-3-
تعاقبت القوانين المتصلة بالعدالة الجنائية للأطفال فقد نصَّ قانون العقوبات الصادر فى عام 1883 على انعدام مسؤولية الصغير الجنائية قبل سن السابعة, وترك للقاضى - من سن السابعة حتى الخامسة عشر - تقدير مدى توافر التمييز لدى الصغير، والتعامل معه عقابياً تأسيساً على ذلك.
وفى ظل قانون العقوبات الصادر عام 1904 نص القانون على ثلاث مراحل عمرية، حيث أبقى سن انعدام المسؤولية عند حد سبع سنوات, وفى المرحلة العمرية (من السابعة حتى الخامسة عشر) أجاز القانون توقيع العقوبات العادية مع تخفيفها، مع عقوبة التأديب الجسمانى، وتدبير التسليم أو الإرسال إلى مدرسة إصلاحية، والمرحلة الأخيرة (من الخامسة عشر حتى السابعة عشر) نهى المشرِّع فيها عن توقيع عقوبة الإعدام والأشغال الشاقة.
وقد صدر قانون العقوبات الحالى عام 1937 متضمِّناً استحداث مرحلة عمرية جديدة هى (من السابعة إلى الثانية عشر) وقُدِّر لهذه الفئة العمرية تدابير تقويمية هى: التسليم، أو الإرسال للإصلاحية، أو التوبيخ.
ولمواجهه المستجدات العالمية فى إطار تنفيذ المعاملة القضائية للصغار، صدر القانون رقم 31 لسنة 1974 متضمِّناً استحداث فكرة التعرض للانحراف، وأورد بشأنها حالات محدَّدة، واعتبر من هم دون السابعة من الصغار معرَّضين للانحراف فى حالة ارتكابهم جناية أو جنحة، وفى ذات الوقت حدَّ المعاملة لكل من هم دون الخامسة عشر بتوقيع التدابير المنصوص عليها دون عقوبات، وأورد القانون للفئة العمرية (من الخامسة عشر حتى الثامنة عشر) أحكاماً خاصة بالعقوبات المخفَّفة الواجب توقيعها عليهم، وقد تمَّ إنشاء محاكم ذات تشكيل خاص لمحاكمة الأطفال جنائياً، ويُشكِّل هذا القانون بداية للتعامل الاجتماعى مع الصغار فى رؤية يغلب عليها طابع اعتبار أن الطفل غالباً ما يكون ضحية للمجتمع والبيئة التى نشأ فيها، وأكثر ما يكون سلوكه معبراً عن نوازع إجرامية يتم التعامل معها من خلال الفلسفات القضائية للسياسات الجنائية.
وفى عام 1996 وفى ظل انضمام مصر للاتفاقيات الدولية - لحقوق الإنسان ومن بينها اتفاقية الطفل - أصدر المشرِّع المصرى القانون رقم 12 لسنة 1996 بشأن الطفل, حيث جاء القانون كرؤية تشريعية وطنية متكاملة على نسق الاتفاقية الدولية للطفل، ولذلك فقد تضمَّن كافة المبادئ التى استقر عليها المجتمع الدولى فى تعامله مع الطفولة بوجه عام، وبصفة خاصة بعض القواعد بشأن إدارة قضاء الصغار، ومبادئ الرياض التوجيهية لرعاية الصغار، باعتبار أنه من ركائز فلسفة الدفاع الاجتماعى الاهتمام بالطفولة من كافة الجوانب، لأن توفير وتهيئة الظروف للتنشئة الاجتماعية السوية للطفولة هى خط الدفاع الأول للمجتمع، إذ هى التى ستؤدى بطبيعة الحال إلى دفع الشباب السوِىّ ليلعب دوره الطبيعى فى تنمية مجتمعه وتلبية احتياجاته، ويحول دون انحراف أفراده أو انخراطهم فى دروب الجريمة، الأمر الذى سيؤدى فى حالة عدم تحقيقه لافتقاد المجتمع للطاقات السوية للأفراد المنحرفين، وتحولهم إلى عبء يتعيَّن على المجتمع تحمل أثارة ومردوداته المادية والمعنوية(6).
وقد جاء الباب الثامن من قانون الطفل متضمِّناً المعاملة الجنائية للأطفال، سواء من الناحية الإجرائية أو الموضوعية، وذلك لمن يشملهم القانون - وهم الصغار الذين لم يبلغوا الثامنة عشر - ليحل محل القانون السابق للأحداث رقم 31 لسنة 1974، وقد اشتمل القانون على الأخذ بالمستجدات التى أفرزتها الجهود الدولية والإقليمية والجهود الوطنية من الناحية التطبيقية، ومعتمداً كذلك على ما انتهت إليه العديد من الأبحاث والدارسات الميدانية.
مكتب / محمد جابر عيسى المحامى
تعليقات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق