتبر من عمليات الإئتمان التي تباشرها المصارف، وبمقتضاه يلتزم المصرف

بدفع مبلغ الضمان المحدد في الخطاب إلى المستفيد، بمجرد الطلب خلال مدة معينة أو

بغير شرط، فهو التزام يتم بتصرف قانوني وبإرادة منفردة من المصرف، على اعتبارات

شخصية تراعى في العميل، وتتعلق بمركزه المالي، والثقة فيه، وفي قدرته على الوفاء

بالتزاماته للمستفيد، لأن توقفه على الوفاء بها من شأنه أن يعرض المصرف للمطالبة

بقيمة الضمان الوارد في الخطاب” ( ).

أما محكمة التمييز بدبي بنفس الدولة فقد ذهبت في القرار رقم 148 لسنة 1990 إلى أن

“خطاب الضمان يمكن أن يكون مشروط، ويكون خطاب الضمان غير مشروط حينما يكون من حق

المستفيد المطالبة بقيمة الضمان في أي وقت أثناء مدة سريانه، إذا قام بتأكيد إخلال

صاحب الحساب المضمون، وذلك دون حاجة إلى اللجوء إلى أي شخص أو جهة للحصول منها على

مستندات تؤيد المطالبة، ويكون الضمان مشروط إذا صدر بشروط تلزم المستفيد بتقديم

مستندات أو أوراق معينة، بغرض مساندة مطالبته، وتكون هذه المستندات أو الأوراق

مطلوبة من قبل صاحب الحساب المضمون، وهذا الالتزام لا ينفي عن تعهد المصرف

إستقلاليته مادام لا يكون للمصرف – بمقتضى الخطاب –سلطة التحقق من صدق المستند، بل

يكفي أن يكون صادقا في ظاهره لكي يستحق المستفيد مبلغ الضمان وتظل الإشتراطات مجرد

إجراءات شكلية لا تلزم المستفيد على التدليل على صدق ما يدعيه فيها” ( ).

والملاحظ أن قرار محكمة التمييز قد تفادي ما وقفت فيه المحكمة الإتحادية العليا

لدولة الامارات، والتي لم تعتد إلا بنوع واحد من الضمانات، وهي الضمانات لدى أول

طلب.

وعلى مستوى الدراسات الفقهية نجد الفقه قد درج على إعطاء مجموعة من التعاريف: فقد

عرفه “جمال الدين عوض” بأنه “تعهد نهائي يصدر من البنك بناء على طلب عميله (ونسميه

الأمر)، يدفع مبلغ نقدي معين أو قابل للتعيين، بمجرد أن يطلب المستفيد ذلك من

البنك خلال مدة محددة، ودون توقف على شرط آخر” ( ).

أما “عبد الحميد الشواربي” فقد عرفه باعتباره “تعهد كتابي صادر من البنك بناء على

طلب عميله، بأن يدفع لطرف ثالث وهو المستفيد مبلغا معينا من المال خلال مدة سريان

هذا الخطاب، وقد يكون خطاب الضمان غير مشروط فيوجب على البنك دفع القيمة عند أول

طلب من المستفيد بغض النظر عن أي اعتراض من عميله، وقد يكون خطاب الضمان مشروط

باشتراطات معينة منصوص عليها في متن خطاب الضمان يلزم توافرها أولا قبل دفع البنك

القيمة للمستفيد” ( ).

ومن جهته فقد عرفه « P. Mattout » على أنه “التزام بمقتضاه يقبل

الضامن بناء على طلب العميل القطعي الوفاء بصفته مدينا أصليا لدى مطالبة بسيطة

بمبلغ نقدي لمستفيد معين، طبقا لشروط ومقتضيات الضمانة، مع التنازل مسبقا عن

ممارسة أية رقابة خارجية حول شروط وضع الضمانة موضع التنفيذ”.

ولا يحيد بعض الفقه المغربي عن هذه الاتجاهات حيث عرفه البعض باعتباره “تعهد يتحمل

به أحد من الغير (الضامن) اعتبارا لعقد أصلي وبالاستقلال عنه بأن يدفع للدائن

(المستفيد) مبلغا نقديا وذلك تبعا لمقتضيات خطاب الضمان” ( ).

ومن خلال استعراض هذه التعاريف وغيرها، يتضح أن خطاب الضمان هو تعهد من جانب

الضامن (البنك) بدفع مبلغ نقدي معين أو قابل للتعين، خلال مدة معينة، اعتبارا

للعقد الأصلي وبالاستقلال عنه. دون إمكانية التمسك بأية دفوع.

يتضح إذن من مختلف التعريفات الخاصة بخطابات الضمان، أن هذه الأخيرة، تتميز

بمجموعة من الخصائص، وهو ما سنتعرض إليه في النقطة الموالية.





الفقرة

الثانية: خصائص خطابات الضمان

لا يمكن

إدراك وفهم كنه وماهية خطاب الضمان دون التطرق لمختلف الخصائص المميزة له، والتي

يمكن استنباطها من التعاريف السابق ذكرها.

فقد دأب كل من التشريع والفقه والقضاء على استخلاص مجموعة من الخصائص التي تميز

خطابات الضمان، لذلك سنحاول الوقوف عليها في النقط التالية.

أولا: استقلالية التزام البنك

يقوم خطاب الضمان على مبدإ استقلال التزام البنك عن العلاقة القائمة بين

المستفيد والعميل، لذا لا يجوز للضامن التمسك بالدفوع الناشئة عن العلاقات الأخرى،

ويترتب على ذلك التزام الضامن بالوفاء لدى أول طلب من جانب المستفيد، ورغم أية

معارضة من جانب العميل (الأمر) حتى ولو أصدر الأخير للبنك أمرا بعدم الدفع، وهو ما

نصت عليه صراحة المادة 29 من القانون التجاري العراقي بقولها أنه: “لا يجوز للمصرف

أن يرفض الأداء للمستفيد لسبب يرجع إلى علاقة المصرف بالأمر أو المستفيد، أو علاقة

الأمر بالمستفيد” ( ).

كما أكدت محكمة النقض المصرية بتاريخ 27/06/1994 ( ) على نفس الخاصية بقولها “أنه

من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن خطاب الضمان وإن صدر تنفيذا للعقد المبرم بين

البنك وعميله، إلا أن علاقة البنك بالمستفيد الذي صدر خطاب الضمان لصالحه هي علاقة

منفصلة عن علاقته بالعميل…”.

وفي هذا الصدد يقول الأستاذ “محسن شفيق” من الواضح أن كل رأي أو تفسير يهدف إلى

ربط التزام البنك بالتزام العميل الأمر أو إقامة علاقة سببية بينهما ينبغي أن

يستبعد لأنه يقوض خطابات الضمان من أساسها، ويقضي على الفائدة المرجوة منها”( ).

وهو نفس ما ذهب إليه الأستاذ سيملر Simler الذي يعتبر

“أن صفة استقلال الضمان ليست مجرد وصف للضمان بل هي لب فكرته وقلبها، وهي التي

تبعده عن الكفالة وتؤدي دورا جوهريا في معرفة وترتيب آثاره” ( ).

والجدير بالذكر، أن التزام البنك مستقل، لو كان متضامنا مع الغير، إذ أن هذا

التضامن لا ينفي عن إلتزام البنك صفة الإستقلالية.

ثانيا: قيام خطاب الضمان على الاعتبار الشخصي

ترى معظم الآراء ( ) إن حق المستفيد من خطاب الضمان من الحقوق ذات الطابع

الشخصي، أي أن له وحدة سلطة استعماله، وقد رتب أصحاب هذا الرأي على ذلك عدم جواز

التنازل عن خطاب الضمان من جانب المستفيد وعدم جواز تداوله، ومنهم الدكتور علي

جمال الدين عوض الذي يرى أنه “يترتب على أن الخطاب شخصي، أنه لا يجوز للمستفيد

تظهيره إلى غيره خاصة وأنه يتضمن شرط الإذن ولا يعتبر لذلك ورقة تجارية بل لا يجوز

له أن يتنازل عنه لأي شخص آخر بأي طريق حتى ولو بالتبعية لتنازله عن عقد المقاولة

الأصلي لأن شخصية المستفيد من الخطاب وأمانته محل اعتبار لدى البنك( ).

وقد نص مشرع القانون التجاري المصري في المادة 302 على أنه “خطاب الضمان لا يجوز

التنازل عنه من قبل المستفيد إلا بموافقة البنك” وتطبيقا لذلك لا يكتفي في حالة

تنازل المستفيد عن خطاب الضمان بمجرد إعلان المدين بل لابد من موافقة البنك( ).

ومن نتائج هذا الاعتبار الشخصي أنه لا يجوز تحويل العقد الأصلي، إلى شخص آخر لأن

التحويل يجعل تنفيذ الضمان غير مقبول سواء كان التحويل من جانب العميل الآمر إلى

آخر، أو من جانب المستفيد إلى غيره. ولهذا إذا توفي المستفيد وحل محله ورثته، أو

تغير شكل الشركة بحيث يغير من شخصيتها القانوية، فإنه لا يمكن تنفيذ الضمان من

جانب البنك ما لم يكن الأطراف قد اتفقوا في خطاب الضمان على استدراك مثل هذه

الوقائع، فيكون طلب تنفيذ الضمان متفقا مع مقتضيات خطاب الضمان ( ).

ثالثا: التزام البنك بالوفاء خلال الأجل المحدد ( ).

الخاصية الثالثة التي يتميز بها خطاب الضمان هي التزام الضامن بالوفاء خلال

الأجل المحدد لتقديم طلب الضمان، وكل وفاء بعد هذا التاريخ يعد وفاءا غير صحيح

ويتحمل البنك مغبته.

وقد يحدث أن يذكر في الضمان تاريخ انتهاء صلاحية التعهد، وكذلك عادة ما ينقضي

الضمان بوقوعه، وبالتالي ينتهي الضمان بحلول تاريخ انتهاء أو بوقوع الحادثة

المذكورة أيهما أولا. لذا فعلى البنك عدم إدراج أي مصطلح من شأنه أن يخلق غموضا

حول مدة الضمان لما يترتب عليه، لأن كل كلمة مدة تقديرية أو احتمالية غير كافية

لتحديد مدة الضمان.

رابعا: فورية التعهد بالضمان

يعتبر التعهد في خطاب الضمان مستحقا فور صدوره، وهذه الفورية هي خاصية

لازمة لوظيفة الخطاب، ذلك أن الدائن الذي يقبله ويرضى به بدلا من قبضه نقودا

فورية، يلزم أن يكون من حقه أن يطلب وفاء الخطاب فور صدوره، ولهذا فإن خطاب الضمان

لا يكون أبدا مستحقا في تاريخ لاحق لإصداره، وإلا فإن المستفيد الذي كان يطلب

النقود فورا لا يقبل بدلا منها نقودا مؤجلة ( ).

يتضح مما سبق أن خطابات الضمان من ابتكار وخلق الممارسة والعمل التجاري والعرف

البنكي، لم يكن لها أن تفرض وجودها على المستوى العملي لولا خصوصياتها القانونية،

وأهميتها ومزاياها العملية بالنسبة لأطرافها.





المطلب

الثاني: أهمية خطابات الضمان

تقوم خطابات

الضمان بدور هام في الحياة الاقتصادية حيث أنها تمثل بديلا عن التأمين النقدي

لضمان حسن تنفيذ الإلتزامات الناشئة بين المتعاقدين، وهي تمنح مزايا متعددة لكل

الأطراف سواء كان العميل (الآمر) طالب الإصدار (الفقرة الأولى)، أو المستفيد منه الذي

صدر لصالحه الضمان (الفقرة الثانية). أو البنك الذي أصدر خطاب الضمان (الفقرة

الثالثة).

الفقرة الأولى: أهمية خطابات الضمان بالنسبة للعميل

(الآمر)

يحقق خطاب الضمان للعميل عدة فوائد من قبيل حلوله محل التأمين النقدي الذي

يطلبه عادة المستفيد من العميل، فبدلا من تجميد المبالغ النقدية لدى الجهة

المستفيدة من الضمان، يقوم الآمر (العميل) باستصدار خطاب ضمان مستقل من بنك يحصل

به على رضا وقبول المستفيد للتعاقد معه، وبالتالي يمكن إستثمار هذه الأموال في

أوجه أخرى( ).

ومما لا شك فيه أن العمولة التي سيدفعها العميل للبنك مقابل إصداره لخطاب الضمان

ستكون أقل من سعر الفائدة التي يتحملها، لذا ما اقترض قيمة التأمين النقدي من

البنك.

وفي حالة ما إذا كان العميل مقيما بالخارج، فإن الضمان يغنيه عن تحويل العمولات

الأجنبية الموازية لقيمة التأمين الواجب تقديمه ثم إعادة تحويله مرة ثانية عند

انتهاء العملية أو عدم رسم العطاء عليه، وما يترتب على ذلك من آثار مالية نتيجة

تغيير أسعار الصرف لفترة ما بين تقديم التأمين وسحبه، وصعوبة تحديد الطرف الذي

يتحمل هذه الخسارة إن وجدت ( ).

الفقرة الثانية: أهمية خطابات الضمان بالنسبة للمستفيد

يعد صدور خطاب الضمان من بنك معتمد ضمانا كافيا من وجهة نظر المستفيد لا

تقل عما يؤديه التأمين النقدي المودع لديه، خاصة وأن خطاب الضمان يتضمن شروطا تجعل

التزام البنك الضامن التزاما مستقلا وملزما بالدفع دون أي قيد أو شرط، بالرغم من

اعتراض العميل، وقد أوضحت محكمة الاستئناف بباريز بتاريخ 24 نونبر 1981، هذا الأمر

بقولها بأن “مفهوم الضمان لدى أول طلب يفيد في الحد ذاته بأن المستفيد يستطيع

المطالبة بالوفاء بمبلغها بسرعة، وباتباع أقل الإجراءات الشكلية، والموضوعية” ( ).

ومن جهة ثانية يحقق خطاب الضمان للمستفيد مزية أخرى، تتمثل في تجنب المشاكل

الناتجة عن إيداع هذه المبالغ لديه، وإعادة سحبها في نهاية المدة، مع ما يترتب عن

ذلك من دفع تكلفة هذا الايداع وارتفاع قيمتها، حسب المدة التي قد تطول أو تقصر حسب

نوع كل عملية على حدة ( ).

ومن جهة ثالثة لا يخفى أن قبول خطاب الضمان بدلا من التأمين النقدي من الجهات

المستفيدة، يشجع الموردين والمقاولين على التقدم إلى المزايدات والمناقصات التي

يعلن عنها للمزايا التي يحققها خطاب الضمان لهم، من عدم ضرورة إيداع مبالغ نقدية

وتعطيلها عن الإستثمار، أو الإقتراض من البنك بفائدة مرتفعة، مما يترتب عليه حصول

الجهة المستفيدة على أفضل الشروط وأرخص الأسعار.

الفقرة الثالثة: أهمية خطاب الضمان بالنسبة للبنك

وأخيرا يستفيد البنك، من إصداره لهذه الخطابات، لأنه يتقاضى عمولة من عميله

تتناسب مع قيمة الضمان وأجله، ونوع العملية المطلوب تقديم خطاب الضمان عنها.

وخطاب الضمان لا تسدد قيمته للمستفيد في أغلب الأحوال، ولا يكلف البنك في إصداره

إلا نفاقات إدارية بسيطة إذا ما قورنت بعمليات مصرفية أخرى (مثل فتح الحسابات

الجارية وتقديم القروض…).

كما لا يتحمل البنك في النهاية خسارة إذا ما دفع قيمة الضمان، إذ يحتفظ عادة بغطاء

ويأخذ على العميل تعهدات كافية، تضمن له سداد هذه القيمة، ورجوعه على العميل هذا

فضلا على أن أموال العميل تشكل ضمانا عاما للبنك.

بالإضافة إلى ما سبق، فإن البنك يهدف من وراء إصدار خطابات الضمان تحقيق هدف آخر،

ألا وهو خدمة عملائه الذين تربطهم به علاقات مصرفية أخرى أكثر ربحا للبنك، (مثل

الحسابات الجارية، وتقديم القروض…). ( ).

ومن كل هذه المزايا التي تترتب عن الضمانة لفائدة أطرافها يتضح مدى تمييزها

وإختلافها عن التأمينات التقليدية المعروفة كالكفالة وغيرها، وهي من الأمور التي

كانت وراء اتساع مجالات استخدامها مقارنة بباقي الأنظمة المشابهة.





المبحث

الثاني: تمييز خطابات الضمان عن بعض الأنظمة المتشابهة





كما سبق القول

فخطاب الضمان هو تعهد نهائي يصدر من البنك بناء على طلب العميل بدفع مبلغ نقدي

معين أو مقابل للتعيين بمجرد أن يطلب المستفيد ذلك خلال مدة محددة، ودون قيد أو

شرط.

انطلاقا من هذا التعريف يتبين أن خطاب الضمان يقوم على علاقة ثلاثية تربط بين

أطراف العملية، وهو ما جعله يشتبه ببعض الأنظمة القانونية التي تقوم على نفس

الأساس، لذلك سيكون علينا تمييز خطاب الضمان عن الكفالة (المطلب الأول) ثم عن

الاعتماد المستندي (المطلب الثاني) وأخيرا عن الإنابة (المطلب الثالث).





المطلب

الأول: خطاب الضمان والكفالة

الكفالة عقد

بمقتضاه يضم شخص ذمته إلى ذمة مدين في تنفيذ إلتزامه، وهذا الإلتزام أكثر ما يكون

مبلغا من النقود فإذا لم يكن الالتزام المكفول مبلغا من النقود فإن الكفيل لا

يتعهد بالقيام بنفس العمل إذا تخلف عنه المدين، بل إنه يضمن ما عسى أن يحكم به على

المدين الأصلي من تعويض جراء إخلاله بالالتزام بإعطاء شيء غير النقود ( ).

ويعد التمييز بين الكفالة وخطاب الضمان من المسائل التي تثير إشكالات كثيرة على

مستوى الاجتهاد القضائي والفقهي.

فقد أدت حداثة ظهور خطاب الضمان في البداية إلى اعتباره مجرد نوع من الكفالة ولم

يكن الفقه والقضاء يجرآن على فصله عن النظام القانوني الذي يحكم الكفالات البنكية،

فقد ذهبت محكمة الاستئناف بباريز في قرار لها بتاريخ 15 يونيو 1973 إلى أن “بنود

الالتزام بالضمان وإن كانت تشير وبشكل واضح إلى أن البنك يلتزم بالدفع لدى أول طلب

فإن ذلك ليس من شأنه تعطيل مفعول مقتضايت الفصل 2036 من القانون المدني الفرنسي

والذي بمقتضاه يحق للكفيل التمسك بمواجهة الفاعل بكل الدفوع التي للمدين الأصلي

المتعلقة بالدين الأساسي”( ).

والحقيقة أنه رغم التشابه بين خطابات الضمان والكفالة في كون كل منهما يضيف إلى

ذمة مالية ذمة ثانية. مكلفة بالتزام اتفاقي أو قانوني، إلا أنهما مع ذلك يفترقان

في أن التزام المصرف بالدفع بالكفالة المصرفية مرتبط وتابعا لالتزام العميل

(المدين اتجاه الغير المستفيد) وللمصرف أن يقوم بالتنفيذ عينا وبطريق التعهد في

حالة تقاعس العميل عن الوفاء بالتزامه، أما في خطاب الضمان فإن التزام البنك مستقل

بذاته يتعهد فيه بأن يدفع المبلغ المبين في الخطاب بمجرد أن يطلب المستفيد منه

ذلك، وبغض النظر عن الالتزام الذي قدم لضمانه ذلك الخطاب.

لقد أوضحت المحكمة الإتحادية العليا لدولة الإمارات في قرار الطعن رقم 260 لسنة 17

نقض مدني لجلسة 19/03/1996، الفرق بين الكفالة المصرفية وخطاب الضمان بقولها “لما

كان البين من عبارة، كفالات الدفعة المقدمة، أنها وإن تشير في ديباجتها أنها صدرت

تنفيذا لعقود المقاولة (…)، إلا أنها تظمنت تعهدا من المصرف الطاعن بناء على طلب

عميلته شركة (…) بدفع قيمتها بالكامل أو جزئيا عند أول مطالبة خطية إلى المستفيد

دون اعتداء بأي اعتراض من قبل هذه الشركة الأخيرة، ومن ثم فإنها وفقا لصحيح

القانون، تعتبر خطابات الضمان ولا تعد من قبيل الكفالات المدنية أو المصرفية، التي

يعتبر فيها التزام الكفيل تابعا لالتزام المدين المكفول” ( ).

وانطلاقا مما سبق يبدو أن هناك فرقا جوهريا بين خطاب الضمان والكفالة المصرفية

يتمثل أساسا في العلاقة الناشئة بين الأطراف، ففي إطار الكفالة للكفيل أن يتمسك في

مواجهة الدائن بكل دفوع المدين الأصلي، سواء كانت شخصية له أو متعلقة بالدين

المضمون، وله أن يتمسك بهذه الدفوع، ولو برغم اعتراض المدين أو تنازله عنها، كما

أنه يمكنه أن يحتج بالدفوع التي هي خاصة بشخص المدين الأصلي كالإبراء من الدين

الحاصل له شخصيا.

أما في إطار خطاب الضمان فإن التزام البنك هو تعهد نهائي متقطع الصلة بالتزام

العميل مديونيته، لأن خطاب الضمان ينشئ بين البنك والمستفيد علاقة مباشرة لا صلة

لها من الناحية القانونية بين البنك والعميل، أو العميل والمستفيد.



المطلب الثاني: خطاب الضمان والاعتماد المستندي

يعرف الإعتماد المستندي بأنه “تعهد مشروط بالوفاء، وبعبارة أخرى هو تعهد

مكتوب من بنك يسمى (المصدر)، يسلم للبائع (المستفيد) وذلك بناء على طلب المشتري

(مقدم الطلب أو الأمر) وبالمطابقة لتعليماته، يستهدف القيام بالوفاء (أي بوفاء

نقدي أو قبول كمبيالة أو خصمها) في حدود مبلغ محدد خلال فترة معينة وفي نظير

مستندات مشترطة ( ).

انطلاقا من هذا التعريف يبدو أن هناك أوجه تشابه كثيرة بين خطاب الضمان والاعتماد

المستندي.

فكما هو شأن خطاب الضمان، فإن الاعتماد المستندي هو الآخر من خلق وابتكار العمل

والعرض البنكي، وذلك بقصد تسهيل المعاملات التجارية الدولية من جهة، ولحماية اطراف

العلاقات التعاقدية من جهة ثانية.

ويبرز القاسم المشترك أيضا بين خطاب الضمان والاعتماد المستندي، أساسا في صفة

استقلالية التزام البنك تجاه المستفيد وكفايته الذاتية في كلتا العملتين: ففي

الاعتماد المستندي تترتب عن هذه الإستقلالية النتائج التالية:

-استقلال الإعتماد المستندي عن عقد البيع.

-استقلال التزام البنك تجاه المستفيد عن العلاقة السابقة على إنشائه.

ويترتب على ما سبق عدم جواز عرقلة تنفيذ التزام البنك تجاه المستفيد عن طريق إثارة

الدفوع المستمدة من عقد البيع، أو من عقد فتح الإعتماد، طالما أن المستفيد تقدم

للبنك داخل مدة صلاحية الإعتماد المطابقة لشروط خطاب الضمان.

وفي خطاب الضمان سواء كان مستنديا أو لدى طلب نجد نفس الاستقلالية والتجريد،

فعلاقة البنك بالمستفيد الذي صدر خطاب الضمان لصالحه، هي علاقة منفصلة عن علاقته

بالعميل، إذ يلتزم البنك بمقتضى خطاب الضمان بمجرد إصداره ووصوله الى المستفيد

بوفاء المبلغ الذي يطالب به هذا الأخير باعتباره حقا له ( ).

وقد دفع هذا التشابه القائم بين الاعتماد المستندي وخطاب الضمان، على هذا المستوى

الفقه والقضاء في العديد من المناسبات، وعن طريق القياس إلى تمديد تطبيق نفس

النتائج والآثار التي تترتب عن صفة إستقلالية إلتزام البنك في إطار عملية الاعتماد

المستندي على الالتزام بالضمان. فالتزام البنك (الضامن) كما هو شأنه في حالة فتحه

لاعتماد مستندي قطعي يلتزم إتجاه المستفيد بالوفاء، دون أن يكون له الحق في

التراجع عن التزامه ولم تأثرت علاقته بالأمر وعلاقة هذا الأخير بالمستفيد، بطوارئ

معينة ( ).

كما دفع هذا التشابه أيضا بالعديد من الهيئات الحكومية والمؤسسات البنكية أثناء

عملية مناقشة مشروع قواعد الضمانات التعاقدية من طرف غرفة التجارة الدولية بتعاون

مع لجنة الأمم المتحدة سنة 1978 إلى اقتراح تطبيق نفس القواعد العامة التي يخضع

لها الإعتماد المستندي على الضمانات التعاقدية.

وإذا أمكننا ملاحظة بعض أوجه التشابه، فإن هناك بعض الاختلافات الواضحة بينهما،

حيث تعتبر خطابات الضمان عملية من عمليات الإئتمان البنكي غير المباشر وبطريق

التوقيع تهدف إلى تعويض المستفيد عن الأضرار التي تلحق به من جراء عدم تنفيذ

العميل (الأمر) لإلتزاماته التعاقدية، أما الإعتماد المستندي فهو من عمليات

الائتمان البنكي المباشر، ويهدف إلى ضمان حصول البائع على الثمن وهو بذلك لا يشكل

إلا جزءا من العملية المرتبطة بالاعتماد المستندي.

ومن الوجهة الاقتصادية فإن العمليتين معا تتقابلان أو يكمل بعضهما البعض، مادام أن

الاعتماد المستندي خصص للبائع (اعتماد التصدير) لضمان دفع الثمن من جانب المشتري،

وأن خطاب الضمان فهو توقيع خصص للمشري (اعتماد الاستيراد) والذي يضمن لهذا الأخير

تنفيذ الصفقة ( ).



المطلب الثالث: خطاب الضمان والإنابة (الوكالة)

ينص الفصل 217 من ق.ل.ع على أن الإنابة “تصرف بمقتضاه يحول الدائن حقوقه

على المدين لدائنه هو، وفاءا لما هو مستحق عليه له، وتكون الإنابة أيضا بتصرف من

يكلف أحدا من الغير بالوفاء عليه، ولو لم يكن هذا الغير مدينا لمن وكله عن

الوفاء”.

طلبا لمقتضيات هذا الفصل فإن الإنابة هي اتفاق ثلاثي الأطراف تقدم فيه المدين إلى

دائنه بمدين جديد للوفاء بدينه، يحل محله ويقضي التزامه فتكون إنابة كاملة أو ينضم

في المديونية فتكون إنابة قاصرة.

ويفسر بعض الفقهاء خطاب الضمان بأنه إنابة، تنضم فيها ذمة مدين إلى ذمة المدين

الأصلي، مما يطمئن الدائن إلى وجود ضمان قوي لإستيفاء حقه، ذلك أن الدائن بتنفيد

عقد مقاولة، يتفق مع المدين على أن يكتفي بتقديم مدين آخر يلتزم إلى جانب المدين

الأًصلي بالوفاء بالإلتزام المضمون بدلا من إيداع مبلغ نقدي، فإذا كان هذا المدين

الثاني هو البنك والتزم أمام الدائن بوفاء الدين، كان هذا الالتزام أصليا ومباشرا،

ومستقلا عن التزام المدين الأصلي وهذه هي الإنابة الناقصة والتي مفادها أنه فيما

يتعلق بالعلاقة بين المنيب (المدين) والدائن يبقى المنيب مدينا للدائن ولا تبرأ ذمته

إلا إذا وفى الإلتزام الجديد الذي في ذمته للدائن، وتبرأ إذ وفي المنيب نفسه

للدائن الدين الأصلي الذي في ذمته، وبمجرد أن يقوم المنيب أو المناب بالوفاء

للدائن تبرأ ذمة الآخر ( ).

ويذهب بعض الفقه المعاصر إلى أن خطاب الضمان يعد وكالة، حيث يرى ان خطاب الضمان

المصرفي بعلاقاته المتعددة وغاياته المختلفة يستطيع أن يجد له مكانا في إطار الفقه

الإسلامي الخصيب، وأن تكييف خطاب الضمان على أنه وكالة لا يبدو متباينا مع نظرة

الفقه الإسلامي للموضوع في نطاق الكفالة، حيث يرجع فيها الكفيل لما يدفع على من

أمره بذلك تماما كما يرجع الوكيل، لأن الكفالة بالأمر ما هي إلا وكالة بالآداء( ).

على ان هذه الإتجاهات الفقهية والتي حاولت تفسير خطاب الضمان على أساس الإنابة، لم

تأخذ بعين الإعتبار مجموعة من الفروقات الموجودة بين خطاب الضمان والإنابة والتي

نوجزها في النقط التالية:

ففي الإنابة يمكن للبنك أن يتمسك بجميع الدفوع التي كانت للعميل في مواجهة

المستفيد لإتحاد محل الالتزامين، إلا أن الأمر في خطاب الضمان غير ذلك، إذ الواقع

العملي لخطاب الضمان المصرفي يتميز بالتجرد والاستقلالية، فالتزام البنك تجاه

المستفيد يظل مستقلا عما يمكن أن يثار من دفوع سواء في علاقة المستفيد بالعميل

(الآمر) أو في علاقة هذا الأخير بالبنك.

كما أن الإنابة تتيح للمستفيد حرية الإختيار في الرجوع على البنك أو العميل، وهذا

لا يصح في خطاب الضمان، إذ أن العميل يظل ملتزما مع البنك بالوفاء بالمبلغ المطلوب

في مواجهة المستفيد. كما أن المستفيد ليس له أن يطالب أيهما، فمطالبة المستفيد

للعميل تنحصر في تنفيذ التزامه الأصلي نحوه، فإذا قصر في ذلك يتحول المستفيد

للبنك، ويطلب منه أن يدفع له قيمة التأمين، والقول بغير ذلك يجعل المستفيد يقتضي

حقه مرتيين من البنك والعميل ( ).

بالإضافة الى ما سبق في خطاب الضمان يتعاقد البنك مع العميل على إصدار خطاب الضمان

ولا يتدخل المستفيد في هذا التعاقد، وهذا عكس الحال في الإنابة، لأن المناب لديه

(الدائن) يعتبر دائما طرفا في الإنابة، ولا تنعقد بغير رضاه، أما في خطاب الضمان

فإن رضا المستفيد غير مطلبوب، إنما المطلوب هو عدم الاعتراض، بل إن خطاب الضمان

يصدر بناء على شرطه والمدرج في العقد المبرم بينه وبين العميل (الأمر)، لذلك لا

يمكن تصور عدم قبوله لخطاب الضمان، وإنما يمكن تصور اعتراضه له فقط إذا كان خطاب

الضمان قد صدر مخالفا لمقتضيات الاتفاق.

ويترتب على ذلك نتيجة هامة تتمثل في أن المناب لديه يمكنه الطعن في عقد الإنابة

نتيجة وجود عيب من عيوب الرضا، وهذا بخلاف المستفيد في خطاب الضمان، فلا يستطيع

الادعاء بوجود عيب من عيوب الإرادة لأن إرادته غير متطلبة أصلا ( ).

وقد قطع القضاء الإماراتي في أحكامه بأن خطاب الضمان التزام مستقل بذاته ولا يفسر

على ضوء الوكالة في العلاقة بين العميل والبنك.

فقد قضت محكمة تمييز دبي في الطعن رقم 27 لسنة 1993 في جلستها المنعقدة في

18/04/1993، بأن “خطاب الضمان مشروطا أو غير مشرط، هو تعهد نهائي يصدر من المصرف

بناء على طلب العميل (الآمر) بدفع مبلغ نقدي معين أو قابل للتعيين بمجرد أن يطلب

المستفيد ذلك من المصرف خلال مدة محددة، ولا يعتبر ضمان المصرف لصالح المستفيد

عقدا بينه من جهة وبين المصرف والعميل من جهة أخرى، كما أنه ليس تنفيذا لعقد بين

العميل والمستفيد من خطاب الضمان، إذ يلتزم المصرف التزاما نهائيا بمجرد إصداره أو

وصوله إلى علم المستفيد منه، ولا يعتبر المصرف في التزامه بخطاب الضمان نائبا أو

وكيلا عن العميل أو كفيلا له، وإنما هو أصيل في الإلتزام به، ومن ثم يكون كل من

العميل والمصرف ملتزمين قبل المستفيد، كل دين مستقل ومنفصل عن دين الآخر، بحيث

يخضع كل منهما للعلاقة التي نشأ عنها دينه ولأحكام هذه العلاقة، وما يقوم العميل

بدفعه للمصرف لتغطية خطاب الضمان إنما هو تنفيذ للعلاقة القائمة بينه وبين المصرف

وحدهما، ولا صلة للمستفيد بها. وبالتالي فهي لا تعد حوالة دين حسبما تدعيه

الطاعنة. ولا تخضع لأحكام الحوالة المنصوص عليها في القانون طالما أن التزامها

بالدين مستقل عن التزام المصرف المطعون ضد الثاني به من حيث مصدره ومحله” ( ).

هكذا، وانطلاقا مما سبق يمكن القول بأن اللجوء إلى القواعد العامة التي تحكم بعض

الأنظمة المشابهة لتطبق على خطاب الضمان، لا يقوم على أساس قانوني، نظرا

للاختلافات الجوهرية القائمة بينهما، لهذا حاولت بعض الأنظمة القانونية الوطنية

والهيئات الدولية الإعتراف بتأصيل قانوني متميز للضمانات المستقلة بعيدا عن كل

نظام قانوني قائم، أي بالانطلاق من وضعيتها القانونية الذاتية التي ساهم العرف

وإرادة الأطراف، وكذا الأهمية العملية التي تمتاز بها بالنسبة لهذه الأطراف في

بلورتها وتكريسها خاصة في ميدان التجارة الخارجية.

مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




تعليقات

ليست هناك تعليقات: