" الحراســة القضائيــة "
القاضـي
هـادي عزيـز علـي
أولاً: تعريف الحراسة
الحراسة لغة:
حرس – حرساً حفظه فهو حارس وجمعه حراس, وحرسه وحرس وأحراس, أُحرس بالمكان أقام به حرساً, الحراسة: الأسم من حُرس الشئ حفظه(1).
الحراسة أصطلاحاً:
لم يورد قانون المرافعات المدنية تعريفاً للحراسة, وقد ترك أمر تعريفها الى الفقه وشراح القانون, في حين نجد أن هناك أكثر من تعريف لها في بعض قوانين الدول العربية سواء جاءت في قوانين المرافعات أو القوانين المدنية لتلك الدول, ونحاول هنا أن ناتي على بعضها وحسبما أوردها شراح القانون وفقهائه:-
حيث عُرّفت الحراسة بأنها: وضع مال يقوم في شأنه نزاع أو يكون الحق فيه غير ثابت , ويتهدده خطر عاجل, في يد أمين يتكفل بحفظه وأدارته ورده مع تقديم حساب عنه الى من يثبت له الحق(2).
وعُرفت أيضاً بأنها: إجراء تحفظي مؤقت يأمر به القاضي بناء على طلب صاحب مصلحة لوضع عقار أو منقول أو مجموع من المال يقوم بشأنها نزاع أو يكون الحق فيه غير ثابت تحت يد أمين يتولى حفظه وأدارته ليرده مع غلته المقبوضة لمن يثبت له الحق فيه(3).
وتعرف كذلك بأنها: وضع مال متنازع عليه في شأنه ويتهدده خطر عاجل تحت يد عدل لحفظه وأدارته وأعادته مع غلته لصاحبه(4).
وتعرف أيضاً بأنها (ضرورة الحصول على الحماية القانونية العاجلة التي لاتتحقق من إتباع الأجراءات للتقاضي نتيجة لتوفر ظروف كمثل خطر على حقوق الخصم أو تتضمن ضرراً قد يتعذر تداركه وأصلاحه وينبع ذلك الأستعجال من طبيعة الحق المتنازع عليه وماهية الأجراء الوقتي المطلوب(5)).
وقيل كذلك بأنه أجراء تحفظي يقوم به حاكم التدابير المستعجلة بوضع المنقول أو العقار تحت الحراسـة القضائيـة(6).
وكذلك قيل بأنه: نيابة يوليها القضاء بأجراء مستعجل ووقتي يأمر به بناء على طلب صاحب المصلحة إذا رأى الحاكم أنها أجراء ضروري للمحافظة على حقوق أصحاب الشأن ومصالحهم ويعهد الحاكم للحارس بموجب هذا الأجراء منقول أو عقار أو مجموع من الأموال لحفظ وارداته ليرده مع غلته المقبوضة لمن يثبت له الحق(7).
وقيل كذلك: هي إيداع الشئ الموضوع تحت يد القضاء عند شخص معين بأمر المحكمة إن كانت المصلحة قاضية بذلك(8).
التعريف في القانون:
أورد القانون المدني المصري الحراسة ضمن العقود المسماة حيث أدرجها في الباب الثالث وتحت الفصل الخامس من الكتاب الثاني – العقود المسماة – وقد عرفها: عقد يعهد الطرفان بمقتضاه الى شخص آخر بمنقول أو عقار أو مجموعة من المال يقوم في شأنه نزاع أو يكون الحق فيه غير ثابت فيتكفل هذا الشخص بحفظه وبأدارته وبرده مع غلته المقبوضة الى من يثبت له الحق فيه(9).
ويُعرفه قانون الموجبات والعقود اللبناني بأنها: إيداع شئ متنازع عليه بين يدي شخص ثالث ويجوز أن يكون موضوع الحراسة أموالاً منقولة أو ثابتة وهي تخضع الى الأحكام المختصة بالوديعة العادية ...(10).
الحراسة القضائية من الموضوعات المهمة التي وردت تحت باب القضاء المستعجل في قانون المرافعات, لما لها من أهمية كبيرة في حياة الناس بأيجاد الحماية السريعة لدرء تهديد عاجل يمكن بواسطتها المحافظة على المال من ذلك الخطر ولحين البت في أصل الحق من قبل القضاء العادي, ولما كان الأمر كذلك فلابد من أجراءات سريعة وعاجلة تتخذ في مواجهة ذلك الخطر الذي يهدد الحق, مما حدا بالمشرّع أن يوليها أهتماماً خاصاً ضمن أحكام القضاء المستعجل خلافاً للقانون المصري الذي أوجد لها موقعاً في القانون المدني وليس في قانون المرافعات.
والحراسة القضائية ليس موضوعاً حديث العهد جاءت به القوانين الوضعية الحديثة بل أنه موضوع عرفته الشريعة الأسلامية منذ بواكير العمل بالقضاء الأسلامي, فقد كان لكل قاضٍ أعوان يقدمون المساعدة للقاضي عند القيام بعمله ولكل واحد من هؤلاء مهمة موكلة إليه, وقد كان مايسمى (أمين القاضِ) يتدرج تحت عنوان أعوان القاضي ويتم أختياره من قبل القاضي لتوفر شروط الأمانة فيه والثقة والعدل ويحدد القاضي واجبات أمينه (الحارس) بالحفاظ على المال المتنازع عليه وأدارته وأعادته حتى يبت القاضي بأمره(11).
يلجأ كثير من الناس الى الأحتماء بالقضاء المستعجل من أجل الحفاظ على مصلحة مهددة بالخطر وكأجراء وقتي يقوم قاضي الأمور المستعجلة لحماية الحق والحيلولة دون ضياعه الى أتخاذ القرار المناسب لحماية ذلك الحق, وكان للحراسة القضائية دور هام في حماية تلك الحقوق بصفة خاصة والقضاء المستعجل بصفة عامة.
ثانياً: أنواع الحراسة
للحراسة أنواع ثلاث, الأول هو الحراسة الأتفاقية والثاني هو الحراسة القانونية والثالث هو الحراسة القضائية ونحاول هنا أن نأتي بأيجاز على كل واحدة من تلك الأنواع.
النوع الأول – الحراسة الأتفاقية:
لم يورد المشرّع العراقي وضمن نصوص القانون المدني تعريف للحراسة بصفتها عقد وترك ذلك الى الأحكام العامة للعقد وأركانه من رضا ومحل وسبب والشكل في بعض العقود, إلا أن القانون المدني المصري قد ذكر عقد الحراسة – وعلى وجه الخصوص – ضمن أحكام العقود المسماة(12), مما يدل على الأهتمام الكبير الذي يوليه المشرّع المصري لهذا العقد , وحسب التعريف المذكور آنفاً , عليه فالحراسة الأتفاقية هو أتفاق بين طرفين أو أكثر حل بينهما نزاع في مال منقول أو عقار أو مجموعة أموال على إيداع تلك الأموال لدى شخص ثالث ولحين إنتهاء ذلك النزاع, حيث تحدد للحارس مسؤولية في أدارة ذلك المال وحساباته وأجرته فأن كانت الحراسة من دون أجر طبق بشأنها أحكام الوديعة.
وإلتزامات الحارس بشأن المحافظة على ماعهد إليه به وأن يبذل من العناية ما يبذله الرجل المعتاد , كذلك الكيفية التي يُرد بها المال بعد إنتهاء النزاع مع الغلة.
النوع الثاني – الحراسة القانونية:
وهي الحراسة التي تتم بموجب نص قانوني, أي أن هذه الحراسة ليست أتفاقية (عقد), كما أنها ليست قضائية أي لاتتم بموجب قرار يصدر عن القضاء المستعجل, بل يتم إيقاعها من قبل موظف عام مخول بموجب القانون ومثال ذلك مايتخذه المنفذ العدل من أجراء بالحجز على الأموال وبالطريقة المرسومة قانوناً حيث يدون في محضر الحجز جنس الأموال ونوعها ومقدارها وقيمتها ومكان حفظها وطريقة حراستها وذلك بأيداعها الى يد عدل أو بأقامة حارس عليها, لقاء أجرة يقدرها القائم بالتنفيذ ويوافق عليها المنفذ العدل, ثم ينبه الحارس على الألتزامات الواجبة عليه لحفظ المال المحجوز وأدارته وأعادته بعد أنتهاء المهمة الموكلة إليه(13).
النوع الثالث – الحراسة القضائية:
الحراسة القضائية هي تلك الحراسة التي تتم بقرار من القضاء المستعجل(14) أو من القضاء العادي بالتبعية(15) وحسبما مبين تعريفها من جهة الفقه والقانون, ونحن أن نُولي هذا النوع أهمية خاصة من دون النوعين الآخرين فأن ذلك عائد الى كونه الأكثر شيوعاً بين الناس لأطمئنان الناس الى قرارات القضاء الصادرة بشأنه ولأعتقادهم إن الكلمة الفصل التي يقولها القضاء بهذا الشأن هي الأكثر إلزاماً لصدوره من سلطة مختصة بأصداره ولأن قوته القانونية تعلو على العقود الأتفاقية أولاً وكذلك أوامر الموظف العام.
هذا كما أن الأحكام الواردة في الحجز الأحتياطي تنص عن الشخص الثالث الذي يكون المال تحت يده, سواء كان أحد طرفي النزاع أو الغير حيث أن المحكمة عندما تصدر قرارها بوضع الحجز الأحتياطي يتم تبليغ المحجوز عليه والشخص الثالث المحجوز تحت يده(16).
ولايغيب عن البال وكما ذكر آنفاً أن القانون العراقي نص على شروط الحراسة وليس أركان الحراسة كما يقول القانون المصري الذي أعتبرها عقد, وذلك لأختلاف النظامين القانونيين لها(17).
ثالثاً: شروط الحراسة القضائية
الحراسة القضائية بصفتها أحد مواضع القضاء المستعجل تستلزم تحقق شرطي القضاء المستعجل وهي الأستعجال وعدم التصدي لأصل الحق وهذه ماتسمى بالشروط العامة للقضاء المستعجل وأضافة لذلك فأن لها شروط خاصة وهي المصلحة ووجود النزاع والمال محل الحراسة والخطر العاجل مع بقاء المال تحت يد الحائز(18), فأذا تحققت هذه الشروط وضع القاضي المال تحت الحراسة وهذا هو الدور الأول للحراسة, أما الدور الثاني فهو تعيين الحارس القضائي وسنحاول بأختصار شرح دوري الحراسة وعلى الوجه الآتي:-
" الشروط الخاصة للحراسة القضائية "
الشرط الأول – المصلحة:
المصلحة لغة: هي مايتعاطاه الأنسان من الأعمال الباعثة على نفعه أو نفع قومه(19).
أما أصطلاحاً فيقال: (الفائدة العملية المشروعة التي يسعى الشخص للحصول عليها من وراء أتخاذه أجراءاً قضائياً)(20) وتعرّف كذلك بأنها: (الفائدة العملية التي تعود على رافع الدعوى من الحكم له بطلباته الواردة في الدعوى)(21), ويقال كذلك: (المنفعة المشروعة التي يراد تحقيقها بالألتجاء الى القضاء)(22), وهي كذلك: (الفائدة العملية التي تعود على رافع الدعوى من الحُكم له)(23), ويُقال: (وهي الفائدة التي تعود على المدعي من الحكم له بطلباته في الدعوى)(24).
أما قانون المرافعات المدنية فلم يُورد تعريف للمصلحة وترك ذلك الى الفقه والقضاء إلا أنه عندما جاء على ذكر المصلحة, ذكرها بأعتبارها شرطاً من شروط الدعوى, حيث قال: (يشترط في الدعوى أن يكون للمدعى به مصلحة معلومة وحالة وممكنة ومحققة ومع ذلك فالمصلحة المحتملة تكفي إن كان هناك مايدعو الى التخوف من إلحاق الضرر بذوي الشأن ...)(25), فهذا الشرط هو ماتتطلبه دعوى الموضوع, أما في المسائل المستعجلة فأن للقاضي أن يتلمس المصلحة من ظاهر المستندات والأوراق المقدمة للمحكمة ومن دون المساس بأصل الحق, فأن تأيّد له وجود المصلحة وضع المال تحت الحراسة وبخلافه عليه رد الطلب, كما في حالة شريكين وضعا المحل العائد لهما تحت يد عدل فلايجوز لأحدهما طلب وضع المال تحت الحراسة القضائية ما دام يد العدل قائم بواجباته ولكون الأخير يقوم بوظيفة تماثل الوظيفة التي يقوم بها الحارس القضائي, لذا لا مبرر لتعيين حارس قضائي مع وجود يد العدل(26).
هذا ومن المعلوم أن للمصلحة خصائص عدة, فالخاصية الأولى أن تكون قانونية, ويُقصد بذلك حماية الحق مع البقاء على المركز القانوني للخصوم, وبعبارة أدق أن يكون للمصلحة سند من القانون إضافة للخاصية القانونية فهي يجب أن تكون مباشرة وتعبر عن شخص طالبها وهذا يعني عدم جواز قبولها أذا رُفعت من شخص غير ذي صفة, إضافة الى الخاصية الثالثة التي تقول أن المصلحة ممكن أن تكون محتملة, لأن واحدة من مهام القضاء المستعجل هو القيام بتهيئة الدليل لدعوى الموضوع وخشية ضياعه عند حدوث نزاع في المستقبل.
مماتقدم يتضح أن ليس لقاضي المسائل المستعجلة قبول طلب وضع المال تحت الحراسة القضائية من دون تحقق شرط المصلحة, وهنا يجدر التمييز بين المصلحة والحق, رغم وجود من يقول: أن وجود الحق في رفع الدعوى يعد مرادفاً للمصلحة القانونية(27), حيث أننا نرى أن المصلحة ليست مرادفاً للحق فأنهما مختلفان من دون شك لا بل أن ذلك الأختلاف قد يصل في بعض الأحيان الى مستوى التناقض فقد تظهر المصلحة بأجلى صورها إلا أن الحق يحول دون تحقيقها ومثال ذلك أن لشخص ما مصلحة في فتح نافذة في غرفته طلباً للشمس ومرور الهواء وصولاً الى جو صحياً أفضل في تلك الغرفة, إلا إن تلك النافذة سوف تطل على مكان تجمع أفراد عائلة الجار, مما لايجوز قانوناً فتحها رغم تحقق المصلحة لتعارضها مع الحق وهذا يؤكد كون المصلحة قانونية وليست شخصية مجردة.
الشرط الثاني – وجود نزاع:
لم يورد قانون المرافعات المدنية تعريف للنزاع, وترك أمر تقصيه للقاضي ولما لديه من سلطة تقديرية التي تمكنه الأستدلال عليه من ظاهر المستندات والأوراق المقدمة له, وكلمة النزاع هنا غير محددة بموضوع معين بل هي أي نزاع يتعلق بمنقول أو عقار أو حق ملكية فكرية أو مجموع من المال, فتحقق النزاع يثبت به الشرط الثاني لوضع المال تحت الحراسة من أجل المحافظة على الحقوق, سواء كانت تلك الحقوق عينية أو شخصية, والنزاع يتخذ صور شتى كالنزاع على أدارة المال الشائع أو النزاع بشأن واضع اليد على المال مصـدره عقـد مشاركة وغيرها من صور النزاع الأخرى.
ولا يكفي أن هناك نزاع وحسب بل يشترط أن يكون ذلك النزاع جدياً يتحقق فيه أسباب المصلحة والصدق, لذا فأن النزاع المفتعل أو النزاع الأتفاقي المقصود منه الإضرار بأطراف أخرى يخرج من موضوع الحراسة القضائية لتخلف شرط النزاع الجدي, وأن المعيار المتخذ لبيان جدية النزاع من عدمه أمر متروك لسلطة القاضي التقديرية عليه أستنباطه مما تقدم إليه من مستندات وما يوحي إليه ظاهرها, وله أعتبار ذلك النزاع جدياً فيضع المال تحت الحراسة وبخلافه يرد الطلب, وهذا ما أستقرت عليه الأحكام التمييزية لدينا.
قد يتبادر الى الذهن الى أن المادة (147) مرافعات لم تورد كلمة نزاع على وجه التحديد مثلما فعل المشرّع المصري في المادة (729) مدني, إلا أن الجملة الأخيرة لتلك المادة قالت ورده مع غلته المقبوضة الى من ثبت له الحق, يعني وجود نزاع بين الأطراف يقوم القضاء بتثبيت الحق لصاحبه(28).
الشرط الثالث – المال محل الحراسة:
إن الأموال التي يجوز وضعها تحت الحراسة هي المنقول والعقار وقد شرحت الأسباب الموجبة لقانون المرافعات معنى المنقول والعقار بالقول بأنهما الأموال بشكل عام والمال كما يعرفه القانون هو كل حق له قيمته المادية(29), ومع ذلك ولكي يُوضع المال تحت الحراسة يجب أن تتوفر فيه الشروط التالية:
1- أن يكون قابلاً للتعامل فيه:
إن المال المطلوب وضعه تحت الحراسة القضائية أن يكون مالاً قابلاً للتعامل فيه على وفق أحكام القانون وبخلافه لاتصلح أن تكون محلاً للحراسة, وعلى أساس ذلك قيل بعدم جواز وضع الأموال العامة تحت الحراسة لكونها مخصصة لخدمة أو منفعة عامة هذا من جهة أما من جهة أخرى فان يسار الحكومة يكفل للمدعي حقوقه فيما لو قضى له من قبل محكمة الموضوع(30), لذا فالأموال العامة تخرج من نطاق فرض الحراسة القضائية, أما ما هي الأموال العامة الخارجة عن نطاق الحراسة؟ فهي العقارات والمنقولات التي للدولة أو للأشخـاص المعنويـة العامة والتي مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى القانون, وتفقد الأموال العامة صفتها بأنتهاء تخصيصها للمنفعة العامة وينتهي التخصيص بمقتضى القانون أو بالفعل أو بأنتهاء الغرض الذي من أجله خصصت تلك الاموال للمنفعة العامة(31).
ومع ذلك فان نماء الأموال العامة يجوز فرض الحراسة القضائية عليه أذا تعلق به حق الفرد, لا بل المرحوم السنهوري يقول: (بجواز وضع المال تحت الحراسة أذا كانت ملكيته متنازعاً عليها ويدعيها أحد الأفراد وكانت صفته العامة متنازعاً عليها مثل الحراسة عن زراعة الأفراد في الأموال العامة حيث يجوز وضع الحراسة على المحصولات والحراسة هنا وضعت على المحصولات لصفتها الخاصة(32), إضافة لما تقدم فأذا كانت الدولة تملك فندقاً وعهدت بأدارته الى أحدى الشركات الخاصة وتحققت فيه شروط الحراسة القضائية فعلى قاضي المسائل المستعجلة وضعه تحت الحراسة القضائية وهذا الأجراء لايمس المال العام وليس فيه أعتداء عليه لأن الحراسة القضائية هنا تحل محل الشركة الخاصة وتبقى الحقوق والألتزامات بين الطرفين كما هي لحين الفصل فيها من قبل قاضي الموضوع(33).
وأختصاراً نقول أن الأموال العامة تخرج على نطاق سريان الحراسة القضائية لكونها مخصصة للنفع العام أولاً ولأنها تطمئن طالبها الى عدم وجود الخطر المهدد لحقه لملائمة المال العام وقدرته على الإيفاء في حال الحكم له من قبل محكمة الموضوع ثانياً.
هذا ونضيف الى أن هناك أموال لاتصلح أن تكون محلاً للحراسة القضائية كالأموال المخالفة للنظام العام أو الآداب.
2- الأموال التي لايمكن أدارتها من قبل الغير:
هنالك أموال لايمكن أدارتها من قبل الغير لكون النصوص القانونية قد وجهت الى أشخاص بعينهم خصهم القانون بتلك الأدارة دون سواهم وأسبغ عليهم وصفاً معيناً ومنع فرض الحراسة القضائية عليهم كمكتب المحامي وعيادة الطبيب لأن قانون نقابة المحامين للأول وقانون نقابة الأطباء للثاني قد ألزمهما بالمحافظة على الأسرار وعدم جواز إفشاء تلك الأسرار الى الغير وحيث أن تعيين الحارس القضائي عليهما يعتبر من الغير الذي سيصله السر لذا فأن القانون جعل الأدارة هنا غير جائزة, إضافة الى وضع المكتب أو العيادة تحت الحراسة تجعله بحكم الحجز المقيد لحرية المحامي أو الطبيب ويحول دون تمكنها من القيام بأعمالهما المهنية ومزاولتها كما أنه يسئ إليها أجتماعياً لدرجة تصل الى الحط من الكرامة وسوء السمعة التي تؤدي الى أنصراف الزبائن عنهما وهذه أمور كلها مخالفة للأحكام القانونية, الامر الذي جعلها خارج فرض الحراسة القضائية.
3- أن يكون المال متقوماً:
يقال أن المال محل الحراسة يجب أن يكون متقوماً خاصة وأن المال يعرف بأنه كل حق له قيمة مادية, لذا تخرج من نطاق الحراسة هنا المساجد والمعابد والكنائس مادامت كونها أماكن مخصصة للعبادة أما مايتعلق بالجانب المدني منها, كالأدارة والأثاث والمنقولات وكل ما لايمس العبادات يصلح أن يكون محلاً للحراسة, وذلك لكون العبادات لايمكن تقويمها بمال, ويخرج كذلك عن نطاق الحراسة المعاهد والمدارس والأبنية العلمية والأجتماعية والمقصود بها هنا (الخاصة) مادام الهدف منها التعليم والحصول على العلم, وهي بهذا الوصف ليست مؤسسات ربحية أو بنيت على أسس تجارية, إلا أنه أذا تعلق الأمر بالأدارة وصرف الرواتب والمنقولات وكل ما هو متعلق بالجانب المدني يجوز وضعه تحت الحراسة القضائية, لا بل أن البعض يذهب الى جواز تعيين حارس قضائي للقيام بمهمة التعليم أذا وجد المشرفون على تلك المؤسسة التعليمية إن إدارة المدرسة قادتها الى الأضطراب وصرفتها عن الأهداف التي أسست من أجلها, وكذلك الأمر بالنسبة للأندية والجمعيات(34), (وهذا بالنسبة للقطاع الخاص حسب).
4- لايجوز وضع المال تحت الحراسة أذا كان تحت اليد:
أذا كان المال تحت يد عدل وحسب أتفاق أطرافه فلايجوز وضعه تحت الحراسة القضائية لأن يد العدل يقوم مقام الحارس القضائي وحسب ماسبق شرحه آنفاً.
الشرط الرابع – الخطر العاجل مع بقاء المال تحت الحائز:
للحراسة القضائية شروط خاصة بها أضافة الى الشروط العامة للقضاء المستعجل وقد بينّا معنى الخطر العاجل عند تناول الشروط العامة للقضاء المستعجل, وفي موضوع شرط الأستعجال, أما الشرط الخاص هنا لوضع المال تحت الحراسة القضائية فهو الخطر العاجل مع بقاء المال تحت يد حائزه يعتبر واحداً من أهم شروط قبول الحراسة القضائية والمتمثل بالضرر الواقع الذي يهدد مصلحة طالب وضع المال تحت الحراسة من تركه تحت يد الحائز.
ولقاضي المسائل المستعجلة وسائل عدة للوصول الى القناعة المطلوبة لوضع المال تحت الحراسة القضائية على وفق مفهوم هذا الشرط بعد تدقيق ظاهر المستندات والأوراق المقدمة إليه, ومن تلك الوسائل التي تلجئه لذلك هي الخشية من تلف المال أو ضياعه في حالة بقائه تحت يد الحائز أو أستحواذ بعض الشركاء على عائد العين مهددة بالتلف والضياع ذاتها(35), وفي ضوء القناعة التي يستنبطها القاضي وتقدير الوسائل المستخدمة من ظاهر المستندات فله أن يضع المال تحت الحراسة وفي خلاف ذلك يقرر رد الطلب وذلك لكون الخطر العاجل ليس حالة ثابتة أو مستقرة فهو يختلف باختلاف الموضوع المعروض على القضاء المستعجل الأمر الذي تركه المشرع لسلطة القاضي التقديرية.
إن الخطر العاجل مع بقاء المال تحت يد الحائز ناتج من طبيعة الحق المطالب به, لذا لايجـوز إضفـاء صفـة الأستعجال خلافاً لطبيعة الحق حتى ولو أتفق الأطراف على ذلك لأن الأتفاق على الوصف لايغير تلك الطبيعة(36).
وفي هذا الأتجاه قضت محكمة أستئناف بغداد بصفتها التمييزية: (... وضع البستان الموصوفة في القرار بيد عدل لغرض العناية بها وأن المدعى عليه قد تظلم من القرار المذكور وردت المحكمة تظلمه بالقرار المذكور وتجد هذه المحكمة أن الأجراءات التي أتخذتها محكمة بداءة المدائن مخالفة لأحكام المادة (147) من قانون المرافعات المدنية التي تشترط لغرض رفع المال تحت الحراسة أن يكون هناك من الأسباب المعقولة مايخشى معه خطراً عاجلاً من بقاء المال تحت يد حائزه ... وحيث أن القرار المميز قد بُني على مخالفة الأجراءات التي تقدم ذكرها لذا قرر نقضه)(37).
وأستقراء لما ذكر من أحكام فان قاضي المسائل المستعجلة ملزم بوضع المال تحت الحراسة أذا كان وجود المال تحت يد الحائز يهدد مصلحة صاحب الحراسة سواء كان صاحب اليد غاصباً أو مسلوب الأرادة أو غير مؤتمن أو مهملاً أو قام بأعمال الغش والتدليس غيتها الاضرار بمصلحة طالب الحراسة(38).
رابعاً: تعيين الحارس القضائي
قلنا أن تحقق شروط الحراسة القضائية تلزم قاضي المسائل المستعجلة بوضع المال تحت الحراسة وهذا هو الدور الأول للحراسة القضائية أما الدور الثاني فهو مهمة تعيين الحارس القضائي الذي نصت عليه الفقرة (2) من المادة (147) من قانون المرافعات, لذا فالسؤال الذي يطرح هنا عن المعايير والأسس التي يعتمدها القاضي لتعيين الحارس القضائي؟ وللأجابة عن هذا السؤال ندرج مايلي:-
أختيار الحارس:
يقول النص إن تعيين الحارس القضائي يكون بأتفاق ذوي الشأن جميعاً, فأن لم يتفقوا تولى القاضي تعيينه, أذن الأولى بتعيين الحارس هم ذوي الشأن لأنهم أعرف بالموضوع المتنازع عليه وإمكانية من يتولى حراسته, وهنا تجدر الأشارة الى الأتفاق على تعيين حارس قضائي لاتعني الحراسة الأتفاقية المار ذكرها بل هي حراسة قضائية تم بأمر من القاضي الذي يسأل أطراف الدعوى عما أذا كانوا يتفقون على حارس قضائي من عدمه, وتكون محكومة بنص المادتين (147 و 148) مرافعات مدنية, ولايمكن أعتبارها عقداً رضائياً من العقود الملزمة للجانبين لأختلاف السند القانوني لكلا الحالتين.
هذا ويلاحظ أن النص العراقي يوجب أتفاق ذوي الشأن جميعاً فأذا كان أطراف الدعوى متعددين فلايقبل من أصحاب القدر الأكبر تعيين الحارس القضائي لمخالفة ذلك للنص المتقدم خلافاً للقانون والفقه المصري الذي يعطي الحراسة على المال الشائع لما يستقر عليه رأي أغلبية الشركاء بحسب قيمة الأنصباء(39).
يتعين على قاضي المسائل المستعجلة تعيين الحارس القضائي في حالة عدم أختياره من قبل الأطراف وأن الأسس المعتمدة للأختيار هي:
(1) الكفاءة المطلوبة للحارس القضائي لممارسة ذلك النوع من النشاط الذي يجب أن يكون ملماً بأسبابه وطبيعته ومحققاً لمصالح الأطراف المتنازعة.
(2) النزاهة يشترط في الحارس النزاهة والحيدة لكي يؤدي عمله سليماً من دون الميل لأحد اطراف الدعوى لغرض تحقيق الهدف الذي رسم له وصولاً الى القرار العادل .
(3) أما الأمر الثالث الذي نضعه لأختيار الحارس القضائي هو عدم قرابته من أطراف الدعوى ويجب أن يطبق بشأنه مايطبق على المحكم.
هذا ويجوز الفقه والقضاء تعيين أحد الخصوم حارساً بلا أجر متى وجد فيه القدرة على القيام بهذه المهمة بشرط أن يكون المال المتنازع عليه قليل القيمة وبتعيين حارس بأجر يرهق أحد أطراف الدعوى بشرط تحقق النزاهة والأستقامة والسير به للقيام بهذه المهمة(40).
التكييف القانوني لمهمة الحارس:
يقول السنهوري إن الحارس القضائي يصبح بمجرد تعيينه, وبحكم القانون نائباً ... وان الحارس القضائي ينوب عن صاحب الحق في المال موضوع الحراسة, وان هذا الرأي مستمد من أحكام المادة (733)(41) مدني مصري وليس لهذا النص مقابل في القانون العراقي الأمر الذي نستنتج منه أن الحارس القضائي وعلى وفق نص قانون المرافعات في المادتين (147 و 148) هو عمل من أعمال الأدارة وليس نيابة بدليل إن أي تصرف يخرج عن أعمال الأدارة(42) يلزم الحارس بمراجعة القضاء بشأنه, وأن مهمته تلك هي مهمة قضائية اي ليست أتفاقية أو قانونية(43), إضافة الى أن الحارس القضائي ذو مهمة شخصية, أي لايجوز إحلال شخص محله وهي بهذا الفهم وظيفة يحددها قاض الأمور المستعجلة.
إلتزامات الحارس القضائي:
أوجبت النصوص القانونية على الحارس القضائي إلتزامات عدة ملزم بتأديتها مادام قد قبل المهمة المكلف بها من قبل المحكمة المختصة وهي على الوجه الآتي:-
1- تسلم المال موضوع الحراسة:
على الحارس القضائي تسلم المال الموضوع تحت الحراسة من اليد التي كان تحت حيازتها ذلك المال بموجب محضر ينظم لهذا الغرض مرفق به قوائم مبين فيها الأموال من حيث وصفها وشكلها ونوعيتها, ترفق نسخة منه في أضبارة الدعوى, على أن لايسمح لأي من أطراف الدعوى أن يقوم مقامه في أداء وظيفته.
2- المحافظة على المال المستلم:
على الحارس القضائي المحافظة على المال الذي تسلمه موضوع الحراسة القضائية وان يبذل العنايـة اللازمـة - عناية الرجل المعتاد– سواء كانت الحراسة باجر أو من دون أجر أذا قبل بها فأن كانت العين عمـارة سكنيـة بذل عناية الرجل المعتاد في إيجار شققها والحفاظ عليها وصيانتها والحيلولة دون تداعيها وأن يحافظ على الخدمات المقدمة لها كالماء والكهرباء والخدمات الأخرى.
3- حسابات المال:
على الحارس القضائي تقديم قائمة حساب بالمال المستلم أو تم أنفاقه وحفظه مع تنظيم دفاتر حسابية مع الوصولات والمستندات اللازمة لأثبات مادخل وما أُنفق, على أن يقدم تلك الحسابات في ضوء الطلب الموجه إليه من قبل المحكمة وأن يُرفق نسخة من تلك الحسابات بأضبارة الدعوى.
4- أعمال الأدارة:
إن الأموال التي تحت الحراسة والتي كُلف بها الحارس القضائي تدخل ضمن أعمال الأدارة ولايجوز تجاوز هذا المفهوم وكل أمر يخرج عن أعمال الأدارة وجب عليه مراجعة المحكمة بشأنه كالتصرف مثلاً الذي هو ليس من أعمال الأدارة فالواجب مراجعة المحكمة بشأنه لأخذ الأذن منها.
5- الحراسة الشخصية:
إن مهمة الحارس القضائي مهمة شخصية فلايجوز له التنازل عنها الى الغير إلا بأذن من المحكمة.
6- إنتهاء الحراسة:
على الحارس القضائي رد المال الذي تحت حراسته مع غلته عند إنتهاء الحراسة.
حقوق الحارس:
لما كان على الحارس القضائي إلتزامات وواجبات السالف ذكرها نجد في مقابل ذلك أن له حقوق نص عليها القانون.
أولاً – الأجرة:
إن النص القانوني يعطي للحارس أجره مقابل الأعمال التي يقوم بها وتخضع الأجرة في هذه الحالة الى سلطة القاضي التقديرية, حيث يقدرها في نوع العمل وطبيعته ومدته, كما أن لشخص الحارس أثر في تقدير الأجرة أذ تعتمد الكفاءة والقدرة على إدارة المال موضوع الحراسة والجانب المهني للحارس وسبق الأعمال التي قام بها كحارس قضائي في أعمال سابقة.
ثانياً – مصروفات الحارس:
يذهب الفقه المصري(44) الى أن إسترداد المصروفات التي أنفقها الحارس الضرورية لحفظ المال والترميمات ومصروفات الزراعة فأن الحارس يستردها ويتقاضى التعويض من صاحب المال أذا كان النزاع قد فصل فيه, وهذا الرأي تطبيق لأحكام الفقرة (2) من المادة (737) مدني مصري, ومع عدم وجود نص مقابل ذلك في القانون العراقي فيكون من المفترض أن يسترد الحارس ما أنفقه من ماله الخاص على حفظ المال الذي تحت الحراسة, أذا لم يتمكن من الحصول على المال مع عوائد ذلك المال التي ينفقها لأغراض الحفظ والصيانة والترميم وسواه, وتلافياً لهذا الأمر فللقاضي أن يأمر بأيداع مبلغ من المال في صندوق المحكمة تلافياً لتلك المصروفات وهذا في رأينا ليس حقاً للحارس لأنه لايضيف شئ الى الأجرة التي قدرتها المحكمة, بل هو يندرج تحت عنوان الواجبات وليس تحت عنوان الحقوق إلا أنه يمكن القول إن المبالغ التي صرفها الحارس مـن مالـه الخاص للحفاظ على المال موضوع الحراسة يكون لها إمتياز إستردادها عن الأموال الأخرى التي تخص ذلك المال.
إنتهاء الحراسة القضائية:
تنتهي الحراسة القضائية إستناداً الى حكم الفقرة (2) من المادة (148) من قانون المرافعات التي تنص على: (تنتهي الحراسة بقرار من القضاء) والقضاء هنا هو القضاء المستعجل الذي قرر وضع المال تحت الحراسة وكذلك قضاء الموضوع أذا كان قد وضع المال تحت الحراسة بطريق التبعية وكما تنص عليه أحكام الفقرة (2) من المادة (141) مرافعات أما القانون المصري ولكون الحراسة عقد من العقود المسماة فأنها تنتهي باتفاق أطراف العقد أو بحكم القضاء(45).
عليه فالقضاء المستعجل يتخذ قراراً بأنهاء الحراسة عندما يتحقق له أي سبب من أسباب التي توجب الأنهاء لأن الحراسة بوصفها قضاء مستعجل فهي إجراء تحفظي ذو طبيعة مؤقتة يجوز الحجية المؤقتة ولطبيعة تلك فأنه قابل للأنهاء أو التعديل كلما أستجد ظرف يوجب ذلك ولابد – على وفق النص العراقي– أن يصدر قرار من القاضي المختص بأنهاء الحراسة, ولايجوز لأطرافها إنهاءها حتى ولو أتفقا على ذلك, لأن ذلك الأتفاق يجب أن يكون محل نظر من قبل القاضي المختص وهو الذي يصادق على الأتفاق الموجب لأنهاء الحراسة.
مكتب / محمد جابر عيسى المحامى
والمستشار القانونى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق