الرهن الحيازي
مقدمـة:
يعتبر الرهن الحيازي أقدم صورة عرفها الرهن بصفة عامة، فقد عرف عند الرومان عندما تمكنوا من التمييز بين ملكية الشيء وحيازته، كما عرفها أيضا القانون المدني الفرنسي القديم.وقد تطرقت الشريعة الإسلامية هي الأخرى لموضوع الرهن الحيازي، ويكفي أن نستدل على ذلك بقوله تعالى:" وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة". بل إن هناك من يقول بأن الفقهاء المسلمين لم يكونوا يعرفون إلا الرهن الحيازي الذي ينتقل بمقتضاه الشيء المرهون إلى حيازة الدائن أو إلى من يقوم مقامه1.
لكن بالرغم من أن مفهوم الرهن لم يكن غريبا في الشريعة الإسلامية، فإننا نجد أنه مقابل إجماع علماء الإسلام على جواز الرهن في السفر، فإنهم اختلفوا في جوازه في الحضر وإن كانت جمهرة الفقهاء قد أجازته في الحضر أيضا2
ويخضع الرهن الحيازي في المغرب لكل من ق ل ع وكذا لظهير 2 يونيو 1915بشأن التشريع المطبق على العقارات المحفظة وكذا الأحكام الفقه الإسلامي، وذلك تبعا لطبيعة الشيء موضوع الرهن الذي يمكن أن يكون منقولا أو عقارا. فالمنقول يخضع في رهنه لقواعد الرهن الحيازي المنظمة في ق ل ع م. أما العقار، وهو موضوع هذه الدراسة، فالقواعد التي تحكم رهنه يميز فيها بين ما إذا تعلق الأمر بعقار محفظ أو بعقار غير محفظ.
تطبق على الرهن الحيازي الوارد على العقار المحفظ مقتضيات ظهير 2 يونيو 1915 وكذلك الأحكام العامة المنظمة للرهن الحيازي في ق ل ع م. ويخضع في المقابل، الرهن الحيازي متى ورد على عقار غير محفظ لأحكام الفقه الإسلامي.
ويعتبر الرهن الحيازي العقاري إحدى الضمانات العينية المعتمد عليها لخدمة الائتمان، خصوصا إذا علمنا أن العقار محل الرهن، بالإضافة إلى قيمته الاقتصادية الكبيرة، يتميز بخاصية أساسية وهي أنه يمكن ضبطه إذ لا ينتقل من مكان إلى آخر بخلاف المنقول الذي لا تتوفر فيه هذه الميزة، مما يجعل هذا الأخير يخضع لقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية. والرهن الحيازي العقاري بالرغم من أهميته، لا يمكنه أن يؤدي الخدمة المنوطة به إلا إذا هيئت له الوسائل الكفيلة بذلك والتي من بينها العمل على إيجاد تنظيم قانوني مضبوط لهذا الرهن.
إن أقل ما يمكن أن يقال بشأن هذا التنظيم القانوني أنه مشتت بين ثلاثة مصادر: ق ل ع م، ظهير 2 يونيو 1915 وأحكام الفقه الإسلامي. وهذا التشتت لن يخدم الرهن الحيازي العقاري كأداة لتشجيع الائتمان وذلك لغياب نظرة قانونية موحدة وواضحة لهذا الرهن، وهذا أمر يشكل قصورا قانونيا لابد من تداركه.
وما زاد الأمر خطورة هو أن مجال تطبيق هذه المصادر الثلاثة غير محدد بشكل دقيق: فخضوع المعاملات المتعلقة بالعقار غير المحفظ بصفة عامة والرهن بصفة خاصة لأحكام الفقه الإسلامي أمر مختلف فيه فقها وقضاء، إذ هناك من يقـول بتطبيـق ق ل ع م على هذا العقار. والمشكل لا يطرح فقط على مستوى الرهن الحيازي الوارد على العقار غير المحفظ بل أيضا على ذلك الوارد على العقار المحفظ، من خلال معرفة ما إذا كان الرهن الحيازي لهذا العقار الأخير تطبق عليه، إلى جانب القواعد الواردة في ظ 2 يونيو 1915 والمتعلقة بهذا الرهن، الأحكام العامة للرهن الحيازي الواردة في ق ل ع م فقط، أم تخضع أيضا للقواعد المنظمة للرهن الحيازي للمنقول الواردة في هذا القانون.
نظم ق ل ع م، كما هو معروف، الرهن الحيازي في القسم الحادي عشر من الكتاب الثاني، تناوله في بابين: باب أول تطرق فيه للأحكام العامة للرهن الحيازي سواء تعلق الأمر بعقار أو بمنقول، وتطرق في الباب الثاني للرهن الحيازي للمنقول.
لذلك نستطيع التساؤل : ألا يمكن الاعتماد على القواعد المنظمة للرهن الحيازي للمنقول لتجاوز تشتت المصادر القانونية في مجال الرهن الحيازي العقاري من خلال تطبيق هذه القواعد على هذا الرهن الأخير؟ أو بعبارة أخرى هل يمكن تطبيق القواعد القانونية المنظمة للرهن الحيازي للمنقول على الرهن الحيازي العقاري بشكل يضمن لهذا الأخير أداء دوره كأداة لتشجيع الائتمان؟.
لا يجادل أحد في أن الرهن الحيازي العقاري تراجعت فعاليته الائتمانية بظهور ضمانات أخرى وخاصة منها الرهن الرسمي، لكن هذا التراجع لم يصل إلى درجة تدعو إلى القول بالاستغناء عن مؤسسة الرهن الحيازي العقاري في أي تشريع شامل مرتقب في مادة الحقوق العينية ( الفرع الثاني) لذلك، وفي انتظار صدور هذا التشريع يبدو أن الرجوع إلى ق ل ع في تنظيم هذه المؤسسة مبرر مادام أن أغلبية القواعد المنظمة للرهن الحيازي للمنقول صالحة لتطبق على الرهن الحيازي العقاري ( الفرع الأول).
الفــرع الأول: أغلبية القواعد القانونية المنظمة للرهن الحيازي للمنقول في ق ل ع م صالحة للتطبيق على الرهن الحيازي العقاري.
إن المتمعن في القواعد المنظمة للرهن الحيازي للمنقول في ق ل ع سوف لن يتردد في القول بملاءمة أغلب هذه القواعد للتطبيق على الرهن الحيازي العقاري سواء من حيث تكوين هذا الرهن الأخير حيث يصبح شكليا ( المبحث الأول) أو من حيث آثاره (المبحث الثاني) أو انقضائه ( المبحث الثالث).
المبحث الأول: تطبيق القواعد المنظمة للرهن الحيازي للمنقول في ق ل ع م على الرهن الحيازي العقاري يجعل هذا الأخير شكليا.
يقتضي تكوين الرهن الحيازي العقاري، كقعد شكلي، توفر الأركان العامة للتعاقـد ( المطلب الأول) بالإضافة إلى الشكلية ( المطلب الثاني).
المطلب الأول: خضوع إنشاء عقد الرهن الحيازي العقاري لقواعد التعاقد العامة.
يقتضي تكوين عقد الرهن الحيازي أن يوجد الرضا وجودا صحيحا ( الفقرة الأولى) وأن يتبلور هذا الرضى بتعلقه بكل من المحل والسبب ( الفقرة الثانية).
الفقــرة الأولى : وجـود الرضى وجودا صحيحا.
1- وجود الرضى:
يقصد بهذا الوجود أن تتطابق إرادتا الطرفين على العناصر الأساسية لعقد الرهن، بحيث تنصبان على هذا العقد لا على عقد آخر، وذلك من خلال تعبير كل أطراف العقد تعبيرا صحيحا عن إرادتهم بشكل يفصح عن الرغبة في الالتزام بشروط عقد الرهن وإضافة إلى التعبير عن الإرادة الذي يقتضيه وجود الرضى فإن هذا الوجود يقتضي أيضا ألا يكون أحد أطراف العقد غير مميز. ويترتب على انعدام الرضى في عقد الرهن الحيازي بطلان هذا العقد بطلانا مطلقا.
2- صحة الرضى:
لكي يكون الرضى صحيحا في عقد الرهن يجب أن تتوفر في أطراف هذا العقد الأهلية المتطلبة قانونا، إضافة إلى خلو إرادة هذه الأطراف من عيوب الرضى.
أ- الأهلية المتطلبة في عقد الرهن الحيازي العقـاري: ينص الفصل 1171 ق ل ع م على أنه" لإنشاء الرهن الحيازي يلزم توفر أهلية التصرف بعوض في الشيء المرهون". أقل ما يمكن أن يقال عن هذا الفصل أنه غير دقيق، ذلك أن الأهلية المتطلبة في عقد الرهن تختلف باختلاف طرفي العقد أي بحسب ما إذا تعلق الأمر بالراهن أو بالمرتهن.
+ أهليـة الـراهـن:تختلف الأهلية اللازمة في الراهن بحسب ما إذا كان الراهن هو المدين بالالتزام المضمون بالرهن أو شخصا آخر غير المدين بهذا الالتزام ( الكفيل العيني).ففي الحالة الأولى فإن الأهلية المتطلبة في الراهن لكي يكون عقد الرهن صحيحا هي أهلية مباشرة الأعمال الدائرة بين النفع والضرر. أما في الحالة الثانية المتعلقة بالكفيل العيني فالأهلية المتطلبة في الرهن هي أهلية مباشرة الأعمال الدائرة بين النفع والضرر إذا كانت الكفالة العينية بمقابل، وأهلية التبرع إذا تمت دون مقابل.
+ أهلية المرتهن: يضع الرهن الحيازي على عاتق المرتهن التزامات يمكن أن نمثل لها بالالتزام المتعلق بالمحافظة على المرهون، لذلك، وما دام يكسبه في المقابل عدة حقوق فإن الأهلية اللازمة في المرتهن، سواء كان دائنا أو غيرا ، هي أهلية مباشرة الأعمال الدائرة بين النفع والضرر.
ب- خلو إرادة طرفي عقد الرهن الحيازي من عيوبها.: يشترط في صحة رضى طرفي عقد الرهن أن يكون سالما من العيوب التي قد تشوبه، ونظرا لعدم تميز عيوب الإرادة في عقد الرهن عن هذه العيوب في باقي العقود، لذلك نكتفي هنا بالإحالة على الأحكام العامة المنظمة لها في الكتاب الأول من ق ل ع.
الفقـرة الثانيـة: تعلق الرضى بكل من محل وسبب الالتزام
أولا : المحل كركن من أركان عقـد الرهـن: ينص الفصل 1174 ق ل ع على أن" كل ما يجوز بيعه بيعا صحيحا يجوز رهنه"، لذلك يمكن القول بأنه يشترط في الرهن ما يلي.
1 - أن يكون مما يصح التعامل فيه وبيعه بالمزاد العلني: وعليه لا يصح أن يكون محلا للرهن كل من المال العام والمال الموقوف وحقوق الارتفاق لعدم قابليتها للبيع استقلالا.
2- أن يكون العقار المرهون قابلا للتسليم: هذا الشرط تقتضيه ضرورة نقل حيازة العقار المرهون إلى المرتهن لقيام الرهن الحيازي، وينجر على هذا، القول بأنه لا يجوز رهن الحصة المشاعة ما لم يقبل كل الشركاء على الشيوع بتسليم العقار كله للمرتهن ( 1189 ق ل ع) وكذلك لا يجوز رهن ملك الغير ما لم يقر هذا الأخير هذا الرهن أو يصبح مالكا له.
ثانيا: السبب كركن من أركان الرهن: يقدم الراهن العقار المرهون ضمانا لوفائه بالتزامه الشخصي تجاه الدائن المرتهن الذي يلتزم من جهته بالمحافظة على هذا العقار وباستثماره لتسلمه إياه.
1- الالتزام المضمون بالرهن كسبب لالتزام الراهن: يشترط في الالتزام لكي يصح ضمانه برهن حيازي عقاري ما يلي:
أ- أن يكون التزاما نقديا:لا يجوز رهن عقار ضمانا لالتزام بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل، وهذا ما يستشف من الفصل 1174 ق ل ع وكذا من الفصل 101 من ظهير 2 يونيو 1915.
ب- أن يكون الالتزام المضمون صحيحا: لأن الرهن الحيازي العقاري من الحقوق العينية التبعية التي تقتضي صحتها صحة الالتزام الذي تضمنه.
2 – تسلم العقار المرهون من طرف المرتهن كسبب لالتزامه بمقتضى الرهن. : بما أن التسليم ركن في الرهن الحيازي العقاري، إذا طبقنا على هذا الرهن المقتضيات القانونية الواردة في ق ل ع م المنظمة للرهن الحيازي للمنقول، لذلك نحيل فيها يخص هذا التسليم لما سيأتي.
المطلب الثـاني: شكلية عقد الرهـن الحيـازي العقاري
إن تطبيق المادة 1188 ق ل ع على الرهن الحيازي العقاري يجعل هذا الأخير عقدا عينيا والعينية شكلية من الشكليات.
وإذا كانت شكلية التسليم تشكل ركنا مشتركا بين الرهن الحيازي الوارد على العقار المحفظ وذلك الوارد على العقار غير المحفظ ( الفقرة الأولى) فإن شكليتي الكتابة والتسجيل بالسجل العقاري خاصتين بالرهن الحيازي الوارد على العقار المحفظ ( الفقرة الثانية).
الفقـرة الأولى: شكلية التسليم كركن مشترك بين الرهن الحيازي الوارد على العقار المحفظ والرهن الحيازي الذي محله عقارا غير محفظ.
إذا كانت أحكام الفقه المالكي التي لازالت تطبق على العقارات غير المحفظة تقضي بأن عقد الرهن الحيازي عقد رضائي ينعقد بمجرد تبادل الإيجاب والقبول حتى لو لم يقع التسليم الذي هو شرط تمام، فإن تطبق المادة 1188 ق ل ع على الرهن الحيازي العقاري يجعل هذا الأخير عقدا عينيا لا ينعقد إلا بتسليم العقار المرهون إلى الدائن المرتهن. ويقصد بالتسليم قيام الراهن بعمل يتمثل في نقل الحيازة المادية للعقار المرهون من الراهن إلى الدائن أو إلى شخص ثالث متفق عليه. والتسليم المقصود في المادة 1188 ق ل ع إنما هو ذلك التسليم المادي، لأن هذه المادة تطلبت "تسليم الشيء المرهون فعليا إلى الدائن". وإذا كان الأصل أن يتم نقل حيازة العقار المرهون للدائن، فإنه لا مانع من نقل هذه الحيازة للغير الذي يعين إما باتفاق الراهن والمرتهن ( 1188 ق ل ع ) أو عن طريق المحكمة (1189 ق ل ع).
ويضطلع التسليم في الرهن الحيازي العقاري بعدة وظائف، فبالإضافة إلى الوظيفة الإنشائية لهذا التسليم، فهو يمكن الدائن من حبس العقار إلى أن يدفع المدين دينه المضمون، كما أن هذا التسليم يفيد في إعلام الغير بأن العقار المرهون لم يعد من أملاك الراهن الحرة الخالية من حقوق الغير عليها.
الفقرة الثانية: شكليتا الكتابة والتسجيل خاصتين بالرهن الحيازي الوارد على العقار المحفظ.
إذا كان الإجماع الفقهي حاصلا على كون الكتابة شكلية انعقاد في الرهن الحيازي الوارد على العقار المحفظ( أولا) فإن شكلية التسجيل في السجل العقاري مختلف بشأن تكييفها بين أمرين: كونها ركنا من أركان قيام حق الرهن وكونها مجرد شرط لينتج الحق آثاره ( ثانيا).
أولا: الكتابة شكلية لانعقاد الرهن الحيازي الوارد على العقار المحفظ
يجعل الفصل 108 في ظهير 2 يونيو 1915 من عقد الرهن الحيازي الوارد على العقار المحفظ عقدا شكليا لا ينعقد إلا إذا حرر هذا العقد كتابة. وتنطوي الكتابة في عقد الرهن الحيازي على عدة إيجابيات، إذا أن هذه الكتابة تسمح بضبط الدين المضمون من حيث مقداره أو تاريخ أدائه وكذا بتحديد العقار المرهون. ويكتسي إفراغ الرهن الحيازي الواقع على عقار محفظ في محرر كتابي، أهمية خاصة من حيث أن هذا المحرر سيشكل الأرضية التي سيعتمد عليها المحافظ العقاري في تسجيل حق الرهن في السجل العقاري.
ثانيـا: التسجيل في السجـل العقاري شكلية مختلف في تكييفها بين شـرط انعقـاد وشـرط إنتاج الآثار.
يخضع الرهن الحيازي العقاري، شأنه في ذلك شأن باقي الحقوق العينية الأخرى، لإجراء القيد في السجل العقاري.
وقد شكل التسجيل في هذا السجل إحدى النقط التي كانت محل خلاف في الفقه3حول طبيعة هذا التسجيل هل هو ركن من أركان قيام الحق أم أنه فقط شرط لينتج الحق آثاره؟.إلا أن المتمعن في الفصل 67 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن التحفيظ العقاري لن يتردد في القول بأن هذا التسجيل ليس ركنا في العقد وإنما هو إجراء إضافي ليرتب هذا العقد أثره العيني.وعليه فتسجيل الرهن الحيازي العقاري في السجل العقاري هو شرط لينتج هذا الحق آثاره سواء بالنسبة للمتعاقدين أو بالنسبة للغير.
المبحث الثاني: المقتضيات القانونية المنظمة لآثار الرهن الحيازي للمنقـول في ق ل ع تصلح في أغلبها للتطبيق على الرهن الحيازي العقاري.
يمكن التمييز في الآثار المترتبة عن الرهن الحيازي العقاري بين تلك الآثار المشتركة بين هذا الرهن وباقي الضمانات العينية الأخرى ( المطلب الأول) وتلك الآثار الخاصة بالرهن الحيازي العقاري ( المطلب الثاني).
المطلب الأول: الآثار المشتركة بين الرهـن الحيازي العقاري وباقي الضمانات العينية الأخرى.
يمكن التمييز في الآثار التي يشترك فيها الرهن الحيازي العقاري مع باقي الضمانات العينية الأخرى بين تلك الآثار التي ينتجها بالنسبة للمتعاقدين ( الفقرة الأولى) وتلك الآثار بالنسبة للغير (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الآثار المشتركة بين الرهن الحيازي العقاري وباقي الضمانات العينية الأخرى بالنسبة للمتعاقدين
أولا : الراهن يبقى مالكا للعقـار المـرهون: تبقى ملكية العقار المقرر عليه حق عيني تبعي للراهن بغض النظر عما إذا تمثل هذا الحق في الامتياز أو في الرهن الرسمي أوفي الرهن الحيازي، وهكذا فإن هذا الأخير لا يفقد الراهن ملكية العقار محل الرهن،إذا أنه يحتفظ بسلطات الملكية الثلاث وهي: الاستغلال والاستعمال والتصرف، غير أن مباشرة الراهن لهذه السلطات تبقى مقيدة بحق الرهن المقرر للمرتهن ( لاحظ مثلا الفصل 1177 ق ل ع).
ثانيـا: حق المرتهن في طلب بيع العقار المرهون عند عدم استيفائه لحقه المضمون: تخول الحقوق العينية التبعية صاحبها حق بيع الشيء المقررة عليه هذه الحقوق، قصد استيفاء حقه المضمون من الثمن المتحصل من البيع، وذلك عند امتناع المدين الراهن عن الوفاء بدينه.والرهن الحيازي العقاري يمنح، هو الآخر الدائن المرتهن عند حلول تاريخ الاستحقاق، حق طلب بيع العقار المرهون بالمزاد العلني إذا لم يؤد دينه كليـا أو جزئيـا (الفصل 1179 ق ل ع والفصل 104 من ظ 2 يونيو 1915).
الفقـرة الثانية: الآثار المشتركة بين الرهن الحيازي العقاري وباقي الضمانات العينـة الأخـرى بالنسبة للغير.
أولا : حـق الأفضليـة : يمنح الرهن الحيازي العقاري، كغيره من الحقوق العينية التبعية الأخرى، الدائن المرتهن حق استيفاء دينه من ثمن العقار المرهون بالأولوية على سائر الدائنين العاديين وكذا عن باقي الدائنين الذين لهم حق عيني تبعي على هذا العقار إذا كانوا لاحقين له في المرتبة. وحق الأفضلية لا يقتصر فقط على أصل الدين وإنما يشمل أيضا توابع الدين ومصروفات الحفظ وما إلى ذلك ( 1199 ق ل ع). وكيفية تحديد مرتبة الدائن المرتهن تختلف بحسب ما إذا كان الرهن الحيازي واردا على العقار المحفظ أو على العقار غير المحفظ. فالعبرة في تحديد مرتبة الدائن المرتهن بتاريخ تسجيل الحق في الرهن لا بتاريخ العقد المنشئ لهذا الرهن متى ورد هذا الأخير على عقار محفظ، أما إذا تعلق الأمر برهن حيازي محله عقارا غير محفظ فالعبرة في تحديد هذه المرتبة إنما هي بتاريخ العقد المنشئ للرهن.
ثانيا: حـق التتبع: تمنح الحقوق العينية التبعية لذويها سلطة التتبع تخولهم حق التنفيذ على الشيء محل هذه الحقوق في أية يد انتقل إليها هذا الشيء. والتتبع في الرهن الحيازي لا يقصد به التتبع المادي للحيازة لأن الدائن المرتهن رهن حيازة لا يحتاج إلى تتبع العقار وهو في يده وإنما يقصد به التتبع المعنوي للملكية. وتجدر الإشارة إلى أن منح الرهن الحيازي لسلطة التتبع للدائن المرتهن محل خلاف فقهي حاد4.
المطلب الثاني: الآثار الخاصة بالرهن الحيازي العقاري
يميز في الآثار الخاصة بالرهن الحيازي بين تلك الآثار التي تترتب عليه أثناء قيام هذا الرهن والتي تتمثل في انتقال الحيازة المادية دون الحيازة القانونية للعقار المرهون إلى الدائن المرتهن ( الفقرة الأول) من جهة، وتلك الآثار التي يرتبها هذا الرهن عند استحقاق الدين المضمون والتي تدور حول استيفاء الدائن المرتهن لهذا الدين من جهة أخرى(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: انتقال الحيازة المادية دون الحيازة القانونية إلى الدائن المرتهن أثناء قيام الرهن
أولا: احتفاظ الراهن بالحيازة القانونية لملكية العقار المرهون دون الحيازة المادية لهذا العقار
1- احتفاظ الراهن بالحيازة القانونية لملكية العقـار المرهون: يبقى الراهن حائرا قانونيا لملكية العقار المرهون وذلك بالرغم من انتقال الحيازة المادية لهذا العقار للدائن المرتهن الذي يعتبر من جهته حائزا قانونيا لحقه في الرهن.والحيازة المادية للدائن المرتهن للعقار المرهون هي من قبيل النيابة عن المالك لهذا العقار، لذلك فهذا الدائن يحوز العقار حيازة عرضية فقط لا تتنقل بها ملكيته مهما طال زمن هذه الحيازة.
2- خروج الحيازة المادية للعقار المرهون من يد الراهن: لن نتحدث هنا عن التسليم الذي تخرج به الحيازة المادية للعقار المرهون من يد الراهن لتنتقل إلى الدائن المرتهن لأن التسليم سبق أن تم التطرق إليه باعتباره ركنا من أركان الرهن الحيازي العقاري، وعليه فالذي يهمنا في هذا الإطار هو الآثار المترتبة عن خروج الحيازة المادية للعقار المرهون من يد الراهن بعد التسليم الذي ينعقد به الرهن الحيازي العقاري. وتتمظهر هذه الآثار على مستويين:
أ- التزام الراهن بترك العقار المرهون في يد المرتهن إلى حين وفاء الدين المضمون ( 1201، 1202 ق ل ع ، 103 من ظ 2 يونيو 1919).
ب – التزام الراهن بضمان فعالية الرهن الحيازي العقاري ( 1179 ق ل ع، 1183 ق ل ع )
ثانيـا: انتقال الحيازة المادية دون الحيازة القانونية للعقار المرهون إلى الدائن المرتهن.
سبق القول بأن الذي ينتقل إلى الدائن المرتهن بمقتضى الرهن الحيازي العقاري إنما هي الحيازة المادية للعقار المرهون (1) دون الحيازة القانونية لهذا العقار (2).
- انتقال الحيازة المادية للدائن المرتهن: ينشأ للدائن المرتهن، بمجرد انتقال الحيازة المادية للعقار المرهون إلى هذا الدائن، حق حبس هذا العقار (أ)، وهذا الحق ينشئ عليه بالمقابل التزاما بالمحافظة على هذا العقار واستثماره ( ب).
أ- انتقال الحيازة المادية للعقار المرهون إلى الدائن المرتهن يخوله حق حبس هذا العقار إلى حين استيفاء دينه المضمون. يترتب عن الرهن الحيازي العقاري حق الدائن المرتهن في حبس العقار المرهون إلى حين استيفاء دينه المضمون وملحقاته،ويمارس الدائن هذا الحق إما أصالة عن نفسه أو يباشره الغير نيابة عنه.وقد نص على هذا الحق كل من الفصل 1184 والفصل 1201 ق ل ع .وتجدر الإشارة إلى أن حق الحبس لا ينصب فقط على العقار المرهون بل ينصب أيضا على ملحقاته وخاصة منها الثمار التي يمكن أن تنتج عن استغلال العقار، هذا الاستغلال الذي يعتبر إلى جانب المحافظة على العقار المرهون من الالتزامات الملقاة على عاتق المرتهن أثناء قيام الرهن.
ب- التزام الدائن المرتهن بالمحافظة على العقار المرهون وباستثماره بسبب انتقال الحيازة المادية إليه بمقتضى الرهن
يلتزم الدائن المرتهن أو العدل بأن يحافظ على العقار المرهون بمجرد انتقال الحيازة المادية لهذا العقار إلى هذا الدائن، ويقتضي هذا من الدائن أداء التكاليف والتحملات السنوية الخاصة بالعقار الذي بيده على وجه الرهن الحيازي، ما لم يتفق على غير ذلك، كما يقتضي منه أيضا القيام بالترميمات والإصلاحات النافعة والضرورية للعقار وإلا كان مسؤولا عن تعويض الضرر ( 102 ظ 2 يونيو 1915). ودرجة العناية المطلوبة من الدائن في تنفيذ التزامه المتمثل في حفظ وصيانة العقار المرهون هي عنايته في الحفاظ على ماله ( 1204). وفضلا عن أن المرتهن يلتزم بحفظ العقار المرهون فهو يلتزم أيضا باستثمار هذا العقار واستغلاله، إذا أن انتقال الحيازة المادية لهذا العقار من الراهن إلى المرتهن لا يجب أن يؤدي إلى تعطيل العقار المرهون عن استغلاله. ورغم أنه لا يوجد من بين نصوص ق ل ع المنظمة للرهن الحيازي ما يشير صراحة إلى إلزام الدائن المرتهن باستغلال الشيء واستثماره، إلا أن هذه النصوص تضمنت ما يدل على تحمل الدائن بهذا الالتزام. وهذا ما يتضح من خلال الفصل 1204 ق ل ع الذي يلزم الدائن " بأن يسهر على حراسة الشيء أو الحق المرهون..." وهكذا نجد في هذا الفصل ما يغني عن النص بشكل صريح على التزام الدائن المرتهن باستثمار العقار المرهون، فالفصل المذكور ألزم الدائن بحراسة الشيء، ومن مقتضيات هذه الأخيرة ، حسب الفصل 821 ق ل ع إلزام الحارس بإدارة الشيء عن طريق استثماره.
2- عدم انتقال الحيازة القانونية لملكية العقار المرهون إلى الدائن المرتهن تقتضي من هذا الأخير الامتناع عن التصرف في العقار المذكور بدون إذن الراهن: لا يجوز للدائن المرتهن استعمال العقار المرهون أو رهنه للغير أو التصرف فيه بأية طريقة أخرى لمصلحة نفسه ما لم يؤذن له في ذلك صراحة ( 1207). ويرجع سبب منع الدائن المرتهن من التصرف في العقار المرهون بدون إذن الراهن إلى أن من شأن مثل هذا التصرف أن يؤدي إلى تعطيل حق الراهن في استرداد هذا العقار عند انقضاء الدين.
الفقـرة الثانية: الآثار الخاصة بالرهن عند استحقاق الدين المضمون تدور حول استيفاء الدائن المرتهن لهذا الدائن
إذا كان وفاء المدين الراهن لدينه المضمون يخوله استرداد عقاره المرهون ( أولا) فإن عدم وفاء المدين بهذا الدين عند استحقاقه يخول الدائن المرتهن استيفاء حقه المضمون من ثمن العقار المرهون المتحصل من بيعه (ثانيا).
أولا : وفاء المدين الراهن لدينه المضمون يخوله استرداد عقاره المرهون: يحق للراهن بمجرد الوفاء بدينه أو بصفة عامة بانقضاء الدين المضمون وتوابعه كليا بأي سبب من أسباب الانقضاء، بأن يسترد العقار المرهون وتوابعه مرفقا بحساب عما قبضه من ثماره أثناء حيازته له ( 1209 ق ل ع). ورد العقار المرهون قد يلزم به الدائن المرتهن ولو لم ينقض الدين المضمون في حالة ما إذا كان العقار المرهون وثماره تنذر بالتعيب أو الهلاك، ففي هذه الحالة يحق للراهن أن يسترد هذا العقار ويستبدل به شيئا آخر يساويه في القيمة (1206 ق ل ع ). ويحق للراهن، في سبيل استرداده لعقاره المرهون، أن يرفع إحدى الدعويين:
- دعوى شخصية تجاه الدائن المرتهن ناشئة عن عقد الرهن.
- دعوى عينية تستند إلى ملكيته للعقار المرهون وهي دعوى الاستحقاق.
ثانيا: عدم وفاء المدين الراهن لدينه عند استحقاقه يخول الدائن المرتهن استيفاء حقه المضمون من ثمن العقار المرهون.
يحق للدائن المرتهن الذي لم يدفع له المدين الدين المضمون عند استحقاقه أن يلجأ إلى القضاء لطلب بيع العقار المرهون عن طريق المزاد العلني. إلا أن هذا الطلب لا يمكن أن يستجاب له إلا بعد مرور سبعة أيام من الإعلام الرسمي الحاصل للمدين بالأداء يحق خلالها للمدين التعرض على البيع. وإذا كان للطرفان أن يمددا الأجل المتعلق بالتعرض المتحدث عنه سابقا فإنه بالمقابل لا يجوز لهما الاتفاق على مدة أقصر ( 1219 ق ل ع). ومباشرة عملية البيع يجب أن تتقيد بجملة من الضوابط ورد النص عليها في الفصل ( 1221 ق ل ع). وتجدر الإشارة إلى أنه لا يجوز الاتفاق على عدم مراعاة المسطرة القانونية في التنفيذ ( 1226 ق ل ع ) كما أنه لا يجوز كذلك الاتفاق على تملك الدائن المرتهن للعقار المرهون بمجرد عدم أداء المدين لدينه المضمون (104 ظ 2 يونيو1915).
المبحث الثالث: القواعد المنظمة لانقضاء الرهن الحيازي للمنقول تصلح للتطبيق على الرهن الحيازي العقاري.
وفقا للمقتضيات المنظمة للرهن الحيازي في ق ل ع، فإن هذا الرهن إما أن ينقضي بصفة تبعية أي تبعا لانقضاء الدين المضمون بهذا الرهن ( المطلب الأول). وإما أن ينقضي بصفة أصلية ( المطلب الثاني).
المطلب الأول: انقضاء الرهن بصفة تبعية
يعتبر الرهن الحيازي حقا عينيا تبعيا، لذلك فهذا الرهن ينقضي إذا أبطل أو زال أو انقضى الالتزام المضمون بهذا الرهن. والحالات التي ينتهي فيها الرهن تبعا لانتهاء الدين المضمون هي كالتالي:
1- بطلان الالتزام الأصلي أو إبطاله
2- زوال الدين المضمون المعلق على شرط بتحقق الشرط الفاسخ وتخلف الشرط الواقف
3- انقضاء الالتزام بتنفيذه عينا
4- انقضاء الالتزام بما يعادل الوفاء
ينقضي الالتزام في هذه الحالة لا بتنفيذ الالتزام عينا ولكن بما يعادل الوفاء، ويشمل تنفيذ الالتزام بما يعادل الوفاء كل من الوفاء بمقابل والتجديد والمقاصة واتحاد الذمة. إلا أن ما يجب التنبيه إليه بشأن المقاصة واتحاد الذمة هو أنهما لا يؤديان إلى انقضاء الرهن إلا إذا ترتب عنهما انقضاء الالتزام المضمون بصفة كلية لأن الانقضاء الجزئي للالتزام لا يؤدي إلى انقضاء الرهن.
5- انقضاء الالتزام بدون الوفاء به.
يمثل هذا النوع الأسباب التي تؤدي إلى انقضاء الالتزام دون تنفيذه لا عينا ولا بمقابل، وأسباب هذا الانقضاء هي كالتالي : الإبراء والإقالة الاختيارية، أما استحالة التنفيذ والتقادم المسقط فلا يؤديان إلى انقضاء الرهن.
أ- عدم تصور استحالة تنفيذ الالتزام المضمون بالرهن الحيازي: سبق القول بأن الالتزام النقدي هو وحده الذي يمكن ضمانه بالرهن الحيازي العقاري، وهذا الالتزام لا ينقضي باستحالة التنفيذ لأن محل هذا الالتزام نقود وهي أشياء مثلية لا تهلك قانونا ولو هلكت واقعيا.
ب- عدم انقضاء الدين المضمون بالرهن الحيازي العقاري عن طريق التقادم: السبب هو أن بقاء المرهون بين يدي الدائن المرتهن يشكل اعترافا مستمرا من المدين ببقاء ذمته منشغلة لمصلحة الدائن المرتهن. وبما أن الاعتراف يعد سببا من أسباب قطع التقادم فإن الاعتراف المستمر يؤدي إلى القطع المستمر للتقادم.
المطلب الثاني: انقضاء الرهن بصورة أصلية
" ينقضي" الرهن بصورة مستقلة عن الالتزام المضمون في الحالات الآتية:
1- زوال الرهن الحيازي تبعا لبطلانه أو إبطاله.
2- فسخ عقد الرهن من طرف الراهن نتيجة إخلال المرتهن بالتزامه بحفظ العقار المرهون ( 1208 ق ل ع).
3- أسباب انقضاء الرهن بصفة تبعية بمعناه المضبوط.
نص على هذه الأسباب الفصل 1234 ق ل ع، وسيتم الحديث في هذا الإطار عنها بالترتيب الذي وردت به في هذا الفصل.
أ- تنازل الدائن المرتهن عن الرهن( 1235 ق ل ع)
ب- هلاك العقار المرهون هلاكا كليا
ج- اتحاد ذمة الراهن والمرتهن: اتحاد الذمة المقصود هنا هو ذلك الذي يؤدي إلى الانقضاء الكلي للرهن.
د- فسخ الرهن الحيازي العقاري المعلق على شرط عند تحقق الشرط الفاسخ أو حلول الأجل الفاسخ.
هـ- انقضاء الرهن بحوالة الدين ما لم يشترط غير ذلك
و- بيع العقار المرهون بناء على طلب دائن مرتهن ذي أولوية.
إذا بيع العقار المرهون بالمزاد العلني استجابة لطلب تصفية الرهن المقدم من طرف دائن مرتهن سابق التاريخ فإن الرهن ينقضي بالنسبة للدائنين المرتهنين الآخرين مع حفظ حقهم فيما يفضل من الثمن بعد استيفاء الدائن المرتهن الأسبق لكل دينه (1240 ق ل ع). غير أن ما تجدر الإشارة إليه هو أنه متى انقضى الرهن الحيازي الوارد على العقار المحفظ بإحدى الطرق السابق ذكرها، فإنه يجب التشطيب على هذا الرهن من السجل العقاري،إذا أنه بدون هذا التشطيب لا يعتبر منقضيا من الناحية القانونية.
خلاصة القول أن المقتضيات المنظمة للرهن الحيازي للمنقول تصلح للتطبيق على الرهن الحيازي العقاري سواء من حيث تكوينه أو إنتاجه لآثاره أو انقضائه. والقول بإمكانية تطبيق ق ل ع على الرهن الحيازي الوارد على كل من العقار المحفظ والعقار غير المحفظ لا يبتغى منه إقصاء قواعد الفقه المالكي لكونها غير مسايرة للتطور القانوني الحالي، ولكن يستهدف فقط الحد من التعدد غير المبرر للقوانين التي تحكم العقارات في المغرب، حتى تلعب دورها الاقتصادي بجعلها أداة ائتمان لأصحابها تخولهم الحصول على قروض مقابل رهنها مثلا رهنا حيازيا، الذي يتبين أن تراجع التعامل به سببه ليس فقط هذا التعدد في القوانين الذي تحكمه.
الفرع الثاني: تراجع الفعالية الائتمانية لمؤسسة الرهن الحيازي العقاري لا يقتضي الاستغناء عن هذه المؤسسة.
تقف عدة أسباب وراء تراجع الدور الائتماني للرهن الحيازي العقاري (المبحث الأول) إلا أن هذا التراجع لم يصل إلى درجة تدعو إلى الاستغناء عن هذا الرهن لذلك فالاحتفاظ به مبرر(المبحث الثاني)، وهذا ما فعله مشروع مدونة الحقوق العينية عندما احتفظ بمؤسسة الرهن الحيازي العقاري ( المبحث الثالث).
المبحث الأول: تعدد أسباب تراجع أهمية الرهن الحيازي العقاري كأداة للائتمان
يرجع تقهقر الدور الائتماني للرهن الحيازي العقاري إلى التنظيم القانوني غير المضبوط لهذا الرهن (المطلب الأول) وكذا إلى الآليات الخاصة بهذا الأخير التي لا تخدم مصالح أطرافه ( المطلب الثاني).
المطلب الأول: التنظيم القانوني الحالي للرهن الحيازي العقاري غير مضبوط
يتميز التنظيم القانوني الحالي للرهن الحيازي العقاري بتعدد مصادر هذا التنظيم، إذ أن هذا الرهن يخضع لأحكام كل من ق ل ع وظهير 2 يونيو 1915 وكذا الفقه المالكي.وأهم ما يمكن قوله عن تعدد المصادر القانونية المنظمة لمؤسسة الرهن الحيازي العقاري هو أن هذا التعدد ينم عن غياب نظرة موحدة لهذه المؤسسة، إذ نجد أنفسنا أمام مؤسسة قانونية واحدة لها، في المقابل، تنظيمات قانونية متعددة. إذ بماذا يتميز الرهن الحيازي الوارد على العقار المحفظ عن الرهن الحيازي الذي محله عقار غير محفظ؟. يمكن القول بأن العقار الأول لا يتميز عن العقار الثاني إلا بتقنية التسجيل في السجل العقاري، لذلك فالمنطق يقتضي القول أن كل ما ليس من متطلبات التسجيل يطبق على الرهنين معا أي على كل من الرهن الحيازي الوارد على العقار المحفظ وعلى ذلك الرهن الواقع على العقار غير المحفظ. وما زاد الأمر خطورة هو أن مجــال تطبيـق ق ل ع في علاقته بأحكام الفقه المالكي غير واضح بشكل دقيق، إذ لازال هذا المجال محل خلاف فقهي حاد كما أنه ثبت أن العديد من القرارات سواء منها تلك الصادرة عن محاكم الموضوع أو المجلس الأعلى طبق فيها ق ل ع على نزاعات تتعلق بعقارات غير محفظة. وفضلا عن الحدود غير الواضحة بين كل من ق ل ع وأحكام الفقه الإسلامي، يمكن القول بأن الرجوع إلى هذه الأحكام لتطبيقها على الرهن الحيازي الوارد على العقار غير المحفظ محفوف بمجموعة من الصعوبات. إذ أن عدد الكتب التي يرجع إليها القضاء المغربي في مجال هذا العقار والمواد الشرعية الأخرى يفوق الثلاثين مرجعا5 .وعليه فالمشكل المطروح على مستوى أحكام الفقه المالكي هو أنها غير مجموعة في مدونة واحدة لكي يسهل الرجوع إليها بل هي مشتتة على عدة مصنفات.
وأقل ما يمكن أن يقال عن تعدد هذه المصنفات هو أنه يتضمن إضرارا بمبدأين أساسيين وهما الاستقرار والتوقع القانونيين، خصوصا إذا علمنا أنه ثبت من خلال الأحكام القضائية أن القواعد الواجبة التطبيق على العقارات غير المحفظة تختلف بحسب القضاة وبحسب تفضيلهم لهذا المصنف أو ذاك من المصنفات المعتمدة مما يؤدي لا محالة إلى تعارض واختلاف بين الاجتهادات ويعرقل بالتالي كل عمل من أجل التوحيد6. وهكذا نخلص إلى أن هذا التنظيم القانوني غير المضبوط للعقارات غير المحفظة لن يساعد هذه الأخيرة على أداء دورها الاقتصادي لأن هذه العقارات لن تقبل كأداة ائتمان تمكن مالكيها من الحصول على القروض.
المطلب الثاني: الآليات الخاصة بالرهن الحيازي العقاري لا تخدم مصالح أطرافه
أهم الآليات التي يقوم عليها الرهن الحيازي العقاري تلك المتعلقة بخروج الحيازة المادية من يد الراهن وانتقالها إلى يد المرتهن. فخروج هذه الحيازة من يد الراهن فيه إضرار بمصالحه ( الفقرة الأولى) وبالمقابل فإن انتقال الحيازة المادية إلى الدائن المرتهن يثقل هذا الأخير بعدة التزامات (الفقرة الثانية).
الفقـرة الأولى : خروج الحيازة المادية من يد الراهن فيه إضرار بمصالحه
سبق القول بأن الرهن الحيازي العقاري يقوم على ميزة أساسية وهي تسليم العقار المرهون إلى الدائن المرتهن أو العدل. وعليه فهذا الرهن يؤدي إلى خروج العقار من حيازة مالكه،وهذا الخروج يتضمن في الحقيقة تقييدا كبيرا للسلطات التي يمنحها حق ملكية هذا العقار. وهكذا فانتقال الحيازة المادية للعقار المرهون إلى الدائن المرتهن يؤدي إلى حرمان الراهن من استعمال واستغلال العقار المرهون بنفسه، كما أنه يؤدي إلى تقييد سلطة تصرف الراهن في هذا العقار بإذن المرتهن. قد يقال بأن الدائن المرتهن يقوم بحفظ واستثمار العقار المرهون لفائدة الراهن، ولكن المتمعن في درجة العناية المتطلبة من المرتهن في القيام بهذا الحفظ وهذا الاستثمار وهي عناية هذا الدائن في حفظ واستثمار أمواله، سيجد بأن تحديد هذه العناية بهذا الشكل فيها خطر على الراهن، إذ الأخذ بالمعيار الشخصي في هذا الإطار يجعل العناية المتطلبة تختلف من شخص لآخر، وهكذا إذا كان الدائن المرتهن لا يحسن حفظ واستثمار أمواله فإن نقل حيازة العقار المرهون إلى مثل هذا الدائن فيه إضرار بمصالح الراهن الذي لن يكون له الحق في إلزام هذا الدائن ببذل عناية أكبر من تلك التي يبذلها في حفظ واستثمار أمواله. وينطوي خروج الحيازة المادية من يد الراهن على سلبية أخرى تتمثل في أن هذا الخروج لا يمكن الراهن من الحصول على قروض جديدة لأن هذا الانتقال للحيازة المادية إلى المرتهن لا يساعد على تجزيء الائتمان بين دائنين متعددين.
الفقرة الثانية: انتقال الحيازة المادية للدائن المرتهن يثقل كاهل هذا الأخير بعدة التزامات.
يشكل نقل الحيازة المادية للعقار المرهون إلى الدائن المرتهن عبئا ثقيلا على هذا الدائن، إذ أن هذا النقل يلزمه بحفظ العقار واستثماره ويحمله مسؤولية كبيرة عن الإخلال بالالتزامين المتمثلين في هذا الحفظ وهذا الاستثمار.
وعليه فالرهن الحيازي العقاري يحمل الدائن المرتهن التزامات مرهقة، مقابل حصوله على حقه المضمون بهذا الرهن، وهذا هو السبب الذي يدفع إلى عدم قبول هذا الرهن كضمانة للديون.إذا الغالب أن ذوي رؤوس الأموال يفضلون الاحتفاظ بهذه الأخيرة بدل إقراضها مقابل الحصول على الرهن الحيازي العقاري، ما دام أن هذا الإقراض لن يدر عليهم نفعا.
المبحث الثاني: الاحتفاظ بمؤسسة الرهن الحيازي العقاري له ما يبرره
ما يبرر ضرورة الاحتفاظ بمؤسسة الرهن الحيازي العقاري هو النسبة الكبيرة للعقارات غير المحفظة مقارنة مع العقارات المحفظة ( المطلب الأول) وكذا التعامل بهذا الرهن في المناطق الريفية المغربية( المطلب الثاني).
المطلب الأول: النسبة الكبيرة العقارات غير المحفظة مقارنة مع العقارات المحفظة تبرر الاحتفاظ بمؤسسة الرهن الحيازي العقاري.
نظرا للمزايا الكثيرة التي يحققها نظام التحفيظ العقاري، فقد اتخذ المشرع المغرب عدة مبادرات تستهدف تشجيع الناس على تحفيظ عقاراتهم قصد تعميم هذا النظام، إلا أن هذا التعميم اعترضته عدة معوقات جعلته بعيد المنال.
ورغم عدم توفرنا على إحصائياترسمية بخصوص النسبة المحفظةمن العقارات،إلا أن المتداول فقها هو أن هذه النسبة لا تتجاوز 20% من مجموع العقارات. ومادام الرهن الرسمي لا يرد إلا على العقارات المحفظة بخلاف الرهن الحيازي الذي يرد على كل من العقارات المحفظة والعقارات غير المحفظة، لذلك فالاعتماد فقط على الرهن الرسمي سيجعل العقارات غير المحفظة خارج الحلبة الاقتصادية.
المطلب الثاني: التعامل بالرهن الحيازي العقاري في المناطق الريفية المغربية يبررالاحتفاظ بمؤسسة الرهن الحيازي العقاري.
اعتبارا لكون الرهن الحيازي يمثل الصورة التقليدية للرهون، لذلك نجد أن الناس ألفوا هذا النوع من الرهون خصوصا في المناطق القروية، وذلك بخلاف الرهن الرسمي الذي يجهله أغلب الناس. وتجدر الإشارة إلى أنه تمت الدعوة في مصر، من بعض أعضاء مجلس الشيوخ إلى إلغاء الرهن الحيازي العقاري من القانون المدني، إلا أنه لم يستجب لهذه الدعوة لعدة مبررات من بينها أن الاحتفاظ بهذا الرهن في القانون المدني المصري تستدعيه كثرة التعامل بهذا الرهن في المناطق الريفية.
المبحث الثالث: احتفاظ مشروع مدونة الحقوق العينية بمؤسسة الرهن الحيازي العقـاري
نظم مشروع القانون رقم 19.01 المتعلق بمدونة الحقوق العينية الذي أعدته وزارة العدل، الرهن الحيازي العقاري في المواد من 288 إلى311. والملاحظ على هذا المشروع أنه بالرغم من تضمنه لبعض المستجدات على مستوى الرهن الحيازي العقاري ( المطلب الثاني) إلا أنه ( أي المشروع) جعل من الأحكام المنظمة للرهن الحيازي في ق ل ع الشريعة العامة لهذا الرهن( المطلب الأول).
المطلب الأول: مشروع مدونة الحقوق العينية يجعل القواعد المنظمة للرهن الحيازي في ق ل ع كشريعة عامة للرهن الحيازي العقاري.
أحال مشروع مدونة الحقوق العينية، بمناسبة تنظيمه للرهن الحيازي العقاري، في مادته 290 على مجموعة من الفصول المنظمة للرهن الحيازي في ق ل ع، ويصل عدد هذه الفصول المحال عليها إلى 45 فصلا. وعليه فأحكام الرهن الحيازي المنصوص عليها في ق ل ع شكلت الأساس المعتمد عليه في صياغة مقتضيات الرهن الحيازي العقاري الواردة في المشروع المتحدث عنه، خصوصا إذا علمنا أنه بالإضافة إلى إحالة هذا المشروع في مادته 290 منه على عدة فصول من ق ل ع، فجل مواده الأخرى كرست قواعد تضمنتها مقتضيات ق ل ع الخاصة بالرهن الحيازي، إلا أن هذا لا ينفي القول بوجود بعض المستجدات.
المطلب الثاني: مستنجدات مشروعه مدونة الحقوق العينية على مستوى الرهن الحيازي العقاري.
أتى مشروع مدونة الحقوق العينية ببعض المقتضيات الجديدة على مستوى الرهن الحيازي والتي لا مثيل لها في الأحكام المنظمة لهذا الرهن في ق ل ع. ويمكن حصر أهم المستجدات التي تضمنها المشروع فيما يتعلق بهذا الرهن على المستويات التالية:
+ صحة عقد الرهن تقتضي حسب المادة 291 من المشروع:- أن يبرم هذا العقد في محرر يحرره عدلان- أن يكون الرهن لمدة معينة- تضمن العقد لما يفيد معاينة حوز العقار المرهون.
+ عقود الرهن المبرمة خارج المغرب على عقار بالمغرب لما أثر لها( 293).
+ الاهتمام بقاعدة التخصيص من خلال الحرص على تضمين عقد الرهن مجموعة من البيانات المتعلقة بالعقار المرهون وبمبلغ الدين المضمون ( 294).
+ اشتراط موافقة المالك الحقيقي بمقتضى محرر رسمي في حالة رهن ملك الغيـر( 295).
+ عدم جواز رهن العقارات التي ستملك مستقبلا ( 299).
+ للمدين حق رد عقاره المرهون بعد أداء دينه المضمون ولو قبل حلول تاريخ استحقاق هذا الدين ().
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق