بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

26 أغسطس 2010

اغتصاب الإناث بين الشريعة الإسلامية والقانون المصري.














 نظراً لانتشار هذا النوع من الجرائم في عصرناً الحاضر بشكل مخيف وما لهذه الجريمة من آثار على الفرد والمجتمع لا نستطيع أن نقول أنها آثار سيئة بل هي ابعد من ذلك بكثير ومهما تحدثناً عن وحشية هذه الجريمة لا نستطيع أن نوصفها بوصف يتماشى مع بشاعة ووحشية هذا الجرم ،فهي من أبشع الجرائم على الإطلاق وان كانت جريمة القتل من اشد الجرائم وصفاً وعقوبة إلا أن جريمة الزنا أو الاغتصاب اشد منها



ويتضح ذلك في أمرين أما الأمر فإن الزاني لا تسمع له شهادة الأمر الآخر فإن العقوبة في القتل يجوز لولى الدم أن يعفو عن القاتل أما في جريمة الزنا فلا يجوز العفو عن الجاني من قبل المجني عليها وبذلك يتضح أمام الجميع أن جريمة الزنا اشد من جريمة القتل في واقعها على الإنسان والمجتمع.



 سوف نعرض للإبعاد الشرعية والقانونية والتطبيقات القضائية التى تحكم وتجرم هذه الجريمة في الشريعة الإسلامية والقانون المصري .



* فإذا تحدثناً عن جريمة الاغتصاب في الشريعة الإسلامية .



فهي صورة من صور الزنا وعلى ذلك فكل شخص فعل الفاحشة بامرأة ليست بزوجته وعاشرها معاشرة الأزواج فهو زاني ويطبق عليهما اى المرأة والرجل حد الزنا إذا توافرت شروطه وأحكامه والتي سنعرض لها فيما بعد ولكن يختلف الأمر في حال ما إذا كانت الواقعة اغتصاب ففي هذه الحالة أصبح الزنا تحت وطأة الإكراه وبدون رضا المرأة وبذلك يدرأ عنها الحد اى لا يطبق الحد على المرأة فى حين يطبق الحد على الغاصب فقط اى الرجل ومن هنا يتضح الفرق فى الشريعة الإسلامية بين الزنا والاغتصاب كأحد صور الزنا .



أما إذا تكلمناً عما تثبت به جريمة الاغتصاب أمام القضاء في الشريعة الإسلامية .



فإن الحديث عن وسائل الإثبات أمام القضاء يطول ولكن سوف نقوم بإيجاز هذا الأمر في أهم النقاط المعمول بها أمام القضاء في حال وقوع هذه الجريمة وما يثبت بها فقد اتفق الفقهاء على إن شهادة الشهود والإقرار هم المعمول بهما ويؤخذ بهم أما الأدلة المختلف فيها بين الفقهاء فهى علم القاضي بالجريمة وظهور الحمل على المرأة فإما الأدلة المتفق عليها فهى :



الدليل الأول شهادة الشهود.



فقد قال تعالى ( واللاتى يأتين الفاحشة من نسائكم فأستشهدوا عليهن أربعة منكم )



وقال تعالى أيضا ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانون جلدة )



فمن خلال هذه الآيات الكريمات نجد انه لابد أن يشهد واقعة الزنا أربعة من الرجال كما يشترط في شهادتهم أن تكون معاصرة للحدث منعاً للشك فقد قال تعالى ( وأقيموا الشهادة لله) فإذا لم يتحقق نصاب الشهادة من أربعة رجال يشهدوا واقعة الزنا بأعينهم فلا تكون الواقعة واقعة زنا حتى ولو كان الشهود ثلاثة أو اثنين فلا تثبت التهمة إلا بأربعة شهود وان يكونوا من الرجال.



الدليل الثاني لثبوت جريمة الزنا أو الاغتصاب وهي الإقرار.



لا خلاف بين الفقهاء على أن الاعتراف أو الإقرار من قبل المتهم على نفسه بالجريمة يستوجب تطبيق الحد عليه فقد قال تعالى (يا أيها الذين امنوا كونوا قومين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين أو الأقربين) وليس أدل على ذلك مما جاء في السنة المطهرة من إقرار ماعز على نفسه بفعل الزنا وأيضا إقرار الغامدية على نفسها بفعل الزنا للرسول صلى الله عليه وسلم ولا يخفى على احد أن الرسول قام تلميحاً لا تصريحاً لهم بالرجوع عن إقرارهم فقد قال لماعز لعلك قبلت أو لعلك فأخذت لان كل هذا لا يطلق عليه زنا إلا أن ماعز قد أصر على اعترافه وإقراره بفعل الزنا فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم برجمه،وفى هذا الحديث دلالة على أمرين الأمر الأول جواز تلقين المتهم بالرجوع عن اعترافه أما الأمر الثاني فهو لابد من ثبوت المتهم على إقراره أو اعترافه وعدم الرجوع فيه حتى الحكم والتنفيذ عليه .



أما الأدلة التي اختلف فيها الفقهاء فى ثبوت جريمة الزنا فهي علم القاضي بالجريمة وظهور الحمل على المرأة.



أما أولهما فهو علم القاضي بالجريمة فقد يرى الفقهاء الأربعة انه لا يعتد بعلم القاضي في أثبات جريمة الزنا لأنه لا يجوز الإثبات إلا بشهادة الشهود والإقرار فقط كما بينا بالسابق واستندوا فى ذلك أيضا على ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم من انه لم يقضي بعلمه في الجرائم التي عرضت عليه ومن ذلك قصه هلال بن أمية حينما اتهم امرأته وقذفها بالزنا وشكي للرسول صلى الله عليه وسلم ذلك فقال عليه الصلاة والسلام أن جاءت به اى جنينها كذا من الصفات فهو لزوجها هلال وان جاءت به كذا من الصفات فهو للمقذوف المتهم (شريك بن سمحاء) فجاءت به أي جنينها على الصفة المكروه فقال صلى الله عليه وسلام لولا كتاب الله لكان لى ولها شأن ولم يرجمها ولم يعمل بعلمه في هذه الواقعة وفى هذا دليلاً قاطع على انه لا يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه في جريمة الزنا .



أما الدليل الثاني وهو ظهور الحمل على المرآة وهذا أيضا محل خلاف إلا انه يأخذ بهذا الدليل كدليل لثبوت جريمة الزنا ويدرأ عن المرأة الحد اى لا يطبق عليها فى هذه الحالة إذا أقامت الزوجة البينة على أن الحمل من زوجها أو أن تقيم البينة على أن هذا الحمل كان نتيجة أكراه اى الاغتصاب وبذلك اخذ الحنابلة وسيدناً عمر وعثمان وعلى واعتبروا الحمل قرينة على الزنا.



*أما عن الأدلة التي تثبت بها جريمة الاغتصاب فى القانون المصري:



تثبت جريمة الزنا في القانون المصري بالتلبس اى القبض على المتهم والمجني عليها في حالة تقطع بحصول الزنا .



الأمر الآخر أو الدليل الثاني فهو شهادة الشهود غير انه لابد من تحليف الشاهد في مجلس القضاء قبل أن يدلى بشهادته أمام القضاء .



الدليل الثالث هو الاعتراف أو الإقرار يشترط في الإقرار أن يكون صريحاً وليس غامضاً وان يكون مختاراً ومدركاً لآثار هذا الاعتراف وان يكون صادراً عن أرادة حرة ومستقره دون أكراه أو ضغط .



وما نود أن ننوه عنه في هذا الشأن أن هذه الشروط هي شروط عامه في القانون المصري ولكن إذا تكلمناً عن الواقع العملي بشكل عام وجريمة الاغتصاب بشكل خاص في القضاء المصري فهي تثبت بكافة طرق الإثبات بجانب هذه الطرق سالفة البيان ولكن إذا لم تستطيع المجني عليها أن يشهد لها احد بواقعه الاغتصاب ولم يضبط الجاني متلبساً ففي هذه الحالة وفور توجه المجني عليها إلى الشرطة ومن ثم النيابة العامة فتأمر مباشرة اى النيابة العامة بعرض المجني عليها على الطب الشرعي ولكن لابد إن يكون ذلك خلال ثمانية وأربعون ساعة من الواقعة حتى لا تزول أثار الفعل وهذا هو المتبع في كافة جرائم الاغتصاب خاصة وجرائم العرض المتنوعة بشكل عام من هتك عرض وغيرها .



*عقوبة جريمة الزنا (الاغتصاب ) فى الشريعة الإسلامية .



لقد تدرجت عقوبة الزنا ومرت بعدة مراحل لتشريع عقوبته سنذكرها بإيجاز .



فقد كان الزنا منتشر في الجاهلية ومألوف ولا عقوبة عليه وكان للنساء رايات تعلق على بيوتهن لتعرف بها المنازل التي تمارس هذا الفعل وكان المعسر الذي لا يجد مالاً ليسدد به دينه لان كان غالباً دين من المرابين اى المتعاملين بالربا يقوم بإكراه بناته على ممارسة الدعارة الزنا مقابل المال لكى يستطيع الوفاء بدين الدائن المرابى ولذلك نزلت الآية الكريمة ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء أن أردن تحصناً) وهذه الآية كانت بمثابة تمهيد لنزول أول آيات لعقوبة الزنا .



المرحلة الأولى لعقوبة الزنا فى الإسلام .



قال تعالى ( اللاتى يأتين من نسائكم الفاحشة فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فان شهدوا فأمسكوهن فى البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً )



فعقوبة الحبس فى البيوت كانت أول عقوبة في الإسلام لمن تمارس هذه الرذيلة .



المرحلة الثانية .أما المرحلة الثانية لعقوبة الزنا فقد قال تعالى ( واللذان يأتيانها منكم فأذهما ) ويري أهل العلم أن هذه الآية نزلت في عقوبة الرجال والآية الأولى نزلت فى عقوبة النساء والمقصود بهذه الآية هو التوبيخ والضرب بالنعال كما قال ابن عباس .



المرحلة الثالثة .فقال تعالى ( والزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلده ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين)وهذه العقوبة هى العقوبة الأخير والتى استقر العمل بها وتختلف هنا العقوبة من المتزوج اى المحصن ،وبين البكر اى غير المحصن فالمتزوج المحصن تكون عقوبته الرجم حتى الموت أما البكر اى غير المحصن اى غير المتزوج فعقوبته الجلد مائة جلده .



والسؤال الذي يثور هنا في زهن الجميع أنه قد يتصور البعض أن هذه العقوبات هي عقوبة الزاني أو الزانية ولكن ما هي العقوبة فى حال الاغتصاب ؟



وللإجابة نقول وكما ذكرنا في البداية أن الاغتصاب في الشريعة الإسلامية هو احد صور جريمة الزنا ولكن ما يختلف هنا انه في جريمة الاغتصاب يدرأ اى لا يطبق على المرأة المجني عليها الحد بينما يطبق الحد على الجاني في حال ثبوت الجريمة عليه بالأدلة التي سبق ذكرها من أربعة شهود أو إقرار الجاني بوقوع هذا الفعل .وهنا يثور تسأل آخر فعلى فرض أن الجاني لم يقر بفعله ولم يكن هناك أربعة شهود على واقعة الاغتصاب ماذا تفعل المرأة تجاه هذه الجريمة البشعة ؟



وللإجابة على هذا السؤال فإنه من الواقع العملي فقد عرضت علينا قضية بهذا الشكل خطف أمرأة واغتصابها وتصويرها بكاميرا فيديو وقد تم الحكم فيها بالتعزير بالسجن سبع سنوات والجلد .



ولتفسير ذلك فان للقاضي الحق في تعزير الجاني إذا لم تتوافر لدية أدلة ثبوت الزنا فى حين توفرت لديه قرائن ضد الجاني تجزم بوقوع الجريمة ومن القرائن التي تثبت بها الجريمة على سبيل المثال لا الحصر التصوير أو تقارير طبية أو ضبط الواقعة في حالة تلبس كل ذلك يجعل القاضي مطمئن إلى حكمة ويقوم بتعزير الجانى بما يشاء حسب درجه الجرم وظروف الواقعة .



* عقوبة جريمة الاغتصاب في القانون المصري .



فقد نصت المادة 267 من قانون العقوبات على انه ( من واقع أنثى بغير رضاها يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة)



فقد أقر المشرع المصري عقوبة الأشغال الشاقة لجريمة الاغتصاب أما إذا اقترنت جريمة الاغتصاب بجريمة أو جرائم أخري مثل الخطف الأنثى واستعمال السلاح فقد تصل العقوبة إلى الإعدام وخير شاهد على ذلك جريمة الاغتصاب التى شاهدتها محافظة كفر الشيخ والتي تم الحكم فيها بالإعدام على إحدى عشر متهماً شارك في هذه الجريمة والتي اقترنت بأكثر من ظرف مشدد للعقوبة من خطف وتهديد بالسلاح وحالة المرأة المغتصبة والتي كانت تعانى من الآلام تبعات الولادة التى لم تتعدى أسابيع من الواقعة فقد تمت ولادتها ولادة قيصرية اى عملية جراحية بشق فى البطن ، فقد اجتمعت عدة ظروف مشددة جعلت المحكمة لا تأخذها الرأفة معهم مع اجتماع كافة الأدلة على المتهمين من تلبس بالواقعة وتقارير طبية تجزم بوقوع الجرم ،ونرى أن هذا الحكم هو حكم تاريخي في القضاء المصري ونحى القضاة الذين أصدروا هذا الحكم فما هو إلا تطبيق حي للأحكام الشريعة الإسلامية فى جزاء الذين يفسدون فى الأرض فانه يحمل في طياته أصلا شرعاً وهو القياس على حد الحرابة في الشريعة الإسلامية .



ومهما تكلمناً عن هذه الجريمة وآثارها على الفرد والمجتمع ومهما وصلت العقوبات التي تردع هذا الجرم فهي لا تمثل إلا القليل الذي لا يتناسب مع هذه الجريمة وفاعلها الذي لا ينطبق عليه اى وصف من مخلوقات الله عز وجل سواء كان إنسانا أو حيواناً ونسأل الله العفو والعافية وان يهدى الجميع إلى ما فيه ما يحب ويرضى .



مع تحياتى وتقديري،،،


مكتب /محمد جابر عيسى المحامى


 والمستشار والقانوني




تعليقات

ليست هناك تعليقات: