بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

18 يونيو 2010

مكتب / محمد جابر عيسى المحامى



الضمان في الشريعة الإسلامية - الجزء السابع








رابعاً : ضمان سقوط المباني :



بحث الفقهاء موضوع سقوط المباني وضمانها بعنوان : الحائط المائل .



ويتناول القول في ضمان الحائط ، ما يلحق به ، من الشّرفات والمصاعد والميازيب والأجنحة ، إذا شيّدت مطلّةً على ملك الآخرين أو الطّريق العامّ وما يتّصل بها من أحكام . وقد ميّز الفقهاء ، بين ما إذا كان البناء أو الحائط أو نحوه ، مبنيّاً من الأصل متداعياً ذا خلل ، أو مائلاً ، وبين ما إذا كان الخلل طارئاً ، فهما حالتان :



الحالة الأولى : الخلل الأصليّ في البناء :



هو الخلل الموجود في البناء ، منذ الإنشاء ، كأن أنشئ مائلاً إلى الطّريق العامّ أو أشرع الجناح أو الميزاب أو الشّرفة ، بغير إذن ، أو أشرعه في غير ملكه .



قال الحنفيّة والمالكيّة إن سقط البناء في هذه الحال ، فأتلف إنساناً أو حيواناً أو مالاً ، كان ذلك مضموناً على صاحبه ، مطلقاً من غير تفصيل ، ومن غير إشهاد ولا طلب ، لأنّ في البناء تعدّياً ظاهراً ثابتاً منذ الابتداء وذلك بشغل هواء الطّريق بالبناء ، وهواء الطّريق كأصل الطّريق حقّ المارّة ، فمن أحدث فيه شيئاً ، كان متعدّياً ضامناً .



والشّافعيّة لا يفرّقون في الضّمان ، بين أن يأذن الإمام في الإشراع أو لا ، لأنّ الانتفاع بالشّارع مشروط بسلامة العاقبة ، بأن لا يضرّ بالمارّة ، وما تولّد منه مضمون ، وإن كان إشراعاً جائزاً .



لكن ما تولّد من الجناح ، في درب منسدّ ، بغير إذن أهله ، مضمون ، وبإذنهم لا ضمان فيه.



وقال الحنابلة : وإذا بنى في ملكه حائطاً مائلاً إلى الطّريق ، أو إلى ملك غيره ، فتلف به شيء أو سقط على شيء فأتلفه ضمنه ، لأنّه متعدّ بذلك ، فإنّه ليس له الانتفاع بالبناء في هواء ملك غيره ، أو هواء مشترك ، ولأنّه يعرّضه للوقوع على غيره في غير ملكه ، فأشبه ما لو نصب فيه منجلاً يصيد به .



الحالة الثّانية : الخلل الطّارئ :



إذا أنشئ البناء مستقيماً ثمّ مال ، أو سليماً ثمّ تشقّق ووقع ، وحدث بسبب وقوعه تلف ، فذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة - استحساناً - والمالكيّة ، وهو المختار عند الحنابلة ، والمرويّ عن عليّ رضي الله عنه وشريح والنّخعيّ والشّعبيّ وغيرهم من التّابعين إلى أنّه يضمن ما تلف به ، من نفس أو حيوان أو مال إذا طولب صاحبه بالنّقض ، وأشهد عليه ، ومضت مدّة يقدر على النّقض خلالها ، ولم يفعل .



وهذا قول عند الشّافعيّة ، فقد قالوا : إن أمكنه هدمه أو إصلاحه ، ضمن ، لتقصيره بترك النّقض والإصلاح



والقياس عند الحنفيّة عدم الضّمان ، لأنّه لم يوجد من المالك صُنْعٌ هو تعدّ ، لأنّ البناء كان في ملكه مستقيماً ، والميلان وشغل الهواء ليس من فعله ، فلا يضمن ، كما إذا لم يشهد عليه ، ولما قالوه في هذه المسألة : ومن قتله الحجر ، بغير فعل البشر ، فهو بالإجماع هدر .



ووجه الاستحسان : ما روي عن الأئمّة من الصّحابة والتّابعين المذكورين ، وأنّ الحائط لمّا مال فقد شغل هواء الطّريق بملكه ، ورفعه بقدرة صاحبه ، فإذا تقدّم إليه وطولب بتفريغه لزمه ذلك ، فإذا امتنع مع تمكّنه صار متعدّياً .



ولأنّه لو لم يضمن يمتنع من الهدم ، فينقطع المارّة خوفاً على أنفسهم ، فيتضرّرون به ، ودفع الضّرر العامّ من الواجب ، وكم من ضرر خاصّ يتحمّل لدفع العامّ .



ومع ذلك فقد نصّ الحنفيّة على أنّ الشّرط هو التّقدّم ، دون الإشهاد ، لأنّ المطالبة تتحقّق ، وينعدم به معنى العذر في حقّه ، وهو الجهل بميل الحائط .



أمّا الإشهاد فللتّمكّن من إثباته عند الإنكار ، فكان من باب الاحتياط .



والمالكيّة يشترطون الإشهاد مع الإنذار ، فإذا انتفى الإنذار والإشهاد فلا ضمان ، إلاّ أن يعترف بذلك مع تفريطه فيضمن ، كما أنّ الإشهاد المعتبر عندهم يكون عند الحاكم ، أو جماعة المسلمين ولو مع إمكان الإشهاد عند الحاكم .



وشروط التّقدّم أو الإنذار هي : ومعنى التّقدّم : طلب النّقض ممّن يملكه ، وذلك بأن يقول المتقدّم : إنّ حائطك هذا مخوف ، أو يقول : مائل فانقضه أو اهدمه ، حتّى لا يسقط ولا يتلف شيئاً ، ولو قال : ينبغي أن تهدمه ، فذلك مشورة .



أ - أن يكون التّقدّم ممّن له حقّ مصلحة في الطّلب .



وفرّقوا في هذا : بين ما إذا كان الحائط مائلاً إلى الطّريق العامّ ، وبين ما إذا كان مائلاً إلى ملك إنسان .



ففي الصّورة الأولى : يصحّ التّقدّم من كلّ مكلّف ، مسلم أو غيره ، وليس للمتقدّم ولا للقاضي حقّ إبراء صاحب الحائط ، ولا تأخيره بعد المطالبة ، لأنّه حقّ العامّة ، وتصرّفه في حقّ العامّة نافذ - كما يقول الحصكفيّ نقلاً عن الذّخيرة - فيما ينفعهم ، لا فيما يضرّهم . وفي الصّورة الثّانية : لا يصحّ التّقدّم إلاّ من المالك الّذي شغل الحائط هواء ملكه ، كما أنّ له حقّ الإبراء والتّأخير .



وذهب الشّافعيّة إلى عدم الضّمان مطلقاً بسقوط البناء ، إذا مال بعد بنائه مستقيماً ولو تقدّم إليه ، وأشهد عليه .



قال النّوويّ : إن لم يتمكّن من هدمه وإصلاحه ، فلا ضمان قطعاً ، وكذا إن تمكّن على الأصحّ . ولا فرق بين أن يطالبه الوالي أو غيره بالنّقض ، وبين أن لا يطالب ، وهذا هو القياس ، كما تقدّم ، ووجهه : أنّه بنى في ملكه ، والهلاك حصل بغير فعله ، وأنّ الميل نفسه لم يحصل بفعله ، وأنّ ما كان أوّله غير مضمون ، لا ينقلب مضموناً بتغيير الحال . وذهب بعض الحنابلة ، وهو قول ابن أبي ليلى وأبي ثور وإسحاق ، إلى أنّه يضمن ما تلف به وإن لم يطالب بالنّقض ، وذلك لأنّه متعدّ بتركه مائلاً ، فضمن ما تلف به ، كما لو بناه مائلاً إلى ذلك ابتداءً ، ولأنّه لو طولب بنقضه فلم يفعل ضمن ما تلف ، ولو لم يكن ذلك موجباً للضّمان لم يضمن بالمطالبة ، كما لو لم يكن مائلاً ، أو كان مائلاً إلى ملكه .



لكن نصّ أحمد ، هو عدم الضّمان - كما يقول ابن قدامة - أمّا لو طولب بالنّقض ، فقد توقّف فيه أحمد ، وذهب بعض الأصحاب إلى الضّمان فيه .



أمّا الضّمان الواجب بسقوط الأبنية ، عند القائلين به ، فهو :



أ - أنّ ما تلف به من النّفوس ، ففيه الدّية على عاقلة مالك البناء .



ب - وما تلف به من الأموال فعلى مالك البناء ، لأنّ العاقلة لا تعقل المال .



ج - ولا تجب على المالك الكفّارة - عند الحنفيّة - ولا يحرم من الميراث والوصيّة ، لأنّه قتل بسبب ، وذلك لعدم القتل مباشرةً ، وإنّما ألحق بالمباشر في الضّمان ، صيانةً للدّم عن الهدر ، على خلاف الأصل ، فبقي في الكفّارة وحرمان الميراث على الأصل .



وعند الشّافعيّة والجمهور : هو ملحق بالخطأ في أحكامه ، إذ لا قتل بسبب عندهم ، ففيه الكفّارة ، وفيه الحرمان من الميراث والوصيّة ، لأنّ الشّارع أنزله منزلة القاتل .



خامساً : ضمان التّلف بالأشياء :



أكثر ما يعرض التّلف بالأشياء ، بسبب إلقائها في الطّرقات والشّوارع ، أو بسبب وضعها في غير مواضعها المخصّصة لها .



ويمكن تقسيم الأشياء إلى خطرة ، وغير خطرة ، أي عاديّة .



القسم الأوّل : ضمان التّلف الحاصل بالأشياء العاديّة غير الخطرة :



يردّ الفقهاء مسائل التّلف الحاصل بالأشياء العاديّة ، غير الخطرة ، إلى هذه القواعد والأصول :



الأوّل : كلّ موضع يجوز للواضع أن يضع فيه أشياءه لا يضمن ما يترتّب على وضعها فيه من ضرر ، لأنّ الجواز الشّرعيّ ينافي الضّمان .



الثّاني : كلّ موضع لا يجوز له أن يضع فيه أشياءه يضمن ما ينشأ عن وضعها فيه من أضرار ، ما دامت في ذلك الموضع ، فإن زالت عنه لم يضمن .



الثّالث : كلّ من فعل فعلاً لم يؤذن له فيه ، ضمن ما تولّد عنه من ضرر .



الرّابع : أنّ المرور في طريق المسلمين مباح ، بشرط السّلامة فيما يمكن الاحتراز عنه . الخامس : أنّ المتسبّب ضامن إذا كان متعدّياً ، وإلاّ لا يضمن ، والمباشر ضامن مطلقاً . ومن الفروع الّتي انبثقت منها هذه الأصول :



أ - من وضع جرّةً أو شيئاً في طريق لا يملكه فتلف به شيء ضمن ، ولو زال ذلك الشّيء الموضوع أوّلاً إلى موضع آخر - غير الطّريق - فتلف به شيء ، برئ واضعه ولم يضمن.



ب - لو قعد في الطّريق ليبيع ، فتلف بقعدته شيء : فإن كان قعد بإذن الإمام لا يضمنه ، وإن كان بغير إذنه يضمنه وللحنابلة قولان في الضّمان .



ج - ولو وضع جرّةً على حائط ، فأهوت بها الرّيح ، وتلف بوقوعها شيء ، لم يضمن ، إذ انقطع أثر فعله بوضعه ، وهو غير متعدّ في هذا الوضع بأن وضعت الجرّة وضعاً مأموناً ، فلا يضاف إليه التّلف .



د - لو حمل في الطّريق شيئاً على دابّته أو سيّارته ، فسقط المحمول على شيء فأتلفه أو اصطدم بشيء فكسره ، ضمن الحامل ، لأنّ الحمل في الطّريق مباح بشرط السّلامة ، ولأنّه أثر فعله .



ولو عثر أحد بالحمل ضمن ، لأنّه هو الواضع ، فلم ينقطع أثر فعله .



هـ – لو ألقى في الطّريق قشراً ، فزلقت به دابّة ، ضمن ، لأنّه غير مأذون فيه ، وهو الصّحيح عند الشّافعيّة ، ومقابل الصّحيح عندهم : أنّه غير مضمون ، لجريان العادة بالمسامحة في طرح ما ذكر .



وكذا لو رشّ في الطّريق ماءً ، فتلفت به دابّة ، ضمن ، وقال القليوبيّ : إنّه غير مضمون إذا كان لمصلحة عامّة ، ولم يجاوز العادة ، وإلاّ فهو مضمون على الرّاشّ ، لأنّه المباشر .



القسم الثّاني : ضمان التّلف بالأشياء الخطرة :



روى أبو موسى الأشعريّ رضي الله تعالى عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم » إذا مرّ أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ، ومعه نبل ، فليمسك على نصالها - أو قال : فليقبض بكفّه - أن يصيب أحداً من المسلمين منها بشيء « .



وفي الفروع : لو انفلتت فأس من يد قصّاب ، كان يكسر العظم ، فأتلف عضو إنسان ، يضمن ، وهو خطأ



ولا تعليل للضّمان في هذه المسألة إلاّ التّقصير في رعاية هذه الآلة الحادّة ، وعدم الاحتراز أثناء الاستعمال ، فاستدلّ بوقوع الضّرر على التّعدّي ، وأقيم مقامه .



وقال الحنفيّة : إنّ ذا اليد على الأشياء الخطرة يضمن من الأضرار المترتّبة عليها ما كان بفعله ، ولا يضمن ما كان بغير فعله . ومن نصوصهم :



أ - لو خرج البارود من البندقيّة بفعله ، فأصاب آدميّاً أو مالاً ضمن ، قياساً على ما لو طارت شرارة من ضرب الحدّاد ، فأصابت ثوب مارّ في الطّريق ، ضمن الحدّاد .



ب - ولو هبّت الرّيح فحملت ناراً ، وألقتها على البندقيّة ، فخرج البارود ، لا ضمان .



ج - ولو وقع الزّند المتّصل بالبندقيّة المجرّبة ، الّتي تستعمل في زماننا ، على البارود بنفسه ، فخرجت رصاصتها ، أو ما بجوفها ، فأتلف مالاً أو آدميّاً ، فإنّه لا ضمان .



ضمان الاصطدام :



تناول الفقهاء حوادث الاصطدام ، وميّزوا بين اصطدام الإنسان والحيوان ، وبين اصطدام الأشياء كالسّفن ونحوها .



أوّلاً : اصطدام الإنسان :



ذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا اصطدم الفارسان خطأً وماتا منه ضمنت عاقلة كلّ فارس دية الآخر إذا وقعا على القفا ، وإذا وقعا على وجوههما يهدر دمهما .



ولو كانا عامدين فعلى عاقلة كلّ نصف الدّية ، ولو وقع أحدهما على وجهه هدر دمه فقط . وإذا تجاذب رجلان حبلاً فانقطع الحبل ، فسقطا على القفا وماتا هدر دمهما ، لموت كلّ بقوّة نفسه ، فإن وقعا على الوجه وجب دية كلّ واحد منهما على الآخر ، لموته بقوّة صاحبه . وعند المالكيّة : إن تصادم مكلّفان عمداً ، أو تجاذبا حبلاً فماتا معاً ، فلا قصاص ولا دية وإن مات أحدهما فقط فالقود .



وإن تصادما خطأً فماتا ، فدية كلّ واحد منهما على عاقلة الآخر ، وإن مات أحدهما فديته على من بقي منها .



وإن كان التّجاذب لمصلحة فلا قصاص ولا دية ، كما يقع بين صنّاع الحبال فإذا تجاذب صانعان حبلاً لإصلاحه فماتا أو أحدهما فهو هدر .



ولو تصادم الصّبيّان فماتا ، فدية كلّ واحد منهما على عاقلة الآخر ، سواء حصل التّصادم أو التّجاذب بقصد أو بغير قصد ، لأنّ فعل الصّبيان عمداً حكمه كالخطأ .



وذهب الشّافعيّة : إلى أنّه إذا اصطدم شخصان - راكبان أو ماشيان ، أو راكب وماش طويل- بلا قصد ، فعلى عاقلة كلّ منهما نصف دية مخفّفة ، لأنّ كلّ واحد منهما هلك بفعله، وفعل صاحبه ، فيهدر النّصف ، ولأنّه خطأ محض ، ولا فرق بين أن يقعا منكبّين أو مستلقيين ، أو أحدهما منكبّاً والآخر مستلقياً .



وإن قصدا الاصطدام فنصف الدّية مغلّظةً على عاقلة كلّ منهما لورثة الآخر ، لأنّ كلّ واحد منهما هلك بفعله وفعل صاحبه ، فيهدر النّصف ، ولأنّ القتل حينئذ شبه عمد فتكون الدّية مغلّظةً ، ولا قصاص إذا مات أحدهما دون الآخر ، لأنّ الغالب أنّ الاصطدام لا يفضي إلى الموت .



والصّحيح أنّ على كلّ منهما في تركته كفّارتين : إحداهما لقتل نفسه ، والأخرى لقتل صاحبه ، لاشتراكهما في إهلاك نفسين ، بناءً على أنّ الكفّارة لا تتجزّأ .



وفي تركة كلّ منهما نصف قيمة دية الآخر ، لاشتراكهما في الإتلاف ، مع هدر فعل كلّ منهما في حقّ نفسه



ولو تجاذبا حبلاً فانقطع وسقطا وماتا ، فعلى عاقلة كلّ منهما نصف دية الآخر ، سواء أسقطا منكبّين أم مستلقيين ، أم أحدهما منكبّاً والآخر مستلقياً ، وإن قطعه غيرهما فديتهما على عاقلته .



وذهب الحنابلة إلى أنّه إذا اصطدم الفارسان ، فعلى كلّ واحد من المصطدمين ضمان ما تلف من الآخر من نفس أو دابّة أو مال ، سواء كانا مقبلين أم مدبرين ، لأنّ كلّ واحد منهما مات من صدمة صاحبه وإنّما هو قربها إلى محلّ الجناية ، فلزم الآخر ضمانها كما لو كانت واقفةً إذا ثبت هذا ، فإنّ قيمة الدّابّتين إن تساوتا تقاصّا وسقطتا ، وإن كانت إحداهما أكثر من الأخرى فلصاحبها الزّيادة ، وإن ماتت إحدى الدّابّتين فعلى الآخر قيمتها ، وإن نقصت فعليه نقصها .



فإن كان أحدهما يسير بين يدي الآخر ، فأدركه الثّاني فصدمه فماتت الدّابّتان ، أو إحداهما فالضّمان على اللاحق ، لأنّه الصّادم والآخر مصدوم ، فهو بمنزلة الواقف .



وإن كان أحدهما يسير والآخر واقفاً ، فعلى السّائر قيمة دابّة الواقف ، نصّ أحمد على هذا لأنّ السّائر هو الصّادم المتلف ، فكان الضّمان عليه وإن مات هو أو دابّته فهو هدر ، لأنّه أتلف نفسه ودابّته ، وإن انحرف الواقف فصادفت الصّدمة انحرافه فهما كالسّائرين ، لأنّ التّلف حصل من فعلهما ، وإن كان الواقف متعدّياً بوقوفه ، مثل أن يقف في طريق ضيّق فالضّمان عليه دون السّائر ، لأنّ التّلف حصل بتعدّيه فكان الضّمان عليه ، كما لو وضع حجراً في الطّريق ، أو جلس في طريق ضيّق فعثر به إنسان .



وإن تصادم نفسان يمشيان فماتا ، فعلى عاقلة كلّ واحد منهما دية الآخر ، روي هذا عن عليّ رضي الله عنه والخلاف - هاهنا - في الضّمان كالخلاف فيما إذا اصطدم الفارسان ، إلاّ أنّه لا تقاصّ - هاهنا - في الضّمان ، لأنّه على غير من له الحقّ ، لكون الضّمان على عاقلة كلّ واحد منهما ، وإن اتّفق أن يكون الضّمان على من له الحقّ مثل أن تكون العاقلة هي الوارثة ، أو يكون الضّمان على المتصادمين تقاصّا ، ولا يجب القصاص سواء كان اصطدامهما عمداً أو خطأً ، لأنّ الصّدمة لا تقتل غالباً ، فالقتل الحاصل بها مع العمد عمد الخطأ .



ثانياً : اصطدام الأشياء :



السّفن والسّيّارات :



قال الفقهاء : إذا كان الاصطدام بسبب قاهر أو مفاجئ ، كهبوب الرّيح أو العواصف، فلا ضمان على أحد .



وإذا كان الاصطدام بسبب تفريط أحد ربّاني السّفينتين - أو قائدي السّيّارتين - كان الضّمان عليه وحده .



ومعيار التّفريط - كما يقول ابن قدامة - أن يكون الرّبّان - وكذلك القائد - قادراً على ضبط سفينته - أو سيّارته - أو ردّها عن الأخرى ، فلم يفعل ، أو أمكنه أن يعدلها إلى ناحية أخرى فلم يفعل ، أو لم يكمل آلتها من الحبال والرّجال وغيرها .



وإذا كانت إحدى السّفينتين واقفةً ، والأخرى سائرةً ، فلا شيء على الواقفة ، وعلى السّائرة ضمان الواقفة ، إن كان القيّم مفرّطاً .



وإذا كانتا ماشيتين متساويتين ، بأن كانتا في بحر أو ماء راكد ، ضمن المفرّط سفينة الآخر، بما فيها من مال أو نفس .



أمّا إذا كانتا غير متساويتين ، بأن كانت إحداهما منحدرةً ، والأخرى صاعدةً فعلى المنحدر ضمان الصّاعدة ، لأنّها تنحدر عليها من علوّ ، فيكون ذلك سبباً في غرقها ، فتنزل المنحدرة منزلة السّائرة ، والصّاعدة منزلة الواقفة ، إلاّ أن يكون التّفريط من المصعد فيكون، الضّمان عليه ، لأنّه المفرّط .



وقال الشّافعيّة في اصطدام السّفن : السّفينتان كالدّابّتين ، والملاحان كالرّاكبين إن كانتا لهما.



وأطلق ابن جزيّ قوله : إذا اصطدم مركبان في جريهما ، فانكسر أحدهما أو كلاهما ، فلا ضمان في ذلك .










ليست هناك تعليقات: