تمهيد
يتسع مفهوم قضاء التعويض ليشمل كافة أحكام المسئولية التي يجوز المطالبة بالتعويض الناشىء عنها أمام كافة الجهات القضائية على اختلاف اختصاصها ، فيتسع ليشمل المسئولية المدنية بنوعيها العقدية والتقصيرية ، كما يمتد الى مفهوم مسئولية جهة الادارة عن التعويض سواء عن الاعمال المادية لجهة الادارة ، أو التعويض عن القرارات الادارية المعيبة ، وحيث لا يتسع المقام لعرض ذلك جميعه ، الأمر الذي يتعين معه ايضاح اننا سنقصر الحديث على القاء الضوء على أهم الفروق بين نوعي المسئولية المدنية سواء التقصيرية أو العقدية ، ثم نتعرض بالتفصيل لموضوع المحاضرة الذي يدور حول أحكام المسئولية التقصيرية المختلفة ، و نتناول بمزيد من الايضاح أهم القضايا العملية التي تقوم على أحكام المسئولية التقصيرية ، على أن نختتم الحديث بالتعرض لبعض صور المسئولية الشائعة التي يقوم بها الحق في التعويض . أولا : حول المسئولية المدنية وأهم الفروق بين المسئولية العقدية والمسئولية التقصيرية ــــــــــــــــــــــــالمسئولية المدنية نوعان : المسئولية العقدية : وهي تقوم على الإخلال بالتزام مصدره العقدالمسئولية التقصيرية : وهي تقوم على الإخلال بالتزام قانوني مؤداه عدم الإضرار بالغير أهم الفروق بين المسئولية العقدية والمسؤلية التقصيرية :1 ـ من حيث التقادم : تنطبق علي المسؤلية العقدية القاعدة العامة في التقادم أي ان المسؤلية تسقط بمضي خمس عشر سنة ، اما في المسؤلية التقصيرية فالقاعدة العامة انها تسقط بمضي ثلاث سنوات من تاريخ العلم بوقوع الضرر وبشخص المسئول عنه ، ولا تسقط ما دامت الدعوى الجنائية قائمة ( م 172 مدني ) .2 ـ من حيث الاعذار : يلزم لاستحقاق التعويض في المسؤلية العقدية اعذار المدين بينما في المسئولية التقصيرية فلا إعذار .3 ـ من حيث التضامن لا يفترض التضامن في المسؤلية العقدية ، وانما يكون عند تعدد المسؤلين بنص في القانون او باتفاق المتعاقدين بينما التضامن في المسؤلية التقصيرية مقرر بحكم القانون ( م 169 مدني ) .4 ـ من حيث الاعفاء من المسؤلية : يجوز الاتفاق علي الاعفاء من المسؤلية التقصيرية العقدية فيما عدا حالتي الغش والخطأ الجسيم ، أما في المسؤلية التقصيرية فلا يجوز الإعفاء من المسئولية ويقع باطلا كل اتفاق يخالف ذلك ، باعتبار قواعد المسئولية التقصيرية من قبيل النظام العام .5 ـ من حيث الأهلية : في المسئولية العقدية يتعين وجود عقد صحيح صادر من ذي أهلية أو ممن له ولاية عليه ، أما في المسئولية التقصيرية فيكفي مجرد التمييز .6 ـ من حيث الاثبات : قي المسئولية العقدية عبء الاثبات على المدين فيجب عليه ان يثبت انه وفى بالتزامه الوارد بالعقد ، أما في المسئولية التقصيرية فالمضرور هو الذي يقع عليه عبء إثبات خطأ المدين والضرر والعلاقة بينهما .
ثانيا : أحكام المسئولية التقصيرية
ــــــــــــــــــــتنقسم المسئولية التقصيرية الى ثلاثة أقسام :الأول : المسئولية عن الأعمال الشخصية والثاني : المسئولية عن عمل الغير والثالث : المسئولية عن الأشياء والمسئولية في القسمين الاخيرين هي المسئولية القائمة على خطأ مفترض 1 ـ المسئولية عن الأعمال الشخصيةوهي المسئولية التي تقوم على خطأ واجب الاثبات ، فالخطأ غير مفترض ويتعين على المدعي اثبات الخطأ كما يتعين عليه اثبات الضرر الذي لحق به فضلا عن علاقة السببية بين الخطأ والضرر .أركان هذه المسئولية :تنص المادة 163 من القانون المدني " كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض " وومؤدى هذا النص أن المسئولية التقصيرية تقوم على أركان ثلاثة ، خطأ ثابت في حق المسئول ، وضرر واقع في حق المضرور ، وعلاقة سببية بينهما بحيث يثبت أن هذا الضرر قد نشأ من ذلك الخطأ ونتيجة لحدوثه .أ ـ الخطأ وتنصرف دلالاته إلى مجرد الإهمال والفعل العمد على حد سواء فيجب أن يترك تحديد الخطأ لتقدير القاضى ، فالخطأ التقصيرى مرهون بتوافر عنصرين أولهما عنصر مادي أو موضوعي وهو الإخلال بواجب قانوني ولا تقتصر الواجبات القانونية على ما تفرضه النصوص التشريعية كالالتزامات والنواهي التى تفرضها النصوص العقابية المختلفة أو كالواجبات التي تفرضها قوانين المرور على قائدى السيارات بل تشمل كل الواجبات القانونية التى وإن لم ينص عليها المشرع إلا أنها تستمد إلزامها من المبادئ العامة للقانون وتجد هذه الواجبات سندها القانوني فى فكرة الحق وليتحدد مدى هذه الواجبات بمسلك الرجل العادي إذا وجد فى مثل الظروف المحيطة بمن ينسب إليه الخطأ وهو ما قررته محكمة النقض في أن " الخطأ الموجب للمسئولية طبقا للمادة 163 من القانون المدني هو الإخلال بالتزام قانوني يفرض على الفرد أن يلتزم فى سلوكه بما يلتزم به الأفراد العاديون من اليقظة والتبصر حتى لا يضرون بالغير فإذا انحرف عن هذا السلوك الذى يتوقعه الآخرون ويقيمون تصرفاتهم على أساس من مراعاته يكون قد اخطأ " نقض 31/5/1978 الطعن رقم 336 لسنة 4 ق" ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــفكر قليلا : ما هي الحالات التي يكون فيها التعدي مشروعا ؟ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــب ـ الضررويتعين على المضرور ليس فقط اثبات الخطأ ولكن أيضا إثبات الضرر الذي هو المساس بمصلحة للمضرور وهو يتحقق بالمساس بوضع قائم أو الحرمان من ميزة بحيث يصير المضرور فى وضع أسوأ مما كان عليه قبل وقوع الخطأ ويشترط فيه أن يكون محققا وهو يعتبر كذلك إذا تحقق سببه ولو تراخت آثاره إلى المستقبل .وتقدير ثبوت الضرر أو عدم ثبوته من المسائل الموضوعية التى تدخل فى حدود سلطة محكمة الموضوع بغير معقب من محكمة النقض فى ذلك ما دام الحكم قد بين عناصر الضرر ووجه أحقية طالب التعويض فيه . " نقض 36/6/1972 –م- نقض – ج – 23-953 " الضرر المادي والضرر الأدبي والضرر قد يكون ماديا وقد يكون أدبيا فالضرر المادي : هو الإخلال بمصلحة لمضرور ذات قيمة مالية ويجب ان يكون هذا الإخلال محققا ولا يكفى أن يكون محتملاً فالضرر المادي له شرطان : أولهما أن يكون هناك إخلال بمصلحة مالية للمضرور وثانيهما أن يكون محققا .وقد تكون المصلحة المالية للمضرور حقا أو مجرد مصلحة مالية فيجوز أن يكون الضرر إخلالا بحق المضرور المادي فالتعدي على الحياة ضرر وإصابة الجسم ضرر أو القتل بأذى هو ضرر مادى لأن من شأنه أن يخل بقدرة الشخص على الكسب ويحمله نفقه فى العلاج والأمثلة على ذلك كثيرة وقد يصيب الضرر شخصا بالتبعية عن طريق ضرر أصاب شخصا آخر– فالقتل مثلا ضرر أصاب المقتول فى حياته وعن طريق هذا الضرر يصيب أولاد المقتول بحرمانهم من العائل وهذا فضلا عن الضرر الأول الذى أصاب المقتول فى نفسه ، والحق الذى يعتبر الإخلال به ضررا أصاب الأولاد فيها هو حقهم فى النفقة قبل أبيهم ، وقد يكون الضرر الإخلال بمصلحة مالية للمضرور مثل أن يفقد الشخص عائله دون أن يكون له حق فى النفقة مما يدل على أنه إذا فقد عائله يكون قد أصيب فى مصلحة مالية إذ هو اثبت أن العائل كان يعوله.وعلى نحو مستمر ودائم وأن فرصة الاستمرار على ذلك فى المستقبل كانت محققة فيقدر القاضي ما ضاع على المضرور من فرصة بفقد عائله ويقضى بالتعويض على هذا الأساس ، أما من له حق ثابت فى النفقة كالزوجة والأبناء والوالدين فإن الضرر يصيبهم فى حق لا فى مصلحة ، كما يجب أن يكون الضرر محقق الوقوع بان يكون قد وقع فعلاً أو سيقع حتماً فى المستقبل كلما كان نتيجة حتمية لازمة لضرر وقع فعلاً .فيجوز للمضرور أن يطالب بالتعويض عن ضرر مستقبل متى كان محقق الوقوع فالتعويض عن الضرر المادي شرطه الإخلال بمصلحة مالية للمضرور وأن يكون الضرر محققا بان يكون قد وقع فعلا أو أن يكون وقوعه فى المستقبل حتمياومن أمثلة الضرر المستقبل الذائعة التعويض عن فوات الفرصة حيث وفي ذلك تقول محكمة النقض : " أنه إذا كانت الفرصة أمرا محتملاً فإن تفويتها محقق ولا يمنع القانون من أن يحسب فى الكسب الفائت ما كان المضرور يأمل الحصول عليه من كسب ما دام لهذا الأمل أسباب مقبولة"" الطعن 860 س 45 ق جلسة 16/5/1979 " كما قضي بانه : " اذا كان أمل الأبوين في أن يستظلا برعاية ولدهما في شيخوختهما لا يجد حده عند سن معينة يبلغها الابن ، وانما يولد لديهما منذ حملاه بين أيديهما اذ يرجوان وبدافع فطري أن يشب عن الطوق ليكون قرة عين لهما وسندا يمسح عنهما تعب السنين ـ ومن ثم فإن هذا الأمل ـ وأيا ما كان عمر الابن ـ يكون قائما على أسباب مقبولة . وتفويته بفعل ضار غير مشروع يوجب المساءلة بالتعويض " (الطعن رقم 785 لسنة 67 ق جلسة 15/12/1998) و تقدير توافر رابطة السببية بين الخطأ والضرراو عدم توافرها هو من المسائل الموضوعية التى تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دام تقديرها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة ولها أصلها فى الأوراق وإنه يكفى لتوافر رابطة السببية بين خطأ المتهم والضرر الواقع أن تستخلص المحكمة من واقع الدعوى انه لولا الخطأ المرتكب لما وقع الضرر " نقض 7/11/1977- م – نقض – ج – 28-1921" وكان من المقرر أنه متى اثبت المضرور الخطأ والضرر وكان من شأن ذلك الخطأ أن يحدث عادة هذا الضرر فإن القرينة على توافر علاقة السببية بينهما تقوم لصالح المضرور وللمسئول نقض هذه القرينة بإثبات أن الضرر قد نشا عنه سبب أجنبي لا يد له فيه " 28/11/1968- م- نقض م- 19-1488 " .
التعويض عن الضرر الموروث كصورة خاصة من صور التعويض عن الضرر المادي :
ومن المبادىء الرائعة التي رسختها وأرستها محكمة النقض أنه إذا تسببت وفاة المجنى عليه في فعل ضار فإن هذا الفعل لابد أن يسبق الموت ولو بلحظة مهما قصرت وفى هذه اللحظة يكون المجني عليه ما زال أهلا لكسب الحقوق ومن بينها حقه فى التعويض عن الضرر الذى أصابه وحسبما يتطور إليه هذا الضرر ويتفاقم ومتى ثبت له هذا الحق قبل وفاته فإن ورثته يتلقونه عنه فى تركته ويحق لهم مطالبة المسئول بجبر الضرر المادى الذى سببه لمورثهم لا من الجروح التى أحدثها فحسب وإنما أيضا من الموت الذى أدت إليه هذه الجروح باعتباره من مضاعفاتها ولئن كان الموت حقا على كل إنسان إلا أن التعجيل به إذا حصل بفعل فاعل يلحق بالمجني عليه ضررا ماديا محققا إذ يترتب عليه الآلام الجسيمة التى تصاحب المجنى عليه الذى يموت عقب الإصابة مباشرة وتجويز هذا الحق لمن يبقى حيا مدة بعد الإصابة يؤدى إلى نتيجة يأباها العقل والقانون وهى جعل الجاني الذى يقسو فى اعتدائه حتى يجهز على ضحيته فورا فى مركزيفضل مركزالجاني الذى يقل عنه قسوة وإجراما فيصيب المجنى عليه بأذى دون الموت ( نقض الطعن 6551 س 52 ق جلسة 12/1/1986)
أما الضرر الأدبي :
فهو الضرر الذي يمس العاطفة والشعور بما قد يصيبها بالالم أو الأذى أو الأسى والحزن والهم أو غير ذلك من المشاعر الانسانية وكل ما يؤذى الإنسان فى شرفه واعتباره أو يصيب عاطفته واحاسيسه ومشاعره .وقد استقر فى العصر الحاضر على وجوب التعويض عن الضرر الأدبى بوجه عام بعد ان زال ما غامر الأذهان من عوامل التردد فى هذا الصدد بذلك .والتعويض عن الضرر الأدبى لا يقصد به محوه وإزالته من الوجود ، إذ هو نوع من الضرر لا يمحى ولا يزول بتعويض مادى وإنما المقصود به أن يستحدث المضرور لنفسه بديلا عما اصابه من الضرر الأدبى فالخسارة لا تزول ولكن يقوم إلى جانبها كسب يعوضها .وليس هناك معيار لحصر أحوال التعويض الأدبى إذ يشمل كل ضرر يؤذى الإنسان فى شرفه واعتباره او يصيب عاطفته وإحساسه ومشاعره يصلح أن يكون محلا للتعويض على أن ذلك لا يعنى أنه يجوز لكل من ارتد عليه ضرر أدبي مهما كانت درجة قرابته لمن وقع عليه الفعل الضار أصلا المطالبة بهذا التعويض ، إذ أن تقدير ذلك متروك لمحكمة الموضوع تقدره فى كل حالة على حدة والتعويض هنا يقاس بقدر الضرر المرتد لا الضرر الأصلي وبحيث لا يجوز أن يقضى به لغير الأزواج والأقارب إلى الدرجة الثانية إعمالاً للفقرة الثانية من المادة 222 من القانون المدني والعبرة فى تحقيق الضرر الأدبي هو أن يؤذى الإنسان فى شرفه واعتباره أو يصاب فى إحساسه ومشاعره وعاطفته بان يكون لديه ملكات الإدراك اللازمة للانفعال بالموت وما يستتبعه من ألم وحزن فإن لم يتحقق شيئ من ذلك انتفى موجب التعويض .كما يراعى ما نصت عليه الفقرة الاولى من المادة 222 مدني من أن التعويض الضرر الأدبى أن ينتقل إلى الغير إلا إذا تحدد بمقتضى اتفاق وطالب الدائن به أمام القضاء .ج ـ علاقة السببية : ولا يكفي لقيام المسئولية ثبوت الخطأ وثبوت الضرر بل يتعين أيضا ثبوت علاقة السببية بينهما ، فقد يقوم الخطأ ويقوم الضرر ومع ذلك لا تثبت المسئولية التقصيرية كما لو قاد شخص سيارة بدون ترخيص ، فاصطدم باحد الأشخاص محدثا اصابته ، ففي هذه الحالة وان كان خطأ قائد السيارة ثابتا ، وضرر المجني عليه ثابتا الا ان هذا الخطأ لا ينتج لزوما وعادة هذا الضرر .وقد تتعدد أسباب الاخطاء المسببة للضرر والمنتجة له فيكون كل من شارك بخطئه مسئولا عن تعويض الضرر بقدر مشاركته فيه .وقد يقع خطأ من المضرور يشارك به في احداث الضرر لنفسه ، وهنا يتعين بحث مدى جسامة خطأ المضرور ودوره فان بلغ من الجسامة حد انه لولا خطئه ما وقع الضرر يكون خطأ المجني عليه المضرور قد استغرق خطأ الجاني او مرتكب الفعل الضار بما تنقطع معه علاقة السببية .ويتعين على المضرور فضلا عن اثبات الخطأ والضرر ، إثبات قيام رابطة السببية بينهما ، و تقدير توافر رابطة السببية بين الخطأ والضرراو عدم توافرها هو من المسائل الموضوعية التى تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دام تقديرها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة ولها أصلها فى الأوراق وإنه يكفى لتوافر رابطة السببية بين خطأ المتهم والضرر الواقع أن تستخلص المحكمة من واقع الدعوى انه لولا الخطأ المرتكب لما وقع الضرر .و متى اثبت المضرور الخطأ والضرر وكان من شأن ذلك الخطأ أن يحدث عادة هذا الضرر فإن القرينة على توافر علاقة السببية بينهما تقوم لصالح المضرور وللمسئول نقض هذه القرينة بإثبات أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه أدلة الإثبات في المسئولية عن العمل الشخصي : يقع عبء الاثبات على المضرور على نحو ما سلف بيانه ويستطيع المضرور عملا اثبات المسئولية باثبات عناصرها من خطأ وضرر وعلاقة سببية بكافة طرق الاثبات ومن بينها القرائن والبينة ( شهادة الشهود ) وقد يغنيه عن اثبات الخطأ صدور حكم جنائي نهائي وبات بالادانة أو بالتعويض المؤقت إذ أنه من المقرر بنص المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية أنه " يكون للحكم الجنائى الصادر من المحكمة الجنائية فى موضوع الدعوى الجنائية بالبراءة أو الإدانة قوة الشيئ المحكوم به أمام المحاكم المدنية "ويجرى نص المادة 102 من قانون الإثبات على أنه " لا يرتبط القاضي المدني بالحكم الجنائى إلا فى الوقائع التى فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضروريا "وجرى قضاء النقض فى هذا على أن" الحكم الصادر في الدعوى الجنائية يجب أن تكون له حجية المحكوم فيه أمام المحكمة المدنية بالنسبة لما يقتضي الفصل في تلك الدعوى بيانه فيه حسب القانون متى كان مناط الدعوى المدنية ذات الفعل الذي تناوله الحكم ، وليست العلة في ذلك اتحاد الخصوم والموضوع والسبب في الدعويين ، وإنما هى في الواقع توافر الضمانات المختلفة التي قررها الشارع في الدعاوى الجنائية ابتغاء الوصول الى الحقيقة لارتباطها بالارواح والحريات ، الأمر الذي تتأثر به مصلحة الجماعة لا مصلحة الافراد مما يقتضي أن تكون الأحكام الجنائية محل ثقة على الاطلاق وأن تبقى اثارها نافذة على الدوام " ( نقض مدني في 9 مايو 1940 مجموعة عمر 3 رقم 58 ص 192 )كذلك الحكم بالتعويض المؤقت متى حاز قوة الأمر المقضي وإن لم يحدد الضرر فى مداه او التعويض فى مقداره يحيط بالمسئولية التقصيرية فى مختلف عناصرها ويرسى دين التعويض فى أصله ومبناه مما تقوم به بين الخصوم حجيته إذ بها تستقر المساءلة وتتأكد الدينونة إيجابا وسلبا ولا يسوغ فى صحيح النظر أن يقصر الدين الذى أرساه الحكم على ما جرى به المنطوق رمزاً له ودلالة عليه بل يمتد إلى كل ما يتسع له حمل الدين من عناصر تقديره ولو بدعوى لاحقة يرفعها المضرور بذات الدين استكمالا له وتعيينا لمقداره فهى بهذه المثابة فرع لأصل حاز قوة الأمر المقضي فبات عنوانا للحقيقة والحكم النهائى الصادر بالتعويض المؤقت من المحكمة الجنائية فى الدعوى المدنية المرفوعة بالتبعية للدعوى الجنائية يحوز حجية الشئ المحكوم فيه أمام المحكمة المدنية التى يطلب إليها استكمال ذلك التعويض مما قضى به من مبدأ استحقاق المضرور لكامل التعويض .شرط أن يكون الحكم الجنائي نهائيا وباتاًوقد استقر قضاء النقض على أن الحكم الجنائي الذي يمكن الارتكان اليه في ثبوت الخطأ يتعين أن يكون حكما باتاً أي لا يقبل الطعن عليه باستنفاد طرق الطعن بما في ذلك طريق الطعن بالنقض أو بفوات مواعيدها جميعا .ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـسؤال للتفكير : هل للحكم الجنائي الصادر بالبراءة حجية في نفي الخطأ ؟ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 ـ المسئولية عن عمل الغيروالمسئولية عن عمل الغير لا تقوم على خطأ واجب الاثبات ، بل تقوم على خطأ مفترض ، وهي تنقسم الى قسمين مسئولية المتبوع عن أعمال تابعة ومسئولية متولي الرقابة .القسم الأول : مسئولية المتبوع عن أعمال تابعهــــــــــــــــــــــــــتنص المادة 174 من القانون المدنى أنه 1 ـ يكون المتبوع مسئولاعن الضرر الذى يحدثه تابعه بعمل غير مشروع متى كان واقعا منه حال تأدية وظيفته وبسببها 2 ـ وتقوم رابطة التبعية ولو لم يكن المتبوع حراً فى اختيار تابعه متى كانت له عليه سلطة فعلية فى رقابته و توجيهه .والبين من هذا النص أنه يلزم توافر شرطين لتحقق مسئولية المتبوع عن أعمال تابعه :الشرط الأول : قيام رابطة التبعية وعلاقة التبعية هي مناط هذه المسئولية التي تفرض على المتبوع جبر الضرر الذي يحدثه تابعه إذ هي تقوم على اساس السلطة الفعلية للمتبوع في الرقابة على تابعه وتوجيهه حيث يخضع التابع لاوامر وتعليمات المتبوع في اداء مهمته ويتقيد بها ويخضع لرقابة المتبوع في تنفيذ مهمته .فأساس مسئولية المتبوع ما للمتبوع من سلطة فعلية فى إصدار الأمر إلى التابع فى طريقة أداء عمله والرقابة عليه فى تنفيذ هذه الأوامر ومحاسبته عن الخروج عليها وهو الأمر الذى تقوم به سلطة التوجيه والرقابة فى جانب المتبوع ) بما يعني أن علاقة التبعية تنهض على عنصرين هما :- السلطة الفعلية و الرقابة والتوجيه والسلطة الفعلية ليست بالضرورة ان تكون سلطة عقدية او شرعية إذ العبرة ليست بوجود عقد يربط التابع بالمتبوع بل بتوافر حالة خضوع التابع لرقابة المتبوع إذ يملك عليه سلطة فعلية في امره وزجره والاشراف على تنفيذ اوامره ومحاسبة التابع إذا خرج عن تعليمات واوامر المتبوع .كما انه من المستقر عليه أيضاً فى قضاء محكمة النقض أن مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعيه تتحقق كلما هيأت له وظيفته بأى طريقة كانت فرصة ارتكاب الخطأ سواء ارتكبه لمصلحة المتبوع أو عن باعث شخصى (الطعن رقم 2011 لسنة 52 قضائية – جلسة 24/10/1985).الشرط الثاني : خطأ التابع حال تأدية وظيفته أو بسببها لا تقوم مسئولية المتبوع بمجرد قيام رابطة التبعية إذ يتعين ثبوت ارتكاب التابع لخطأ نتج عنه ضرر أصاب الغير حال تأدية وظيفته أو بسببها .إذن فإن مسئولية المتبوع تقوم على ثبوت مسئولية التابع عن الضرر الذي احدثه بخطئه مما يعني ضرورة توافر اركان المسئولية الثلاثة من خطأ وضرر ورابطة السببية.وهو ما استقر عليه قضاء النقض من أنه " يجب لمساءلة المتبوع ان تتحقق مسئولية التابع وعلى نحو ما تكون مسئولية التابع تكون مسئولية المتبوع "ويجب أن يكون التابع قد ارتكب هذا الخطأ الذي نتج عنه ضرر لحق بالغير اثناء تأدية وظيفته او بسببها فهذا هو الضابط الذي يربط مسئولية المتبوع بعمل التابع ويبرر في الوقت ذاته هذه المسئولية"و المشرع هنا لم يطلق العنان لتلك المسئولية تطال المتبوع متى اخطأ التابع بل قيدها بأن اشترط حصول خطأ التابع الذي احدث ضرراً اثناء تأدية وظيفته او بسببها فهذا هو نطاق تلك المسئولية .بما يعني ان الخطأ قد صدر من التابع اثناء تأدية الوظيفة او بسببها أي أنه استغل وظيفته أو أنها ساعدته وسهلت له إرتكاب هذا الخطأ بحيث انه لم يكن يستطيع ارتكاب ذلك الفعل لولا وظيفته وفي هذا فيتحدد نطاق هذه المسئولية بأن يكون العمل الضار غير المشروع واقعاً من التابع حال تأدية الوظيفة أو بسببها لم يقصد أن تكون المسئولية مقتصرة على خطأ التابع وهو يؤدى عملاً من أعمال وظيفته ، أو أن تكون الوظيفة هى السبب المباشر لهذا الخطأ أو أن تكون ضرورية لإمكان وقوعه ، بل تتحقق المسئولية أيضاً كلما كان فعل التابع قد وقع منه أثناء تأدية الوظيفة ، أو كلما استغل وظيفته أو ساعدته هذه الوظيفة على إتيان فعله غير المشروع أو هيأت له بأية طريقة كانت فرصة ارتكابه، سواء ارتكبه التابع لمصلحة المتبوع أو عن باعث شخصى ، وسواء أكان الباعث الذى دفعه إليه متصلاً بالوظيفة أو لا علاقة له بها ، وسواء وقع الخطأ بعلم المتبوع أو بغير علمه.والخطأ اثناء تأدية الوظيفة: هو الخطأ الذي يصدر من التابع وهويؤدي عملاً من اعمال الوظيفة إذ به تتحقق مسئولية المتبوع سواء كان هذا الخطأ في تأدية الوظيفة قد وقع بناء على امره او بغير امر منه بعلمه او دون علمه. أما الخطأ بسبب الوظيفة: فقد تكون الوظيفة هي التي اتاحت الفرصة للتابع لارتكاب خطئه الذي ترتب عليه ضرر بالغير أي أنه لولا تلك الوظيفة لما تمكن من ارتكاب فعله غير المشروع بحيث أنه لم يكن في استطاعته ذلك لولا تلك الوظيفة التي لعبت دورا رئيسيا بما يؤكد على وجود صلة وثيقة بين الوظيفة والفعل.
القسم الثاني :
القسم الثاني :
مسئولية متولي الرقابة :
1 ـ كل من يجب عليه قانونا او اتفاقا رقابة شخص حاجة الى الرقابة ، بسبب قصره او بسبب حالته العقلية او الجسمية يكون ملزما بتعويض الضرر الذى يحدثه ذلك الشخص للغير بعمله غير المشروع ، ويترتب هذا الالتزام ولو كان من وقع منه العمل الضار غير المميز .
2 ـ ويعتبر القاصر فى حاجة الى الرقابة اذا لم يبلغ خمس عشرة سنة ، او بلغها وكان فى كنف القائم على تربيته وتنتقل الرقابة على القاصر الى معلمه فى المدرسة او المشرف على الحرفة مادام القاصر تحت اشراف المعلم او المشرف وتنتقل الرقابة على الزوجة القاصر الى زوجها او الى من يتولى الرقابة على الزوج .3 ـ ويستطيع المكلف بالرقابة ان يتخلص من المسئولية اذا اثبت انه قام بواجب الرقابة ، او اثبت ان الضرر كان لابد واقعا ولو قام بهذا الواجب بما ينبغى من العناية .
3 ـ المسئولية عن الأشياءوالمسئولية عن الأشياء تتضمن ثلاث أقسام سنعرض فقط بالتفصيل للقسم الأول منها وهو المسئولية عن حراسة الأشياء ، لشيوعه في الحياة العملية مع الاشارة للقسمين الاخرين وهما مسئولية حارس البناء ومسئولية حارس الحيوان وبيان النصوص القانونية التي تنظمهما .القسم الأول : المسئولية عن حراسة الأشياءتنص المادة 178 من القانون المدنى على أنه :" كل من تولى حراسة أشياء تتطلب حراستها عناية خاصة أو حراسة آلات ميكانيكية يكون مسئولاً عما تحدثه هذه الأشياء من ضرر ما لم يثبت ان وقوع الضرر كان بسبب أجنبى لا يد له فيه ، هذا مع عدم الإخلال بما يرد فى ذلك من أحكام خاصة " فكرة الخطأ المفترض :وهذه المسئولية تقوم على فكرة أن مجرد حدوث الخطأ بتدخل ايجابي من الالة يفترض معه حدوث خطأ من جانب المسئول عم حراسة الالة ، بما لازمه نتيجه هامة تتعلق بعبء إثبات الخطأ فالمضرور في هذه الحالة لا يكلف بإثبات الخطأ بل يكفي أن يثبت الضر وان الضرر وقع بتدخل ايجابي من الالة ، ليقع بعد ذلك على الحارس أن يثبت عدم وقوع الخطأ أو أن الضرر وقع بسبب أجنبي لا يد له فيه .فالمسئولية المقررة فى المادة 178 من القانون المدني تقوم على أساس خطأ مفترض وقوعه من حارس الشيء افتراضا لا يقبل إثبات العكس ، ولا ترتفع هذه المسئولية إلا إذا أثبت الحارس أن وقوع الضرر كان بسبب أجنبى لا يد له فيه ، وهذا السبب لا يكون الا قوة قاهرة أو خطأ المضرور أو خطأ الغيرشروط المسئولية عن حراسة الاشياء ومن المستقر عليه فى فقه القانون المدني أن تحقق مسئولية حراسة الأشياء تستلزم توافر شرطين ، الأول : حراسة شيء تقتضى حراسته عناية خاصة او آلات ميكانيكية ، والثانى : أن يقع الضرر بفعل هذا الشيء والحراسة هى السيطرة الفعلية على الشيء سواء استندت هذه السيطرة إلى حق مشروع أو لم تستند ، والمفروض أن حارس الشيء هو المالك ، وعليه أن يثبت أن الحراسة خرجت من يده وقت وقوع الحادث ويبقى المالك حارسا حتى لو أفلت الشيء من يده ما دام لم يتخل عنه .والتابع لا يعتبر فى العادة حارساً للشيء فحارس السيارة هو فى الأصل مالكها حتى لو قاد السيارة من غير أن يكون فيها صاحبها فإذا لم يثبت خطأ فى جانب السائق ، لم تبق إلا مسائلة صاحب السيارة باعتباره حارساً.وتعتبر الآلات الميكانيكية إطلاقا فى نطاق الأشياء التى يتحقق بها هذا الشرط ......ويشترط وقوع الضرر بفعل الشيء ، فلا يكتفى بتدخل الشيء سلبيا ،ويكون التدخل إيجابيا إذا كان الشيء فى وضع أو حالة تسمح عادة بان يحدث هذا الضرر .و يجب توافر رابطة السببية بين فعل الشيء ذاته وبين الضرر ويقصد بذلك أن يكون الضرر ناشئا عن فعل الشيء ذاته وبمعنى آخر أن يكون تدخل الشيء هو الذى سبب الضرر "ويقع عبء إثبات رابطة السببية على المضرور ويكفيه فى هذا الصدد أن يثبت تدخل الشيء فى الحادث " وتتحقق الحراسة الموجبة للمسئولية بسيطرة الشخص على الشيء سيطرة فعلية فى الاستعمال والتوجيه والرقابة لحساب نفسه .
القسم الثاني :
مسئولية حارس البناء
يحكم هذه المسئولية نص المادة 177 من القانون المدني والذي يجري على أنه :
(1) حارس البناء ولو لم يكن مالكا له ، مسئول عما يحدثه انهدام البناء من الضرر ، ولو كان انهداما جزئيا ، ما لم يثبت ان الحادث لا يرجع سببه الى اهمال فى الصيانة او قدم فى البناء او عيب فيه .
(2) ويجوز لمن كان مهددا بضرر يصيبه من البناء ان يطالب المالك باتخاذ ما يلزم من التدابير الضرورية لدرء الخطر فان لم يقم المالك بذلك جاز الحصول على اذن من المحكمة فى اتخاذ هذه التدابير على حسابه .القسم الثالث : مسئولية حارس الحيوانوتنظمها أحكام المادة 176 من القانون المدني والتي تقرر : حارس الحيوان ، ولو لم يكن مالكا له ، مسئول عما يحدثه الحيوان من ضرر ، ولو ضل الحيوان او تسرب ما لم يثبت الحارس ان وقوع الحادث كان بسبب اجنبى لا يد له فيه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق