نظام BOT
كثيرا ما نسمع عن نظام BOT وخاصة في الجلسات والمناقشات الاقتصادية وغالباً ما ترد في سياق تمويل المشاريع الخدمية والاقتصادية, ومن هذا المنطلق فقد خصصنا في هذا العدد زاوية خاصة للتعريف بهذا النظام الهام وسنتابع في العدد القادم شرح بعض التفصيلات عنه ,وفي هذا العدد سنتطرق إلى تعريفه والتركيز على أهم ميزاته وخصائصه.
تعتبر مشروعات البنية التحتية الأساسية للنقل من المشروعات التي تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة نسبياً كمشروعات الطرق والجسور والأنفاق ومشروعات السكك الحديدية والمترو,هذا إلى جانب أن هذه المشروعات لكي تعطي أفضل النتائج بصورة مستمرة فانه من اللازم أن يخصص لها استثمارات دورية لأعمال الصيانة, ولما كان النقل يتسم بطبيعة خاصة من حيث طول عمر مشاريعه وقلة عائداته الاستثمارية الفورية للمستثمر الخاص فقد ظلت ولمدة طويلة مشروعات النقل حكراً للقطاع العام حيث يقوم بالإنشاء والتشغيل والصيانة, هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى فان رؤوس الأموال المتاحة للاستثمار تتسم دائماً بالندرة مقارنة بمتطلبات الاستثمار وعليه فكان الاحتياج دائماً إلى مصادر بديلة للاستثمارات للمساهمة في إنشاء وتحسين البنية الأساسية للنقل.
وقد يكون تحقيق سوق حر تماما في مجال النقل غير ممكن وغير محبذ ولكن المعتقد انه كلما اتجه سوق النقل إلى التحرر كلما أدى ذلك إلى أن يكون السعر هو الذي يعكس التكلفة الحقيقية لمستخدمي خدمة النقل, وكذلك لضمان أن يغطى السعر التكاليف الحقيقية للرحلات, كما أن من المعتقد أن القطاع الخاص قد يكون لديه من المهارات والكفاءة التي لا تتوفر للقطاع العام ومن نتيجة ذلك أن يكون القطاع الخاص قادر على تقديم الخدمات بكفاءة وفاعلية وخبرة عميقة.
ويجب أن لا يفوتنا ذكر أهم المواصفات التي يتمتع بها القطاع الخاص والتي تجعله متميزاً:
1. لديه معرفة وقدرة اكبر على المعرفة بالسلوك التجاري وضرورة المنافسة وحدودها.
2. يعلم انه لضمان الاستمرار فلا بد من التحسين والتطوير المستمر للخدمة المقدمة.
3. القطاع الخاص أكثر قدرة على مواجهة المخاطر المحتملة.
4. قد تكون قدراته أعلى نسبياً من تدبير الأموال للاستثمار.
ولا يخفى على احد أن هناك العديد من الأمثلة التي تؤكد أن القطاع الخاص لديه من القدرة ما تؤهله أن يكون ناجحاً بصورة أفضل في إدارة وتشغيل المشروعات سواء الصغيرة منها أو الكبيرة.
كما ونشأت فكرة التمويل الخاص Private Finance منذ فترة ليست قصيرة وذلك لمشاركة القطاع الخاص في تمويل مشروعات البنية الأساسية للنقل وذلك لمساعدة القطاع العام, ويتم ذلك عن طريق ان الحكومة أو الهيئة الحكومية المسؤولة تقرر نوعية وحجم الخدمات المطلوبة, وعلى القطاع الخاص أن يقدم الرؤية والأفكار من خلال المناقصات على تقديم هذه الخدمات, ولقد أصبح التمويل الخاص للمشروعات من الأدوات الرئيسية التي تستخدمها الحكومات لتقديم مشروعات القطاع العام, والتي تحتاج الى تكاليف عالية, والهدف هنا هو زيادة مشاركة القطاع الخاص في ظل سياسة عامة لتقليل دور القطاع العام وتحسين الأداء وتقديم خدمات للأفراد بأقل التكاليف الممكنة.
كما لا بد من التنويه ان نظام التمويل الخاص يختلف عن نظام الخصخصة Privatization في انه حالة التمويل الخاص Private Finance يظل للقطاع العام دور بكونه المشتري الرئيسي للخدمة المقدمة كمشروعات إنشاء وصيانة الطرق, ويعتبر التمويل الخاص للاستثمارات في قطاع النقل حلاً مباشراً وفعالاً لمشكلة نقص الأموال المتاحة لدى الهيئات والمؤسسات الحكومية المسئولة عن خدمات النقل, ومن ثم يرفع عبئ تدبير الأموال عن كاهلها, بحيث يقتصر دورها هنا على الإشراف والتنظيم وتهيئة المناخ المناسب لدخول القطاع الخاص في إنتاج خدمات النقل.
ما هو نظامBOT؟
هو إجراء تعاقدي تقوم بموجبه جهة من القطاع الخاص ببناء (Build) منشأة معينة للبنية التحتية قد تكون هذه المنشأة محطة للطاقة الكهربائية أو مطاراً أو طريقاً مدفوعة حين استخدامه أو نفقاً أو محطة لمعالجة المياه, بما في ذلك تصميمها وتمويلها, ومن ثم تشغيلها (Operate) وصيانتها, كما تقوم هذه الجهة بتشغيل هذه المنشأة فترة .زمنية متفق عليها في العقد كما يسمح لها خلال هذه الفترة الزمنية بفرض أعباء ملائمة على مستعملي هذه المنشأة ومصاريف أخرى لا تتجاوز تلك الأعباء والمصاريف المحددة في عطائها والواردة في اتفاقية المشروع لتمكين جهة القطاع الخاص من استرداد استثمارها ونفقات التشغيل والصيانة في المشروع إضافة إلى عائد معقول على ذلك وفي نهاية الفترة الزمنية المحددة, والتي تتمدد لعدد من السنوات تنقل (Transfer) جهة القطاع الخاص ملكية المنشأة إلى هيئة حكومية أو إلى جهة خاصة جديدة مختارة من خلال طرح عطاء عام, أما عن تحديد فترة الالتزام تكون بصورة رئيسية من خلال طول المدة اللازمة لتدفق الموارد لتسديد دين الشركة وتقديم معدل عائد معقول لقاء عملها ومخاطرتها.
كما أن هناك أنواع من العلاقات التعاقدية وأهمها عقود الامتياز ما هي هذه العقود:
كانت بداية التمويل الخاص قي مجال النقل في إنشاء الطرق والجسور والأنفاق, ثم تطور بعد ذلك ليشمل عدد من مشاريع البنية الأساسية لمختلف وسائل النقل, وتعد الصورة المعروفة في هذا المجال هو ما يعرف بعقود الامتياز Concession Contracts والذي بموجبه يقوم المستثمر الخاص Concessionaire بتقديم التمويل اللازم للمشروع بناء على عقد امتياز للتشغيل بشروط وبمدة يحددها عقد الامتياز, كما يعرف النظام الذي ينظم التمويل الخاص لمشروعات البنية الأساسية الــ (BOT) Build, Operate & Transfer كما نوهنا سابقاً البناء والتشغيل للمشروع لمدة زمنية محددة ثم تحويل المشروع مرة أخرى للحكومة, وتتخذ عقود الامتياز أشكالاً عديدة منها البناء والتشغيل والتملك (BOO) Build, Operate & Own والتصميم والبناء والتشغيل ثم التحويل في نهاية المدة الزمنية إلى الحكومة ( DBOT) Build, Operate, & Transfer Design, أو البناء والتشغيل والتدريب ثم التحويل للحكومة(BOTT ) Build Operate Train & Transfer..
لقد شهدت حقبة التسعينيات اتجاه عالمي متزايد في إشراك القطاع الخاص في تمويل مشروعات البنية الأساسية للنقل مثل بناء الطرق والجسور والمطارات وخطوط السكك الحديدية, كون نظام BOT يُمكن الحكومة من إنشاء وتحسين مشروعات بنية النقل الأساسية بدون الاحتياج إلى تدبير أموال أو الاعتماد على الميزانية العامة, وهناك العديد من التجارب على مستوى العالم والتي استخدم فيها التمويل الخاص Private Finance في مشروعات النقل ومنها جسر دراتفورد في بريطانية ونفق القناة الانكليزية بين انكلترا وفرنسا, ومشروعات الطرق المدفوعة في المكسيك وماليزيا وفرنسا واندونيسيا, إضافة إلى مجموعة من الأنفاق في هونغ كونغ, وعلى صعيد الدول العربية فقد كانت مصر من الدول التي قطعت شوطاً معقولاً في هذا المجال وبصفة أساسية في مجال تمويل إنشاء الطرق والمطارات.
وهنا نجد من الضروري التعريف بالأهداف العامة لنظام الـــ BOT:
تتحدد الأهداف العامة لنظام إقامة وتشغيل البنية الأساسية للنقل بنظام الــ BOT وفق ما يلي:
1. نقل مسؤولية الإنشاء والصيانة والتشغيل لمشروعات النقل إلى القطاع الخاص.
2. نقل المخاطرة إلى القطاع الخاص.
3. خلق صناعة بنية أساسية للنقل كقطاع خاص.
4. خلق وإيجاد مصادر بديلة لتمويل مشروعات بنية النقل الأساسية.
5. الاستفادة من إدارة القطاع الخاص في مشروعات بنية النقل الأساسية.
6. الاستفادة من خبرة وتجربة القطاع الخاص في إدارة مشروعات النقل.
هل يمكننا أن نتعرف إلى المميزات العامة لــــ BOT:
إن طريقة BOT طريقة جذابة لأنها تعتمد على تمويل القطاع الخاص وتتيح هذه الموارد من المال للحكومة المضيفة أن تعجل بتطوير وتحديث المشاريع الأمر الذي يمكن أن يكون في بعض الحالات مهماً من الناحية السياسية في رفع وتحسين مواصفات الدولة التي يتم تنفيذ المشروع فيها, كما ويمكننا أن نستعرض المزايا المحتملة للحكومة المضيفة في استعمال طريقة BOT لتطوير البنية التحتية وفق ما يلي:
1. استعمال تمويل القطاع الخاص لتقديم موارد جديدة من رأس المال تقلل من الاستقراض العام والإنفاق المباشر, مما يؤدي إلى تخفيف الأعباء عن الحكومة.
2. الاستفادة من التمويل الخاص (القطاع الخاص) في تحسين حالة البنية الأساسية للنقل وزيادة أطوال شبكة الطرق بدون الاحتياج إلى استثمارات تتحملها الحكومة.
3. القدرة على تطوير المشاريع التي يمكن في غير ذلك أن تستدعي الانتظار والمنافسة من اجل الموارد الرئيسية النادرة.
4. تشجيع القطاع الخاص على الدخول في مشروعات طويلة الأجل ومن ثم تقديم آفاق جديدة للاستثمار.
5. استعمال رأس مال القطاع الخاص ومبادراته ودرايته الفنية لتخفيض تكاليف الإنشاء وتقصير البرامج الزمنية وتحسين كفاءة التشغيل.
6. تشجيع رؤوس الأموال الأجنبية في الاستثمارات في مجالات البنية الأساسية للنقل ومن ثم الاستفادة من الخبرات المختلفة للشركات الكبرى في المجالات الإدارية والفنية, ومما لا شك فيه أن الشركات الكبيرة المتعددة الجنسيات يكون لديها قدرة اكبر على استخدام بيوت الخبرة والاستشاريين ذوي التكلفة العالية والكفاءة الأعلى والتي قد يعجز عن استخدامها القطاع العام أو حتى صغار المستثمرين وكل هذا بدون شك ينعكس في صورة تحسن مستمر وخدمة متميزة للبنية الأساسية للنقل.
7. توزيع مخاطر وعبء المشروع على القطاع الخاص التي يمكن في غير ذلك أن يتحملها القطاع العام ذلك أن القطاع الخاص مسؤول عن تشغيل وصيانة وإنتاج المشروع لفترة مديدة .
8. مشاركة الجهات الخاصة الراعية أو الضامنة والمقرضين التجاريين ذوي الخبرة, الأمر الذي يؤمن مراجعة معمقة ويشكل علامة إضافية لجدوى المشروع.
9. تشجيع القطاع الخاص على الدخول في مشروعات طويلة الأجل ومن ثم تقديم آفاق جديدة للاستثمار.
10. نقل التكنولوجيا وتدريب العاملين المحليين وتطوير الأسواق المحلية.
11. تشجيع خلق فرص عمل جديدة والتي تأتي من المشروعات الجديدة كالطرق وصيانتها, والتي يوكل بها إلى القطاع الخاص.
12. احتفاظ الحكومة برقابة إستراتيجية على المشروع الذي تنقل ملكيته إلى القطاع العام عند انتهاء مدة العقد وذلك خلافاً للخصخصة الكاملة.
13. فرصة وضع معيار خاص يمكن بموجبه أن تقاس كفاءة مشاريع مماثلة للقطاع العام وذلك لتحسين الإدارة العامة لمنشآت البنية التحتية.
من هنا نجد أن نظام إنشاء الطرق وخطوط السكك الحديدية والمطارات والمترو وتشغيلها من خلال عقود BOT يؤدي إلى خلق محاور جديدة للتنمية وكذلك إلى اتساع رقعة العمران وتخفيف حدة الازدحام المروري Traffic Congestion على الطرق القديمة, إضافة إلى التشجيع على مساهمة مستخدمي البنية الأساسية من خلال الرسوم المدفوعة في إنشاء وصيانة البنى التحتية بدلاً من دفع الضرائب العامة.
من ابرز ملامح الخطة الخمسية العاشرة إنها دعت إلى رفع مساهمة القطاع الخاص في الاستثمارات التي تتطلب رؤوس أموال كبيرة, وذلك وفقا لصيغ وقوالب مختلفة كالشراكة مع القطاع العام أو رأس المال الأجنبي او الترويجي للاستثمار عبر نظام BOT وهذا يتطلب تحسين البنية التنظيمية والقانونية والمادية الكفيلة بجذب الاستثمارات وفق هذا النظام.
مكتب / محمد جابر عيسى المحامى
تعليقات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق