حقوق الاطفال العاملين وحمايتهم
اهتمت المؤسسات الدولية بحقوق الاطفال العاملون المحرومون من الحماية بسبب عملهم واصدرت العديد من الاتفاقيات الدولية لحماية حقوقهم وكانت اتفاقية حقوق الطفل من اهم هذه الاتفاقيات والتى استندت الى وجوب شمول حمايتهم بشكل متكامل ، والزمت الحكومات بأن توفر لضمان نموهم وازدهارهم البيئة الامنة والمناخ الصحى الملائم للرعاية المتكاملةة ، وتدعو اتفاقية حقوق الطفل الى منهج شامل لتلبية الحقوق الاساسية للاطفال، من تعليم وصحة وحماية شاملة . ويعكس التصديق شبه الاجماعى على اتفاقية حقوق الطفل، الالتزام العالمى بحماية حقوق الاطفال ، الا ان الواقع الفعلى بالبلدان المختلفة يعكس بشكل متواصل انتهاكات مختلفة لحقوق الطفل .
وتتضمن اتفاقية حقوق الطفل حماية حقوق الطفل فى الراحة ووقت الفراغ واللعب ،والمشاركة الكاملة فى الحياة الثقافية والفنية ،وبينت الاتفاقية دور الحكومة فى توفير المناخ المناسب لنمو الطفل جسدياً وعقلياً وعاطفياً ومعرفياً واجتماعياً وثقافياً ،وحمايته من مختلف اشكال الاستغلال بما فى ذلك الاعمال الخطرة الضارة بصحته أو بنموه البدنى أو العقلى أو الروحى أو المعنوى أو الاجتماعى أو لحقوقه فى التعليم .
ورغم ذلك فان هناك اكثر من 250 مليون طفل يعملون فى ارجاء العالم المختلفة ،محرومين من التعليم المناسب والصحة الجيدة والحريات الاساسية ، ويدفع كل طفل من هؤلاء ثمناً فادحاً من تطوره وحياته كما ان هذه البلدان تفقد قوة شبابها وقدراتها على النمو والتطوير بعمل هؤلاء الاطفال .
وعلى جانب اخر لا يوجد أى تبريرات مقبولة لعمل الاطفال واذا كان الفقر هو الذى يدفع بعض الاسر للزج بأبنائهم الى ساحة العمل فمعنى ذلك ان الانسانية ستعانى كثيراً ولسنوات طويلة من هذا التدهور الذى يعيق نمو الاطفال حيث يبلغ عدد الاطفال الذين يعملون حوالى 250 مليون طفل ويؤدى 126 مليون منهم اعمالاً خطرة .
وقد اصدرت منظمة العمل الدولية العديد من الاتفاقيات (16 اتفاقية و4 توصيات) والزمت جميعها الحكومات بضرورة تطبيق السياسات المتعلقة بحماية حقوق الاطفال وكان اخر واهم هذه الاتفاقيات الاتفاقية رقم 182 لسنة 1999 بشأن حظر أسوء اشكال عمل الاطفال ،وتلتزم الدول بموجبها باتخاذ الاجراءات الفورية والفعالة لضمان حظر أسوأ صور عمل الاطفال والقضاء عليها على وجه السرعة .
ويهدف معيار " أسوأ أشكال عمل لاطفال " الى حظر أسوأ اشكال عمل الاطفال والقضاء عليها، مع الاخذ فى الحسبان اهمية التعليم الاساسى المجانى والحاجة الى انتشال الاطفال من جميع اشكال هذه الاعمال مع تأمين ما يلزم لاعادة تأهيلهم ودمجهم فى المجتمع (الاتفاقية رقم 182)
وقد حددت الاتفاقية المذكورة أسوأ صور عمل الاطفال ، فى المادة(3) منها ، على ما يلى :
- كافة اشكال الرق أو الممارسات الشبيهة بالرق، كبيع الاطفال والاتجار بهم وعبودية الدين والقنانة والعمل القسرى أو الاجبارى للاطفال لاستخدامهم فى النزاعات المسلحة . .واستخدام طفل أو تشغيله أو عرضه لاغراض الدعارة، او لانتاج اعمال اباحية أو اداء عروض اباحية.
- استخدام طفل أو تشغيله أو عرضه لمزاولة انشطة غير مشروعة، وترويج انتاج المخدرات بالشكل الذى حدد فى المعاهدات الدولية ذات الصلة او الاتجار بها .
- الاعمال التى يرجح ان تؤدى بفعل طبيعتها أو بفعل الظروف التى تزاول فيها الاضرار بصحة الاطفال أو سلامتهم أو سلوكهم الاخلاقى .
وتلزم الاتفاقية الدول تنفيذ تدابير محددة بجدول زمنى للقضاء على أسوأ اشكال عمل الاطفال . وتجمع البرامج والتدابير المطلوبة بين تدخلات تتصل بالسياسة العامة وتهدف الى تهيئة بيئة صحية امنة لنمو الاطفال تساعد وتفضى على عمل الاطفال، وبين انشطة قاعدية موجهة الى الخدمات الاقتصادية والاجتماعية ،كما تركز على بناء تحالفات وتعاون على المستويات الوطنية والاقليمية والدولية لدعم الدعوة والسياسة العامة وتطوير البرامج وتنفيذها ورصدها وتقيمها للقضاء على عمل الاطفال .
اوضاع الاطفال العاملين فى مصر
ينظم قانون العمل (رقم 12 لسنة 2003) تشغيل الاطفال العاملين ويحظر القانون عمل الاطفال تحت سن الرابعة عشرة، غير ان القانون سمح للمحافظين بتشغيل الاطفال بين الثانية عشرة والرابعة عشرة فى اعمال موسمية خاصة فى قطاع الزراعة وينص القانون على ان ساعات عمل الاطفال من سن الرابعة عشرة فأكثر لا ينبغى أن تزيد عن ست ساعات يومياً ، مع وجود ساعة على الاقل للراحة .ويمنع القانون عمل الاطفال اقل من 17 عام فى الاعمال الخطرة التى ورد ذكرها فى اللائحة التنفيذية مثل العمل بالمناجم أو فى باطن الارض .
غير ان الدراسات والواقع الفعلى يظهر ان قانون العمل لا يتم تطبيقه حيث تبين ان الاطفال يعملون فى اليوم أكثر من ثمانى ساعات كما انهم يعملون بدون عقود عمل أو تأمين اجتماعى أو صحى ويعملون فى اوضاع خطرة وفى ظل ظروف تشغيل سيئة خاصة العاملين منهم فى قطاع الزراعة .
والشئ المؤسف ان هؤلاء الاطفال قد تم استبعادهم من الحماية القانونية حيث ذكرت المادة 103 من قانون العمل باستثناء الاطفال العاملين فى قطاع الزراعة من تطبيق القانون مما يعرضهم للاساءة والاستغلال والحرمان .
وفى مصر تتباين تقديرات عمالة الاطفال بشكل كبير وقد عبرت اللجنة الدولية لحقوق الطفل خلال مراجعتها للتقرير الدورى الثانى الذى اعدته مصر عن حالة الاطفال (1997) عن قلقها بشأن غياب البيانات الموثق بها . وفى عام 2001 اجرى الجهاز المركزى للتعبئة والاحصاء مسحاً قومياً فى المناطق الحضرية والريفية . وتم تقدير عدد الاطفال العاملين بين السادسة والرابعة عشر بحوالى 2.786.000 وهو ما يمثل 20% من اجمالى الاطفال فى هذه المرحلة العمرية وكانت الاغلبية الكبرى منهم فى الريف بنسبة 83% ، كما اظهر توزيع الاطفال حسب النوع ان 73.6% منهم ذكوراً و26.4% اناثاً .
ومع كل ذلك فقد حرص قانون العمل المصرى على بعض الضمانات لعمل الاطفال ومنها:
- يطبق تعريف الطفل العامل على كل من بلغ الرابعة عشر سنة أو تجاوز سن اتمام التعليم الاساسى ولم يبلغ ثمانى عشر سنة كاملة ( مادة 98) .
- يلتزم كل صاحب عمل يستخدم طفلاً دون سن السادسة عشر سنة بمنحة بطاقة تثبت انه يعمل لديه وتلصق عليها صورة الطفل وتعتمد من مكتب العمل المختص ( مادة 98)
- يحظر تشغيل الاطفال دون بلوغهم التعليم الاساسى ،أو 14 سنة ايهما اكبر . ويجوز تدريبهم متى بلغت سنهم 12 سنة (المادة 99)
- يحظر تشغيل الاطفال فى الاعمال والمهن والصناعات الخطرة والتى وردت فى اللائحة التنفيذية والقرارات الوزارية (مادة 100)
- لا يجوز تشغيل الطفل اكثر من 6 ساعات فى اليوم ، ويجب ان تتخلل ساعات العمل فترة راحة أو اكثر لتناول الطعام والراحة لا تقل فى مجموعها عن ساعة واحدة بحيث لا يشتغل الطفل اكثر من 4 ساعات متصلة (مادة 101)
- يحظر تشغيل الاطفال فيما بين الساعة السابعة مساءاً والسابعة صباحاً فى جميع الاحوال (مادة 101)
- يحظر تشغيل الاطفال ساعات عمل اضافية ، او تشغيلهم ايام الراحة الاسبوعية أو الاجازات الرسمية (مادة 101).
- لا يجوز تشغيل الاطفال الذين يقل سنهم عن 18 سنة فى أى نوع من انواع العمل التى يحتمل ان يعرض للخطر صحة أو سلامة أو اخلاق الاطفال بسبب طبيعة العمل أو الظروف التى تؤدى فيها، ومنها 44 حرفة لا يجوز لمن هم دون هذه السن ان يستخدموا فيها (المادة الاولى من القرار 118 لسنة 2003) ومنها العمل فى المناجم والمحاجر وجميع الاعمال المتعلقة باستخراج المعادن أو الاحجار وحمل الاثقال أو جرها أو دفعها اذا زاد وزنها.
- لا يجوز تشغيل الاطفال الذين تقل سنهم عن 16 سنة فى أية اعمال أو حرف أو صناعات تعرضهم للاستغلال البدنى او النفسى أو الجنسى أو استخدامهم لمزاولة انشطة غير مشروعة .(المادة الثانية من القرار رقم 118 لسنة 2003).
- على صاحب العمل الذى يستخدم اطفالاً اجراء الفحص الطبى الابتدائى عليهم قبل التحاقهم بالعمل للتأكد من سلامتهم ولياقتهم الصحية للعمل الذى يسند اليهم ، ويجرى هذا الفحص بمعرفة الهيئة العامة للتأمين الصحى وعلى نفقة صاحب العمل .(المادة الثالثة من القرار 118 لسنة 2003 ).
- يجب على صاحب العمل الذى يستخدم اطفالاً ان يتخذ ما يلزم لتوقيع الكشف الطبى الدورى عليهم مرة كل عام على الاقل بمعرفة الهيئة العامة للتأمين الصحى ،وكذلك عند انتهاء خدمته ،وذلك للتأكد من خلوهم من الامراض المهنية أو اصابات العمل والمحافظة على لياقتهم الصحية بصفة مستمرة ،وفى جميع الاحوال يجب عمل بطاقة صحية لكل طفل تثبت فيها نتائج الكشف الطبى (المادة الثالثة من القرار 118 لسنة 2003 )
كيف يمكن القضاء على عمالة الاطفال؟
يؤدى عمل الاطفال لأضرار جسدية ونفسية تدوم لمدى الحياة بالنسبة للطفل والمجتمع ، ويجب ان تتزايد اهتماماتنا بمحاولة وقف عمل الاطفال بتوفير البدائل التى تضمن تمتع البنات والاولاد بالصحة والتعليم واللعب واللهو، واتاحة الفرصة لعائليهم للحصول على دخول مناسبة والتمتع بالامن الاقتصادى والاجتماعى والثقافى .
ولابد من تعديل السياسات لتوفير هذه البدائل سواء على المستوي الدولي أو المحلى ولن يتم ذلك الا بتوفير فرص العمل اللائقة والحياة الانسانية الكريمة لأهالي الاطفال لتمكينهم من تعليم ابنائهم والنهوض بمستواهم الاقتصادي والاجتماعي والثقافى وتحتاج هذه البدائل الى اعادة التوزيع العادل للثروة بين الريف والحضر والعاملين باجر واصحاب الاعمال والمزارع الكبيرة لكفالة التوازن والامان الاجتماعى لكل المصريين.
وفى هذا الاطار يجب معالجة القصور التشريعي في بعض القوانين المصرية والتي بموجبها لا يكفل للطفل العامل الاشتراك في نقابة مهنية تدافع عنه او تستثنيه من الرعاية الصحية والاجتماعية او تحرمه من الحماية القانونية .
ويجب على وزارة التربية والتعليم وضع برامج لاستيعاب الأطفال غير الملتحقين بالمدارس فى كل مجتمع محلى بمدارسها وإزالة الأسباب التي أدت لعزوفهم عن التعليم لدمجهم مرة اخري ضمن عملية التعليم .
ويجب قيام وزارة القوي العاملة إلزام مفتشي العمل والسلامة والصحة المهنية القيام بعملهم ، والتفتيش الدورى المستمر على كافة المنشآت والشركات والمزارع التى تقوم بأستخدام الأطفال لتطبيق نصوص قانون العمل .
ويجب قيام وزارة التضامن الاجتماعي بكفالة الاسر المتوفى عائلها وذات الدخول المنخفضة خاصة الذين يعولون اطفالاً بضمان توفير مبلغ لا يقل عن 1000 جنيه شهرياً حتى لا يضطروا لتشغيل اطفالهم وتمكينهم من تعليمهم .
وهناك ضرورة بتنسيق جهود منظمات المجتمع المدنى فى مصر لخلق وابتكار بدائل وسياسات وأطر وفعاليات تضمن القضاء على عمل الاطفال وتكفل لهم حقوقهم فى الحياة والامان والنمو الصحى لضمان مستقبل أكثر عدلاً وانسانية لكل البشر .
مكتب / محمد جابر عيسى المحامى
تعليقات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق