بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

06 أبريل 2012

نظرية سحب القرار الإدارى 4

المبحث الثالث
آثار سحب القرار الإداري


السحب كالإلغاء القضائي يعدم القرار منذ ولادته, ولما كـان السحب يرجع إلي مخالفة القرار المسحوب للقانون, فانه يأخذ فــي العمل احدي صورتين إمـــــا السحب الكلي والذي يتناول القرار جميعه إذا ما كان القرار غــير قابل للتجزئة والسحب الجــزئي إذا كان القرار قابلا للتجزئة ولــــم يخالف القانون إلا جزئيا فحينئذ يجوز إن يــــرد السحب علــــي الجزء المخالف للقانون .
والأصل أن يتم السحب صراحة أي بصدور قرار ساحب مــن مصدر القرار المسحوب أو من رئيسه, ولكن لما كان القرار الإداري هـــو مجرد إفصاح عـــن إرادة الاداره دون حاجه لان تفرغ هـــذه الإرادة في صوره معينه, فان السحب قد يتم فـي صوره ضمنيه بان يصدر من الجهة التي تملك السحب ما يدل علي عدولها عن قراراها السابق .

سنتناول فـــي هـــذا الفصل إن شاء الله الحديث عـــن الآثار المترتبة عـن سحب الاداره لقراراتها وذلك في ثلاث مباحث كالتالي:

المطلب الأول
زوال القرار المسحوب وآثاره القانونية بأثر رجعي

من المسلم به أن السحب يؤدي إلي زوال القرار الإداري وكل مــا يترتب علية مــن أثار وذلك بأثر رجعي, فالسحب يهـــدد القرار المعيب منذ صدوره ويمحو أثارة, وهـــو في ذلك يتفق مع الإلغاء القضائي , كــــما يترتب علي القرار الساحب تجــريد القرار المسحوب من قوته القانونية مــــن وقت صدوره ومحو أثــاره التي تولدت عــنه, ومقتضي الأثر الرجعي للسحب هــــو أن تتدخل الاداره بقرار أخر جديد لسحب القرار السابق الذي ولد معيبا مـــن وقت صدوره .(1)
وفـــي هـذا المعني تقول المحكمة الاداريه العليا في حكمها الصادر في 2/1/1966 "إن السحب الإداري والإلغاء القضائي كليهما جــــزاء لمخلفة مبدأ المشروعية يؤدي إلي إنهاء القرار بأثر رجعي اعتبارا من تاريخ صدوره".(2)
وتقول محكمة القضاء الإداري فـــي حكمها الصادر فــي 8/3/1955"أن مقتضي الحكم الصادر بالإلغاء –وهـــي ذات مقتضيات السحب- إرجاع الحال إلي ما كان علية قبـل صدور
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)راجع في هذا المعني كل من المرجع السابق للدكتور حسني درويش ص489 والمرجع السابق للمستشار حمدي عكاشة ص 1029 ومبادئ القانون الإداري للدكتور سليمان الطماوي ص 207
(2)الحكم مشار إليه في المرجع السابق للمستشار حمدي عكاشة ص 1030
(31)
القرار الملغي, علي أن تمتنع الاداره عـــن اتخاذ أي إجراء تنفيذي ينبني علــية ترتيب اثر لهذا القرار بعد إلغائه- أو بعد سحبه- وان تتخذ الإجراءات الكفيلة بتنفيذ مـــؤدي الحكم مع تطبيق نتائجه القانونية, علي أساس افتراض عــــدم صدور القرار الملغي من بادئ الأمر, وتسوية الحالة علي هذا الوضع, ومن ثم تسترد سلطتها في هذه الحدود في الإفصاح عــن إرادتها لإحداث مراكز قانونية حسبما لا يتعارض مع هذا الحكم".(1)

إذا كان السحب, بمعناه السابق يتمثل في إعدام القرار بأثر رجعي, يختلف عن التصرف الإنشائي الذي تجريـه الاداره, ويتضمن تعديلا في المراكز القانونية القائمة, والتي تقتضي تدخل الاداره لإحداث ذلك الأثر, أو كما تقول محكمه القضاء الإداري في حكمها الصادر في 15/6/1950 "انه ليس كل إلغاء أو عـــدول مـــن جانب الحكومة عــن قراراتها الإدارية النهائية بعد فوات مواعيد الطعن فيها بالإلغاء يعتبر سحبا غــير جائز قانونا, إذ عدم جواز السحب مقصور علي تلك الحالات التي لا يجد فيها لأصحاب الشأن في تلك القرارات مراكز قانونية جــديدة تقتضي تعديلا فـــي حالاتهم بما يطابق القانون, ففــي تلك الحالات لا يجوز للحكومة أن تنقض قراراتها السابقة بعد فوات مواعيد الطعن فيها بالإلغاء, لما في ذلك من إخلال بالحقوق المكتسبة لأصحاب الشأن فيها- مما يجـــد مخالفة قانونية- أمــــا إذا ترتبت لهؤلاء مراكز قانونية جــديدة تقتضي علي حسب القانون تعديل مـــا كسبوه منها بمقتضي قرارات إدارية سابقة, فــــان ذلك لا يعد سحبا لتلك القرارات, وإنما هــــــو تصرف إنشائي تجربه الحكومة في ضوء الوقائع الجديدة في ضوء القانون"(2)

















ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحكم مشار إليه في المرجع السابق للمستشار حمدي عكاشة ص 1030
(2)راجع د. حسني درويش المرجع السابق ص 490
(32)


المطلب الثاني
أعاده الأوضاع إلي ما كانت عليه قبل صدور القرار

مـــن المسلم بــه أن سحب القرار الإداري كما ذكرنـــا, يؤدي إلي إعدام القرار بالنسبة للمستقبل والماضي أي إلغـــاء القـــرار بأثر رجعي, بحيث يصبح وكأنــــه لم يوجد إطلاقا, ويستتبع هذا بالضرورة إلي تدخل الاداره لتنفيذ القرار الساحب, وذلك باعاده الأوضاع إلي ما كانت علية قبل صدور القرار الملغي, مهما طالت الفترة فيما بين صدور القرار وصدور القرار الساحب أو حكم الإلغاء, فلا يجب إن يضار ذوي الشأن مــن بطء إجراءات التقاضي أو طول فتره السحب.(1)
ومما لاشك فيه أن إعمال هــــذه القاعدة كثيرا مـــا يتسبب عنها مضايقات شديدة لجهة الاداره , فإنهـــــا مضطرة لإعادة النظر فــــي كثير مــن القرارات التي صدرت مستندة إلي القرارات الملغية وأيضا إعادة النظر في جميع الآثار التي ترتبي في الماضي, والتي تستند إلـي القرار الملغي, و للاداره في هـــذا السبيل إن تصدر قرارات ذات اثـر رجعي لان تغدو ضرورية لتنفيذ الحكم الصادر بالإلغاء أو القرار الساحب. (2)

ومن المبادئ التي قررتها محكمة القضاء الإداري فـي هــــذا الشأن, إن الجهة الاداريه تتحمل بالتزامين حيال القــــرار الساحب أو حكم الإلغاء, أولهما سلبي بالامتناع عن ترتيب
أي اثر للقرار المسحوب, وثانيهما ايجابي باتخاذ الإجراءات الكفيلة بتنفيذ مـؤدي الحكم أو
القرار الساحب وفي هذا المعني تقول محكمة القضاء الإداري في احد إحكامها "إن القاعدة في تنفيذ أحكام الإلغاء تقضي بتحمل الجهة الاداريه بالتزامين: احدهما سلبي بالامتناع عن اتخاذ أي إجراء تنفيذي يترتب علية حــــدوث اثر للقرار بعــد إلغائه, وثانيها ايجابي باتخاذ الإجراءات الكفيلة بتنفيذ مــــــؤدي الحكم مــــع تطبيق نتائجه القانونية وذلك علــي أساس افتراض عدم صدور القرار الملغي ابتداء".(3)

ومما سبق يتضح لنا أن هناك اثرين للسحب, الأول هــو الأثر الهادم, والثاني هــو الأثر البناء .

أولا: الآثار الهادمة للقرار الساحب.
فالقرار الساحب يجــرد القرار المسحوب مـــن قوته القانونية مـــن وقت صدوره ومحو أثاره التي تولدت بصدوره, أو بمعني أخر, هــــو إلغاء القرار المعيب بأثر رجــعي , والأثر الرجعي في هـــــذا الشأن معناه تدخل الاداره بقرار جديد لسحب قرار سابق ولــد معيبا من وقت صدوره.
ويـــري الدكتور حسـني درويش إن الرجعية فـــي شـان سحب القرارات الاداريه غيــر المشروعة قـد تبدو غير مقبولة ولا تتفق مع منطق الأمور, ومثال ذلك سحب قرار الصادر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)(2)راجع د. حسني درويش عبد الحميد المرجع السابق ص 492&493
(3)الحكم مشار إليه في المرجع السابق للدكتور حسني درويش في هامش ص493
(33)
بتعين مـــوظف, يقتضي الأثـــر الرجعي للسـحب اعتبـــار الإعمال الصادرة منـه معـــدومة لصدورها من غير مختص, ومع ذلك تبقي في الحدود التي تقتضيها نظرية الموظف الفعلي أو الواقعي(1)

ثانيا: الآثار البناءة للقرار الساحب.
إن القرار الساحب لا يستهدف إلغاء القرار المسحوب بأثـــر رجعي فحسب, وإنما يتعين بحكم اللزوم إعادة الحال إلي ما كانت عليه قبل صدور القرار المسحوب. وبالتالي فان جهة الاداره تلتزم بإصدار كافه القرارات التي يقتضيها تحقيق أعاده الحال إلي مــــا كانت عليه, فإذا القرار المسحوب قـــــرار إداري صادر بفصل موظف فــــانه يتعين علي الاداره إصدار القرار باعاده الموظف إلــي عمله كما لو كانت خدمته مستمرة وترتيب كــــــافه الآثار التي تنجم عن ذلك.(2)
وفـي هذا المعني تقول المحكمة الاداريه العليا في حكمها الصادر في 30/1/1960 "إن سحب القرار الصادر بإلغاء التــرقية يترتب عليه عـــودة الحال إلي مـا كانت عليه, فيصبح القرار الأصلي بالترقية قائما منذ تاريخ صدوره"

*ما هو جزاء القرار الإداري الصادر بترتيب أثار مخالفة لإعادة الحال إلي ما كانت علية ؟

تجيب محكمة القضاء الإداري علي هـــذا التساؤل فـــي حكمها الصادر في 7/1/1953 "إذا كـــان القرار الساحب قـــــرارا صحيحا فان من مقتضاه اعتبار القرار المسحوب فـــي خصوص فصل المدعي فصل المدعي كــــان لم يكــن ويعتبر كــأن خدمة الموظف لم تنقطع فيكون القرار الصادر بعد ذلك بتعينه في الخدمة تعيننا جديدا هـو قرار باطل, ومن ثم يتعين إلغاؤه باعتبار المدعي مــا زال في الخدمة ولم يفصل منها مع مـا يترتب علي ذلك من أثار مالية وفي تحديد وضعه في الاقدميه بين اقرانة".(3)

ونخلص من كـــل ما تقدم إلي أن السحب يزيل القرار المسحوب من الوجود بأثر رجعي, ويعتبر كان لم يكن, كما يعـــود الحال إلي مــا كان علية قبل صدور ذلك القرار المسحوب , وعلي الجهة الاداريه إصدار كافة القرارات واتخاذ ما يلزم مــن الإجراءات الكفيلة بتحقيق هذه الغاية.






ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)راجع د. حسني درويش المرجع السابق ص 495
(2)راجع المرجع السابق للمستشار حمدي عكاشة ص 1033
(3)الحكم مشار إلية في المرجع السابق للمستشار حمدي عكاشة ص 1034
(34)

المطلب الثالث
ما مدي شرعيه
القرارات المبنية علي قرارات معيبة تحصنت بفوات
المواعيد المقررة للسحب قانونا...

تعرفنا في المطلب السابق علي أن القرار الساحب يترتب عليه زوال القرار المسحوب واثارة بالإضافة إلي إعادة الأوضاع إلي مــــا كانت عليه قبل صدور ذلك القرار وفي هـــذا المطلب نتعرض إلـي الايجابة علي سؤال مؤداه, هــل ينقلب القرار غير المشروع الـذي لا يجـــوز سحبه إلــي قرار سليم بمرور مـــدد الطعن القضائي, وما مـــدي شرعية القرارات المعيبة التي تحصنت بفوات مواعيد التظلم منها أو الطعن عليها, وما هـــــي الآثار الــــتي يمكن أن تترتب علي تلك القرارات, وهل يجوز للجهة الاداريه إصدار قرارات جديدة مبنية علي تلك القرارات المعيبة .

من المسلم به فقهيا وقضائيا أن القرارات الاداريه غــير المشروعة التي تحصنت بفوات مواعيد سحبها أو الطعن عليها بالإلغاء لا تصبح قرارات مشـروعة وكـــما علمنا سابقا أن الدافع وراء ضرورة تحصن تلك القرارات كان هــــــو ضرورة استقرار الأوضاع والمراكز القانونية للإفراد وتغليب القضاء والفقه لهذا المبدأ علي مـبدأ المشروعية واحترام القانون لذلك فلا يمكن التحدي بان فوات المدة المقررة قانونا للتخلص من ذلك القرار المعيب تقلب ذلك القرار المعيب إلي قرار مشروع .

إن الفقه والقضاء متفق علي إن مـرور المدة التي يجوز خلالها طلب إلغاء القــرار غير المشروع, لا يحول دون طلب التعويضات المترتبة علي تنفيذ القرار,وبالتالي فان استقرار الأمر الإداري في مثل هذه الحالة لا يحجب عدم المشروعية تماما (1)

ولكن الخلاف يدق حــول مــدي جواز إصدار قرارات جديدة مبنية علي القرارات المعيبة التي تحصنت بفوات مواعيد السحب....(2)
ويمكن إجمال ذلك الخلاف بين اتجاهين كالتالي:
الاتجاه الأول: يري أن استقرار القرار الإداري غير المشروع لا يصلح أساسا إلا لترتيب الآثار المباشرة للقرار فقط دون الآثار غير المباشرة.
الاتجاه الثاني: فـيري إن القرار الإداري غـــير المشروع يصلح أساسا لإصدار القرارات التي تترتب عليه كما لو كان سليما.

وفيما يلي نعرض لكل اتجاه علي حــده مدعما بمبادئ محكمه القضاء الإداري والمحكمة الاداريه العليا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)راجع د. سليمان الطماوي النظرية العامة للقرارات الاداريه ص 771
(2)راجع هذا الخلاف في المرجع السابق للمستشار حمدي عكاشة ص 1023
(35)

*الاتجاه الأول

يتجه البعض من الفقه وأحكام القضاء إلي بـــان استقرار الأمر الإداري غير المشروع بفوات مواعـــيد الطعن لا يصلح أسـاسا إلا لترتيب الآثار المباشرة للقرار فحسب أما الآثار غير المباشرة فلا يجـوز ترتيبها علي القرارات غير المشروعة ولو كانت قد استقرت ولقد أكد هــــــذا الاتجاه بعض فتأوي مجلس الدولة ومنهـــــــا الفتوى رقـــم 246 الصادرة في 6/3/1966 ونصها:
"إن تحصن القرار الخاطئ لا يعني تحولـه إلي قرار صحيح مــــن جميع الوجوه, إذ أن القرارات غـــــــير المشوبة بعيب مخالفة القانون الـــتي يحصـن بفوات ميعاد الطعن فيهــا بالإلغاء لا تنتج غير الآثار الـــتي تنشا عنهـا مباشرة, وبصفة تلقائية دون حاجه إلي تدخل جديد مــن جانب السلطة الاداريه في صورة تصرف إداري جديد, ومن ثم لا يجوز اتخاذها أسـاســا لقــــــرار إداري أو إدخالها كعنصر, لان تحصينها لا يسـبغ عليها المشروعية ولا تطهرها مـن العيوب التي شابتها مما يلزم الجهة الاداريه بالاعتداد, لان القول بذلك معناه, إلزام الاداره باحترام الخطأ, الأمر الذي يتنافي مع حسن سير الاداره ومبدأ المشروعية(1)
ومــــن أحكام محكمة القضاء الإداري المؤيـــدة لــهذا الاتجاه الحكم الصادر فـي جلسه 17/6/1961 والذي جاء فيه:
"أما إذا تحصنت القرارات بفوات ميعاد المطالبة بالإلغاء, فإنها لا تنتج غير الآثار التي تنشأ عنهـــا مباشرة وبصفة تلقائية, أي دون حــــاجه إلي تدخل جديد مــــن جانب السلطة الاداريه في صورة قرار إداري جديد, ومــــن ثم لا يجوز اتخاذها أساسا لقرار إداري أخر, أو إدخالها كعنصر مـــن عناصره لان تحصنها لا يسبغ عليها المشروعية, ولا يطهرها من العيوب الـــتي شابتها بحيث تكون الجهة الاداريه ملزمه بوجوب الاعتداد بهــذه القرارات, لان القول بغير ذلك معناه إلزامها باحترام الخطأ الأمـــر الذي يتنافي مع حسن سير الاداره ومبدأ المشروعية.(2)

ويري سيادة المستشار حمدي ياسين عكاشة مؤيدا بذلك الدكتور سليمان الطماوي انــه لا يمكننا الدفاع عـــن هذا الاتجاه, ذلك أن تحصن القرار الإداري غير المشروع يقتضي أن يعامل القرار غــير المشروع معامله القرار السليم في كـــل ما لم يرد به نص مخالف, وإلا لما كــان لتحصنه نتيجة , ذلك إن دواعي الاستقرار هي الحجة الرئيسية لتحصن القرارات الفردية غير المشروعة بصرف النظر عن العيب الذي شاب القرار بعد مرور وقت معقول, وان تعامل الاداره الأفراد علي هــــــذا الأساس, وعلـــــي ذلك نري أن القـرار الفردي غير المشروع يصلح هنا أساسا لإصدار كافه القرارات التي تترتب عليه كما لو كان سليما وهو ما يتفق مع ما قال به أنصار الاتجاه الثاني.(3)

كما يقول الدكتور سليمان الطماوي إن نظريه تحصين القرارات الاداريـه المعيبة بفوات المدة تفد أساسها لو قصرناها علي الآثار المباشرة هــــــذا فضلا عـــن صعوبة التميز بين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الفتوى مشار إليها في المرجع السابق لمستشار حمدي عكاشة ص 1025
(2) الحكم مشار إليه في المرجع السابق لمستشار حمدي عكاشة ص 1025
(2)راجع المرجع السابق للمستشار حمدي عكاشة ص 1026
(36)
الآثار المباشرة وغير المباشرة ولــــــهذا فان القرار غـير المشروع, الذي يتحصن بمرور مدد التقاضي دون أن يسحب إداريا أو يلغي قضائيا, ينتج كافه الآثار التي مــن شانها التي تترتب علية لو كان سليما, سواء أكانت تلك الآثار مباشرة أو غـــير مباشره ولا يخرج من ذلك إلا نتائج محدودة رتبها المشرع أو القضاء وأهمها:
(1) انه يجوز طلب التعويض عن القرار المعيب رغم تحصنه لان دعــوي التعويض مدتها أطول من مدة دعوي الإلغاء.
(2)إن اللوائح(القرارات التنظيمية)رغــم تحصنها يمكن شل أثارها بأحد أسلوبين:
- الطعن بعدم شرعيتها إذا أرادت الاداره تطبيقها علي الإفراد لان الدفع بعد الشرعية لا يسقط بالتقادم
- يمكن طلب إلغاء القرارات الاداريه الفردية الــــتي تصدر تطبيقا للائـحة المعيبة بالغرم من تحصنها, وذلك استنادا إلي ما في الائحه من عيوب.(1)

*الاتجاه الثاني

يري أنصار هـــذا الاتجاه وهــم الغالبية مـــن الفقه وأحكام القضاء انه يجوز أن تصدر الجهة الاداريه قرارات إداريـــه آخري استنادا إلـــي القرار الإداري المعيب الــــذي تحصن بفوات مـــــواعيد السحب, وان ذلك نتيجة منطقية لاستقرار القرار الإداري المعيب فقـرار التعين غير المشروع إذا مـــــا تحصن واستقر كــان أساسا صالحا ليس فقط لترتيب الآثار المباشرة للتعين مـن تسلم العمل وتقاضي الراتب المقرر لوظيفته وإنما أيضا لترتيب الآثار غـــــير المباشرة الخاصة بحياة الموظف كـــالقرارات الصادرة بالترقــية وبمنــح المكافآت وخلافة.(2)

وقد اصدر القسم الاستشاري لمجلس الدولة الفتوى 749 لسنه 31/10/1959 وكـان نصها :
"لما كان هــذا الميعاد قد انقضي دون سحب القرار أو طلب إلغائه فـــــانه يصبح ممتنع الإلغاء أو السحب ويكون شانه شـان القرار الصحيح قانونا وتترتب عليه كـــافة أثاره وفي مقدمتها تسوية معاشه علي النحو الذي تضمنه القرار"(3)

وكذلك الفتوى الصادرة في 16/3/1966 والتي ورد فيها:
"إن القرارات التي صدرت بضم مـدد بحث سابقة في الاقدميه في وظيفة باحث علي خلاف أحكام القانون تعتبر مخالفة للقانون,ويجوز سحبها في أي وقت دون التقيد بميعاد الستين يوما, إذ أنها مـن قبيل قرارات التسوية التي لا تتمتع بالحصانة بمضي ذلك الميعاد, إلا انه بالنسبة إلـــي قرارات الترقية إلـــي وظيفة أستاذ باحث مساعد التي صدرت بالاستناد إلــي قرارات ضم مـــــدد البحث المخالفة للقانون فإنها تعتبر بدورها مخالفة للقانون, ومـــن ثم تعتبر بـــــاطله, إلا أنها تتحصن بانقضاء ميعاد الستين يوما, بحكم كونهــــا قرارات إدارية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)راجع مبادئ القانون الإداري للدكتور سليمان الطماوي ص212
(2)راجع المرج السابق للمستشار حمدي عكاشة ص 1026
(3)الفتوى مشار إليها في السابق للمستشار حمدي عكاشة ص 1027
(37)
صادرة بالترقية لا قرارات تسوية, ولا يجوز بعـــد انقضاء هذا الميعاد سحبها حتى ولو تم سحب قرارات ضم مدد البحث التي بنيت عليها"(1)

وفي هذا المعني نجد حكم المحكمة الاداريه العليا الصادر فــي 1966 والذي تصوغ فيه المحكمة هذه القاعدة في ألفاظ واضحة حيث تقول:
"إن القرار الداري المعيب, متى كان من شأنه إن يولد حقوقا بالمعني الواسع, فان حـق الاداره فـــي سحبه يقوم فـي الفترة التي يكــــون فـــيها مهددا بالإلغاء القضائي, وانقضاء ميعاد الطعن بالإلغاء معناه صيرورة القرار الإداري محـــل الطعن حصينا ضد الإلغاء, وهو مـا يجعله في حكم القرار المشروع, مما يجعله لنفس السبب مصدرا يعتد به شرعا لمراكز قانونيه صحيحة, ولحقوق مكتسبه لـــــــذوي المصلحة فيه, بحيث لا يكون مـــــن المقبول والحالة هــذه أن يباح للاداره اغتصاب هذه الحقوق بأي شكل كان, وذلك مهما يكن القرار مصدر هــــــذه الحقوق خاطئا أو مخالفا للقانون, مـــا لم تصل المخالفة للقواعد التشريعية بالقرار الإداري إلي حد الانعدام, ممــــــــا يفقده صفة القرار الإداري, ويهبط بـه إلي مجرد الأعمال المادية التي لا تتمتع بشيء من الحصانة "(2)

ويقول العميد سليمان الطماوي تعليقا من سيادته علي هذا الاتجاه "لقد كان من الممكن اعتبار المبدأ السابق مــن قبيل المسلمات القضائية لو لا أننا وجدنا حكما للمحكمة الاداريه العليا وفتوى للقسم الاستشاري تورد قيـــدا علي ذلك المبدأ مــن مقتضاه إن القرار المعيب الذي يتحصن بفوات الميعاد لا يترتب علية إلا الآثار المباشرة دون الآثار غير المباشرة"

وأنا من جانبي أؤيد ما ذهب إليه المستشار حمدي ياسين عكاشة في إن هذا الاتجاه هو الأولي بالإتباع لأنه يتفق مـــع الـواقع ويتسق مــع العقل والمنطق ويــــدعم فكره استقرار المراكز القانونية للإفراد وبالتالي يـــدعم فكره انتظام حسـن سير المرفق العام دون عرقلة أو إضراب.












ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الفتوى مشار إليها في المرجع السابق للدكتور سلمان الطماوي ص 210
(2) الفتوى مشار إليها في المرجع السابق للدكتور سلمان الطماوي ص 209
(38)
﴿ الخــــــــــاتمة ﴾

تناولنا فـي الصفحات السابقة موضوع "سحب القرارات الاداريه", وذلك مـن خلال دراسـة وتحليل أراء الفقهاء وأحكام محكمة القضاء الإداري والمحكمة الاداريه العليا , وذلك من اجل إبراز أهمية ذلك الموضوع في مجال القانون العام.

فتعرضنا في بداية البحث للتعرف علي مـاهية سحب القرارات الاداريه, وعرفنا سحب القرار الإداري بأنه " قيام الجهة الاداريه بمحو القرار الإداري وإلغاء كافة أثارة بالنسبة للماضي والمستقبل ". ورأينـا أن الحكمة الاساسيه مـن منح المشرع للجـهة الاداريه مصدره القرار الحق في سحب هذا القرار , هـي الوصول إلي احترام القانون وذلك من خلال التوفيق بين اعتبارين متناقضين:
الأول: تمكين الجهة الاداريه مـن إصلاح ما ينطوي عليه قراراها من مخالفه قانونيه.
الثاني: ويتمثل فـي وجوب اسـتقرار الأوضاع القانونية المترتبة علـي القرار الإداري,
والسحب بهـذه الصورة يحفظ لمبدأ المشروعية قوته وفاعليته بإذلالـه القرارات الـتي تصدر بالمخالفة له وتدفع الأفراد ألي احترامه.

ثم انتقلنا فيما بعد لتحديد الطبيعة القانونية للقـرار الساحب, وانتهينا إلي أن القرار الساحب ما هـو إلا قرار إداري يخضع لما تخضع له القرارات الاداريه من أحكام , كما يجـوز للجهة الإدارية سحبه, وهو في ذلك يختلف عن الأحكام القضائية "الحكم الصادر فــي دعوي الإلغاء" , لان تلك الأخيـرة تتمتع بحجية الشيء المحكوم فيه.

ثم انتقلنا بالحديث إلـي تحـديد الأساس القانوني لحق الجهة الإدارية في سحب ما يصدر عنها مـن قرارات , ووجدنا أن هناك نظريتان تتنازعان في تحديد ذلك الأساس, وارينا إن النظريـة الأولي كانت نظريه المصلحة الاجتماعية, والنظرية الثانية تلك التي نادي بهـا العميد ديجي, وهي ضرورة احترام مبدأ المشروعية, وانتهينا إلـي القضاء عمل علي التوفيق فيما بين النظريتين وذلك من خلال تحديد مـده بعدها يتحصن القرار الإداري غير المشروع من الإلغاء.
وبعد ذلك وجدنا انــه استكمالا للتعرف علي ماهية سحب القرارات الاداريه , يجب التفرقة بين كل من السحب ودعوي الإلغاء, وإظهار أوجه الاختلاف بين كل منهم.

وعندما انتقانا لدراسة سلطة الجهة الاداريه فـي سحب ما يصدر عنها من قرارات فرقنا فيمــا بين القرارات المشروعة , والقرارات غير المشروعة, ورائينا إن الفقـه والقضاء فــي كلا من مصر وفرنسا, مستقر علي انه لا يجوز سحب للاداره قراراتها المشروعة, وان هـذه القاعدة مبنية علي قاعدة أخري مؤداها عـدم رجعية القرارات
ــــــــــــــــــــ
(39)
الاداريه, أما بالنسبة للقرارات غير المشروعة, فـان سلطة الإدارة فـي سحبها مقيدة بمدة الستين يوما, وهــي المدة التي يجوز فيها لصاحب الشأن الطعن بالإلغاء, والتي بعدهـا يصبح القرار الإداري حصيننا مـن الإلغاء والسحب, ويعامـل معاملة القرارات السليمة.

وفي نهاية البحث تعرضنا بالحديث عن الآثار المترتبة علي سحب القرارات الاداريه "القرار الساحب", وانتهينا إلي انــه بمجرد سحب القرار الإداري يزول الوجود المادي
والقانوني لهذا القرار, وتزول كافة أثاره القانونية بأثر رجعي, كما انه يجب علي الجهة الاداريه أن تعيد الأوضاع إلي ما كانت علية قبل صدور ذلك القرار المسحوب.

وأخيرا أود أن أقـوم بسـرد النتائج المترتبة علي سـحب القرارات الاداريه والتي استخلصنها من بحثنا هذا وهي كالأتي :

أولا: يترتب عل،ي سحب القرارات الاداريه, إلغاء كـافة الآثار الناشئة عنه, سواء تلك التي ترتبت فــي الماضي, أو التي يمكن أن تترتب في المستقبل, بالإضافة إلي التزام الاداره باعاده الحال إلي ما كان عليه قبل صدور القرار.

ثانيا: قــد يكون سحب القرار كاملا, أي يشمل جميع بنوده , إذا كان القرار غير قابل للتجزئة, وقد يكون السحب جزئيا, أي يشمل بعض بنوده دون البعض الأخر , وذلك إذا كانت المخالفة تمس بعض بنوده فقط, وكان القرار قابلا للتجزئة.

ثالثا: الأصل أن تقوم الاداره بسـحب القرار الإداري غير المشروع سحبا صريحا , أي بصدور قـرار إداري صريح بالسحب سواء مـن السلطة مصدرة القرار أو من السلطة الرئاسية بالنسبة لها, إلا انه من الجائز إن يتم السحب بطريقة ضمنية.

رابعا: لا يجوز أن يؤدي سحب القرارات الاداريه غـير المشروعة إلي توقف أو إعاقة السير المنتظم للمرافق العامة باطراد بأي حال مـن الأحوال , فإذا وقع بين سحب قرار إداري غير مشروع وبين مبـدأ انتظام وحسن سير المرافق العامة , فان الأولوية لذلك المبدأ الأخير.

خامسا: يعتبر سحب القرار الإداري قــرارا إداريا جديدا , وهو في ذلك يخضع لكل ما تخضع له القرارات الاداريه من قواعد وأحكام , بما فيها قابليته للتظلم منه والطعن فيه قضائيا.

سادسا: أن انقضاء المدة القانونية علي القرار غــير المشروع دون سحبة إداريا, أو إلغائه قضائيا, وبالتالي تحصنه لا يؤدي إلي إغلاق الباب نهائيا فـي وجه المضرورين
ــــــــــــــــــ
(40)
من القرار لعلاج ما أصابهم مــن ضرر, ولكن يظل إمامهم أكثر من طريق وذلك مثل حقهم في طلب التعويض.(1)

وأخيرا فـانه نظرا لأهمية هذا الموضوع, فاني أهيب بالمشرع بان يقوم بتقنينه في صوره نظرية متكاملة, مستعينا فــي ذلك بمـا استقر عليه العمل, ومستهديا بإحكام المحاكم الاداريه, وأراء الفقهاء, وبما يتماشى وظروف الاداره في بلدنا, وذلك من اجل الارتقاء بمستوي الاداره العامة, وحسن سير المرافق العمة, التي هي شريان الحياة في هذا العصر.




























ـــــــــــــــــ
(1)راجع النتائج في المرجع السابق للدكتور احمد حافظ نجم ص 55&56&57&58
(41)

ليست هناك تعليقات: