قديماً جداً قال الرومان: "من استعمل حقه لم يضر أحداً". وقد أخذ بذلك القانون الفرنسي. وقديماً أيضاً قال الإنكليزي، بعدم الضمان لما ينتج عن استعمال الحق من الضرر لأنه "ضرر بلا تعد" حسب اصطلاحهم المنقول عن اللاتينية: "Damnum sine injura".
القانون المدني الألماني اعتبر أنه "لا يجوز استعمال الحق إذا لم يكن القصد منه إلا أحداث الضرر بالغير.
قانون الموجبات والعقود اللبناني "وضعه العلامة الفرنسي جوسران" اعتبر في المادة 124 منه أنه "يلزم بالتعويض من يضر بالغير بتجاوزه في أثناء استعمال حقه، حدود حسن النية أو الغرض الذي من أجله منح هذا الحق"، المادة العاشرة من أصول المحاكمات المدنية/اللبنانية نصت بدورها على أن: "حق الادعاء وحق الدفاع بحسب استعمالهما، فكل طلب أو دفاع أو دفع يدلي به تعسفاً يرد ويعرض من تقدم به للتعويض عن الضرر المسبب عنه".
كما اعتبرت المادة 11 من القانون عينه على أنه: "يحكم على الخصم المتعسف بغرامة". يقتضي الإشارة أيضاً إلى أن عبارة إساءة استعمال الحق قد استعملت أساساً لوصف الخطأ المتأتى في معرض استعمال الحق والذي يفضي إلى مسؤولية الشخص الفاعل عن العمل الضار.
بجميع الحالات، أن ممارسة الحق لا يمكن أن تشكل فعلاً غير مشروع حتى ولو كانت الأفعال تتطابق مع نموذج من النماذج التجريمية.
..ولا يكفي لمشروعية الفعل المرتكب استعمالاً للحق أن يكون صاحبه قد التزم بالحدود الموضوعية المنصوص عليها قانوناً، وإنما يلزم أن تكون ممارسته للحق قد روعي فيها الجانب النفسي المتمثل في تحقيق المصالح التي تقرر الحق من أجلها. فإذا انتقلت النية السليمة كنا في نطاف التعسف في استعمال الحق والذي ينفي عن الفعل الصفة المشروعة ليندرج تحت نطاق عدم المشروعية.
لقد أضحت فكرة التعسف في استعمال الحق نظرية مستقرة، في الفقه، والقضاء الفرنسي، وأن كنا نجد جذورها ممتدة منذ القديم. فقد عرفت في القانون الروماني، في بعض التطبيقات، التي قال بها بعض الفقهاء كالفقيه جايوس، وبول، والبيان ومنه انتقلت إلى القانون الفرنسي القديم. أما الشريعة الإسلامية فقد عرفتها كنظرية عامة تنصرف إلى كافة الحقوق. فالقرآن الكريم، قد نهى في أكثر من موضع فيه عن التعسف.
ولكن انتشار المذهب الفردي، في القرن التاسع عشر، أدى إلى احتجاب النظرية في فرنسا لبعض الوقت. فهذا المذهب، كما نعلم يقوم على أن للأفراد حقوقاً مطلقة، سابقة على دخولهم الجماعة. ومن ثم فلا مجال للقول بتعسف في استعمال الحق.
ومن أفول نجم المذهب الفردي، عادت النظرية إلى الظهور من جديد. فمن منتصف القرن التاسع عشر بدأ القضاء الفرنسي يأخذ بها ويرجع الفضل في ازدهارها ورسوخها كنظرية عامة إلى الفقهين سالي، وجوسران، اللذين جمعا الأحكام القضائية المتناثرة، وكونا منها نظرية عامة، واضحة المعالم والحدود.
ومع ذلك، فإن هذه النظرية لم تسلم من النقد، وكان أشهر خصومها الفقيه الفرنسي "الكبير بلانيول"، الذي ذهب إلى إنكار فكرة التعسف من أساسها. فهو يقرر في عبارة مشهورة عنه "إنما الحق ينتهي حيث يبدأ التعسف".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق