بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

19 يوليو 2010

رؤية نقدية لقانون الطفل






تدل البحوث التي أجريت في مجال الجريمة والمجرمين وجود علاقة طردية بين ارتفاع معدل الجريمة وبين اتجاه المجتمع نحو التحضر بصوره المختلفة وفى جميع الميادين ، بل ان الجريمة تتطور أيضا بظهور أنماط جديدة من الانحرافات والجرائم في المجتمعات التي تسير نحو مزيد من التطور والتحضر .

وفى ضوء هذه الحقائق ينبغي النظر آلى القانون المنظم للجريمة الواقعة من الطفل آو الحدث ، وذلك يمثل نوعا من التحديات الجديدة التى تظهر نتيجة النظر سير المجتمع نحو التطور بدلا من الإبقاء على تلك التدابير والأهداف البالية التى ترجع فى أصولها إلى سنوات طويلة مضت .

فإذا نظرنا إلى تطور المجتمع المصري عبر الخمسينات من هذا القرن وجدنا تغيرا كبيرا فى مظاهر الجريمة وأنواعها ، ففى تلك الفترة كانت الجرائم التقليدية هي السائدة مثل القتل ، والشروع فى القتل ، والضرب ، والسرقة ، والحريق العمد ، والهروب من المراقبة ، والإصابة الخطأ ، وهتك العرض . وفى خلال السبعينيات شهدت مصر تغيرا جوهريا فى نظامها الاقتصادي والاجتماعى مما استتبع بالضرورة تطور نمط الجريمة ، واختفاء بعض الجرائم ، وظهور أنواع أخرى للجريمة . ومن ناحية أخرى وجد أن جرائم الأحداث التى انتشرت فى الفترة الأخيرة فى مصر اتصفت بعدة خصائص أهمها :

1- أنها ليست فردية ، ولكنها فى أغلبها يشترك فيها اثنان أو أكثر

2- يتجه بعض الأحداث إلى سلوك سبيل الجريمة نتيجة الظروف الاقتصادية القاسية ؛

3- شاع فى أغلب الحالات تصدع الأسرة أو وجود حالات طلاق فى الأسرة ؛

4- فى بعض الجرائم يستغل فيها الأطفال للاستفادة من التدابير المخففة لهم ؛

5- تعتبر جرائم منظمة فى بعض الأحيان مثل سرقة محتويات السيارات .

6- هى جرائم تتسم فى بعض الحالات بالعنف الذى يرجع فى أغلبه إلى تعاطى المخدرات ، والرغبة فى الحصول عليها .

بالرغم من التعديل الذى أدخله المشرع المصرى على قانون الأحداث بقانون الطفل الجديد الصادر فى عام 1996 إلا أن هذا القانون الأخير لا يزال قاصرا عن إدراك تلك الحقائق لا يزال حبيس الأفكار التقليدية حول المعاملة العقابية للأحداث ، ولم يدخل تعديلا على تلك النظم العقابية لتتناسب مع تطور أنماط الجريمة ، والخطورة وسن الطفل وحاجته إلى التهذيب ، والعلاج ، ومسايرة الفلسفات العقابية الحديثة فى إعادة تأهيل وإصلاح الأطفال المنحرفين .

بالرغم من اشتمال نصوص قانون الطفل الجديد على الكثير من القواعد الكفيلة بالتصدى لكثير من انحرافات الأحداث ، أظهر تطبيق القانون فشله فى بعض المناسبات بالإضافة إلى وجود العديد من النصوص التى لا تطبق إطلاقا مثل إشراف قاضى التنفيذ على المؤسسات العقابية الخاصة بالأحداث (م 134) ومراقبة الأخصائي الاجتماعي على الطفل فى مرحلة تنفيذ (م135) . . . الخ

ذلك الأمر الذى جعل القانون الجديد عديم الفائدة ، وتحول فى النهاية إلى تغطية قانونية شكلية للسلوك الانحرافى ، وما يؤكد ذلك هو ازدياد مشكلة انحراف الأحداث فى مصر وتفاقمها ، وعدم توجيه الرعاية والاهتمام اللازمين لمؤسسات رعاية الأحداث بالرغم من اهتمام عدد كبير من الوزارات وأجهزة الدولة الرسمية والشعبية بهذا التوجيه .

وفيما يلى سوف نتعرض لأهم الانتقادات الموجهة لقانون الطفل الجديد رقم 12 ، لسنة 1996 ،

7/1 : وحد المشرع - فى قانون الطفل - معاملة بين الطفل المعرض للانحراف وبين الطفل مرتكب الجريمة ، ولم يراعى وجود تفرقة تقتضيها مصلحة الطفل ، وذلك فى خصوص التدابير المطبقة على كل منهم وكان ينبغى تفريد معاملة خاصة لكل منهما تبعا لإختلاف درجة الخطورة ، والانحراف ، والحاجة إلى التهذيب ، والعلاج .

7/2 : قصر المشرع حق تسليم الطفل على أحد أبوية ، أو من له الولاية ، أو الوصاية عليه ، فإذا لم تتوافر فيه أيهم الصلاحية للقيام بتربيته فيتم تسليمه إلى من يكون آهلا لذلك من أفراد أسرته . فان لم يجد يسلم إلى شخص مؤتمن يتعهد بتربيته ، وحسن سيره ، أو إلى أسرة موثوق بها يتعهد عائلها بذلك ، هذا الأمر الذى قد يثير العديد من الإشكاليات الخاصة بالتعارض الذى قد ينشا حول حكم هذه المادة وبين حق شخص قد يكون له الولاية أو الوصاية على الطفل ، فقد اغفل المشرع الربط بين قانون الطفل وقانون الولاية على النفس والمال ، وذلك فيما يتعلق بتسليم الطفل لمن له الولاية عليه ، وسلب تلك الولاية . ومن ثم يتعين الاستفادة من قانون وأحكام الولاية على النفس والمال فى قانون الطفل ، أو ضمنهما فى قانون وأحد لضمان تناسق أحكامهما .

7/3 : وفقا لما استقر عليه قضاء محكمة النقض المصرية فإن مدة الاختبار القضائى الواردة بالمادة (106) من قانون الطفل موجهه إلى سلطة التنفيذ لا المحكمة ، وإنما حدد القانون وقتا لانقضائه حفاظا على حماية الحريات ، وذلك أن بيان ما إذا كان التدبير قد استوفى الغرض منه أما لا فهو أمر متروك للسلطة القائمة على التنفيذ استنادا إلى مدى خطورة الحدث ، وحاجته إلى الإصلاح ، والتهذيب لا أن يصدر به مدة محددة كالعقوبة .

7/4 : ربط المشرع بين زيادة المدة المحكوم بها بالإيداع فى إحدى المؤسسات الاجتماعية وبين ما إذا كان الطفل معرضا للانحراف أم مرتكب جريمة ، فالإيداع هنا ليس بمعنى العقوبة التى تساوى جسامة الخطأ المقترف إنما هو تدبير يواجه خطورة اجتماعية لا شأن لها بهذه الجسامة ، فقد يتطلب إصلاح الطفل المعرض للانحراف فترة أطول من الطفل المرتكب لجناية ما ، فكان ينبغي للمشرع أن يفطن إلى ذلك الأمر وترك مساحة تقدير مدة الإيداع للإدارة القائمة على التنفيذ

7/5 : استثنى المشرع فى القانون الأحداث القديم ، الطفل الذى يتجاوز الخامسة عشر عاما من الخضوع لأحكام العودة المنصوص عليها فى المادة (49) من قانون العقوبات ، وكان ذلك الأمر منتقدا فى ظل القانون الملغى لأن أحكام العود تنطبق عند الحكم بعقوبة لارتكاب جريمة معينه ، أما فى حالة التدبير فلا مجال مطلقا لأعمال أحكام العود ، أما قانون الطفل الجديد فقد خلا تماما من ذلك النص ، ومن استثناء الطفل من الخضوع لأحكام العود ومن ثم فقد تم إخضاع الطفل لأحكام المادة (49) من قانون العقوبات بدون مبرر منطقى لذلك .

7/6 : ربط المشرع فى قانون الطفل معاقبة متولى أمر الطفل بعد إنذاره بأمرين أولهما ، إهمال مراقبة الطفل والثانى ، تعرضه للانحراف فقط وفقا للمادتين (96 ، 97) أما إذا ارتكب الطفل جناية أو جنحة بعد سن السابعة فلا عقوبة على متولى أمره مطلقا .

7/7 : ضالة العقوبات المنصوص عليها فى المواد (113 ، 114 ، 115) وعدم تناسبها مع فداحة الإهمال ، إذ حددت عقوبة الإهمال فى الرعاية بالمادتين (113 ، 114) بالغرامة فحسب وفى حالة إخفاء الطفل المحكوم بتسليمه لشخص أو جهة - مادة (115) يعاقب بالحبس أو الغرامة فحسب .

7/8 : أما ما يتعلق بالأحكام الإجرائية فلقد نص القانون فى المادة (143) على سريان قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية فيما يرد به نص فى هذا القانون ، ومن ثم فيخضع الطفل فى مراحل الضبط والاستدلال والتحقيق لما يخضع له البالغين وأغفل المشرع وضع تنظيم قانونى لإجراءات الضبط والاستدلال والتحقيق للطفل مما يتناقص مع المبادئ الأساسية التى تبناها المشرع فى قانون الطفل ومن أمثله ذلك :

تعرض الطفل للتصوير الجنائى ، واخذ بصماته ، وتسجيل اتهامه فى صحيفة الحالة الجنائية ، واستعمال القيود الحديدية عند القبض عليه .

تعرض الطفل للحجز بأقسام الشرطة ، وأماكن احتجاز البالغين . . . . . الخ

عدم الفصل بين سلطة التحقيق والاتهام إذ تتولاهما الأحداث المشار إليها بالقانون .

7/9 : وبالنسبة لإجراءات المحاكمة فقد وحد المشرع بين المحكمة التى تنظر فى قضية الطف المعرض للانحراف ، والطفل المرتكب لجناية أو جنحة . وكان التوجه الأفضل فصل تلك المحكمة المختصة بنظر الطفل مرتكب الجريمة وحجب هذا الاختصاص عن الطفل المعرض للانحراف ، وإعطاءه لجهة اجتماعية تخصص لرعاية الطفل المنحرف وكذا وحد المشرع بين إجراءات المحاكمة فى محكمة الأحداث ، وإجراءات محكمة الجنح العادية ، وهو الأمر المنتقد بدورة ، والذى يتعارض مع سياسة وفلسفة المشرع عند وضع القانون .

7/10 : أثبتت التجارب أن هناك بعض التدبير الحديثة والتى لها فوائد كبيرة لابد من تقنينها وترك مساحة تقديرية للمراقب الاجتماعى فى استبدال التدبير أو إنهائه ذلك الأمر الذى سيكون له أثره فى تحقيق الفائدة من التدبير .

7/11 : بالرغم من أن المشرع قد خص نيابة الأحداث بالتحقيق الابتدائي إلا أنه لم يفصل بين سلطة الاتهام والتحقيق ؛ ولم يتضمن القانون الجديد تنظيما تفصيلياً للإجراءات المتبعة لا فى مرحلة الاستدلال أو فى مرحلة التحقيق ، فالعمل يجري حاليا على تطبيق مواد قانون الإجراءات الجنائية على الطفل باستثناء عدم جواز حبسة احتياطيا فى المرحلة الأولى ، وتقيد سلطة النيابة العامة فى تحريك الدعوى الجنائية ضد الحدث بشرط تقديم أذن من متولى أمره فى بعض حالات التعرض للانحراف ، وكذلك عدم جواز الإدعاء مدنيا أثناء مرحلة التحقيق أو المحاكمة .

7/12 : بالرغم من اتجاه العديد من الآراء إلى المناداة بضرورة تخصص قاضى الأحداث فأن القانون الجديد لم يتضمن هذا المبدأ لذلك فأن كثير من قضاة الأحداث غير متفرغين للنظر فى هذا النوع من القضايا ، ومن ثم يفتقدون ميزة التخصص.






 مكتب / محمد جابر عيسى المحامى

تعليقات

ليست هناك تعليقات: