تمهيد
الأصل في العقود هو الرضائية ، بمعنى أن العقد يبرم بمجرد أن يتبادل المتعاقدان التعبير عن إرادتيهما دون حاجة إلى إجراء آخر ، وينطبق ذلك بطبيعة الحال على العقد الالكتروني .
واستثناءاً من ذلك قد يتطلب القانون إفراغ التراضي في شكل محدد وهو ما اصطلح على تسميته بالعقود الشكلية les contrats solennels .
والعقود الشكلية : هي مجموعة العقود التي لا يكفي لإبرامها مجرد التراضي وإنما يشترط فيها القانون مراعاة شكل خاص بدونه لا يوجد العقد قانونا ولا يرتب أثرا ولا يمكن الاحتجاج به(30) .
والشكل الذي تشترطه القوانين المعاصرة غالبا ما يكون الكتابة في ورقة رسمية يقوم بتحريرها شخص مكلف قانونا ، وهو الموثق الرسمي أو محرر العقود . ومثال العقود الرسمية "الشكلية " هبة العقار ( 477/1 )
(31) مدني ليبي، وعقد الرهن الرسمي ( 1034/1 )
(32) مدني ليبي.
وقد تكون الشكلية في صورة الكتابة العرفية أي بدون تدخل محرر العقود. مثالها ما نصت عليه المادة ( 855 ) مدني ليبي من الاتفاق كتابة على إنشاء ملكية الأسرة بين أشخاص إذا كانوا أعضاء أسرة واحدة تجمعهم وحدة العمل أو المصلحة دون أن تشترط الرسمية في الكتابة.
والكتابة باعتبارها ركنا لا يتم التعاقد إلا به تستدعي تمييزها عن الكتابة اللازمة للإثبات
(33) ، ففي الحالة الأخيرة ينعقد العقد ويرتب آثاره كاملة في مواجهة أطرافه غير أنه إذا ثار نزاع بشأنه تكون الكتابة لازمة للإثبات .
وأحب أن أشير في هذا المقام إلى أن البعض يخلط بين الإجراءات التي يشترطها المشرع في بعض الأمور لأهميتها كتسجيل عقود بيع العقارات وفقا لأحكام التسجيل العقاري وبين الشكلية ، حيث يعتبر تلك الإجراءات من قبيل الشكلية .
والذي نراه – منضمين في ذلك إلى بعض الفقه(34) – أن التسجيل ليس ركنا شكليا في العقد
(35) ولا تتوقف صحة العقد على وجوده ، وإنما هو شرط لإمكان تنفيذ البائع لالتزامه ، فلا تنتقل الملكية للمشتري إلا بتسجيل العقد ، وهنا يظهر الفارق بين الركنية في العقد وغيرها ، فلو كان التسجيل ركناً لما وجد العقد ، ولكنه باعتباره ليس كذلك فإن العقد يكون صحيحا ويجوز للمشتري إلزام البائع بالقيام بإجراءات التسجيل العقاري حتى تنتقل له ملكية العقار، فإن رفض البائع ذلك جاز للمشتري المطالبة قضاءاً بالحكم له بصحة ونفاذ العقد، فإذا ما حكم له بذلك سجل حكمه وحق له طلب تثبيت ملكيته استنادا إلى الحكم الذي يقوم مقام العقد بعد تسجيله .
وإذا كان هذا هو مفهوم الشكلية يحق لنا التساؤل حول إمكانية استيفاء الشكلية بنفس الطريقة عند إبرام العقد الالكتروني ؟ بمعنى هل مناط الشكلية الكتابة على الورق أم أنها تستوعب الكتابة الالكترونية ؟ وهل يقوم التوقيع الالكتروني مقام التوقيع العادي(36) الذي يشترطه القانون في بعض الأحيان ؟
نجيب على هذه التساؤلات في فرعين متتاليين نبرز في الأول الإشكالية القائمة ثم نفرد الثاني لعرض أهم الحلول التشريعية والتطبيقية التي اقترحت في هذا الصدد.
مكتب / محمد جابر عيسى المحامى
تعليقات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق