بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

19 يوليو 2010

الإعارة








الإعارة detachement من فعل عار فيقال عار الشيء أخذه وذهب به وأتلفه، وأعاره الشيء إعارة أعطاه إياه عارية، والعارة والعارية ما يتداوله الناس بينهم من غير عوض.



والإعارة شرعاً تمليك منفعة بلا بدل، وفي المأثور: «العارية مستردة» ومعنى ذلك إعطاء الشيء مؤقتاً للغير شريطة إعادته.



والإعارة قانوناً وضع العامل المؤصل في إحدى الجهات العامة في الدولة تحت تصرف جهة عامة أخرى داخلية أو خارجية مدة محددة على أن يعود بعدها إلى وظيفته الأصلية (المادة 38 من قانون العاملين الموحد في الجمهورية العربية السورية). وقد استحدثت الدولة نظام الإعارة بالقانون رقم/55/ لعام 1959 الخاص بمجلس الدولة الذي أجاز إعارة أعضاء مجلس الدولة داخلياً للعمل بوزارات الحكومة ومصالحها والهيئات العامة.



ثم صدر القانون رقم /255/ بتاريخ 19/7/ 1960 الذي ضمت أحكامه إلى قانون الموظفين الأساسي، وبعده صدر قانون السلطة القضائية رقم 98 لعام 1961 والذي تضمن أحكاماً تتعلق بندب قضاة الحكم والنيابة للقيام بأعمال قضائية أو فنية أو إدارية لا تدخل في نطاق عملهم أو إضافة إلى عملهم مقابل تعويض يحدده مجلس القضاء الأعلى.



وقبل صدور النظام الأساسي الموحد للعاملين في الدولة رقم /1/ لعام 1985 الذي أعاد تنظيم أحكام الإعارة الواردة في قانون الموظفين الأساسي صدر قانون تنظيم الجامعات رقم/1/ لعام 1975 الذي أجاز إعارة أعضاء هيئة التدريس لجامعة أو معهد علمي خارج القطر في مستوى الكليات الجامعية أو للعمل بوزارات الدولة ومؤسساتها أو في إحدى الهيئات الدولية أو في جهة عامة غير حكومية فيما تخصصوا فيه، متى كانت المهمة في مستوى الوظيفة التي يشغلونها بالجامعة وذلك لمدة أقصاها أربع سنوات.



وقد عرفت بعض الأنظمة القانونية العربية نظام الإعارة وخاصة في إطار إعارة أساتذتها وخبرائها إلى الهيئات العامة والخاصة والجامعات ومراكز البحث العلمي والمنظمات العربية والدولية.



لكن التشريع المصري كان أكثر مرونة في إعارة الخبرات المصرية إلى الجهات الأخرى بخلاف الحال في سورية، فالإعارة ليست محصورة بمرة واحدة بل تجوز إعارة العامل المصري أكثر من مرة بعد انتهاء أخر إعارة له، وقضائه فترة خدمة محددة في مصر. كما يجوز مد الإعارة بلا حدود لضرورات المصلحة القومية. كذلك عرف العراق نظام الإعارة وكان أكثر ليونة من سواه أيضاً.



وجاءت اتفاقية الوحدة الثقافية العربية لعام 1965 تنص على تشجيع تبادل الأساتذة والخبراء والمدرسين بين المعاهد والجامعات العربية بالشروط العامة والفردية التي تنص عليها (المادة32 منها) وعلى أن تحتسب مدة الإعارة للمعار في دولته. وهذا ما يشجع على نشر الثقافة العربية والإفادة من خدمة العرب في المؤسسات العلمية للدول الأكثر حداثة، كما يرفد المنظمات الدولية والعربية بخبرات الوطن العربي الثرية في شتى مناحي المعرفة.



الأحكام القانونية للإعارة



أصول الإعارة: ينطبق نظام الإعارة على جميع العاملين المؤصلين (وهم الذين مضى على تعيينهم أكثر من سنة) مهما كانت فئاتهم وفقاً للقانون رقم /1/ لعام 1985، في حين حصر قانون الموظفين الإعارة على موظفي الحلقة الأولى والثانية. وتتم الإعارة في كلا القانونين بطلب من الإدارة وموافقة الموظف الخطية عليها، كما أنها تتم وفقاً للقانون /1/ لعام 1985 بناءً على طلب العامل وموافقة الإدارة، وهذا يعني أن المشرع لم يجعل الإعارة حقاً للموظف (العامل) وإنما تتدرج الإعارة في جميع الحالات في نطاق السلطة التقديرية للإدارة. كما أن الإعارة ليست امتيازاً أو حقاً للإدارة إذ يتعين موافقة الموظف على إعارته وإلا كان قرار الإعارة غير مشروع.



وفي فرنسة تكون الإدارة ملزمة بإعارة الموظف إذا كانت لشغل وظيفة عامة انتخابية أو مهمة نقابية. كما يمكن أن تتم الإعارة من دون موافقة الموظف، وذلك في حالة إذا كانت الإعارة لممارسة وظائف لدى جهة من جهات الإدارة أو لدى مؤسسة عامة من مؤسسات الدولة في وظيفة معادلة في الدرجة والأقدمية لوضعه الوظيفي، وتخضع في معاشها للنظام العام للمعاشات في الدولة بعد استشارة اللجنة الإدارية المختصة.



مدة الإعارة: يصدر قرار إعارة الموظف العام من السلطة المختصة بالتعيين سواء للعمل في الداخل أو الخارج، وقد استلزم المشرع أن يحدد القرار الصادر بإعارة العامل مدة الإعارة، غير أن المشرع لم يعين حداً أدنى لمدة الإعارة وإنما عين حداً أقصى لها هو أربع سنوات، عند الإعارة لجهات القطاع المشترك وفي الإعارة الخارجية أو في كلتيهما معاً طوال خدمة العامل، ويجوز بمرسوم تمديد هذه المدة سنة قابلة للتجديد سنة أخرى فقط. أما الإعارة إلى منظمات حزب البعث العربي الاشتراكي والنقابات المهنية والمنظمات الشعبية فلم يضع لها المشرع حداً أقصى، وذلك وفقاً للقانون رقم /1/ لعام 1985.



الجهات التي يعار إليها العامل: الإعارة وفقاً للقانون رقم /1/ لعام 1985 على نوعين، داخلية وخارجية وتكون الإعارة الداخلية إلى جهات القطاع المشترك التي لا يطبق عليها هذا القانون ومنظمات حزب البعث العربي الاشتراكي والنقابات المهنية والمنظمات الشعبية. أما الإعارة الخارجية فتكون إلى الحكومات أو المنظمات العربية والأجنبية أو الجهات الدولية المختلفة، ومن ثم لا تجوز الإعارة إلى هيئات ومؤسسات خاصة ومحلية، في حين أجاز قانون الموظفين الأساسي رقم /135/ لعام 1945 الإعارة إلى:



ـ هيئات ومؤسسات خاصة ومحلية إذا اقتضت الضرورة ذلك.



ـ هيئات دولية أو حكومات أجنبية.



انتهاء الإعارة: تنتهي الإعارة بانتهاء مدتها. ويمكن أن تنتهي قبل انتهاء مدتها في ثلاث حالات:



ـ بناء على طلب الجهة المستعيرة.



ـ بناء على طلب خطي من العامل المعار وموافقة الجهة المستعيرة.



ـ بناء على رغبة الجهة المعيرة في حالات الضرورة التي يعود تقديرها لها.



فإذا انتهت الإعارة وجب على العامل المعار أن يضع نفسه تحت تصرف الجهة المعيرة في مدى شهر من تاريخ انتهاء إعارته، وتعد إعارته محددة حكماً بمقدار مدة التأخير الفعلي عن الالتحاق بالعمل في الشهر المذكور ومن الجدير بالذكر أن قانون الموظفين الأساسي يخلو من أحكام تتعلق بانتهاء الإعارة قبل انتهاء مدتها أو معها.



وعلى الجهة العامة أن تعيد العامل المعار إلى وظيفته السابقة إذا كانت شاغرة، وإلا يعاد إلى وظيفة أخرى يحددها الوزير المختص ضمن فئته تتناسب ومؤهلاته الوظيفية، وتتوافر فيه شروط شغلها، مع احتفاظه بأجره الذي بلغه. في حين يعاد المعار وفقاً لقانون الموظفين إلى وظيفته إذا كانت شاغرة وإلا فيبقى إضافة إلى الملاك بدرجته الأصلية ويسوى وضعه في أول وظيفة تشغر في درجته.



المركز القانوني للموظف المعار



تأديب العامل المعار: في فرنسة تشارك كل من الجهتين المعيرة والمستعيرة في ممارسة السلطة التأديبية على العامل المعار.



أما في مصر فتكون الجهة المعار إليها العامل هي المختصة بتأديبه عن المخالفات التي يرتكبها في أثناء مدة الإعارة.



أما في سورية فقد خلا كل من القانون رقم /1/ لعام 1985 وقانون الموظفين رقم /135/ لعام 1945 من أي أحكام تتعلق بتأديب العامل المعار.



والمعتقد أن المشرع أراد بعدم النص على تأديب العامل المعار تطبيق أحكام التأديب العامة الواردة في كلا القانونين من دون تفرقة بين العاملين المعارين وغير المعارين.



ترفيع العامل المعار: إن المدة التي ينقطع فيها العامل عن وظيفته الأصلية تعد خدمة فعلية لدى الجهة العامة المعيرة وتدخل في حساب الترفيع والمعاش على أن يؤدي المعار عنها العائدات التقاعدية على أساس أجره في الجهة المعيرة. وقد حدد قانون العاملين رقم /1/ لعام 1985 كيفية تقدير كفاية العامل المعار، وذلك على أساس درجة الكفاية التي تعادل متوسط العلامات التي حاز عليها في أربع السنوات السابقة لتاريخ إعارته.



أجر العامل المعار: القاعدة أن تتحمل الجهة المستعيرة أجر العامل المعار إليها بالكامل، وهذا ما نص عليه القانون رقم/1/ لعام 1985 وقانون الموظفين رقم/135/ لعام 1945 ويتم تحديد هذا الأجر على ضوء الاتفاق الإرادي بين العامل المعار والجهة المستعيرة. وفي ذات الوقت نص كل من القانونين على استثناء لهذه القاعدة، إذ أجاز قانون الموظفين للجهة المعيرة أن تمنح المعار أجراً يعادل ربع راتبه في حين أجاز قانون العاملين رقم /1/ لعام 1985 أن يتقاضى العامل المعار إلى منظمات حزب البعث العربي الاشتراكي والمنظمات الشعبية والنقابات المهنية أجره وتعويضه العائلي وسائر التعويضات من الجهة المعيرة بدلاً من المستعيرة. وقد وجدت حالات استثنائية مثل حالة الإعارة في الجزائر في بدايات استقلالها كان فيها المعار يستمر على قبض راتبه من سورية إضافة لما تدفعه له الجهة المستعيرة.



مكتب / محمد جابر عيسى المحامى





تعليقات

ليست هناك تعليقات: