بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

20 يناير 2011

قانون محكمة الأسرة .. تحديات التطبيق

فقد صدر مؤخرا القانون رقم 10 لسنة 2004 بإنشاء محاكم الأسرة ، وهو تتويج لاهتمام المشرع المصري بالأسرة في التنظيم القانوني بدءا من الدستور المصري الذي افرد في بابه الثاني بشأن المقومات الأساسية للمجتمع المواد التاسعة والعاشرة والحادية عشر لتنظيم وكفالة حقوق الأسرة بما يضمن نموها وتطورها في سياج من الحماية الدستورية .
كما أن صدور هذا القانون جاء من منطلق متطلبات إجتماعية وقانونية ، فما أحوج نظامنا القانوني إلي إنشاء وتنمية وتكريس فكرة القضاء المتخصص والنيابة المتخصصة في فرع من فروع القانون ، فمن شأن ذلك إثراء العمل القانوني وإكتساب القائمين عليه خبرات متخصصة في فرع بعينه ، مما يؤدي إلي أداء أفضل وأيسر في شأن تحقيق العدالة .
ويأتي هذا القانون كأحدث القوانين التي صدرت في مصر لتنظيم مسائل الأحوال الشخصية للمصريين بدءا من القانون رقم 25 لسنة 1920 ثم تلاه صدور القانون رقم 25 لسنة 1929 حتي القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 بتعديل بعض أحكام القانونين السابقين المشار اليهما ومستحدثا بعض الأحكام الجديدة والذي قضت المحكمة الدستورية بعدم دستوريته عام 1985، الأمر الذي جعل المشرع يسارع إلي إصدار القانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل أحكام القانونين 25 لسنة 1920 و 25 لسنة 1929، حتي كانت الطفرة بإصدار القانون رقم 1 لسنة 2000 بتنظيم إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية والذي عرف باسم قانون الخلع، وقد لحقه تعديلا سريعا بالقانون رقم 91 لسنة 2000 يتعلق بإقرار ما يعرف بدعوى الحبس عند الامتناع عن دفع النفقة.
ثم كان قانون محكمة الأسرة الصادر برقم 10 لسنة 2004 ، وكما أوضحت المذكرة الإيضاحية فان فلسفة هذا التشريع تتجه نحو إقرار مبدأ القضاء المتخصص وهذا ايجابي ، فضلا عن محاولة تسوية النزاعات الأسرية قبل الوصول إلي ساحات المحاكم ، وتوفير محكمة للأسرة لا يغلب عليه الجو العام للمحاكم بمعني فصل قضايا الأسرة عن باقي القضايا اخذين في الاعتبار ان مثل هذه القضايا الأسرية يستلزم المشرع فيها حضور الأطفال إلي المحكمة صحبة آبائهم أو أمهاتهم لذا وجب الفصل حرصا علي هؤلاء الأطفال .
إذن فان المشرع بذلك يبدي إهتماما ملحوظا بقضايا الأسرة ، وحرصا علي نجاح هذا التوجه يجب أن نواجه تحديات التطبيق علي أرض الواقع ، فالقانون حين يصدر لا يظل حبرا علي ورق وإنما يأخذ مجاله في التطبيق العملي وهنا وهنا فقط تظهر الإيجابيات والسلبيات بحق ، كما أنه قد تكون نصوص التشريع جيدة ، ولكن مشكلات التطبيق تحول دون التطبيق الجيد له ، الأمر الذي يحكم عليه بالفشل ، وهو لا يستحق هذا المصير ، .
لذلك فإنني أطرح بعض التحديات التي تواجه تطبيق هذا القانون الوليد ، آملين أخذها في الإعتبار علها تساعد في نجاح مساعي ومقاصد التشريع .

** مكتب تسوية المنازعات الأسرية

نصت المادة الخامسة من القانون علي إنشاء مكتب أو أكثر لتسوية المنازعات الأسرية بدائرة إختصاص كل محكمة جزئية ، يتبع وزارة العدل ، يضم عددا كافيا من الأخصائيين القانونيين والإجتماعيين والنفسيين يتم إختيارهم وفق القواعد التي يضعها وزير العدل بعد التشاور مع الوزراء المعنيين .
مهمة هذه المكاتب أن القانون أوجب علي من يرغب في إقامة دعوى تتعلق بالأحوال الشخصية أن يقدم طلبا لتسوية النزاع إلي هذا المكتب أولا ( المادة 6 /1 ) .
وتحاول هيئة المكتب بعد الاجتماع بطرفي النزاع تسوية الأمر وديا حفاظا علي كيان الأسرة ( م 6/2) .
وأوجبت المادة الثامنة من القانون أن ينتهي المكتب من تسوية الأمر بين الطرفين خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تقديم الطلب ، فإذا تم الصلح يثبت ذلك في محضر رسمي يوقعه أطراف النزاع وينتهي به النزاع ، وإذا لم يتم الصلح يحرر محضرا بما تم من إجراءات وترسل الأوراق إلي قلم كتاب محكمة الأسرة المختصة خلال سبعة أيام من تاريخ طلب أي من أطراف النزاع .
ووفق المادة التاسعة تكون الدعوى غير مقبولة إذا رفعت ابتداءا أمام المحكمة دون تقديم طلب التسوية إلي مكتب المنازعات الأسرية علي النحو السابق، ولمحكمة الأسرة أن تأمر بإحالة الدعوى إلي مكتب التسوية المختص بدلا من القضاء بعدم قبولها.
والتحدي الذي يواجه تطبيق هذا النص الجيد هو اخذ أمر مكاتب التسوية المنصوص عليها بجدية، بحيث يتم اختيار القائمين عليها وفق معايير موضوعية، وأن يتلقوا دورات تدريبية مكثفة تعينهم علي تأدية المهمة المنوطة بهم وفق أحكام هذا القانون، بحيث لا تصبح إجراءا روتينيا يلجأ إليه أصحاب الشأن هربا من القضاء بعدم قبول الدعوى.
ولنا تجربة مع القانون رقم 7 لسنة 2000 بشأن التوفيق في المنازعات والذي قرر إنشاء لجان للتوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الإعتبارية العامة طرفا فيها ، والمشرع كان يهدف بإصدار هذا القانون إيجاد وسيلة سهلة لحل هذه المنازعات تفاديا للجوء إلي طريق التقاضي وتفاديا لبط الإجراءات ، غير أن الواقع العملي أثبت العكس فقد زادت الاجرءات تعقيدا ، حيث أصبح اللجوء إلي هذه اللجان عملا روتينيا إجباريا قبل رفع الدعوى تلاشيا للحكم بعدم قبولها لعدم سابقة اللجوء إلي هذه اللجان ، وتصدر هذه اللجان قرارها بقبول الطلب أو رفضه سيان في الواقع العملي إذ أن القرار الصادر بالقبول أو الرفض لا يغني عن اللجوء إلي طرق التقاضي القانونية ، فأصبحت عبئا علي المواطن ولم تحقق الهدف الذي قصده المشرع من وراء إنشاءها .
فلنأخذ العبرة، حتي لا تكون مكاتب تسوية المنازعات الأسرية مجرد عمل روتيني فارغة من محتواها، هذا هو التحدي الأول.

** تشكيل محكمة الأسرة
وفق نص المادة الأولي من القانون تنشأ بدائرة إختصاص كل محكمة جزئية محكمة للأسرة ، وتشكل هذه المحكمة وفقا لنص الفقرة الأولي من المادة الثانية من القانون من ثلاثة قضاة احدهم علي الأقل بدرجة رئيس بالمحكمة الابتدائية ، ويعاون هيئة المحكمة خبيران أحدهما أخصائي نفسي والآخر أخصائي إجتماعي .
ونصت الفقرة الثانية من المادة الأولي علي أن تنشأ في دائرة إختصاص كل محكمة من محاكم الإستئناف دائرة استئنافية مختصة لنظر طعون الإستئناف التي ترفع إليها في الأحوال التي يجيزها القانون ، وتؤلف الدائرة الإستئنافية وفق الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون من ثلاثة من المستشارين بمحكمة الإستئناف يكون أحدهم علي الأقل بدرجة رئيس بمحاكم الإستئناف ، وللدائرة أن تستعين بمن تراه من الأخصائيين .
وهنا نواجه تحديان في التطبيق العملي أولهما يدور حول كيفية إختيار وتوفير العناصر القضائية والخبراء المدربين ذوي المهارات لتشكيل هيئات محكمة الأسرة في ظل نظام قضائي لم يعرف بعد نظام القاضي المتخصص ، وفي ظل النقص الواضح في عدد القضاة الأمر الذي يجعلني أنوه هنا إلي ضرورة إعمال النصوص القانونية التي تفتح الباب لتعيين عناصر في الهيئات القضائية من المحامين المشتغلين ذوي الخبرة ووفق نصوص القانون لتفادي العجز في عدد القضاة في ظل الظروف الراهنة .
أما التحدي الثاني في هذا النطاق يتعلق بتوفير أبنية مناسبة لمحاكم الأسرة ، فنظرا لضيق الوقت فالحاصل أن وزارة العدل تتعاقد علي إستئجار عمارات سكنية ( شقق سكنية ) لإستخدامها كمقرات لمحاكم الأسرة ، وهذا حل مؤقت إلي أن يتم توفير أبنية خاصة ، وقد يكون ذلك غير محقق لقصد وهدف المشرع من توفير أمكنة ومقار تتفق وطبيعة المنازعات الأسرية مع الأخذ في الإعتبار وجود الأطفال وحضورهم إلي هذه الأماكن ، وتلك الحلول المؤقتة – التي نرجو أن تظل مؤقتة _ لإستخدام الأماكن السكنية كمقار لمحاكم الأسرة غير مناسبة البتة لمقاصد التشريع في ظل مفهوم نص المادة العاشرة من القانون والذي ينص علي أن تعقد جلسات محاكم الأسرة في أماكن منفصلة عن أماكن انعقاد جلسات المحاكم الاخري وتزود بما يلزم من الوسائل التي تتناسب وطبيعة المنازعات واطرافها وما قد تقتضيه حضور الصغار تلك الجلسات للإستماع إلي أقوالهم .

** توحيد الإختصاص المحلي لمحكمة الأسرة

خيرا فعل المشرع حينما وحد الإختصاص المحلي لمحكمة الأسرة ، بأن نص في المادة الثانية عشر من القانون بأن تكون محكمة الأسرة المختصة محليا بنظر أول دعوى ترفع إليها من أحد الزوجين مختصة محليا – دون غيرها – بنظر جميع الدعاوى التي ترفع بعد ذلك من أيهما .
وأضافت المادة في عجزها بأن ينشأ بقلم كتاب المحكمة المشار إليها ، لدي رفع أول دعوى ، ملف للأسرة تودع فيه أوراق هذه الدعوى ، وأوراق جميع الدعاوى الأخري التي ترفع بعد ذلك وتكون متعلقة بذات الأسرة .
من المؤكد إنه توجه جيد فكرة توحيد الاختصاص المحلي وإنشاء ملفا للأسرة بقلم كتاب المحكمة يضم كافة الدعاوى المتعلقة بهذه الأسرة ، ولكن التحدي في مواجهة التلاعب الذي قد يحصل من البعض إضرارا بالطرف الآخر ، بان مثلا يقوم الزوج بالمسارعة إلي رفع دعوى بقلم كتاب محكمة بعيدة عن محل إقامة الزوجة ، تعنتا ليس أكثر ، ووفقا لهذا النص بإعتبار أن تلك هي أول دعوى ، فان هذه المحكمة التي رفعت إليها تلك الدعوى تكون مختصة بنظر كافة الدعاوى التالية من الزوج أو الزوجة ، وهذا فيه ظلم كبير ، لذا نري مراعاة ذلك في التطبيق العملي إلي أن يتم تعديل النص التشريعي ، بما يضمن الإختصاص المحلي وفق القانون المعمول به قبل صدور هذا القانون مع الإبقاء علي فكرة توحيد الإختصاص المحلي ، وفكرة إنشاء ملف الأسرة .

** الإهتمام بعقد دورات تدريبية للعناصر المبينة بالقانون
والعاملة في محكمة الأسرة ومكاتب التسوية

كما سبق وأن بينا فإن فكرة هذا القانون قائمة أساسا علي إعتماد فلسفة التخصص القضائي، ومن ثم فالملاحظ أن المشرع قد وفر لها كافة الإمكانيات البشرية – المتخصصة – كل في مجاله ، في سبيل تحقيق مقاصد التشريع .
بدءا من مقار محكمة الأسرة فهي أماكن مستقلة ومناسبة ( المادة العاشرة ) ، مرورا بتشكيل الهيئة القضائية سواء في دوائر المحاكم الجزئية أو الإستئناف فهي هيئات متخصصة ، فضلا عن الخبراء القانونيين والنفسيين والإجتماعيين الملحقين بتشكيل الهيئات القضائية أو العاملين بمكاتب تسوية المنازعات الأسرية ، .
فقد نص القانون في مادته الرابعة علي إنشاء نيابة متخصصة لشئون الأسرة تتولي المهام المخولة للنيابة العامة أمام محكمة الأسرة ودوائرها الإستئنافية بما في ذلك من إبداء مذكرات بالرأي في الدعاوى المنظورة ووجوب حضور ممثل عنها بالجلسات والإشراف علي أقلام كتاب هذه المحاكم عند قيد الدعاوى والطعون وإستيفاء مستنداتها ومذكراتها وفقا لنص المادة 65 من قانون المرافعات المدنية والتجارية .
ومسايرة لمبدأ إستقلالية المحكمة وتخصصها فقد نصت المادة 15 من القانون علي أن تنشأ بكل محكمة أسرة إدارة خاصة لتنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة منها أو من دوائرها الإستئنافية ، تزود بعدد كاف من محضري التنفيذ المؤهلين المدربين ، الذين يصدر بتحديدهم قرار من رئيس المحكمة ، ويتولى الإشراف علي هذه الإدارة قاض للتنفيذ تختاره الجمعية العمومية للمحكمة الإبتدائية من بين قضاة محكمة الأسرة في دائرة تلك المحكمة .
هنا لابد أن نواجه تحديا أكبر في تأهيل هذه العناصر كافة من خلال دورات تدريبية متخصصة ومتعمقة كل في مجاله ، ليكون الجميع قادرا علي أداء المهام المنوطة به علي خير وجه .
تلك بعض التحديات التي قرأتها وأنا أستطلع نصوص هذا القانون راجيا من الله أن أكون قد وفقت في عرضها لتكون في الإعتبار حتي نستطيع جميعا نحن العاملون في الحقل القانوني أن نسعي إلي تطبيق مقاصد التشريع وروح القانون وصولا إلي إستقرار الأسرة المصرية .

ليست هناك تعليقات: