بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

06 أبريل 2012

نظرية سحب القرار الإدارى 3

الفرع الثاني
مدي جواز سحب القرار الإداري السليم المبني علي سلطه
تقديريه للاداره

وضع مجلس الدولة المصري قاعدة في هذه الجزئية, مؤداها أن الاداره إذا مارست اختصاصا حــدده القانون بدرجه لا تترك لها أي حرية في التقدير, فانه يكون لها أن ترجع في قراراتها كلما أخطأت في تطبيق القانون, ودون التقيد بالمدة المحددة قانون للسحب, وعلي العكس من ذلك, إذا مارست الاداره اختصاصا تقديريا فانه لا يجوز لها أن ترجع في قرارها المعيب إلا خلال المدة .(2)
ومـن أحكام مجلس الدولة المصري في هذا الخصوص الحكم الصادر في 3/4/1951 ونصه "ومـــن حيث انه لا وجه للتحدي بأنة ليس للاداره حق سحب قراراتها الفردية بعد اكتسابها الحصانة من الطعن عليها بالإلغاء بعـد ستين يوما من تاريخ صدورها لان القرار الصادر بالإعفاء مـــن الخدمة العسكرية نتيجة دفع البدل قبل بلوغ سن الإلزام قرار إداري مبني علي سلطة مقيده يجوز سحبها في أي وقت".(3)

وأيضا الحكم الصادر في 2/6/1953 والذي ينص علي "انه أن كانت المادة 49 مــن لائحة البعثات تنص علي عدم مجاوزة سن الطالب عن 28 فـي أكتوبر الحالي إلا أن للجنة البعثات حق الاستثناء في ذلك وقد أعملت اللجنة فعلا حقها فــي الاستثناء باختيار المدعي بقرارها رغم كبر سنه ومن ثم لا يجوز لها أن تسحب القرار أو تعدل فيه طالما انـه لم يجد من الأسباب الجوهرية ما يدعو إلي العدول عن هذا الاختيار"(4)
وفي هذا الحكم اشترطه محكمة القضاء الإداري انـــه لابد مـــن توافر أسباب جوهريه حــتى يتسنى للجهة الإدارية ســحب قراراتها المبنية علي سلطه تقديرية والعدول عنها .

ويـري الأستاذ الكبير ســلمان الطماوي أن فكره السلطة المقيدة والسلطة التقديرية التي هــي دعامة من دعامات القانون العام الحديث, لا علاقة لها إطلاقا بفكرة السحب, وقد قيل بهـــا لبيان مدي حريــة الاداره في مواجهة القضاء والأفراد كما سنري, أمـا فكرة السحب فإنها تشمل القرارات الاداريه بنوعيها ســواء كانت عناصر التقدير فيها غالبه أو معدومة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)راجع د. احمد حافظ نجم المرجع السابق ص50
(2)في هذا المعني د. سليمان الطماوي الوجيز في القانون الإداري ص629
(3)الحكم مشار إليه في مرجع مبادئ القانون الإداري للدكتور سليمان الطماوي ص203
(4)الحكم مشار إليه في مرجع القرار الإداري في قضاء مجلس الدولة للمستشار حمدي عكاشة ص957
(17)
بل لعل الطائفة الأخيرة من القرارات هي التي تكون معظم مجال فكرة السحب.ولهذا وجدنا قضاء مجلس الدولة المصري مـــع تمســكه بجوهر قضائه السابق , قـــد بدأ يبرره بفكره أخري غير فكره القرارات المبنية علي السلطة التقديرية والسلطة المقيدة . (1)
ولقد تناول هذه الفكرة المرحوم الأستاذ عبده محرم وكيل مجلس الدولة وصاغها علي النحو التالي : هنــاك مــن القواعد التنظيمية مـــا ينشئ مراكز قانونيه ويحدد بدقه شروط الانتفاع بهذه المراكز , ولكنـه يعلق ذلك علي صدور قرار من الاداره ويكون تدخل الاداره هنــا ضروريا لتفهم حكم القاعدة وضبـط حدودهـــا ومراميها , وتفســير الغامض منها أو لأســـباب أخري يــري المشرع معها إلا ينشـــا المركز أو الوضـع الفردي مباشــرة نتيجة للقاعدة , بـــل للقرار التنظيمي الذي يصــدر تطبيقا لهــا وقد أطلق عليها تسمية القرارات الفردية التنظيمية .
وهناك قواعد تنظيميه أخري تنشئ مراكز دون تعليق ذلك علي صدور قرار فردي من الاداره, ويكون عمل الاداره مقصور علي مجرد تنفيذ الوضع أو المركز الفردي الذي انشأ القاعدة القانونية مباشرة أو"علي تسجيله وشهرة" وأطلق عليها القرارات التنفيذية, وان هـــذه القرارات التنفيذية ليست قرارات إدارية بــل إعمال مـاديه, لان العمل الإداري هــــو تصرف قانوني مـــن جانب واحد أي عمل إداري تتجه فيه الاداره لترتيب اثـر قانوني هــو في الإعمال الاداريه إنشاء وضع أو مركز , وفي الأعمال المدنية إنشاء حـق والعمل الذي يكون مقصور الأثر علي تنفيذ وضع نشا عـــن قاعدة قانونية مباشره ولا ينشئه ولا يعتبر عملا قانونيا....(2)

ويعلق العميد سليمان الطماوي علــــي هذه الفكرة قائلا "ونــحن لا نقر هــــذا التبرير الجديد, الذي هو في حقيقته رجوع إلي فكرة السلطة المقيدة والسلطة التقديرية, فالقواعد التنظيمية ليست معده لإنشاء الحقوق, وهـــذه الحقوق تنشئها القرارات الفردية , ومــا لم تتضمن القواعد التنظيمية أسماء مــــن تطبق عليهم , فهي فـي حاجه دائما باستمرار إلي تدخل الاداره بقرارات فرديه لتحديـــد مـــن تنطبق عليهم القرارات التنظيمية ولا يمكن إن نهبط بعمل الاداره في هذه الحالة إلي حــد الأعمال المادية لمجرد أن القواعد التنظيمية قد تضمنت شروطا واضحة لم تترك للاداره حرية في التقدير.
والقول بغير ذلك يــؤدي إلـــي إشاعة عدم الاستقرار بتمكين الاداره مـــن الرجوع في القرارات المبنية علـــي سـلطه مقيـده أو"القرارات التنظيمية" كما يســميها الأستاذ عبده محرم ولهذا فقد انتهي لأمر بالأستاذ عبد محرم إلـــي المناداة بضرورة وضع قاعدة عامة من مقتضيات استقرار الأوضاع المادية بعد فتره مـن الزمن شانها في ذلك شان القرارات الإدارية. (3)

ويري الدكتور سليمان الطماوي, أن لابد مــــن أن تزول كل فكره بنيت أو ألحقت مــــن قريب أو بعيد بفكرة السلطة المقيدة أو التقديرية في مجال السحب فالقرار المعيب أيا كانت حرية الاداره في إصداره يجب أن يستقر بمرور مــدد التقاضي, وهو ما يسير عليه مجلس الدولة الفرنسي .(4)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)(2)(3)(4) مبادئ القانون الإداري للدكتور سليمان الطماوي ص203الي 207
(18)

إذا كانت سلطة الاداره فــــي التصديق علي القرار الإداري هـــي سلطة تقديرية , فهل يجوز للاداره في هذه الحالة سحب القرار الصادر بالتصديق فـــي حدود السلطة التقديرية المخولة لها ......؟
يذكر المستشار حمدي ياسين عكاشة, فـي الإجابة علــي هــذا السؤال انه وفقا للمبادئ التي قررتها محكمه القضاء الإداري جـــاءت المحكمة الإدارية العليا لتؤكد انــــــه مادامت الجهة الاداريه قد استنفذت سلطتها التقديرية وصدر قراراها صحيحا دون أن ينطوي علي ثمة غش فانه لا يجوز لها سحبة بأي حال من الأحوال .(1)

*ولكن هل يجوز للاداره سحب قرراها السليم إذا أخطأت في تقدير ظروف إصدارة؟

أجابت محكمة القضاء الإداري علــــي ذلك في حكمها الصادر في 1/3/1954 والذي قضت فيــــه "للوزير تقدير اثر الجزاء فــي التخطي في الترقية فان رأي إن للتخطي محلا اصدر به قرارا فإذا ما اصدر قرار بترقية الموظف دون نظر للجزاءات السابقة علي قرار الترقية فانه يكون قــد استنفذ السلطة المخولة لــه ولم يجز له بعد ذلك سحب قرار الترقية استنادا إلــي هــذه الجزاءات السابقة إذا إن السحب لا يكون إلا بالنسبة للقرارات المخالفة للقانون وليس لجهة الاداره إن تسحب قرارا مطابقا للقانون بحجة أنها أخطأت فــي تقدير الظروف التي أدت إلي إصداره"(2)
ويتبين لنا من هذا الحكم إن محكمة القضاء الإداري, قـد أرست مبدأ مؤداه انه لا يجوز للاداره سحب قراراتها السليمة بحجة أنها قد أخطأت فــي تقديرها لظروف إصدارها, لأنها كانت تملك السلطة التقدير والوقت الكافي لدراسة القرار قبل إصدارة .

الفرع الثالث
مدي جواز سحب القرار التأديبي السليم لتوقيع جزاء اشد
من الجزاء الصادر به القرار

كما نعلم إن قانون التأديب لا يعرف مبدأ لا جريمة إلا بنص, لذلك فان السلطة الإدارية والتي لها اختصاص تأديبي, لهــا سلطه تقديرية فــي اختيار الجزاء الذي تراه مناسبا للمخالفة التي تم ارتكابها بواسطة احد عمالها .

هذه السلطة التقديرية التي تتمتع بها الاداره فـي مجال اختيار الجزاء المناسب للخطأ المرتكب, قد تم التأكيد عليها بواسطة القضاء الإداري وفي هذا المضمار أكد مجلس الدولة الفرنسي في حكمة الصادر فـي 11/7/1984 علي أن الجزاء الذي تراه السلطة الإدارية مناسبا للعقاب علـي مخالفة تــم ارتكابها من قبل احد موظفيها, لا يمكن أن يكون محل منازعه أمام القضاء .(3)
ـــــــــــــــــ
(1)راجع المستشار حمدي عكاشة المرجع السابق ص 958
(2) )الحكم مشار إليه في مرجع القرار الإداري في قضاء مجلس الدولة للمستشار حمدي عكاشة ص 951
(3)راجع قضاء التأديب للدكتور حمدي عمر والدكتور مجدي شعيب ص 178
(19)
السؤال الذي يطرح نفسه ألان هل يجوز للاداره إن تسحب قرارها التأديبي الصادر عن سلطه تقديريه لتوقيع جزاء اشـد علي الموظف المخالف . أجابت محكمة القضاء الإداري المصرية فـي حكمها الصادر في 29/6/1968 علـي ذلك بالنفي حيث قضت بالتالي "أن
المستفاد من الأوراق أن القرار رقــم 225 لسنه 1965 بمجازاة المدعي بخصم خمسة عشـر يومـا مـن مرتبة قــد صدر من نائب مدير المؤسسة للشئون المالية في حدود الاختصاص الذي فوضه فيه رئيس مجلس الاداره, وإذ صدر هذا القرار من رئيس مختص بإصداره وبما له من سلطه تقديرية في تحديد الجزاء المناسب لما سبت فـي حق المدعي من مخالفات, ودون أن يشوب هذا التقدير غلو فــي الشدة أو إفراط في اللين فان القرار المذكور يكون سليما ومطابقا للقانون ومــن غير الجائز سـحبة إذ إن مشروعية سحب القرارات التأديبية, تقوم أساسا علـي تمكين الجهة الاداريه من تصحيح خطأ وقعت فيـه ويقتضي ذلك أن يكون القرار المراد سحبه قد صدر مخالفا للقانون أما إذا قام الجزاء علي سبب صحيح مستوفيا شرائطه القانونية فانه يمتنع علــي الجهة الإدارية سـحبه لتوقيع جزاء اشد منه ".
ويعقب سيادة المستشار حمدي ياسين عكاشة علي هذا الحكم بقولة "قام الحكم المتقدم علـي أساس استنفاذ الرئيس الإداري لسلطة التقديرية فـي تحديد الجزاء المناسب للذنب وبالتالي فان صدوره صحيحا يمنع الجهة الإدارية مــن سحبة لتوقيع جزاء اشد ويصدق ذلك المبدأ علي حالة سـحب القرار الإداري لتوقيع جزاء اخف إذ يمتنع عليها ذلك إعمالا لمبدأ استنفاذ السلطة التقديرية لجهة الاداره بإصدار قرارها المطابق لحكم القانون".(1)

ويــــري الدكتور حسني درويش أن الجزاء التأديبي الـــذي يقوم علـــي ســـبب صحيح ومستخلص مـــن أصول ثابتة بالأوراق, ومـع مراعاة مبــدأ التناسب بين العقوبة التأديبية والذنب الإداري وبصـرف النظر عما إذا كانت هذه العقوبة قـد رتبت للغير مزايا أواوضاعا قانونيا أو لم يترتب عليها شيء مــن ذلك يمتنع علي الجهة الاداريه أن تنال منها بالسحب والإلغاء.(2)

وسوف نتعرض لهذا الموضوع بالتفصيل فــي المطلب الأول مـــن المبحث الثاني عـــن طريق عرض أحكام القضاء المصري والفرنسي وما يجب الأخذ به في هذا المجال.







ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)راجع المستشار حمدي عكاشة المرجع السابق ص 629 والحكم مشار إليه في المرجع السابق للدكتور حسني درويش ص324
(2) راجع د. حسني درويش عبد الحميد المرجع السابق ص327
(20)

المطلب الثاني
سحب القرارات الإدارية المعيبة بعدم المشروعية

يجب قبل التعرض لموضوع سحب القرارات الإدارية المعيبة بعيب بعــدم المشروعية ,التعرف علي مسألة أولية مهمة وهــــي متي يكون القرار غير مشروع أو ما هـــو القرار غير المشروع.
القرار غير المشروع هو ذلك القرار المعيب بعيب مـن العيوب التي يترتب عليها الحكم بإلغائه عن طريق القضاء , وهــي عيــوب الاختصاص والشـكل والمحل وعـيب الانحراف بالسلطة وهي العيوب المعروفة بأوجه الطعن في القرارات الاداريه غير المشروعة.(1)

ذكرنا فيما سبق كيفيه الوصول إلي التخلص مـــن القرارات الإدارية المعيبة, وهــي لا تخرج في مجملها عــــن احدي طرق ثلاثة, أما أن تقوم الاداره مـن تلقاء نفسها بتدارك ما أصاب قرارها مـــن عيب فتقوم بسحبة أو تعديله بما يتفق مع صحيح القانون,أو أن يتقدم
صاحب الشأن إلي الاداره عــارضا عليها وجهة نظره وموضحا لها مـا أصاب قراراها من عيب فــان استجابت إلي تظلمه فبها ونعم, أما إذا تعنت لوجه نظرها فلا يكون أمـــام ذوي الشأن إلا اللجوء للقضاء عارضا مسألته عليه مطالبا بإلغاء ذلك القرار المعيب .
يجب التعرف ثانيا علي السلطة التي تملك الحق فـــي نظر التظلم, ومــن ثم تملك سلطة ســـحب القرار المعيب ,هــــذه السـلطة إمــــا أن تكـون السـلطة مصدره القرار أو السلطة الرئاسية لها.

*هل يجوز للاداره سحب قراراتها المعيبة في أي وقت ودون التقيد بميعاد معين أم إن هناك ميعاد تلتزم به الاداره أثناء ممارسة سلطتها في السحب ؟.....

ذكرنا فيما سبق الخلاف الفقهي حـول الأساس القانوني لحق الجهة الاداريه فــي سحب قراراتها, وانتهينا إلــــي أن القضاء والفقه انتصر للاتجاه المنادي بضرورة تغلــيب مبـــدأ اسـتقرار الأوضاع والمراكــز القانـــونية للإفراد علـــي مبــدأ المشروعية واحترام القانون ,ويفترض هـــذا المبدأ ضرورة وضـع ميعاد لســحب القرارات المعيبة وبفوات ذلك الميعاد وتتحصن تلك القرارات مـــن السحب والإلغاء, وذلك بالفعل ما قرره كلا مـن مجلس الدولة الفرنسـي والمصري, حــيث حدد المجلس الفرنسـي ذلك الميعاد بشـهرين, وحدده المجلس المصري بستين يوم, بعدها يصبح القرار حصين ضد السحب أو الإلغاء.

الفرع الأول
سحب القرارات التي لا تولد حقوقا

اشرنا سلفا إلي أن السحب يقتصر علي القرارات الإدارية المعيبة, أما القرارات السليمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع د. حسني درويش عبد الحميد المرجع السابق ص314
(21)
فإنها تتمتع بالحصانة ضــد السحب , كما علمنا أن القرارات المعيبة تتحصن بانقضاء مـده معينه تعامل بعدها معاملة القرارات السليمة ويمتنع سحبها أو إلغائها, كما اشرنا فـي أكثر مــن موضع إلـــي أن القرار السليم الذي يترتب علـية حقوق للغير لا يجوز للجهة الإدارية سحبة, وإذا كان القرار الإداري معيب فان سلطة الإدارة تجاه سحبه تكون مقيدة . فبقي لنا أن نعالج الفرض الذي لا يتولد فيه عن القرار حقوق للغير ومدي سلطة الاداره تجاهه.

يجب النظر إلي مسالة سحب القرارات الإدارية التي لا يتولد عنه حقوق للغير من خلال
ضــرورة التـوفيق بين مبدأين, الأول هــو ضرورة اسـتقرار الأوضــاع والمراكز القانونية
للإفراد وذلك بتقيد ســلطة الاداره فــــي الســــحب , والثاني وهـــــو ضرورة احترام مبــدأ المشروعية عن طريق إلغاء القرارات المخالفة للقانون وذلك من خلال الفرضين التاليين :

الفرض الأول:
في حالة حدوث تعارض بينهم, وهي الحالة التي يرتب فيها القرار المعيب حقوقا للغير
,وفـي هذه الحالة فانه يجب تغليب مبــدأ استقرار الأوضاع وذلك حفاظا علي حقوق الأفراد ,وهــذا مــا قرره الفقه والقضاء ونـــص علية المشرع, بان نص علــي المدة التي بفواتها يتحصن القرار المعيب من الإلغاء .

الفرض الثاني:
يتحقق هذا الفرض في الحالة التي لا يرتب القرار فيها حقوقا أو مزايا للغير, ومن ثم لا يوجد من يتضرر من سحب ذلك القرار سواء كان معيبا أم مشروعا, وهنا يجب فـي وجهة نظري تغليب مبــــدأ المشروعية واحترام القانون علــي مبـــدأ استقرار الأوضاع فهذا مــا يقتضيه المنطق القانوني السليم.
ويعتبر المثال الحي علــــي ذلك الفرض مسالة القرارات التأديبية, واني أري أنــة يجب النظر إلي تلك المسالة من خلال التفرقة بين القرار السليم والقرار المعيب وموقف كلا مـن مجلس الدولة الفرنسي والمصري من ذلك.

أولا :
حالة صدور القرار التاديبيي سليم من الناحية القانونية , وعدم وجود مغالاة من جانب الاداره في توقيع الجزاء, فان المنطق القانوني السليم يقتضي في هذه الحالة أن تكون تلك القرارات بمناي عن السحب, سواء تولد علنها حقوق للغير, أو لم يترتب عليها حقوق أي ,انه يجب في هذه الحالة الانتصار لمبدأ احترام المشروعية , وحتى يكون الجزاء التأديبي زجرا لمن وقع علية وعبرة لغيرة من الموظفين.
إني أري انه يجب تطبيق, هـذا لان ذلك ما تقتضيه مبادئ العدالة وروح القانون خاصة إذا مـــا استشري الفساد داخل الإدارات الحكومية, فيكـون الجزاء الرادع لإعـادة الانضباط والالتزام داخل الإدارات والأجهزة الحكومية حتــــى يتحقق الصالح العام ونرقي بهذه الأمة إلي ارفع المستويات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(22)
ثانيا :
وهي الحالة الخاصة بالقرار المعيب, أي صدور قرار إداري تأديبي مخالف للقانون, فان العدالة تقتضي إلا تتحصن تلك القرارات مــــن السحب بمرور المدة لـــما فيها مــــن إهدار لحقوق الموظف المجازي ومخالـــفة للقانون, وحتى لا يبقي الموظف تحـت رحمة السلطة الاعلي منــــه فيجب أن يكون الكل تحت رحمه القانون, وهـــذه مـن وجهة نظري من أكثر الحالات التي يجب أن تبقي تحت مظلة المشروعية طوال الوقت .

بقي لنا أن ننظر إلي موقف كلا مــــن القضاء الفرنســي والمصــري فــــي تطبيقها لتلك الفروض:
موقف القضاء الفرنسي : (1)
القاعدة الـــتي سادت القضاء الفرنســي مؤداهــا أن القرارات التأديبية لا تولد حقوقا أو مزايـــا للغير ويحق لجهة الإدارة سحبها فــــي أي وقت وهـــذا ما أشار إليه مجلس الدولة الفرنسي فـــي حكمة الصادر في 23/7/1974 حيث قضي بان القرارات التأديبية لا تنشئ حقوقا أو مزايا للغير ويجوز للاداره سحبها في أي وقت وهــــذا يعني أن القرارات التي قد يترتب عليه مزايــا أو أوضاع قانونية يجــــب أن ينطبق عـليها القواعد المقررة بخصوص سحب القرارات الإدارية .
وبذلك يكون القضاء الفرنسي قـــد فــرق بين حالتين , حالة القرارات التأديبية المنشئة حقوقا للغير والقرارات الــتي لا يتولد عنها حقوقا للغير, فالقرارات التي مـــن النوع الأول هــــــــي الــتي ينطبق عليها القواعد العامة, والــــتي تقتضي بأنه يمتنع علي جهة الاداره سحبها إذا كانت ســليمة, وإذا كانت معيبة فــــــلا يجـــوز ســحبها إلا فـــي خلال المواعيد المقررة للســحب قانونا .

موقف القضاء المصري :
الواضح مــــن الاطلاع علي أحكام القضاء الإداري المصري وأراء القســم الاسـتشاري للفتوى بمجلس الدولة, عـــدم الاستقرار علي مبدأ معين في شأن سحب القرارات التأديبية ففي الرأي الصادر مــن القسم الاستشاري للفتوى رقـم 173 لسـنه 1955 نجــدة يقرر" إن مشروعيه سـحب القرارات التاديبيه التي تصدر من وكلاء الوزارات ورؤساء المصالح
فــي فهم القانون الإداري تقوم أسـاسـا علي تمكين جهة الاداره مـــــن تصحيح خطا وقعت فيـــه, ويقتضي ذلك أن يكون القرار المراد ســحبه قــــد صـدر مخالفا للقانون , أما إذا قام الجزاء التأديبي عــلي أســباب صحيحة مسـتوفيا شرائطه القانونية , فانه يمتنع علي جهة الاداره أن تنال منه سواء بالسحب أو الإلغاء أو التعديل لانتفاء العلة الـتي شـــرعت مــــن اجـلها قواعد الســـحب والتظلم , وذلك احتـرامــــا للقرار, واســـتقرارا للأوضـاع وتحقيقا للمصلحة العامة الــــتي تتطلب أن يكون الجزاء التأديبي زجــــرا لمن وقع علــيه , وعبره لغيره من الموظفين".(2)
وفــــي هذا المعني نجد الحكم الصادر مـــن محكمة القضاء الإداري في 29يونيو1968
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)راجع د.حسني درويش المرجع السابق ص321
(2)مشار إلي الفتوى في المرجع السابق للدكتور حسني درويش في هامش ص 324
(23)
يقرر إن مشروعية سحب القرارات التأديبية , تقوم أساسا علـي تمكين الجهة الاداريه مـــن تصحيح خطأ وقعت فيـه ويقتضي ذلك أن يكون القرار المراد سحبه قد صدر مخالفا للقانون أما إذا قام الجزاء علــي سبب صحيح مستوفيا شرائطه القانونية فانه يمتنع علــي الجهة الإدارية سحبه لتوقيع جزاء اشد منه ".
ومما سبق يتضح إن القضاء, فرق بين القرارات السليمة والقرارات المعيبة مقررا أنه فــي الحالة الأولي لا يجوز ســحب القرار لصـدوره مطابقا للقانون, أما فـــي الحالة الثانية نجدة يعطي الحق للجهة الإدارية في سحب القرار ودون التقيد بالمدة .

فـي حين نجد الرأي رقم 416 لسنه 1957 الصادر من القسم الاستشاري للفتوى يسلك
مسلكا أخر وذلك حين يقول" لما كان الأصل في القرارات التأديبية أنها لا تنشئ مـــزايا أو
مراكز أو أوضاعا بالنسبة للإفراد فـــانه يجوز سحبها في أي وقت دون التقيد بميعاد معين إلا إذا ترتب علي هذه القرارات فـــي حالات استثنائية نادرة ميزة أو مركز لأحد الإفراد فـلا يجوز سحب القرار التأديبي إلا خلال معاد رفع دعوي الإلغاء "(1)

بالإضافة إلــــي أن هنــــاك أحكام تجمع بين المبادئ السابقة ففي حكم لمحكمة القضاء الإداري صادر فــــي 10/4/1955 يقرر"إن القرارات الفردية لا تنشئ مزايا أو مراكز أو أوضاعا قانونية بالنسبة للغير, يكون مـــن حق الجهة الاداريه سحبها فــــي أي وقت, لان القيود التي تفرض علي جهة الاداره في سحب القرارات الفردية إنما تكون فـي حالة ما إذا أنشأت هــذه القرارات مزايا أو أوضاعا أو مراكز قانونية لمصلحة فرد من الإفراد لا يكون مــن المناسب حرمانه منها, ولا شبهة فــي إن القرار الصادر بتوقيع جزاء علي موظف لم تتعلق به مصلحة لأحـــد الإفراد كما انه لم تتولد عنه لجهة الاداره مركز ذاتي يمتنع عليها بوجوده سحبه إذا رأت عـــــدم مشروعيته ورأت مـــــن المصلحة عـدم إقرار ما وقع علي الموظف مـــــن ظلم, إذ ليس بسائغ القول بان جهة الاداره ترتب لــها مركز ذاتي في علي عقوبة وقعت بغير سبب قانوني, ومــــن ثم يجوز للاداره سحبها في أي وقت ودون التقيد بميعاد"(2)
فهذا الحكم كما هو واضح, يتفق مع مبادئ القانون ومجريات الأمور لأنة تناول فـي أول الأمر التفرقة فيما بين القرارات التي تولــــد حقوقا وتلك التي لا تولـــد حقوقا ثـم فرق بين القرارات السليمة والقرارات المعيبة حين ذكر عبارة ( إذا رأت عــــدم مشروعيته ) وكلمة (ظلم) مقررا بذلك التفرقة في السحب بين مجموعة من القرارات :
1- عدم جواز سحب القرارات السليمة التي يتولد عنها حقوق للغير
2- ضرورة التقيد بالميعاد المحدد للسحب إذا كان القرار معيب وتولد عنه حقوق للغير
3- جواز سحب القرارات المعيبة التي لا يتولد عنها حقوق للغير دون التقيد بميعاد

ومن وجهة نظري فانا اتفق مـع هـــذا الحكم الأخير, واري ضرورة أن يأخذ القضاء بما قرره ذلك الحكم من تفرقة, لان ذلك يودي إلي حسن تطبيق القانون وتحقيق الصالح العام.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الرأي مذكور في المرجع السابق للدكتور حسني درويش ص 322
(2)راجع د. حسني درويش المرجع السابق ص 325
(24)
الفرع الثاني
سحب قرارات فصل الموظفين

من البديهي إن جزاء الفصل مــن الخدمة الذي توقعه الاداره علي الموظف, يعتبر مـن أكثر الجزاءات شـــدة علي الإطلاق , لذلك فلا تلجا إليه الاداره إلا إذا اقترف الموظف خطأ علي قدر كبير من الجسامة يبرر تطبيق هذا الجزاء علية لأنة يضع نهاية لحياته الوظيفية.

ذكرنا فيما سبق إن السحب يقتصر علي القرارات الاداريه المعيبة بعيب من عيوب عدم
المشروعية, أمــــــا القرارات الاداريه السليمة فالقاعدة مستقره علي انــه لا يجوز سحبها ولكن فيما يتعلق بمسالة فصل الموظفين من الخدمة فهل تنطبق عليها هذه النظرية أم أن هناك استثناءات , وان كــان هناك استثناءات ترد عليها فما هــي الاعتبارات التي أدت إلي هذه الاستثناءات وما هو موقف القضاء الفرنسي والمصري في هذا الشأن كل هذه الأسئلة سوف نجيب عليها إن شاء الله من خلال الفقرات التالية.

باستقراء الأحكام المختلفة للقضاء الفرنسي والمصري, نجـد أنها قـــد استثنت قرارات فصـل الموظفين مـــن تطبيق القواعد العامة للســحب عليها, حيث قررت انـه يجوز سحب قرارات فصــل الموظفين ســـواء كانت تلك القرارات سليمة أم معيبة, ولكـــن كــانت هناك بالتأكيد بعض التحفظات من قبل تلك الأحكام.

*موقف القضاء والفقه الفرنسي:

القاعدة مستقره في فرنسا, علـي انـــه يجوز سحب القرارات الصادرة بفصل الموظفين سواء كانت هــــذه القرارات سليمة أم معيبة ودون التقيد بميعاد, وقــــد رد الفقه والقضاء هذا الاستثناء إلي اعتبارات العدالة والشفقة بالموظف المفصول, أي قيامها علي اعتبارات إنسانية بحته.(1)
وقد قيد قضاء مجلس الدولة الفرنسي سحب قرار الفصل السليم, بالا تكون الاداره قـــد عينت فـــي وضيفة المفصول موظف آخر تعيينا سليما وذلك لان معني السحب فــــــي هذه الحالة فصل الموظف المعين بطريقة قانونية وبأداة مشروعة , ولما فـي ذلك من اضطراب وإخلال بحسن سير المرفق العام.(2)
بالإضافة إلي ما سبق فــــان القضاء الفرنسي مستقر فـي شأن عوده الموظف المفصول بطريقة غير مشروعة إلي استحقاقه تعويض عما أصابه مــــن ضرر مـــن جــراء الفصل, فالتعويض يعتبر اقل ما يجب لجبر ما أصاب ذلك الموظف من ضرر.

*موقف القضاء المصري:

باستقراء أحكام قضائنا الإداري وتحليل أحكامه, نجــد انــــه ساير قضاء مجلس الدولة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)راجع د.حسني درويش المرجع السابق ص 330
(2)في هذا المعني د. حسني درويش المرجع السابق ص 331
(25)
الفرنسي, حيث استقر علي أن قرار الفصل ســـواء اعتبر صحيح أو غــير صحيح فسحبة جائز علي أي الحالين, لأنه إذا اعتبر مخالفا للقانون فــــلا خلاف فــــي جواز سحبه إذ أن السحب يكون مقصود به مفاداة الإلغاء القضائي, أما إذا كان القرار سليما ومطابقا للقانون فسحبه جائز استثناءا, وإذ ولـــو أن السحب لا يتم أعمالا لسلطه تقديريه إلا انه من الجائز أعاده النظر في قرارات فصل الموظفين وسحبها لاعتبارات تتعلق بالعدالة, لان المفروض
أن تنقطع صله الموظف بالوظيفة بمجرد فصله وانه يجب لإعادته إلي الخدمة صدور قرار جديد بالتعين, وذلك قد يحدث جلال فتره الفصل أن تتغير شـــروط الصلاحية للتعين, وقـــد
يغدو أمر التعين مستحيلا, أو قــــد يوثر الفصل تأثيرا سيئا فـي مـده خدمه الموظف أو في اقدميته , ومـــــن جهة أخري قـــد تتغير الجهة التي تختص بالتعيين فتصبح غير تلك التي فصله الموظف , وقد لا يكون لديها الاستعداد لإصلاح الاذي الـــذي أصاب الموظف بفصله أو غير ذلك من اعتبارات العدالة التي توجب علاج هذه النتائج الضارة. (1)

ومـن القواعد التي قررها القضاء الإداري فــي هذا الشأن أن أعاده الموظف إلي عمله بعد سحب قرار الفصل لا يعتبر تعين جديد بل تصحيح لوضع خاطئ ومـن الإحكام الصادرة فــي هذا الشأن الحكم الصادر في 19/4/1954 "متي ثبت إن قرار فصل المدعي قد الغي اكتفاء بجزاء بالخصم يوقع عليه فليس هناك محل لكف المدعي عـــن مباشره عمله تنفيذا لقرار لـــم يصبح لــه وجود بعد أن سحبته الجهة التي أصدرته وبالتالي فان القرار الــــذي يقضي باعاده المدعي إلي الخدمة لا يعتبر تعيننا جديدا مادام إن فصله عن العمل قد أصبح سحبه غــــير قائم ويعتبر قرار أعاده المدعي إلي عمله تصحيحا لوضع خاطئ ترتب علـي تنفيذ قرار بالفصل غير موجود ولم تنفصل بــه علاقة المدعي بوظيفته ولا يغير مــــن هذا النظر ما نص فـي هذا القرار من أعاده المدعي في درجه اقل من درجته ولا قبوله الاعاده علي هذا الوضع "(2)
إما إذا كان أعاده المدعي إلي عمله قــــد تـــم بعد ستين يوما علي صدور قرار صحيح بالفصل يعتبر تعيينا جديدا وفـــــي هذا المعني تقول محكمة القضاء الإداري فــــــي حكمها الصــادر في 22/4/1953 "إن أعاده المدعي إلي العمل بعد مضي أكثر مــــن ستين يوما علـي صدور قـــرار فصله الــــذي صــدر صحيحا لا يعتبر بمثابة ســحب للقرار لأنه أصبح حصينتا مــن السحب بمضي ستين يوم علي تاريخ صدوره وإنما تكون إعادته إلي الخدمة تعينا جديدا"(3)

ومـــن المبادئ التي قررتها محكمه القضاء الإداري إن ســحب قـــرار الفصل وأعــاده الـــموظف إلــــي عمله لا يترتب علــــيه المســاس براتبه ففي الحكم الصادر منهـــــا فـــي 4/6/1953 تقول" مادام إن الحكومة لـم تكن محقه فـي فصل المدعي مــن الخدمة بسبب عدم لياقته الطبية وهـي إذا استجابت إلي مظلمته وسحبت قرار الفصل واعدته إلي الخدمة فقد كان واجبا عليها تطبيقا لقرار مجلس الوزراء سالف الذكر عـــدم المساس براتبه الذي كان يتقاضاه من قبل في وظيفته الاصليه"(4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الحكم مشار إليه في المرجع السابق للمستشار حمدي عكاشة ص 953
(2) الحكم مشار إليه في المرجع السابق للمستشار حمدي عكاشة ص 954
(3) الحكم مشار إليه في المرجع السابق للمستشار حمدي عكاشة ص 955
(4) الحكم مشار إليه في المرجع السابق للمستشار حمدي عكاشة ص 955
(26)
وأنا لا اقر تلك التفرقة التي يأخذ بهـــا القضاء المصري, فيجب أن نطبق القواعد العامة فـــي السحب علي موضوع سحب قرار الفصل فـــلا يجب أن نغلب ذلك الأساس الذي يقول بــــه القضاء وهــــو العدالة والشفقة علي مبــــدأ المشروعية, كما يجب أن يبقي الموظف المعزول عـــبره لغيره من الموظفين حتى لا يتهاونوا فـي قيامهم بوظائفهم, وحتى لا نفتح الباب أمــــــام الرشوة والمحسوبية والتي تضر فــي النهاية بالمصلحة العامة للمجتمع كله ونكون في ذلك متفقين مع ما قال به العميد سلمان الطماوي:
" ونحن رغم تسلمنا بنبل الاعتبارات التي يصدر عنها هذا النظر , فإننا لا نحبذ التوسع في سحب القرارات التي من هذا النوع , فلقد رأينا إن فكره عــدم رجعيه القرارات الاداريه لا تسـتند إلـي مجرد فكرة احترام الحقوق المكتســبة والمراكز الشخصية , بـل تقوم علــي اعتبارات أخري تتعلق بممارسـه الاختصاصات الاداريه فــي حدود القانون , وان ممارسه لاختصاص إنمـــا تكون بالنسبة إلي المستقبل . ولو فتحنا هذا الباب علي مصراعيه , فإننا نخشى المحسـوبية بان يجئ فـــي أي وقت من الأوقات رئيس إداري أو هيئه إداريه تكون لـــــــه وجهة نظـر معينه, فتسحب مثلا العقوبات الموقعة علـي موظف لمجرد تمكينه مــن الترقية رغم ما تكون تلك العقوبات قد قامت عليه من أسباب تبررها . أو إن تسحب الاداره القرار الصادر برفض الترخيص لفرد بفتح محل عــــام لمنحه اولويه معينه مثلا ومـــن ثم فإننا نري عدم اباحه الرجعية فـي هـــذه الحالات إلا فـــــي أضيق الحدود , ويكفي لإصلاح الآثار الـتي تترتب علـــي القرار المراد سـحبه إصدار قرار جـــديد وفقا للأوضاع القانونية السليمة وبأثر مبتدأ في الحالات التي يجوز فيها ذلك.

لذلك أري انه لابد مـــن النظر إلي المسالة نظرة موضوعية قانونية مجرده بعيدا عن اعتبارات الشفقة التي يطبقها القضاء, وذلك بتحليل المسالة عــــن طريق التميز بين ثلاثة فروض كالتالي :
الفرض الأول:صدور القرار سليما.
إذا كـــان قرار فصل الموظف سليما من الناحية القانونية, وان عقوبة الفصل متناسبة مع مـا أتاه الموظف المفصول أي ليس فيها غلو أو ظلم من جانب الإدارة, ففي هذه الحالة يجب أن يكون هــذا القرار حصينا مـن السحب (أي لا يجوز للجهة الاداريه سحبة تحت أي مسمي كان) وذلك حفاظا علي مبـدأ المشروعية واحتراما للقانون وحتى يكون ذلك الجزاء زجرا لمن وقع عليه وعبره لغيره من الموظفين.

الفرض الثاني : صدور القرار معيبا.
أما إذا صدر القرار وقـــــد شابة عيب مـــن عيوب عـــدم المشروعية, أو كانت العقوبة المطبقة مغالي فيها مـــــن قبل الاداره ولا تتناسب مع مـا أتاه الموظف مــــــن خطاء, ففي هذه الحالة يحق للجهة الاداريه سـحب قرار الفصل, وفــي أي وقت حتى لا نضر بالموظف ,لان في سحب ذلك القرار احتراما لمبدأ المشروعية أيضا.

الفرض الثالث : صدور القرار معيبا ولكن هناك من عين مكان الموظف المفصول.
فـــي هذا الفرض نواجه مشكله علي قدر مـن الاهميه , فقد يحدث أن تقوم الاداره بعد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(27)
فصـل الموظف (بقرارهـــا المعيب) أن تقوم بتعين أخر مكانه ففي هـــــذه الحالة نكون أمــا
اعتبارين متناقضين, وكــلا منهم علي قـــــدر كبير من الاهميه, الأول هـــو أحقيه الموظف
المفصول فــــي العودة إلي وظيفته, والثاني هـــــو ضرورة الحفاظ علــــي حقوق الموظف الجديد, ولحل هذه المشكلة أري انـــــــه يجب التوفيق بيــن تلك الاعتبارات المختلفة, فـــلا يجـــب أن نضر بالموظف الجديد وما اكتسبه من مركز, بالاضافه إلـــي الحفاظ علي حقوق ذلك الموظف الذي الغي قرار فصله, وذلك يمكن أن يحدث بأحدي طريقتين :

الأولي: إذا كانت الاداره تملك وظـــائف خاليه فــي نفس مركز الوظيفة السابقة للموظف المعاد إلي عمله فعلي الاداره أن تقوم بتعينه فيها .
الثاني: إذا كانت الاداره تملك وظيفة خاليه وغير مناسبة للموظف المعاد ولكنها قد تكون مناسبة للموظف الجديد فعلي الاداره تبديل الوظيفتين بينهما.

الفرع الثالث
سحب القرارات الاداريه لاعتبارات الملاءمه

قبل الخوض في الحديث عـــن مدي سلطه الجهة الاداريه فـــي سحب ما يصدر عنها من قـــراراتها لاعتبارات الملاءمه, أجــد مــن الضروري التعرض لشرح ماهية ملاءمه القرار الإداري .
ملاءمه القرار الإداري:هي كون هذا القرار مناسبا أو موافقا أو صالحا من حيث الزمان والمكان والظروف والاعتبارات المحيطة.(1)
فبحث ملائمة القرار الاداري هي إجراء موازنة بين ما يحققه القرار الإداري من منافع وما ينتج عنه مــن أضرار للتوصل إلي معرفه ما أذا كان هـذا القرار يحقق الصالح العام أم لا, وبمعني أخـــر إذا كانت المنافع التي تترتب مـــن جراء تنفيذ القرار تفوق الأضرار التي يمكـــن إن تترتب عليه فيكون هــــذا القرار ملائما لمقتضيات الصالح العام, أمــــا إذا كانت الأضرار المترتبة علي تنفيذ القرار تفــوق منافعه فهنا يكون القرار غـــير ملائم لمقتضيات الصالح العام.

ننتقل الآن للاجا به علي سؤال مؤداه هل تملك الجهة الاداريه سحب قراراتها محتجة في ذلك بأنها ( أي القرارات الاداريه) غير ملاءمه ؟....
من خلال الاضطلاع علي أحكام كل مـــن القضاء الفرنسي والمصري في هـذا الشأن نجد أن القاعدة مستقره علي انـــه, لا يجوز للاداره ســحب مـــا يصدر عنها مـن قرارات بحجه أنـــها معيبة بعيب عــــدم الملاءمه , وان ســلطه الاداره مقتصرة علــــي ســحب القرارات المخالفة للقانون أي المعيبة بعيب عــدم المشروعية, وتكن مقيده في ممارسه هذه السلطة بالقيـــود التي يفرضها القانون بشأن المواعيد. كما أن الفقــه الفرنسـي والمصري يكونون شـبـه إجماع, علي انــه لا يجوز للاداره سحب قراراتها لأنها غير ملاءمه مؤيدين بذلك مـا عليه القضاء .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الاتجاهات الحديثة للقضاء الاداري في الرقابة علي ملائمة قرارات نزع الملكية للمنفعة ألعامه للدكتور محمد صلاح عبد البديع ص22
(28)
*من أحكام القضاء الفرنسي في هذا الشأن:
1-حكم مجلس الدولة الصادر في 12/2/1971 والذي قضي "بــأن استناد جهة الاداره
في إصدار قرار الســـحب علي اعتبارات الملاءمه فان القرار الساحب يكون قـد شابة عيب تجاوز السلطة"(1)
2-وفي حكم أخر قضي المجلس "بأنه لا يجوز لجهة الاداره ســـحب قرارها استنادا علي خطأ في التقدير"(2)

*ومن أحكام القضاء المصري:
1-الحكم الصادر فــي 1/3/1954 والذي جاء فيه "أن القرار الإداري المطابـق للقانون ليس لجهة الاداره سحبه بحجه أنها أخطأت فــي تقدير الظروف التي أدت إلي إصداره وان سلطه السحب لا تكون إلا بالنسبة للقرارات المخالفة للقانون "(3)
2-وكذلك الحكم الذي قضت فيــــه "للوزير تقدير اثــر الجزاء فــي التخطي فــــي الترقية فــــان رأي إن للتخطي محلا اصدر به قرارا فإذا مـا اصدر قرار بترقية الموظف دون نظر للجزاءات السابقة علي قـرار الترقية فــــانه يكون قــد استنفذ السلطة المخولة لـه ولم يجز لــه بعد ذلك سحب قرار الترقية استنادا إلي هــذه الجزاءات السابقة إذا إن السحب لا يكون إلا بالنسبة للقرارات المخالفة للقانون وليس لجهـة الاداره إن تسحب قرارا مطابقا للقانون بحجة أنها أخطأت فــــــي تقدير الظروف الـــتي أدت إلي إصداره"
3-والحكم الصادر في 25/6/1974 والــذي قالت فـيه "أن الاداره وهـي بصدد استعمال اختصاص تقديري لا يمكن أن يكون مبرر لها بسحب القرار"(4)

رغـم توافر هذا الإجماع مـــن قبل القضاء والفقه المصري والفرنسي إلا أن هنـاك أراء خالفته, ويري أصحاب تلك الآراء انــه يجــوز للاداره أن تسـحب قراراتها الاداريه المعيبة بعيب عدم الملاءمه.

يري الدكتور حسني درويش عبد الحميد "أن للاداره سـحب هذا النوع من القرارات إذا اتضح لها أنها أخطأت فـي تقدير مناسبة إصدارها , ولا غرابة في ذلك فالاداره التي منحت سلطه تقديريه في إصدار القرار يجب إن تكون لها نفس السلطة في سحبة والقيد الذي يرد عليها في هذه الحالة هــــو إلا تتعسف فــــــي استعمال السلطة وتميل مع الهوى في سحب قراراتها, وان يتم السحب خلال المدة المقررة قانونا, والتي بفواتها يتحصن القرار ســواء أكان القرار غير مشروع أم غير ملائم, وللقضاء مراقبه تصرفات الاداره إذا شابها تعسـف أو انحراف, كما أن الاداره في هذا الخصوص ملزمه بتسبيب قرارات السحب "(5)

كما يري الدكتور كامل ليلة "أن للاداره الحق فــي سحب قراراتها غير الملاءمه بشرط إلا يكون فــي ذلك تعسف وإساءة استخدام سلطتها ويمكن أن يكون الفرد الذي يضار مـــن جراء السحب في هـــذه الحالة حق التعويض عن الحقوق التي اكتسبها والتي ألغيت بسبب السحب وهذا يعتبر قيدا علي الاداره وضمانا كافيا فــــي مواجهتها ويمكن فوق ذلك الطعن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)(2)(3) (4) الأحكام مشار إليها في المرجع السابق للدكتور حسني درويش ص 347&348&349
(5)الرأي مذكور في المرجع السابق للدكتور حسني درويش ص351
(29)
في القرار الساحب إذا شابه عيب الانحراف بالسلطة".(1)

*رأي في هذا الشأن:
انـه يجب إعطاء الاداره الحق فــــي ســـحب قراراتها إذا كانت غير ملاءمه, وذلك لان
القضاء المصري لا يمــلك أن يراقب ملاءمه القرارات الاداريه, فهو حتى الآن يقف عــــند حــــدود المشـروعية علـي عكس نظريه الفرنســي, الـذي بـــدا يراقب الملاءمه إلي جانب المشــروعية, والقول بغير ذلك يودي إلـــــي خروج تلك القرارات مـــــن الرقابـة الاداريـه والقضائية, فتصبح حصينة مـن الإلغاء والسحب رغم ما بها من عيوب وهذا بالتأكيد ليس في صالح الصالح العام, فيجب إعطاء الاداره هذا الحق حتى يحين الوقت الذي يتبني فيــه القضاء المصري بحث ملائمة القرارات الإدارية كما فعل نظيرة الفرنسي, وحتى لا تصبح هناك قرارات إداريه بمنآي عن الرقابة بدعوي أن كل من الاداره والقضاء لا يملكان إلغاء القرار الاداري غير الملائم .

فلا يجوز أن تكون هناك قـــرارات إدارية حصينة من الإلغاء طبقا لنص المادة 68 مـن الدستور المصري "ويحظر النص فـــي القوانين علي تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابه القضاء"(2)

ويجب أن تكون الاداره أثناء ممارستها لتلك السلطة مقيده بثلاث قيــود, الأول ألا يشوب قرارها الســاحب اساءه استعمال السلطة كقيد أول, وان يكون السـحب هنا فـي حدود المدة المقررة للسحب, وان يكون هــدف الاداره مـــن السحب هـــو تحقيق احترام القانون ومبدأ المشروعية والمصلحة العامة.















ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الرأي مذكور في المرجع السابق للدكتور حسني درويش ص350
(2)الجامع لأهم القوانين المصرية للأستاذ .عبدالعزيز الدريين المحامي ص15
(30)

ليست هناك تعليقات: