بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

19 يوليو 2010

إجــرام الـــراشي


اعداد : نائل شلط





1. تمهيــد :



أشرنا في الفقرة السابقة إلى جريمة المرتشي وفقا للمادة 106 من القانون رقم 74 لسنة 1936 التي ينفذها الشخص الذي يتمتع بصفة الموظف العمومي أو من في حكمه إلا أن المشرع جرم أيضا فعل الشخص الذي يقوم بعرض المنفعة علي الموظف العام في جميع التشريعات الجنائية.



التحليل الدقيق للمواد التي تتعلق بجريمة الرشوة لا توضح لنا بصراحة تجريم فعل الراشي و مساءلته عن جريمة رشوة. المادة 106/ 1936 تشير فقط إلى إجرام الموظف المرتشي أو من في حكمه و لا يمكن أن نستخدم أسلوب القياس الذي يحظره مبدأ " لا جريمة و لا عقوبة دون نص قانوني يوضح عناصرها مسبقا " لتكريس إجرام الراشي. إلا أننا نرى وجوب تناول مسألة إجرام الراشي رغم عدم إشارة القانون رقم 74 إليه و نأمل في أن يتناول قانون العقوبات الفلسطيني الجديد مسألة إجرام الراشي بنص صريح لما في ذلك من فعالية في مكافحة الأفعال الإجرامية التي تسئ و تضر بالمصلحة العامة المتمثلة بنزاهة الوظائف العامة والتي قد تتعرض للانتهاك سواء من الموظف العام أو من في حكمه أو من المواطنين العاديين على حد السواء.



تنص التشريعات الجنائية الأجنبية و العربية (على سبيل المثال المادة 107 ع مصري) على مساواة عقوبة الراشي بعقوبة المرتشي واعتبرت أن الراشي يعاقب بنفس عقوبة الموظف المرتشي أو من في حكمه.



يتضح من مواد التشريعات الجنائية التي تعاقب على إجرام الراشي أن جريمة المرتشي تسبق جريمة الراشي بمعنى أن البحث عن جريمة الراشي تشترط وقوع جريمة الرشوة من الموظف أو من في حكم حتى و لو تم انتفاء مسئولية الموظف المرتشي لأحد الأسباب (على سبيل المثال لانتفاء علمه بوقائع جريمة الرشوة كالموظف الذي يعتقد أن المنفعة التي يقدمها له الراشي هي عبارة عن وفاء له بدين).



أفعال الراشي تقابل أفعال المرتشي بمعنى أن فعل الطلب من الموظف المرتشي يقابله فعل إعطاء من الراشي وفعل القبول من الموظف يقابله فعل وعد أو عرض من الراشي. مواد جريمة الرشوة تؤكد لنا على أنه في حالة أن الموظف المرتشي طلب من الراشي منفعة ولم يستجيب الآخر لطلبه عندئذ تكون قد تحققت جريمة الرشوة ويعاقب وفقا للقانون بعقوبة الجريمة التامة كما يطبق ذلك أيضا الفقه المصري[1].



وفقا لما سبق حالات إجرام الراشي تتجسد كالتالي:







1. مساهمة مع فعل المرتشي في حالة الأخذ والقبول:



النصوص التي تعالج موضوع الرشوة لا تشترط صفة معينة في شخص الراشي فقد يكون أيضا موظف عام أو من في حكمه وقد يكون مواطن عادي، كما أن الراشي قد يطلب تنفيذ الفعل أو الامتناع عنه لصالحه أو لصالح شخص آخر. بالتالي القانون يعتبر الراشي كفاعل آخر في جريمة الرشوة ولكن ليست كفاعل أصلي لأن القانون يشترط في شخص الفاعل الأصلي لجريمة الرشوة صفة الموظف العمومي أو من في حكمه.



وفقا لما سبق كي نقبل بأن الراشي قد شارك في جريمة الرشوة كفاعل آخر يجب أن تتحقق أولا جريمة الرشوة من قبل المرتشي (الموظف العام أو من في حكمه) أو أن الراشي عرض المنفعة و لكن الموظف لم يستجيب لعرضه وبالتالي يجب أن يحقق المرتشي فعل الركن المادي لجريمة الرشوة أي طلب أو أخد أو قبول المنفعة من الراشي في الحالات التي ينفذ فيها المرتشي جريمة الرشوة وليس بالضرورة أن يثبت قصده الجنائي كي نعتبر أن الراشي قد نفذ إجرامه.



جريمة الراشي تنتفي في حالة أن الشخص الذي تقدم له المنفعة ليست موظفا أو لا يمارس وظيفته بشكل فعلي أو أنه غير مختص بأداء الفعل أو أن غرضه لم يكن اقتراف الرشوة من خلال القيام بفعل أو امتناع عن فعل وظيفي.



من جهة أخرى يشترط القانون أن يتقابل فعل الراشي مع فعل من المرتشي حيث فعل الإعطاء من الراشي يقابله فعل أخذ من المرتشي وفعل الوعد من الراشي يقابله فعل قبول من المرتشي لأي نوع من أنواع المنافع سواء كانت مادية أو غير مادية[2].



أما بالنسبة للركن المعنوي لإجرام الراشي الذي يعتبر فاعلا آخر غير أصلي في جريمة المرتشي فيشترط القانون قصده الجنائي الذي يتجسد بإرادته في تنفيذ فعل الإعطاء أو العرض أو الوعد بعلم منه. القصد الجنائي لدى الراشي ينتفي في حالة أن توجه إلي موظف عام للقيام بفعل أو امتناع عن فعل وثبت أن هذا الفعل لا يدخل ضمن إطار اختصاصه الوظيفي أو أن غرضه من العطاء كان برئ.







2. جريمة العرض الخائب للرشوة:



قانون العقوبات رقم 74 لسنة 1936 لا يعالج أيضا مسألة عرض الراشي إعطاء منفعة لموظف عام أو من في حكمه ورفض الأخير لها على عكس القانون المصري الذي نظم هذه الحالة في المادة رقم 109 مكرر. كما نعلم لا يمكن أن نعتبر عدم قبول الموظف برشوة الراشي على أنها شروع في جريمة رشوة من قبل الراشي لأن جريمة الرشوة تشترط تحقيق أفعال الرشوة من قبل الموظف العام أو من في حكمه وليس من شخص لا يتمتع بصفة الموظف العام أو من في حكمه. بالتالي لا يمكن تحقيق جريمة رشوة من الراشي دون تحقيق أي فعل من أفعال الرشوة من الموظف العام أو من في حكمه وكتحصيل حاصل لا يمكن القبول بتنفيذ شروع في جريمة الرشوة من الراشي. من جهتنا نرى أنه من الممكن اعتبار فعل الراشي المتمثل بعرضه رشوة على الموظف و رفض الأخير بقبولها أو أخذها كجريمة رشوة يعاقب عليها القانون من أجل حماية الموظف العام والوظيفة العامة ونزاهتها، وهذا ما يسلم به قانون العقوبات المصري في المادة 109 مكرر[3].



3. الـــركن المـــادي لجريمة الراشي:



يرتكز إجرام الراشي في جريمة الرشوة إلى عرضه منفعة للموظف العام أو من في حكمه وبالتالي العنصر الرئيسي في الركن المادي لهذه الجريمة يتجسد في عرض الراشي أو عرض وعد أو إعطاء منفعة للموظف أو من في حكمه و قبول أو عدم قبول الأخير بها. فعل العرض قد يتم بعدة وسائل لا حصر لها، يكفي أن تدل علي أنها تهدف إلى قبول الموظف بها لقيامه بفعل أو امتناع عن فعل. عدم القبول يعني رفض الموظف أخذ الرشوة أو القبول بالوعد الذي يطرحه الراشي بتقديم منفعة مادية أو غيرها في المستقبل.















5. الـــركن المعنـــوي:



يشير الركن المعنوي لجريمة الراشي التي تتعلق بالرشوة إلى إرادة الراشي بعرض منفعة مادية أو غيرها وعلمه بأن من يعرض عليه الرشوة هو موظف عام أو من في حكمه.



6. عقوبــــة الـــراشي:



التشريعات الأجنبية تساوي عقوبة الراشي بعقوبة المرتشي و بالتالي في حالة أن القانون رقم 74 لسنة 1936 نص على نفس ما تقر به التشريعات الجنائية الأجنبية عندئذ تقرر العقوبة وفقا للمادة 106 و ذلك بإنزال عقوبة جنحة بالراشي ووفقا للمادة 47 عقوبة الجنحة هي الحبس مدة ثلاث سنوات أو غرامة 100 جنيه أو كلتا العقوبتين.



من جهتنا نرى أن عقوبة المرتشي في المادة 106 لا تتناسب مع حجم الجريمة كما ذكرنا سابقا فيما يتعلق بجريمة الرشوة وحسب وجهة نظرنا يجب إنزال أشد العقوبات بجريمة المرتشي الذي يقبل أو يطلب أو يأخذ منفعة من الراشي وتخفيف العقوبة في حالة جريمة الراشي التي تتجسد بقبول أو عدم قبول العرض من الموظف أو من في حكمه و ذلك لأن إجرام الموظف المرتشي يعتبر أشد خطورة من إجرام الراشي على المصلحة العامة.







مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




تعليقات

ليست هناك تعليقات: