بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

10 يونيو 2011

الدعوى القضائية وسلطة قاضي الموضوع ورقابة محكمة النقض

الادعاء بحق أو بأية رابطة قانونية أمام القضاء ينقسم إلي عنصرين :
• عنصر الواقع : وهو مصدر الحق المدعي به أي التصرف القانوني أو الواقعة المنشئة لهذا الحق , والتحقق من وجوده مقيد بالإثبات القانوني وخطأ القاضي فيه خطأ في القانون .
• عنصر القانون : وهو استخلاص الحق من مصدره بعد ثبوته وإضفاء الوصف القانوني عليه أي تكييفه ثم إيقاع حكم القانون علي مقتضي هذا التكييف .
وعلي ذلك فإن مخالفة القاضي قواعد الإثبات القانونية أو خطأه في تطبيقها أو في تأويلها يؤدي بالضرورة وطريق اللزوم إلي فساد فهمه للواقع , وبالتالي إلي فساد تكييفه بهذا الواقع , وفساد حكمه تبعا لذلك .
وقد استخدمت محكمة النقض في معرض التعبير عن هذين القيدين عبارات متعددة ونردد مما قالته :
أنه يحب علي القاضي:
• أن يثبت مصدرا للواقعة التي يستخلصها ولا يكون وهميا أي لا وجود له أو يكون موجودا ولكنه مناقض لما أثبته , أو غير مناقض ولكن يستحيل عقلا استخلاص الواقعة منه كما فعل هو .
• أن يكون استخلاصا سائغا في منطق سليم , ومن دليل مقبول يورده في حكمه , من شأنه أن يؤدي إلي ما ترتب عليه .
• أن يكون ما أثبته الحكم تفصيلا لمصادر تحصيله فهم الواقع في الدعوى مسندا إلي هذه المصادر لا يناقض شيئا مما ورد بها .
• أن يكون استخلاصه سائغا لا مخالفة فيه للثابت بالأوراق .
ومؤدي ما قالته محكمة النقض في هذا الصدد أن سلطة قاضي الموضوع في فهم واقع الدعوى ليست تامة , ورأيه ليس قطعيا , وأنه ليس حرا في استخلاص هذا الواقع وأن رقابتها تمتد لتشمل فهمه للواقع في الدعوى , وذلك من خلال النظر في أسباب حكمه للتحقق من أنه حصل فهمه غير مخطئ , ولا في نوع الدليل الذي قبله أو رفضه , ولا في حجيته , ولا في طريقة تحقيقه , وبالاسيثاق من أنه قد بحث النزاع المطروح عليه بحثا دقيقا , وتقيد بنطاقه محلا وسببا وخصوما , وللوقوف علي أنه قد فطن إلي ما قدم إليه من أدلة وأقسطها حقها من البحث , وأخذ بالدليل المباح المعتبر في نظر القانون , وأطرح ما عداه من أدلة غير مباحة , وأنه راعي في تحقيق هذه الأدلة الإجراءات المنصوص عليها في القانون , وللتعرف علي أنه قد حصل فهم الواقع في الدعوى تحصيلا صحيحا مستمدا من أوراقها ومتفقا في العقل والمنطق مع النتيجة التي انتهي إليها .
ومؤدي ما قالته محكمة النقض أيضا أن ما يتردى فيه الحكم من أخطاء في هذا الخصوص هو في الحقيقة خطأ في القانون , لأنه من غير المنطقي أن تكون المسألة من مسائل القانون إذا أخطأ القاضي في فهم واقع الدعوى , ثم تصبح من مسائل الواقع إذا صح هذا الفهم .
فإن الرقابة علي تسبيب الأحكام لا تقف عند حد الشكل , وإنما تجاوزه إلي مضمون هذه الأسباب أي أنها تمتد لتشمل ما استند إليه القاضي في تكوين رأيه في واقع الدعوى , ولتتعقب عيوبا داخليه في تفكير القاضي عند تكوين هذا الرأي , ومدي كفاية الأسباب الواقعية , ومدي تحريف القاضي للواقع .
( محمد وليد الجارحي – الطعن بالنقض – طبعة نادي القضاة – ص 410 وما بعدها )

ليست هناك تعليقات: