الفرع الثاني (( الحلول التشريعية والتطبيقية ))
استبعاد بعض التصرفات من نطاق الشكلية وإبدال الموثق الرسمي بموثق الكتروني
أثارت الشكلية الالكترونية حفيظة التشريعات والقوانين المختلفة فبدأت تتسارع في وضع حلول لهذه الأزمة ، وفى سبيل ذلك ذهبت معظم التشريعات إلى استبعاد تطبيق القواعد الخاصة بالعقود الالكترونية على بعض التصرفات القانونية الهامة . وفضلت أن تبرم تلك التصرفات في الشكل التقليدي دون الالكتروني ، وذلك مراعاة لعدة اعتبارات من أهمها :
1- أهمية وخطورة بعض التصرفات كرهن السفينة والحقوق الوارد على العقار بصفة عامة .
2- عدم اتصال بعض التصرفات بالمعاملات التجارية الالكترونية وإنما هي تصرفات شخصية أو مدنية بحتة كالزواج والهبة والوصية .
ومن التشريعات التي تبنت منهج الاستبعاد القانون الأمريكي حيث تنص المادة ( 3 /ب/1 ) من القانون الأمريكي الموحد للتجارة الالكترونية على أن "هذا القانون لا ينطبق على معاملة من المعاملات بقدر ما يخضع تنظيمها لقانون يحكم إنشاء وتنفيذ الوصايا أو ملا حقها أو الائتمانات الإيصائية " . كما نجد القانون الفيدرالي الأمريكي بشأن التوقيع الالكتروني لسنة 2000 حدد بعض الاستثناءات التي لا ينطبق عليها هذا القانون وتتمثل هذه الاستثناءات في إنشاء الوصية وتنفيذها وقوانين الميراث والتشريعات الخاصة بالتبني والطلاق والحالة الاجتماعية وأوراق المحاكم واتفاقات الائتمان والأوراق الخاصة بالتأمين الصحي وأوراق اليانصيب .
وتنص المادة (3) من قانون كندا الموحد للتجارة الالكترونية على أنه : " لا ينطبق هذا القانون فيما يتعلق بما يلي :-
أ_ الوصايا وملاحقها.
ب_ الائتمانات المنشأة بوصايا أو بملاحق وصايا .
ج_ سلطات الوكيل بقدر ما تتعلق بالشؤون المالية أو الرعاية الشخصية بفرد ما.
د_ المستندات المنشئة أو الناقلة لحقوق في أراضى " .
وأيضا تنص المادة (10/1/أ) من قانون ايرلندا للتجارة الالكترونية عام 2000 على عدم تطبيق نص هذا القانون على الوصية أو ملحق الوصية وعقود الأمانة وحقوق الملكية العقارية أو تسجيلها .
أما التوجيه الأوروبي الصادر في 8 يونيو 2000 فقد قرر أنه لا ينطبق هذا التوجيه على العقود المنشئة أو الناقلة لحقوق الملكية العقارية فيما عدا حقوق الإيجار والعقود التي تتطلب تدخلا من المحاكم والسلطة العامة وعقود الكفالة والعقود التي يحكمها قانون الأسرة أو قانون الميراث مثل عقود الوصية والهبة والزواج وإشهار الطلاق والتبني .
وعربيا نطالع قانون إمارة دبي للمعاملات والتجارة الالكترونية رقم 2 لسنة 2002 حيث نص في مادته الخامسة على :
" يسرى هذا القانون على السجلات والتواقيع الالكترونية ذات العلاقة بالمعاملات والتجارة الالكترونية ويستثنى من أحكام هذا القانون ما يلي :
أ_ المعاملات والأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية كالزواج والطلاق والوصايا
ب_ سندات ملكية الأموال غير المنقولة.
ج_السندات القابلة للتداول .
د_المعاملات التي تتعلق ببيع وشراء الأموال غير المنقولة والتصرف فيها وتأجيرها لمدة تزيد عن عشر سنوات وتسجيل أية حقوق متعلقة بها .
هـ_ أي مستند يتطلب القانون تصديقه أمام كاتب العدل ".
ويذهب البعض(43) إلى أن نص المادة (27/1/ب) من قانون إمارة دبي يؤدى إلى إمكان إتمام بعض التصرفات القانونية التي تتوقف على الإجراءات التي أشار إليها النص من إذن أو ترخيص أو إقرار أو موافقة وذلك بطبيعة الحال ما لم يتمثل أي منها في إجراء رسمي(44) .
كما نص القانون الأردني للمعاملات الالكترونية رقم 85 لسنة 2001 في المادة (6) منه على أنه " لا تسرى أحكام هذا القانون على ما يلي :
أ – العقود والمستندات والوثائق التي تنظم وفقا لتشريعات خاصة بشكل معين أو تتم بإجراءات محددة ومنها :
1_ إنشاء الوصية وتعديلها.
2_ إنشاء الوقف وتعديل شروطه .
3_ معاملات التصرف بالأموال غير المنقولة بما في ذلك الوكالات المتعلقة بها وسندات ملكيتها وإنشاء الحقوق العينية عليها باستثناء عقود الإيجار الخاصة بهذه الأموال .
4_ الوكالات والمعاملات المتعلقة بالأحوال الشخصية .
5_ الإشعارات المتعلقة بإلغاء أو فسخ عقود خدمات المياه والكهرباء والتأمين الصحي والتأمين على الحياة .
6_لوائح الدعاوى والمرافعات وإشعارات التبليغ القضائية وقرارات المحاكم.
ب_ الأوراق المالية إلا ما تنص عليه تعليمات خاصة تصدر عن الجهات المختصة استنادا لقانون الأوراق المالية النافذ المفعول" .
ومن وجهة نظر شرعية يطالعنا قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي رقم 54/3/26 الذي ينتهي إلى جواز التعاقد الإلكتروني إلا أنه يستثنى عقودا ثلاثة من ذلك ، حيث لا تنطبق عليها قواعد العقد الالكتروني ويجب إبرامها في الشكل التقليدي وهذه العقود هي :
1- عقد الزواج لاشتراط الشهادة .
2- عقد الصرف لاشتراط التقايض .
3- عقد السلم لاشتراط تعجيل رأس المال .(45)
و يجدر بالذكر أن مشروع قانون التجارة الالكترونية المصري جاء خلوا من بيان للتصرفات التي لا تخضع لقواعد العقود الالكترونية الأمر الذي أثار خلافا حول تلك المسألة على الصعيدين الفقهي والقضائي في مصر .
وفى مقابل ما ذهبت إليه التشريعات المختلفة من استبعاد لبعض التصرفات من الشكلية الالكترونية يلاحظ البعض(46) أن الشكلية الالكترونية أصبحت أمرا لا مفر منه، وأنه يجوز إبرام كافة أنواع العقود الكترونيا ولو كانت عقودا شكلية سيما وقد ظهرت مهنة جديدة في مجال المعاملات الالكترونية هي مهنة الموثق الالكتروني(47) Notaire électronique .
والموثق الالكتروني : هو طرف ثالث محايد يتمثل في أفراد أو شركات أو جهات مستقلة محايدة تقوم بدور الوسيط بين المتعاملين لتوثيق تعاملاتهم الالكترونية(48) ، ويطلق عليهم بالإنجليزية certification authority .
والوظيفة الأساسية للموثق الالكتروني أو لجهة التوثيق الالكترونية هي تحديد هوية المتعاملين في التعاملات الالكترونية وتحديد أهليتهم القانونية في التعامل ناهيك عن التحقق من مضمون هذا التعامل وسلامته وكذلك جديته وبعده عن الغش والاحتيال.
ويأخذ التوجيه الأوروبي رقم 93 لسنة 1999 بفكرة الموثق الالكتروني ووضع مسمى له حيث أطلق عليه ( مقدم خدمات التصديق ). كما أسند قانون المعاملات والتجارة الالكترونية لإمارة دبي أعمال المصادقة الالكترونية إلى ( مراقب خدمات التصديق) الذي يتم تعيينه بقرار من رئيس سلطة منطقة دبي الحرة للتكنولوجيا والتجارة الالكترونية والإعلام .
وبناء على ما سبق نستجلي أن هناك اتجاهاً يتخذ من فكرة التوثيق الالكتروني حلاً لأزمة الشكلية الالكترونية . فجهة التوثيق تكون مسئولة عن توثيق العقد الالكتروني الأمر الذي يجعل الوضع يبدو تطبيقا لمهنة الموثق العادي في فرنسا ومحرر العقود في ليبيا والشهر العقاري في مصر ...الخ
على اعتبار أن كلا منهما يعد شاهدا محايدا ومستقلا عن العقد المبرم بين الأطراف. غاية الأمر أن الموثق الالكتروني لا يعد موظفا عاما في حين أن الموثق العادي هو موظف عام طبقا لقانون السلطة العامة(49) .
ولعل الأمر يتطلب تعديلا في القوانين واللوائح ذات الصلة بالتوثيق حيث يتم إدراج مهنة الموثق الالكتروني أو جهة التوثيق الالكترونية ضمن هذا الإطار ، وذلك لاتسامها بالحيدة والنزاهة ، وتكون بذلك مؤتمنة على حفظ وتسجيل الوثائق والمحررات الالكترونية .
مكتب / محمد جابر عيسى المحامى
تعليقات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق