التقادم
تعريفه وأنواعه
التقادم: هو مضي المدة. وهو في القانون الوضعي على نوعين: مسقط ومكسب، فالأول يؤدي إلى سقوط الحق، والثاني سبب لكسبه. وإذا كانت الحقوق الشخصية (الالتزامات) لا يمكن أن تكون إلا محلاً للتقادم المسقط، فإن الحقوق العينية كما يجوز سقوطها (إلا حق الملكية) عن طريق التقادم، فإنه يجوز اكتسابها بالتقادم المكسب. وعلى حين أن التقادم المسقط يفترض وضعاً سلبياً هو عدم مطالبة الدائن بحقه أو عدم استعمال الحق، فإن التقادم المكسب يستلزم وضعاً إيجابياً هو الحيازة. وإنما يشترك النظامان في عنصر مضي الزمن.
أولاً ـ التقادم المسقط (المبرئ).
1ـ مدد التقادم المختلفة:
آ ـ القاعدة العامة والاستثناءات: يتقادم الالتزام ـ قاعدة عامة ـ بانقضاء خمس عشرة سنة في معظم القوانين العربية، وذلك فيما لم يرد فيه نص خاص يقرر مدة أطول أو أقصر. من ذلك سقوط الحق في طلب إبطال العقد بسبب نقص الأهلية أو عيب الإرادة بثلاث سنوات. وسقوط دعوى التعويض عن العمل غير المشروع وعن الإثراء بلا سبب بثلاث سنوات، وإلى جانب النصوص القانونية الخاصة بعض الاستثناءات من القاعدة العامة، فقد أورد التقنين المدني بعد القاعدة العامة التي وضعها استثناءات أخرى. فثمة حقوق تتقادم بخمس سنوات، وهي الحقوق الدورية المتجددة كأجرة المباني والأراضي الزراعية ومقابل الحكر، والفوائد والإيرادات المرتبة والمهايا والأجور والمعاشات. كما تتقادم بخمس سنوات أيضاً حقوق الأطباء والصيادلة والمحامين والمهندسين والخبراء ووكلاء التفليسة والسماسرة والأساتذة والمعلمين، على أن تكون هذه الحقوق واجبة لهم جزاء عما أدوه من عمل من أعمال مهنتهم وما تكبدوه من مصروفات. وتتقادم بسنة واحدة حقوق التجار والصناع عن أشياء ورّدوها لأشخاص لا يتجرون في هذه الأشياء، وحقوق أصحاب الفنادق والمطاعم عن أجر الإقامة وثمن الطعام وكل ما صرفوه لحساب عملائهم، وكذلك حقوق العمال والخدم والأجراء من أجور يومية وغير يومية ومن ثمن ما قاموا به من توريدات. على أنه يجب على من يتمسك بهذا التقادم الحولي أن يحلف اليمين على أنه أدى الدين فعلاً.
ولا يجوز الاتفاق على أن يتم التقادم في مدة تختلف عن المدة التي عينها القانون.
ب ـ كيفية حساب مدد التقادم: تحسب مدة التقادم بالأيام لا بالساعات، ولا يحسب اليوم الأول، وتكتمل المدة بانقضاء آخر يوم منها. ولا يبدأ التقادم فيما لم يرد فيه نص خاص، إلا من اليوم الذي يصبح فيه الدَّين مستحق الأداء. وبخاصة لا يسري التقادم بالنسبة إلى دين معلَّق على شرط واقف إلا من الوقت الذي يتحقق فيه الشرط، وبالنسبة إلى ضمان الاستحقاق إلا من الوقت الذي يكتب فيه الاستحقاق، وبالنسبة إلى الدين المؤجل إلا من الوقت الذي ينقضي فيه الأجل.
ج ـ وقف التقادم: لا يسرى التقادم كلما وجد مانع يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه ولو كان المانع أدبياً. وكذلك لا يسرى التقادم بين الأصيل والنائب. وأيضاً لا يسرى التقادم الذي تزيد مدته على خمس سنوات في حق من لا تتوافر فيه الأهلية أو في حق الغائب أو في حق المحكوم عليه بعقوبة جناية إذا لم يكن له نائب يمثله قانوناً. ويترتب على وقف التقادم في هذه الحالات أن المدة التي يقف التقادم خلالها لا تحسب ضمن مدة التقادم، وتحسب المدة السابقة والمدة التالية.
د ـ انقطاع التقادم: ينقطع التقادم بالمطالبة القضائية ولو رفعت الدعوى إلى محكمة غير مختصة، وبالتنبيه أو بالحجز، وبالطلب الذي يتقدم به الدائن لقبول حقه في تفليس أو توزيع، وبأي عمل يقوم به الدائن للتمسك بحقه في إحدى الدعاوى. كما ينقطع التقادم إذا أقر المدين بحق الدائن إقراراً صريحاً أو ضمنياً. ومن قبيل الإقرار الضمني أن يترك المدين تحت يد الدائن مالاً مرهوناً رهناً حيازياً تأميناً لوفاء الدين، ووفاء المدين بقسط من الدين أو فوائده، وطلبه مهلة للوفاء. ويترتب على الانقطاع سقوط المدة السابقة على قيام سببه والمدة التي تمضي خلال قيامه. فإذا زال السبب بدأ تقادم جديد مماثل في طبيعته ومدته للتقادم الأصلي. على أنه إذا انقضى السبب الذي قطع التقادم بحكم نهائي تكون مدة التقادم الجديد خمس عشرة سنة، أياً كانت مدة التقادم. وكذلك إذا انقطع التقادم الحولي بإقرار من المدين كانت مدة التقادم خمس عشرة سنة.
2ـ إعمال التقادم المسقط وأثره:
آ ـ الدفع بالتقادم: يجب على صاحب المصلحة أن يتمسك بالتقادم، ولا يجوز للقاضي أن يقضي به من تلقاء نفسه. ومعنى ذلك أن التقادم ليس من النظام العام. وصاحب المصلحة هو المدين والكفيل وحائز العقار المرهون ضماناً لذات الدين والمدين المتضامن بقدر حصة شريكه ودائن المدين. ويجوز التمسك بالتقادم في أي حالة كانت عليها الدعوى. ولكن لا يجوز التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض.
ب ـ النزول عن التقادم: لا يجوز النزول عن التمسك بالتقادم قبل ثبوت الحق فيه أي قبل اكتمال مدته. أما إذا اكتملت هذه المدة كان للمدين أن ينزل عن التمسك به. ويكون النزول صريحاً بتعبير صادر من المدين باللفظ أو بالكتابة. ويخضع إثبات النزول الصريح للقواعد العامة في إثبات التصرفات القانونية.
وقد يكون النزول ضمنياً إذا أمكن استخلاصه من مسلك للدائن يقطع حتماً بقصد النزول، كأن يطلب المدين بعد التقادم مهلة لوفاء الدين أو يقدم كفيلاً أو رهناً. وعند الشك لا يفترض النزول. والأهلية اللازمة لصحة النزول هي أهلية التصرف، فلا تكفي أهلية الإدارة، ولا تلزم أهلية التبرع. ـ هذا ولا يسري النزول في حق دائن المدين إذا صدر إضراراً بهم.
ج ـ أثر التقادم المسقط: إذا اكتملت مدة التقادم ولكن لم يتمسك به المدين بعد فإن الالتزام يبقى التزاماً مدنياً لا تتغير طبيعته. ويترتب على ذلك صحة الوفاء به ولو كان الموفي جاهلاً اكتمال مدة التقادم، وصحت كفالته وجازت المقاصة به. فإذا تمسك المدين بالتقادم سقط الالتزام مدنياً ولكن تخلف عنه التزام طبيعي لا يجوز جبر المدين على الوفاء به، ويسقط مع الدين توابعه من كفالة أو رهن أو اختصاص أو امتياز. كذلك يسقط مع الدين ملحقاته كالفوائد، حتى ولو كانت تلك الملحقات لم يمض عليها مدة التقادم الخاص بها. ويستند سقوط الدين بالتقادم إلى الوقت الذي بدأ فيه التقادم. على أن سقوط الالتزام بالتقادم عن طريق الدعوى لا يمنع من التمسك بوجوده عن طريق الدفع.
ثانياً ـ التقادم المكسب
التقادم المكسب: هو سبب من أسباب كسب الملكية والحقوق العينية الأصلية قائم على حيازة ممتدة فترة من الزمان يحددها القانون.
1ـ مجال التقادم المكسب:
آ ـ الحقوق الجائز كسبها بالتقادم: الحقوق العينية هي وحدها الجائز كسبها بالتقادم، دون الحقوق الشخصية التي لا تقبل الحيازة (وذلك عدا السندات لحاملها)، والحقوق العينية الأصلية جميعاً يجوز كسبها بالتقادم، سواء كانت ملكية أو حقوقاً متفرعة عن الملكية كالانتفاع والارتفاق وحق الاستعمال وحق السكن. على أنه يلاحظ أنه في البلاد التي يؤخذ فيها بنظام السجل العيني (العقاري) لا يجوز أن يتملك بالتقادم على خلاف ما هو ثابت بالسجل.
ب ـ الأشياء التي يرد عليها التقادم المكسب: يرد التقادم المكسب على جميع الأشياء المادية، سواء أكانت عقاراً أم منقولاً. ويلاحظ أن المنقولات لا يرد عليها التقادم الخمسي، فهو تقادم خاص بالعقارات وحدها، ولأن شروطه إذا اجتمعت بالنسبة للمنقول اكتسبت الملكية أو الحق العيني بمجرد الحيازة.
ويخرج عن دائرة التقادم المكسب الأموال العامة، وتحظر قوانين بعض الدول تملك أموال الدولة الخاصة بالتقادم أيضاً. كما تمنع بعضها كسب أموال الأوقاف الخيرية بالتقادم. ومن ذلك نص القانون السوري على عدم جواز اكتساب أي حق على العقارات المستغلة مسجداً أو كنيسة أو معبداً أو مستشفيات أو معهداً تعليمياً أو المخصصة لاستعمال العموم عن طريق التقادم. كما أن تشريعات الدول التي تأخذ بنظام السجل العيني تمنع اكتساب الحقوق المقيدة في السجل العقاري بالتقادم.
2ـ شروط التقادم المكسب:
آ ـ وجوب توافر الحيازة القانونية الخالية من العيوب: لاكتساب الحق بالتقادم يجب أن تكون هناك حيازة قانونية تجمع إلى التسلط المادي عنصراً معنوياً هو قصد مباشرة الحيازة لحساب الحائز نفسه، أي بقصد كسب ومباشرة حق ملكية أو حق عيني. فالحيازة العرضية أي الحيازة لحساب الغير كحيازة المستأجر لا تصلح أساساً للتقادم المكسب. ويجب فضلاً عن هذا أن تخلص الحيازة من العيوب، بأن تكون هادئة ظاهرة لا غموض فيها.
ب ـ شرط المدة: هناك مدتان للتقادم: فهناك التقادم الطويل ومدته خمس عشرة سنة، والتقادم القصير ومدته خمس سنوات. أما التقادم الطويل فهو: تقادم يسري على العقار وعلى المنقول، ولا يشترط فيه فوق الحيازة والمدة السبب الصحيح أو حسن النية. فمن حاز منقولاً أو عقاراً دون أن يكون مالكاً له، أو حاز حقاً عينياً على منقول أو عقار دون أن يكون هذا الحق خاصاً به، كان له أن يكسب ملكية الشيء أو الحق العيني إذا استمرت حيازته دون انقطاع خمس عشرة سنة. ومن هذا التقادم أيضاً ما نصت عليه المادة 919 من القانون المدني السوري التي تقضي بأنه يكتسب حق تسجيل التصرف في الأراضي الأميرية غير الخاضعة لإدارة أملاك الدولة بمرور عشر سنوات من تاريخ الحيازة بسند أو بغير سند، بشرط أن يكون الحائز قائماً بزراعة الأرض.
وثمة تقادم قصير مدته خمس سنوات، وهو تقادم خاص بالعقار فقط دون المنقول، ويشترط فيه فضلاً عن المدة السبب الصحيح وحسن النية.
وأياً كانت مدة التقادم المكسب فإنها تخضع من حيث حسابها ومن حيث وقفها وانقطاعها للأحكام التي سبق بيانها في خصوص التقادم المسقط. على أنه يلاحظ أن هناك صورة للانقطاع ينفرد بها التقادم المكسب، وهو الانقطاع الطبيعي الناشىء عن تخلي الحائز عن الحيازة أو فقدها ولو بفعل الغير. فتخلي الحائز عن حيازته وفقدها بفقد عنصريها أو أحدهما يقطع التقادم. أما إذا فقدت الحيازة بفعل الغير وكان المال عقاراً فإن الحائز لا يفقد الحيازة إلا إذا لم يستردها أو لم يرفع الدعوى باستردادها خلال سنة.
ج ـ شرطان خاصان بالتقادم الخمسي: حسن النية والسبب الصحيح:لا يسري التقادم الخمسي إلا إذا توافر للحائز حسن النية والسبب الصحيح.
(1) حسن النية: هو جهل الحائز أنه يعتدى على حق الغير أو هو اعتقاده انه تلقى الحق عن صاحب حق، وبشرط ألا يكون هذا الجهل ناشئاً عن خطأ جسيم. ولا يشترط حسن النية إلا وقت تلقي الحائز لحق، فإذا ساءت نيته بعد ذلك لم يمنعه هذا من إتمام التقادم الخمسي. وحسن النية مفترض ما لم يثبت العكس.
(2) السبب الصحيح: هو السند القانوني الذي يستند إليه الحائز في حيازته والذي كان من شأنه أن ينقل الملكية لو أن الحائز كان قد تلقاه عن مالك أو صاحب حق. وهو في القانون المصري وقوانين أخرى تصرف قانوني acte Juridique من شأنه نقل الملكية أو الحق العيني، كعقد أو وصية، فالبيع أو الهبة أو المقايضة أو تقديم حصة في شركة أو الوفاء بمقابل يعتبر سبباً صحيحاً. كذلك حكم رسو المزاد بعد الحجز. وقد توسع القانون السوري في فكرة السبب الصحيح إذ أدخل فيه الاستيلاء على الأرض الموات والإرث. وإثبات السبب الصحيح يقع على الحائز.
3ـ إعمال التقادم المكسب وأثره:
يخضع التقادم المكسب من حيث وجوب التمسك به وجواز النزول عنه بعد تمامه للأحكام التي يخضع لها التقادم المسقط. ويترتب على التقادم المكسب اكتساب الملكية والحق العيني، وجواز التمسك بهذا الاكتساب عن طريق الدفع والدعوى. ويرجع تاريخ الكسب إلى وقت بدء الحيازة التي أدت إلى التقادم. ويترتب على ذلك عدم إلزام الحائز برده وسقوط الحقوق التي قررها المالك السابق خلال سريان التقادم، ونفاذ الحقوق التي رتبها الحائز.
مكتب / محمد جابر عيسى المحامى
تعليقات
تعريفه وأنواعه
التقادم: هو مضي المدة. وهو في القانون الوضعي على نوعين: مسقط ومكسب، فالأول يؤدي إلى سقوط الحق، والثاني سبب لكسبه. وإذا كانت الحقوق الشخصية (الالتزامات) لا يمكن أن تكون إلا محلاً للتقادم المسقط، فإن الحقوق العينية كما يجوز سقوطها (إلا حق الملكية) عن طريق التقادم، فإنه يجوز اكتسابها بالتقادم المكسب. وعلى حين أن التقادم المسقط يفترض وضعاً سلبياً هو عدم مطالبة الدائن بحقه أو عدم استعمال الحق، فإن التقادم المكسب يستلزم وضعاً إيجابياً هو الحيازة. وإنما يشترك النظامان في عنصر مضي الزمن.
أولاً ـ التقادم المسقط (المبرئ).
1ـ مدد التقادم المختلفة:
آ ـ القاعدة العامة والاستثناءات: يتقادم الالتزام ـ قاعدة عامة ـ بانقضاء خمس عشرة سنة في معظم القوانين العربية، وذلك فيما لم يرد فيه نص خاص يقرر مدة أطول أو أقصر. من ذلك سقوط الحق في طلب إبطال العقد بسبب نقص الأهلية أو عيب الإرادة بثلاث سنوات. وسقوط دعوى التعويض عن العمل غير المشروع وعن الإثراء بلا سبب بثلاث سنوات، وإلى جانب النصوص القانونية الخاصة بعض الاستثناءات من القاعدة العامة، فقد أورد التقنين المدني بعد القاعدة العامة التي وضعها استثناءات أخرى. فثمة حقوق تتقادم بخمس سنوات، وهي الحقوق الدورية المتجددة كأجرة المباني والأراضي الزراعية ومقابل الحكر، والفوائد والإيرادات المرتبة والمهايا والأجور والمعاشات. كما تتقادم بخمس سنوات أيضاً حقوق الأطباء والصيادلة والمحامين والمهندسين والخبراء ووكلاء التفليسة والسماسرة والأساتذة والمعلمين، على أن تكون هذه الحقوق واجبة لهم جزاء عما أدوه من عمل من أعمال مهنتهم وما تكبدوه من مصروفات. وتتقادم بسنة واحدة حقوق التجار والصناع عن أشياء ورّدوها لأشخاص لا يتجرون في هذه الأشياء، وحقوق أصحاب الفنادق والمطاعم عن أجر الإقامة وثمن الطعام وكل ما صرفوه لحساب عملائهم، وكذلك حقوق العمال والخدم والأجراء من أجور يومية وغير يومية ومن ثمن ما قاموا به من توريدات. على أنه يجب على من يتمسك بهذا التقادم الحولي أن يحلف اليمين على أنه أدى الدين فعلاً.
ولا يجوز الاتفاق على أن يتم التقادم في مدة تختلف عن المدة التي عينها القانون.
ب ـ كيفية حساب مدد التقادم: تحسب مدة التقادم بالأيام لا بالساعات، ولا يحسب اليوم الأول، وتكتمل المدة بانقضاء آخر يوم منها. ولا يبدأ التقادم فيما لم يرد فيه نص خاص، إلا من اليوم الذي يصبح فيه الدَّين مستحق الأداء. وبخاصة لا يسري التقادم بالنسبة إلى دين معلَّق على شرط واقف إلا من الوقت الذي يتحقق فيه الشرط، وبالنسبة إلى ضمان الاستحقاق إلا من الوقت الذي يكتب فيه الاستحقاق، وبالنسبة إلى الدين المؤجل إلا من الوقت الذي ينقضي فيه الأجل.
ج ـ وقف التقادم: لا يسرى التقادم كلما وجد مانع يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه ولو كان المانع أدبياً. وكذلك لا يسرى التقادم بين الأصيل والنائب. وأيضاً لا يسرى التقادم الذي تزيد مدته على خمس سنوات في حق من لا تتوافر فيه الأهلية أو في حق الغائب أو في حق المحكوم عليه بعقوبة جناية إذا لم يكن له نائب يمثله قانوناً. ويترتب على وقف التقادم في هذه الحالات أن المدة التي يقف التقادم خلالها لا تحسب ضمن مدة التقادم، وتحسب المدة السابقة والمدة التالية.
د ـ انقطاع التقادم: ينقطع التقادم بالمطالبة القضائية ولو رفعت الدعوى إلى محكمة غير مختصة، وبالتنبيه أو بالحجز، وبالطلب الذي يتقدم به الدائن لقبول حقه في تفليس أو توزيع، وبأي عمل يقوم به الدائن للتمسك بحقه في إحدى الدعاوى. كما ينقطع التقادم إذا أقر المدين بحق الدائن إقراراً صريحاً أو ضمنياً. ومن قبيل الإقرار الضمني أن يترك المدين تحت يد الدائن مالاً مرهوناً رهناً حيازياً تأميناً لوفاء الدين، ووفاء المدين بقسط من الدين أو فوائده، وطلبه مهلة للوفاء. ويترتب على الانقطاع سقوط المدة السابقة على قيام سببه والمدة التي تمضي خلال قيامه. فإذا زال السبب بدأ تقادم جديد مماثل في طبيعته ومدته للتقادم الأصلي. على أنه إذا انقضى السبب الذي قطع التقادم بحكم نهائي تكون مدة التقادم الجديد خمس عشرة سنة، أياً كانت مدة التقادم. وكذلك إذا انقطع التقادم الحولي بإقرار من المدين كانت مدة التقادم خمس عشرة سنة.
2ـ إعمال التقادم المسقط وأثره:
آ ـ الدفع بالتقادم: يجب على صاحب المصلحة أن يتمسك بالتقادم، ولا يجوز للقاضي أن يقضي به من تلقاء نفسه. ومعنى ذلك أن التقادم ليس من النظام العام. وصاحب المصلحة هو المدين والكفيل وحائز العقار المرهون ضماناً لذات الدين والمدين المتضامن بقدر حصة شريكه ودائن المدين. ويجوز التمسك بالتقادم في أي حالة كانت عليها الدعوى. ولكن لا يجوز التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض.
ب ـ النزول عن التقادم: لا يجوز النزول عن التمسك بالتقادم قبل ثبوت الحق فيه أي قبل اكتمال مدته. أما إذا اكتملت هذه المدة كان للمدين أن ينزل عن التمسك به. ويكون النزول صريحاً بتعبير صادر من المدين باللفظ أو بالكتابة. ويخضع إثبات النزول الصريح للقواعد العامة في إثبات التصرفات القانونية.
وقد يكون النزول ضمنياً إذا أمكن استخلاصه من مسلك للدائن يقطع حتماً بقصد النزول، كأن يطلب المدين بعد التقادم مهلة لوفاء الدين أو يقدم كفيلاً أو رهناً. وعند الشك لا يفترض النزول. والأهلية اللازمة لصحة النزول هي أهلية التصرف، فلا تكفي أهلية الإدارة، ولا تلزم أهلية التبرع. ـ هذا ولا يسري النزول في حق دائن المدين إذا صدر إضراراً بهم.
ج ـ أثر التقادم المسقط: إذا اكتملت مدة التقادم ولكن لم يتمسك به المدين بعد فإن الالتزام يبقى التزاماً مدنياً لا تتغير طبيعته. ويترتب على ذلك صحة الوفاء به ولو كان الموفي جاهلاً اكتمال مدة التقادم، وصحت كفالته وجازت المقاصة به. فإذا تمسك المدين بالتقادم سقط الالتزام مدنياً ولكن تخلف عنه التزام طبيعي لا يجوز جبر المدين على الوفاء به، ويسقط مع الدين توابعه من كفالة أو رهن أو اختصاص أو امتياز. كذلك يسقط مع الدين ملحقاته كالفوائد، حتى ولو كانت تلك الملحقات لم يمض عليها مدة التقادم الخاص بها. ويستند سقوط الدين بالتقادم إلى الوقت الذي بدأ فيه التقادم. على أن سقوط الالتزام بالتقادم عن طريق الدعوى لا يمنع من التمسك بوجوده عن طريق الدفع.
ثانياً ـ التقادم المكسب
التقادم المكسب: هو سبب من أسباب كسب الملكية والحقوق العينية الأصلية قائم على حيازة ممتدة فترة من الزمان يحددها القانون.
1ـ مجال التقادم المكسب:
آ ـ الحقوق الجائز كسبها بالتقادم: الحقوق العينية هي وحدها الجائز كسبها بالتقادم، دون الحقوق الشخصية التي لا تقبل الحيازة (وذلك عدا السندات لحاملها)، والحقوق العينية الأصلية جميعاً يجوز كسبها بالتقادم، سواء كانت ملكية أو حقوقاً متفرعة عن الملكية كالانتفاع والارتفاق وحق الاستعمال وحق السكن. على أنه يلاحظ أنه في البلاد التي يؤخذ فيها بنظام السجل العيني (العقاري) لا يجوز أن يتملك بالتقادم على خلاف ما هو ثابت بالسجل.
ب ـ الأشياء التي يرد عليها التقادم المكسب: يرد التقادم المكسب على جميع الأشياء المادية، سواء أكانت عقاراً أم منقولاً. ويلاحظ أن المنقولات لا يرد عليها التقادم الخمسي، فهو تقادم خاص بالعقارات وحدها، ولأن شروطه إذا اجتمعت بالنسبة للمنقول اكتسبت الملكية أو الحق العيني بمجرد الحيازة.
ويخرج عن دائرة التقادم المكسب الأموال العامة، وتحظر قوانين بعض الدول تملك أموال الدولة الخاصة بالتقادم أيضاً. كما تمنع بعضها كسب أموال الأوقاف الخيرية بالتقادم. ومن ذلك نص القانون السوري على عدم جواز اكتساب أي حق على العقارات المستغلة مسجداً أو كنيسة أو معبداً أو مستشفيات أو معهداً تعليمياً أو المخصصة لاستعمال العموم عن طريق التقادم. كما أن تشريعات الدول التي تأخذ بنظام السجل العيني تمنع اكتساب الحقوق المقيدة في السجل العقاري بالتقادم.
2ـ شروط التقادم المكسب:
آ ـ وجوب توافر الحيازة القانونية الخالية من العيوب: لاكتساب الحق بالتقادم يجب أن تكون هناك حيازة قانونية تجمع إلى التسلط المادي عنصراً معنوياً هو قصد مباشرة الحيازة لحساب الحائز نفسه، أي بقصد كسب ومباشرة حق ملكية أو حق عيني. فالحيازة العرضية أي الحيازة لحساب الغير كحيازة المستأجر لا تصلح أساساً للتقادم المكسب. ويجب فضلاً عن هذا أن تخلص الحيازة من العيوب، بأن تكون هادئة ظاهرة لا غموض فيها.
ب ـ شرط المدة: هناك مدتان للتقادم: فهناك التقادم الطويل ومدته خمس عشرة سنة، والتقادم القصير ومدته خمس سنوات. أما التقادم الطويل فهو: تقادم يسري على العقار وعلى المنقول، ولا يشترط فيه فوق الحيازة والمدة السبب الصحيح أو حسن النية. فمن حاز منقولاً أو عقاراً دون أن يكون مالكاً له، أو حاز حقاً عينياً على منقول أو عقار دون أن يكون هذا الحق خاصاً به، كان له أن يكسب ملكية الشيء أو الحق العيني إذا استمرت حيازته دون انقطاع خمس عشرة سنة. ومن هذا التقادم أيضاً ما نصت عليه المادة 919 من القانون المدني السوري التي تقضي بأنه يكتسب حق تسجيل التصرف في الأراضي الأميرية غير الخاضعة لإدارة أملاك الدولة بمرور عشر سنوات من تاريخ الحيازة بسند أو بغير سند، بشرط أن يكون الحائز قائماً بزراعة الأرض.
وثمة تقادم قصير مدته خمس سنوات، وهو تقادم خاص بالعقار فقط دون المنقول، ويشترط فيه فضلاً عن المدة السبب الصحيح وحسن النية.
وأياً كانت مدة التقادم المكسب فإنها تخضع من حيث حسابها ومن حيث وقفها وانقطاعها للأحكام التي سبق بيانها في خصوص التقادم المسقط. على أنه يلاحظ أن هناك صورة للانقطاع ينفرد بها التقادم المكسب، وهو الانقطاع الطبيعي الناشىء عن تخلي الحائز عن الحيازة أو فقدها ولو بفعل الغير. فتخلي الحائز عن حيازته وفقدها بفقد عنصريها أو أحدهما يقطع التقادم. أما إذا فقدت الحيازة بفعل الغير وكان المال عقاراً فإن الحائز لا يفقد الحيازة إلا إذا لم يستردها أو لم يرفع الدعوى باستردادها خلال سنة.
ج ـ شرطان خاصان بالتقادم الخمسي: حسن النية والسبب الصحيح:لا يسري التقادم الخمسي إلا إذا توافر للحائز حسن النية والسبب الصحيح.
(1) حسن النية: هو جهل الحائز أنه يعتدى على حق الغير أو هو اعتقاده انه تلقى الحق عن صاحب حق، وبشرط ألا يكون هذا الجهل ناشئاً عن خطأ جسيم. ولا يشترط حسن النية إلا وقت تلقي الحائز لحق، فإذا ساءت نيته بعد ذلك لم يمنعه هذا من إتمام التقادم الخمسي. وحسن النية مفترض ما لم يثبت العكس.
(2) السبب الصحيح: هو السند القانوني الذي يستند إليه الحائز في حيازته والذي كان من شأنه أن ينقل الملكية لو أن الحائز كان قد تلقاه عن مالك أو صاحب حق. وهو في القانون المصري وقوانين أخرى تصرف قانوني acte Juridique من شأنه نقل الملكية أو الحق العيني، كعقد أو وصية، فالبيع أو الهبة أو المقايضة أو تقديم حصة في شركة أو الوفاء بمقابل يعتبر سبباً صحيحاً. كذلك حكم رسو المزاد بعد الحجز. وقد توسع القانون السوري في فكرة السبب الصحيح إذ أدخل فيه الاستيلاء على الأرض الموات والإرث. وإثبات السبب الصحيح يقع على الحائز.
3ـ إعمال التقادم المكسب وأثره:
يخضع التقادم المكسب من حيث وجوب التمسك به وجواز النزول عنه بعد تمامه للأحكام التي يخضع لها التقادم المسقط. ويترتب على التقادم المكسب اكتساب الملكية والحق العيني، وجواز التمسك بهذا الاكتساب عن طريق الدفع والدعوى. ويرجع تاريخ الكسب إلى وقت بدء الحيازة التي أدت إلى التقادم. ويترتب على ذلك عدم إلزام الحائز برده وسقوط الحقوق التي قررها المالك السابق خلال سريان التقادم، ونفاذ الحقوق التي رتبها الحائز.
مكتب / محمد جابر عيسى المحامى
تعليقات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق