بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

14 يونيو 2011

فتوى مجلس الدولة ، بشأن طلب الإحتلال البريطاني التعويض عن مقتل جنود بريطانيين

طلب الرأي من إدارة الرأي في 13 فبراير سنة 1947 حول اقتراح الحكومة البريطانية الالتجاء إلى التحكيم في أمر التعويض عن الحوادث التي وقعت بالإسكندرية في 4 مارس 1946.

--- 1 ---
أتشرف أن انهي لدولتكم إني قد اطلعت على الكتاب رقم 1-1/165 المؤرخ 13 فبراير سنة 1947 بشأن اقتراح الحكومة البريطانية الالتجاء إلي التحكيم على طريقة معينة في أمر الخلاف القائم بينها وبين الحكومة المصرية في موضوع المطالبة المقدمة منها للحصول على تعويض عن الحوادث التي وقعت بالإسكندرية في 4 مارس سنة 1946.
وقد تبين لي من الإطلاع على الملف المرفق بالكتاب السالف الذكر أن الوقائع هذا الموضوع بأكمله تتلخص في أنه في صباح يوم 21 فبراير سنة 1946 انتظم طلبة الجامعة المصرية والمدارس الثانوية وغيرها من معاهد العلم وكذلك طوائف من العمال في مواكب على هيئة مظاهرات سلمية سارت في شوارع مدينة القاهرة معبرة عن الأماني القومية وظلت الحالة هادئة إلي الساعة الثانية عشرة والدقيقة الخامسة والأربعين مساء تقريبا حيث حدث في ذلك الوقت أن كانت بعض السيارات الحربية البريطانية في طريقها من شارع القصر العيني إلي ميدان الإسماعيلية. وفى المسافة بين مبنى الجامعة الأمريكية وثكنات الإسماعيلية اقتحمت صفوف المتظاهرين فأصابت عددا من الأشخاص نقلوا إلي مستشفى القصر العيني وثبت من الفحص الطبي والتشريح لجثث من قتل أن احدهم توفي فعلا نتيجة مصادمة سيارة وقد كان هذا الحادث العارض السبب في إثارة شعور المتظاهرين وفى انتقال الحالة فجأة من الهدوء إلي الاضطراب الذي صاحبه وزاد من حدته إطلاق الرصاص على المتظاهرين من أفراد القوات البريطانية الموجودين في المعسكر المقام على الأرض المعروفة بسراي الإسماعيلية ومن ثكنات قصر النيل وترتب عليه إصابة عدد من الأشخاص يناهز الخمسين ومع تلك الظروف الطارئة نتيجة تصرف سيئ من أفراد القوات البريطانية تمكن رجال البوليس المصري من اتخاذ الإجراءات المناسبة لإعادة الحالة إلي طبيعتها الهادئة.
وفى يوم 22 فبراير سنة 1946 قابل الوزير المفوض في السفارة البريطانية دولة رئيس مجلس الوزراء وطلب شفويا العمل على معاقبة من ارتكبوا الجرائم ودفع تعويض عن الإتلاف والخسائر التي وقعت ومعرفة الإجراءات التي تنوى الحكومة المصرية اتخاذها لصيانة واستتباب النظام ثم أرسلت السفارة البريطانية كتابا في 23 فبراير سنة 1946 تكرر فيه ما تقدم إبلاغه شفويا.
وفى 23 فبراير سنة 1946 أرسل دولة رئيس مجلس الوزراء ردا إلي السفارة البريطانية أشار فيه إلي دهشته من لهجة التبليغ البريطاني وإلى أنه قد مضت خمس ساعات من بدء قيام المظاهرات السلمية دون وقوع أية حادثة وأن الحوادث التي وقعت في يوم 21 فبراير سنة 1946 إنما نتيجة لحادث سيارات النقل التابعة للجيش البريطاني ولإطلاق الرصاص من الجنود البريطانيين على الجماهير رغم أنه في اليوم السابق لهذه الحوادث قد تم الاتفاق بين السلطات البريطانية والمصرية على تفادي مرور رجال الجيش البريطاني في اليوم المذكور ومع ذلك فإنه يصرح بأنه مما لا شك فيه أن الحكومة المصرية ستتخذ الإجراء اللازم لمعاقبة الأشخاص الذين ثبتت إدانتهم في الجرائم أو الجنح التي وقعت خلال حوادث يوم 21 فبراير سنة 1946 وأنه من المحقق أن ما سيسفر عنه التحقيق القضائي من إتلاف وتخريب ستدفع عنه التعويضات اللازمة لمن حاقت بهم أضرارا.
ثم أرسل دولة رئيس الوزراء كتابا آخر إلي السفارة البريطانية في 26 فبراير 1946 كرر فيه أن حوادث الاعتداء إنما كانت تالية لما حدث من السيارات البريطانية وإطلاق الرصاص على المتظاهرين وأن وجود المنشآت العسكرية البريطانية في جميع أحياء القاهرة والإسكندرية يجعل من العسير معه اجتناب الاحتكاك بين السكان والجنود.
وبالرجوع إلي بيان عدد المصابين والقتلى في حوادث يوم 21 فبراير سنة 1946 يتضح أن ما حدث من تصرفات أفراد القوات البريطانية قد أدى إلي قتل خمسة عشر شخصا وإصابة أربعة وتسعين.
وفى 4 مارس سنة 1946 قامت بالإسكندرية من الساعة التاسعة صباحا مظاهرات سلمية واستمرت الحالة هادئة وكان رجال البوليس يتخذون الإجراءات المناسبة للمحافظة على الأمن ولتفرقة المتظاهرين دون أن يقع من هؤلاء الأخيرين أي اعتداء غير أن المتظاهرين لاحظوا أن فندق الأطلانتيك يرفع علم البحرية البريطانية وقد أشار أحد الضابطين البريطانيين القائمين على أمر هذا الفندق أنه استطلع رأى الرؤساء فيما إذا كان يمكن رفعه في ذلك اليوم الذي كان محددا من قبل لإبداء مظاهر الحداد فأجابوه برفعه - وكان رفع هذا العلم في ذلك اليوم مما أثار المتظاهرون وزاد في ثائرتهم إطلاق الرصاص عليهم من العمارات التي يقيم بها أفراد القوات البريطانية مما أدى إلي سريان الإشاعات بينهم عن مقتل البعض منهم نتيجة لإطلاق هذا الرصاص وعندما قذف بعض المتظاهرين كشك البوليس الحربي البريطاني في ميدان سعد زغلول بالطوب قابلهم الجنود البريطانيون داخل الكشك بإطلاق الرصاص من المتراليوز باستمرار ووقع الكثير من المتظاهرين مصابين نتيجة لذلك وحينئذ شرع المتظاهرين فجأة في مهاجمة هذا الكشك وإشعال النار فيه. فقامت قوات البوليس والجيش بكل ما في استطاعتها لإنقاذ أفراد القوة التي بالمخفر وتمكنت من إنقاذ ثلاثة منهم وإخراج اثنين شقا طريقها وسط المتظاهرين دون الانضمام إلي إخوانهم السابقين واستمر أحدهما يطلق النار على المتظاهرين مما دعى إلى وقوع التصادم بينهما وبين المتظاهرين وكانت نتيجة ذلك إصابتهما بما أدى إلي وفاتهما.
وقد أرسلت السفارة البريطانية إلي دولة رئيس مجلس الوزراء في 18 مارس سنة 1946 احتجاجا عما وقع في حادث 4 مارس سنة 1946 السالف الذكر أشارت فيه إلي أن عجز ولاة الأمور هو الذي أدى إلي قتل جنديين بريطانيين وقد أجاب دولة رئيس مجلس الوزراء بكتابه المؤرخ 33 مارس سنة 1946 بأن القوات المصرية قد أدت واجبها على صورة يستحيل معها اتهامها باللين أو التسامح وأن المشكلة الحقيقية التي هي مصدر المتاعب كلها محصورة في وجود القوات البريطانية في البلاد مع أن الأمة كلها ترغب في أن ترى تلك القوات تنسحب خصوصا وقد انقضى ما يزيد على السنة من وقف القتال.
وتبين من تقرير رئاسة نيابة الإسكندرية المحرر في 25 مايو سنة 1946 أن عدد من قتل من المصريين بلغ 27 شخصا من بينهم نساء وأطفال وجرح من المصريين 342 شخصا عدا كثيرين أصيبوا ولم يتقدموا لتوقيع الكشف عليهم مما يجعل عدد المصابين يربو على أربعمائة شخص.
وفى 7 يونية سنة 1946 أرسلت السفارة البريطانية كتابا أرفقت به تقريرين محررين بمعرفة السلطات البريطانية يشيران إلي أنه كان من الممكن إنقاذ حياة الجنديين لو أن قوات البوليس والجيش المصري تصرفت بحزم أو همة وقد أجاب دولة رئيس مجلس الوزراء على ذلك في 25 يونيو سنة 1946 بكتاب أرفق معه صورة من تقرير رئيس نيابة الإسكندرية ومن تقرير النائب العام وقد تضمن بيانا وافيا للوقائع الثابتة من التحقيق القضائي وأوضح في كتابه أن مسئولية الحوادث تقع على عوامل الاستفزاز التي أثارها رجال القوات البريطانية وأنه يخالف للأسباب الموضحة في الكتاب وفى تقريري النيابة العمومية وجهة نظر الحكومة البريطانية في شأن اعتبار السلطات البريطانية مسئولة عن مقتل هذين الجنديين أو التزامها بأي تعويض عنهما.
وقد عادت السفارة البريطانية وأرسلت كتابا في 7 أكتوبر سنة 1946 أشارت فيه إلي عدم موافقتها على أن رجال الأمن في مصر قد اتخذوا التدابير الكافية لحماية أرواح رجال البوليس الحربي البريطاني المشار إليهم ونفت وقوع أية مسئولية من جانبهم وإنهم لم يطلقوا النار إلا دفاعا عن النفس ولذلك فإن الحكومة البريطانية تطالب رسميا بالتعويض عن مقتل رجلي البوليس الحربي وأشارت إلي أن رئيس الوزراء قد اقترح شفويا أنه قد يمكن تعيين رجلين من رجال القانون من قبل الحكومتين ليجتمعا ويفحصا كافة الوثائق التي يمكن الوصول إليها ويراجعا الوثائق التي أدت بكل من الحكومتين إلي اتخاذ موقف معين في هذا الأمر وذلك للوصول إلي أحكام يتفقان عليها بناء على وقائع القضية وأن الحكومة البريطانية ترى أنه من الأفضل التوسع في هذا الاقتراح واتخاذ تدبير من شأنها تسوية النزاع بصفة نهائية أي أن النزاع ينبغي أن يحال إلي حكم واحد محايد رفيع الشأن قد تتفق الحكومتان على تعيينه أو عوضا عن ذلك لو استحال تنفيذ هذا الاقتراح يعين من قبل رئاسة محكمة العدل الدولية وأن الحكومة البريطانية لتفترض أن الحكومة المصرية لا ترغب في أن يتخذ هذا الحادث أهمية مبالغا فيها لو رفع بالفعل إلي محكمة العدل الدولية ذاتها.
وفى 12 يناير سنة 1947 أرسلت السفارة البريطانية مذكرة أشارت فيها إلي إنها سبق أن سلمت في 18 يوليو سنة 1946 إلي صدقي باشا عندما كان رئيسا للوزراء ملخصا عن قوائم بالمطالبات المالية التي قدمها مدنيون بريطانيون بخصوص الاضطرابات التي حدثت في نوفمبر سنة 1945 وفى شهري فبراير ومارس سنة 1946 وأنه في 31 أكتوبر سنة 1946 كتب المستر بوكر لصدقي باشا خطابا وبعث بقوائم أخرى بالمطالبات عن أضرار وقعت في نفس هذه المناسبات على أشخاص من العسكريين كما استعلم عن مدى ما وصل إليه بحث المطالبات التي قدمت في 18 يوليو وأشارت السفارة البريطانية إلي إنها لم تتلق جوابا على تلك المسائل.
وفى 21 يناير سنة 1947 أرسلت السفارة البريطانية كتابا تشير فيه إلي أنها لم تتلق بعد رد الحكومة المصرية على اقتراح التحكيم السابق إيضاحه بكتابها المؤرخ في 7 أكتوبر سنة 1946.
وإني ألاحظ من الوجهة القانونية أنه لا تترتب قبل الدولة أية مسئولية ما لم تكن قد أخلت بواجب من الواجبات الدولية المفروضة عليها وتلك المسئولية لا تنشأ إلا بين دولة ودولة حكمها في ذلك حكم العلاقات الدولية عامة فيخرج بهذا أية المسئولية تنشأ بين الدولة والأفراد إذا المرجع في ذلك لحكم القانون الداخلي لا القانون الدولي العام وعلى أية حال فلا مسئولية ما لم يثبت وقوع عمل خاطئ أو غير مشروع من الدولة.
وفيما يتعلق بمسئولية الدولة عن الأضرار التي تحدث نتيجة للمظاهرات والاضطرابات وتلحق بالأجانب المقيمين في أرضها فالأصل إنما هو تقرير عدم مسئولية الدولة عن تلك الأضرار باعتبار أن جميع الأعمال التي تقوم بها لحفظ الأمن تعتبر من الأعمال المتعلقة بسيادة الدولة وأن مطالبتها بتعويض في هذه الحالة يعتبر إجراء ماسا بأعمال السيادة إلا أنه يؤخذ في الاعتبار دائما عند بحث مدى مسئولية الدولة إثبات وقوع تقصير في بسط حمايتها على الأجانب المقيمين في بلادها استنادا إلي أن ذلك يمكن أن يعتبر عملا خاطئا صادرا من جانبها.
وأساس مسئولية الدولة في هذه الحالة إنما ثبوت التقصير الفاحش من جانبها في اتخاذ الإجراءات المناسبة لمنع وقوع الضرر بالقدر المستطاع وفي تعقب الجانين الذين قاموا بارتكاب أفعال مخالفة للقانون ألحقت ضررا بالأجانب ومن ثم فإن مجرد وقوع الضرر لا ينهض أساسا للمسئولية ما لم يكن ناتجا عن إهمال جسيم بل ينفي عن الدولة المسئولية قيامها باتخاذ الإجراءات المناسبة ومدى الإجراء المناسب مرجعه طبيعة الحالة وما أحاط بها من الملابسات أو تداخل من عوامل فجائية إذ لا يمكن مطالبة الدولة باتخاذ المستحيل بل ينحصر في اتخاذ الإجراءات الممكنة ومن أدعي مسئولية الدولة في مثل هذه الأحوال فعليه اللجوء إلي القضاء إذا شاء.
وقد أتيح للدول فرصة مناقشة المذاهب المختلفة في مسئولية الدولة عند اجتماعها سنة 1930 بناء على دعوة عصبة الأمم في مؤتمر تجميع قواعد القانون الدولي العام الخاص بمسئولية الدول عما يصيب الأجانب المقيمين على الإقليم من ضرر في أشخاصهم وأملاكهم وقد ناقش أعضاؤه مختلف المبادئ والنظريات المتعلقة بالمسئولية الدولية في هذا الصدد وقد اكتفي بتدوين المبادئ التي تم الاتفاق عليها على شكل مواد وقد نصت المادة العاشرة على أنه: فيما يتعلق بالأضرار التي تلحق بأجانب من عمل الأفراد لا تكون الدولة مسئولة إلا إذا كان الضرر اللاحق بالأجنبي ناشئا عن تقصير الدولة في اتخاذ ما تستلزمه الحالة من الإجراءات لمنع وقوع العمل الذي سبب الضرر أو إصلاحه أو توقيع العقوبة على فاعله.
إلا أنه يلاحظ أن الكثير من الدول مع تمسكها بالمبدأ الخاص بعدم وجود أي التزام قانوني بالتعويض ترى في بعض الحالات منح تعويضات بباعث من العطف والرحمة أو لدواعي المجاملات السياسية وقد سارت مصر فعلا في أكثر من مناسبة على صرف تعويضات من باب العطف والمساعدة كما تفعل في حالات الكوارث والنوازل العوامل التي ترى التدخل فيها للتخفيف من أثر الأضرار وأحدث قرار أصدرته في هذا الشأن قرار مجلس الوزراء الصادر في سنة 1935 وقد جاء فيه أن الوزارة لا تسأل قانونا عن التعويضات في مثل هذه الظروف غير أن المجلس يرى من باب الإحسان تشكيل لجنة لنظر هذه التعويضات وقد حدث مثل ذلك في سنة 1930 على أثر الحوادث التي وقعت في الإسكندرية والقاهرة وقد أصدر مجلس الوزراء قرارا في 14 سبتمبر سنة 1930 بتشكيل لجنة لفحص ما يقدم من الطلبات في هذا الصدد والفصل فيها بالرفض أو تقدير التعويض المناسب على الأسس المحددة في ذلك القرار وقد جاء به أن الحكومة ليست مسئولة في الحق والقانون عن تعويض ما حصل من الضرر في تلك الحوادث والواقع فوق ذلك أن ما بذله رجال الحكومة من الجهد الشديد وما اتخذوه من تدابير الحيطة والمحافظة على النظام كان له أفضل الأثر في اتقاء كثير من الإضرار وفى تخفيف ما لم يكن ثمة سبيل إلي اتقائه من الأخطار غير أنه يحسن مع ذلك أن تنظر الحكومة على سبيل التعطف والرأفة في أمر التعويض على من حصلت لهم أضرار في سياق تلك الحوادث وقد أجرت الحكومة في الحالات المتقدمة على غرار ما اتبع عقب حوادث سنة 1919 من تشكيل لجان وكل إليها النظر والفصل في طلبات التعويض عن الحوادث المذكورة.
وبتطبيق المبادئ القانونية والدولية المتقدم بيانها على وقائع حوادث 21 فبراير و 4 مارس سنة 1946 يتضح عدم وجود تقصير من جانب السلطات المصرية وبالتالي لا يمكن القول بوجود أية مسئولية على الدولة يترتب معها وجود التزام قانوني بالتعويض عن الأضرار التي تكون قد لحقت بالأجانب الموجودين في مصر دون تفرقة بين جنسياتهم ولمن لحقه ضرر أن يلجأ إلي المحاكم المصرية في هذا الصدد إذا شاء. أما أمر صرف منحة فمتروك لتقدير الحكومة على ضوء ما قد تراه من اعتبارات مبناها العطف وروح المساعدة.
ولذلك فإني لا أرى مطلقا ما يبرر اعتبار مطالبة مثل هؤلاء الأفراد المتصفين بالجنسية البريطانية أو بغيرها من الجنسيات محل تحكيم دولي لأنه كما سبق إيضاحه من مبادئ القانون الدولي تعتبر العلاقة بين الدولة وهؤلاء الأفراد محكومة بقواعد القانون الداخلي لا القانون الدولي العام فالجهة التي يحتكمون إليها للمطالبة بتعويض هي المحاكم المصرية وحدها ولا تترتب في مثل هذه الحالات مسئولية دولية تخضع للتحكيم الدولي إلا إذا حصل إنكار للعدالة بعد استيفاء جميع طرق الإجراءات القضائية déni de justice.
على أنه يلاحظ بهذه المناسبة أن دولة رئيس مجلس الوزراء السابق قد أشار في كتابه للسفارة البريطانية في 23 نوفمبر سنة 1946 إلي أنه من المحقق أن ما سيسفر عنه التحقيق القضائي من إتلاف وتخريب ستدفع عنه التعويضات اللازمة لمن حاقت بهم أضرار ثم أبدى في بيانه بمجلس النواب عن هذه الحوادث عند مناقشتها أيام 25 و 26 و 27 فبراير سنة 1946 أما "دفع تعويضات عن الخسائر مسألة قلنا أن الأحكام القضائية هي التي تحددها".
أما فيما يتعلق بمطالبة الحكومة البريطانية بالتحكيم في موضوع مقتل رجلي البوليس الحربي البريطاني في حادث 4 مارس سنة 1946 فإن النزاع بين الحكومتين المصرية والبريطانية حول مدى مسئولية الحكومة في هذا الصدد يمكن أن يكون محل تحكيم على اعتبار أنه نزاع بين دولتين وقد أصاب الضرر منه أثنين من رجال الجيش البريطاني على أنه فيما يبدو أنه قد وقعت تصرفات خاطئة لا مبرر لها من أفراد القوات البريطانية في حادث ميدان الإسماعيلية في يوم 21 فبراير سنة 1946 كان من نتيجتها قتل وإصابة بعض المصريين كما ترتب على مثل هذا التصرف في 4 مارس سنة 1946 بميدان سعد زغلول قتل وإصابة البعض الآخر ومثل هذه التصرفات قد تدعوا لمطالبة الحكومة البريطانية بتعويض عن تلك الأعمال الخاطئة التي أدت إلي الأضرار السالفة الذكر وتلك المطالبة أيضا مما يصح أن يكون محل تحكيم بين الدولتين باعتبار ذلك موجه من الحكومة المصرية قبل الحكومة البريطانية.
ولذا فإني أرى أنه يجب ربط موضوع هاتين المطالبتين معا فيما إذا رأت الحكومة المصرية قبول اقتراح التحكيم المقدم من الحكومة البريطانية بحيث يتناول المحكمون في هذه الحالة بحث مدى مسئولية الحكومة المصرية عن مقتل اثنين من أفراد القوات البريطانية في 4 مارس سنة 1946 ومدى مسئولية أفراد القوات البريطانية عن مقتل خمسة عشر شخصا وإصابة أربعة وتسعين من المصريين في حادث 21 فبراير سنة 1946 ومقتل سبعة وعشرين شخصا وإصابة أربعمائة من المصريين في حادث 4 مارس سنة 1946.
أما فيما يتعلق بتأليف هيئة التحكيم فيحسن أن تكون من ثلاثة أشخاص تعين كل من الحكومتين واحدا منهم والثالث يتم اختياره باتفاق الحكومتين فإن لم يتفقا اختاره رئيس محكمة العدل الدولية.
فإذا وافقتم دولتكم على ما تقدم لي بيانه فإني أتشرف بأن أرفق مع هذا مشروع الرد الذي يمكن إرساله للسفارة البريطانية في هذا الشأن.
مشروع
بالإحالة إلي الكتاب رقم 666/1/47 المؤرخ 21 يناير سنة 1947 بشأن اقتراح الحكومة البريطانية إحالة موضوع الخلاف القائم بين حكومتينا بالنسبة للمسئولية عن مقتل اثنين من أفراد البوليس الحربي بالقوات البريطانية يوم 4 مارس سنة 1946 ومطالبة الحكومة البريطانية بتعويض عن ذلك أود أن أشير إلي أنه بمراجعة تقارير السلطات المصرية عن حادث 21 فبراير سنة 1946 بالقاهرة وحادث 4 مارس سنة 1946 بالإسكندرية قد تبين أن التصرفات الخاطئة التي وقعت من أفراد القوات البريطانية قد أدت إلى قتل خمسة عشر شخصا وإصابة أربعة وتسعين شخصا من المصريين في القاهرة وقتل سبعة وعشرين شخصا وإصابة ما يزيد عن أربعمائة شخص من المصريين بالإسكندرية وترى الحكومة المصرية أن الحكومة البريطانية تعتبر مسئولة عما وقع من أفراد القوات البريطانية بغير مبرر مما يدعو الحكومة المصرية إلي التقدم بطلب تعويض عن قتل 42 مصريا وإصابة 494 مصريا طبقا للبيان السابق الإشارة إليه.
والحكومة المصرية توافق على الاقتراح الخاص بأن يحال للتحكيم موضوع المسئولية عن تلك الحوادث على أن تكون هيئة التحكيم مكونة من ثلاثة أشخاص تعين كل من الحكومتين أحداهم ويكون تعيين الحكم الثالث بموافقة الحكومتين وإن لم يتم الاتفاق عليه يكون تعيينه بمعرفة رئيس محكمة العدل الدولية على أنه يكون مفهوما أن اختصاص هيئة التحكيم يكون شاملا لبحث مدى مسئولية الحكومة المصرية عن مقتل الاثنين من أفراد القوات البريطانية ومدى مسئولية أفراد القوات البريطانية عن مقتل وإصابة المصريين السالفي الذكر وفى حالة ثبوت المسئولية يقدر التعويض الذي يجب دفعه.

الفتوى رقم 102 - تاريخ الفتوى 24 / 02 / 1947]

ليست هناك تعليقات: