بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

29 أغسطس 2011

مفهــوم العقـــد الإلكتروني وانعقاده.




إنعقاد العقد الإلكتروني



لقد رأينا أن العقد الإلكتروني ما هو إلا عقد عادي ولكنه يختلف عنه في جزئية معينة هي وسيلة إبرامه، ويشترط لانعقاد العقد الالكتروني كغيره من العقود توافر التراضي بين طرفيه والمحل والسبب، ولا يبدو أن الفقه قد أوجد شيئا من الخصوصية بالنسبة لركني المحل والسبب في العقد الإلكتروني، ولذلك سوف نتناول ببعض التفصيل ركن التراضي.
ويتوقف وجود التراضي على تلاقي التعبير عن إرادتين متطابقتين لإبرام العقد، وهو يتوقف بدوره على صدور الإيجاب بالتعاقد من قبل الموجب الذي يقابله القبول من قبل من وجه إليه الإيجاب ، ومن ناحية أخرى على تلاقي هذا القبول بالإيجاب، فإن لم يتلاق التعبير عن الإرادة الذي تتوفر فيه مقومات الإيجاب بالتعبير عن الإرادة الذي تتوفر فيه مقومات القبول، فلن يتحقق التراضي ولـن ينعقد العقد، وسوف ينصب تركيزنا في هذا الموضوع على الجوانب الهامة التي يتميز فيها العقد الإلكتروني عن غيره من العقود المبرمة بالطرق التقليدية، بداية بدراسة صور التعبير عن الإرادة في العقد الإلكتروني وما يثيره من جدال حول قبول الوسائل الإلكترونية كأداة قانونية تسمح بالتعبير عن الإرادة وموقف القانون المدني من ذلك، ثم نتطرق إلى تطابق الإرادتين في العقد الإلكتروني.

المطلب الأول: التعبير عن الإرادة في العقد الإلكتروني.

الأصل الذي جاءت به المادة 60 من القانون المدني فيما يخص كيفية تعبير المتعاقدين عن إرادتيهما أن يتم باللفظ أو الكتابة أو بالإشارة المتداولة عرفا أو باتخاذ موقف لا يدع أي شك في دلالته على مقصود صاحبه، فحسب هذا النص يصح أن يكون التعبير عن الإرادة صريحا، كما يمكن أن يكون ضمنيا، سواء كان ذلك إيجابا من أحد المتعاقدين أو قبولا من المتعاقد الآخر [1].
ووضعت المادة 68 فقرة 2 منه، استثناء على هذه القاعدة بنصها على إمكانية أن يكون السكوت الملابس وسيلة للتعبير عن القبول [2].
إلا أن ظهور الوسائل الجديدة للتعبير عن الإرادة جعلت التساؤلات تطرح في الآونة الأخيرة حول مشروعيتها في إبرام العقود، وهذا ما يلزم التطرق أولا إلى الصور الجديدة للتعبير عن الإرادة، ثم دراسة مدى مشروعية هذه الوسائل في إبرام العقود ثانيا.

الفرع الأول: صور التعبير عن الإرادة في العقد الإلكتروني.

سيتم التطرق في هذا الفرع إلى صور الإرادة في العقود التي تبرم عن طريق الأنترنيت بالنظر لأهميتها وانتشارها الكبير أولا، ثم بعد ذلك إلى تبيان صور التعبير عن الإرادة بالوسائل الأخرى (التيلكس والفاكس ).
فقرة أولى: صور التعبير عن الإرادة في العقود المبرمة عن طريق الأنترنيت.
تنقسم هذه الصور إلى ثلاث فئات، هي التعبير عن الإرادة بواسطة البريد الإلكتروني، وعبر شبكة المواقع وأخيرا عبر المحادثة والمشاهدة.
أولا: التعبير عن الإرادة عبر البريد الإلكتروني E-mail.
لقد أصبح بالامكان استخدام تقنية البريد الإلكتروني من التعبير عن الإرادة، وتعرف خدمة البريد الإلكتروني بأنها استخدام شبكة الأنترنيت كمكتب للبريد، بحيث يستطيع مستخدم الأنترنيت بواسطتها إرسال الرسائل المعبرة عن إرادته في إبرام العقد إلى أي شخص له بريد إلكتروني، كما يمكن أيضا تلقي الرسائل المعبرة عن إرادة من أي مستخدم آخر للأنترنيت، ولا يستغرق إرسال الرسالة واستقبالها سوى بضعة ثواني، وتتم هذه الخدمة مجانا، و يشترط في الشخص الذي يريد التعاقد بهذه الوسيلة أن يكون لديه برنامج للبريد الإلكتروني يدرج ضمن البرامج التي يحتويها جهاز الكمبيوتر الخاص به، وأن يتبع بعض الخطوات اللازمة لكي يصبح متمتعا بهذه الخدمة، وتتم هذه العملية بكتابة عنوان المرسل إليه في الخانة المخصصة لذلك ثم كتابة موضوع الرسالة ثم الضغط على أمر الإرسال، وبذلك تكون الرسالة قد أدرجت تحت عنوان المرسل إليه على الشبكة، ولكي يتمكن هذا الأخير من مطالعتها فما عليه سوى استعمال برنامج بريده الإلكتروني، ويصدر أمرا بتحميل الرسالة على صندوق بريده الإلكتروني الوارد، وهنا سوف يجد جميع الرسائل التي وردت إليه في هذا الصندوق، ويسمح البرنامج المستخدم عادة بإيجاد قائمة بالرسائل تتضمن بيانا بالمرسلين مع التمييز بين الرسائل التي سبق مطالعتها وتلك التي لم يطلع عليها المرسل إليه بعد، ولقراءة أية رسالة ينبغي الضغط على موضوعها في القائمة المذكورة لتظهر للمرسل إليه على شاشة جهاز حاسوبه[3].
وبذلك يستطيع نظام البريد الإلكتروني التواصل بين شخصين تفصل بينهما آلاف الكيلومترات دون أن يلتقيا فعليا وشخصيا، كما يستطيع المرسل، إرسال تعبيره عن الإرادة في آن واحد إلى عشرات الأشخاص في دول مختلفة، وذلك باستخدام برنامج معين، وبهذه الصفات يكون البريد الإلكتروني، سوى اقتراب كبير من جهاز التيلكس، الذي يكون الإتصال فيه والردبواسطة الكتابة و في وقت متقارب جدا [4].
ثانيا: التعبير عن الإرادة عبر شبكة المواقع Web.
تعتبر خدمة الويب، أو ما يعرف بشبكة المعلومات العالمية هي الخدمة التي يمكن من خلالها زيارة مختلف المواقع على شبكة الأنترنيت، وتصفح ما فيها من صفحات من أجل الوصول إلى معلومات معينة ومن أجل إبرام عقد مع أحد التجار الذي يعرض منتوجاته عليها.
إن أهم المصطلحات التي تقابلنا هو web site ويقصد به كل مكان يمكن زيارته على شبكة المعلومات العالمية، التي تحتوي الملايين منها، لكل من هذه المواقع عنوان خاص يشار إليه بأحرف الإختصار الذي يقوم مقام العنوان العادي أو رقم الهاتف، وتتميز هذه العناوين بالثبات والإستمرارية على مدار الساعة، ولكي نتمكن من زيارة أحد هذه المواقع فما يكون علينا سوى تحرير هذا العنوان، للدخول على هذا الموقع، وبعد ذلك تظهر الصفحة الرئيسية للموقع، التي يمكن من خلالها الوصول إلى الصفحات الأخرى التي يتضمنها الموقع والتي يرغب الزائر في الحصول على معلومات منها أو التعاقد حول مختلف السلع والخدمات المعروضة عليها[5].
ويتم التعبير عن الإيجاب أو القبول في الموقع بالكتابة، وببعض الإشارات والرموز التي أصبحت متعارفا عليها عن طريق هذه الشبكة، فهناك إشارات تدل على الرضا (وجه مبتسم) وهناك إشارات تدل على الرفض (وجه غاضب) وهذه الإشارات لا تخرج عن معناها التقليدي سوى أنها إشارات صادرة عن جهاز كمبيوتر ولكنها تعبر عن إرادة الموجب له وليس عن إرادة الكمبيوتر لأنه أداة صماء، كما أن التعبير عن الإرادة عبر شبكة المواقع يمكن أن يمتد ليشمل المبادلة الفعلية الدالة على التراضي وذلك بأن يعرض الموجب له تقديم استشارة قانونية مثلا، فيقوم الموجب له بإعطاء رقم بطاقة الإئتمان العائدة له فيتم خصم قيمة الخدمة من رصيده فورا، فيتم نقل الأموال إلكترونيا بين المصارف بشرط وجود بطاقة للزبون ورقمه السري [6].
ثالثا: التعبير عن الإرادة عبر وسائل المحادثة والمشاهدة المباشرة.
الحديث عبر شبكة الأنترنيت يمكن أن يكون عبارة عن تبادل رسائل مقسمة على الشاشة حسب عدد الأشخاص، كما قد يتضمن تبادلا مباشرا للكلام، وقد يتطور حسب برنامج ووجود كاميرات فيديو، فيصبح حديثا بالمشاهدة الكاملة.
ونلاحظ هنا أن التعبير يمكن أن يكون بالكتابة أو الكلام المباشر أو بالإشارة أو بالمبادلة عن طريق بطاقات الإئتمان، وكما يكون تعبيرا صريحا أو يمكن أن يكون ضمنيا، ونلاحظ أنه يمكن أن نكون أمام مجلس عقد إفتراضي على أساس أن المتعاقدين يشاهدون ويسمعون بعضهم البعض مباشرة إلا إذا كان السكوت على الشاشة لفائدة من وجه إليه الإيجاب أو كان هناك تعامل سابق بين الطرفين إتصل الإيجاب بهذا التعامل، ويظهر ذلك خاصة في العلاقة التي تجمع البنوك مع زبائنها عبر شبكة الأنترنيت [7].
الفقرة الثانية: صور التعبير عن الإرادة في العقود التي تبرم بالوسائل الإلكترونية الأخرى.
نقتصر في هذه الدراسة على وسيلتين من الوسائل التعاقد الإلكتروني وهما التيلكس والفاكس.
أولا: التعبير عن الإرادة بواسطة التيلكس.
يعتبر التيلكس جهازا لإرسال المعلومات بطريقة طباعتها وإرسالها مباشرة، وعدم وجود فارق زمني بين المرسل والمستقبل إلا إذا تم الإرسال ولم يكن هناك من يرد في نفس الوقت، وبذلك يقترب من التعاقد عن طريق الأنترنيت في أنه يمكن أن يكون فوريا دون حاجة لمرور فاصل زمني بين الإيجاب والقبول، ويكون التعبير عن الإرادة عبر التيلكس بالكتابة، دون غيرها من وسائل الإتصال الفوري.
ثانيا: التعبير عن الإرادة بواسطة الفاكس.
هو عبارة عن جهاز استنساخ بالهاتف يمكن به نقل الرسائل والمستندات المخطوطة باليد والمطبوعة بكامل محتوياتها نقلا مطابقا لأصلها، فتظهر المستندات والرسائل على جهاز فاكس آخر لدى المستقبل، ويلاحظ هنا الفارق الزمني للرد على المرسل [8]، ويتميز هذا الجهاز بالسرعة وضمان وصول الرسائل والمستندات وسهولة الإستعمال.
ويمكن أن يكون التعاقد عبر الأنترنيت مطابقا للتعاقد عبر الفاكس إذا كان إرسال المستندات عن طريق جهاز الكمبيوتر، و يكمن الفرق بين الأنترنيت عن الفاكس في أن التعبير عن الإرادة يكون في الأول فوريا ومباشرا دون الحاجة إلى فاصل زمني بين الإيجاب والقبول، إضافة إلى أن التعبير عنها يكون بكل الوسائل الصريحة والضمنية، أما في الفاكس فلا يكون إلا بالكتابة ماعدا حــــالات وصل جهــــاز الهاتف مع الفاكس بجهاز واحد، حيث يمكن التعبير في هذه الحالة الأخيرة بالكلام أو بالكتابة[9].

الفرع الثاني: مشروعية الوسائل الإلكترونية الحديثة في التعبير عن الإرادة.

إن استغلال وسائل تقنية المعلومات المذكورة للتعبير عن الإرادة في إبرام العقود و مختلف التصرفات القانونية بين شخصين غائبين مكانا، تثير العديد من التساؤلات حول مدى اعتراف القانون المدني بهذه الوسائل الجديدة للتعبير عن الإيجاب والقبول وبناء عناصر التعاقد [10]، الشيء الذي جعل الفقه ينقسم في الدول التي مازالت تعتمد نفس النظم التقليدية في التعبير عن الإرادة إلى رأيين أولهما يقر بمشروعية هذه الوسائل في التعبير عن الإرادة والثاني يرفض ذلك، وسيتم التعرض إلى هذين الرأيين فيما يلي :
الفقرة الأولى: القائلون بمشروعية الوسائل الإلكترونية للتعبير عن الإرادة.
يعتقد أصحاب هذا الرأي [11] أنه رغم أن القانون المدني لا يتضمن نصوصا صريحة بشأن التعبير عن الإرادة بالوسائل الإلكترونية الحديثة، فإن مشروعية التعاقد هذه يمكن استخلاصها من القواعد العامة الواردة في القانون المدني ومنها:
1- الأصل في التعاقد حرية التراضي وفقا لما يقتضيه مبدأ سلطان الإرادة [12] الذي كرسته المادة 60 من القانون المدني التي تعطي المتعاقدين الحرية الكاملة في اختيار الكيفية التي يعبران بها عن إرادتهما، ولا مانع من امتداد هذه الحرية للتعبير عن الإرادة بالوسائل الإلكترونية.
2- بما انه أصبح للكتابة في الشكل الإلكتروني والتوقيع الإلكتروني مكانا ضمن قواعد الإثبات في القانون المدني، من خلال نصي المادتين 323 مكرر1 و327 فقرة 2، فالأولى أن تجد لها موقعا في انعقاد العقد.
3- نص المادة 64 من القانون المدني التي تقضي بأنه: " إذا صدر الإيجاب في مجلس العقد لشخص حاضر دون تحديد أجل القبول فإن الموجب يتحلل من إيجابه إذا لم يصدر الإيجاب فورا، وكذلك إذا صدر الإيجاب من شخص إلى آخر بطريق الهاتف أو بأي طريق مماثل"، فاستنادا إلى هذه المادة فعبارة "بأي طريق مماثل" تشير إلى أية وسيلة تقترب فنيا من الهاتف، ولذا فإن النص يمتد ليشمل التعاقد بالوسائل الإلكترونية خاصة منها الأنترنيت كون الإتصال على هذه الشبكة يمكن أن يتحول إلى هاتف عادي عبر المحادثة الشفهية، وإن الطرق الإلكترونية الأخرى للتعبير عن الإرادة كالبريد الإلكتروني أو الفاكس تشبه أيضا الطرق التقليدية للتعاقد مثل المراسلة.
4- إضافة إلى ما سبق ، فإن الفقرة الأخيرة من المادة 60 التي تنص بأنه يجوز : "أن يكون التعبير عن الإرادة ضمنيا إذا لم ينص القانون أو يتفق الطرفان على أن يكون صريحا ".
تفتح هذه الفقرة المجال لأساليب التعاقد الإلكتروني، حيث أن قيام أي فرد بعرض موقع دائم وثابت له على شبكة الأنترنيت يعني أن يقصد اتخاذ مسلك وطريق يشير ويعلن فيه إلى الناس عن نية التعاقد عن طريق موقعه، وشبكة الأنترنيت تعرض على مدار الساعة عن الإعلانات ووسائل البيع والشراء والتقديم للوظائف والخدمات، وذلك إشارة صريحة باتخاذ مسلك مباشر لا لبس فيه على التعاقد[13].
الفقرة الثانية: الرافضون لمشروعية الوسائل الإلكترونية كأداة للتعبير عن الإرادة.
خلافا للرأي السابق المؤيد لمشروعية الوسائل الإلكترونية الحديثة للتعبير عن الإرادة، فإن هذا الإتجاه يرفض الإعتراف بمشروعية هذه الوسائل للتعبير عن الإرادة وتبريرا لموفقه يقدم الحجج التالية:
1- إن القانون المدني بأحكامه الحالية لا ينص صراحة على استعمال الوسائل الإلكترونية كأدوات للتعبير عن الإرادة ولا يجب تفسير نصوصه، خاصة منها المادة 64 فقرة 2 المتعلقة بالتعاقد عبر الهاتف أو أية وسيلة متشابهة تفسيرا واسعا يشمل الصور الإلكترونية الحديثة للتعبير عن الإرادة، فلو أراد المشرع اعتمادها لنص عليها صراحة كما فعلت التشريعات المقارنة.
2- إن استعمال الوسائل الإلكترونية للتعبير عن الإرادة لا يخلو من المخاطر، كون هذه الوسائل لا تسمح من توثق كل طرف من أطراف العلاقة العقدية من وجود وصفة الطرف الآخر بمعنى عدم توثق كل طرف من أن يخاطبه الشخص الذي رضا التعاقد معه فعلا، وهذا ناجم عن طبيعة هذه الوسائل التي يتميز التعاقد من خلالها بالإفتراضية واللامادية virtuel et dématérialisé ، فلا أحد يضمن لمستخدم شبكة الانترنيت بأن ما وصله من معلومات إنما جاءت من هذا الموقع، ولا أحد يضمن له أيضا حقيقة الموقع ووجوده على الشبكة، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار تنامي عمليات اختراق المواقع وإساءة استعمال أسماء الغير في الأنشطة الجرمية [14].
3- إعتداد القانون المدني في مادته 323 مكرر1 بالكتابة في الشكل الإلكتروني في الإثبات لا يعني أنه يقر بها كوسيلة للتعبير عن إرادة المتعاقدين، فهي خاصة فقط بالإثبات لا غير، فكتابة بنود عقد على دعامة إلكترونية وحفظ نسخة منه لا يعني بالضرورة أن المشرع قد أعطي الشرعية لهذه الوسائل للتعبير عن الإرادة.
رغم قوة حجج الرأي الأول الذي يؤيد قبول القانون المدني بصيغته الحالية للوسائل الإلكترونية كأدوات للتعبير عن الإرادة إستنادا للقواعد العامة لإبرام العقود خاصة منها مبدأ الرضائية، إلا أنه يبقى عدم الإعتراف الصريح لهذا القانون لشرعية هذا النمط للتعبير عن الإرادة من ناحية، وعدم تنظيمه بالشكل الكافي من ناحية أخرى، يتسبب في عدم حماية المتعاقدين حماية كافية من مخاطر التعاقد بهذه الوسائل، إضافة إلى إعاقة التجارة الإلكترونية في بلادنا.
ولتفادي ذلك حث القانون النموذجي للتجارة الإلكترونية "CNUDCI " الدول الأعضاء للاعتراف الصريح في قوانينها على قبول الوسائل الإلكترونية ( رسائل البيانات ) في التعبير عن الإرادة وتنظيمها، إذ نصت المادة 11 منه على أنه: " في سياق تكوين العقود، وما لم يتفق الطرفان على غير ذلك، يجوز استخدام رسائل البيانات عن العرض وقبول العرض.
وعند استخدام رسالة بيانات في تكوين عقد، لا يفقد ذلك العقد صحته أو قابليته للتنفيذ لمجرد استخدام رسالة بيانات لذلك الغرض".
وأضافت المادة 12 على أنه: " في العلاقة بين منشأ رسالة البيانات والمرسل إليه، لا يفقد التعبير عن الإرادة أو غيره من أوجه التعبير مفعوله او صحته أو قابليته للتنفيذ لمجرد انه على شكل رسالة بيانات".
وتطبيقا لذلك فقد اعترفت التشريعات المتطورة صراحة بقبول رسالة البيانات للتعبير عن الإرادة ونظمتها لتضاف للصور التقليدية المعروفة [15].

المطلب الثاني: تطابق الإرادتين في العقد الإلكتروني.

لكي ينعقد العقد لابد أن يصدر إيجاب من أحد المتعاقدين يعقبه قبول من المتعاقد الآخر، ولابد أن يقترن الإيجاب بالقبول ويرتبط بهذه المسائل، مسألة مكان وزمان إقترانهما، والتي لها مكانتها الهامة والمتميزة في العقود المبرمة بالوسائل الإلكترونية، وهذا ما سيتم دراسته في هذا المطلب.

الفرع الأول: عناصر تطابق الإرادتين في العقد الإلكتروني.

يتم تطابق الإرادتين بصدور الإيجاب واقترانه بقبول موافق له صادر من المتعاقد الذي وجه له.
الفقرة الأولى: الإيجاب في العقد الإلكتروني.
يعرف الإيجاب بأنه العرض الذي يتقدم به الشخص ليعبر به ـ على وجه الجزم ـ عن إرادته في إبرام عقد معين، فينعقد هذا العقد بمجرد صدور القبول [16]، وحينئذ يكون التعبير عن الإرادة إيجابا متى توفر الشرطان الآتيان:
- أن يكون التعبير دقيقا ومحددا.
- أن يكون باتا.
فإذا نظرنا إلى صور الإيجاب عبر شبكة الأنترنيت نجد أنه إما أن يكون إيجابا عبر البريد الإلكتروني، وإما إيجابا على صفحات الويب وإما إيجابا عن طريق المحادثة والمشاهدة.
أولا: الإيجاب عبر البريد الإلكتروني E-mail:
- الإيجاب عبر البريد الإلكتروني في حالة وجود فترة زمنية فاصلة بينه وبين القبول: ويكون في هذه الحالة موجها غالبا من شخص إلى آخر تحديدا فنكون امام حالة تنطبق مع حالة الإيجاب الصادر عبر الفاكس أو البريد العادي، فيكون الموجب بحاجة لفترة زمنية فاصلة لاستلام الإجابة، وبذلك يكون الإيجاب قائما غير ملزم إلا إذا تضمن إلزاما للموجب بالبقاء على إيجابه لفترة محددة ويمكن استخلاص هذه الفترة من طبيعة هذا الإيجاب والعرف، وهذا ما نصت عليه المادة 63 من القانون المدني[17]، فإذا كان إيجابا غير ملزم فإنه يمكن أن يتم به العقد متى كان باتا وجازما، كما يمكن أن يسقط في حالة رفضه عبر البريد الإلكتروني أو التعديل فيه أو تكراره، أو انقضاء المدة في حالة ما إذا كان ملزما، كما يمكن الرجوع عنه بنفس الوسيلة أو عبر اتصال هاتفي مثلا.
- الإيجاب عبر البريد الإلكتروني في حالة الإتصال بالكتابة مباشرة: في هذه الحالة يقترب الإيجاب كثيرا بالإيجاب عبر التلكس، الذي يوفر الإتصال المباشر في إيجابه وقبوله، حيث يمكن أن يرد القبول فور صدور الإيجاب، وهنا نكون أقرب إلى مجلس العقد، ولا نخرج من القاعدة الواردة في المادة 64 من القانون المدني التي تقضي بأن : " إذا صدر الإيجاب في مجلس العقد لشخص حاضر دون تحديد اجل القبول فإن الموجب يتحلل من إيجابه إذا لم يصدر القبول فورا......." ، ويكون تحلل الموجب من إيجابه في هذه الحالة بأي فعل أو قول يدل على الإعتراض الذي يبطل الإيجاب، ويمكن أن نتصور هنا أنه أثناء تبادل الإيجاب عبر البريد الإلكتروني يقوم الموجب له بإغلاق جهاز الكمبيوتر أو بإعطاء إشارة إلى انه انتقل إلى موقع غير موقع الموجب فيكون الموجب له قد قام بفعل قد دل على الإعتراض فأبطل الإيجاب [18].
ثانيا: الإيجاب عبر شبكة المواقع Web:
الإيجاب عبر شبكة المواقع لا يختلف كثيرا عن الإيجاب الصادر عبر الصحف والمجلات والقنوات التلفزيونية المخصصة بعرض السلع وتوصيلها إلى المنازل[19]، ويتميز بأنه إيجاب مستمر على مدار الساعة والأغلب أن يكون موجها إلى الجمهورعامة بالإعلان والإشهار لبيع السلع وتقديم الخدمات المتوفرة، وعادة ما يكون هذا الإيجاب محددا بزمن، أو معلقا على شرط عدم نفاذ السلعة، وهذا الشرط راجع لطبيعة هذا الإيجاب في حد ذاته ( كونه موجه إلى الجمهور وخاصة منهم المتواجدين على شبكة الأنترنيت)، لذلك فإن احتمال نفاذ هذه السلعة أمر وارد بالنظر إلى كثرة عدد الأفراد الموجه إليهم هذا الإيجاب بما قد يتسبب بورود طلبات على السلعة أو الخدمة التي تعرضها بما يفوق قدرة المنتج أو البائع على توريد السلعة مهما كان مقدور مخزونها لديه، مما قد يتطلب منه العمل أكثر ولمدة زمنية قد تطول من أجل الوفاء بإيجابه [20]، و يكون الإيجاب عبر شبكة الويب معلق على شرط عدم تغيير الأسعارفي أحيان أخرى، إذ يحتفظ الموجب بحقه في تعديل هذا الثمن تبعا لتغير الأسعار في السوق والبورصة.
ويطرح الإيجاب عبر شبكة المواقع مسألة التكييف القانوني للإعلان عبرة شبكة الـ Web ، إذ يرى جانب من الفقه إن هذه الإعلانات هي بمثابة دعوى للتعاقد وليست إيجابا حتى ولو كان الإعلان يحتوي على كل الشروط الجوهرية للعقد، إلا إذا تعلق الأمر بالإعلان عن السلع أو الخدمة يعتد فيه بشخص المتعاقد فنكون في حالة إيجاب.
ويستند هذا الرأي على اشتراط المواقع على شبكة الأنترنيت تأكيد الزبون قبوله للعقد عن طريق الضغط مرتين أو أكثر على الزر الخاص بالموافقة، المتواجد على لوحة مفاتيح، وذلك للتأكد من أن موافقة الزبون على العقد لم يأتي عن طريق الخطأ.
في حين يرى جانب آخر من الفقه، أن الإعلانات عن السلع والخدمات عبر الأنترنيت هي إيجاب غير ملزم، أي دعوى للتعاقد، إلا إذا نص الإعلان ذاته على خلاف ذلك [21].
ونؤيد الرأي الأول فيما ذهب إليه، في تكييف الإعلان على شبكة الأنترنيت على أن له مقومات الإيجاب إذا تضمن المسائل الجوهرية في التعاقد، وعدم تعرض التعبير لما ينفي نية الإرتباط بالتعاقد، اذ أن توجيه الإيجاب للجمهور لا يؤثر على تكييف الإعلان بأنه إيجاب، طالما أنه يحتمل أن يصدر قبولا من أي شخص فينعقد العقد، باستثناء العقود التي يكون فيها شخص المتعاقد معه محل اعتبار، مما يقتضي حتما تحفظا ضمنيا ينال بموجبه من قطعية الإيجاب، ومثال ذلك الإعلان عن تأجير محلات سكنية أو البحث عن مستخدمين، ففي مثل هذه الحالات يحتفظ من صدر منه التعبير لنفسه بحق الموافقة على من يتقدم إليه بناء على الدعوى التي وجهها.
ثالثا: الإيجاب عبر المحادثة أو المشاهدة المباشرة:
يستطيع المتعامل على شبكة الأنترنيت أن يرى المتصل معه على الشبكة وأن يتحدث معه، وذلك عن طريق كاميرا توصل بجهاز الكمبيوتر لدى الطرفين، فيتحول الكمبيوتر إلى هاتف تقليدي أو هاتف مرئي، فنكون في هذه الحالة أمام حضور افتراضي لطرفي العقد في مجلس عقد واحد Présence virtuelle simultanée، أو ما يسمى بمجلس عقد افتراضي، يقترب جدا من المجلس الحقيقي، فيكون الإيجاب صادر مباشرة بالكلام أو بالكتابة أو بالمشاهدة، وينطبق على هذا النوع من الإيجاب القواعد العامة في التعاقد بين حاضرين زمانا المنصوص عليها في المادة 64 من القانون المدني، فيكون الإيجاب غير ملزم ما لم يحصل القبول فورا، وللموجب حينئذ الحق في العدول، فإذا عدل الموجب عن إيجابه، يسقط الإيجاب ولا يتم العقد إطلاقا، وإذا صدر قبول بعد ذلك فلا يعتد به وإنما يعتبر إيجابا جديدا.
أما إذا لم يعدل الموجب عن إيجابه فإن الإيجاب لا يسقط، لكنه يصبح غير ملزم، وهو ما يسمى بالإيجاب القائم وغير الملزم، وفي هذه الحالة فإن صدور قبول قبل انفضاض مجلس العقد يؤدي إلى انعقاد العقد[22].
الفقرة الثانية: القبول في العقد الإلكتروني.
يعرف القبول بأنه الرد الإيجابي على الإيجاب من طرف الموجب له[23] أو هو التعبير عن إرادة من وجه إليه الإيجاب في إبرام العقد على أساس هذا الإيجاب [24].
ولقبول هو العنصر الثاني في العقد، ويجب لكي ينتج القبول أثرا في انعقاد العقد أن يتطابق تماما مع الإيجاب في كل جوانبه، وإلا فإن العقد لا ينعقد، فإذا اختلف القبول عن الإيجاب اعتبر إيجابا جديدا وليس قبولا إلا في حالة الإتفاق الجزئي، الذي نصت عليه المادة 69 من القانون المدني والذي يكون منشئا للعقد إذا توافرت شروطه.
وعالجت في نفس الوقت المادة 68 من القانون المدني مسألة مدى اعتبار السكوت قبولا، وهي المسائل التي سوف نتناولها بما لها من خصوصية في العقد الإلكتروني.
أولا: الطرق الخاصة بالقبول في العقد الإلكتروني.
فتكون طرق القبول في العقود التي تبرم بالوسائل الإلكترونية بنفس طرق الإيجاب فيها المذكورة أعلاه، بحيث تكون صور القبول في العقود التي تبرم بواسطة التيلكس أو الفاكس أو بواسطة البريد الإلكتروني بالكتابة، وهي كتابة لا تختلف في جوهرها عن الكتابة العادية سوى في وسيلتها.
وتكون صور التعبير عن القبول في العقود التي تبرم بواسطة المشاهدة والمحادثة عبر الأنترنيت باللفظ او بالإشارة المتداولة عرفا. وهذا لا يمنع أن يتم القبول بطريق إلكتروني غير الطريق الذي صدر الإيجاب بواسطته، كأن يصدر الإيجاب بواسطة البريد الإلكتروني فيكون القبول بواسطة الفاكس أو العكس[25].
1- التعبير عن القبول على شبكة الويبWeb :
يثور المشكل خاصة بالنسبة إلى التعبير عن القبول في العقود التي تبرم عن طريق شبكة المواقع أو الويب Web، وبصفة خاصة مسألة مدى اعتبار ملامسة من وجه إليه الإيجاب لأيقونة "القبول" أي "Accepter" أو الضغط عليها مرة واحدة كافية للتعبير عن القبول تعبيرا صحيحا ومعتد به قانونا ؟ في الحقيقة، انقسم الفقه حول هذه المسألة إلى قسمين إذ يرى جانب منه أنه لا يوجد ما يحول من الناحية القانونية دون ذلك في كل الأحوال مادام الموجه له الإيجاب الخيار في الخروج من الموقع ورفض التعاقد، في حين يرى الجانب الآخر من الفقه أنه يجب لقبول هذا التعبير أن يثبت الموجب بأن موقعه قد أتاح الفرصة للمستخدم لقراءة شروط هذا العقد [26].
إلا أن القضاء الفرنسي لم يقتنع بصحة هذا القبول بواسطة اللمس أو الضغط clic على أيقونة القبول إلا إذا كان حاسما.
وذلك بأن تتضمن عبارات التعاقد رسالة القبـــول نهائيــا من أجـل تجنب أخــطاء اليــــد erreurs de manipulation أثناء العمل على الجهاز، مثل هل تؤكد القبول؟ والإجابة على ذلك بنعم أو بلا، بحيث يتم التعبير عن القبول بلمستين double clic، وليس بلمسة واحدة تأكيدا لتصميم من وجه الإيجاب إليه على قبوله، ويطلق الفقه على هذه اللمسة "باللمسة الأخيرة للقبول clic final d’acceptation" ، وبذلك يمكن القول بأن التعبير عن القبول قد تم عبر مرحلتين، وهو نمط جديد في التعبير عن القبول، ظهر مع ظهور العقود الالكترونية، وتكمن ايجابياته في تمكين المتعاقد من التفكير جيدا قبل تأكيد قبوله[27].
كما هناك أيضا العديد من التقنيات التي تسمح بتأكييد رغبة المتعاقد في القبول، ومن ذلك وجود بطاقة الطلبات أو ما يسمى بوثيقة الأمر بالشراء bon de commande يتعين على الموجه إليه الإيجاب تحريرها على الشاشة وهو بذلك يؤكد سلوكه الإيجابي في هذا الشأن أو تأكيد الأمر بالشراءconfirmation de la commande ، عن طريق ارساله من طرف الموجه اليه الايجاب الى موقع الموجب[28].
لكن الفقه أثار جدية مسألة القيمة القانونية لهذا التأكيد للقبول، فإما أن يكون القبول قد تم قبل التأكيد، فلا تكون له قيمة قانونية، وإما أن القبول لا يتم إلا بصدور التأكيد، فيكون هذا التأكيد هو القبول بعينه، بحيث لا تبدو الحاجة لمعاملته كشيء آخر بجوار القبول، ويرى الأستاذ أسامة أبو الحسن مجاهد أن الإجابة على هذا التساؤل تستخلص من خلال تفاصيل البرنامج المعلوماتي الذي يتم التعاقد من خلاله، والذي لن يخرج عن فرضيات ثلاثة:
الأولى: إذا كان هذا البرنامج لا يسمح بانعقاد العقد إلا إذا تم التأكيد بحيث لن يترتب على صدور القبول مجردا من التأكيد أي أثر وفي هذه الحالة نستطيع الجزم بأن القبول لا يتم إلا بعد صدور التأكيد.
الثانية: إذا كان البرنامج يسمح بانعقاد العقد دون أن يرد فيه التأكيد على الإطلاق، وهنا لا مفر من القول بأن القبول قد صدر بمجرد لمس أيقونة القبول.
الثالثة: وهي حالة وسط، بأن يتضمن البرنامج ضرورة التأكيد ولكن لا يمنع من انعقاد العقد بدونه، وهنا يمكن القول أن اللمسة هي قرينة على الإنعقاد، ولكنها قابلة لإثبات العكس، بمعنى أنه يمكن للموجب له أن يثبت أن هذه اللمسة صدرت منه خطأ فيعتبر عدم صدور التأكيد منه دليلا على أنه لم يقصد قبول التعاقد[29].
2- التعبير عن القبول في المعاملات الالكترونية المؤتمتة.
المعاملات الالكترونية المؤتمتة هي تلك المعاملات التي لا تقبل التدخل البشري فيها، إنما تتم عن طريق برامج الكترونية معدة مسبقا للقيام بمهمة معينة وهذه البرامج مزودة بمعلومات محددة، بما هومسند إليها بمجرد تلقي الأمر بذلك، ومثال ذلك قيام أحد الأشخاص بمخاطبة آخر عن طريق شبكة web من أجل شراء عدد معين من السيارات من أحد المعارض وكان هذا المعرض يتعامل عن طريق حاسوب آلي بحيث يرد على الزبائن بمجرد تلقي الطلب الخاص بنوع السيارة فيذكر السعر واللون وكيفية الاستلام، وفي حالة تحديد الزبون لطلبه، يقوم البرنامج بمخاطبته بقبول الشراء و إبرام عقد البيع، ومثاله أيضا رغبة أحد الأشخاص في حجز تذكرة سفر لدى إحدى شركات الطيران، فما عليه إلا أن يدخل إلى موقع الشركة على شبكة الانترنيت ويطالع مواعيد الرحلات و الأماكن الشاغرة ،حيث يطلب حجز مقعد في رحلة يحددها هو، ويطلب منه سداد القيمة، وبمجرد تمام تحويل القيمة عن طريق عملية الدفع الالكتروني تظهر له عبارة OK وبمجرد الضغط عليها يستطيع الحصول على صورة من تذكرة السفر عن طريق الحاسوب الشخصي الخاص به[30].
يتضح من خلال هذين المثالين أن التعبير عن القبول تم عن طريق الحاسوب الآلي المزود بمعلومات محددة وبرامج خاصة قادرة على إنجاز المعاملة بمجرد أن يطلب منها ذلك دون تدخل بشري، وبذلك يترتب على هذا القبول كافة الآثار القانونية المترتبة على القبول الصادر عن الأفراد بالطريقة التقليدية – دون تدخل وسائط الكترونية - اذ يكون التعاقد صحيحا ونافذا ومنتجا لأثاره القانونية على الرغم من عدم التدخل الشخصي أو المباشر للشخص الطبيعي في عملية إبرام العقد.
إن مرد ذلك يرجع إلى أن الشخص الطبيعي أو المعنوي الواجب عليه الإيجاب هو الذي يمتلك النظام الالكتروني الذي تم من خلاله التعبير عن قبوله من جهة وأنه هو الذي قام ببرمجة هذا النظام بشكل جعله يرسل الرسائل المعبرة عن قبول ذلك الشخص بحسب إرادته[31].
إلا أن الفقه يرى بأن سريان هذا التصرف في حق الموجب يفترض إثبات علمه بأن القبول صدر عن طريق النظام الالكتروني المؤتمت أو يفترض أنه كان يجب عليه أن يعلم بأن العقد أو المعاملة سوف تبرم بهذه الوسيلة[32].
3- مدى اعتبار التحميل عن بعد تعبيرا عن القبول Téléchargement.
يثور التساؤل حول اعتبار التحميل عن بعد Téléchargement [33] لأحد برامج الكمبيوتر صورة من صور القبول بحيث يترتب به انعقاد العقد، ومثاله العملي عرض إحدى الشركات على مستعمل الأنترنيت أن يتعاقد على الخط ( أي على الشبكة نفسها ) على أحد برامجها وتنبهه في نفس الوقت أنه إذا ضغط على أيقونة Accepter فإنه يعد قابلا لشروط استعمال البرنامج،ومن ضمن هذه الشروط أنه يجوز للشركة أن تعدل شروط العقد في أي وقت بناء على مجرد إخطار Notification، يحدث أثره فورا، مع ملاحظة أن هذا الإخطار يجوز أن يتم على نفس البرنامج، فهل ضغط مستعمل الأنترنيت على أيقونة القبول من طرف المستعمل يعني أنه عبرعلى نحو صحيح عن قبوله شروط استعمال هذه الخدمة والتعديلات اللاحقة لها والتي سوف تكون نافذة في حقه ؟ ففي مثل هذه الحالات يكون الضغط على أيقونة القبول وسيلة قانونية للتعبير عن القبول إذا اتضح منها إرادته الجازمة في التعاقد، أما مسألة عدم علمه المسبق ببعض الشروط العقدية فينبغي أن تواجه وفقا لما استقر عليه الأمر بشأن هذه المشكلة بصفـة عامة [34].
ثانيا: السكوت الملابس كوسيلة للتعبير عن القبول في العقود الإلكترونية.
تنص المادة 68 من القانون المدني على أنه:" إذا كانت طبيعة المعاملة، أو العرف التجاري، أو غير ذلك من الظروف، تدل على أن الموجب لم يكن لينتظر تصريحا بالقبول فإن العقد يعتبر قد تم، إذا لم يرفض الإيجاب في وقت مناسب.
ويعتبر السكوت في الرد قبولا، إذا اتصل الإيجاب بتعامل سابق بين المتعاملين، أو إذا كان الإيجاب لمصلحة من وجه إليه".
وتعد هذه الحالة استثنائية بخصوص التعبير عن الإرادة، فالأصل هو أن يكون التعبير صريحا أو ضمنيا، ولا يعتبر الساكت معبرا عن إرادته إلا إذا اتصل الإيجاب بتعامل سابق بين المتعاقدين، أو كان الإيجاب في مصلحة من وجه إليه كما أشارت إلى ذلك المادة المذكورة، و نورد فيما يلي مدى ملائمة
مختلف الحالات التي يكون فيها السكوت تعبيرا عن القبول في العقود التي تبرم بالوسائل الالكترونية فيما يلي:
1-العرف:
في وقتنا هذا، لا يمكن للعرف أن يلعب دورا فعليا في التعاقد عبر الأنترنيت ، وذلك نظرا لحداثة هذا الشكل من أشكال التعاقد.
- مصلحة من وجه إليه الإيجاب :
إذا تمخض الإيجاب لمصلحة من وجه إليه، فهي حالة تتضمن عملا من أعمال التبرع دون أي التزام على عاتق من وجه إليه الإيجاب، وهو تصرف غير مألوف على الأنترنيت كون أغلب العقود التي تبرم بهذا الشكل هي عقود تجارية.
-التعامـل السابق:
أما التعامل السابق بين المتعاقدين هي الحالة التي تصادفنا كثيرا في التعاقد عبر الأنترنيت، ومثالها اعتياد الزبون على شراء بعض السلع من أحد المتاجر الإفتراضية، سواء بالبريد الإلكتروني أو عن طريق صفحات الويب، وهنا يمكن القول بأن هذه الحالة تعد من الحالات النموذجية للتعاقد السابق، وبالتالي يعد هنا السكوت في الرد قبولا.
لكن ورغم وجود العلاقة السابقة بين الطرفين لا يمكن اعتبار سكوت من وجه إليه الإيجاب بواسطة رسالة إلكترونية متضمنة عدم الرد خلال مدة زمنية معينة بمثابة قبول، بل يجب أن يقترن بهذا السكوت وهذا التعامل السابق ظرف آخر يرجح دلالة السكوت على قبول الزبون للتعاقد[35].

الفرع الثاني: زمان ومكان تطابق الإرادتين في العقد الإلكتروني.

ذا كان التعاقد بالوسائل الإلكترونية يميزه بصفة أساسية التباعد المكاني بين طرفيه، فإن التساؤل عن اللحظة التي يبرم فيها ومكان انعقاده يبدو سؤالا مشروعا، وبصفة خاصة لما للإجابة عليه من نتائج عملية هامة[36].
الفقرة الأولى: زمان انعقاد العقد الإلكتروني.
إن دراسة زمان انعقاد العقد الإلكتروني تقودنا أولا إلى إبراز أهمية تحديد هذا العنصر بصفة عامة، ثم التطرق إلى تكييف العلاقة العقدية التي تتم بالوسائل الإلكترونية من حيث أنها تعاقد بين حاضرين أو غائبين، ثم في الأخير إلى تحديد لحظة انعقاد العقد الإلكتروني وفقا للقواعد الواردة في القانون المدني.
أولا: أهمية تحديد زمان انعقاد العقد
تبدو أهمية تحديد زمان انعقاد العقد في ما يلي:
- إن القول بانعقاده في لحظة معينة يمنع على أي من طرفيه نقضه أو التحلل منه.
- حق الموجب في العدول عن إيجابه بعد انقضاء الأجل المحدد للقبول.
- سريان المواعيد من وقت تمام العقد، حسب ما تقضي به المادة 90 فقرة 2 من القانون المدني

التي تقضي بأنه: " يجب أن ترفع الدعوى بذلك خلال سنة من تاريخ العقد و إلا كانت غير مقبولة".
- سقوط الإيجاب في بعض الحالات بالوفاة أو فقدان الأهلية، فإذا توفي الموجب أو فقد أهليته قبل انعقاد العقد يسقط الإيجاب، أما إذا تم العقد قبل ذلك يكون صحيحا.
- إستحقاق المشتري الإنتفاع بالشيء وإيراده وكذلك تحمل تكاليفه من يوم تطابق الإرادتين أي انعقاد العقد طبقا للمادة 383 من القانون المدني.
- وتظهر أهميته أيضا بالنظر إلى ما يشترط في ممارسة بعض الدعاوى كالدعوي البوليصية، التي يشترط فيها أن يكون تاريخ العقد الذي يطعن فيه الدائن قد صدر من مدينه لاحقا على الحق الثابت له في ذمة المدين [37].
ثانيا: تكييف العقد الالكتروني فيما إذا كان تعاقد بين حاضرين أم غائبين.
يجب الإشارة أولا إلى أن هناك من الفقهاء من يعتد بمعيار الزمن للتمييز بين التعاقد بين الحاضرين والتعاقد بين الغائبين، ففي الحالة الأولى تنمحي الفترة الزمنية بين صدور القبول والعلم به، فالموجب يعلم بالقبول في الوقت الذي يصدر فيه.
أما في التعاقد بين الغائبين فإن هناك فترة زمنية ملحوظة تفصل بين وقت صدور القبول وعلم الموجب به
وهناك من الفقهاء من يرى أن معيار الزمن ليس مانعا ولا جامعا، فالزمن ليس هو العنصر الوحيد الذي يميز التعاقد بين الغائبين عن التعاقد بين الحاضرين، بل أن هناك ثلاثة عناصر مجتمعة، وهي عنصر الزمن وعنصر المكان وعنصر الإنشغال بشؤون العقد[38].
وإذا رجعنا إلى التعاقد الإلكتروني فإنه يجب التمييز بين الحالات التالية:
1- التعاقد عبر البريد الإلكتروني E-mail :
- حالة وجود فاصل زمني بين الإيجاب والقبول: في هذه الحالة لا شك أن التعاقد يكون بين غائبين، وهو الحكم الذي ينطبق كذلك على التعاقد عبر الفاكس.
- حالة ما إذا صدر الإيجاب والقبول في نفس الوقت، في هذه الحالة نقترب من التعاقد عبر الهاتف، وذلك لأن الإيجاب والقبول يكونان في نفس الزمن، فلابد من تطبيق أحكام التعاقد بين الحاضرين زمانا، وهذا الحكم ينطبق أيضا على التعاقد بواسطة التيلكس.
2-التعاقد عبر شبكة المواقع Web :
- إذا دخل الشخص إلى أحد المواقع على الشبكة وأرسل إيجابه وانتظر فترة من الزمن لتلقي القبول، فنكون أمام التعاقد بين غائبين.
- وإذا تلقى هذا الشخص الإيجاب فورا فنكون في هذه الحالة أمام التعاقد بين حاضرين.
3- التعاقد عبر المحادثة والمشاهدة المباشرة:
نكون أما مجلس عقد لإمكانية تبادل الإيجاب والقبول عبر المحادثة والمشاهدة المباشرة، وعليه يتم تطبيق أحكام التعاقد بين الحاضرين زمانا [39].
ثالثا: تحديد زمان إنعقاد العقد الإلكتروني.
أخذ المشرع الجزائري بنظرية العلم بالقبول في تحديد لحظة انعقاد العقد في المادة 67 من القانون المدني التي تنص على أنه: "يعتبر التعاقد بين الغائبين قد تم في المكان والزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول، ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني يقضي بغير ذلك، ويفترض أن الموجب قد علم بالقبول في المكان، وفي الزمان اللذين وصل إليه فيهما القبول "[40].
وهذا يقتضي أن يطلع الموجب على الرسالة المتضمنة للقبول، ويعتمد أصحاب هذه النظرية على تطابق أو توافق الإرادتين الذي يقتضي حتما أن يكون كل متعاقد على علم بإرادة المتعاقد الآخر، فالأخذ بهذه النظرية يؤجل الآثار المترتبة على القبول مما يوفر فرصا إضافية للموجب له للتراجع عن قبوله، ويعاب على هذه النظرية صعوبة إثبات العلم بالقبول، خاصة بالنسبة للتعاقدات التي تتم بالوسائل الإلكترونية [41].
وتطبيقا لهذه النظرية بشأن العقود المبرمة بالبريد الإلكتروني أو الفاكس، يمكن القول بأن العقد ينعقد في هذه الحالة في اللحظة التي يعلم فيها الموجب بالقبول أي بقيامه بفتح صندوق بريده الإلكتروني، والإطلاع على رسالة القابل، أي تحققه من قبول الأخير بالإيجاب المعروض عليه، أو في حالة وصول الرسالة إلى جهاز الفاكس المرسل إليه والإطلاع عليها من قبل الموجب في حالة التعاقد عبر الفاكس [42].
إن تكريس نظرية العلم بالقبول من طرف المشرع جعل البعض من الفقه يعتقد أن اعتبار التعاقد الإلكتروني تعاقد بين حاضرين حكما أو بين غائبين ليس له أي تأثير من الناحية العملية على مكان وزمان انعقاد العقد، طالما ان المشرع اعتمد مذهب العلم بالقبول.
لكننا نخالف هذا الرأي كون القاعدة التي جاءت بها المادة 67 من القانون المدني قرينة بسيطة يمكن
للموجب أن يثبت أنه لم يعلم بالقبول إلا في وقت لاحق، كما أن لهذه القاعدة صبغة تكميلية، الأمر الذي يسمح للمتعاقدين أن يتفقا على مخالفتها، كأن يتفقا على أن يتم العقد وقت صدور القبول مثلا [43].
الفقرة الثانية: مكان انعقاد العقد الإلكتروني.
إن تحديد مكان انعقاد العقد له أهمية خاصة، من حيث تحديد القانون الواجب التطبيق بشأنه والقضاء المختص بنظر منازعاته، وتزداد هذه الأهمية خاصة إذا تعلق الأمر بالعقود الإلكترونية التي تبرم عبر شبكات الإتصال ومنها الأنترنيت، نظرا للطابع غير المادي والعالمي الذي تتميز بها هذه الوسائل في التعاقد، مما يجعل القواعد التي تحكم هذه المسألة في القانون المدني محل تساؤل عند الكثير من الفقهاء حول إمكانية تطبيقها على هذه العقود، لذا ستتم دراسة مكان انعقاد العقد الإلكتروني في النقطتين التاليتين:
أولا: تحديد مكان انعقاد العقد الإلكتروني.
تنص المادة 67 من القانون المدني على أنه: "يعتبر التعاقد ما بين الغائبين قد تم في المكان وفي الزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول، ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني يقضي بغير ذلك.
ويفترض أن الموجب قد علم بالقبول في المكان، وفي الزمان اللذين وصل فيهما إليه القبول".
إن هذا النص وضع قاعدة عامة تفيد بأن مكان إبرام العقد الذي يبرم بين غائبين هو المكان الذي يعلم فيه الموجب بالقبول، إلا إذا اتفق الطرفان على خلاف ذلك أو نص القانون على غير ذلك.
إن تطبيق هذه النظرية بالنسبة للعقود التقليدية التي تتم بين غائبين بواسطة تبادل الوثائق والخطابات المكتوبة يبدو سهلا نظرا للطبيعة المادية لوسيلة تبادل التراضي بين المتعاقدين، في حين أن تطبيقها على العقود الإلكترونية يثير الكثير من التساؤلات، كون محاولة تركيز هذا العقد في دولة معينة أمرا صعب التحقيق، نظرا للطبيعة الدولية لشبكة الأنترنيت بوصفها متصلة بجميع الدول في آن واحد، من جهة، وعن الطبيعة غير المادية لهذه الوسيلة في التعاقد، لاحتوائها على عدد هائل من المواقع الإفتراضية من جهة أخرى.[44]
بالإضافة إلى عدم اتفاق هذه النظرية مع جميع صور القبول، فقد رأينا أن القبول قد لا يتم صراحة وإنما يستنتج من سلوكيات الموجه إليه الإيجاب، وذلك في حالة السكوت الملابس الذي يمكن أن يعتبر قبولا في العقود الإلكترونية، كما لو قام الموجه إليه الإيجاب بالأعمال التي تنفذ العقد مباشرة دون إعلان لإرادته في هذا الشأن، ومن هنا لا يتحقق اتصال القبول بإرادة الموجب.
فقد يصدر الايجاب من محل إقامة الموجب أو من حيث توجد مشروعاته التي بها نظامه المعلوماتي الذي من خلاله يقيم اتصالاته وتعاقداته، كما يمكن أن تصدر من أي مكان توجد به وسيلة الإتصال [45].
ثانيا: القانون الواجب التطبيق على العقود الإلكترونية.
نصت المادة 18 المعدلة من القانون المدني على أنه: "يسري على الإلتزامات التعاقدية القانون المختار من المتعاقدين إذا كانت له صلة حقيقية بالمتعاقدين أو بالعقد.
وفي حالة عدم إمكان ذلك، يطبق قانون الموطن المشترك أو الجنسية المشتركة، وفي حالة عدم ذلك يطبق قانون محل إبرام العقد.
غير أنه يسري على العقود المتعلقة بالعقار قانون موقعه".
يتضح من خلال هذه المادة أن المشرع قد بنى قاعدة الإسناد الخاصة بالعقود الدولية على ثلاثة ضوابط، أحدهـا أساسي وهو قانون إرادة المتعاقدين، وآخران احتياطيان، وهما قانون الموطن المشترك والجنسية المشتركة وقانون محل إبرام العقد [46].
واشترط في قانون الإرادة أن تكون له صلة حقيقية بالمتعاقدين أو بالعقد، فلم يترك بالتالي لطرفي العقد الحرية الكاملة لاختيار القانون الواجب التطبيق على عقدهما، والسبب في هذا التقدير القانوني هو ضرورة إقامة توازن بين إطلاق حرية المتعاقدين في اختيار القانون الذي يحكم العقد من ناحية، وضرورة خضوع هذه الرابطة العقدية للأحكام الآمرة للدولة القريبة للعقد واختصاص قضائها الوطني، منعا للغش وحماية للطرف الضعيف في العقد، الذي يكون عادة المستهلك، وبذلك تتفق آراء الفقهاء مع رغبة المشرع في حمايته، خاصة في العقود التي تبرم بالطرق الإلكترونية [47].
واختيار للقانون الواجب التطبيق يمكن أن يتم من طرف المتعاقدين على شبكة الويب Web، كما يمكن أن يتم من خلال الرسائل المتبادلة بالبريد الإلكتروني بعد الإتفاق على البنود العقدية الأخرى، ومن ثمة فإن مشاكل قانون الإرادة المتعارف عليها في العقود التقليدية تطرح نفسها هنا أيضا بما يتفق مع طبيعة شبكة الأنترنيت، فالعلاقة التي اشترطتها المادة 18 من القانون المدني بين قانون الإرادة والعقد قد تتمثل في مكان إبرام العقد أو في مكان تنفيذه، ولكن هذين المعيارين لا يعبران في جميع الأحوال عن علاقة جدية بالعقد في التعاقد الذي يبرم من خلال الأنترنيت، الذي يفترض اتصال العقد بجميع الدول نظرا لاتصال الأنترنيت بها في آن واحد، نتيجة انفتاح هذه الشبكة على العالم كله، فالأنترنيت نفسه هو وسط غير مادي يتم فيه إبرام العقد من دون أن يكون مركزا في إقليم دولة معينة، لأنه فضاء إلكتروني مستقل غير خاضع لدول






رد: مفهــوم العقـــد الإلكتروني وانعقاده.


غير خاضع لدولة بعينها، بحيث يمكن القول بتطبيق قانونها، كما أن مكان تنفيذ العقد لا يخلو من الصعوبة، خاصة بالنسبة للعقود التي تبرم وتنفذ على شبكة الأنترنيت دون حاجة للرجوع إلى الفضاء المادي الخارجي، ومن هنا لا يوجــــد
إقليم دولة معينة يتم فيه تنفيذ العقد، بل نحن إزاء بيئة غير مادية يتم تنفيذ العقد من خلالها [48]، وهذا مادفع الفقه إلى التساؤل عما إذا كانت الأنترنيت منطقة بلا قانون، مشبهين إياها بالمحيط الذي ليس له حدود ولا مناطق جغرافية ولا تملكه دولة بعينها، فمستعمل الأنترنيت يتجول في فضاء وطني وفي فضاء دولي في آن واحد، إذ يستطيع زيارة مواقع في كل أنحاء العالم لا تخضع لسيادة أية دولة.
ويرى جانب من الفقه عكس ذلك إذ يعتقد أن شبكة الأنترنيت منطقة خاضعة لعدد هائل من القوانين ومن الأنظمة القضائية، وذلك لتعذر خضوعها لقانون واحد، ذلك أن القانون لم يكن غائبا أبدا عن الشبكات ولا يمكن أن يغيب عنها، ووجود القانون الذي ينظم الأنترنيت هو أمر بديهي، وذلك طالما أنه يوجد أفراد خلف الأدوات يجب أن يتفق سلوكهم عبر الشبكة مع القانون.
وينفي رأي ثالث بشدة مشكلة الفراغ القانوني بالنسبة لشبكة الأنترنيت ضاربا أمثلة للعديد من التشريعات التي يمكن أن تخضع إليها في فرنسا، وللأجهزة الحكومية التي يمكن أن تتدخل بشأن الأنترنيت، وهي ذات الأجهزة المنوط بها تنفيذ هذه التشريعات، وهو ما ذهب إليه مجلس الدولة الفرنسي.
ومن الأمثلة التي أعطاها الفقه لارتباط العقد بقانون دولة معينة، العقود الإلكترونية التي يتم فيها عرض السلعة أو الخدمة عن طريق البريد الإلكتروني، فالعرض يتم استقباله في دولة من وجه إليه، متى كان هذا الأخير قد دخل إلى موقع البريد المعلن به عرض السلعة أو الخدمة، ويتصور حصول هذا الفرض حين يقوم مورد السلعة أو الخدمة بإرسال رسالة إلكترونية ذات طبيعة دعائية لذات بلد الموجه إليه الإيجاب، أو يصمم صفحة إعلانية توجه تحديدا إلى البلد الذي يقيم فيه من وجه إليه الإيجاب، ويعد ذلك النوع من العقود وثيق الصلة بقانون دولة محل الإقامة العادية لمن وجه إليه الإيجاب إذا كان الموجب قد قام بالأعمال الضرورية واللازمة لإبرام العقد في هذه الدولة، كأن يسجل طلبه على شبكة الأنترنيت أو يقبل إيجاب البائع عن طريق البريد الإلكتروني، ففي هذا المثال تعد أفعال القبول الصادرة ممن وجه إليه الإيجاب ذات علاقة بقانون الدولة محل إقامته العادية [49]، وبالتالي يمكن اتفاق المتعاقدين على تطبيقه.
لكن رغم ارتباط قانون الإرادة بدولة محددة تبقى الإشكالية تطرح حول مدى صحة هذا الشرط على ضوء حقيقة مفادها أن المستخدم قد لا يكون قد قرأ شروط العقد وعليه فإنه بالتأكيد لم يناقشه، وربما يقع هذا العقد وفق بعض النظم القانونية ضمن مفهوم عقد الإذعان، إضافة إلى أن هناك العديد من النظم القانونية لا تتضمن حتى الآن تشريعات منظمة لمسائل تقنية المعلومات مما يزيد الصعوبة حول قانون الإرادة والإختصاص القضائي [50].
مما يجعل القاضي السلطة الوحيدة التي تبت في مسألة تحديد القانون الواجب التطبيق والقضاء المختص، في حالة غياب الإرتباط بين قانون الإرادة والعقد، وذلك باللجوء إلى الجنسية المشتركة للمتعاقدين أو موطنهما المشترك [51].

ـــــــــــــــــ

[1] يرى الفقه أنه لا ترتب التفرقة بين التعبير الصريح وبين التعبير الضمني عن الإرادة أية نتيجة قانونية.
لأكثر تفصيل راجع د/ علي فيلالي، المرجع السابق، ص84.
أ/ لحلو غنيمة، محاضرات في القانون المدني، ألقيت على طلبة الدفعة الرابعة عشر بالمعهد الوطني للقضاء، السنة الأولى، السنة الأكاديمية 2003-2004.
[2] راجع المادة 68 من القانون المدني.
[3] أسامة أبو الحسن مجاهد، المرجع السابق، ص 8 و9.
[4] كما أن قانون الأونيستيرال تنـاول تعريفا يقترب فيه من مفهوم التعبير عن الإرادة عبر البريد الإلكتروني، حيث نصت الفقرة 2 فقرة "ب" أن التبادل والتعبير الإلكتروني يشمل أية وسيلة إبلاغ إلكترونية مثل إرسال البيانات من كمبيوتر إلى كمبيوتر آخر في شكل قياسي واحد عبر البريد الإلكتروني.
[5] د/ أسامة أبو الحسن مجاهد، المرجع السابق ص9.
[6] أ/ أحمد خالد العجولي، المرجع السابق، ص 47.
[7] أ/ أحمد خالد العجولي، المرجع السابق، ص 48.
[8] أ/ أحمد خالد العجولي، المرجع السابق، ص 49.
[9] أ/ أحمد خالد العجولي، المرجع السابق، ص 49.
وقد نصت المادة 2 من قانون الأونسيترال الفقرة "أ" على أنه: "يراد بمصطلح رسالة بيانات المعلومات التي يمكن إنشاؤها أو إرسالها أو استلامها أو تخزينها بوسائل إلكترونية أو ضوئية أو بوسائل مشابهة، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر تبادل البيانات الإلكترونية، أو البريد الإلكتروني، أو البرق ، أو التيلكس أو النسخ البرقي"، فهذه المادة قد نصت صراحة الى إمكانية نقل رسائل البيانات بواسطة التلكس والفاكس.
[10] المحامي، يونس عرب، حجية الإثبات بالمستخرجات الإلكترونية في القضايا المصرفية، الجزء 1، مسائل وتحديات الإثبات الإلكتروني في المسائل المدنية والتجارية والمصرفية، مقال منشور على موقع
[11] أ/ أحمد خالد العجولي، المرجع السابق، ص.20 وما يليها.
[12] د/ علي فيلالي، المرجع السابق، ص81.
[13] أ/ احمد خالد العجولي، المرجع السابق،ص 22.
[14] رغم أن هذه المشاكل تم إيجاد حلول تقنية وقانونية لها تتعلق خاصة بضمان تأكيد الإتصال وإثبات صحة صدور المعلومات من النظام التقني الصادرة عنه، وهذا ما أدى إلى اللجوء إلى الوسيط في العلاقة العقدية الذي يؤكد وجود أطراف العلاقة.
ولمزيد من التفصيل راجع المحامي يونس عرب، التجارة الإلكترونية، مقال منشور على الموقع
[15] ومن بينها القانون التونسي المتعلق بالمبادلات بالتجارة الإلكترونية في المادة 5 منه التي تنص: "تطبق أحكام هذا القانون على المعاملات اللتي يتفق أطرافها على تنفيذ معاملاتهم بوسائل إلكترونية ما لم يرد فيه نص صريح يقضي بغير ذلك.
لمقاصد هذه المادة لا يعتبر اتفاق بين أطراف معينة على إجراء معاملات محددة بوسائل إلكترونية ملزما لإجراء معاملات أخرى بهذه الوسائل".
وكان آخر نص سن في هذا المجال هو التعديل الذي شهده القانون المدني الفرنسي بالأمر الرئاسي رقم 2005/674 الصادر في 16 جوان 2005 حيث تنص المادة 1369-1
" La voie électronique peut être utilisée pour mettre à disposition des conditions contractuelles ou des informations sur des biens ou services".
وتنص المادة 1369-2 على أنه
" Les informations qui sont demandées en vue de la conclusion d'un contrat ou celles qui sont adressées au cours de son exécution peuvent être transmises par courrier électronique si leur destinataire a accepté l'usage de ce moyen".
إن هذه المواد ربطت التعبير عن الإرادة بالطرق الإلكترونية باتفاق طرفي العقد على استعمالها، فإن لم يتفق على ذلك لا تقوم العلاقة التعاقدية اصلا.
[16] د/ علي فيلالي، المرجع السابق، ص91.
[17] تنص المادة 63 من القانون المدني على أنه: "إذا عين أجل للقبول التزم الموجب بالبقاء على إيجابه إلى انقضاء هذا الأجل ّ.
وقد يستخلص الأجل من ظروف الحال، أو من طبيعة المعاملة.
[18] أ/ أحمد خالد العجولي، المرجع السابق، ص 72.
[19] أ/ أحمد خالد العجولي، المرجع السابق، ص 73.
[20] ولذلك حرصت العقود المتداولة في العمل على تنظيم مسألة تنظيم نفاذ المخزون فنصت الشروط العامة للمركز التجاري Infonie على بعض الالتزامات في حالة عدم توافر السلعة فورد بها: "إننا ملتزمون، في الحالة التي لا تتوفر فيها بعض القطع أن نقدم لكم قطعا بديلا تتوفر بها ذات المميزات والصفات وبجودة مماثلة او بجودة أعلى، وبسعر مساو أو أكثر أو بأن نرد لكم ما دفعتموه، وعلى أية حال، فسوف نوافيكم برسالة إلكترونية توضح ما إذا كانت السلعة متوفرة، فلا تنسوا مراجعة بريدكم الإلكتروني بانتظام".
كما واجه عقد Apple store هذه المسألة فورد به أنه: "إذا لم نتمكن من تلبية طلبك خلال 30 يوما من تاريخ الدفع، فسوف نخطرك بذلك ويكون لك حينئذ الخيار في العدول عن طلبك واسترداد ما دفعته، فإذا اخترت أن يظل طلبك ساريا، فيجوز لك كلما مرت 10 أيام العدول عن الطلب واسترداد ما دفعته "
كما حرصت الفقرة 5 من البند 4 من العقد النموذجي الفرنسي للتجارة الإلكترونية بين التجار والمستهلكين الصادر عن غرفة التجارة والصناعة لباريس بالنص على ضرورة مدى توفر السلعة أو الخدمة.
لمزيد من التفصيل راجع د/ أسامة ابو الحسن مجاهد، التعاقد عبر الأنترنيت، دار الكتب القانونية، مصر، طبعة 2002، ص 72 و73.
Michel Vivant, les contrats du commerce électronique, Litec librairie de le cour de cassation, Paris; 1999.
[21] وهو ما أخذ به قانون أونستيرال في المادة..." تمثل رسالة البيانات إيجابا إذا تضمن إيجابا مرسل إلى شخص واحد أو أشخاص محددين ماداموا معروفين على نحو كاف، وكانت تشير إلى نية مرسل الإيجاب أن يلتزم في حالة القبول، ولا يعتبر إيجابا الرسالة المتاحة إلكترونيا بوجه عام ما لم يشر إلى غير ذلك".
[22] أ/ أحمد خالد العجولي، المرجع السابق، ص 74.
[23] د/ على فيلالي، المرجع السابق، ص 96.
[24] د/ أسامة أبو الحسن مجاهد، المرجع السابق، ص 79.
[25] وقد يتم القبول بغير وسيل إلكترونية أصلا كأن يتم بواسطة المراسلة التقليدية رغم أن الإيجاب كان بوسيلة إلكترونية، فنكون أمام حالة ما يسمى بالعقد المبرم جزئيا بوسيلة إلكترونية.
[26] لمزيد من المعلومات راجع أسامة أبو الحسن مجاهد، المرجع السابق.
أ/يونس عرب، التقاضي في بيئة الأنترنيت، المركز العربي للقانون والتقنية العالية، المركز العربي للملكية الفكرية وتسوية المنازعات، عمان، الأردن،
[27] Murielle cahin, le consentement sur internet, [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] intic.com , 18/03/2004.
[28] قد اشترطت عدة قوانين إرسال وثيقة الأمر بالشراء من قبل المتعاقد لتأكيده عن القبول ومنها التوجيه الأوروبي رقم 2000-31 المتعلق بالتجارة الالكترونية في مادته 11 -01 التي اشترطت إرسال إشعار بالوصول يحتوي على جميع المعلومات الواردة في العقد عبر الجهات الموثقية باستعمال الطريق الالكتروني ومن ذلك أيضا ما ورد بالبند 7 من العقد النموذجي الفرنسي للتجارة الإلكترونية بشأن القبول من ضرورة وجوب تأكيد الأمر بالشراء كما ورد بالتعليق على ذات البند، "أن القبول وتأكيد الأمر بالشراء يجب أن يتحققا بمجموعة من الأوامر على صفحات الشاشة المتعاقبة بحيث تتضمن هذه الأوامر صراحة ارتباط المستهلك على وجه جازم".

" Le consommateur doit recevoir par écrit ou sur un autre support durable à sa disposition et auquel il a accès, confirmation de l'ensemble des élément constitutifs du contrat une confirmation par voie de courrier électronique (E-mail) est proposée; en tant qu'elle est la mieux adaptée au commerce électronique. Le commerçant doit transmettre ces éléments lors de l'exécution du contrat et au plus tard à la livraison…… " Voir, Michel Vivant, Op cit, annexe 1°
[29] د/ أسامة أبو الحسن مجاهد، المرجع السابق، ص 86.
[30] د/عبد الفتاح بيومي حجازي المرجع سابق، ص232 .
[31]يأخذ التعاقد عن طريق الوسائل الالكترونية المؤتمتة شكلين:
1- تعاقد بين وسيط الكتروني وشخص طبعي وذلك بالأصالة عن نفسه أو بوصفه الممثل القانوني لأحد الأشخاص الاعتبارية العامة.
2- تعاقد مابين وسيط الكتروني مؤتمت، ووسيط الكتروني مؤتمت آخر وواضح أن كليهما منسوب إلى شخص طبيعي أو اعتباري يتملك ذلك النظام.
د/عبد الفتاح بيومي حجازي المرجع سابق، ص233 .
[32] أنظر قانون CNUDCI المادة 13 فقرة 02 ب: في العلاقة بين المنشئ و المرسل إليه، تعتبر رسالة البيانات أنها صادرة عن المنشأ إذا أرسلت من نظام معلومات مبرمج على يد المنشئ أو نيابة عنه للعمل تلقائيا.
[33] يقصد بهذا المصطلح نقل أحد البرامج أو بعض المعلومات إلى الكمبيوتر الخاص بالزبون عن طريق شبكة الأنترنيت بحيث يحصل الزبون على هذا البرنامج أو هذه المعلومات دون حاجة إلى استعمال الوسيلة لوضع البرنامج على جهاز الكمبيوتر عن طريق القرص المرن disquette أو القرص المضغوط Compacte disque، وواضح أن هذه الصورة تمثل الصورة المثلى لإبرام العقد ( عقد بيع البرامج والمعلومات) وتنفيذه على الشبكة دون اللجوء إلى العالم الحقيقي خارج الشبكة.
د/ أسامة أبو الحسن مجاهد، المرجع السابق، ص 88 و89
[34] ويسمى هذا النوع من التعاقد باتفاقيات الرخص التي ترافق البرامج،وهي على شكلين، الأول، رخص تظهر على الشاشة أثناء عملية تنزيل البرنامج على الجهاز، وعادة لا يقرأها المستخدم، بل يكتفي بمجرد الضغط ( أنا أقبل j’accepte )، وهي العقد الالكتروني الذي يجد وجوده في واجهة أي برنامج ويسبق عملية التنزيـــل ( installation )، أما الصورة الثانية هي التي يطلق عليها اسم رخصة فض العبوة التي تكون مع حزمة البرامج المعروضة للبيع في محلات بيع البرمجيات وتظهر عادة تحت الغلاف البلاستيكي على الحزمة وغالبا ما تبدأ بعبارة ( بمجرد فض هذه العبوة، فانك توافق على الشروط الواردة في الرخصة)
لأكثر تفاصيل حول هذا النوع من العقود، راجع، أ/ يونس عرب العقود الالكترونية – أنظمة الدفع والسداد الالكتروني، [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[35] د/ أسامة أبو الحسن مجاهد، المرجع السابق، ص 87.
[36] أخذ المشرع بنظرية الوحدة « Théorie Moniste » أو التلازم بين مكان انعقاد العقد وزمان هذا الانعقاد في المادة 67 منه.
د/ محمد حسن قاسم، المرجع السابق، ص 91 .
75 د/علي فيلالي، المرجع السابق،ص 103 و104.
[38] أ/ أحمد خالد العجولي، المرجع السابق، ص 89
[39] أ/ أحمد خالد العجولي، المرجع السابق، ص 90.
[40] هناك العديد من المذاهب المتبعة لتحديد وقت انعقاد العقد بين الغائبين ومنها:
1- مذهب إعلان القبول théorie de déclaration: العبرة وفق هذه النظرية في تحديد وقت انعقاد العقد، بلحظة إعلان القبول من قبل من وجه إليه الإيجاب، أو باللحظة التي يتخذ فيها الأخير قرار قبول الإيجاب، وإعمالا لهذه النظرية بشأن تطبيقاتها الحديثة على العقد الإلكتروني يمكن القول بأن لحظة إعلان القبول الذي تعتمدها هذه النظرية هي اللحظة التي يحرر فيها من وجه إليه الإيجاب رسالة إلكترونية تعبر عن قبوله للإيجاب، أو هي اللحظة التي يضغط فيها على الأيقونة المخصصة للقبول، أما بشأن العقود التي تبرم عبر البريد الإلكتروني فهي اللحظة التي يعلن فيها القابل إرادته بالقبول حتى قبل قيامه بالضغط على زر الإرسال.
2- مذهب تصدير القبول: théorie de l'expédition، وفق هذه النظرية تتأخر اللحظة التي ينعقد فيها العقد إلى الوقت الذي يقوم فيه القابل بتصدير قبوله، أي بإرساله إلى الموجب بحيث لا يمكن أن يسترده، كأن يقوم بإرسال القبول عن طريق الفاكس أم التيلكس أو عن طريق قيامه بالضغط على زر الكمبيوتر لإرسال قبوله إلى الموجب.
3- مذهب تسلم القبولthéorie de réception، مقتضى هذه النظرية أن العقد ينعقد عندما يصل القبول إلى الموجب وتسلمه له، والعقد يعتبر تاما في هذه اللحظة حتى ولو لم يعلم به الموجب، فيكون فيها العقد المبرم عبر البريد الإلكتروني منعقدا في لحظة وصول الرسالة أو دخولها إلى صندوق البريد الإلكتروني لجهاز الكمبيوتر الخاص بالموجب ولو لم يقم الأخير بفتح صندوق بريده الإلكتروني، فالعبرة بتسلم القبول.
د/ محمد حسن قاسم، المرجع السابق، ص78 وما بعدها.
[41] د/علي فيلالي، المرجع السابق، ص 106.
[42] أما القانون النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية (الأونسيترال) فقد نظم مسألة تحديد زمن وصول الرسالة الإلكترونية في المادة 15 منه التي تنص: "1- ما لم يتفق المنشئ والمرسل إليه على خلاف ذلك يقع إرسال رسالة البيانات عندما تدخل الرسالة نظام المعلومات لا يخضع لسيطرة المنشئ، وسيطرة الشخص الذي أرسل رسالة البيانات نيابة عن المنشئ.
2- ما لم يتفق المنشئ والمرسل إليه على غير ذلك، يتحدد وقت استلام رسالة البيانات على النحو التالي:
أ) إذا كان المرسل إليه قد عين نظام معلومات لغرض استلام رسائل البيانات، يقع الإستلام:
- وقت دخول رسالة البيانات نظام المعلومات المعين، أو
- وقت استرجاع المرسل إليه لرسالة البيانات، إذا أرسلت رسالة البيانات إلى نظام معلومات تابع للمرسل إليه ولكن ليس هو النظام الذي تم تعيينه.
ب) إذا لم يعين المرسل إله نظام معلومات، يقع الإستلام عندما تدخل رسالة البيانات نظام معلومات تابع للمرسل إليه.
3- تنطبق الفقرة 2 ولو كان المكان الذي يوجد فيه نظام المعلومات مختلفا عن المكان الذي يعتبر أن رسالة البيانات قد استلمت فيه بموجب الفقرة 4.....".
وقد عالج التعديل الأخير للقانون المدني الفرنسي هذه المسألة عندما نص في المادة 1369-9 بأنه :
"hors les cas prévus aux articles 1316-1 et 1316-2 la remise d'un écrit sous forme électronique est effective lorsque le destinataire après avoir pu en prendre connaissance, en a accusé réception, si une disposition prévoit que l'écrit doit être lu au destinataire, le remise d'un écrit électronique à l'intéressé dans les conditions prévues au premier alinéa vaut lecture".
Voir ordonnance n° 2005-674 du 16 juin 2005 relative à l'accomplissement de certaines formalités contractuelles par voix électronique
و يجب عدم الخلط في هذا الصدد بين تحديد زمان ومكان انعقاد العقد وعملية تحديد زمان ومكان وصول الرسالة الإلكترونية، فالمسألة الأولى هي مسألة قانونية تتعلق بعملية تبادل التراضي بشقيه، الإيجاب والقبول، والمسألة الثانية فنية لا تأثير لها من الناحية القانونية المتعلقة بزمان ومكان الانعقاد القانوني للعقد.
د/محمد فاروق الأباصيري، عقد الإشتراك في قواعد المعلومات عبر شبكة الأنترنيت، دراسة تطبيقية لعقود التجارة الإلكترونية الدولية، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، طبعة 2002، ص 63.
[43] د/ علي فيلالي، المرجع السابق، ص 106، 107.
[44] أ/ يونس عرب، منازعات التجارة الإلكترونية الإختصاص والقانون الواجب التطبيق وطرق التقاضي البديلة
[45] د/ فاروق محمد أحمد الأباصيري، المرجع السابق، ص 62 وما بعدها.
[46] د/ أعراب بلقاسم، القانون الدولي الخاص الجزائري، تنازع القوانين، دار هومة، طبعة 2002، ص302 وما بعدها.
[47] عبد الفتاح بيومي حجازي، المرجع السابق، ص 168 وما بعدها
[48] Voir préface de Francis Lorentz, au livre de Michel Vivant, Les contrats du commerce électronique, Litec, 1999.
د/ فاروق محمد أحمد الأباصيري، نفس المرجع، ص 114.
و د/ أسامة أبو الحسن مجاهد، المرجع السابق، ص20 و21.
[49] عبد الفتاح بيومي حجازي، المرجع السابق، ص 171.
[50] أ/يونس عرب، التقاضي في بيئة الأنترنيت، المركز العربي للقانون والتقنية العالية، المركز العربي للملكية الفكرية وتسوية المنازعات، عمان، الأردن،
[51] تجدر الإشارة في هذا الصدد بأن المنهج التقليدي لتنازع القوانين لم يعد ينسجم مع المعاملات التي تتم عبر الأنترنيت في طبيعة غير مادية وعالمية، فأغلب العلاقات العقدية التي تبرم بواسطة الأنترنيت هي علاقات تجمع بين أطراف تختلف جنسياتهم وأماكن إقامتهم وتتعلق أيضا بمواقع لا يعلم مكانها ولا مكان الجهة التي تديرها، ولا موقع الخادم الخاص بها، مما يجعل من الصعب حصر هذه العلاقة في إقليم دولة معينة ومنطقة جغرافية محددة، الشيء الذي جعل فكرة الحدود الجغرافية تزول، ولم تعد الدولة قادرة على صد أو رفض ما يبث إليها من وراء الحدود، الأمر الذي أدى إلى إفلات هذه العلاقات من الخضوع إلى منهج الإسناد ومن يقود إليه من تطبيق القوانين الوطنية.
الشيء الذي أدى بالفقه إلى القول بإلزامية البحث عن قواعد موضوعية تحكم المجتمع الجديد الذي نشأ بفضل شبكة الأنترنيت، حيث بدأت الجهود تبذل في هذا الإطار من قبل المنظمات العالمية والإقليمية لإيجاد حلول لهذه المشاكل بالبحث عن قانون ذي طبيعة عالمية بعيدا عن القانون الدولي الخاص، من جهة، ومحاولة إيجاد وسائل جديدة فعالة لفض منازعات التجارة الإلكترونية، خاصة ما تعلق منها بالقانون الواجب التطبيق والإختصاص القضائي، نذكر منها التحكيم، الوساطة، المفاوضات، لتتجاوز بذلك المشاكل التي قد تطرحها القوانين الوطنية في هذا المجال، خاصة منها القوانين التي لم تنظم المعاملات الإلكترونية من جهة أخرى.
ويشار في الأخير إلى أن أحدث تطور علمي في حقل فض المنازعات وهو العمل على حل المنازعات المتصلة بتقنية المعلومات والأنترنيت بشكل إلكتروني وعلى شبكة الأنترنيت نفسها صمن ما يعرف بالتسوية الإلكترونية أو المحاكم الإلكترونية.
لمزيد من التفصيل، راجع
أ/يونس عرب، التقاضي في بيئة الأنترنيت، المركز العربي للقانون والتقنية العالية، المركز العربي للملكية الفكرية وتسوية المنازعات، عمان، الأردن،
أ/يونس عرب، منازعات التجارة الإلكترونية، الإختصاص والقانون الواجب التطبيق وطرق التقاضي البديلة، المركز العربي للقانون والتقنية العالية،
د/ د/ فاروق محمد أحمد الأباصيري، المرجع السابق، ص 107 وما بعدها

ليست هناك تعليقات: