بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

29 أغسطس 2011

التدليس





التدليس هو خديعة تؤدي إلى إيقاع المتعاقد في غلط يدفعه إلى التعاقد، وبتعبير أدق هو تغليط متعمد، يخطط له ويدبره شخص بنية تضليل المتعاقد الآخر وإقناعه بأشياء تخالف الحقيقة فيقع في الغلط ويبرم العقد الذي ينشده المدلس. وللتدليس أنواع وطرق مختلفة، وشرائط يستلزمها القانون ليرتب عليها حكمه.فهو إما أن يكون مدنياً، أو جزائياً، والتدليس المدني يتحقق بطرق مختلفة: فإما أن يكون التدليس إيجابياً بأن يرتكب المدلس أعمالاً تدليسية مستخدماً سلوكاً أو تصرفات مادية من شأنها إيقاع الآخرين في ضلالة ووهم، كتقديم وثائق مزورة، أو مخططات غير واقعية، أو رسائل وقوائم غير صحيحة، وإما أن يكون التدليس سلبياً وذلك عندما يقوم المدلس بإخفاء أو كتمان بعض الحقائق، وخاصة تلك التي يوجب القانون أو طبيعة العقد وظروفه بيانها، ولا يسهل على المتعاقد الآخر معرفتها. كما في حالة كتمان المؤمن أموراً يفرض عقد التأمين بيانها لكونها ذات أهمية خاصة لشركة التأمين. ولكن هل يعد تدليساً الكذب العادي المجرد، كما لو كذب البائع حول المواصفات الفنية للمبيع، أو كذب العامل بشأن الأعمال والوظائف التي سبق له ممارستها؟ تختلف الإجابة عن هذا السؤال تبعاً لأثر الكذب على المتعاقد الآخر؛ فإذا كان للكذب البسيط أثر حاسم أو دافع لاتخاذ قرار التعاقد بحيث لولاه لما أبرم المتعاقد الآخر العقد عد تدليساً، أما إذا لم يكن كذلك فلا تدليس.

والتدليس المدني يكون أصلياً أو فرعياً: فالتدليس الأصلي (التدليس الدافع) هو التدليس الدافع إلى إبرام العقد. أما التدليس الفرعي (التدليس غير الدافع) فلا يقصد منه دفع المتعاقد وحثه على إبرام العقد بل إثارته وإغواؤه للتعاقد بشروط أبهظ، وغالباً ما يحدث ذلك في البيع بطريق المزاد العلني عندما يتفق بعض المشاركين في المزاد على طرح أسعار مرتفعة ووهمية لإيقاع بقية المزايدين في الخدعة، فيتقدم أحدهم ليزيد على العطاء الوهمي فيرسو عليه المزاد. أما التدليس الجزائي فيتخذ أسلوباً أكثر دهاء وأكثر خطورة ويكون حينئذ احتيالاً.

وهو بذلك يختلف عن التدليس المدني: في أن الاحتيال لابد فيه من اقتراف المحتال لإحدى الطرق الخدعية التي حددها القانون على سبيل الحصر. فالكذب العادي أو الكتمان غير كافيين لقيام جرم الاحتيال، على الرغم من أنهما قد يشكلان تدليساً مدنياً، ومن جهة أخرى، يتطلب الاحتيال توافر النية الجرمية لدى المحتال أي نية الاستيلاء على المال احتيالاً، في حين أن كل ما يقصده المتعاقد المدلس في التدليس المدني هو الحصول على شروط تعاقدية أفضل. وبوجه عام، لايكفي لوقوع التدليس أن يسلك المدلس طرق خداع وأساليب احتيالية، إنما من اللازم أن يتحقق في الفعل التدليسي الشروط التالية:

أن يكون دافعاً إلى التعاقد، وأن يكون صادراً عن المتعاقد أو نائبه، وأن يقصد منه تضليل المتعاقد الآخر.

فلابد أولاً من أن يكون للأعمال التدليسية التي ارتكبها المدلس أثر حاسم أو دافع إلى إبرام العقد. فلو كذب البائع حول مواصفات الشيء المبيع واكتشف المشتري ذلك قبل إبرام العقد فليس هناك من تدليس. وكذلك لو كذب العامل بشأن الوظائف التي كان قد شغلها واكتشف رب العمل حقيقة الأمر قبل إبرام العقد فلا يعد ذلك تدليساً.

ولمعرفة ما إذا كان التدليس دافعاً إلى التعاقد أم لا، ينبغي الرجوع إلى شخص المتعاقد المدلس عليه والوقوف على ظروفه الشخصية من ذكاء، وخبرة، وجنس، وسن، وثقافة، وغيرها. فالخدع التي تؤثر في الشخص البسيط العادي الساذج، قد لايكون لها التأثير نفسه في الرجل المحنك، الخبير، الممارس، المثقف. وما يؤثر في المرأة قد لايكون له الأثر نفسه في الرجل.

ولابد ثانياً، من أن تكون الأساليب التدليسية صادرة عن أحد المتعاقدين أو نائبه. فإذا صدرت عن أجنبي عن العقد فلا أثر قانونياً لها، مالم يثبت أن المتعاقد الآخر (الذي تم التدليس لمصلحته) كان يعلم أو كان من المفروض حتماً أن يعلم بهذا التدليس.

علاوة على ذلك كله، يجب أن تكون الأعمال التدليسية قد ارتكبت بنية تضليل المتعاقد المدلس عليه. فالتدليس خطأ متعمد ومقصود، يفترض ممارسة المدلس لأعمال تدليسية بقصد دفع المدلس عليه إلى التعاقد. فإبرام شخص لعقد ما تحت تأثير انخداعه بمظهر الثراء والغنى الذي يسلكه المتعاقد الآخر، لايعد فعلاً تدليسياً، مالم يكن المتعاقد المدلس قد تعمد ذلك قاصداً استجراره لإبرام العقد.

ولكن هل هناك من معيار يمكن الاستهداء به لتمّييز ما يعد عملاً تدليسياً وما لا يعد كذلك؟. نعم إنه معيار السلوك المألوف أو المعتاد: فكل فعل أو تصرف لم يتجاوز حدود المألوف والمعتاد أو المتعارف عليه في التعامل والعرف الجاري لا يكوّن تدليساً، أما إذا تخطى هذه الحدود فيصبح العمل تدليساً. فشركة الاعلانات التي تعلق للجمهور أن ذلك المستحضر التجميلي يعيد إلى البشرة شبابها ونضارتها لا يعد عملاً تدليسياً. لأنه من المتعارف عليه في هذا المجال، أن تنطوي الإعلانات على شيء من المبالغة لاستهواء المستهلك وترغيبه في شراء هذا النوع من المنتجات.

أخيراً إذا ما استجمع الفعل التدليسي المدني شروطه فما هو الحكم القانوني له؟

تقضي المادة (126) من القانون المدني بجواز إبطال العقد بسبب التدليس الأصلي، وإذا ما رغب المدلس عليه الاحتفاظ بالعقد فلا شيء يمنعه من ذلك. وفي كلتا الحالتين له حق المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحق به من جراء التدليس. أما إذا كان التدليس فرعياً، فليس للمدلس عليه حق المطالبة بإبطال عقده، إنما يقتصر حقه على المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي أصابته بسبب التعاقد بشروط أكثر بهظاً.

وفيما يتعلق بالتدليس الجزائي فهو احتيال تعاقب عليه المادة 641 من قانون العقوبات بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين، وبالغرامة من مئة ليرة إلى خمسمئة ليرة سورية، وذلك مع مراعاة الظروف المشددة التي نص عليها القانون. إضافة إلى ذلك، يمكن للمجني عليه مطالبة المحتال بالتعويض عن كل الأضرار التي لحقت به من جراء هذه الجريمة.



..

ليست هناك تعليقات: