بحث قانوني في " القانون والاستبداد "
مقدمة
أن الحديث عن القانون وعلاقته بالاستبداد قد يكون حديثاً فلسفياً،خاصة وأن جزء هاماً من فلسفة القانون تعتمد بشكل واضح على الاستبداد (مثل فكرة الردع الخاص والردع العام)،وإن كان هذا الاستبداد هو استبداداً متفق عليه،بمعنى أنه حتى يسود القانون يجب أن يتنازل الأفراد عن بعض من حقوقهم وحرياتهم(تنازلاً مقننا وفى إطار رقابة جهة تمثل مصالح الأفراد) لصالح المجتمع أو ما درج الفقهاء القانونيين على تسميته بالصالح العام أو المصلحة العامة.
ولكن يظل الاستبداد هنا وسيلة من وسائل المجتمعات فى تكريس احترام القانون وحسن تطبيقه،عن طريق إعطاء بعض الأفراد(السلطة) الحق فى الاعتداء على حقوق الافراد من أجل حماية مصالح المجتمع.
فلا ينكر أحد أن الطبيعة المتلازمة بين السلطة والاستبداد،ولا يجادل أحد أن أعتى النظم الديمقراطية فى أرجاء المعمورة تمارس الاستبداد، فكما قيل وبحق أن الدولة شر لابد منه،ولكن الحديث عن الاستبداد فى مصر له شأن أخر حيث تحول الاستبداد إلى طريقة للحكم ومنهج عمل للقائمين على خدمتنا.
كما اننا لا نشك فى أن القوانين بصفة عامة تعكس حجم القوى الاجتماعية فى المجتمعات فهى تعبر عن سيطرة طبقة ونخبة حاكمة،وهو أمر بديهي فكل قوى اجتماعية تحاول قدر طاقتها أن تعبر الدولة (ممثلة فى القانون عنها وعن مصالحها).
ولذلك فأن كل تعديل يطرأ على المنظومة التشريعية المصرية هو بالقطع يعبر عن طبيعتها المزدوجة الاستبدادية والطبقية.فالطبيعة الاستبدادية للسلطة المصرية بدأت منذ منتصف القرن المنصرم وتشعبت لتصل لتفاصيل الحياة اليومية للمواطنين وتوحشت بدرجة كبيرة فى العشرون عاماً الماضية،ولا يقتصر الاستبداد هنا على السلطة المصرية بالمعنى الضيق (الحكام) وانما يمتد هذا الاستبداد إلى النخبة المصرية سواء الحاكمة أو المعارضة حيث أصبح الاستبداد جزء لا يتجزء من ممارسة العمل العام فى مصر،كما تتضح الطبيعة الطبقية للسلطة المصرية فى الحراك الاجتماعى الذى حدث للنخبة الحاكمة المصرية،فالمتابع التعديلات التشريعية للمنظومة التشريعية سوف يجد أنها متوافقة مع التطور المصاحب للتركيبه الاجتماعية للنخبة الحاكمة.
أن هذه الطبيعة المزدوجة للسلطة فى مصر تأتى فى ظل نظام سياسي لا يمثل سوى النخبة الحاكمة سياسياً/اجتماعيا،فلا يوجد تمثيل للمواطنين حقيقى فى السلطة المصرية سواء فى السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية او السلطة القضائية،وغنى عن البيان أن فاعلية أى نظام ديمقراطي حقيقى هو بفاعلية تمثيل الشعب بجميع فئاتة فى السلطة،وهو الأمر الذى يضمن حيادية الدولة تجاه انتماءات مواطنيها،وهو الأمر الذى تفتقر إليه الدولة المصرية.
لذا فأن التعديلات التشريعية الأخيرة وعلى رأسها التعديلات الدستورية المصاحبة كانت تتويجا لبزوغ نجم تركيبة اجتماعية تريد ان تلعب دوراً متزايداً فى السلطة استبدادى أيضا هذه التركيبة التى يعبر عنها مجموعة رجال الأعمال الجدد المشتبكين بحكم مصالحهم الاقتصادية مع القوى الدولية والإمبريالية العالمية والشركات متعددة الجنسيات،والذين لا يتوافق مع طموحهم السياسي والطبقى ما هو كان موجوداً من تشريعات قائمة.
وفى هذا الإطار جاءت الهجمة التشريعية الأخيرة والتى طالت الدستور نفسه وغيره من القوانين المتعلقة بحريات المواطنين(تعديلات قوانين العقوبات والإجراءات ومشروع قانون الإرهاب....الخ)وكذلك القوانين المتعلقة بحقوق المواطنين الاقتصادية والاجتماعية (مثل قانون الإصلاح الزارعى،ومشروع قانون التأمين الصحي .......الخ).
دستور 1971 وحقوق وحريات مهدرة
تشغل قضية النصوص الدستورية الحمائية للحقوق والحريات الاساسية للمواطنين بال أي ناشط بالعمل العام عموماً،وذلك باعتبارها من زاوية الاطار الناظم لعلاقة المواطن (سواء أفرد أو جماعات)فى مواجهة السلطة ومن زاوية أخرى هى أحدى الضمانات لفاعلية مجتمع مدنى/سياسى حيوي وقوى قادر على مواجهة الاستبداد بالوسائل السلمية والمدنية.
وتكتسب النصوص الدستورية الخاصة بالحقوق والحريات فى مصر أهمية لاعتبارات عديدة منها الطابع الاستبدادى للسلطة المصرية تاريخياً وتوحشها فى الخمسة والعشرين عاماً الماضية،وضعف( أن لم يكن إنعدام) قدرة المواطنين على مواجهة غول السلطة فى مصر،نحن بصدد إنعدام توازن للقوة بين الحاكم والمحكومين فى صالح الحاكم فى مصر.
فقد نظم الدستور المصرى الحالى(دستور1971) البنود الحمائية الخاصة بالحقوق والحريات فى البابين الثالث والرابع فى المواد من 40 وحتى 72 بالإضافة إلى بعض المواد المتفرقة فى الدستور مثل المادة (13) والتى تنص على حق العمل،وكذلك المادة (14) التى تنص على الحق فى تولى الوظائف العامة،والمادة (17) الخاصة بكفالة الدولة لخدمات التأمين الاجتماعى الصحى،والمادة (18) والتى تنص على الحق فى التعليم وغيرها من النصوص.
ورغم أن تلك النصوص تكفل وتصون بعض الحقوق والحريات إلا أنها حماية ظاهرية وغير حقيقية وتنتهكها السلطة فى مصر بشكل منهجى وقانونى من خلال آليات عديدة أهمها:
- البنية التشريعية الاستبدادية
فالدولة المصرية تقوم بالتحصن خلف ترسانة عتيدة من التشريعات الاستبدادية( البنية التشريعية الاستبدادية) والتى تتيح لها انتهاك ما نص عليه الدستور من حماية للحقوق والحريات،ويذخر قانون العقوبات والإجراءات على الكم الأكبر من تلك التشريعات ومنها على سبيل المثال القانون الذى يجرم تجمع أكثر من خمسه أشخاص ( القانون 10 لسنة 1914) وقانون الإرهاب،والمواد التى تعطى للنيابة العامة سلطات قاضى التحقيق،والجمع بين سلطتى الاتهام والتحقيق فى يد النيابة العامة،ولا يقتصر الأمر على قانوني العقوبات والإجراءات وإنما يمتد النهج الاستبدادى إلى كافة نواحى تنظيم الحياة العامة وعلاقاتها بالمواطن مثل قانون النقابات المهنية(القانون رقم 100 لسنة 1993)،كذلك قانون الجمعيات الأهلية وقانون الجمعيات التعاونية،وقانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون الأحزاب،وغيرها من القوانين التى تعكس نهج السلطة الاستبدادى ورغبتها التاريخية فى السيطرة على الشأن العام.
- انتهاك الدستور بالدستور
وذلك من خلال النص على نصوص دستورية متعارضة ومتناقضة مثل التعارض والتناقض بين الحقوق المقررة دستوريا للمواطنين وبين الإستثناء منها بموجب الدستور وكذلك المادة الثانية من الدستور والمادة 40 منه.
- الانتهاك بالتجاهل
وبالإضافة إلى الانتهاك المنهجى المقنن فأننا نجد أيضا السلطة فى مصر تقوم بتجاهل النصوص الحمائية المنصوص عليها بالدستور مستغله فى ذلك انعدام الرقابة الشعبية عليها،ومن ذلك عمليات قتل وتعذيب المواطنين فى أقسام الشرطة المصرية وسرقة أموال التأمينات والمعاشات،وغيرها من الأعمال الغير المشروعة للسلطة فى مصر والتى تنكرها الدولة المصرية رغم أنها واقعاً معاشاً يعيشه المواطن المصري يومياً.
نقابة المحامين والحقوق والحريات
يجب أن تكون رؤية نقابة المحامين للحقوق والحريات رؤية شاملة الحقوق المدنية والسياسية وكذلك الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية،متبنية للمواثيق الدولية والتى ناضلت الشعوب من أجل إقراراها واعتبرت وثائق عالمية،وباعتبار أن الإنسان المصرى يستحق أن يكون على قدم المساواة مع أي إنسان يتمتع بتلك الحقوق والحريات،ولذلك فأننا نؤمن بأن الحقوق والحريات مثلما هى شاملة فأنها عالمية ووضعت لتنطبق على الإنسان أينما كان.
أننا نعى أن لا جدوى من نصوص شكلية غير حقيقية وغير مفعله،دون وجود رقابة مجتمعية على تطبيق تلك النصوص ودون استقلال حقيقى وفعال بين السلطات الثلاث وخاصة استقلال السلطة القضائية،ولذلك فأن مطالبتنا بحماية الحقوق والحريات الاساسية للمواطنين المصريين لا تنفصل عن مطالبنا بالفصل بين السلطات واستقلال السلطات وخاصة السلطة القضائية وتفعيل الرقابة الشعبية على السلطة فى مصر.
مطالب عملية خاصة بالنصوص الحمائية للحقوق والحريات الأساسية
أن المطلب الأساسى فى هذا الخصوص هو تنقيح البنية التشريعية من كل المواد التى تمثل قيداً على ممارسة المواطنين لحقوقهم الكاملة وخاصة الحق فى المواطنة والحق فى التنظيم والحق فى حرية الرأي والتعبير وحرية الاعتقاد.
• تبنى كافة المواثيق الدولية الخاصة بالحقوق والحريات السياسية والمدنية والحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية باعتبارها وثائق عالمية.
• مواطنة كاملة
المواطنة بالنسبة لنا ليست مجرد وضع قانوني يُكتسب بحكم الميلاد، ولكنها قيمة ترتب حقوق وممارسات،ومن ثم علينا المطالبة بإلغاء كل المواد القانونية والتشريعات التى تساهم فى التمييز الدينى أو العرقى أو الاجتماعي بين المواطنين.
• حرية مطلقة للحق فى التنظيم
وذلك بما يشمل حق الجماعات المدنية المختلفة في تشكيل اتحادات، وحق هذه الأخيرة في تكوين منظمات دولية أو الانضمام إليها. وإطلاق حرية تكوين الجمعيات بلا قيد أو شرط فيما عدا القائمة منها على أساس عسكري أو عنصري، وحقها في أن تعتبر قائمة قانونا بمجرد إخطار الجهة الإدارية بتشكيلها. كما تشمل حقوق الجماعات المدنية حق كل طائفة أو جماعة دينية أو عقائدية أو ثقافية في أن تنظم أعضاءها في شكل جماعة مدنية ينضم لها طوعيا المنتمين لتلك العقيدة أو الثقافة لخدمة العقيدة أو الثقافة بشرط ألا يكون نشاط هذه الجماعات العقائدي عنصرياً أو موجهاً ضد عقيدة أو عقائد أخري.
• حرية الرأي والتعبير والاعتقاد
بما يشمل حرية الرأي والتعبير والفكر والوجدان والدين والمعتقد بلا قيد أو شرط، وتشمل هذه الحقوق، حرية تغيير الفرد لديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر. وحرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية. وضمان حق كل مواطن في استخدام وسائل الإعلام والثقافة المختلفة في ممارسة حقه في التعبير عن آرائه ومعتقداته بالكتابة والحديث والتعبير الفني على قدم المساواة مع كل المواطنين.وضمان الحرية الكاملة للبحث العلمي والنشاط الإبداعي.
• تفعيل النصوص الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية وخاصة الحق فى العمل والصحة والتعليم وما يستتبع ذلك من كفالة وضمان الدولة لهذه الحقوق وضمان تمتع المواطنين بها بشكل جيد.
بما يشمل حماية الفرد من كل من العمل الجبري والعمل المجاني وأعمال السخرة المختلفة (مثل خدمة الأمن المركزي مثلاً والتي لا يوجد لها أساس في الدستور أو القانون)، وهذا يستلزم بالضرورة إلغاء علاقة الإذعان في عقود العمل، مما يعنى تحديد شروط العمل، بما فيها الأجور النقدية والعينية، على أساس المساومة الجماعية بين العاملين بأجر وممثليهم النقابيين من جهة والجهات التي يعملون لحسابها في كافة القطاعات الحكومية وغير الحكومية من جهة أخرى. فضلاً عن ضمان الحق في الإضراب عن العمل وتحرير ممارسته من أى قيود تعيقه باعتباره السلاح الأساسي في يد العاملين بأجر في إطار المساومة الجماعية لتحسين شروط عملهم وحياتهم.
مكتب / محمد جابر عيسى المحامى
تعليقات
مقدمة
أن الحديث عن القانون وعلاقته بالاستبداد قد يكون حديثاً فلسفياً،خاصة وأن جزء هاماً من فلسفة القانون تعتمد بشكل واضح على الاستبداد (مثل فكرة الردع الخاص والردع العام)،وإن كان هذا الاستبداد هو استبداداً متفق عليه،بمعنى أنه حتى يسود القانون يجب أن يتنازل الأفراد عن بعض من حقوقهم وحرياتهم(تنازلاً مقننا وفى إطار رقابة جهة تمثل مصالح الأفراد) لصالح المجتمع أو ما درج الفقهاء القانونيين على تسميته بالصالح العام أو المصلحة العامة.
ولكن يظل الاستبداد هنا وسيلة من وسائل المجتمعات فى تكريس احترام القانون وحسن تطبيقه،عن طريق إعطاء بعض الأفراد(السلطة) الحق فى الاعتداء على حقوق الافراد من أجل حماية مصالح المجتمع.
فلا ينكر أحد أن الطبيعة المتلازمة بين السلطة والاستبداد،ولا يجادل أحد أن أعتى النظم الديمقراطية فى أرجاء المعمورة تمارس الاستبداد، فكما قيل وبحق أن الدولة شر لابد منه،ولكن الحديث عن الاستبداد فى مصر له شأن أخر حيث تحول الاستبداد إلى طريقة للحكم ومنهج عمل للقائمين على خدمتنا.
كما اننا لا نشك فى أن القوانين بصفة عامة تعكس حجم القوى الاجتماعية فى المجتمعات فهى تعبر عن سيطرة طبقة ونخبة حاكمة،وهو أمر بديهي فكل قوى اجتماعية تحاول قدر طاقتها أن تعبر الدولة (ممثلة فى القانون عنها وعن مصالحها).
ولذلك فأن كل تعديل يطرأ على المنظومة التشريعية المصرية هو بالقطع يعبر عن طبيعتها المزدوجة الاستبدادية والطبقية.فالطبيعة الاستبدادية للسلطة المصرية بدأت منذ منتصف القرن المنصرم وتشعبت لتصل لتفاصيل الحياة اليومية للمواطنين وتوحشت بدرجة كبيرة فى العشرون عاماً الماضية،ولا يقتصر الاستبداد هنا على السلطة المصرية بالمعنى الضيق (الحكام) وانما يمتد هذا الاستبداد إلى النخبة المصرية سواء الحاكمة أو المعارضة حيث أصبح الاستبداد جزء لا يتجزء من ممارسة العمل العام فى مصر،كما تتضح الطبيعة الطبقية للسلطة المصرية فى الحراك الاجتماعى الذى حدث للنخبة الحاكمة المصرية،فالمتابع التعديلات التشريعية للمنظومة التشريعية سوف يجد أنها متوافقة مع التطور المصاحب للتركيبه الاجتماعية للنخبة الحاكمة.
أن هذه الطبيعة المزدوجة للسلطة فى مصر تأتى فى ظل نظام سياسي لا يمثل سوى النخبة الحاكمة سياسياً/اجتماعيا،فلا يوجد تمثيل للمواطنين حقيقى فى السلطة المصرية سواء فى السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية او السلطة القضائية،وغنى عن البيان أن فاعلية أى نظام ديمقراطي حقيقى هو بفاعلية تمثيل الشعب بجميع فئاتة فى السلطة،وهو الأمر الذى يضمن حيادية الدولة تجاه انتماءات مواطنيها،وهو الأمر الذى تفتقر إليه الدولة المصرية.
لذا فأن التعديلات التشريعية الأخيرة وعلى رأسها التعديلات الدستورية المصاحبة كانت تتويجا لبزوغ نجم تركيبة اجتماعية تريد ان تلعب دوراً متزايداً فى السلطة استبدادى أيضا هذه التركيبة التى يعبر عنها مجموعة رجال الأعمال الجدد المشتبكين بحكم مصالحهم الاقتصادية مع القوى الدولية والإمبريالية العالمية والشركات متعددة الجنسيات،والذين لا يتوافق مع طموحهم السياسي والطبقى ما هو كان موجوداً من تشريعات قائمة.
وفى هذا الإطار جاءت الهجمة التشريعية الأخيرة والتى طالت الدستور نفسه وغيره من القوانين المتعلقة بحريات المواطنين(تعديلات قوانين العقوبات والإجراءات ومشروع قانون الإرهاب....الخ)وكذلك القوانين المتعلقة بحقوق المواطنين الاقتصادية والاجتماعية (مثل قانون الإصلاح الزارعى،ومشروع قانون التأمين الصحي .......الخ).
دستور 1971 وحقوق وحريات مهدرة
تشغل قضية النصوص الدستورية الحمائية للحقوق والحريات الاساسية للمواطنين بال أي ناشط بالعمل العام عموماً،وذلك باعتبارها من زاوية الاطار الناظم لعلاقة المواطن (سواء أفرد أو جماعات)فى مواجهة السلطة ومن زاوية أخرى هى أحدى الضمانات لفاعلية مجتمع مدنى/سياسى حيوي وقوى قادر على مواجهة الاستبداد بالوسائل السلمية والمدنية.
وتكتسب النصوص الدستورية الخاصة بالحقوق والحريات فى مصر أهمية لاعتبارات عديدة منها الطابع الاستبدادى للسلطة المصرية تاريخياً وتوحشها فى الخمسة والعشرين عاماً الماضية،وضعف( أن لم يكن إنعدام) قدرة المواطنين على مواجهة غول السلطة فى مصر،نحن بصدد إنعدام توازن للقوة بين الحاكم والمحكومين فى صالح الحاكم فى مصر.
فقد نظم الدستور المصرى الحالى(دستور1971) البنود الحمائية الخاصة بالحقوق والحريات فى البابين الثالث والرابع فى المواد من 40 وحتى 72 بالإضافة إلى بعض المواد المتفرقة فى الدستور مثل المادة (13) والتى تنص على حق العمل،وكذلك المادة (14) التى تنص على الحق فى تولى الوظائف العامة،والمادة (17) الخاصة بكفالة الدولة لخدمات التأمين الاجتماعى الصحى،والمادة (18) والتى تنص على الحق فى التعليم وغيرها من النصوص.
ورغم أن تلك النصوص تكفل وتصون بعض الحقوق والحريات إلا أنها حماية ظاهرية وغير حقيقية وتنتهكها السلطة فى مصر بشكل منهجى وقانونى من خلال آليات عديدة أهمها:
- البنية التشريعية الاستبدادية
فالدولة المصرية تقوم بالتحصن خلف ترسانة عتيدة من التشريعات الاستبدادية( البنية التشريعية الاستبدادية) والتى تتيح لها انتهاك ما نص عليه الدستور من حماية للحقوق والحريات،ويذخر قانون العقوبات والإجراءات على الكم الأكبر من تلك التشريعات ومنها على سبيل المثال القانون الذى يجرم تجمع أكثر من خمسه أشخاص ( القانون 10 لسنة 1914) وقانون الإرهاب،والمواد التى تعطى للنيابة العامة سلطات قاضى التحقيق،والجمع بين سلطتى الاتهام والتحقيق فى يد النيابة العامة،ولا يقتصر الأمر على قانوني العقوبات والإجراءات وإنما يمتد النهج الاستبدادى إلى كافة نواحى تنظيم الحياة العامة وعلاقاتها بالمواطن مثل قانون النقابات المهنية(القانون رقم 100 لسنة 1993)،كذلك قانون الجمعيات الأهلية وقانون الجمعيات التعاونية،وقانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون الأحزاب،وغيرها من القوانين التى تعكس نهج السلطة الاستبدادى ورغبتها التاريخية فى السيطرة على الشأن العام.
- انتهاك الدستور بالدستور
وذلك من خلال النص على نصوص دستورية متعارضة ومتناقضة مثل التعارض والتناقض بين الحقوق المقررة دستوريا للمواطنين وبين الإستثناء منها بموجب الدستور وكذلك المادة الثانية من الدستور والمادة 40 منه.
- الانتهاك بالتجاهل
وبالإضافة إلى الانتهاك المنهجى المقنن فأننا نجد أيضا السلطة فى مصر تقوم بتجاهل النصوص الحمائية المنصوص عليها بالدستور مستغله فى ذلك انعدام الرقابة الشعبية عليها،ومن ذلك عمليات قتل وتعذيب المواطنين فى أقسام الشرطة المصرية وسرقة أموال التأمينات والمعاشات،وغيرها من الأعمال الغير المشروعة للسلطة فى مصر والتى تنكرها الدولة المصرية رغم أنها واقعاً معاشاً يعيشه المواطن المصري يومياً.
نقابة المحامين والحقوق والحريات
يجب أن تكون رؤية نقابة المحامين للحقوق والحريات رؤية شاملة الحقوق المدنية والسياسية وكذلك الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية،متبنية للمواثيق الدولية والتى ناضلت الشعوب من أجل إقراراها واعتبرت وثائق عالمية،وباعتبار أن الإنسان المصرى يستحق أن يكون على قدم المساواة مع أي إنسان يتمتع بتلك الحقوق والحريات،ولذلك فأننا نؤمن بأن الحقوق والحريات مثلما هى شاملة فأنها عالمية ووضعت لتنطبق على الإنسان أينما كان.
أننا نعى أن لا جدوى من نصوص شكلية غير حقيقية وغير مفعله،دون وجود رقابة مجتمعية على تطبيق تلك النصوص ودون استقلال حقيقى وفعال بين السلطات الثلاث وخاصة استقلال السلطة القضائية،ولذلك فأن مطالبتنا بحماية الحقوق والحريات الاساسية للمواطنين المصريين لا تنفصل عن مطالبنا بالفصل بين السلطات واستقلال السلطات وخاصة السلطة القضائية وتفعيل الرقابة الشعبية على السلطة فى مصر.
مطالب عملية خاصة بالنصوص الحمائية للحقوق والحريات الأساسية
أن المطلب الأساسى فى هذا الخصوص هو تنقيح البنية التشريعية من كل المواد التى تمثل قيداً على ممارسة المواطنين لحقوقهم الكاملة وخاصة الحق فى المواطنة والحق فى التنظيم والحق فى حرية الرأي والتعبير وحرية الاعتقاد.
• تبنى كافة المواثيق الدولية الخاصة بالحقوق والحريات السياسية والمدنية والحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية باعتبارها وثائق عالمية.
• مواطنة كاملة
المواطنة بالنسبة لنا ليست مجرد وضع قانوني يُكتسب بحكم الميلاد، ولكنها قيمة ترتب حقوق وممارسات،ومن ثم علينا المطالبة بإلغاء كل المواد القانونية والتشريعات التى تساهم فى التمييز الدينى أو العرقى أو الاجتماعي بين المواطنين.
• حرية مطلقة للحق فى التنظيم
وذلك بما يشمل حق الجماعات المدنية المختلفة في تشكيل اتحادات، وحق هذه الأخيرة في تكوين منظمات دولية أو الانضمام إليها. وإطلاق حرية تكوين الجمعيات بلا قيد أو شرط فيما عدا القائمة منها على أساس عسكري أو عنصري، وحقها في أن تعتبر قائمة قانونا بمجرد إخطار الجهة الإدارية بتشكيلها. كما تشمل حقوق الجماعات المدنية حق كل طائفة أو جماعة دينية أو عقائدية أو ثقافية في أن تنظم أعضاءها في شكل جماعة مدنية ينضم لها طوعيا المنتمين لتلك العقيدة أو الثقافة لخدمة العقيدة أو الثقافة بشرط ألا يكون نشاط هذه الجماعات العقائدي عنصرياً أو موجهاً ضد عقيدة أو عقائد أخري.
• حرية الرأي والتعبير والاعتقاد
بما يشمل حرية الرأي والتعبير والفكر والوجدان والدين والمعتقد بلا قيد أو شرط، وتشمل هذه الحقوق، حرية تغيير الفرد لديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر. وحرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية. وضمان حق كل مواطن في استخدام وسائل الإعلام والثقافة المختلفة في ممارسة حقه في التعبير عن آرائه ومعتقداته بالكتابة والحديث والتعبير الفني على قدم المساواة مع كل المواطنين.وضمان الحرية الكاملة للبحث العلمي والنشاط الإبداعي.
• تفعيل النصوص الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية وخاصة الحق فى العمل والصحة والتعليم وما يستتبع ذلك من كفالة وضمان الدولة لهذه الحقوق وضمان تمتع المواطنين بها بشكل جيد.
بما يشمل حماية الفرد من كل من العمل الجبري والعمل المجاني وأعمال السخرة المختلفة (مثل خدمة الأمن المركزي مثلاً والتي لا يوجد لها أساس في الدستور أو القانون)، وهذا يستلزم بالضرورة إلغاء علاقة الإذعان في عقود العمل، مما يعنى تحديد شروط العمل، بما فيها الأجور النقدية والعينية، على أساس المساومة الجماعية بين العاملين بأجر وممثليهم النقابيين من جهة والجهات التي يعملون لحسابها في كافة القطاعات الحكومية وغير الحكومية من جهة أخرى. فضلاً عن ضمان الحق في الإضراب عن العمل وتحرير ممارسته من أى قيود تعيقه باعتباره السلاح الأساسي في يد العاملين بأجر في إطار المساومة الجماعية لتحسين شروط عملهم وحياتهم.
مكتب / محمد جابر عيسى المحامى
تعليقات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق