مكتب / محمد جابر عيسى المحامى
الضمان في الشريعة الإسلامية - الجزء الثاني
الضمان في الشريعة الإسلامية - الجزء الثاني
تصنيف العقود من حيث الضّمان :
يمكن تصنيف العقود من حيث الضّمان إلى أربعة أقسام :
أوّلاً : فهناك عقد شرع للضّمان ، أو هو الضّمان بذاته ، وهو : الكفالة - كما يسمّيها الحنفيّة - وهي - أيضاً - الضّمان كما يسمّيها الجمهور .
ثانياً : وهناك عقود لم تشرع للضّمان ، بل شرعت للملك والرّبح ونحوهما ، لكن الضّمان يترتّب عليها باعتباره أثراً لازماً لأحكامها ، وتسمّى : عقود ضمان ، ويكون المال المقبوض فيها مضموناً على القابض بأيّ سبب هلك ، كعقد البيع ، والقسمة ، والصّلح عن مال بمال، والمخارجة ، والقرض ، وكعقد الزّواج ، والمخالعة .
ثالثاً : وهناك عقود يتجلّى فيها طابع الحفظ والأمانة ، والرّبح في بعض الأحيان ، وتسمّى عقود أمانة ، ويكون المال المقبوض فيها أمانةً في يد القابض ، لا يضمنه إلاّ إذا تلف بسبب تقصيره في حفظه ، كعقد الإيداع ، والعاريّة ، والشّركة بأنواعها ، والوكالة ، والوصاية .
رابعاً : وهناك عقود ذات وجهين ، تنشئ الضّمان من وجه ، والأمانة من وجه ، وتسمّى لهذا : عقود مزدوجة الأثر ، كعقد الإجارة ، والرّهن والصّلح عن مال بمنفعة .
ومناط التّمييز - بوجه عامّ - بين عقود الضّمان ، وبين عقود الأمانة ، يدور مع المعاوضة : فكلّما كان في العقد معاوضة ، كان عقد ضمان ، وكلّما كان القصد من العقد غير المعاوضة ، كالحفظ ونحوه ، كان العقد عقد أمانة .
ويستند هذا الضّابط المميّز ، إلى قول المرغينانيّ من الحنفيّة ، في تعليل كون يد أحد الشّركاء في مال الشّركة ، يد أمانة : لأنّه قبض المال بإذن المالك ، لا على وجه البدل والوثيقة ، فصار كالوديعة .
وهذا يشير إلى أنّ القبض الّذي يستوجب الضّمان ، هو : ما كان بغير إذن المالك ، كالمغصوب ، وما كان بسبيل المبادلة ، أي المعاوضة ، أو ما كان بسبيل التّوثيق ، كالرّهن والكفالة .
والرّهن - في الواقع - يؤوّل إلى المعاوضة ، لأنّه توثيق للبدل ، وكذا الكفالة ، فكان المعوّل عليه في ضمان العقود ، هو المبادلة ، وفي غير العقود ، هو عدم الإذن ، وما المبادلة إلاّ المعاوضة ، فهي منشأ التّمييز ، بين عقود الضّمان ، وبين عقود الحفظ والأمانة.
وبيان الضّمان في هذه العقود فيما يلي :
أوّلاً : الضّمان في العقود الّتي شرعت للضّمان :
الضّمان في عقد الكفالة :
إذا صحّ الضّمان - أو الكفالة باستجماع شروطها - لزم الضّامن أداء ما ضمنه ، وكان للمضمون له - الدّائن - مطالبته ، ولا يعلم فيه خلاف ، وهو فائدة الضّمان ثمّ :
إذا كانت الكفالة بأمر المدين ، وهو المكفول عنه ، رجع عليه الكفيل بما أدّى عنه بالاتّفاق - على ما يقول ابن جزيّ - في الجملة .
أمّا إذا كانت الكفالة بغير إذن المكفول عنه ، ففي الرّجوع خلاف :
فمذهب الحنفيّة عدم الرّجوع ، إذ اعتبر متبرّعاً في هذه الحال .
والمالكيّة قرّروا الرّجوع في هذه الحال إن ثبت دفع الكفيل ببيّنة ، أو بإقرار صاحب الحقّ ، وعلّلوه بسقوط الدّين بذلك .
والشّافعيّة فصّلوا ، وقالوا : إن أذن المكفول عنه ، في الضّمان والأداء فأدّى الكفيل ، رجع. وإن انتفى إذنه فيهما فلا رجوع .
وإن أذن في الضّمان فقط ، ولم يأذن في الأداء ، رجع في الأصحّ ، لأنّه أذن في سبب الغرم.
وإن أذن في الأداء فقط ، من غير ضمان ، لا يرجع في الأصحّ ، لأنّ الغرم في الضّمان ، ولم يأذن فيه .
واعتبر الحنابلة نيّة الرّجوع عند قضاء الدّين عن المكفول عنه ، فقرّروا أنّه : إن قضى الضّامن الدّين متبرّعاً ، لا يرجع ، سواء أضمنه بإذنه أم بغير إذنه ، لأنّه متطوّع بذلك . وإن قضاه ناوياً الرّجوع ، يرجع لأنّه قضاه مبرئاً من دين واجب ، فكان له الرّجوع .
ولو قضاه ذاهلاً عن قصد الرّجوع وعدمه ، لا يرجع ، لعدم قصد الرّجوع ، سواء أكان الضّمان أو الأداء بإذن المضمون عنه ، أم بغير إذن .
ولهم تفصيل رباعيّ في نيّة الرّجوع يقرب من تفصيل الشّافعيّة .
إذا مات الكفيل قبل حلول أجل الدّين ، ففي حلول الدّين ومطالبة الورثة به خلاف .
ضمان الدّرك :
قصر الحنفيّة ضمان الدّرك ، على ضمان الثّمن عند استحقاق المبيع ، وقالوا : هو الرّجوع بالثّمن عند استحقاق المبيع .
والدّرك هو : المطالبة والتّبعة والمؤاخذة .
ويقال له : ضمان العهدة عند الشّافعيّة والحنابلة .
وعرّفوه بأنّه : ضمان الثّمن للمشتري ، إن ظهر المبيع مستحقّاً أو معيباً أو ناقصاً ، بعد قبض الثّمن وضمان الدّرك صحيح عند جماهير الفقهاء وذلك : .
أ - لأنّ المضمون هو الماليّة عند تعذّر الرّدّ ، والمضمون - كما يقول العدويّ - في المعيب قيمة العيب ، وفي المستحقّ الثّمن ، وهو جائز بلا نزاع .
ب - ولأنّ الضّمان هنا ، كفالة ، والكفالة لالتزام المطالبة ، والتزام الأفعال يصحّ مضافاً إلى المآل ، كما في التزام الصّوم والصّلاة بالنّذر .
ج - وقال الحنابلة في تعليل جوازه : لأنّ الحاجة تدعو إلى الوثيقة ، وهي ثلاثة :
الشّهادة والرّهن والضّمان ، فالأولى لا يستوفي منها الحقّ ، والثّانية ممنوعة ، لأنّه يلزم حبس الرّهن إلى أن يؤدّى ، وهو غير معلوم ، فيؤدّي إلى حبسه أبداً ، فلم يبق غير الضّمان .
د - وقالوا : ولأنّه لو لم يصحّ لامتنعت المعاملات مع من لم يعرف ، وفيه ضرر عظيم ، رافع لأصل الحكمة ، الّتي شرع من أجلها البيع .
ونصّ الحنفيّة على أنّ شرط ضمان الدّرك ثبوت الثّمن على البائع بالقضاء ، فلو استحقّ المبيع قبل القضاء على البائع بالثّمن ، لا يؤخذ ضامن الدّرك ، إذ بمجرّد الاستحقاق لا ينتقض البيع على الظّاهر ، إذ يعتبر البيع موقوفاً عند أبي حنيفة ، ولهذا لو أجاز المستحقّ البيع قبل الفسخ جاز ولو بعد قبضه ، وهو الصّحيح ، فما لم يقض بالثّمن على البائع لا يجب ردّ الثّمن على الأصيل ، فلا يجب على الكفيل .
ونصّ الشّافعيّة على أنّه لا يصحّ قبل قبض الثّمن ، لأنّه إنّما يضمن ما دخل في ضمان البائع، وقيل : يصحّ قبل قبضه ، لأنّه قد تدعو الحاجة إليه ، بأن لا يسلّم الثّمن إلاّ بعده .
ثانياً : العقود الّتي لم تشرع للضّمان ويترتّب عليها الضّمان :
الضّمان في عقد البيع :
ذهب جمهور الفقهاء ، إلى أنّ المبيع في البيع الصّحيح ، في ضمان البائع ، حتّى يقبضه المشتري ، مع رواية تفرقة الحنابلة بين المكيلات ، والموزونات ، ونحوها ، وبين غيرها .
وذهب المالكيّة إلى أنّ الضّمان ينتقل إلى المشتري - كما يقول ابن جزيّ - بنفس العقد ، إلاّ في مواضع منها : ما بيع على الخيار ، وما بيع من الثّمار قبل كمال طيبه .
وأهمّ ما يستوجب الضّمان في عقد البيع : هلاك المبيع ، وهلاك الثّمن ، واستحقاق المبيع ، وظهور عيب قديم فيه .
ويلحق به : ضمان المقبوض على سوم الشّراء ، وضمان المقبوض على سوم النّظر ، وضمان الدّرك .
وبيان ذلك ما يلي :
هلاك المبيع :
يفرّق في الحكم فيه ، تبعاً لأحوال هلاكه : هلاك كلّه ، وهلاك بعضه ، وهلاك نمائه ، وهلاكه في البيع الصّحيح ، والفاسد ، والباطل ، وهلاكه وهو في يد البائع ، أو في يد المشتري .
هلاك نماء المبيع :
الأصل المقرّر عند الحنفيّة أنّ زوائد المبيع مبيعة - كما يقول الكاسانيّ - إلاّ إذا كانت منفصلةً غير متولّدة من الأصل ، كغلّة المباني والعقارات ، فإنّها إمّا أن تحدث في المبيع قبل قبضه أو بعده :
أ - فقبل القبض ، إذا أتلف البائع الزّيادة يضمنها ، فتسقط حصّتها من الثّمن عن المشتري، كما لو أتلف جزءاً من المبيع ، وكما لو أتلفها أجنبيّ .
وإذا هلكت بآفة سماويّة ، كما لو هلك الثّمر ، فلا تضمن ، لأنّها كالأوصاف ، لا يقابلها شيء من الثّمن ، وإنّها وإن كانت مبيعةً ، لكنّها مبيعة تبعاً لا قصداً .
ب - أمّا لو هلكت بعد أن قبضها المشتري ، أو أتلفها هو ، فهي غير مضمونة بقبضه ، ولها حصّتها من الثّمن ، فيقسم الثّمن على قيمة الأصل يوم العقد وعلى قيمة الزّيادة يوم القبض .
ولو أتلفها أجنبيّ ، ضمنها بلا خلاف ، لكن المشتري بالخيار : إن شاء فسخ العقد ، ويرجع البائع على الجاني بضمان الجناية ، وإن شاء اختار البيع ، واتّبع الجاني بالضّمان ، وعليه جميع الثّمن كما لو أتلف الأصل .
الضّمان في البيع الباطل :
جمهور الفقهاء لا يفرّقون في قواعدهم العامّة بين البيع الباطل ، والبيع الفاسد والحنفيّة هم الّذين فرّقوا بينهما .
والبيع الباطل لا يثبت الملك أصلاً ، ولا حكم لهذا البيع ، لأنّ الحكم للموجود ، ولا وجود لهذا البيع إلاّ من حيث الصّورة .
ضمان البيع الفاسد :
كلّ بيع فاته شرط من شروط الصّحّة فهو فاسد كأن كان في المبيع جهالة ، كبيع شاة من قطيع ، أو غرر كبيع بقرة على أنّها تحلب كذا في اليوم ، أو كان منهيّاً عنه ، كبيع الطّعام قبل قبضه ، وبيع العينة .
ومع الاتّفاق على وجوب فسخه ، وخبث الرّبح النّاشئ عنه ، فقد اختلف في ضمان المبيع فيه بعد قبضه ، وملكه :
ومذهب الشّافعيّة والحنابلة أنّه وإن كان لا يملك بالقبض ، ولا ينفذ التّصرّف فيه ببيع ولا هبة ، لكنّه يضمن ضمان الغصب ، وعليه مؤنة ردّه كالمغصوب ، وإن نقص ضمن نقصانه، وزوائده مضمونة ، وفي تعيّبه أرش النّقص ، وفي تلفه وإتلافه الضّمان .
وعلّله ابن قدامة بأنّه مضمون بعقد فاسد ، فلم يملكه ، كالميتة ، فكان مضموناً في جملته ، فأجزاؤه مضمونة أيضاً .
ومذهب الحنفيّة أنّ البيع الفاسد يفيد الملك إذا اتّصل به القبض ، ولم يكن فيه خيار شرط لحديث بريرة المعروف ، ولصدور العقد من أهله ووقوعه في محلّه ، لكنّه ملك خبيث حرام لمكان النّهي ، وهذا هو الصّحيح ، المختار عندهم .
ويكون مضموناً في يد المشتري ، ويلزمه مثله إن كان مثليّاً ، وقيمته إن كان قيميّاً ، بعد هلاكه أو تعذّر ردّه .
ومذهب المالكيّة أنّ المشتري إذا قبض المبيع في البيع الفاسد ، دخل في ضمانه ، لأنّه لم يقبضه على جهة الأمانة ، وإنّما قبضه على جهة التّمليك ، بحسب زعمه ، وإن لم ينتقل إليه الملك بحسب الأمر نفسه .
ونصّ الآبيّ على أنّ ملك الفاسد لا ينتقل إلى المشتري بقبضه ، بل لا بدّ من فواته - سواء أنقد الثّمن أم لا - قال ابن الحاجب : لا ينتقل الملك فيه إلاّ بالقبض والفوات .
والفوات - كما يقول ابن جزيّ - يكون بخمسة أشياء ، ذكر منها تغيّر الذّات والتّعيّب وتعلّق حقّ الآخرين
وفي وقت تقدير قيمة المبيع بيعاً فاسداً خلاف بين الفقهاء :
فعند جمهور الحنفيّة والمالكيّة ، تجب القيمة يوم القبض ، وذلك لأنّ به يدخل في ضمانه ، لا من يوم العقد لأنّ ما يضمن يوم العقد هو العقد الصّحيح .
وذهب الحنابلة وهو وجه عند الشّافعيّة وقول محمّد من الحنفيّة : أنّه تعتبر قيمته يوم الإتلاف أو الهلاك ، لأنّ بهما يتقرّر الضّمان كما يقول محمّد .
وعلّله الحنابلة بأنّه قبضه بإذن مالكه فأشبه العاريّة وهي مضمونة عندهم .
والمذهب عند الشّافعيّة اعتبار أقصى القيمة ، في المتقوّم ، من وقت القبض إلى وقت التّلف.
وهذا - أيضاً - وجه ذكره الحنابلة في الغصب ، وهو هاهنا كذلك ، كما يقول المقدسيّ . ولو نقص المبيع بيعاً فاسداً ، وهو في يد المشتري ، فالاتّفاق على أنّ النّقص مضمون عليه ، وذلك :
أ - للتّعيّب .
ب - ولأنّ جملة المبيع مضمونة ، فتكون أجزاؤها مضمونةً أيضاً .
ولو زاد المبيع بيعاً فاسداً بعد قبضه ، زيادةً منفصلةً كالولد والثّمرة ، أو متّصلةً كالسّمن ، فهو مضمون على المشتري - كزوائد المغصوب - كما قال النّوويّ .
وعدم ضمان الزّيادة هو - أيضاً - وجه شاذّ عند الشّافعيّة ، ذكره النّوويّ .
والحنابلة قالوا : إذا تلفت العين بعد الزّيادة ، أسقطت الزّيادة من القيمة ، وضمنها بما بقي من القيمة حين التّلف .
وذكر المقدسيّ فيه احتمالين :
أ - أحدهما : الضّمان ، لأنّها زيادة في عين مضمونة ، فأشبهت الزّيادة في المغصوب .
ب - والآخر : عدم الضّمان ، لأنّه دخل على أن لا يكون في مقابلة الزّيادة عوض ، فعلى هذا تكون الزّيادة أمانةً في يده : إن هلكت بتفريطه أو عدوانه ، ضمنها ، وإلاّ فلا . والحنفيّة قرّروا أنّ الزّيادة أربعة أنواع :
أ - الزّيادة المنفصلة المتولّدة من الأصل ، كالولد ، فهذه يضمنها بالاستهلاك لا بالهلاك .
ب - الزّيادة المنفصلة غير المتولّدة من الأصل ، كالكسب ، لا تضمن بالاستهلاك ، عند الإمام ، وعند صاحبيه تضمن بالاستهلاك ، لا بالهلاك ، كالمنفصلة المتولّدة .
ح - الزّيادة المتّصلة المتولّدة من الأصل ، كالسّمن ، يضمنها بالاستهلاك لا بالهلاك .
د - الزّيادة المتّصلة غير المتولّدة من الأصل ، كالصّبغ والخياطة ، - فإنّها ملك المشتري ، وهلاكها أو استهلاكها من حسابه - وإنّما الخلاف في هذه من حيث الفسخ :
فعند الإمام يمتنع الفسخ فيها ، وتلزم المشتري قيمتها .
وعندهما : ينقضها البائع ، ويستردّ المبيع .
وما سواها لا يمنع الفسخ .
ولو هلك المبيع فقط ، دون الزّيادة المنفصلة ، فللبائع أخذ الزّيادة ، وأخذ قيمة المبيع يوم القبض .
ولو هلك المبيع فقط ، دون الزّيادة المنفصلة ، غير المتولّدة ، كالكسب ، فللبائع أخذها مع تضمين المبيع ، لكن لا تطيب له ، ويتصدّق بها .
إذا استغلّ المشتري المبيع بيعاً فاسداً ، بعد أن قبضه لا يردّ غلّته ، لأنّ ضمانه منه و" الخراج بالضّمان " .
والخراج هو : الغلّة الحاصلة من المبيع ، كأجرة الدّابّة ، وكلّ ما خرج من شيء فهو خراجه ، فخراج الشّجر ثمره ، وخراج الحيوان درّه ونسله .
وإذا أنفق عليه لا يرجع على بائعه بنفقته ، لأنّ من له الغلّة عليه النّفقة ، فإن لم يكن له غلّة ، فله الرّجوع بالنّفقة .
وإذا أحدث فيه ، ما له عين قائمة ، كبناء وصبغ ، رجع بذلك على البائع ، مع كون الغلّة له، كسكناه ولبسه .
والزّيادة المنفصلة ، غير المتولّدة من الأصل ، كالكسب ، لا تضمن بالاستهلاك عند أبي حنيفة ، فهو كمذهب المالكيّة ، لحديث : » الخراج بالضّمان « .
وعند الصّاحبين تضمن بالاستهلاك لا بالهلاك .
ومذهب الشّافعيّة والحنابلة أنّ غلات المبيع بيعاً فاسداً مضمونة على كلّ حال ، كمنافع المغصوب .
ونصّ الشّافعيّة على أنّه تلزمه أجرة المثل ، للمدّة الّتي كان في يده ، وذلك للمنفعة ، وإن لم يستوفها ، وكذلك نصّوا على أنّه متى حكم بأنّه غاصب للدّار أو لبعضها ضمن الأجرة . ونصّ المقدسيّ على أنّ أجرة مثل المبيع بيعاً فاسداً مدّة بقائه في يده تجب على المشتري وعليه ردّها .
ضمان المقبوض على سوم الشّراء :
المقبوض على سوم الشّراء : هو أن يقبض المساوم المبيع ، بعد معرفة الثّمن ، وبعد الشّراء ، فيقول للبائع : هاته ، فإن رضيته اشتريته .
ولا بدّ فيه عند الحنفيّة من توافر شرطين :
أ - أن يكون الثّمن مسمّىً في العقد ، من البائع أو المشتري .
ب - وأن يكون القبض بقصد الشّراء ، لا لمجرّد النّظر .
ويضمنه القابض في هذه الحال ، إذا هلك في يده ، بالقيمة بالغةً ما بلغت يوم القبض ، كما في البيع الفاسد ، خلافاً للطّرسوسيّ الّذي ذهب إلى أنّه ينبغي أن لا يزاد بها على المسمّى ، كما في الإجارة الفاسدة .
أمّا لو استهلكه فيجب فيه الثّمن لا القيمة ، لأنّه بالاستهلاك يعتبر راضياً بإمضاء العقد بثمنه.
وقال القليوبيّ من الشّافعيّة : المأخوذ بالسّوم مضمون كلّه إن أخذه لشراء كلّه ، وإلاّ فقدر ما يريد شراءه .
وفي كشّاف القناع : المقبوض على وجه السّوم مضمون إذا تلف مطلقاً ، لأنّه مقبوض على وجه البدل والعوض .
أمّا المقبوض على سوم النّظر ، فهو أن يقول المساوم : هاته حتّى أنظر إليه ، أو حتّى أريه غيري ، ولا يقول : فإن رضيته أخذته فهذا غير مضمون مطلقاً بل هو أمانة ، ذكر الثّمن أو لا ، ويضمن بالاستهلاك .
والفرق بينهما - كما حرّره ابن عابدين - :
أ - أنّ المقبوض على سوم الشّراء لا بدّ فيه من ذكر الثّمن ، أمّا الآخر فلا يذكر فيه ثمن .
ب - وأنّه لا بدّ أن يقول المشتري : إن رضيته أخذته . فلو قال : حتّى أراه لم يكن مقبوضاً على سوم الشّراء ، وإن صرّح البائع بالثّمن .
وعند الحنابلة إن أخذ إنسان شيئاً بإذن ربّه ليريه الآخذ أهله فإن رضوه أخذه وإلاّ ردّه من غير مساومة ولا قطع ثمن فلا يضمنه إذا تلف بغير تفريط .
الضّمان في عقد القسمة :
تشتمل القسمة على الإفراز والمبادلة .
والإفراز : أخذ الشّريك عين حقّه ، وهو ظاهر في المثليّات .
والمبادلة : أخذه عوض حقّه ، وهو ظاهر في غير المثليّات .
ولوجود وصف المبادلة فيها ، كانت عقد ضمان .
ويد كلّ شريك على المشترك قبل القسمة ، يد أمانة ، وبعدها يد ضمان .
وإذا قبض كلّ شريك نصيبه بعد القسمة ، ملكه ملكاً مستقلاً ، يخوّله حقّ التّصرّف المطلق فيه ، وإذا هلك في يده هلك من ضمانه هو فقط .
الضّمان في عقد الصّلح عن المال بمال :
يعتبر هذا النّوع من الصّلح بمثابة البيع ، لأنّه مبادلة كالبيع ، ولهذا قال الكاسانيّ : الأصل أنّ كلّ ما يجوز بيعه وشراؤه ، يجوز الصّلح عليه وما لا فلا .
وقال المالكيّة : الصّلح على غير المدّعى - به - بيع ، فتشترط فيه شروط البيع والبيع أبرز عقود الضّمان ، فكذلك الصّلح عن المال بمال .
فإذا قبض المصالح عليه ، وهو بدل الصّلح ، وهلك في يد المصالح ، هلك من ضمانه ، كما لو هلك المبيع بعد قبضه في عقد البيع ، في يد المشتري .
الضّمان في عقد التّخارج :
التّخارج : اصطلاح الورثة على إخراج بعضهم من التّركة ، بشيء معلوم .
ويعتبر بمثابة تنازل أحد الورثة عن نصيبه من التّركة ، في مقابل ما يتسلّمه من المال ، عقاراً كان أو عروضاً أو نقوداً ، فيمكن اعتباره بيعاً ، فإذا قبض المخرج من التّركة بدل المخارجة أخذ حكم المبيع بعد قبضه ، تملّكاً وتصرّفاً واستحقاقاً ، فإذا هلك هلك من حسابه الخاصّ ، كالمبيع إذا هلك في يد المشتري بعد قبضه ، وهذا لأنّه أمكن اعتباره بيعاً ، فكان مضموناً كضمان المبيع .
الضّمان في عقد القرض :
يشبه القرض العاريّة في الابتداء ، لما فيه من الصّلة ، والمعاوضة في الانتهاء ، لوجود ردّ المثل ، لكنّه ليس بتبرّع محض ، لمكان العوض ، وليس جارياً على حقيقة المعاوضات ، بدليل الرّجوع فيه ما دام باقياً
ويملك القرض بالقبض ، كالموهوب - عند الجمهور - لأنّه لا يتمّ التّبرّع إلاّ بالقبض . وعند المالكيّة ، وفي قول للشّافعيّة ، بالتّصرّف والعقد .
فإذا قبضه المقترض ، ضمنه ، كلّما هلك ، بآفة أو تعدّ منه أو من غيره ، كالمبيع والموهوب بعد القبض ، لأنّ قبضه قبض ضمان ، لا قبض حفظ وأمانة كقبض العاريّة .
ونصّ الحنفيّة على أنّ المقبوض بقرض فاسد كالمقبوض ، ببيع فاسد ، سواء ، فإذا هلك ضمنه المقترض فيحرم الانتفاع به ، لكن يصحّ بيعه ، لثبوت الملك ، وإن كان البيع لا يحلّ ، لأنّ الفاسد يجب فسخه ، والبيع مانع من الفسخ ، فلا يحلّ ، كما لا تحلّ سائر التّصرّفات المانعة من الفسخ .
والقرض الفاسد يملك بقبضه ، ويضمن بمثله أو قيمته ، كبيع فسد .
ولو أقرض صبيّاً ، فهلك القرض في يده ، لا يضمن بالاتّفاق ، عند الحنفيّة ، لأنّه سلّطه عليه .
أمّا لو استهلكه الصّبيّ ، فالحكم كذلك عند أبي حنيفة ومحمّد ، وعند أبي يوسف يضمن بالتّعمّد والاستهلاك . قال في الخانيّة : وهو الصّحيح .
وهذا إذا كان الصّبيّ غير مأذون له بالبيع فإن كان مأذوناً له بالبيع ، كان كالبائع ، يضمن القرض ، بالهلاك والاستهلاك .
الضّمان في عقد الزّواج :
لا بدّ من المهر في عقد الزّواج ، فيجري فيه الضّمان .
فإن كان المهر ديناً ، ثبت في الذّمّة .
وإن كان عيناً معيّنةً ، فإنّ الزّوجة تملكها بمجرّد العقد ، ويجب على الزّوج أن يسلّمها العين، ولو لم تتسلّمها بقيت في ضمان الزّوج ما دامت في يده ، عيناً مضمونةً بنفسها ، لأنّها غير مقابلة بمال ، فإذا هلكت قبل تسليمها إلى الزّوجة : فالحنفيّة يرون أنّ المضمون في هذه الحال ، هو قيمة العين أو مثلها ، كسائر الأعيان المضمونة بنفسها ، كالمغصوب ، والمبيع بيعاً فاسداً ، وبدل الصّلح عن دم ، والمقبوض على سوم الشّراء . ولا يبطل الزّواج بهلاك بدل المهر .
والمنصوص عند الشّافعيّة ، أنّه لو أصدق عيناً ، فهي من ضمانه قبل قبضها ، ضمان عقد، لا ضمان يد ، ولو تلفت في يده أو أتلفها هو ، وجب لها مهر مثلها ، لانفساخ عقد الصّداق بالتّلف .
وكذلك الخلع ، ويجري فيه الضّمان ، فلو خالعته على عين معيّنة ، وهلكت العين قبل الدّفع إلى الزّوج : فمذهب الحنفيّة : أنّ عليها مثلها أو قيمتها .
قال الحصكفيّ : ولو هلك بدله - يعني بدل الخلع - في يدها ، قبل الدّفع ، أو استحقّ ، فعليها قيمته لو البدل قيميّاً ، ومثله لو مثليّاً ، لأنّ الخلع لا يقبل الفسخ .
ومذهب الشّافعيّة أنّ عليها مهر مثلها .
الضمان في الشريعة الإسلامية - الجزء الثاني
الضمان في الشريعة الإسلامية - الجزء الثاني
تصنيف العقود من حيث الضّمان :
يمكن تصنيف العقود من حيث الضّمان إلى أربعة أقسام :
أوّلاً : فهناك عقد شرع للضّمان ، أو هو الضّمان بذاته ، وهو : الكفالة - كما يسمّيها الحنفيّة - وهي - أيضاً - الضّمان كما يسمّيها الجمهور .
ثانياً : وهناك عقود لم تشرع للضّمان ، بل شرعت للملك والرّبح ونحوهما ، لكن الضّمان يترتّب عليها باعتباره أثراً لازماً لأحكامها ، وتسمّى : عقود ضمان ، ويكون المال المقبوض فيها مضموناً على القابض بأيّ سبب هلك ، كعقد البيع ، والقسمة ، والصّلح عن مال بمال، والمخارجة ، والقرض ، وكعقد الزّواج ، والمخالعة .
ثالثاً : وهناك عقود يتجلّى فيها طابع الحفظ والأمانة ، والرّبح في بعض الأحيان ، وتسمّى عقود أمانة ، ويكون المال المقبوض فيها أمانةً في يد القابض ، لا يضمنه إلاّ إذا تلف بسبب تقصيره في حفظه ، كعقد الإيداع ، والعاريّة ، والشّركة بأنواعها ، والوكالة ، والوصاية .
رابعاً : وهناك عقود ذات وجهين ، تنشئ الضّمان من وجه ، والأمانة من وجه ، وتسمّى لهذا : عقود مزدوجة الأثر ، كعقد الإجارة ، والرّهن والصّلح عن مال بمنفعة .
ومناط التّمييز - بوجه عامّ - بين عقود الضّمان ، وبين عقود الأمانة ، يدور مع المعاوضة : فكلّما كان في العقد معاوضة ، كان عقد ضمان ، وكلّما كان القصد من العقد غير المعاوضة ، كالحفظ ونحوه ، كان العقد عقد أمانة .
ويستند هذا الضّابط المميّز ، إلى قول المرغينانيّ من الحنفيّة ، في تعليل كون يد أحد الشّركاء في مال الشّركة ، يد أمانة : لأنّه قبض المال بإذن المالك ، لا على وجه البدل والوثيقة ، فصار كالوديعة .
وهذا يشير إلى أنّ القبض الّذي يستوجب الضّمان ، هو : ما كان بغير إذن المالك ، كالمغصوب ، وما كان بسبيل المبادلة ، أي المعاوضة ، أو ما كان بسبيل التّوثيق ، كالرّهن والكفالة .
والرّهن - في الواقع - يؤوّل إلى المعاوضة ، لأنّه توثيق للبدل ، وكذا الكفالة ، فكان المعوّل عليه في ضمان العقود ، هو المبادلة ، وفي غير العقود ، هو عدم الإذن ، وما المبادلة إلاّ المعاوضة ، فهي منشأ التّمييز ، بين عقود الضّمان ، وبين عقود الحفظ والأمانة.
وبيان الضّمان في هذه العقود فيما يلي :
أوّلاً : الضّمان في العقود الّتي شرعت للضّمان :
الضّمان في عقد الكفالة :
إذا صحّ الضّمان - أو الكفالة باستجماع شروطها - لزم الضّامن أداء ما ضمنه ، وكان للمضمون له - الدّائن - مطالبته ، ولا يعلم فيه خلاف ، وهو فائدة الضّمان ثمّ :
إذا كانت الكفالة بأمر المدين ، وهو المكفول عنه ، رجع عليه الكفيل بما أدّى عنه بالاتّفاق - على ما يقول ابن جزيّ - في الجملة .
أمّا إذا كانت الكفالة بغير إذن المكفول عنه ، ففي الرّجوع خلاف :
فمذهب الحنفيّة عدم الرّجوع ، إذ اعتبر متبرّعاً في هذه الحال .
والمالكيّة قرّروا الرّجوع في هذه الحال إن ثبت دفع الكفيل ببيّنة ، أو بإقرار صاحب الحقّ ، وعلّلوه بسقوط الدّين بذلك .
والشّافعيّة فصّلوا ، وقالوا : إن أذن المكفول عنه ، في الضّمان والأداء فأدّى الكفيل ، رجع. وإن انتفى إذنه فيهما فلا رجوع .
وإن أذن في الضّمان فقط ، ولم يأذن في الأداء ، رجع في الأصحّ ، لأنّه أذن في سبب الغرم.
وإن أذن في الأداء فقط ، من غير ضمان ، لا يرجع في الأصحّ ، لأنّ الغرم في الضّمان ، ولم يأذن فيه .
واعتبر الحنابلة نيّة الرّجوع عند قضاء الدّين عن المكفول عنه ، فقرّروا أنّه : إن قضى الضّامن الدّين متبرّعاً ، لا يرجع ، سواء أضمنه بإذنه أم بغير إذنه ، لأنّه متطوّع بذلك . وإن قضاه ناوياً الرّجوع ، يرجع لأنّه قضاه مبرئاً من دين واجب ، فكان له الرّجوع .
ولو قضاه ذاهلاً عن قصد الرّجوع وعدمه ، لا يرجع ، لعدم قصد الرّجوع ، سواء أكان الضّمان أو الأداء بإذن المضمون عنه ، أم بغير إذن .
ولهم تفصيل رباعيّ في نيّة الرّجوع يقرب من تفصيل الشّافعيّة .
إذا مات الكفيل قبل حلول أجل الدّين ، ففي حلول الدّين ومطالبة الورثة به خلاف .
ضمان الدّرك :
قصر الحنفيّة ضمان الدّرك ، على ضمان الثّمن عند استحقاق المبيع ، وقالوا : هو الرّجوع بالثّمن عند استحقاق المبيع .
والدّرك هو : المطالبة والتّبعة والمؤاخذة .
ويقال له : ضمان العهدة عند الشّافعيّة والحنابلة .
وعرّفوه بأنّه : ضمان الثّمن للمشتري ، إن ظهر المبيع مستحقّاً أو معيباً أو ناقصاً ، بعد قبض الثّمن وضمان الدّرك صحيح عند جماهير الفقهاء وذلك : .
أ - لأنّ المضمون هو الماليّة عند تعذّر الرّدّ ، والمضمون - كما يقول العدويّ - في المعيب قيمة العيب ، وفي المستحقّ الثّمن ، وهو جائز بلا نزاع .
ب - ولأنّ الضّمان هنا ، كفالة ، والكفالة لالتزام المطالبة ، والتزام الأفعال يصحّ مضافاً إلى المآل ، كما في التزام الصّوم والصّلاة بالنّذر .
ج - وقال الحنابلة في تعليل جوازه : لأنّ الحاجة تدعو إلى الوثيقة ، وهي ثلاثة :
الشّهادة والرّهن والضّمان ، فالأولى لا يستوفي منها الحقّ ، والثّانية ممنوعة ، لأنّه يلزم حبس الرّهن إلى أن يؤدّى ، وهو غير معلوم ، فيؤدّي إلى حبسه أبداً ، فلم يبق غير الضّمان .
د - وقالوا : ولأنّه لو لم يصحّ لامتنعت المعاملات مع من لم يعرف ، وفيه ضرر عظيم ، رافع لأصل الحكمة ، الّتي شرع من أجلها البيع .
ونصّ الحنفيّة على أنّ شرط ضمان الدّرك ثبوت الثّمن على البائع بالقضاء ، فلو استحقّ المبيع قبل القضاء على البائع بالثّمن ، لا يؤخذ ضامن الدّرك ، إذ بمجرّد الاستحقاق لا ينتقض البيع على الظّاهر ، إذ يعتبر البيع موقوفاً عند أبي حنيفة ، ولهذا لو أجاز المستحقّ البيع قبل الفسخ جاز ولو بعد قبضه ، وهو الصّحيح ، فما لم يقض بالثّمن على البائع لا يجب ردّ الثّمن على الأصيل ، فلا يجب على الكفيل .
ونصّ الشّافعيّة على أنّه لا يصحّ قبل قبض الثّمن ، لأنّه إنّما يضمن ما دخل في ضمان البائع، وقيل : يصحّ قبل قبضه ، لأنّه قد تدعو الحاجة إليه ، بأن لا يسلّم الثّمن إلاّ بعده .
ثانياً : العقود الّتي لم تشرع للضّمان ويترتّب عليها الضّمان :
الضّمان في عقد البيع :
ذهب جمهور الفقهاء ، إلى أنّ المبيع في البيع الصّحيح ، في ضمان البائع ، حتّى يقبضه المشتري ، مع رواية تفرقة الحنابلة بين المكيلات ، والموزونات ، ونحوها ، وبين غيرها .
وذهب المالكيّة إلى أنّ الضّمان ينتقل إلى المشتري - كما يقول ابن جزيّ - بنفس العقد ، إلاّ في مواضع منها : ما بيع على الخيار ، وما بيع من الثّمار قبل كمال طيبه .
وأهمّ ما يستوجب الضّمان في عقد البيع : هلاك المبيع ، وهلاك الثّمن ، واستحقاق المبيع ، وظهور عيب قديم فيه .
ويلحق به : ضمان المقبوض على سوم الشّراء ، وضمان المقبوض على سوم النّظر ، وضمان الدّرك .
وبيان ذلك ما يلي :
هلاك المبيع :
يفرّق في الحكم فيه ، تبعاً لأحوال هلاكه : هلاك كلّه ، وهلاك بعضه ، وهلاك نمائه ، وهلاكه في البيع الصّحيح ، والفاسد ، والباطل ، وهلاكه وهو في يد البائع ، أو في يد المشتري .
هلاك نماء المبيع :
الأصل المقرّر عند الحنفيّة أنّ زوائد المبيع مبيعة - كما يقول الكاسانيّ - إلاّ إذا كانت منفصلةً غير متولّدة من الأصل ، كغلّة المباني والعقارات ، فإنّها إمّا أن تحدث في المبيع قبل قبضه أو بعده :
أ - فقبل القبض ، إذا أتلف البائع الزّيادة يضمنها ، فتسقط حصّتها من الثّمن عن المشتري، كما لو أتلف جزءاً من المبيع ، وكما لو أتلفها أجنبيّ .
وإذا هلكت بآفة سماويّة ، كما لو هلك الثّمر ، فلا تضمن ، لأنّها كالأوصاف ، لا يقابلها شيء من الثّمن ، وإنّها وإن كانت مبيعةً ، لكنّها مبيعة تبعاً لا قصداً .
ب - أمّا لو هلكت بعد أن قبضها المشتري ، أو أتلفها هو ، فهي غير مضمونة بقبضه ، ولها حصّتها من الثّمن ، فيقسم الثّمن على قيمة الأصل يوم العقد وعلى قيمة الزّيادة يوم القبض .
ولو أتلفها أجنبيّ ، ضمنها بلا خلاف ، لكن المشتري بالخيار : إن شاء فسخ العقد ، ويرجع البائع على الجاني بضمان الجناية ، وإن شاء اختار البيع ، واتّبع الجاني بالضّمان ، وعليه جميع الثّمن كما لو أتلف الأصل .
الضّمان في البيع الباطل :
جمهور الفقهاء لا يفرّقون في قواعدهم العامّة بين البيع الباطل ، والبيع الفاسد والحنفيّة هم الّذين فرّقوا بينهما .
والبيع الباطل لا يثبت الملك أصلاً ، ولا حكم لهذا البيع ، لأنّ الحكم للموجود ، ولا وجود لهذا البيع إلاّ من حيث الصّورة .
ضمان البيع الفاسد :
كلّ بيع فاته شرط من شروط الصّحّة فهو فاسد كأن كان في المبيع جهالة ، كبيع شاة من قطيع ، أو غرر كبيع بقرة على أنّها تحلب كذا في اليوم ، أو كان منهيّاً عنه ، كبيع الطّعام قبل قبضه ، وبيع العينة .
ومع الاتّفاق على وجوب فسخه ، وخبث الرّبح النّاشئ عنه ، فقد اختلف في ضمان المبيع فيه بعد قبضه ، وملكه :
ومذهب الشّافعيّة والحنابلة أنّه وإن كان لا يملك بالقبض ، ولا ينفذ التّصرّف فيه ببيع ولا هبة ، لكنّه يضمن ضمان الغصب ، وعليه مؤنة ردّه كالمغصوب ، وإن نقص ضمن نقصانه، وزوائده مضمونة ، وفي تعيّبه أرش النّقص ، وفي تلفه وإتلافه الضّمان .
وعلّله ابن قدامة بأنّه مضمون بعقد فاسد ، فلم يملكه ، كالميتة ، فكان مضموناً في جملته ، فأجزاؤه مضمونة أيضاً .
ومذهب الحنفيّة أنّ البيع الفاسد يفيد الملك إذا اتّصل به القبض ، ولم يكن فيه خيار شرط لحديث بريرة المعروف ، ولصدور العقد من أهله ووقوعه في محلّه ، لكنّه ملك خبيث حرام لمكان النّهي ، وهذا هو الصّحيح ، المختار عندهم .
ويكون مضموناً في يد المشتري ، ويلزمه مثله إن كان مثليّاً ، وقيمته إن كان قيميّاً ، بعد هلاكه أو تعذّر ردّه .
ومذهب المالكيّة أنّ المشتري إذا قبض المبيع في البيع الفاسد ، دخل في ضمانه ، لأنّه لم يقبضه على جهة الأمانة ، وإنّما قبضه على جهة التّمليك ، بحسب زعمه ، وإن لم ينتقل إليه الملك بحسب الأمر نفسه .
ونصّ الآبيّ على أنّ ملك الفاسد لا ينتقل إلى المشتري بقبضه ، بل لا بدّ من فواته - سواء أنقد الثّمن أم لا - قال ابن الحاجب : لا ينتقل الملك فيه إلاّ بالقبض والفوات .
والفوات - كما يقول ابن جزيّ - يكون بخمسة أشياء ، ذكر منها تغيّر الذّات والتّعيّب وتعلّق حقّ الآخرين
وفي وقت تقدير قيمة المبيع بيعاً فاسداً خلاف بين الفقهاء :
فعند جمهور الحنفيّة والمالكيّة ، تجب القيمة يوم القبض ، وذلك لأنّ به يدخل في ضمانه ، لا من يوم العقد لأنّ ما يضمن يوم العقد هو العقد الصّحيح .
وذهب الحنابلة وهو وجه عند الشّافعيّة وقول محمّد من الحنفيّة : أنّه تعتبر قيمته يوم الإتلاف أو الهلاك ، لأنّ بهما يتقرّر الضّمان كما يقول محمّد .
وعلّله الحنابلة بأنّه قبضه بإذن مالكه فأشبه العاريّة وهي مضمونة عندهم .
والمذهب عند الشّافعيّة اعتبار أقصى القيمة ، في المتقوّم ، من وقت القبض إلى وقت التّلف.
وهذا - أيضاً - وجه ذكره الحنابلة في الغصب ، وهو هاهنا كذلك ، كما يقول المقدسيّ . ولو نقص المبيع بيعاً فاسداً ، وهو في يد المشتري ، فالاتّفاق على أنّ النّقص مضمون عليه ، وذلك :
أ - للتّعيّب .
ب - ولأنّ جملة المبيع مضمونة ، فتكون أجزاؤها مضمونةً أيضاً .
ولو زاد المبيع بيعاً فاسداً بعد قبضه ، زيادةً منفصلةً كالولد والثّمرة ، أو متّصلةً كالسّمن ، فهو مضمون على المشتري - كزوائد المغصوب - كما قال النّوويّ .
وعدم ضمان الزّيادة هو - أيضاً - وجه شاذّ عند الشّافعيّة ، ذكره النّوويّ .
والحنابلة قالوا : إذا تلفت العين بعد الزّيادة ، أسقطت الزّيادة من القيمة ، وضمنها بما بقي من القيمة حين التّلف .
وذكر المقدسيّ فيه احتمالين :
أ - أحدهما : الضّمان ، لأنّها زيادة في عين مضمونة ، فأشبهت الزّيادة في المغصوب .
ب - والآخر : عدم الضّمان ، لأنّه دخل على أن لا يكون في مقابلة الزّيادة عوض ، فعلى هذا تكون الزّيادة أمانةً في يده : إن هلكت بتفريطه أو عدوانه ، ضمنها ، وإلاّ فلا . والحنفيّة قرّروا أنّ الزّيادة أربعة أنواع :
أ - الزّيادة المنفصلة المتولّدة من الأصل ، كالولد ، فهذه يضمنها بالاستهلاك لا بالهلاك .
ب - الزّيادة المنفصلة غير المتولّدة من الأصل ، كالكسب ، لا تضمن بالاستهلاك ، عند الإمام ، وعند صاحبيه تضمن بالاستهلاك ، لا بالهلاك ، كالمنفصلة المتولّدة .
ح - الزّيادة المتّصلة المتولّدة من الأصل ، كالسّمن ، يضمنها بالاستهلاك لا بالهلاك .
د - الزّيادة المتّصلة غير المتولّدة من الأصل ، كالصّبغ والخياطة ، - فإنّها ملك المشتري ، وهلاكها أو استهلاكها من حسابه - وإنّما الخلاف في هذه من حيث الفسخ :
فعند الإمام يمتنع الفسخ فيها ، وتلزم المشتري قيمتها .
وعندهما : ينقضها البائع ، ويستردّ المبيع .
وما سواها لا يمنع الفسخ .
ولو هلك المبيع فقط ، دون الزّيادة المنفصلة ، فللبائع أخذ الزّيادة ، وأخذ قيمة المبيع يوم القبض .
ولو هلك المبيع فقط ، دون الزّيادة المنفصلة ، غير المتولّدة ، كالكسب ، فللبائع أخذها مع تضمين المبيع ، لكن لا تطيب له ، ويتصدّق بها .
إذا استغلّ المشتري المبيع بيعاً فاسداً ، بعد أن قبضه لا يردّ غلّته ، لأنّ ضمانه منه و" الخراج بالضّمان " .
والخراج هو : الغلّة الحاصلة من المبيع ، كأجرة الدّابّة ، وكلّ ما خرج من شيء فهو خراجه ، فخراج الشّجر ثمره ، وخراج الحيوان درّه ونسله .
وإذا أنفق عليه لا يرجع على بائعه بنفقته ، لأنّ من له الغلّة عليه النّفقة ، فإن لم يكن له غلّة ، فله الرّجوع بالنّفقة .
وإذا أحدث فيه ، ما له عين قائمة ، كبناء وصبغ ، رجع بذلك على البائع ، مع كون الغلّة له، كسكناه ولبسه .
والزّيادة المنفصلة ، غير المتولّدة من الأصل ، كالكسب ، لا تضمن بالاستهلاك عند أبي حنيفة ، فهو كمذهب المالكيّة ، لحديث : » الخراج بالضّمان « .
وعند الصّاحبين تضمن بالاستهلاك لا بالهلاك .
ومذهب الشّافعيّة والحنابلة أنّ غلات المبيع بيعاً فاسداً مضمونة على كلّ حال ، كمنافع المغصوب .
ونصّ الشّافعيّة على أنّه تلزمه أجرة المثل ، للمدّة الّتي كان في يده ، وذلك للمنفعة ، وإن لم يستوفها ، وكذلك نصّوا على أنّه متى حكم بأنّه غاصب للدّار أو لبعضها ضمن الأجرة . ونصّ المقدسيّ على أنّ أجرة مثل المبيع بيعاً فاسداً مدّة بقائه في يده تجب على المشتري وعليه ردّها .
ضمان المقبوض على سوم الشّراء :
المقبوض على سوم الشّراء : هو أن يقبض المساوم المبيع ، بعد معرفة الثّمن ، وبعد الشّراء ، فيقول للبائع : هاته ، فإن رضيته اشتريته .
ولا بدّ فيه عند الحنفيّة من توافر شرطين :
أ - أن يكون الثّمن مسمّىً في العقد ، من البائع أو المشتري .
ب - وأن يكون القبض بقصد الشّراء ، لا لمجرّد النّظر .
ويضمنه القابض في هذه الحال ، إذا هلك في يده ، بالقيمة بالغةً ما بلغت يوم القبض ، كما في البيع الفاسد ، خلافاً للطّرسوسيّ الّذي ذهب إلى أنّه ينبغي أن لا يزاد بها على المسمّى ، كما في الإجارة الفاسدة .
أمّا لو استهلكه فيجب فيه الثّمن لا القيمة ، لأنّه بالاستهلاك يعتبر راضياً بإمضاء العقد بثمنه.
وقال القليوبيّ من الشّافعيّة : المأخوذ بالسّوم مضمون كلّه إن أخذه لشراء كلّه ، وإلاّ فقدر ما يريد شراءه .
وفي كشّاف القناع : المقبوض على وجه السّوم مضمون إذا تلف مطلقاً ، لأنّه مقبوض على وجه البدل والعوض .
أمّا المقبوض على سوم النّظر ، فهو أن يقول المساوم : هاته حتّى أنظر إليه ، أو حتّى أريه غيري ، ولا يقول : فإن رضيته أخذته فهذا غير مضمون مطلقاً بل هو أمانة ، ذكر الثّمن أو لا ، ويضمن بالاستهلاك .
والفرق بينهما - كما حرّره ابن عابدين - :
أ - أنّ المقبوض على سوم الشّراء لا بدّ فيه من ذكر الثّمن ، أمّا الآخر فلا يذكر فيه ثمن .
ب - وأنّه لا بدّ أن يقول المشتري : إن رضيته أخذته . فلو قال : حتّى أراه لم يكن مقبوضاً على سوم الشّراء ، وإن صرّح البائع بالثّمن .
وعند الحنابلة إن أخذ إنسان شيئاً بإذن ربّه ليريه الآخذ أهله فإن رضوه أخذه وإلاّ ردّه من غير مساومة ولا قطع ثمن فلا يضمنه إذا تلف بغير تفريط .
الضّمان في عقد القسمة :
تشتمل القسمة على الإفراز والمبادلة .
والإفراز : أخذ الشّريك عين حقّه ، وهو ظاهر في المثليّات .
والمبادلة : أخذه عوض حقّه ، وهو ظاهر في غير المثليّات .
ولوجود وصف المبادلة فيها ، كانت عقد ضمان .
ويد كلّ شريك على المشترك قبل القسمة ، يد أمانة ، وبعدها يد ضمان .
وإذا قبض كلّ شريك نصيبه بعد القسمة ، ملكه ملكاً مستقلاً ، يخوّله حقّ التّصرّف المطلق فيه ، وإذا هلك في يده هلك من ضمانه هو فقط .
الضّمان في عقد الصّلح عن المال بمال :
يعتبر هذا النّوع من الصّلح بمثابة البيع ، لأنّه مبادلة كالبيع ، ولهذا قال الكاسانيّ : الأصل أنّ كلّ ما يجوز بيعه وشراؤه ، يجوز الصّلح عليه وما لا فلا .
وقال المالكيّة : الصّلح على غير المدّعى - به - بيع ، فتشترط فيه شروط البيع والبيع أبرز عقود الضّمان ، فكذلك الصّلح عن المال بمال .
فإذا قبض المصالح عليه ، وهو بدل الصّلح ، وهلك في يد المصالح ، هلك من ضمانه ، كما لو هلك المبيع بعد قبضه في عقد البيع ، في يد المشتري .
الضّمان في عقد التّخارج :
التّخارج : اصطلاح الورثة على إخراج بعضهم من التّركة ، بشيء معلوم .
ويعتبر بمثابة تنازل أحد الورثة عن نصيبه من التّركة ، في مقابل ما يتسلّمه من المال ، عقاراً كان أو عروضاً أو نقوداً ، فيمكن اعتباره بيعاً ، فإذا قبض المخرج من التّركة بدل المخارجة أخذ حكم المبيع بعد قبضه ، تملّكاً وتصرّفاً واستحقاقاً ، فإذا هلك هلك من حسابه الخاصّ ، كالمبيع إذا هلك في يد المشتري بعد قبضه ، وهذا لأنّه أمكن اعتباره بيعاً ، فكان مضموناً كضمان المبيع .
الضّمان في عقد القرض :
يشبه القرض العاريّة في الابتداء ، لما فيه من الصّلة ، والمعاوضة في الانتهاء ، لوجود ردّ المثل ، لكنّه ليس بتبرّع محض ، لمكان العوض ، وليس جارياً على حقيقة المعاوضات ، بدليل الرّجوع فيه ما دام باقياً
ويملك القرض بالقبض ، كالموهوب - عند الجمهور - لأنّه لا يتمّ التّبرّع إلاّ بالقبض . وعند المالكيّة ، وفي قول للشّافعيّة ، بالتّصرّف والعقد .
فإذا قبضه المقترض ، ضمنه ، كلّما هلك ، بآفة أو تعدّ منه أو من غيره ، كالمبيع والموهوب بعد القبض ، لأنّ قبضه قبض ضمان ، لا قبض حفظ وأمانة كقبض العاريّة .
ونصّ الحنفيّة على أنّ المقبوض بقرض فاسد كالمقبوض ، ببيع فاسد ، سواء ، فإذا هلك ضمنه المقترض فيحرم الانتفاع به ، لكن يصحّ بيعه ، لثبوت الملك ، وإن كان البيع لا يحلّ ، لأنّ الفاسد يجب فسخه ، والبيع مانع من الفسخ ، فلا يحلّ ، كما لا تحلّ سائر التّصرّفات المانعة من الفسخ .
والقرض الفاسد يملك بقبضه ، ويضمن بمثله أو قيمته ، كبيع فسد .
ولو أقرض صبيّاً ، فهلك القرض في يده ، لا يضمن بالاتّفاق ، عند الحنفيّة ، لأنّه سلّطه عليه .
أمّا لو استهلكه الصّبيّ ، فالحكم كذلك عند أبي حنيفة ومحمّد ، وعند أبي يوسف يضمن بالتّعمّد والاستهلاك . قال في الخانيّة : وهو الصّحيح .
وهذا إذا كان الصّبيّ غير مأذون له بالبيع فإن كان مأذوناً له بالبيع ، كان كالبائع ، يضمن القرض ، بالهلاك والاستهلاك .
الضّمان في عقد الزّواج :
لا بدّ من المهر في عقد الزّواج ، فيجري فيه الضّمان .
فإن كان المهر ديناً ، ثبت في الذّمّة .
وإن كان عيناً معيّنةً ، فإنّ الزّوجة تملكها بمجرّد العقد ، ويجب على الزّوج أن يسلّمها العين، ولو لم تتسلّمها بقيت في ضمان الزّوج ما دامت في يده ، عيناً مضمونةً بنفسها ، لأنّها غير مقابلة بمال ، فإذا هلكت قبل تسليمها إلى الزّوجة : فالحنفيّة يرون أنّ المضمون في هذه الحال ، هو قيمة العين أو مثلها ، كسائر الأعيان المضمونة بنفسها ، كالمغصوب ، والمبيع بيعاً فاسداً ، وبدل الصّلح عن دم ، والمقبوض على سوم الشّراء . ولا يبطل الزّواج بهلاك بدل المهر .
والمنصوص عند الشّافعيّة ، أنّه لو أصدق عيناً ، فهي من ضمانه قبل قبضها ، ضمان عقد، لا ضمان يد ، ولو تلفت في يده أو أتلفها هو ، وجب لها مهر مثلها ، لانفساخ عقد الصّداق بالتّلف .
وكذلك الخلع ، ويجري فيه الضّمان ، فلو خالعته على عين معيّنة ، وهلكت العين قبل الدّفع إلى الزّوج : فمذهب الحنفيّة : أنّ عليها مثلها أو قيمتها .
قال الحصكفيّ : ولو هلك بدله - يعني بدل الخلع - في يدها ، قبل الدّفع ، أو استحقّ ، فعليها قيمته لو البدل قيميّاً ، ومثله لو مثليّاً ، لأنّ الخلع لا يقبل الفسخ .
ومذهب الشّافعيّة أنّ عليها مهر مثلها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق