بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

27 يوليو 2010

جواز التعاقد الالكتروني وبيان ماهيته








أولا: جواز التعاقد الالكتروني:-

تنص المادة ( 90/1 ) من القانون المدني الليبي على أن " التعبير عن الإرادة يكون باللفظ وبالكتابة وبالإشارة المتداولة عرفا ً. كما يكون باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكا في دلالته على حقيقة المقصود"(13) .

نستشف من ذلك أن الأصل في التعبير أنه لا يخضع لشكل معين ، فللمتعاقد أن يفصح عن إرادته بالطريقة التي تروق له بشرط أن يكون لها مدلول يفهمه الطرف الآخر فكما يصح التعبير عن الإرادة بالكتابة أو القول أو الإشارة ، فإنه يصح باتخاذ موقف عملي معين يمكن أن يعبر عن إرادة التعاقد لدى الأطراف إذا كان هذا الموقف كافيا للدلالة عليها دلالة أكيدة .

ونظرا لكون العقد الالكتروني يخضع في إبرامه وأحكامه لهذه القواعد العامة ، ولكونه ينعقد الكترونيا ، فهو يخضع لبعض الأحكام الخاصة به . والتي تتمشى مع صفته الالكترونية وكونه يبرم عن بعد. وتكاد تنحصر خصوصيات إبرام العقد الالكتروني في الأحكام الخاصة بركن الرضا وما يعتورها من شكلية معينة يتعذر إنجازها الكترونيا . أما بالنسبة لركني السبب والمحل فتنعدم فيهما خصوصيات هذا العقد الالكتروني إلى حد كبير



(14) .

والسؤال الذي يثور الآن... هل يتحقق التراضي الكترونيا ؟ وهل يقترن الإيجاب بالقبول بواسطة الأجهزة والوسائط الالكترونية ؟

لقد دفعت ثورة المعلومات والاتصالات وانتشار استخدام شبكات الاتصال في إبرام الصفقات والعقود العديد من مشرعي الدول والمنظمات الإقليمية والدولية إلى إقرار هذا الواقع ومن ثم إجازة التعبير عن الإرادة العقدية عبر وسائل الكترونية وهو ما يعني أن التقاء الإرادات الكترونيا يكفي لإبرام العقد متى استوفى شروط صحته(15) .

فقد أقر القانون النموذجي للتجارة الالكترونية لسنة 1996 تبادل التعبير عن الإرادة من خلال تبادل البيانات الكترونيا في الأعمال التجارية حيث نصت المادة ( 11 ) منه على:

" في سياق إنشاء العقود، وما لم يتفق الطرفان على غير ذلك يجوز استخدام رسائل البيانات للتعبير عن العرض وقبول العرض. وعند استخدام رسالة البيانات في إنشاء العقد . لا يفقد ذلك العقد صحته أو قابليته للتنفيذ لمجرد استخدام رسالة بيانات لذلك الغرض " .

كما أجاز قانون التجارة الأمريكي الموحد UCC انعقاد عقد بيع البضائع بأي طريقة أو وسيلة ما دامت تظهر تراضي طرفيه. بما في ذلك سلوكهما الذي يدل على إقرارهما وجود العقد



(16) . وأيضا قانون المعاملات الالكترونية الموحد عام 1999 حيث نص صراحة على أحكام التعاقد الكترونيا عندما قرر أن التسجيل الالكتروني يعادل المستند المكتوب خطيا.

وتقر اتفاقية الأمم المتحدة بشأن عقد البيع الدولي للبضائع في مادتها العاشرة جواز التعاقد عن طريق وسائل الاتصال الفوري



(17) .

وعلى صعيد التشريعات العربية نجد المادة (14) من قانون إمارة دبي في شأن المعاملات والتجارة الالكترونية رقم 2 لسنة 2002 تجيز التعاقد بوسائط الكترونية حيث نصت فقرتها الأولى على أنه : " يجوز أن يتم التعاقد بين وسائط الكترونية مؤتمتة(18) متضمنة نظامي معلومات الكترونية أو أكثر تكون معدة ومبرمجة مسبقا للقيام بمثل هذه المهمات ويتم التعاقد صحيحا ونافذا ومنتجا آثاره القانونية على الرغم من عدم التدخل الشخصي أو المباشر لأي شخص طبيعي في عملية إبرام العقد في هذه الأنظمة " .

وتأكيدا لمبدأ جواز التعاقد الالكتروني وصحته نصت المادة ( 7/1 ) من نفس القانون على:

"لا تفقد الرسالة الالكترونية أثرها القانوني أو قابليتها للتنفيذ لمجرد أنها جاءت في شكل الكتروني" كما أجاز المشرع الأردني إبرام العقود إلكترونيا بواسطة الرسائل الالكترونية بتقريره في المادة ( 13 ) من قانون المعاملات الالكترونية رقم 85 لسنة 2001 : "تعتبر الرسالة الالكترونية وسيلة من وسائل التعبير عن الإرادة المقبولة قانونا لإبداء الإيجاب والقبول بقصد إنشاء التزام تعاقدي " .

مما سبق نستنتج أن القواعد الخاصة التي نصت عليها القوانين المختلفة المتعلقة بالمعاملات الالكترونية أجازت التعبير عن الإرادة الكترونيا متى تحققت شروط صحة الإرادة والتعبير عنها



(19) .



وإذا كان هذا موقف التشريعات المختلفة فكيف ينظر الفقه إلى هذه المسألة ؟

تجدر الإشارة في البداية إلى أنه رغم الاتفاق الذي ساد التشريعات المختلفة إلا أننا نلاحظ اختلافا في وجهات النظر لدى الفقه حيث تعددت المحاولات الفقهية(20) التي ترمي إلى تسويغ التعاقد الكترونيا وما يترتب على ذلك من صحة إبرام العقد.

يذهب اتجاه أول إلى منح الشخصية القانونية إلى الجهاز الالكتروني الذي يتم بواسطته إبرام العقد ، ومن هنا يعتبر هذا الرأي الجهاز الالكتروني بمثابة الشخص القانوني ، والشخص القانوني يتمتع بأهلية إبرام العقد(21) .

غير أن هذا القول غير مستساغ من الناحية القانونية، فالشخصية القانونية مرتبطة بالذمة المالية والجهاز الالكتروني ليس له ذمة مالية. ومن ثم فلن تكون له شخصية قانونية وتنعدم أهليته القانونية ، ناهيك عن كون الاعتراف الذي يضفى على الشخص الاعتباري الشخصية القانونية مقصور على مجموعات الأشخاص والأموال ولا يمتد إلى الأجهزة والآلات .

وذهب اتجاه ثان إلى تشبيه الجهاز الالكتروني بالهاتف والفاكس فهو مجرد أداة أو وسيلة اتصال تربط بين المتعاقدين وبالتالي الجهاز لا يبرم عقدا لحساب شخص ما وإنما الشخص هو الذي يبرم العقد باستخدام الحاسب الآلي الذي يقتصر دوره على نقل الإرادة من متعاقد إلى آخر(22) .

وقد انتقد هذا الاتجاه أيضا على أساس أنه يحمل المتعاقد الأخطاء في البرمجة وتشغيل البرامج الالكترونية التي تقوم بعملية التعاقد فما يصدر من الجهاز يعد كأنه صدر من المتعامل نفسه مباشرة.

* أما الاتجاه الثالث(23) فيأخذ بنظرية النيابةRepresentation في التعاقد ، حيث يعتبر الجهاز الالكتروني نائبا عن المتعاقد يتعامل باسمه ولحسابه .

وفي الرد على هذا الاتجاه نجد منتقديه يتساءلون ... كيف يمكن للجهاز عديم الإرادة أن يبرم عقد الوكالة بينه وبين المتعاقد مصدر النيابة المزعومة ؟ .

وفي سبيل البحث عن رأي يفض هذا الخلاف القائم ذهب بعض الفقه العربي إلى أن الجهاز الالكتروني لا يخرج عن كونه أداة أو وسيلة في يد المتعاقد ، يستعملها كما يستعمل الأوراق والأقلام في التعبير عن إرادته ، فالجهاز مجرد وسيلة للتعبير عن إرادة المتعاقد وإعلانها للمتعاقد الآخر ، فإذا استخدم المتعاقد جهازا الكترونيا فإن الإرادة التعاقدية سواء كانت إيجابا أم قبولا لا تنسب إلى الجهاز وإنما تنسب إلى المتعاقد الذي استخدم الجهاز وسخره لخدمته(24) .

وأخيرا من نافلة القول أنه رغم هذا الاختلاف الفقهي إلا أن الجميع مجمعون على تسويغ التعاقد الالكتروني وإن اختلفت الأسانيد ، كما أن التعاقد باستخدام الوسائط الالكترونية أصبح واقعاً وأمراً مسلماً به وذلك ما تجلى في تنظيمه تشريعيا في بعض بلدان العالم .

وبعد أن أوضحنا جواز التعاقد باستخدام الوسائط الالكترونية ننتقل الآن إلى بيان ماهية العقد الالكتروني .



ثانيا : ماهية العقد الالكتروني :-



يتميز العقد الالكتروني بصفته العالمية التي تغطي كل دول العالم لكونه يتم في معظم الأحيان عن طريق شبكة المعلومات ( الانترنت ) كما يتميز أيضا بصفته الانفتاحية فالشبكة متاحة لكل من يرغب الدخول فيها ، ويتميز العقد الالكتروني أخيرا بصفته الالكترونية لكونه يتم بواسطة أجهزة وبرامج الكترونية تنقل إرادة المتعاقدين بعضهم إلى بعض دون حضور مادي معاصر لهم وبالتالي فهو عقد ينتمي إلى طائفة العقود عن بعد .

وقد عرف التوجيه الأوروبي الصادر في 20 مايو 1997 والمتعلق بحماية المستهلك في العقود المبرمة عن بعد Remote Contract بأنه : " عقد متعلق بالسلع والخدمات يتم بين مورد ومستهلك من خلال الإطار التنظيمي الخاص بالبيع عن بعد أو تقديم الخدمات التي ينظمها المورد والذي يتم باستخدام واحدة أو أكثر من وسائل الاتصال الالكترونية remote communications حتى إتمام العقد".

وبهذا العرض الموجز لخصائص العقد الالكتروني ومميزاته يسهل لنا بيان ماهيته من خلال الوقوف على تعريفات الفقه في النظامين اللاتيني والأنجلوسكسونى .

فقد عرفه جانب من الفقه الأمريكي بأنه :" هو ذلك العقد الذي ينطوي على تبادل للرسائل بين البائع والمشترى والتي تكون قائمة على صيغ معدة سلفا ومعالجة الكترونيا وتنشئ التزامات تعاقدية "(25) .

ويعرف بعض الفقه اللاتيني العقد الالكتروني بأنه " اتفاق يتلاقى فيه الإيجاب والقبول على شبكة دولية مفتوحة للاتصال عن بعد وذلك بوسيلة مسموعة مرئية ، وبفضل التفاعل بين الموجب

والقابل "(26) . ويأخذ بعض الفقه(27) على هذا التعريف أنه جاء ناقصا حيث لم يبين النتيجة المترتبة على التقاء الإيجاب والقبول ، وهى إحداث أثر قانوني وإنشاء التزامات تعاقدية .

وحيث أن العقد الالكتروني عبر شبكة الانترنت يتميز بأنه يتم في الغالب على المستوى الدولي فقد ذهب البعض إلى تعريف عقد التجارة الالكتروني الدولي بأنه " العقد الذي تتلاقى فيه عروض السلع والخدمات بقبول من أشخاص في دول أخرى وذلك من خلال الوسائط التكنولوجية المتعددة ومنها شبكة الانترنت بهدف إتمام العقد "(28) .

وتجدر الإشارة إلى أن عملية التعاقد الالكتروني تشتمل بخلاف الإيجاب والقبول على العديد من المعاملات الالكترونية مثل العروض والإعلان عن السلع والخدمات وأوامر الدفع الالكترونية وغير ذلك .

ومما سبق يمكن أن نعرف العقد الالكتروني تعريفا موجزا يتفادى الانتقادات الموجهة للتعريفات السابقة وذلك بقولنا أن العقد الالكتروني هو " العقد الذي يتم انعقاده بوسيلة الكترونية بقصد إنشاء التزامات تعاقدية "(29) .







مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




تعليقات

ليست هناك تعليقات: