بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

22 يوليو 2011

الجزء الثاني من بحث : الزواج العرفي

هاكم الجزء الثاني من البحث الخاص بالزواج العرفي ، و هو الجزء المتعلق بالمبحث الثاني ، و قد سبق عرض الجزء الأول منه ، و الذي اشتمل على تمهيد و المبحث الأول ، و سيتم بمشيئة الله تعالى استمكال المبحث الثاني في الجزء الثالث ، و إني لأرجو ان يكون محل رضائكم و استحسانكم .
الجزء الثاني
من البحث الخاص
بالزواج العرفي
المبحث الثاني
حكم الزواج العرفي و آثاره في القانون
يثير حكم الزواج العرفي و آثاره في القانون مسائل شتى و متنوعة ، و سيتناول هذا المبحث أحكام الزواج العرفي بالشرح و البيان من خلال النصوص القانونية التي عالج بها المشرع هذا الزواج ، و كذا آراء الفقه و أحكام القضاء ، و ذلك وفقاً لما يلي .
أولاً : الواقع الخطير و اضطرار المشرع إلى التدخل التشريعي :
كان الزواج قديماً ينعقد دون توقف على تسجيله أو توثيقه في ورقة أو وثيقة ، ما دام قد استكمل أركانه و شروطه المعتبرة شرعاً . و ظل الأمر كذلك بين المسلمين من مبدأ التشريع إلى أن رأى أولياء الأمر أن ميزان الإيمان في كثيرمن قلوب الناس قد خف ، و أن الضمير الإيماني في بعض الناس قد ذبل ، فَوُجِد من يدعي الزوجية زوراً، و يعتمد في إثباتها على شهادة شهود هم من جنس المدعي ، لا يتقون الله و لا يرعون الحق ، فما تشعر المرأة إلا و هي زوجة لمزور أراد إلباسها قهراً ثوب الزوجية ، و إخراجها من خدرها إلى بيته تحقيقاً لشهوته ، أو كيداً لها و لإسرتها ، كما وجد من أنكره تخلصاً من حقوق الزوجية ، أو التماساً للحرية في التزوج بمن يشاء، و يعجز الطرف الآخر عن إثباته أمام القضاء ، و بذلك لا تصل الزوجة إلى حقها في النفقة ، و لا يصل الزوج إلى حقه في الطاعة ، و قد يضيع نسب الأولاد ، و يلتصق بهم و بأمهم العار الأبدي فوق حرمانهم حقوقهم فيما تركه الوالدان .( الشيخ / محمود شلتوت – المرجع السابق – ص 231 ).
و قد اضْطُر المشرع الوضعي إلى التدخل التشريعي لمواجهة هذه الآثار الوخيمة حفاظاً على الأسرة و كيانها، و فصلاً للحياة الزوجية و الأعراض من هذا التلاعب ، و ذلك عن طريق وضع قيود وشروط قانونية . و قد قصد المشرع من وضع هذه القيود القانونية أن يحقق بعض الأغراض ذات الأثر الكبير في الحياة الإجتماعية للدولة و المجتمع ، هي :
1- حفظ حقوق الزوجين ، و حماية مصالحهما الناشئة عن الزواج ، بصيانة عقد الزواج الذي هو أساس رابطة الأسرة عن العبث و الضياع بالجحود و الإنكار، إذا ما عقد اثنان زواجهما بدون وثيقة رسمية ثم أنكرها أحدهما و عجز الآخر عن الإثبات ، فلو كان عقد زواجهما بوثيقة رسمية لم يكن هناك مجال لإنكاره.
2- منع ذوي الأغراض السيئة أن يرفعوا دعاوى الزوجية أمام القضاء زوراً و بهتاناً ، فقد أثبتت الحوادث الكثيرة السابقة على وضع هذه الشروط و القيود القانونية أن بعض ممن لا خلاق لهم كانوا يرفعون قضايا زوجية أمام المحاكم لا أساس لها من الصحة ، للنكاية و الكيد للمدعى عليه ، أو للتشهير به ، أو لغير ذلك من الأغراض السيئة ، اعتماداً على سهولة إثبات الزوجية بشهادة الشهود .( الشيخ / عمر عبد الله – أحكام الشريعة الإسلامية في الزواج – ص 105 ، 106 ، المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 78 لسنة 1931 ).
ثانياً : الأساس المبيح لتدخل المشرع :
جاء تدخل المشرع بوضع هذه الشروط القانونية مستنداً – حسبما ورد بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 78 لسنة 1931 – إلى ما هو مقرر في الشريعة الإسلامية من أن القضاء يُخَصَص بالزمان والمكان والحوادث و الأشخاص ، و أن لولي الأمر أن يمنع قضاته من سماع بعض الدعاوى ، و أن يقيد السماع بما يراه من القيود و تبعاً لأحوال الزمان و حاجة الناس ، و صيانة للحقوق من العبث والضياع ، كما أنه قد درج الفقهاء من سالف العصور على ذلك ، و أقروا هذا المبدأ في أحكام كثيرة ، و اشتملت لائحتا سنة 1897 و سنة 1910 للمحاكم الشرعية على كثير من مواد التخصيص ، و خاصة فيما يتعلق بدعاوى الزوجية و الطلاق و الإقرار بهما ، و ألف الناس هذه القيود و اطمأنوا إليها بعد ما تبين ما لها من عظيم الأثرفي صيانة حقوق الأسرة .
و قيل في تبرير مبدأ تخصيص القضاء بالزمان والمكان و الحوادث و الأشخاص ، أن من الأصول المقررة في الشريعة الإسلامية أن ولي الأمر العام و هو الحاكم في الدولة الإسلامية هو الذي يتولى مهمة القضاء بين الناس في المنازعات التي تثار بينهم ، و لكن على اتساع هذه الدولة و ترامي أطرافها أصبح من العسير عليه مباشرة هذه المهمة بنفسه ، فعهد الخلفاء الراشدون في الفصل بين الناس في الخصومات إلى أشخاص لهم الخبرة والدراية بهذه الأمور، و هكذا فعل من جاء بعد الخلفاء الراشدين ، و مع كثرة الخصومات و تنوعها تعذر على القاضي أن ينظر فيها جميعاً ، فأصبح من الواجب تعدد القضاة لمواجهة تعدد و تنوع القضايا ، و من هنا استقر مبدأ التخصيص المذكور في الفقه الإسلامي .( مستشار/ حسن منصور- المرجع السابق – ص 162 ).
ثالثاً : مراحل تدخل المشرع تشريعياً في توثيق عقد الزواج :
كانت الخطوة الأولى بشأن توثيق عقد الزواج هو ما جاء في لائحة سنة 1880 خاصاً بمأذوني عقود الأنكحة من اختيارهم و تعيينهم و واجباتهم، و لكن توثيق العقد نفسه بقي أمراً اختيارياً دون أن يترتب على عدمه أي أثر في صح العقد.
ثم جاء في لائحة سنة 1897 المادة 31 عدم سماع دعوى الزوجية أو الإقرار بها بعد وفاة أحد الزوجين إلا إذا كانت مؤيدة بمقتضى أوراق خالية من شبهة التصنع، و هذه المادة كما هو واضح اكتفت بوجود أي أوراق خالية من شبهة التصنع و إن لم تكن وثيقة زواج رسمية ، كما أنها لم تتعرض لحالة وجود الزوجين على قيد الحياة .
ثم جاءت لائحة سنة 1910 فتشددت أكثر من سابقتها، إذ جاء ضمن المادة 101 منها أن دعوى الزوجية أو الإقرار بها – بعد وفاة الزوجين أو أحدهما – من أحد الزوجين أو من غيره لا تسمع عند الإنكار في الحوادث الواقعة من سنة 1911 إلا إذا كانت الدعوى ثابتة بأوراق رسمية أو مكتوبة كلها بخط المتوفي و توقيعه، و مع هذا فهي لم توجب التوثيق. ( يراجع في هذه المراحل – د/ محمد سلام مدكور – أحكام الأسرة في الإسلام – 1969 ص 113 ).
ثم جاءت اللائحة رقم 78 لسنة 1931 و راعى القانون فيها أن يكون المسوغ الكتابي ملائماً للتدرج التشريعي و منتظماً مع ما أدخل على اللائحة من تعديلات في أزمنة مختلفة من سنة 1880 إلى سنة1930 ، إذ كان كل تعديل يتضمن قيوداً جديدة تساير مقتضيات الأحوال الاجتماعية ، و تلائم الحوادث الواقعة ، و قد جاء المسوغ الكتابي لإثبات الزوجية في المادة 99 من اللائحة المذكورة على النحو التالي :
أ – لا تسمع دعوى الزوجية بعد وفاة أحد الزوجين عند إنكارها في الحوادث الواقعة من سنة 1897 إلى سنة 1911 ، سواء كانت الدعوى مقامة من أحد الزوجين أو من غيره إلا إذا كانت مؤيدة بأوراق خالية من شبهة التزوير تدل على صحتها ( الفقرة الأولى من المادة المذكورة ).
ب – و أما في دعاوى الزوجية في الحوادث السابقة على سنة 1897 فلا يشترط وجود المسوغ الكتابي لسماعها عند الإنكار، بل تسمع دعوى الزوجية في هذا الحالة بشهادة الشهود، إذا تحقق أمران ، أحدهما : أن تكون الدعوى مقامة من أحد الزوجين ، ثانيهما : أن تكون الزوجية المدعاة معروفة بالشهرة العامة .
ج – لا تسمع دعوى الزوجية عند إنكارها بعد وفاة أحد الزوجين في الحوادث الواقعة من سنة 1911 إلى آخر يوليو سنة 1931 إلا إذا كانت الزوجية ثابتة بأوراق رسمية أو مكتوبة كلها بخط المتوفي و عليها إمضاؤه كذلك ، سواء أكانت الدعوى مقامة من أحد الزوجين أو من غيره .
د – لا تسمع عند الإنكار دعوى الزوجية في الحوادث الواقعة من أول أغسطس سنة 1931 إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمنية ، سواء كانت الدعوى في حياة الزوجين أو بعد وفاتهما أو بعد وفاة أحدهما ، و سواء كانت الدعوى مقامة من أحد الزوجين أو من غيره .( يراجع في هذه المراحل : الشيخ / عمر عبد الله – مرجع سابق ص 102 و 103 ، د/ محمد كمال إمام – مرجع سابق ص 217 ).
ثم صدر أخيراً القانون رقم 1 لسنة 2000 بشأن تنظيم بعض أوضاع و إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية ، ناصاً في مادته الرابعة من مواد إصداره على إلغاء لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 ، و معدلاً مرة أخرى في مسألة توثيق عقد الزواج ، حيث نصت المادة 17 منه على أنه :
( .... و لا تقبل عند الإنكار الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج – في الوقائع اللاحقة على أول أغسطس سنة 1931 – ما لم يكن الزواج ثابتاً يوثيقة رسمية ، و مع ذلك تقبل دعوى التطليق أو الفسخ بحسب الأحوال دون غيرهما إذا كان الزواج ثابتاً بأية كتابة ...).
و البين من هذه التعديلات التشريعية أن المشرع لم يزل يصر على إيجاد حلول لمشكلة الزواج العرفي ( غير الموثق ) في محاولة منه لتحجيم آثاره السيئة ، و على كل حال فسوف نبين فيما بعد أحكام هذه التعديلات ، و الاختلافات بين النص القديم و الجديد ، على أنه يلاحظ أن الصورة الأخيرة في التعديل الجديد المتعلقة بالفترة من أول أغسطس سنة 1931 هي المطلوبة الان لإثبات دعوى الزوجية و الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، و ذلك نظراً لبعد العهد بالصور الأخرى لارتباطها بالحوادث التي وقعت منذ ما يزيد على قرن من الزمان ، و من النادر أن تكون هناك وقائع معروض أمرها على في ساحات القضاء بشأنها ، و لذا نكتفي بما ورد في النصوص السابقة عنها ، وبالتالي سيكون بيان حكم الزواج العرفي و آثاره من خلال النص الجديد باعتباره هو النص الحاكم لهذا الزواج الآن .
رابعاً : المقصود بالشروط القانونية :
الشروط القانونية التي تطلبها المشرع ، و منها توثيق عقد الزواج ، هي في حقيقتها شروط لقبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج في حالة الإنكار أمام القضاء ، أي أن مجال إعمال هذه الشروط هو بعد أن يصل الأمرإلى ساحات القضاء و ليس قبل ذلك ، حتى يتمكن الطرف الذي لم يحصل على حقوقه تلقائياً من العقد أن يصل إليها عن طريق القضاء، بحيث إذا لم تتوافر تلك الشروط قضت المحكمة بعدم سماع الدعوى . و إذا كان شرط توثيق عقد الزواج لقبول الدعوى هو في حقيقته لإثبات هذا العقد تحسباً لوصول النزاع بشأنه إلى القضاء ، فيمكن تسمية هذا الشرط بالشرط القانوني لإثبات عقد الزواج ( م/ حسن منصور- مرجع سابق –ص 157 و ما بعدها ) ، و أرى تبعاً لذلك عدم صحة وصف هذه الشروط القانونية بالشروط القانونية لعقد الزواج ، حتى لا يتصور أحد أنها شروط لصحة العقد ، و هي ليست كذلك ، حسبما سبق بيان ذلك فيما تقدم ، بل هي قاصرة على التقاضي في شأن الزواج و ليست قيداً وارداً على الزواج في ذاته .
و قد أفتت دار الإفتاء المصرية في ذلك بأنه :
" ينعقد الزواج شرعاً بين الطرفين ( الزوج و الزوجة ) بنفسيهما أو بوكيلهما أو وليهما بإيجاب من أحدهما و قيول من الآخر متى استوفى هذا العقد جميع شرائطه الشرعية المبسوطة في كتب الفقه ، و تترتب على هذا العقد جميع الآثار والنتائج ، و يثبت لكل من الزوجين قبل الآخر جميع الجقوق والواجبات دون توقف على توثيق العقد رسمياً أو كتابته بورقة عرفية ، و هذا كله من الوجهة الشرعية ، أما من الوجهة القانونية فإن المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 قد نص في الفقرة الرابعة من المادة 99 منه على أنه (................) ، و مقتضى ذلك أن القانون لم يشترط لصحة عقد الزواج أن يكون بوثيقة رسمية ، و إنما اشترط ذلك لسماع الدعوى.... ". فتواها بتاريخ 1/2/1957 في الطلب رقم 582 لسنة 1963 – مشار إليها بمؤلف المستشارالبكري – الكتاب الأول – ص 131 .
خامساً : شروط عدم قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج :
بداءة أشير إلى أني آثرت بحث الشروط القانونية في صيغة شروط عدم القبول و ليس شروط القبول ، لأن النص يتكلم أساساً عن عدم قبول هذه الدعاوى .
بينت المادة 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 سالف الذكر هذه الشروط ، و هما شرطان ، الأول : أن يكون الزواج غير ثابت بوثيقة رسمية ، الثاني : إنكار المدعي عليه للزوجية ، و سأتناول هذين الشرطين شرحاً على النحو الآتي :
الشرط الأول : أن يكون الزواج غير ثابت بوثيقة رسمية :
أساس و مصدر التوثيق :
أولى المصلحون المحدثون عناية خاصة لموضوع توثيق الزواج في سجلات موثقة تشرف عليها أجهزة إدارية ، و ذلك لمنع إدعاء الزواج أو جحده و إنكاره زوراً و كذباً بعد اتساع المجتمعات والمدن و صعوبة تحقق القاضي من صحة دعاوى الزواج و النسب و التوارث و النفقة في هذه الظروف و خطورة ضياع الحقوق في هذه المجالات ، فمست الحاجة إلى نظام للتوثيق يعين القضاة على الحكم بجهد يسير.
و لا يخفى وضوح الإتجاه في التشريع الإسلامي إلى توثيق الحقوق و إلى الاعتماد على الكتابة في هذا التوثيق، و كان بروز علم الشروط و المكانة التي استحقها هذا العلم بين علوم الفقه الاسلامي دليلاً على بروز هذا الإتجاه و قوته.
و من جهة أخرى ، فإن وجود الكتبة الرسميين الذين كانوا يوثقون العقود و يشهدون عليها و لا يزاولون مهنتهم إلا بإذن من القاضي ، و الذين كان يطلق عليهم ( العدول) أحياناً ، دليل هو الآخر على سعي القضاة إلى التشجيع على وجود نظام توثيق الحقوق و تدوينها على نحو رسمي يخضع لإشرافهم و يمكنهم من الاطمئنان إليه في عملهم .( يراجع فيما تقدم : د/ محمد أحمد سراج و د/ محمد كمال إمام – أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية – ص 72 ، 73 ).
و لذلك كانت كتابة العقد بقصد الإثبات ليست جديدة في الفقه الأسلامي ، بل إن في خزائن المحاكم الشرعية وثيقات لعقود زواج يرجع بعضها للقرن الرابع الهجري ( د/ محمد كمال إمام – مرجع سابق – ص 99 )، و من هنا يمكن القول أن ما اتجه إليه المشرع من اشتراط توثيق عقد الزواج ليس بجديد من حيث التوثيق ، و إنما الجديد هو في جعله شرطاً لسماع أو لقبول الدعوى .
لقد تحدث المشرع في النص الجديد عن ( وثيقة رسمية ) يجب أن يثبت فيها الزواج ، فما المقصود بتوثيق الزواج ؟ و الوثيقة الرسمية التي بدونها لا تقبل الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ؟
المقصود بتوثيق الزواج :
هو تحرير عقد الزواج على يد موظف مختص بتحرير عقود الزواج ( د/ محمد سراج و زميله – مرجع سابق – ص 75 ) . و جدير بالذكر أنه لا يجوز الخلط بين توثيق عقد الزواج و الإشهاد عليه ، فالتوثيق هو وسيلة وضعها المشرع لإثبات عقد الزواج عند النزاع أو الإنكار أمام القضاء ، أما الإشهاد عليه فهو شرط لصحة العقد ، بدونها لا يصح عقد الزواج .
المقصود بالوثيقة الرسمية :
لم تعرف المادة 17 المشار إليها فيما سبق الوثيقة الرسمية المتطلبة لقبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، و يمكن القول أنه يدخل في مفهوم هذه الوثيقة كل ورقة رسمية أسبغ عليها القانون حجة بشأن ما يثبت فيها ، فقد تكون الوثيقة الرسمية وثيقة زواج ، و هي حجة فيما دون فيها ، لأن ذلك وضعها فيما وضعت له و جعلت لأجله ، باعتبار وصفها العنواني ، لأن كل مستند له وصف عنواني هو حجة فيه ، فوثيقة الزواج حجة في خصوص الزواج . هذا ، و وثيقة الزواج قد تكون وثيقة إنشائية ( عن طريق الموظف المحتص ) ، أو بطريق التصادق على الزوجية ، و كلا الإثنين يطلق عليه وثيقة زواج ، و على هذا الأساس فإن كل إنشاء زواج أو تصادق عليه – يثبته القاضي في محضره أو أثبته المأذون في دفتره ، أو القنصل في سجله ، يعد وثيقة رسمية بالزواج أو التصادق عليه ( المستشار/ أحمد نصر الجندي – التعليق على نصوص قانون تنظيم بعض أوضاع و إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000 – طبعة 2000 ص 307 ، 308 ) . و يقصد بالمصادقة على عقد الزواج أن يقر الزوجان لدى الموظف المختص بأنهما قد عقد زواجهما في تاريخ سابق و يطلبان الآن تسجيله في وثيقة رسمية ( الشيخ / عمر عبد الله – مرجع سابق – ص100 ).
اختلاف النص الملغي عن النص الجديد في لفظ الوثيقة :
هذا ، و يلاحظ وجود اختلاف بين نص المادة 99 من لائحة ترتيب المحاكم الملغاة و نص المادة 17 من القانون الجديد ، حيث كان النص الملغي يستوجب ثبوت الزواج بـ : ( وثيقة زواج رسمية ) ، في حين استوجب النص الجديد مجرد ( وثيقة رسمية ) لإثباته ، و مفاد ذلك أن المشرع كان متشدداً في الماضي بشأن وسيلة إثبات الزواج ، حيث قصرها على وثيقة الزواج الرسمية ، و هي التي تصدر من موظف مختص بمقتضى وظيفته بإصدارها ، كالمأذون داخل الجمهورية و القنصل في خارجها ، و ذلك على نحو ما أوردته المذكرة الإيضاحية للائحة سالفة الذكر، و على عكس ذلك يأتي النص الجديد ، حيث توسع في الرسمية ، فاكتفى بثبوت الزواج في أية وثيقة رسمية على نحوما سلف بيانه ، فكل ورق رسمية لها حجية قانوناً فيما يثبت بها يصح أن تكون محلاُ لإثبات الزواج بها ، كل ذلك مالم يقر الخصم بالزوجية .
و على ذلك إذا لم يكن الزواج العرفي ثابتاً في وثيقة رسمية فلا تقبل الدعاوى الناشئة عنه إلا ما استثني بالنص الجديد و بالشروط التي وردت به .
و من أوضح الأمثلة للورقة الرسمية التي يمكن أن يثبت بها الزواج ، محضر الشرطة الذ ي يقر فيه الزوجان بزواجهما ، حيث يعتبر هذا المحضر حجة عليهما بإقرارهما فيه بهذا الزواج ، و الأمر مع ذلك يخضع لسلطة محكمة الموضوع بحسب ظروف كل دعوى .
الشرط الثاني : إنكار المدعى عليه للزوجية :
اشترط المشرع في المادة الجديدة لعدم قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج – بالإضافة إلى الشرط السابق – إنكار المدعى عليه للزوجية ، ذلك أن الخصم قد يقر بالزوجية و لا ينكرها ، فتقبل الدعوى حينئذ و لو لم يكن الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية .
المقصود بالإنكار :
يقصد بالإنكار هنا ، إنكار و نفي المدعى عليه – الزوج أو الزوجة أو ورثتيهما – للزوجية أمام القضاء ، و على ذلك فلا يعد إنكاراً يجعل الدعوى غير مقبول ، مجرد إنكار التوقيع على عقد الزواج العرفي أو غير الموثق ( أ/ كما ل صالح البنا – موسوعة الأحوال الشخصية – ص 15 )، إذ أن التوقيع أمر و التصرف الثابت بالورقة أمر آخر، فإنكار التوقيع لا يستلزم معه إنكار التصرف الموقع عليه ، حيث قد يتم إنكار التوقيع لأن التصرف لم يحرر في هذه الورقات بالذات ، أو لأن التصرف تم شفاهة و ليس كتابة .
و إذا رفعت إحدى الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج غير الثابت بوثيقة رسمية ( العرفي ) و لم يحضر المدعى عليه أمام المحكمة ، فلا يعد ذلك إنكاراً ، إذ لا يمكن أن ينسب له قول ما ، طالما أعلن إعلاناً صحيحاً قانوناً . إلا أنه لما كانت المحكمة ملزمة – من تلقاء نفسها – ببحث مسألة ثبوت الزواج رسمياً من عدمه بوثيقة رسمية ، لكون قيد عدم قبول الدعوى يتعلق بالنظام العام على ماسيأتي بيانه ، فإنه في حالة عدم جضور المدعى عليه أمام المحكمة ، و تبين للمحكمة عدم ثبوت الزوجية بوثيقة رسمية ، تعين عليها أن تحكم بعدم قبول الدعوى .
و إذا حضر الخصم و سكت ، فإن هذا السكوت لا يعد إنكاراً ، لأن القاعدة الفقهية أنه لا ينسب لساكت قو ل( م/ البكري – ص 141 ) ، فضلاً عن أنه قد أتيحت له الفرصة لإبداء دفاعه ، كما أن إدعاء الزوجية أمر خطير، و يصعب أن يسكت الشخص عند الإدعاء عليه بها إلا إذا كانت قد حدثت فعلاً و ليست مجرد إدعاء كاذب.
هذا ، و الإنكار كما يكون صريحاً ، يجوز أن يكون ضمنياً، تستخلصه المحكمة من ظروف الدعوى و ملابساتها وفقاً لتقديرها هي دون رقابة عليها في ذلك من محكمة النقض ، باعتبار أن تقدير الإنكار من وسائل الواقع ، شريطة أن يقوم تقديرها على أسباب سائغة تكفي لحمل حكمها ( م/ البكري – ص 141 ، 142 ).
و قد قضت محكمة النقض بأن :
" تقدير إنكار الخصم للزوجية المدعاة – في دعوى الوراثة – من عدمه من مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع مما لا يجوزالمجادلة فيه أمام محكمة النقض ، ما دام يقوم على أسباب مقبولة تكفي لحمله " الطعنان رقما 39 ، 45 لسنة 40 ق – أحوال شخصية – جلسة 11/6/1975 – مشار إليهما بمؤلف م/ البكري – ص 142 .
فإذا حضر الحصم و دفع بعدم قبول الدعوى لعدم تقديم وثيقة رسمية بالزواج ، عد ذلك إنكاراً صريحاً منه للزوجية .
الإقــــــرار بالزوجــــية :
و إذا كان الإنكار كفيلاً للقضاء بعدم قبول الدعوى في حالة عدم إثبات الزواج بوثيقة رسمية ، فإن مفاد ذلك ، و بمفهوم المخالفة ، أنه إذا كان الخصم مقراً بالزوجية ، فإنه يكون لزاماً و أمراً مقضياً أن يعامل بإقراره في أي مدة يدعي حصول الزواج فيها ، فتقبل الدعوى حينئذ و لو لم يكن الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية ، و لكن ما هو الإقرار الذي تقبل به الدعوى ؟ ، و هل الإقرار هنا هو الإقرار في مجلس القضاء فقط ؟ أم يجوز أن يكون خارج مجلس القضاء ؟ . في المسألة قضاء لمحكمة النقض ، و على هذا القضاء في تلك المسألة تعليق لي بنقده .
ذهبت محكمة النقض إلى أن الإقرار المقصود هو ذلك الذي يصدر في مجلس القضاء ، أما الإقرار الذي يحصل خارج مجلس القضاء أو في ورقة عرفية أو أمام جهة رسمية غير مختصة بتوثيق عقد الزواج فلا يؤخذ به .
فقد قضت بأن :
" و حيث إن هذا النعي مردود ، ذلك أنه في الحوادث الواقعة من أول أغسطس سنة 1931 وفقاً للفقرة الرابعة من المادة 99 من القانون رقم 78 لسنة 1931 لا تسمع عند الإنكار دعوى الزوجية أو الإقرار بها إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمية تصدر أو يصدر الإقرار بها من موظف مختص بمقتضى وظيفته بإصدارها ، و طلب استخراج البطاقة العائلية لا يدخل في هذا النطاق و لا يحمل معنى الرسمية ، و إذ كان ذلك ، و كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أن ( الزواج مدعى بحصوله سنة 1955 ، فلا تسمع الدعوى به إلا إذا كان ثابتاً بوثيقة زواج رسمية من موظف مختص بتوثيق عقود الزواج ، سواء أكانت الدعوى في حالة حياة الزوجين أم بعد الوفاة ، و الإقرار المعول عليه في هذا الشأن هو الإقرار الذي يحصل في مجلس القضاء ، أما الإقرار الذي يحصل خارج مجلس القضاء أو في ورقة عرفية أو أمام جهة رسمية غير مختصة بتوثيق عقود الزواج فلا يؤخذ به و لا يعول عليه ) ، فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه ".
الطعن رقم 25 لسنة 35 ق – أحوال شخصية – جلسة 31/5/1967 ، و قد أيد هذا القضاء : المستشار/ البكري ص 140 ، أ/ كمال صالح البنا – ص 15 .
و مع احترامنا و إجلالنا لمحكمة النقض و من أيدها في ذلك ، إلا أن الأخذ بقضائها المتقدم في ظل العمل بالقانون الجديد ، محل نظر عندي .
فبالنسبة للإقرار أمام جهة رسمية غير مختصة بتوثيق عقود الزواج ، فقد كان يمكن القول بعدم الاعتداد به في ظل العمل بالقانون رقم 78 لسنة 1931 الملغي ، و الذي كان يشترط لسماع دعوى الزوجية أو الإقرار بها ثبوتها بوثيقة زواج رسمية فقط ، حيث إن المقصود بوثيقة الزواج الرسمية تلك التي تصدر أو يصدر الإقرار بها من موظف مختص بمقتضى وظيفته بإصدارها ، و إذن فوثيقة الزواج الرسمية المتطلبة في ظل هذا القانون بهذا المعنى لا تصدر إلا من موظف معين ( المأذون ) ، كما لا يعتد إلا بالإقرار بالزوجية الصادر من هذا الموظف ، و من ذلك يتبين أن هذه الوثيقة و هذا الإقرار الصادران من هذا الموظف المختص هما وحدهما وسيلة إثبات الزواج رسمياً و المعتد بهما في ظل القانون المذكور، و لا يعتد بالتالي بأي إقرار بالزوجية صادر أمام أي جهة أخرى ، و عليه فحكم محكمة النقض صحيح في ظل القانون المشار إليه من هذه الناحية .
أما في ظل العمل بالقانون الجديد و الذي لم يشترط سوى أن يكون الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية ، و لم يشترط بالتالي ثبوته بوثيقة زواج رسمية و التي سبق تعريفها ، فإن مفاد ذلك كما سبق البيان عند تعريف الوثيقة الرسمية ، صلاحية أي ورقة رسمية ثبت فيها الزواج و أسبغ القانون عليها حجية بشأن مايثبت فيها – بما في ذلك بيان الزوجية – لأن تكون وثيقة رسمية يثبت بها الزواج ، فضلاً عن أن النص الجديد لم يشترط صدور الإقرار بالزوجية أمام الموظف المختص ، على عكس النص الملغي الذي كان يشترط ذلك في ظل العمل به .
أما فيما يتعلق بالإقرار خارج مجلس القضاء و عدم الاعتداد به ، فإنه لا محل له بعد صدور القانون الجديد ، والغاء ما كان يشترط في ظل العمل بالقانون الملغي من صدور الإقرار أمام الموظف المختص بإبرام عقد الزواج ، فضلاً عن أن الإقرار خارج مجلس القضاء و إن كان إقراراً غير قضائي ، إلا أن القانون المتعلق بالإثبات اعتد به ، و أخضعه من حيث آثاره القانونية للقواعد العامة ، فهو حجة على المقر ما لم يثبت عدم صحته ، و يخضع للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع في استخلاصه و تقديره بحيث تعتبره دليلاً كاملاً أو مجرد قرينة أو لا تأخذ به أصلاً، إلا أنها ملزمة إذا أطرحته ببيان سبب ذلك و إلا كان حكمها مشوباً بالقصور( المستشار/ عز الدين الدناصوري و زميله – التعليق على قانون الإثبات – الطبعة السابعة –ص 855 ، الطعن رقم 2001 لسنة 57 ق – جلسة 10/12/1992 ، الطعن رقم 1867 لسنة 53 ق – جلسة 25/6/1987 ). و لا يجوز للمقر التنصل مما ورد في إقراره غير القضائي بمحض إرادته إلا بمبرر قانوني ، كأن يصدر عن إرادة مشوبة بتدليس مثلا، و بالتالي فلا يجوز رفض الأخذ بالإقرار غير القضائي بصورة مطلقة ، بل لابد من منح محكمة الموضوع حقها القانوني في بحث صحته و مدى جديته ، و تقصي ظروف صدوره و ملابسات الدعوى حتى يتسنى الأخذ به أو طرحه ، و القول بغير ذلك فيه مصادرة لحق أصيل لمحكمة الموضوع في تقدير الدليل ، وهو حق يدخل في صميم سلطتها التقديرية الأصيلة لها دون مشاركة في ذلك من غيرها .
و فوق هذا و ذاك ، فإن الإقرار في الفقه الإسلامي حجة على المقر ، ومتى صدر الإقرار صحيحاً مستوفياً جميع شروطه الشرعية ألزم المقر، لأن الإقرار حجة ملزمة شرعاً كالبينة ، بل هو أولى ، لأن احتمال الكذب فيه أبعد( المستشار/ الدناصوري و زميله – المرجع السابق ص 864 ، 865 ) ، و لم يشترط الفقه الإسلامي أن يكون الإقرار بين يدي القاضي إلا إذاكان المقر به حداً خالصاً لله تعالى ، كالزنا و شرب الخمر و السرقة ( المرجع السابق ص 864 ) ، بل إن المتفق عليه بين فقهاء الحنفية أن الإقرار كما يكون بمجلس القضاء يصح أن يكون في غيره ( الطعن رقم 99 لسنمة 58 ق – جلسة 11/6/1991 ).
هذا ، و قد اطلعت على رأي يمكن أن يكون سنداً لي فيما ذهبت إليه ، حيث يقول صاحبه - و هو رجل يتوسد من القضاء سابقاً والفقه حالياً مكاناً عليا – في مخلص طيب :
" هذه الدعاوى لا تقبل إذا أنكرها المدعى عليه – الزوج أو الزوجة أو ورثتيهما – والمراد بالإنكار هنا هو الإنكار حين الخصومة أمام القضاء ، و الذي لم يوجد إقرار سابق ينافيه ، و لو لم يكن أمام مجلس القضاء ، ما دام ثابتاً بالطريق الذي بينه القانون ، فالإنكار الذي يعتد به هوالإنكار الذي يقع أما القضاء ، أما الإقرار الذي ينفي هذا الإنكار فقد يكون أمام مجلس القضاء ، و قد يكون خارج مجلس اللقضاء ، ما دام يمكن إثباته قانونا " .( المستشار/ أحمد نصر الجندي – التعليق على نصوص قانون تنظيم إجراءات التقاضي في مسائل الاحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000 – ص 307 ).
و إذا كانت الزوجية قد ثبتت ضمن حكم في دعوى إثبات نسب صغير رزقت به المرأة في زواج عرفي من زوجها المدعى عليه ، فلا تعتبر الزوجية منكرة في هذه الحالة ، إذ الحكم عنوان الحقيقة ( أ/ البنا – مرجع سابق – 21 ) .
و تثبت الزوجية – عندي – أيضاً الناتجة عن زواج عرفي و لا تعتبر منكرة ، إذا أقر الزوج أمام الموظف المختص بإبرام عقود الزواج ، عند زواجه بأخرى رسمياً ، بسبق زواجه عرفيا.
و يحدث أن تقيم امرأة ضد آخر جنحة مباشرة لأنه زور عليها عقد زواج عرفي ، و تعجز عن إثبات دعواها أو يثبت من تقرير قسم التزييف و التزوير بالطب الشرعي أن التوقيع المنسوب إليها هو توقيع صحيح ، و تقضي المحكمة الجنائية ببراءته مما هو منسوب إليه ، فهذا الحكم لا يحول دون الحكم بعدم قبول دعواه عليها بالزوجية ، لأنه لم يضف على عقد الزواج العرفي الصفة الرسمية ، و طالما أن المرأة المذكورة تنكر الزوجية و لا تقر يه ( أ/ البنا- مرجع سابق – ص 16 ).
و إذا كان لا يعتد بالإنكار إذا كان الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية ، إلا أن المدعى عليه يمكنه الطعن بطريق التزوير على هذه الوثيقة الرسمية صلباً وتوقيعاً ، تخلصاً من هذه الزوجية و نفياً لها ، إذا كانت منسوية إليه زورا.
و قد ذهب البعض إلى أن الحكم في دعوى صحة التوقيع على عقد الزواج العرفي أمام المحاكم المدنية لا أثر له ، فلا يجعل الإقرار العرفي بالزوجية إقراراً رسمياً ما لم يكن المدعى عليه حاضراً أمام المحكمة و قد أقر بالزوجية أو صادق على الدعوى ( أ/ البنا – مرجع سابق – ص 28 ).
كما ذهبوا إلى أن رفع دعوى صحة التعاقد بشأن عقد زواج أمام المحكمة المدنية لا يحول دون الحكم بعدم سماع الدعوى لعدم وجود وثيقة رسمية بالزواج ، ما لم يكن المدعى عليه قد حضر بالجلسة و أقر بالزوجية و سلم بطلبات المدعي ، أو قدم الطرفان محضر صلح أقر كل منهما فيه بالزوجية بينهما ( أ/ البنا – المرجع السابق – ص 28) .
و هذا الرأي ، بعد صدور القانون الجديد ، قد يكون محل نظر ، حيث إن المنع قاصر على الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، و دعوى الزوجية ليست منها وفقاً لرأي محكمة النقض كما سيأتي البيان عند بحث الدعاوى التي يسري عليها المنع ، و بالتالي تقبل – وفقاً للرأي الأخير – طالما كان العقد صحيحاُ شرعا.
هذا ، و تجدر الإشارة إلى أنه إذا كانت الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج تقبل إذا كان الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية ، إلا أنه يمكن الحكم بعدم قبولها رغم ثبوت الزواج بهذه الوثيقة الرسمية ، و يحدث هذا إذا كانت سن الزوجة تقل عن ستة عشرة سنة ميلادية ، أو كانت سن الزوج تقل عن ثماني عشرة سنة ميلادية وقت رفع الدعوى ، و ذلك وفقاً لنص المادة (17) من القانون رقم 1 لسنة 2000 في فقرتها الأولى .
سادساً : الأثر المترتب على عدم إثبات الزواج العرفي في وثيقة رسمية : ( آثار الزواج العرفي ) :
إذا كان الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية ، فإن الدعوى به تقبل وتسير في مجراها الطبيعي حتى يتم الفصل فيها ، أما إذا كان الزواج غير ثابت بوثيقة رسمية ( أي زواجاً عرفياً سواء أكان مكتوياً أم لا ) ، و أنكر المدعى عليه الزوجية ، فقد رتب القانون على ذلك أثراً هاماً و خطيراً ، هو عدم قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، مع تقرير استثناء من هذا الأثر وفقاً لشروط معينة ، و فيما يلي شرح لذلك الأثر و الإستثناء الوارد عليه .
تحديد الأشخاص الذين يسري عليهم الأثر المذكور :
نظراً لأن المنع من قبول الدعوى قد ورد عاماً موجهاً الخطاب فيه للكافة ، فإن المنع من قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج يسري على الدعاوى التي يقيمها أحد الزوجين على الآخر، وعلى الدعاوى التي يقيمها ورثة أيهما على الآخر أو ورثته ، كما يسري على الدعاوى التي يقيمها الغير أوالنيابة في الأحوال التي تباشر فيها الدعوى كطرف أصيل قبل أيهما أو ورثته ( المرحوك الشيخ / أحمد إبراهيم – طرق الإثبات الشرعية – إعداد المستشارواصل علاء الدين – طبعة 1985 – ص 90 و ما بعدها ، المستشار/ أحمد نصر الجندي ص 308 ، المستشار/ البكري ص 131 ، الطعن رقم 3 لسنة 50 ق – جلسة 30/12/1980 ).
تحديد الدعاوى التي يسري عليها عدم القبول :
جاء نص المادة 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 في فقرته الثانية محدداً الدعاوى التي لا تقبل بأنها الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، مغايراً في ذلك نص المادة 99 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 الملغي ، حيث كانت تنص على عدم سماع ( دعوى الزوجية ) ، فهل يختلف المقصود بهذه الدعاوى في القانون الجديد عنه في القانون الملغي ؟ أم أن هناك تطابق بينهما ؟ . الإجابة تقتضي بيان المقصود بهذه الدعاوى في كل من هذين القانونين سالفي الذكر، و هذا ما أبينه على النحو التالي :
تحديد الدعاوى التي لا تقبل في ظل العمل بالقانون رقم 78 لسنة 1931 الملغي :
نصت المادة 99 من القانون المذكور على عدم سماع (دعوى الزوجية ) ، و قد اختلفت الآراء في مسألة تحديد المقصود بـ ( دعوى الزوجية ) إلى ثلاثة آراء ، على التفصيل التالي :
الرأي الأول : ذهب إلى أن المقصود بدعوى الزوجية ، الدعوى التي يطلب فيها الحكم بالزوجية فقط، و هي دعوى تهدف إلى التحقق من قيام عقد الزواج ، سواء من حيث صحته أو فساده ، فلا تسمع بالتالي ، أما الدعاوى الأخرى الناشئة عن الآثار المترتبة على هذا العقد ، مثل دعوى النفقة و الطاعة .... فتسمع و لوكان عقد الزواج غير ثابت في وثيقة رسمية ، أو كانت سن الزوجين أوأحدهما أقل عن الحد الأدنى المقرر قانوناً، و قد ارتكن هذا الرأي إلى أن المشرع عبر في النصوص عن الدعوى المقصودة بدعوى الزوجية ، كما جرى على تسمية دعاوى أخرى ، فقال " دعوى النفقة " و " الطاعة " ، فاستدلوا بذلك على المغايرة بين دعوى الزوجية و غيرها من الدعاوى ( هذا الرأي مشار إليه في : المستشار/ أحمد نصر الجندي ص 302 ) . و قد ذهبت بعض الأحكام إلى تأييد هذا الرأي و أخذت بظاهر النص ، استناداً إلى أن القول بسريان المنع على الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج هو توسع في نص القانون الصريح ، و هو قيد ورد استثناء من أصل جواز السماع ، فيجب الإقتصار فيه على موضع النص ( مشار إليه لدى المستشار/ البكري ص 132 هامش 4 ).
الرأي الثاني : ذهب إلى أن المنع يشمل دعوى عقد الزواج و الدعاوى الناشئة عن الآثار التي تترتب عليه ، و حجتهم في ذلك أن عقدالزواج غير مقصود لذاته ، بل لما يترتب عليه من آثار، فمدعي الزواج لا يقصد بدعواه – و لا يستفيد منها – إلا آثار الزوجية المترتبة عليه ، و لا يمكن أن يكون مقصد المشرع من النهي عن سماع دعوى الزوجية النهي عن سماع عقد الزواج فقط دون النهي عن سماع دعوى النفقة و الطاعة والإرث ، و غير ذلك من الحقوق المترتبة على الزواج ، لأنه لو كان مقصده هذا لأصبح نهيه عديم الأثر و القيمة ، إذ في استطاعة المدعي أن يترك دعوى عقد الزواج ، و يدعي بما شاء من الآثار المترتبة على الزواج فتسمع دعواه و يحكم له بما طلب و حسبه هذا و كفى , ثم هو غني عن الحكم له بثبوت عقد الزواج ، ما دام يستطيع الحصول على الحكم له بما شاء من آثار هذا العقد بدون أي استثناء ، و حاشا أن يكون هذا هو مقصود المشرع ( هذا الرأي مشارإليه لدى : المستشار/ أحمد نصر الجندي ص 303 ) ، و واضح أن هذا الرأي نظر إلى الغاية من النص و ليس ظاهره .
و أضاف أصحاب هذا الرأي بأن دعوى النفقة أو الطاعة أوالصداق اوالإرث أو اية دعوى بسبب الزواج هي دعوى عقد زواج وزيادة، لأن الزوجة التي تدعي النفقة على زوجها تدعي عقد الزواج ، و تزيد على ذلك استحقاق النفقة عليه ، فدعواها مؤلفة من جزءين : دعوى الزواج ، و دعوى استحقاق النفقة ، و ليس في وسع القاضي أن يمتنع عن سماع الزواج ثم يحكم بأثره المترتب عليه ، لأنه متى سقط الأصل سقط الفرع ( د/ عبد العظيم شرف الدين – أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية 1961 – ص 174 ).
و إزاء هذا الخلاف بين الرأيين سالفي الذكر، صدر منشور وزارة الحقانية ينص على أن دعوى الزوجية لا تسمع مطلقاً سواء كان النزاع في ذات الزوجية أم فيما ترتب عليها من آثار( المستشار/ الجندي ص 304 ).
و بالرأي الثاني أفتت دار الإفتاء المصرية ، حيث انتهت إلى أن :
" ...... المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 قد نص في الفقرة الرابعة من المادة 99 منه على أن ............... ، و مقتضى ذلك أن القانون لم يشترط لصحة عقد الزواج أن يكون بوثيقة رسمية ، إنما اشترط ذلك لسماع الدعوى بين الزوجين في الزوجية و آثارها كالطاعة و النفقة و غيرها ما عدا النزاع في النسب .......) فتوى بتاريخ 1/2/1957 مشارإليالدى المستشار/ البكري ص 132 ، 133 .
الرأي الثالث : ذهب إلى التفرقة بين أمرين :
1- دعوى الزوجية ، أي دعوى الزواج الذي تكون فيه الزوجية محل نزاع بين الخصمين ، فهذه الدعوى لاشك أنها غير مسموعة إلا إذاوجد المؤيد لها .
2- الحقوق التي تنشأ عن عقد الزواج ، و هي قسمان :
أ – قسم لا يتوقف سماع الدعوى به على ثبوت عقد الزواج إذ ادعي ، كالنسب و المهر، فإنهما يثبتان بالوطء بشبهة ، فلا شك في أن الدعوى بهما مسموعة و لو لم يوجد المؤيد لسماع دعوى الزوجية ، لأن القاضي لا يسمع في ضمن الدعوى بها دعوى الزوجية ، بل يسمع دعوى الوطء بشبهة ، و فيه استوفى الرجل منافع البضع ، فلزمه البدل من أجل ذلك .
ب – قسم من الحقوق يتوقف سماع الدعوى به على ثبوت عقد زواج صحيح كالنفقة و الطاعة و الإرث ، فالدعوىبأحد هذه المواد لا يجوز سماعها إلا إذا وجد المؤيد لسماع دعوى الزوجية ( مشا رإليه لدى المستشار/ الجندي ص 304 ). و الملاحظ على هذا الرأي أنه قريب من الرأي الثاني .
و قد ذهبت محكمة النقض إلى تأييد الرأي الأخير ، حيث قضت بأنه :
" متى كانت دعوى المطعون ضده هي دعوى إرث بسبب البنوة ، و هي دعوى متميزة عن دعوى إثبات الزوجية أو إثبات أي حق من الحقوق التي تكون الزوجية سبباً مباشراً لها ، فإن إثبات البنوة الذي هو سبب الإرث لا يخضع لما أورده المشرع في المادة 99 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية من قيد على سماع دعوى الزوجية او ألإقرار بها ، إذ لا تأثير لهذا المنع على دعوى النسب ، سواء كان النسب مقصوداً لذاته أو كان وسيلة لدعوى المال ، فإن هذه الدعوى باقية على حكمها المقرر في الشريعة الإسلامية حتى و لوكان النسب مبناه الزوحية الصحيحة " . الطعن رقم 12 لسنة 44 ق – جلسة 4/7/1976 .
هذا هو الوضع في ظل القانون الملغي ، فماذا عن الوضع بعد صدور القانون الجديد ؟ هذا ما سنعرض له الآن .
الدعاوى التي لا تقبل بعد العمل بالقانون الجديد :
يبدو أن المشرع يبغي بنا رهقاً ، حيث تمسك بهوايته المعتادة في إثارة الاختلاف و اللبس دون داع ، فقد جاء نص المادة 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 ناصاً على عدم قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، فلم يرفع الخلاف السابق ، و إنما أنشأ خلافاً على عكس هذا الخلاف ، فقد كان الوضع السابق في ظل المادة 99 الملغاة أن دعوى الزوجية لا خلاف على سريان المنع عليها إذا لم يكن الزواج ثابتاً في وثيقة زواج رسمية و أنكر المدعى عليه الدعوى ، و كان الخلاف : هل تدخل الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ضمن دعوى الزوجية المشار إليها في النص المذكور ، فلا تسمع هي الأخرى إذا توافرت شروط عدم سماعها ، أم لا ؟ ، أما بعد صدر القانون الجديد و النص في المادة 17 منه على عدم قبول ( الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ) ، فقد أصبحت الدعاوى المذكورة في النص الجديد لا تقبل عند الإنكار بلا خلاف في ذلك ، و إنما أصبح الخلاف حول دعوى الزوجية ، هل تدخل ضمن الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج و تخضع بالتالي للمنع الوارد بالنص أم لا ؟
الإجابة عن ذلك لا تخرج عن أحد رأيين :
الأول : ما ذهب إليه البعض من أن الدعاى الناشئة عن عقد الزواج هي دعاوى تفترض قيام عقد الزواج و قيامه صحيحاً ، و القانون قد ورد به العديد من الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، كالنفقة والمهر و الجهاز و تحقيق الوفاة والوراثة إذا كانت الزوجة ضمن ورثة المتوفي و الطلاق أو التطليق ، و غير ذلك كثير، و هذه الدعاوى جميعها تختلف عن الدعوى التي تتعلق بانعقاد عقد الزواج ، و شروط صحته ، أو نفاذه أولزومه ، فالدعوى بأحد هذه المسائل سواء من الزوج أو من الزوجة تختلف في موضوعها عن أي دعوى ناشئة عن عقد الزواج ، و انتهى هذا الرأي إلى أن نص المادة 17 سالف الذكر لم يتناول هذه المسائل الخاصة بعقد الزواج ، و اكتفى بالدعاوى الناشئة عنه ( المسشتار/ أحمد نصر الجندي – المرجع السابق – ص 305 ، 306 ). و مفاد هذا الرأي أنه يمكن لمن تزوج عرفياً – رجلاً أو امرأة – أن يقيم دعوى لإثبات هذه الزوجية دون أن يملك المدعى عليه دفعها بالإنكار باعتبارها لا تخضع لهذا المنع الوارد بنص المادة 17 آنفة الذكر.
و قد أكدت ذلك محكمة النقض ، حيث قضت بأن :
" القيد المنصوص عليه في المادتين 99 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 و 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 بشأن تقديم وثيقة زواج رسمية قاصر على الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، فلا يمتد إلى الدعاوى الناشئة عن النزاع في ذات الزواج أو في وجود الزوجية ، فيجوزللزوج أو للزوجة اثبات الزوجية عند الإنكار أو وجود نزاع فيها و لو لم يكن الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية ".
الطعن رقم 643 لسنة 73 ق – جلسة 23/4/2005 .
و الرأي السابق أوجب الرجوع بشأن هذه المسألة ( إثبات دعوى الزوجية ) إلى نص المادة الثالثة من مواد إصدار القانون رقم 1 لسنة 2000 التي نصت على أن يعمل فيما لم يرد به نص في تلك القوانين بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة .
و لا مراء أن الرأي المذكور له وجاهته و سنده ، و لكن الأخذ به يؤدي إلى تناقض غريب ، فهو يعني أن المشرع يعترف بدعوى الزوجية أي بعقد الزواج العرفي و يقر قبولها أمام القضاء ، في الوقت الذي لا يعترف و لا يقبل الدعاوى الناشئة عنه ، فطالما أنه لا يقبل الدعاوى بآثار عقد الزواج ، فلا فائدة عملية ترجى من قبول دعوى الزوجية .
و قد ذهب البعض – ممن له وزنه و مكانته المرموقة – إلى أن مؤدى حكم محكمة النقض المشار إليه سلفاً – بإخراج دعوى الزوجية من القيد – حق المتزوجة عرفياً في طلب الحقوق المترتبة على عقد الزواج العرفي من نفقة أو حضانة وغير ذلك ، شريطة أن تتضمن صحيفة الدعوى طلبين ، أولهما : طلب إثبات صحة ونفاذ عقد الزواج العرفي ، ثانيهما : المطالبة بما يترتب على ثبوت العقد من حقوق تشكل جوهر طلبها الثاني من نفقة أو حضانة أو غير ذلك ، وإن كان ذلك يسبتلزم صيرورة الحكم الصادر في الطلب الأول بإثبات الزواج العرفي نهائياً حتى لا يحرم المدعى عليه فيه من التقاضي على درجيتن باعتباره مما يتعلق بالنظام العام ( المستشار/ أشرف مسطفى كما ل- موسوعة الأحوال الشخصية – ص 208 ).
و هذا الراي - عندي - محل نظر، مع احترامي و تقديري الشديد لصاحبه ، ذلك أنه و إن جاز لجوء المتزوجة عرفياً إلى القضاء للمطالبة بإثبات زواجها العرفي وفقاً لقضاء محكمة النقض آنف الذكر، و عدم خضوعها لقيد عدم السماع الوارد بصدر الفقرة الثانية من المادة 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 ، إلا أنها تخضع للإستثناء الوارد بعجز الفقرة الثانية المذكورة ، فالأصل ألا تُسمع – مطلقاً – الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج غير الرسمي ، إلا أن المشرع لأسباب ارتآها و ارتضاها أجازعلى سبيل الإستثناء ( قبول دعوى التطليق أو الفسخ بحسب الأحوال دون غيرها إذا كان الزواج ثابتاً بأية كتابة ) ، فالمتزوجة عرفياً و على فرض حصولها على حكم بإثبات زواجها و صحته ، ما زال عقدها عرفياً , غير ثابت بوثيقة رسمية ، فالأحكام كاشفة و ليست منشئة ، و حيث إن المشرع و إن رتب على ثبوت الزواج العرفي بأية كتابة قبول دعوى التطليق أوالفسخ إلا أنه لم يجز قبول أي دعوى أخرى غيرهما ، و ليس للمتزوجة عرفياً بالتالي المطالبة بأية حقوق مترتبة على زواجها العرفي أو مترتبة على الحكم بالتطليق أوالفسخ ، و القول بغير ذلك – بلا أدنى شك – إفراغ للقيد الوارد بالفقرة الثانية من المادة 17 المذكورة سلفاً من مضمونها، و وصم للمشرع بالعبث ، إذ ما أيسر الأمر على كل متزوجة عرفياً أن تلجأ للقضاء إثباتاً لزواجها العرفي و المطالبة من بعد بحقوقها المترتبة على هذا الزواج ، و هو ما تدخل المشرع لمنعه بنصوصه الواردة بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 و من بعده القانون رقم 1 لسنة 2000 بعد أن كان جائزا ، و القاعدة أن المشرع لا يعبث و لا يلغو ، و في هذا الرأي أيضاً إهدار للصيانة التي ابتغاها المشرع للزواج من العبث و الجحود حماية لركائز المجتمع و تثبيتاً لأركانه .
الرأي الثاني : أن يقال أن دعوى الزوجية تخضع للمنع الوارد بنص المادة 17 ، و لكن النص المذكور لا يساند هذا الرأي ، إلا أن يقال بأن المشرع منزه عن العبث ، و لا يمكن أن يمنع قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج غير الرسمي ( العرفي ) ثم يقبل دعوى العقد ذاته ، لاسيما و أن المشرع ما تدخل بمثل هذه الصور إلا لمواجهة هذا الزواج غير الرسمي ، في محاولات منه لمنع اللجوء إليه ، حارماً أطرافه من آثاره قضاء ، و لكن هذا الرأي يعوزه السند الصحيح في مواجهة النص الصريح ، وما كان لهذا الخلاف أن يقع لو كان المشرع يقظاً في تحديد الفاظ النصوص القانونية ، مبتعداً في تشريعه عن الأهواء .
لا مراء أن عقد الزواج سيكون محلاً لدعاوى عديدة يطالب أطرافه من خلالها بإثبات هذه الزوجية أو هذا الزواج أو العقد ، استناداً إلى ظاهر النص و ماذهب إليه أصحاب الرأي الأول و قضاء محكمة النقض المذكور سلفاً ، و نظراً لاحتمال قبولها ، فسوف تضطر محكمة الموضوع في سبيل الفصل فيها إلى التطرق إلى إثبات الزواج شرعاً ، بحثاً عما إذا كان مدعي الزوجية قد أفلح في إثبات دعواه فيقضى له بها ، أم عجز و فشل فترفض ، الأمر الذى أرى معه وجوب بيان طرق إثبات الزواج شرعاً حتى يستكمل البحث مقوماته الأساسية ، و إذا كانت المادة الثالثة من مواد إصدار القانون رقم 1 لسنة 2000 تنص على أنه يعمل فيما لم يرد في شأنه نص في تلك القوانين بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة ، فإن بحث إثبات الزواج سيكون من خلال مذهب أبي حنيفة و بإيجاز، بحسبان أن المشرع لم يتطرق إلى تنظيم تلك المسألة

الجزء الثالث من بحث الزواج العرفي

اثبات الزواج في المذهب الحنفي

يثبت الزواج في الفقه الحنفي بأحد الأدلة الآتية :
أولاً : الشهادة : الشهادة في المعنى الاصطلاحي إخبار في مجلس القضاء عما وقع تحت سمع شخص و بصره مما يترتب عليه أثر في الشرع ألأو القانون ، أي إخبار الانسان في مجلس القضاء بحق عل غيره لغيره ( د/ كما لامام – ص 210 )، و نصاب الشهادة في إثبات الزواج شهادة رجلين عدلين أو رجل و امرأتين عدول ( شرح فتح القدير للكما لبن الهامام – ج 7 – ص 370 ، الطعن رقم 1 لسنة 46 ق – جلسة 26/10/1977 ).

و البينة حجة متعدية ، فالثابت بها ثابت على الكافة و لا يثبت على المدعى عليه وحده . و يشترط في الشاهد : العدالة و البلوغ و الحرية و الإبصار و ألا يكون محدوداً في قذف ، و ألا يكون متهماً في شهادته ، بأن كان يجر لنفسه مغنماً أو يدفع عن نفسه مغرماً ، و يدخل في ذلك ألا يكون الشاهد من أصول أو فروع المشهود له أو زوجاً له ، و العلم بالمشهود به ، ذاكراً له وقت الأداء ، و القدرة على التمييز بالسمع و البصر بين المدعى و المدعى عليه .( المستشار/ البكري – ص 123 ).

و قد أجيزت الشهادة بالتسامع استحساناً في بعض المسائل ، منها إثبات الزواج ، و ذلك دفعاً للحرج و تعطيل الأحكام ، بحيث انه إذا اشتهر الزاج لدى الشاهد بأحد طريقي الشهرة الشرعية حل له أن يشهد به لدى القاضي ، و الشهرة الشرعية تنفسم الى قسمين : شهرة حقيقية ، و هذه تكون بالسماع من أقوام كثيرين لا يتصور تواطؤهم على الكذب ، و لا يشترط فيهم العدالة ، و شهرة حكمية ، و تكون بشهادة عدلين أو رجل عدل و عدلتين بالشئ بلفظ الشهادة ( المستشار/ البكري – ص 124 ). و هذا هو الرأي المفتى به في المذهب (الشيخ / احمد ابراهيم – ص 123 ).

و تطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض بأن : ( العشرة و المساكنة لا تعتبر وحدها دليلاً شرعياً على قيام الزوجية و الفراش ، إنما نص فقهاء الحنفية على أنه يحل للشاهد أن يشهد بالنكاح و إن لم يعاينه متى اشتهر عنده ذلك بأحد نوعي الشهادة الحقيقية أو الحكمية ، فمن شهد رجلاً و امرأة يسكنان في موضع أو بينهما انبساط الأزواج و شهد لديه رجلان عدلان بالفظ الشهادة انها زوجته حل له أن يشهد بالنكاح و إن لم يحضر وقت العقد ) الطعن رقم 12 لسنة 36ق – أحوال شخصية – جلسة 27 /3/1968 .



ثانياً : الإقرار :
الإقرار شرعاً هو الاعتراف بثبوت حق للغير على نفس المقر و لو في المستقبل باللفظ أو ما في حكمه ( شرح فتح القدير-ج 8 ص 317، الطعن رقم 16 لسنة 50ق أحوال شخصية – جلسة 16/6/1981 )، و إذا أقر الشخص بحق لزمه ، و يعد الإقرار حجة قاصرة على المقر بخلاف البينة ، فإذا أقر أحد الزوجين بالزوجية كان اقراره هذا دليلاً كافياً لاثباتها دون حاجة إلى دليل آخر ، و لا تشترط الشهادة في صحة الإقرار لأن الإقرار ليس انشاء للزوجية (البكري – ص 127 ).

و يشترط في صحة الإقرار بالزواج و نفاذه ما يلي :
1- أن يكون المقر عاقلاً بالغاً .
2- أن يكون الزواج ممكناً الثبوت شرعاً، و ذلك بألا يكون الرجل متزوجاً بمحرم للمرأة كأختها و عمتها ، و لا بأربع سواها، و ألا تكون هي متزوجة فعلاً برجل آخر أو في عدة فرقة منه ، سواء أكان الإقرار من الرجل أو من المرأة .
3- أن تصدق المرأة الرجل في إقراره إذا كان هو المقر، و أن يصدقها الرجل إذا كانت هي المقرة ، لأن الإقرار حجة قاصرة على المقر.

و الإقرار بالزوجية صحيح و نافذ سواء كان في حال الصحة أو في مرض الموت ، متى ورد عليه التصديق من الجانب الآخر، سواء كان المقر هو الرجل أو المرأة (البكري – ص 127)، و ذهب الصاحبان إلى انه يصح التصديق من الطرف الآخر بعد موت المقر، سواء كان المقرهو الرجل أو المرأة ، أما الإمام أبوحنيفة فيذهب إلى أنه إذا كانالمقر هو الرجل فإنه يصح و ينفذ لو صدقته المرأة بعد موته فيكون لها حقها في الميراث ، أما إذا كانت المرأة هي المقرة فلا يصح تصديق الرجل بعد موتها ، فلا تثبت به الزوجية و لا يستحق به الميراث ، لأنه بموت المرأة تنقطع أحكام الزوجية ، ولذلك يحل للرجل أن يتزوج بأختها عقيب وفاتها و بأربع سواها ، و لا يحل له أن يغسلها إذ صارت أجنبية عنه، أما بعد موت الرجل فللزوجية أحكام باقية كالعدة ، و لذلك يحل لها أن تغسل زوجها .

ثالثاً : النكول عن اليمين :
اذا لم يقر المدعى عليه بالزوجية ، و لم يقدم المدعي بينة عليها ، أو على أن المدعي عليه قد أقر بها قبل ذلك ، كان له – على رأي الصاحبين المفتى به – أن يطلب من القاضي تحليف المدعى عليه ، فإن حلف رفضت الدعوى ، و إن نكل ثبت الزواج، لأن النكول إقرار بالمدعى به عندهما، و ذهب أبو حنيفة إلى أن اليمين لا توجه إلى المدعى عليه إذا كان أحد الزوجين ، و إذا وجهت إليه لم يثبت الزواج بنكوله، لأن النكول بذل لا إقرار عنده، و الزواج ليس مما يبذل (د/كمال امام – ص 219 ). هذا ، و إذا قضي برفض الدعوى بعد أن حلف المدعي عليه أن ليس بينه و بين المدعي زوجية ، كان هذا القضاء قضاء ترك لا يمنع المدعي من تجديد الدعوى إذا وجد البينة ( الإمام / أبو زهرة – ص 268 ، البكري ص 128 ).


المحكمة المختصة بنظر دعوى إثبات الزوجية :
صدر القانون رقم 10 لسنة 2004 بإنشاء محاكم الأسرة ، و نص في المادة الثالثة منه على أن : ( تختص محاكم الأسرة دون غيرها بنظر جميع مسائل الأحوال الشخصية التي ينعقد الاختصاص بها للمحاكم الجزئية و الابتدائية طبقاً لأحكام قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادربالقانون رقم 1 لسنة 2000 ........)، و بذا يكون المشرع قد عقد لمحاكم الأسرة الاختصاص النوعي بنظر جميع مسائل الأحوال الشخصية ، و لم يعد هناك وجود لمحاكم جزئية وأخرى ابتدائية في نطاق منازعات الأحوال الشخصية ، و بناء على ذلك يضحى الاختصاص بنظر دعوى إثبات الزوجية معقود لمحكمة الأسرة المختصة محلياً بنظرها.


تحديد الدعاوى التي لا يسري عليها القيد :
هناك من الدعاوى ما لا يسري عليها القيد الوارد بنص المادة 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 و الخاص بعدم سماع الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، لكون الحقوق فيها ليست الزوجية سبباً مباشراً لها ، أي ليست ناشئة عن عقد الزواج ، و هناك نوع آخر من الدعاوى لا يسري عليها هذا القيد استثناءً من القانون نفسه بنص المادة المذكورة سلفاً ، و أبين كلا النوعين على الوجه التالي :

الدعاوى التي لا يسري عليها القيد بغير نص : من هذه الدعاوى :
1- إثبات الإرث بسبب البنوة : لأن الإرث هنا سببه البنوة و ليس الزواج ، فقد قضت محكمة النقض بأن : ( لما كانت دعوى المطعون عليه هي دعوى ارث بسبب البنوة ، و هي دعوى متميزة عن دعوى اثبات الزوجية أو اثبات أي حق من الحقوق التي تكون الزوجية سباً مباشراً لها ، فإن اثبات البنوة الذي هو سبب الإرث لا يخضع لما أورده المشرع في المادة 99 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية من قيد على سماع دعوى الزوجية أو الإقرار بها ، إذ لا تأثير لهذا المنع من السماع على دعوى النسب سواء كان النسب مقصوداً لذاته أو كان وسيلة لدعوى المال ، فإن هذه الدعوى باقية على حكمها المقرر في الشريعة الاسلامية حتى و لو كان النسب مبناه الزوجية الصحيحة ، و لما كان اثبات البنوة و هو سبب الارث في النزاع الراهن بالبينة جائزاً فلم يكن على الحكم المطعون فيه أن يعرض لغير ما هو مقصود أو مطلوب بالدعوى ) الطعن رقم 21 لسنة 44 ق – أحوال شخصية – جلسة 7/4/1976 .

و على ذلك فيمكن للولد من زواج عرفي أن يرفع دعوى إرث من أبيه دون أن يكلف تقديم وثيقة رسمية بالزواج ، و إنما يكفيه البينة على دعواه . هذا و يلاحظ أن دعوى الإرث التي ترفعها الزوجة عن زوجها المتوفي من زواج عرفي لا تقبل لأن مبناها الزوجية .

2- دعوى نفقة الأولاد : الأصل في الدعوى بطلب نفقة للصغير أن يكون النسب قائماً فيها باعتباره سبب الالتزام بالنفقة ، أخذاً بأن سبب وجوب النفقة للأولاد هي الجزئية النابعة من كون الفرع من صلب الأصل ( الطعن رقم 173 لسنة 63 ق – أحوال شخصية – جلسة 26/5/1997 )، و بالتالي لا تعد الزوجية سبباً لوجوب النفقة للأولاد على أبيهم ، و إنما السبب في وجوبها هو كون الولد جزء من أبيه و فرع منه أي البنوة ، الأمر الذي تكون معه دعوى الولد من زواج عرفي بطلب النفقة من أبيه مقبولة و لا تخضع للقيد الوارد بنص المادة 17 لكونها ليست من الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، و يلاحظ أن نفقة الصغير تشمل الطعام و الكسوة و السكنى و مصاريف العلاج و التعليم ، فالدعوى بأيهم مقبولة ، و عليه فتكون المطالبة بمسكن حضانة للصغير مقبولة باعتباره من النفقة ، و هكذا في كل مشتملات النفقة .( و في تأييد ذلك المستشار/ أشرف مصطفى كمال – مرجع سابق ص 209 ).

3- إثبات الزوجية التي من شرائط امتداد عقد الإيجار:
فقد قضت محكمة النقض بأن : ( الأصل في فقه الشريعة الاسلامية جواز الشهادة بالتسامع في الزواج ، إلا أن المشرع تدخل استثناءً من هذا الأصل – احتراماً لروابط الأسرة و صيانة للحقوق الزوجية – فقد نص في الفقرة الرابعة من المادة 99 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية على أن " لا تسمع عند الإنكار............." و لما كانت دعوى الطاعن هي طلب إنهاء عقد إيجار شقة النزاع باعتبار أن الشاغلة لها ليست زوجة للمستأجر الأصلي الذي ترك العين لعدم وجود وثيقة رسمية معها مثبتة للزواج، و هي دعوى متميزة عن دعوى الزوجية التي عنتها المادة 99 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، فإن الزوجية التي هي من شرائط امتداد عقد الايجار عملاً بنص المادة 31 من القانون رقم 52 لسنة 1969 لا يلزم لتوافرها ثبوت الزواج بوثيقة رسمية ، و لو قصد المشرع ذلك لنص عليه صراحة ). الطعن رقم 1535 لسنة 48 ق – جلسة 19 /5/1982 ، و الطعن رقم 973 لسنة 49 ق – جلسة 20/12 /1984 .
هذا ، و يجب التنبه إلى ما سبق الإشارة إليه من عدم خضوع النزاع في ذات الزواج أو في وجود الزوجية للقيد الوارد بالمادة 17 وفقاً لما انتهت إليه محكمة النقض على النحو الموضح بالمبحث الثاني من هذا البحث، و بالتالي فالنزاع في الزواج إثباتاً و صحة و خلافه أصبح طليقاً من القيد المذكور.


4- دعوى النسب :
استقرت أحكام محكمة النقض في ظل العمل بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 على عدم خضوع دعوى النسب للقيد الوارد على سماع دعوى الزوجية أو الإقرار بها ، لكونها دعوى متميزة عنها، فقد قضت بأن :
" ......... لا تأثير لهذا المنع من السماع على دعوى النسب التي ما زالت باقية على حكمها المقرر في الشريعة الاسلامية ، و كان النسب كما يثبت بالبينة والإقرار يثبت بالفراش الصحيح و ملك اليمين و ما يلحق به و هو المخالطة بناء على عقد فاسد أو بشبهة ". الطعن رقم 8 لسنة 58 ق أحوال شخصية – جلسة 21/11/1989 .

كما قضت بأن : " و حيث إن الطاعن ينعي بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ، و في بيان ذلك يقول ان المطعون ضدها تستند في إثبات نسب الصغير إليه إلى أنها زوجة للطاعن بعقد عرفي ، و لما كانت هذه الزوجية غير ثابتة بوثيقة زواج رسمية فقد دفع بعدم سماعها ... لأنه من غير الجائز إثبات الزوجية بشهادة الشهود...و حيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن المقررفي قضاء هذه المحكمة أن دعوى النسب متميزة عن دعوى إثبات الزوجية ، و أن إثبات البنوة لا يخضع لما أورده المشرع في المادة 99 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية من قيد على سماع دعوى الزوجية أو الإقرار بها ... ". الطعن رقم 62 لسنة 58 ق أحوال شخصية – جلسة 22/5/1990 .

هذا و يثبت النسب بالفراش و الإقرار و البينة ، فإذا ادعت امرأة على رجل أنهاولدت منه و لم تكن فراشاً له فلها إثبات مدعاها بالبينة الكاملة أي شهادة رجلين عدلين أو رجل و امرأتين عدول ، و الشهادة المنصبة على النسب لا يشترط فيها معاينة واقعة الولادة أو حضور مجلس العقد إن كان . ( الطعن رقم 3 لسنة 45 ق أحوال شخصية – جلسة 9/11/1967 ).

رأي مخالف لما سبق :
و مع ذلك ، فإن هناك رأياً – لصاحبه وزنه الفقهي و العلمي المعروف – يذهب إلى عكس ذلك أو إلى التفصيل ، و لهذا الرأي من يؤيده . يرى صاحب هذا الرأي أن عبارة المذكرة الايضاحية للقانون رقم 78 لسنة 1931 التي تجيز سماع دعوى النسب عند الإنكار دون وثيقة زواج رسمية تكون في محلها إذا كان ثبوت النسب أساسه الدعوة أو نحوها و لم يكن أساس الاثبات فيه فراش الزوجية ، و ذلك لأن الدعوة وحدها كافية لاثبات النسب ، فإذا أقام الدليل عليها فقد ثبت ، و كذلك إذا كان أساس النسب دخولاً بشبهة أسقطت الحد و محت وصف الزنا ، فإن أساس النسب فيه واقعة لا تقيد اللائحة طريق إثباتها ، بل تركته للمقرر في الفقه من طرق الإثبات ، و على القاضي أن يراعي ملابسات الأحوال ، أما إذا كان أساس النسب هو فراش الزوجية فإن النسب لا يثبت إلا إذا ثبتت الزوجية ، فالدعوى في هذه الحالة تتضمن لا محالة دعوى الزوجية ، فيجب أن يجري اثباتها على ما سنته اللائحة و تتقيد بقيودها ، إذ أن نص اللائحة يشمل كل دعاوى الزوجية سواء اكانت ضمن حق أم لم تكن ، و إذا كانت دعوى النفقة بسبب الزوجية ترفض إذا كانت الزوجية محل إنكار و لم تثبت بوثيقة رسمية ، فكذلك ترفض دعوى النسب إذا كان بسبب فراش الزوجية ، و أنكرت الزوجية و لم تستطع اثباتها بوثيقة رسمية بمقتضى منطق القانون ، و لا يجوز التفريق بين النسب و غيره من آثار الزوجية إذا كان أساس الدعوى فيه فراش الزوجية الصحيح ( الرأي لفضيلة الإمام / محمد أبو زهرة – الأحوال الشخصية – ص 272 و ما بعدها ، و قد أيده المستشار/ محمد عزمي البكري – المرجع السابق ص 134 و ما بعدها ) ، و الرأي كما هو واضح صدر في ظل العمل بالقانون الملغي رقم 78 لسنة 1931 .

تعليق على الرأي السابق و الوضع في ظل القانون الجديد :
الرأي السابق – مع اجلالنا لصاحبه و له – و إن كان على حق في ظل العمل بالقانون رقم 78 لسنة 1931 وله سنده الصحيح الذي أؤيده، حيث إن دعوى الزوجية كان النص الملغي صريح في عدم سماعها إذا توافرت شروط ذلك ، إلا أنه بعد صدور القانون الجديد و النص في المادة 17 منه على عدم قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، فقد أصبحت دعوى الزوجية و بهذه الصياغة غير خاضعة للقيد الوارد بالنص و بالتالي يتعين قبولها و لو لم تكن هناك وثيقة رسمية بالزواج ، و إذن إذا كانت دعوى النسب أساسها الفراش الصحيح فلا يوجد ما يمنع قبولها .

و قد أكدت محكمة النقض في حكم حديث لها هذا الأمر، حيث أجازت اثبات وجود أو صحة الزواج ذاته عند الإنكار بكافة طرق الإثبات ، فقد قضت بأن :
" القيد المنصوص عليه في المادتين 99 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 و 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 بشأن تقديم وثيقة زواج رسمية قاصرعلى الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، فلا يمتد إلى الدعاوى الناشئة عن النزاع في ذات الزواج أو في وجود الزوجية ، فيجوز للزوج أو الزوجة إثبات الزوجية عند الإنكار أو وجود نزاع فيها و لو لم يكن الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية " الطعن رقم 643 لسنة 73 ق – جلسة 23/4/2005 – وارد بمؤلف المستشار/ أشرف مصطفى كمال – موسوعة قوانين الأحوال الشخصية – طبعة نقابة المحامين – الجزء الأول – ص 273 .

و الوضع بعد صدور القانون رقم 1 لسنة 2000 لم يتغير عما كان عليه قبل صدوره فيما يتعلق بدعوى النسب و عدم خضوعها للقيد المشارإليه سلفاً ، لأن دعوى النسب لا زالت باقية على حكمها المقرر شرعاً و هو أن الولد للفراش ، فيثبت النسب بالزواج و لولم يكن ثابتاً في أية ورقة ، بأن كان شرعياً محضا ً ، و في حالة دعوى النسب المستندة إلى زواج عرفي ، لا يشترط في إثبات عقد الزواج العرفي تقديم هذا العقد بل يكفي أن يثبت بالبينة حصوله و حصول المعاشرة الزوجية في ظله ، باعتبار البينة الشرعية هي إحدى طرق إثبات النسب ، كما أنه ليس بلازم أن يشهد الشهود بحضور مجلس ذلك العقد العرفي ، بل يكفي أن يشهدوا بعلمهم بحصوله لأن الشهادة بالتسامع جائزة هنا بشرط أن لا يصرح الشاهد في شهادته بلفظ أسمع أو سمعت . ( م/ أشرف مصطفى كمال – المرجع السابق – الجزء الثاني ص 468 ، 472 )، فإثبات النسب يكون بكافة طرق الإثبات المقررة لذلك دون حاجة إلى وثيقة الزواج الرسمية أو العرفية .

و هذا ما تؤكده المادة 15 من القانون رقم 25 لسنة 1920 بأحكام النفقة و بعض مسائل الأحوال الشخصية والمعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 ، حيث نصت على أن : ( لا تسمع عند الإنكار دعوى النسب لولد زوجة ثبت عدم التلاقي بينها و بين زوجها من حين العقد و لا لولد زوجة أتت به بعد سنة من غيبة الزوج عنها و لا لولد المطلقة و المتوفي عنها زوجها إذا أتت به بعد سنة من وقت الطلاق أو الوفاة )، فقد حدد المشرع – حصراً – أسباب عدم سماع دعو النسب ، و ليس من بين تلك الأسباب عدم ثبوتها في وثيقة رسمية ، و قد أكدت محكمة النقض ذلك في حكم صادر منها بعد صدور قانون 1 لسنة 2000 حيث قضت بأن : " عدم سماع دعوى النسب عند الإنكار. شرطه أن تأتي بالولد لم تلتق بزوجها من حين العقد أو أتت به بعد سنة من غيبته عنها أو من انقضاء فراش الزوجية بالطلاق أو الوفاة ز مادة 15 مرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1920 " . الطعن رقم 152 لسنة 65 ق أحوال شخصية – جلسة 14/5/2001 – مجلة المحاماة – العدد الثاني 2002 – ص 224 .

5- دعوى المتعة : قد يثور التساؤل عما إذا كانت دعوى المتعة تخضع للقيد الوارد بنص المادة 17 أم لا ؟ .
ذهب البعض إلى عدم قبول دعوى المتعة لكون المشرع قد حرص على النص في المادة المذكورة على أن يقتصر الاستثناء في حالة إنكارالزواج و عدم ثبوته في وثيقة رسمية على قبول الدعوى بالتطليق أو الفسخ فقط دون غيرهما من دعاوى المطالبة بالحقوق المترتبة على الطلاق كالمتعة أونفقة العدة أو غير ذلك ( م/ أشرف مصطفى كمال – المرجع السابق – ص 210 هامش 4 ) ، و يرى البعض أنه لما كان نص المادة 18 مكرراً من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1925 المضافة بالقانون رقم 100 لسنة 1985 يشترط لاستحقاق المتعة أن تكون الزوجة مدخولاً بها في زواج صحيح ، فإن إنكار المطلق لواقعة الزواج ذاتها يكون كافياً بذاته لعدم سماع الدعوى بالمتعة ( أ/ سمير عبد السميع – مرجع سابق ص 209 ). و هذا الرأي محل نظر ، ذلك أن المطلق إذا أنكر الزوجية فإن الزوجة لديها مكنة اثبات الزواج بأي دليل كتابي وفقاً لنص المادة 17 ، فإن أفلحت ثبت الزواج ، و لم يعد لإنكار الزواج من قيمة في هذه الحالة ، و لكن السؤال هل إذا ثبت الزواج و قضت المحكمة بالتطليق يكون للمطلقة حينئذ رفع دعوى المتعة ؟ الرأي عندي بالإيجاب، ذلك أن المشرع إنما منع – فقط - قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، و بالتالي فالدعاوى الغيرناشئة عن عقد الزواج تكون بمفهوم المخالفة مقبولة ، و لما كانت المتعة ليست ناشئة عن عقد الزواج ، و إنما ناشئة عن واقعة الطلاق ، فإنها تكون مقبولة ، ذلك أن المقرر في قضاء النقض أن ( سبب الحق في المتعة هو الطلاق باعتباره الواقعة المنشئة لالتزام المطلق بها ، و الأصل في تشريعها جبر خاطر المطلقة و فيها ما يحقق المعونة المادية لها على نتائج الطلاق ) الطعن رقم 438 لسنة 65 ق – جلسة 17/4/2000 .

و لا يقدح في ذلك قالة أن المشرع استثنى من عدم القبول دعوى التطليق أو الفسخ دون غيرهما ، ذلك إن هذا الاستثناء من قبيل الاستثناء المتصل ، أي أنه استثناء من الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، بمعنى أن المشرع جعل الأ صل عدم قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، ثم استثنى من تلك الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج دعوى التطليق أو الفسخ ، فالأصل و الاستثناء متعلق بالدعاوى الناشئة عن عقد الزواج فقط ، أما الدعاوى الغيرناشئة عن عقد الزواج فهي مقبولة كلها بلا استثناء ، و منها دعوى المتعة على ما سبق بيانه .


6- الدعوى التي يرفعها الأب بضم الأولاد :
في حالة ما إذا تزوج رجل امرأة زواجاً عرفياً ، و أثمر هذا الزواج أولاداً ، ثم حدثت الفرقة بين الزوجين ، فهل يملك هذا الزوج في هذه الحالة المطالبة بضم أولاده من هذه الزوجة إذا بلغوا سن الحضانة غير الالزامية ، أي إذا أنهوا سن الحضانة الالزامية التي تقوم عليها النساء لزوماً و التي تنتهي ببلوغ الصغير خمس عشرة سنة طبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 20 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المعدلة بالقانون رقم 4 لسنة 2005 ، فهل إذا بلغ الأولاد هذه السن يحق لأبيهم أن يطالب بضمهم رغم أنهم من زواج عرفي أم يخضع للقيد ؟ الرأي عندى أنه في هذه الحالة يملك الأب أن يرفع مثل هذه الدعوى ، باعتبار أن هذه الدعوى سببها البنوة و ليس الزوجية ، فكونهم أبناءه أي فرع له يعد السبب لهذه الدعوى ، و قد أكد هذا الرأي المتسشارأشرف مصطفى كمال معللاً ذلك بغلبة حق الصغير فيها و اتصالها بالنسب ( المرجع السابق ص 209 ).

بذا يكون الجزء الثالث من بحث الزواج العرفي قد انتهى ، و موعدنا بمشيئة الله تعالى قريباً مع الجزء الرابع و أوله " الدعاوى التي لا يسري عليها قيد عدم القبول بنص القانون " ، و لله الحمد من قبل و من بعد .

النصاب القيمي للامساك بالدفاتر التجارية

نصت المادة 21 من قانون التجارة الجديد رقم 17 لسنة 1999 على أنه :
( على كل تاجر يجاوز رأس ماله المستثمرفي التجارة عشرين ألف جنيه أن يمسك الدفاتر التي تستلزمها طبيعة تجارته و أهميتها و على وجه الخصوص دفتري اليومية و الجرد بطريقة تكفل بيان مركزه المالي و ماله من حقوق و ما عليه من ديون متعلقة بالتجارة ).

و مفاد ذلك النص أن المشرع ناط الالتزام بالإمساك بالدفاتر التجارية من جانب التاجر بنصاب مالي معين ، بحيث إذا لم يتوافر ذلك النصاب المالي انتفى التزام التاجربإمساك تلك الدفاتر، و هذا النصاب قدره المشرع بمبلغ عشرين ألف جنيه ، و بمعنى أدق يلتزم التاجر بذلك إذا جاوز رأس ماله المستثمر في التجارة عشرين ألف جنيه ، و قد كان مشروع القانون الجديد يقترح رفع النصاب إلى عشرة آلاف جنيه ، بعدما كان الملزم بإمساك الدفاتر التجارية – في القانون القديم – هو التاجر الذي يزيد رأس ماله عن ثلاثمائة جنيه ثم عدل إلى ألف جنيه .

و رفع قيمة النصا ب المالي المذكور في القانون الجديد مرجعه ما طرأ على قيمة العملة من تغيير في السنوات الأخيرة أدى إلى انخفاض قوتها الشرائية ، و تمشياً مع التطور الإقتصادي ، و هذا النصاب لا صلة له بتعريف التاجر أو الأعما ل التجارية ، فلا يتوقف عليه ثبوت أو انتفاء صفة التاجر أو التجارة ، و إنما هو مجرد شرط لقبول دعوى إشهار الإفلاس ، بحيث لا يشهر إفلاس إلا التاجر الملزم بإمساك الدفاتر التجارية ، فقد نصت الفقرة الأولى من المادة 550 من قانون التجارة الجديد على أنه : ( يعد في حالة الإفلاس كل تاجر ملزم بموجب أحكام هذا القانون بإمساك دفاتر تجارية إذا توقف عن دفع ديونه التجارية إثر اضطراب أعماله المالية ) ، و يراعي أن النصاب المذكور يسري بأثر مباشر على الحالات اللاحقة على العمل بقانون التجارة الجديد ، و بالتالي ليس له أثر رجعي ، فالدعاوى السابقة على العمل بالقانون الجديد تبقى خاضعة للنصاب القانوني المعمول به وقت رفعها .

و في ذلك قضت محكمة النقض بأن :

" بعد أن توجه القضاء – في ظل القانون القديم – إلى إعفاء صغار التجارمن إمساك الدفاتر تخفيفاً عليهم من أعبائها المالية و ماتفرضه من نظام ، صدر القانون رقم 388 لسنة 1953 بأن الملزم بإمساك الدفاتر التجارية هو التاجر الذي يزيد رأس ماله عن ثلاثمائة جنيه ثم رفع هذا النصاب بالقانون رقم 58 لسنة 1954 إلى ألف جنيه ثم اقترح مشروع القانون الجديد رفع النصاب إلى عشرة آلاف جنيه ، بيد أن القانون صدر برفع النصاب إلى عشرين ألف جنيه أخذاً في الاعتبار سعر العملة ، و مفاد ذلك أن نصاب الإمساك بالدفاتر التجارية لا صلة له بذاتية القواعد الموضوعية التي يقوم عليها نظام شهر الإفلاس و المتصلة بتعريف التاجر و توقفه عن الدفع ، كما لا تتصل بالحماية التي يستهدفها نظام شهر الإفلاس ، و إنما جاء الامساك بالدفاتر التجارية و نصابها شرطاً لقبول دعوى شهر الإفلاس و لا تمس قواعد النظام العام التي يحمي به القانون مصلحة عامة، و لو أراد المشرع الإعتداد بألا يشهر الإفلاس حتى عن الحالات السابقة على صدور القانون الجديد إلا إذا كان رأس مال التاجريزيد عن عشرين ألف جنيه و يمسك الدفاتر التجارية لما أعوزه النص على ذلك صراحة ". الطعن رقم 55 لسنة 70 ق – جلسة 15/1/2003 .


" لما كانت الفقرة الأولى من المادة 550 من قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 اشترطت لشهر إفلاس التاجر أن يكون ممن يلزمه هذا القانون بإمساك دفاتر تجارية ، و تطلبت المادة 21 منه من كل تاجر يجاوز رأس ماله المستثمر في التجارة عشرين ألف جنيه أن يمسكها ، إلا أن القانون ترك أمر استخلاص حقيقة مقدار رأس المال المستثمر في التجارة لقاضي الموضوع دون أن يقيده فيما قد ينتهي إليه في ذلك إلا أن يكون سائغاً يرتد إلى أصل ثابت في الأوراق و كاف لحمل قضائه في هذا الخصوص " . الطعون أرقام : 969 لسنة71ق ، 60 لسنة 72 ق ، 66 لسنة 72 ق - جلسة 1/7/2003 .


و الجدي بالذكر نه يلزم - من وجهة نظري - قيام المشرع بمراجعة دورية لقيمة النصاب المالي سالف الذكر و تعديله بما يواكب ما يطرأ على قيمة العملة و قوتها الشرائية .

محاسبة شركة المياه لسارق استهلاك المياه

يحدث في الواقع كثيراً قيام البعض أثناء عمليات البناء و إعداد الأماكن السكنية وغير السكنية ، باستهلاك المياه العمومية عن طريق غير مشروع و بدون التعاقد مع الجهة القائمة على ذلك ، إلى أن يقوم بتركيب عداد المياه وفقاً للأجراءات المقررة في هذا الشأن ، وهذا المسلك يتم تكييفه على أنه يشكل جريمة سرقة استهلاك مياه ، و قد يتم اكتشاف الأمر، و الأصل حينئذ أن تتخذ الأجراءات الجنائية ضد الفاعل ، إلا أن الواقع العملي لا ينحو هذا المنحى ، حيث تكتفي الجهة الإدارية المسئولة بحساب الشخص المسئول عن هذا الاستهلاك بقيمة ثابتة ، و عن فترة سابقة مدتها خمس سنوات ، إلى حين تركيب عداد المياه الخاص به ، و قد ثار النزاع حول مدى قانونية هذا الحساب الثابت ذي الأثر الرجعي ، و وصل الأمر إلى التقاضي بشأنه ، ليحسم القضاء الإداري و على رأسه المحكمة الإدارية العليا هذا التنازع لصالح الجهة الإدارية ، و هاكم تفصيلات هذا الحكم و أسبابه :

قضت المحكمة الإدارية العليا في ذلك بأن :
" ... و بعد أن استوفت الدعوى إجراءاتها أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه تأسيساً على أنه " ثبت للحكم من أوراق الدعوى أن الهيئة المدعى عليها تيقنت من قيام المدعية بسرقة استهلاك المياه و تزويد العقار – موضوع التداعي – بذلك ، و استعاضت عن تحريك الدعوى الجنائية ضدها إزاء هذه الجريمة ، على ما جرى يه العمل بالهيئة تيسيراً على المواطنين ، و قبلت التعاقد معها مع محاسبتها عن هذا الاستهلاك لمدة خمس سنوات سابقة بأثر رجعي بربط ثابت عن الوحدات الكائنة بهذا العقار ، و قد وافقت المدعية و أضحى الاستهلاك للمياه بصفة علنية ، و زال الاستهلاك خلسة بطريق السرقة ، و أبرم في هذا الشأن عقد بين المدعية و الهيئة المدعى عليها ، كما تعهدت على قبول التعامل بالربط الثابت لحين تركيب عداد مبيناً للاستهلاك الفعلي والحقيقي ، و إلى هذا الحين تبقى المدعية ملتزمة بما تعهدت به دون إكراه أو إذعان و دون أحقيتها في استعجال مرفق المياه لتركيب عداد لحساب الاستهلاك الفعلي ، و إنما يبقى الأمر خاضعاً للوقت الذي يراه المرفق ملائماً وفقاً لاعتبارات حسن سيره بانتظام و اطراد ، لاسيما كفايته المالية في طرح مناقصة لتوريد عدادات حساب الاستهلاك الفعلي ، و من ثم إذا كان الثابت من أوراق الدعوى إخلال المدعية بالالتزام بأداء قيمة الاستهلاك وفقاً للربط التقديري الثابت بحسب المتفق عليه و كان العقد شريعة المتعاقدين .. فإنه و الحال كذلك تكون الدعوى المطروحة خلواً من السند المبرر لها قانوناً ، على نحو لا ينال من ذلك ما انتهى إليه تقرير الخبير المودع بحساب قيمة استهلاك المدعية بمبلغ 510 جنيهاً تأسيساً على أنه و قد تم حساب قيمة الاستهلاك بمبلغ معين مقطوع فلا يجوز المجادلة في حسابها بحسب الاستهلاك الفعلي ....

و من حيث إنه عن موضوع الطعن فإنه من الأصول المسلمة في المادة 147 من القانون المدني أن العقد شريعة المتعاقدين ، و يتعين تنفيذ العقد في جميع ما اشتمل عليه و بحيث لا يجوز نقضه أو تعديله إلا باتفاق الطرفين أو الأسباب التي يقررها القانون .

و لما كان الثابت من الأوراق أن الطاعنة سبق أن قامت بسرقة استهلاك المياه لعقارها موضوع التداعي ، و لما تم اكتشاف أمرها قبلت التعاقد مع الشركة المطعون ضدها شريطة محاسبتها عن الاستهلاك لمدة خمس سنوات سابقة بأثر رجعي و بربط ثابت لحين تركيب عداد يبين الاستهلاك الفعلي و الحقيقي و ذلك بدلاً من اتخاذ الإجراءات الجنائية ضدها ، و من ثم فإن إخلال الطاعنة بأداء قيمة الاستهلاك وفقاً للربط الثابت طبقاً للعقد و منازعتها للشركة المطعون ضدها يغدو مفتقداً السند المبرر له قانوناً على نحو ما ذهب إليه و بحق الحكم المطعون فيه ، و دون أن ينتقص من ذلك ما ذهب إليه الخبير من محاسبة الطاعنة على أساس الاستهلاك القعلي بواقع عشرة جنيهات شهرياً ، و ذلك لمخالفته ما التزمت به الطاعنة بموجب العقد المبرم مع الهيئة من ناحية و لعدم معقولية تقدير الخبير بالنسبة للعقار و ما يضمه من شقق سكنية تابعة له و ورشة بلاط تعتمد في نشاطها بالكامل على المياه.
و من حيث إن الحكم المطعون فيه إذ خلص إلى هذه النتيجة فإنه يكون قد صدر وفق صحيح حكم القانون ، و يكون الطعن عليه مفتقداً صحيح سنده من الواقع أو القانون خليقاً بالرفض . " الطعن رقم 4068 لسنة 48 ق – جلسة 9/5/2009 .

مواعيد الطعن على القرار المستند لنص قضي بعدم دستوريته

أكدت المحكمة الإدارية العليا أن القرار الإداري إذا صدر استناداً إلى نص قانوني ، ثم قضي بعدم دستورية هذا النص فيما بعد ، فإنه يعتبر قراراً منعدماً ، و يترتب على ذلك أن المواعيد المقررة قانوناً للطعن على القرار الإداري لا تسري على مثل ذلك القرار، و يكون بالتالي باب الطعن مفتوحاً .

فقد قضت المحكمة الإدارية العليا بأن :

" و حيث إنه و عما دفع به الطاعنين من عدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد ، فإن القرار المطعون عليه صدر استناداً لنصوص تشريعية قضي بعدم دستوريتها على النحو الذي سوف يفصل بيانه لاحقاً ، الأمر الذي يضحى معه هذا القرار منعدماً مما يجوز معه الطعن عليه دون التقيد بالمواعيد المقررة لرفع دعوى الإلغاء ، و من ثم فإن المحكمة تلتفت عن هذا الدفع " . الطعن رقم 11725 لسنة 47 ق – جلسة 11/4/2009 .

أحقية جميع أعضاء الإدارات القانونية لبدل التمثيل

هذه وجهة نظر انتهيت فيها إلى أحقية جميع اعضاء الإدارات القانونية من السادة المحامين لبدل التمثيل ، ذلك البد ل الذي يتم منحه حالياً لمدير عام الإدارة القانونية فقط ، و ذلك على النحو التالي :

من حيث إن القاعدة الثالثة الملحقة بجدول مرتبات الوظائف الفنية المرفق بالقانون رقم 47 لسنة 1973 بشان الادارات القانونية كانت تنص على انه : " لا يجوز الجمع بين بدل التفرغ المقرر بمقتضى هذا القانون وبدل التمثيل أو أى بدل طبيعة عمل آخر " ، واستناداً لهذا النص لم يمنح محاموا الادارة القانونية جميعاً أى بدل سوى بدل التفرغ .

وحيث إن المحكمة الدستورية العليا قضت بجلسة 5/6/1999 فى الدعوى رقم 213 لسنة 19 قضائية دستورية بعدم دستورية حظر الجمع الوارد بالقاعدة آنفة الذكر فقد أضحى من حق محامى الادارات القانونية الجمع بين بدل التفرغ وبدل التمثيل وأى بدل طبيعة عمل آخر ، إلا أن جهة الادارة قامت بمنح بدل التمثيل للسيد الاستاذ / مدير عام الشئون القانونية فقط ، كما لم تمنح أعضاء الادارة القانونية جميعاً أى بدل طبيعة عمل آخر .

ومن حيث إن مسلك جهة الادارة على هذا النحو قد جاء مخالفاً لأحكام الدستور والقانون ، وذلك للاسباب الاتية : ـ

أولا : من المقررأن هذا البدل بحسب طبيعته يستهدف مواجهة ما تتطلبه الوظيفة التى يشغلها من يمنح هذا البدل من نفقات تقتضيها ضرورة ظهوره بالمظهر الاجتماعى اللائق لشغلها .( فتوى الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع ـ قاعدة رقم 356 ـ جلسة 7/4/1963 ـ مجموعة ابو شادى ـ وارد بمؤلف الاستاذ محمود صالح ـ شرح قانون العاملين المدنيين بالدولة ـ الطبعة الاولى ـ سنة 1995 ـ ص 262 ).

ومن حيث إن مناط استحقاق هذا البدل وفقا لذلك هو أمر موضوعى ، يتمثل فى طبيعة الوظيفة التى تستوجب الظهور بالمظهر الاجتماعى اللائق بها ، وليس مجرد شغل درجة معينة ، إذ أن هناك مستحقات للعامل تصرف له لمجرد شغله درجة معينة كالمرتب والعلاوات ، أما البدلات فهى ليست لصيقة بالدرجة الوظيفية وإنما تقرر كل بدل لظروف واقعية ترتبط بأداء العمل فإن انتفت تلك الظروف انتفى أى حق له فيها ، و هذا ما أكدته المحكمة الدستورية العليا في حكمها سالف الذكر حيث ورد به " و كان البدل الذي يعطى للعامل – سواء كان عوضاً ع نفقات يتكبدها في سبيل تنفيذه لعمله أو عن طاقة يبذلها أومخاطر معينة يتعرض لها في أدائه له ، أو مقابل ما اقتضته وظيفته من تفرغه للقيام بأعبائها ، أو غيرها – إذ تنبثق عن علاقة العمل ويتصل بظروف ادائه ويستحق بمناسبة تنفيذه ، فإنه بذلك يصطحب الحماية المكفولة للأجر ، فإذا توافرت في العامل شروط استحقاق البد ل- أياً كان مسماه – أو واجه الظروف والمخاطر التي دعت إلى تقريره ، نشأ له الحق في استئدائه بما لا يجوز معه أن يهدر المشرع حق العامل فيه لمجرد قيام حقه في بدل آخر غيره ".
وبالبناء على ماتقدم وكان جميع أعضاء الادارة القانونية من أدنى درجاتها ( الثالثة ) حتى أعلاها ( مدير عام الشئون القانونية ) يمارسون أعمالاً قانونية ذات طبيعة واحدة لهم وفى ذات الأماكن والأزمنة المختلفة ، ويقتضى أدائهم لعملهم ممارسته أمام جهات خارجية عديدة ذات مكانه اجتماعية مرموقة ، مثل المحاكم على اختلاف درجاتها وأنواعها ، والنيابات العامة المختلفة ، وغير ذلك من الجهات الادارية وغير الادارية على مستوى الجمهورية ، فضلا عما يتطلبة عملهم من صلة وتعاملات مع مختلف الادارات بالهيئة المدعى عليها وفروعها المختلفة على مستوى الجمهورية وهو ما يترتب عليه لزوماً استيجاب ظهور أعضاء الادارة القانونية أمام تلك الجهات وحال التعامل معها بالمظهر الاجتماعى اللائق بذلك .

ومن المعلوم ان نظرة الناس الى أصحاب المراكز الاجتماعية المرموقة تختلف بحسب مظهر صاحب هذا المركز ، إذ يعاملونه باحترام وينزلونه المنزله الكريمة اللازمه لمركزة إذا كان مستصحباً لمظهر لائق به ، أما إذا كان ذات الشخص صاحب ذات المركز الاجتماعى قد ظهر بمظر لايليق بمركزه فإنهم يسقطونه من نظرهم ويسلبون عنه الاحترام الواجب له ، وما ذلك إلا لكون تلك المراكز تستوجب هذا المظهر اللائق ، فهو بذلك إذن عبء مالى اجتماعى لابد لأعضاء الادارة القانونية جميعاً الالتزام به وليس قاصراً على مدير عام الادارة القانونية فقط وهو مايؤكده القانون والواقع على النحو السالف بيانه .
ويقطع بصحة هذا النظر أن قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 قد نص فى المادة (73) منه على أن :ـ
" يكون حضور المحامى أمام جميع المحاكم بالرداء الخاص بالمحاماة وعلى المحامى أن يحافظ على أن يكون مظهره لائقاً وجديراً بالاحترام ". وهذا الالتزام واقع على عاتق جميع المحامين سواء بالقطاع الخاص او بالادارات القانونية بجميع أعضائها ، والمشرع بذلك يؤكد أن ممارسة المحاماة فى حد ذاتها وظروف ممارستها أمام الجهات القضائية والنيابية والشرطية وغيرها من الجهات تقتضى هذا الظهور اللائق على نحو يؤيد ماسبق بيانه ،
ومن المقرر أن محامى الادارات القانونية مخاطبون بأحكام قانون المحاماة بالإضافة لقانون الادارات القانونية، فهما وحده واحدة بالنسبة لهم ، والمشرع حين يلزمهم بالمظهر اللائق فى قانون المحاماة ويكلفهم أعباء هذا الالتزام لا يعقل والحال كذلك أن يمنع عنهم البدل الذى قرره لمن يلتزم بهذا المظهر وفقاً لطبيعة عمله ، فالمشرع لايعبث ولا يجوز اسباغ التناقض بين مايصدره من قوانين ، بل تلك القوانين تتكامل فيما بينها ويزال ماهو ظاهره التناقض وفقاً لما هو مقرر فى أصول القانون .




ثانيا : يضاف الى ماتقدم أن السبب فى منع الجمع بين بدل التفرغ وبدل التمثيل وغيره من بدلات هو حصول أعضاء الادارة القانونية على بدل التفرغ وليس سبب المنع عدم توافر شرائط استحقاق البدلات الاخرى فيهم ، فلقد ورد بحيثيات حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية القاعدة الثالثة مانصه :
( وكان النص الطعين قد حرم المشمولين بحكمه من بدل التمثيل أو أى بدل طبيعة عمل آخر اللذين توافرت فى شأنهم الشروط والمخاطر التى أوجبت تقريرهما بسبب بدل التفرغ الذى تقرر لهم ............ ) ، الامر الذى يؤكد ان المشرع لم ينف عنهم توافر تلك الشروط ، بل اكد توافرها حين اكتفى فى تسبيب الحظر الى مجرد كونهم يمنحون بدل التفرغ ، وهو ما أكدته المحكمة الدستورية العليا في حيثياتها آنفة الذكر.

والملاحظ فى وضوح وجلاء لاغموض فيه أن المحكمة الدستورية العليا لم تفرق بين أعضاء الادارات القانونية فى استحقاقهم لتلك البدلات، ولم تقصر حجية حكمها بعدم الدستوريه على مدير عام الادارة القانونية ، بل جاء حكمها عاماً شاملاً جميع الأعضاء ، كما أن أسباب حكمها بعدم الدستورية تتوافر فى جميع الأعضاء ، الأمر الذى يبين معه أن حهة الادارة قد قامت بتنفيذ حكم عدم الدستورية آنف الذكر تنفيذاً غير كامل مخالفة بذلك الحكم المذكور .
ثالثا : أن قانون الادارات القانونية رقم 47 لسنة 1973 قد نص فى القاعدة الثانية الملحقة بجدول مرتبات الوظائف الفنية المرفق بالقانون المذكور على أن: " يمنح شاغلوا الوظائف المبينة فى هذا الجدول بدل تفرغ قدره (30%) من بداية مربوط الفئة الوظيفية ..... " ثم أعقبه ـ عطفاً عليها ـ بالنص فى القاعدة الثالثة ـ المقضى بعدم دستوريتها على انه : " لايجوز الجمع بين بدل التفرغ المقرر بمقتضى هذا القانون وبدل التمثيل أو أى بدل طبيعة عمل آخر ".
وبالتالى فإن تفسير عبارة ( بدل التفرغ المقرر بمقتضى هذا القانون ) يجب أن يكون فى ضوء المعنى الوارد بالقاعدة الثانية المانحة لبدل التفرغ ، لان العبارة المذكورة تعنى وتتضمن الاحالة الى القاعدة الثانية المشار اليها سلفاً لتحديد مضمون تلك العبارة من حيث المخاطب قانوناً بالقاعدة الثالثة ومن يخضع للحظر الوارد ، ولما كان بدل التفرغ قد تقرر لجميع أعضاء الادارة القانونية بلا استثناء ، فإن مبدأ حظر الجمع بينه وبين بدل التمثيل يتحدد مجال سريانه الشخصى بمجال سريان منح بدل التفرغ ، فيكون الحظر مقصود به جميع أعضاء الادارة القانونية فى قصد المشرع ، فإذا قضى بعدم دستورية هذا الحظر عاد الحق فى الجمع الى من كان يسرى عليهم هذا الحظر وهم جميع أعضاء الادارة القانونية وليس فقط مدير عام الشئون القانونية .
ويؤكد ذلك أن المشرع يخاطب من يحصل على بدل التفرغ لانه العلة فى منع الجمع بينه وبين غيره من البدلات ، وصيغة الخطاب قد جاءت عامة مطلقة ـ والعام يجرى على عمومه ـ فكما منعوا جميعا استناداً للقاعدة الثالثة فكذا ووفقاً للمجرى العادى للامور يمنحون جميعاً بدل التمثيل بجانب بدل التفرغ بعد زوال سند حظر الجمع ، وهذا هو مضمون حكم المحكمة الدسنورية العليا الذى لم يفرق بين أعضاء الادارة القانونية فى استحقاقهم لهذه البدلات .

ويؤكد صحة هذا النظر أيضاً : أن قصرالحق فى بدل التمثيل على مدير عام الشئون القانونية بعد صدور حكم عدم الدستورية يفترض أن القانون كان يخاطب فى القاعدة الثالثة مدير عام الشئون القانونية فقط ، وذلك مخالف للدفاع المتقدم فضلا عن أن ذلك لو كان صحيحاً لما عجز المشرع بأن ينص على ذلك صراحة بان ينص على انه :ـ
" فيما يتعلق ببدل التمثيل المقرر لشاغلى الوظائف العليا سواء بقانون العاملين المدنيين بالدولة أو قانون العاملين بالقطاع العام حسب الأحوال لا يجوز لمدير عام الادارة العامة للشئون القانونية الجمع بينه وبين بدل التفرغ ". أما وقد جاء النص على النحو السابق ايضاحه فقد أعلن المشرع فى صوت جهير على أن بدل التمثيل يمنع عن جميع أعضاء الادارة القانونية وليس فقط المدير العام .

رابعاً : انه إن كان للادارة من سند فى قصرها منح بدل التمثيل على مدير عام الادارة القانونية ، فنظن أنه يكمن فى إعمالها نصوص قانون العاملين بالقطاع العام رقم 48 لسنة 1978 المطبق على العاملين بالهيئة المدعى عليها فلقد نصت المادة (40) منه على أنه :ـ
" يجوز لمجلس الادارة منح البدلات الاتية وتحديد فئة كل منها وذلك وفقا للنظام الذى يضعه فى هذا الشأن :ـ
1ـ بدل التمثيل لاعضاء مجلس الادارة المعينين وشاغلى الوظائف العليا والوظائف الرئيسية التى يحددها مجلس الادارة وذلك فى حدود (50% ) من بدل التمثيل المقرر لرئيس مجلس الادارة ...." .
وهذا السند إن صح الاستناد إليه إلا أنه مردود عليه وفقاً لما يلى :
1ـ ان المادة (40) سالفة الذكر ضمن نصوص قانون العاملين بالقطاع العام وهذا القانون وضع اصلا ليناسب بيئة عمل تختلف اختلافاً كلياً عن بيئة عمل المحاماة من حيث طبيعة العمل وكيفية وزمان ومكان ممارسته ، وفقاً لتنوع الاختصاصات الملقاه على عاتق الادارة القانونية ، وينعكس هذا الاختلاف بطبيعة الحال على وضع العمل فى الادارات المختلفة بجهة العمل ـ فيما عدا الادارة القانونية ـ فنجد وعلى سبيل المثال درجة المدير العام لأى ادارة يسبغ عليها القانون اختصاصات وواجبات معينه تناسبها وينفرد بها وحده دون باقى العاملين وهو الذى يمثلها أمام الغير، وأما باقى العاملين بإدارته ليس لهم من هذه الامور شئ وينحصر كل نشاطهم فى ممارسة عملهم بعيداً عن أعين الغير ولا ظهور لهم كظهور المدير العام ، فكان المدير العام بهذا الوضع حقيق بأن يستحق بدل التمثيل دون من هو أدنى منه .
يؤكد ذلك ( ان قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1007 لسنة 1978 بشأن المعايير اللازمة لترتيب وظائف العاملين بالقطاع العام قد أورد بالملحق رقم (3) المرفق به بشأن تعريف الدرجات أن درجة مدير عام تتضمن واجبات معينة منها : توجيه الافراد وتخطيط برامج العمل والتنسيق والرقابة وإجراء الاتصالات بغرض التحدث أو تمثيل الشركة واصدار القرارات التنفيذية ..) وهذه الامور تجعل المدير العام الشخصية المنفردة بالواجبات الموجبة لبدل التمثيل بالنسبة لهؤلاء العاملين .

اما الوضع فى بيئة عمل المحامين بالإدارة القانونية فهو على العكس من ذلك تماماً، فلقد سبق بيان أن طبيعة عملهم ومكانه وتنوعه لايختلف من محام لآخر حتى المدير العام اللهم سوى جزئية اشراف سيادته على عمل السادة المحامين وهذا أمر داخلى لا صلة له بشرائط استحقاق بدل التمثيل ، إذ أن حقيقة الواقع تؤكد أن المحامين أكثرمن المدير العام تمثيلا لادارتهم وجهة عملهم وظهوراً أمام الغير نظراً لممارستهم الفعلية للأعمال القانونية بالمحاكم والنيابات وأقسام الشرطة واحتكاكهم بالجهات المختلفة ، وماتقرر بدل التمثيل إلا لمواجهة تكاليف هذا الظهور ، إذ أن الظهور الخارجى هو التمثيل الأساسى والجوهرى للادارة القانونية ويعد أهم بمكان من الظهور الداخلى أمام باقى الادارات الأخرى داخل جهة العمل والذى للمحامين أيضا النصيب الوافر منه سواء فى التحقيقات بمستوياتها المختلفة والمقابلات التى تقتضيها ممارسة أعمالهم مع أى مشئول فى جهة العمل بل وفى أى جهة أخرى تتصل بالنزاع المتداول وذلك وفقاً لقانون الادارات القانونية الذى يسبغ على المحامين سلطات الاطلاع لدى تلك الجهات حال إجراء التحقيقات ، وكذا الحضور فى جميع لجان المناقصات والممارسات وغيرها ..... وبالتالى فبيئة عمل المحامين واحدة وتتوافر لهم جميعاً مناط استحقاق بدل التمثيل ، وهذ الاختلاف بين بيئتى العمل المذكورتين يؤكده إفراد المشرع تنظيماً قانونياً خاصاً بمحامى الادارات القانونية ، وما ذلك إلا لطبيعة نظامهم الوظيفى المستقل ، والتى أوجبت ألايتم استدعاء أحكام من القانون العام ( قانون العاملين بالقطاع العام ) إذا تعارضت أو خالفت هذة الطبيعة الخاصة لأعمال المحامين ، وهو مالم تلحظه ولم تعمله جهة العمل حين قصرت بدل التمثيل على المدير العام فقط فى غفله منها عن هذا الاختلاف الواضح .

2ـ ونحيل تأكيدا لذلك الى دفاعنا السابق بشأن ماورد بقانون المحاماة من التزام المحامى بالقطاع الخاص أو العام بالظهور بالمظهر والزى اللائق أمام الجهات التى يمارس فيها ومن خلالها عمله .

3ـ اضافة إلى ماسبق تجدر الاشارة إلى أن بدل التمثيل طبقا لنص المادة (40) المنوه عنها سلفاً مقرر ليس فقط لشاغلى الوظائف العليا بل أضاف المشرع (الوظائف الرئيسية ) أيضاً ، ومفهوم الوظائف الرئيسية لايعد مرادفاً للوظائف العليا ، وإلا عد ذلك تكراراً معيباً لا يفيد جديداً ، وهو أمر منزه عنه المشرع ، الأمر الذى يتعين معه تفسيرها على نحو مغاير ، إذ العبرة فيها ليس بدرجاتها وإنما بجوهر عملها وعناصر أدائها وهو ماينطبق على العمل القانونى لأعضاء الادارة القانونية المتنوع فى عمله وكيفيته والكثير فى كمه والمستمر فى زمانه والمتعدد فى مكانه ، وفوق كل ذلك أهميته وخطورته وجوهريته ، لكونهم يمثلون الرقابة القانونية دخل جهة عملهم والمعاونة على تطبيق وتنفيذ أحكام القانون وحماية المال العام والتعاون مع القائمين على إدارة الجهة لتحقيق الصالح العام ، ويكفى تأكيدا لذلك إفرادهم بقانون خاص ينظم أمورهم ويضمن استقلالهم وحيدتهم قبل جهة الادارة حال أدائهم لاعمالهم ، بالإ ضافة إلى تبعيتهم ومباشرة لرئيس مجلس الإدارة .

قانون الكسب غير المشروع بين الشرعية والمشروعية

بعثت ثورة ( 25 ) يناير 2011 ، قانون الكسب غير المشروع رقم 62 لسنة 1975 إلى الحياة بعد أن كان نسيا منسيا ، وكان أخر عهد القانون تطبيقه على محافظ الجيزة الأسبق ورئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة فيما أسند إليه أنه حصل لنفسه وزوجته وولديه القاصرين كسب غير مشروع بسبب استغلاله للوظائف التى تولاها حيث دانته محكمة الجنايات
وإذ طعن المتهم على الحكم قضت محكمة النقض بتاريخ 28/4/2004 ببراءة المتهم مما أسند إليه وهو حكم أثار عند صدوره جدلا ، كما عجت الصحف السيارة بالتعقيب عليه تأييداً وإنكاراً لاعتناقه بأسبابه نعيا على القانون بعدم دستوريته وهو الجدل الذى أعيد إلى المشهد مجدداً فى ضوء ملاحقة رموز النظام السابق ممن رضعوا المال العام حراما ، وشبوا عليه فطاما ، فطاب لهم الحرام وحلا لهم مغنما
وقد أقام حكم النقض عماد ماقضى به على أن المادة الثانية من قانون الكسب غير المشروع رقم 62 لسنة 1975 أقامت قرينة مبناها افتراض حصول الكسب غير المشروع بسبب استغلال الخدمة إذا طرأت زيادة فى ثروة الخاضع لاتتناسب مع موارده متى عجز عن إثبات مصدر مشروع لها ، وهو مايخالف نص المادة ( 67 ) من الدستور من أن الأصل هو البراءة
تقديرنا لقضاء محكمة النقض فى شأن عدم دستورية المادة الثانية من قانون الكسب غير المشروع :
لاجدال فى أن حكم محكمة النقض فيما قضى به من براءة المتهم قد تنكب صحيح القانون ، وخالف المستقر عليه من أحكام المحكمة الدستورية العليا ، بل ومن قضاء محكمة النقض ، بل يخال لنا أن ذلك الأنموذج المثالى للخطأ المهنى الجسيم على تفصيل هذا بيانه :
أولا : عدم أحقية الحكم ـ أو أى محكمة ـ فى رقابة دستورية القوانين أو الامتناع عن تطبيقها
يجمع غالب الفقه على أن جميع المحاكم فى مصر على اختلاف أنواعها ، ودرجاتها فقدت حقها فى التصدى لرقابة دستورية القوانين أو الامتناع عن تطبيقها ركوناً إلى :
1 ـ أفصح الدستور صراحة ـ فى المادة 175 ـ على أن تتولى المحكمة الدستورية العليا ، دون غيرها ، رقابة دستورية القوانين واللوائح ، وفى ذلك دلالة على عدم اختصاص المحاكم العادية بالنظر فى دستورية التشريعات ، كما أكملت المادة ( 29 ) من قانون المحكمة الدستورية تأكيد ذلك بنصها على أن للمحاكم إذا قدرت عدم دستورية أن توقف الدعوى ، وأن تحيله الى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستوريته
2 ـ أن الدستور أكد ولأول مرة فى تاريخ الدساتير المصرية على مركزية الرقابة وحصرها فى المحكمة الدستورية العليا وهو ماأكدته المادة ( 25 ) من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979فى المادة ( 25 )
3 ـ أن نظام مركزية الرقابة يؤدى إلى تفادى عيوب النظام اللامركزية وعدم الاستقرار فى الأحكام القانونية الذى يتحقق من تنافر وجهات النظر ، فقد تقرر جهة دستورية قانون ، على حين تقرر أخرى عدم دستوريته ، وهو ماأكدته المذكرة الإيضاحية لقانون المحكمة الدستورية العليا بأن القانون قد حرص على أن يكون لهذه المحكمة دون غيرها القول الفصل فيما يثور من منازعات حول دستورية القوانين واللوائح ، وهو اتجاه يكفل القضاء على عدم الاستقرار فى المعاملات ،كما يحقق وحدة فى التفسير ، ويساعد على بث الانسجام فى الصرح التشريعى ، ويجنب إشاعة القلق ،والتضارب فى الأحكام
4 ـ ويؤيد الفقه ماتقدم حيث ذهب الدكتور / وحيد رأفت بأنه لايعارض أحد فى انفراد المحكمة الدستورية العليا بالرقابة على دستورية القوانين ، فتلك هى وظيفتها الأولى ، وأهم أسباب وجودها بدلا من أن ينعقد الاختصاص لشتى المحاكم كبيرها وصغيرها فتتضارب الأحكام ، وتعم الفوضى
5 ـ والقضاء الدستورى كما يرى الدكتور فتحى عبد الصبور متفرد فى اختصاصه بمهمة الرقابة القضائية على دستورية القوانين ، فأما انفراده بالرقابة فعلته أن مشاركة جهات أخرى فى هذه الرقابة من شأنه أن تتضارب به الأحكام والآراء حول دستورية القوانين وعدم دستوريتها وهو ماكان يحدث قبل قيام القضاء الدستورى المتخصص
6 ـ أن المحكمة الإدارية العليا قد تواترت أحكامها ـ سواء فى ظل أحكام المحكمة العليا أو المحكمة الدستورية ـ ومن ذلك حكمها فى الطعن رقم 528 لسنة 18 ق ، والطعن 832 لستة 24 ق ـ على أن المحكمة العليا هى الجهة القضائية المختصة دون غيرها بالفصل فيما يثار أمام الجهات القضائية من دفوع بعدم دستورية القوانين ، ويكون ممتنعا على المحاكم الأخرى التصدى للفصل فى هذه الدفوع الدستورية
ووفقا لما تقدم فان محكمة النقض بامتناعها عن تطبيق نصوص قانون الكسب غير المشروع جاوزت ولايتها وهو ماانحاز إليه الأستاذ الدكتور إبراهيم درويش وقتها وطلب إحالة المنازعة الى المحكمة الدستورية العليا
ثانيا : أدلة حكم محكمة النقض بمخالفة قرينة المادة الثانية من قانون الكسب غير المشروع لأحكام الدستور ( عرض وتعقيب )
خلص حكم محكمة النقض إلى أن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد تواتر على القضاء بعدم دستورية جميع النصوص القانونية التى تتعارض وافتراض براءة المتهم وصون الحرية الشخصية من كل عدوان فلاسبيل لدحض البراءة بغير الأدلة التى تقدمها النيابة العامة ، وتبلغ قوتها الاقناعية مبلغ الجزم واليقين مثبتة بها الجريمة التى نسبتها للمتهم فى كل ركن من أركانها وبغير ذلك لاينهدم أصل البراءة ، كما لايملك المشرع أن يفرض قرائن قانونية لإثبات التهمة أو لنقل عبء الإثبات على عاتق المتهم وامتنعت المحكمة عن تطبيق النص وهو قول مردود عليه جملة وتفصيلا :
1 ـ فإما إنكار الحكم على المشرع وضعه للقرائن القانونية فمردود بأن ذلك أمر يقدره المشرع ، وليس للمحكمة أن تتسلط على السلطة التشريعية ، فضلا عن أن المشرع لم يضع هذه القرينة بالنسبة للكسب غير المشروع ، بل وضعه حين قدر أن هذه القرينة مما تلائم قواعد الإثبات ، وحسبنا أن نشير إلى نص المادة (330 ) من قانون العقوبات والتى عد فيها المشرع كل تاجر متفالسا بالتقصير متى كانت مصروفاته الشخصية أو مصاريف منزله مصاريف باهظة وهى قرينة تناهض أصل البراءة بمفهوم الحكم
2 ـ أن قضاء محكمة النقض بدوائر مغايرة قد خالف هذا الحكم حين أقر بحق المشرع فى وضع القرائن القانونية عامة ، وفى سلامة القرينة المقررة بالمادة الثانية من قانون الكسب غير المشروع خاصة ، فالثابت من قضاء محكمة النقض بجلسة 27/12/1965 فى الطعن رقم 1356 لسنة 35 ق أنه اعتبر عجز الموظف عن إثبات مايملكه قرينة مقبولة على أن الزيادة فى ماله إنما حصلت فى استغلاله لوظيفة هى بذاتها من نوع الوظائف التى تتيح هذا الاستغلال ، ولم تر المحكمة عدم دستورية المادة المشار إليها
3 ـ أن استدلال حكم محكمة النقض بقضاء المحكمة الدستورية العليا فى شأن ماقضى به من نصوص تتعلق بمخالفة نص المادة ( 67 ) من الدستور استدلال فى غير موضع النص ، فالنصوص التى عرضت لها المحكمة كانت تتعلق بآحاد الناس ، ولم تتعلق بمن يشغل وظيفة عامة ، ويتأكد ماتقدم أن المشرع لم يجز إثبات القذف إذا تعلق بآحاد الناس ، وأجاز إثباته إذا تعلق بمن يشغل وظيفة عامة ، ودون أن يعتبر الحكم ذلك إخلالا بمبدأ المساواة المنصوص عليه فى الدستور
4 ـ أن قضاء المحكمة الدستورية العليا ومن ذلك حكمها فى الطعن رقم 42 لسنة 16 ق بجلسة 20/5/1995 ليتشدد فيمن يشغل الوظائف العامة ، وبما يغلب أن تقضى المحكمة بدستورية المادة الثانية إذا طعن بعدم دستورية هذه المادة ، ودليل ماتقدم أن لها قضاء متواتراً بأن انتقاد القائمين بالعمل العام وإن كان مريراً يظل متمتعا بالحماية التى كفلها الدستور لحرية التعبير عن الآراء بما يكفل الحق فى تدفق المعلومات وانتقاد الشخصيات العامة بمراجعة سلوكها وتقييمه وهو حق متفرع من الرقابة الشعبية النابعة من يقظة المواطنين المعنيين بالشئون العامة الحريصين على متابعة جوانبها السلبية
5 ـ أن ليس من محكمة النقض أن تمتنع عن تطبيق نص قانونى مادام النص لم يلغ من السلطة المختصة التى تملك التشريع ، أو لم يقض من المحكمة الدستورية العليا بتعطيل مفعوله متى قضت بعدم دستوريته
ثالثا : قرينة المادة الثانية من قانون الكسب غير المشروع لم توضع إعتسافاً ، بل مهد لها المشرع بأن افترض البراءة افتراضا ، ثم نقل عبء الإثبات فحسب على الخاضع فى إثبات ماهو ثابت أصلا وفرضا
لم يضع المشرع القرينة المنصوص عليها فى المادة الثانية من قانون الكسب غير المشروع اعتسافا ، بل مهد لهذه القرينة القانونية بأن استوجب على الخاضع لأحكام هذا القانون تقديم إقرارات ثلاث ، أولها : عند بداية خدمته ، ثم الاقرار الدورى ، ثم إقرار نهاية الخدمة
وقد استوجب المشرع أن يقدم الخاضع بالإقرار الأول ( إقرار بداية الخدمة ) بيانا بالذمة المالية ، وذمة الزوجة ، والأولاد القصر ، كما يتعين أن يتضمن الاقرار الأموال الثابتة والمنقولة ، ثم إقرار كل خمس سنوات على تقديم الاقرار السابق ، وكذلك إقرار عند انتهاء الخدمة
والأصل أن هذه الاقرارات حجة على المقر بما دون فيها ، فإن طرأت زيادة عليها فان على الخاضع أن يثبت مصدرها ، فالمشرع نقل عبء الإثبات الى الخاضع بعد أن ثبت لديه ماهو ثابت أصلا وفرضا بإقرار الخاضع ، فهو يستصحب ذلك الثابت ، وعلى الخاضغ إثبات مايخالفه بحسبانه مدعيا بخلافه
ويتأكد سلامة ماسبق أن المشرع لم يرتق بهذه القرينة الى القرائن القانونية القاطعة وهى التى لايجوز إثبات مايخالفها ، بل جعلها قرينة بسيطة ، ويجوز للخاضع أن يثبت بكافة طرق الإثبات مصدر ماطرأ من زيادة على ثروته التى قدرها بنفسه ابتداء وبغير تدخل من المشرع فى ذلك التقدير
مدى اتفاق قانون الكسب غير المشروع مع الشريعة الإسلامية
أولى الإسلام أرباب الوظائف العامة عنايته ، فاستوجب اختيارهم من أهل العلم والدين وذوى الإصلاح والتقوى ، كما استوجب حسابهم حساباً شديداً ، ومن الأثر ماروى به رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أعطاه الزكاة قائلا هذا لكم ، وهذا أهدى لى ، فخطب عليه السلام فى الناس منكراً على كل من يعمل بالخدمة العامة أن يجنى من عمله شيئا ، ثم قال فلينظر أحدكم إذا جلس فى بيته أيهدى إليه أم لا
ثم جاء خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده ونهجوا ذات النهج فى محاسبة أرباب الوظائف العامة ، فقد كان عمر بن الخطاب يأمر إذا قدم عليه العمال أن يدخلوا نهاراً ، ولايدخلوا ليلاً كيلا لايحتجبوا شيئا من الأموال
كما روى أن عمرا صادر أموال أبى هريرة عامله على البحرين لأنه اجتمعت له عشرة آلاف وقيل عشرون ألفاً بعد أن عقب بأن خيله تناسلت ، وسهامه تلاحقت ، وأنه أتجر ، فقال عمر انظر إلى رأس مالك ورزقك فخذه ،واجعل الآخر فى بيت المال
كما صادر عمر نص مال عمرو بن العاص عامله على مصر لأنه فشت له فاشية من متاع ورقيق وانية وحيوان ، ولم يكن له حين ولى على مصر ، فادعى عمرو أن أرض مصر مزدرع ومتجر ، وأنها أثمان خيل تناجت ، وسهام اجتمعت ، وأنه يصيب فضلا عما يحتاج إليه لنفقته
كما شاطر عمر أموال النعمان بن عدى عامله على ميسان ، ونافع بن عمرو الخزاعى عاملة على مكة ، ويعلى بن منية عامله على اليمن
وبالجملة فإن أحكام قانون الكسب غير المشروع لايناقض أحكام الشريعة الإسلامية ، وهى المصدر الرئيسى للتشريع فانه لايناقض أحكام أى من مواد الدستور ، سواء كانت أصل البراءة أو غيرها فما يكون لأحكام الشريعة إلا أن تقر إلا ماهو حق وعدل

الدستور أولاً أم مجلس الشعب

المحكمة الدستورية تقول ... الدستور أولاً أم مجلس الشعب ..
،للدكتور عوض المر رحمه الله في حكم المحكمة الدستورية رقم 13 لسنة 15 قضائية دستورية

يقول هذا الفقيه العظيم إن وضع الدستور يكون من قبل جهة تعلو على السلطتين التنفيذية والتشريعية .. فلا يمكن والحال كذلك أن يكون تعيين تلك الجهة الأعلى بواسطة الأدنى وهو مجلس الشعب!!!

ورد بحيثيات الحكم

{..وحيث إن سيادة الدستور - بمعنى تَصٌّدره القواعد القانونية جميعها - ليس مناطها عناصر مادية قوامها مضمون الأحكام التى احتواها ، والتى تنظم بوجه خاص تبادل السلطة وتوزيعها والرقابة عليها ، بما فى ذلك العلائق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، وكيفية مباشرتهما لوظائفهما ، ونطاق الحقوق التى يمارسها المواطنون ، وكذلك الحريات التى يتمتعون بها ، ذلك أن الدستور- محددا بالمعنى السابق على ضوء القواعد التى انتظمها - هو الدستور منظوراً إليه من زاويه مادية بحتة La Constitution au sens material وهى زاوية لاشأن لها بعلو القواعد الدستورية وإخضاع غيرها من القواعد القانونية لمقتضاها 0 وإنما تكون للدستور السيادة ، حين تهيمن قواعده على التنظيم القانونى فى الدولة لتحتل ذراه 0 ولايكون ذلك إلا إذا نظرنا إليه من زاويه شكلية La Constitution au sens formel لاتتقيد بمضمون القواعد التى فصلها ، وإنما يكون الاعتبار الأول فيها عائداً أولا إلى تدوينها ، وثانياً إلى صدورها عن الجهه التى انعقد لها زمام تأسيسها L`organ Constituant والتى تعلو- بحكم موقعها من السلطتين التشريعية والتنفيذية - عليهما معا ، إذ هما من خلقها وينبثقان بالتالي عنها ، يلتزمان دوما بالقيود التى فرضتها ، وبمراعاة أن القواعد التى صاغتها هذه الجهة وأفرعتها في الوثيقة الدستورية لايجوز تعديلها أوإلغاؤها إلا وفق الأشكال والأنماط الإجرائية التى حددتها ، بشرط أن تكون فى مجموعها أكثر تعقيداً من تلك التى تنزل عليها السلطة التشريعية إذا عن لها تعديل أو إلغاء القوانين التى اقرتها 0 ودون ذلك تفقد الوثيقة الدستورية أولويتها التى تمنحها على الإطلاق الموقع الأسمى La Primaute` Absolue والتى لاتنفصم الشرعية الدستورية عنها فى مختلف تطبيقاتها ، باعتبار ان التدرج فى القواعد القانونية يعكس لزوما ترتيبا تصاعديا فيما بين الهيئات التى أقرتها أو أصدرتها }

قانون الغدر رقم 344 لسنة 1952

قانون الغدر رقم 344 لسنة 1952

مادة 1
فى تطبيق احكام هذا القانون يعد مرتكبا لجريمة الغدر كل من كان موظفا عاما وزيرا او غيره وكل من كان عضوا فى احد مجلسى البرلمان أو احد المجالس البلدية او القروية او مجالس المديريات وعلى العموم كل شخص كان مكلفا بخدمة عامة أو له صفة نيابية عامة وارتكب بعد أول سبتمبر سنة 1939 فعلا من الأفعال الآتية :
( ا ) عمل من شأنه افساد الحكم أو الحياة السياسية بطريق الاضرار بمصلحة البلاد او التعاون فيها أو مخالفة القوانين .
(ب) استغلال النفوذ و لو بطريق الايهام للحصول على فائدة او ميزة ذاتية لنفسه او لغيره من اية سلطة عامة او أية هيئة او شركة او مؤسسة.
(ج) استغلال النفوذ للحصول لنفسه أو لغيره على وظيفة فى الدولة أو وظيفة او منصب فى الهيئات العامة او اية هيئة او شركة او مؤسسة خاصة او للحصول على ميزة او فائدة بالاستثناء من القواعد السارية فى هذه الهيئات.
(د) استغلال النفوذ بإجراء تصرف او فعل من شأنه التأثير بالزيادة او النقص بطريق مباشر او غير مباشر فى اثمان للعقارات والبضائع والمحاصيل وغيرها او اسعار اوراق الحكومة المالية او الاوراق المالية المقيدة فى البورصة او القابلة للتداول فى الاسواق بقصد الحصول على فائدة ذاتية لنفسه او للغير.
(هـ) كل عمل او تصرف يقصد منه التأثير فى القضاه أو فى اعضاء اية هيئة خولها القانون اختصاصا فى القضاء او الافتاء.
(و) التدخل الضار بالمصلحة العامة فى اعمال الوظيفة ممن لا اختصاص له فى ذلك او قبول ذلك التدخل.
ويعتبر التدخل من غير المذكورين فى هذه المادة فى حكم الغدر اذا كان المتدخل قد استغل صلته بأية سلطة عامة.
مادة 2
مع عدم الاخلال بالعقوبات الجنائية او التأديبية يجازى على الغدر بالجزاءات الاتية :
( ا ) العزل من الوظائف العامة.
(ب) سقوط العضوية فى مجلسى البرلمان او المجالس البلدية او القروية او مجالس المديريات .
(ج) الحرمان من حق الانتخاب او الترشيح لاى مجلس من المجالس سالفة الذكر لمدة اقلها خمس سنوات من تاريخ الحكم .
(د) الحرمان من تولى الوظائف العامة لمدة اقلها خمس سنوات من تاريخ الحكم.
(هـ) الحرمان من الانتماء الى اى حزب سياسى مدة اقلها خمس سنوات من تاريخ الحكم .
(و) الحرمان من عضوية مجالس ادارة الهيئات او الشركات او المؤسسات التى تخضع لاشراف السلطات العامة ومن اية وظيفة بهذه الهيئات لمدة اقلها خمس سنوات من تاريخ الحكم .
(ز) الحرمان من الاشتغال بالمهن الحرة المنظمة بقوانين او المهن ذات التأثير فى تكوين الراى او تربية الناشئة او المهن ذات التأثير فى الاقتصاد القومى مدة اقلها خمس سنوات من تاريخ الحكم.
(ح) الحرمان من المعاش كله او بعضه.
ويجوز الحكم ايضا بأسقاط الجنسية المصرية عن الغادر كما يجوز الحكم برد ما أفاده من غدره وتقدر المحكمة مقدار ما يرد.
ويحكم بالجزاءات ذاتها عل كل من اشترك بطريق التحريض او الانفاق او المساعدة فى ارتكاب الجريمة سالفة الذكر ولو لم يكن من الاشخاص المذكورين فى المادة الاولى .
مادة 3
يحكم على كل من ارتكب فعلا من افعال الغدر من محكمة خاصة تؤلف برياسة مستشار من محكمة النقض وعضوية مستشارين من محكمة استئناف القاهرة يعينهم وزير العدل وأربعة ضباط عظام لاتقل رتبة كل منهم عن الصاغ يعينهم القائد العام للقوات المسلحة.
ويكون مقر هذه المحكمة بمدينة القاهرة ويشمل اختصاصها كل انحاء المملكة المصرية.
وتتولى النيابة العامة مباشرة الدعوى امام المحكمة .
ويجوز للمحكمة أن تحكم على الغادر وشركائه بتعويض ما حدث من ضرر لأى شخص من الأشخاص الاعتبارية العامة
مادة 4
ترفع الدعوى الى المحكمة من لجنة مكونة من اثنين يختارهما المؤتمر المنصوص عليه فى المادة 11 من الإعلان الدستورى المشار اليه بقرار يصدر باتفاقهما مشتملا على بيان بالواقعة والمواد المطلوب تطبيقها , ويكون للجنة فى أداء مهمتها أو لأحد عضويها أو لمن تندبه من رجال القضاء أو النيابة العامة جميع السلطات المخولة فى قانون الاجراءات الجنائية للنيابة العامة ولقاضى التحقيق بغير القيود الواردة فى المواد 51 و 52 و 53 و 54 و 55 و 57 و 91 و 97 من القانون المذكور .
ويحدد رئيس المحكمة اليوم الذى تنظر فيه الدعوى على ان يكون خلال خمسة عشرة يوما من تاريخ رفعها.
ويكون تكليف المدعى عليه بالحضور امام المحكمة قبل الجلسة بثمانية ايام كاملة على الاقل .
ويجوز له الاستعانة بمحام واحد.
ولا يجوز تأجيل نظر الدعوى اكثر من مرتين ولمدة لاتزيد فى كل مرة على اسبوع وينطق بالحكم مشفوعا بأسبابه.
مادة 5
اذا لم يحضر المدعى عليه رغم تكليفه بالحضور ولم يرسل محاميا ينوب عنه تنظر المحكمة الدعوى وتحكم فيها فى غيبته.
ويجوز للمحكمة أن تلزم المدعى عليه بالحضور أمامها وله فى سبيل ذلك أن تأمر بضبطه واحضاره .

مادة 6
لا يجوز الطعن فى الحكم الصادر فى الدعوى بأى طريق من طرق الطعن العادية أو غير العادية.
وينشر الحكم فى الجريدة الرسمية فى صحيفتين من صحف واسعة الانتشار خلال اسبوع من تاريخ صدوره.

مادة 7
فيما عدا الاحكام السابقة يتبع فى حفظ النظام فى الجلسة وفى تنحى القضاه وردهم .
وفى نظر الدعوة وفى الشهود والأدلة الاخرى الاحكام المقررة لذلك فى قانون الاجراءات الجنائية لمحاكم الجنح على ان تختص المحكمة ذاتها بالفصل فى الرد .

مادة 8
يعاقب المحكوم عليه على كل مخالفة لأحكام المادة الثانية تقع باستعمال الحقوق التى حرم منها بالحبس وبغرامة لاتقل عن مائتى جنيه ولا تزيد على الفين أو بأحدى هاتين العقوبتين.
ويعاقب بالعقوبة ذاتها من اشترك فى المخالفة بأى طريق من طرق الاشتراك .

مادة 9
على الوزراء كل فيما يخصه تنفيذ هذا القانون , ويعمل به من تاريخ نشره فى الجريدة الرسمية .
صدر بقصر عابدين فى 5 ربيع الثانى سنة 1372 (22 ديسمبر سنة 1952) .

محمد عبد المنعم .
بأمر وصى العرش الموقت

18 يوليو 2011


القانون رقم 62 لسنة 1975 بشأن الكسب غير المشروع

بإسم الشعب

رئيس الجمهورية

قرر مجلس الشعب القانون الآتى نصه وقد أصرناه

مادة 1

يخضع لهذا القانون الفئات الآتية:

1- القائمون بأعباء السلطة العامة ، وسائر العاملين فى الجهاز الادارى فى الدولة عدا فئات المستوى الثالث.

2- أعضاء اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى العربى، وأعضاء تشكيلاته القيادية الأخرى التى يصدر بتحديها قرار من رئيس الجمهورية ، ورؤساء وأعضاء مجالس ادارة المؤسسات التابعة له وسائر العاملين فى هذه اللجنة وتلك التشكيلات والمؤسسات، عدا العاملين الذين لايجاوز أجرهم مايعادل نهاية الربط المالى للمستوى الثالث.

3- رئيس وأعضاء مجلس الشعب ورؤساء وأعضاء المجالس الشعبية المحلية وغيرهم ممن لهم صفة نيابية عامة سواء كانوا منتخبين أو معينين .

4- رؤساء وأعضاء مجالس الادارة وسائر العاملين بالهيئات العامة والمؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية التابعة لها، عدا شاغلى فئات المستوى الثالث.

5- رؤساء وأعضاء محالس الادارة ، وسائر العاملين بالشركات التى تساهم الحكومة أو الهيئات العامة أو المؤسسات العامة أو الوحدات الاقتصادية التابعة لها بنصي فى رأس مالها، وذلك فيما عدا الأجانب الذين لايجاوز أجرهم مايعادل الربط المالى للمستوى الثالث.

6- رؤساء وأعضاء مجالس ادارة النقابات المهنية والتحادات العمالية والنقابات العمالية العامة، والجمعيات الخاصة ذات النفع العام.

7- رؤساء وأعضاء مجالس الادارة وسائر العاملين بالجمعيات التعاونية ، عدا العاملين الذين لايجاوز أجرهم مايعادل نهاية الربط المالى للمستوى الثالث.

8- العمد والمشايخ .

9- مأمور التحصيل والمندوبون له والأمناء على الودائع والصيارف ومندوبو المشتريات والمبيعات وأعضاء لجان الشراء والبيع فى الجهات المشار اليها فى البنود السابقة.

10- الممولون الخاضعونم لنظام البطاقة الضريبية المقرر بالقانون رقم 82 لسنة 1973 اذا جاوز مجموع معاملات الممول مع الجهات المبينة بالقانون المذكور ، خمسين ألفا من الجنيهات.

ويجوز بقرار من رئيس الجمهورية أن يضاف الى المذكورين فى البنود السابقة فئات أخرى بناء على اقتراح وزير العدل اذا اقتضت ذلك طبيعة العمل الذى يقومون عليه.

مادة 2

يعد كسب غير مشروع كل مال حصل عليه أحد الخاضعين لأحكام هذا القانو لنفسه أو لغيره بسبب استغلال الخدمة أوالصفة أونتيجة لسلوك مخالف لنص قانونى عقابى أو للاداب العامة.

وتعتبر ناتجة بسبب استغلال الخدمة أو الصفة أو السلوك المخالف كل زيادة فى الثروة تطرأ بعد تولى الخدمة أو قيام الصفة على الخاضع لهذا القانون أو على زوجه أو أولاده القصر متى كانت الاتتناسب مع مواردهم وعجز عن اثبات مصدر مشروع لها.

مادة 3

يجب على كل من يدخل فى احدى الفئات التى تخضع لهذا القانون من تاريخ العل به، أن يقدم اقرارا عن ذمته المالية وذمة زوجة وأولاده القصر يبين فيه الأموال الثابتة والمنقولة خلال شهرين من تاريخ خضوعه لأحكام هذا القانون، ويجب كذلك على من يخضع لأحكام هذا القانون أن يقدم بصفة دورية اقرار الذمة المالية خلال شهر يناير التالى لانقضاء خمس سنين على تقديم الاقرار السابق وذلك طوال مدة خضوعه لأحكام هذا القانون،وعليه ان يقدم اقرارا خلال شهرين من تاريخ انتهاء خضوعه لأحكام هذا القانون، ويجب أن تتضمن الاقرارات المنصوص عليها فى الفقرتين الثانية والثالثة علاوة على البيانات المنصوص عليها فى الفقرة الأولى مصدر الزيادة فى الذمة المالية.

مادة 4

اذا امتنع زوج الملزم بتقديم الاقرارات المنصوص عليها فى المادة السابقة عن اعطائه البيانات اللازمة والتوقيع عليها وجب أن يخطر الجهة التى يقدم اليها اقراره بهذا الامتناع ، وعلى هذه الجهة تكليف الزوج الممتنع تقديم اقرار عن ذمته المالية خلال شهرين من تاريخ اخطاره.

مادة 5

يتولى فحص اقرارات الذمة المالية وتحقيق الشكاوى المتعلقة بالكسب غير المشروع هيئات الفحص والتحقيق الآتية:

(أ) هيئة أو اكثر تشكل كل منها من خمسة من مستشارى محكمة النقض يختارون فى بداية العام القضائى بطريق القرعة وتكون رياستها لأقدمهم وذلك بالنسبة الى رئيس الجمهورية ونوابه ورئيس مجلس الشعب ورئيس مجلس الوزراء ونوابه ومن هم فى درجتهم والوزراء ونوابهم وأعضاء اللجنةالتنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى العربى وأعضاء مجلس الشعب.

(ب) هيئات يصدر بتشكيلها قرار من وزير العدل تتألف كل منها من مستشار بمحاكم الاستئناف وذلك بالنسبة الى من فى درجة الوزير ونائب الوزير والفئة الممتازة ووكلاء الوزرات ومن فى درجتهم.

(جـ) هيئات يصدر بتشكيلها قرار من وزير العدل تتألف كل منها من رئيس محكمة وذلك بالنسبة الى باقى الخاضعين لأحكام هذا القانون.

مادة 6

تنشأ بوزارة العدل تسمى ادارة الكسب غير المشروع تشكل من مدير يختار من بين مستشارى محاكم الاستئناف ومن عدد كاف من الرؤساء بالمحاكم الابتدائية يندبون طبقا لأحكام قانون السلطة القضائية .

وتختص هذه الادارة بطلب البيانات والايضاحات المتعلقة بالشكاوى ومعاونة الهيئات المنصوص عليها فى المادة (5) فى القيام بمهامها.

مادة 7

تتولى الرقابة الادارية تنفيذ ما تكفلها به ادارة الكسب غير المشروع بناء على ما تقرره هيئات الفحص والتحقيق من بحث بيانات حالات الكسب غير المشروع ، ولها الاستعانة فى ذلك بمأمورى الضبط القضائى أو أية جهة أخرى مختصة ويكون مباشرتها هذا الاختصاص على النحو وبالاجراءات المنصوص عليها فى القانون رقم 54 لسنة 1964 باعادة تنظيم الرقابة الادارية .

مادة 8

يجب على الجهات التى تحددها اللائحة التنفيذية ان تقدم الى ادارة الكسب غير المشروع خلال شهر يناير من كل عام بيانا بأسماء الاشخاص التابعين لها ، والذين يلتزمون خلال العام بتقديم اقرارات الذمة المالية والتاريخ المحدد لتقديمها وأن ترسل اليها هذه الاقرارات خلال مدة لاتجاوز شهرين من تاريخ تقديمها.

مادة 9

تقوم الهيئات المنصوص عليها فى المادة (5) بفحص الاقرارات وجميع الشكاوى التى تقدم عن كسب غي مشروع ، وفحص الذمة المالية للخاضعين لأحكام هذا القانون فى حالة عدم تقديم الاقرار.

ولها فى سبيل ذلك طلب البيانات والايضحات والحصول على الأوراق من الجهات المختصة بما فيها تلك التى تعتبر بياناتها سرية أو صور من تلك الأوراق وكذلك التحفظ عليها.

مادة 10

اذا تبين من الفحص وجود شبهات قوية على كسب غير مشروع أحالت الهيئة المختصة الأوراق الى مجلس الشعب بالنسبة الى رئيس الجمهورية ونوابه ورئيس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم لاتباع الاجراءات المنصوص عليها فى القانونين رقمى 247 لسنة 1956 و 79 لسنة 1958، وبالنسبة لأعضاء مجلس الشعب لاتباع الأحكام المقررة فى شأنهم ، أما بالنسبة الى غير هؤلاء من الخاضعين لأحكام هذا القانون فتتولى اجراء التحقيق بالنسبة اليهم الهيئات المنصوص عليها فى البنود أ, ب ,جـ من المادة 5 من هذا القانون ، ولهذه الهيئات عند مباشرة التحقيق جميع الاختصاصات المقررة لسلطات التحقيق فى قانون الاجراءات الجنائية ، وله ان تأمر بدفع المتهم أو زوجه أو أولاده القصر من التصرف فى أموالهم كلها أو بعضها واتخاذ الاجراءات التحفظية اللازمة لتنفيذ الامر، كما أن لها أن تندب النيابة العامة لتحقيق وقائع معينة.

وعلى ادارة الكسب غير المشروع أن تعرض الأمر فى ميعاد لايجاوز ثلاثين يوما من تاريخ صدوره على محكمة الجنايات المختصة والتى عليها تحديد جلسة انذاره خلال الثلاثين يوما التالية وتكليف الصادر ضده الأمر بالحضور أمامها لسماع أقواله وكذلك سماع أقوال ذوى الشأن وأن تصدر حكمها خلال مدة لاتجاوز ستين يوما من عرض الأمر عليها أما بتأييده أو تعديله أو الغائه ، ويترتب على انقضاء مائة وعشرين يوما من تاريخ صدور الأمر دون أن تصدر المحكمة حكمها بشأنها اعتبار الأمر كأن لم يكن.

مادة 11

لمن صدر ضده حكم بالمنع من التصرف أن يتظلم بعد انقضاء ستة أشهر من تاريخ الحكم ، فان رفض تظلمه فله أن يتقدم بتظلم جديد كما انقضت ستة أشهر من تاريخ الحكم برفض التظلم.

كما يجوز لمن صدر ضده حكم بالمنع من التصرف ولكل ذى شأن أن يتظلم من احراءات تنفيذه.

ويكون التظلم بتقرير فى قلم محكمة الجنايات المختصة، وعلى رئيس المحكمة أن يحدد جلسة لنظر التظلم يعلن بها المتظلم وكل ذى شأن ، وعلى المحكمة أن تفصل فى التظلم خلال مدة لاتجاوز ستين يوما من تاريخ تقديمه اليها.

ويجوز لهيئة الفحص والتحقيق فى كل وقت العدول عن الأمر الصادر منها أو التعديل فيه.

مادة 12

يجوز لرئيس المحكمة المختصة بنظر الدعوى ، اذا قامت دلائل كافية على الحصول على كسب غي مشروع أن يصدر بناء على طلب هيئة الفحص والتحقيق أمرا بتكليف الغير بعدم التصرف فيما لدية للمتهم أو أى شخص آخر من المذكورين فى المادة 18 من هذا الأمر كل مايترتب على حجز ما للمدين لدى الغير من آثار دون حاجة الى اجراءات أخرى.

مادة 13

يجوز لرئيس المحكمة المختصة من تلقاء نفسه أو بناء على طلب هيئة الفحص والتحقيق أن يصدر أمرا بمضمون طلبات الهيئة أو بمضمون دعوى الكسب غير المشروع عى هامش تسجيلات الحقوق العينية الخاصة بالمتهمين وغيرهم من المذكورين فى المادة (18).

ولايحتج فى جميع الأحوال بأى حق عينى اكتسبه الغير بعد تاريخ التأشير ، ويجوز التظلم من هذا الأمر الىالمحكمة طبقا للاجراءات المبينة فى قانون المرافعات المدنية والتجارية.

ويؤشر قلم الكتاب بمضمون الحكم الذى يصدر فى التظلم أو فى دعوى الكسب غير المشروع، ويترتب على صدور الحكم بالغاء الأمر أو برفض الدعوى زوال كل ما للتأشير من أثر.

مادة 14

اذا رأت الهيئة بعد التحقيق أن الأدلة على المتهم غير كافية تصدر أمرا بعدم وجود وجه لاقامة الدعوى ، ويجب أن يشتمل الأمر على الأسباب التى بنى عليها.

واذا رأت ان الأدلة كافية تصدر أمرا باحلة الدعوى الى محكمة الجنايات المختصة وتضع قائمة بأدلة الثبوت وتكلف النيابة العامة باعلان هذه القائمة للمتهم وارسال الأوراق فورا الى المحكمة.

واذا رأت الهيئة أن الواقعة تتضمن مخالفة ادارية أو مالية أحالت المخالف الى الجهة المختصة للنظر فى أمره.

مادة 15

على ادارة الكسب غير المشروع اخطار النائب العام بالأمر الصادر بعدم وجود وجه لاقامة الدعوى خلال سبعة أيام من تارخ صدوره وللنائب العام ان يطعن فى هذا الأمر خلال ثلاثين يوما من تاريخ اخطاره.

ويحصل الطعن بتقرير فى قلم كتاب محكمةالجنايات المختصة.

وتفصل المحكمة فى الطعن بعد سماع أقوال النيابة العامة وذوى الشأن فاذا رأت أن الأدلة كافية ألغت الأمر وأحالت الدعوى الى دائرة من دوائر المحكمة للفصل فيها.

مادة 16

تنقضى الدعوى الجنائية فى جريمة الكسب غير المشروع بمضى ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ تقديم اقرار انتهاء الخدمة أو زوال الصفة ما لم يبدأ التحقيق فيها قبل ذلك.

تتقطع المدة باعلان صاحب الشأن باحالة الأوراق الى مجلس الشعب بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول ، كما تتقطع باتخاذ اجراءات التحقيق من الجهة المختصة.

مادة 17

تعتبر الاقرارات المنصوص عليها فى هذا القانون والشكاوى التى تقدم عن كسب غير مشروع وما يجرى فى شانها من فحص وتحقيق من الأسرار ويجب على كل من له شأن فى تنفيذ هذا القانون عدم افشائها.

مادة 18

كل من حصل لنفسه أو لغيره على كسب غير مشروع يعاقب بالسجن وبغرامة مساوية لقيمة الكسب غير المشروع فضلا عن الحكم برد هذا الكسب، ولايمنع انقضاء الدعوى الجنائية بالوفاة من رد الكسب غير المشروع بحكم من محكمة الجنايات المختصة بناء على طلب احدى الهيئات المنصوص عليها فى المادة (5) خلال ثلاث سنوات من تاريخ الوفاة ، وعلى المحكمة أن تأمر فى مواجهة الزوج والأولاد القصر الذين استفادوا من الكسب غير المشروع بتنفيذ الحكم بالرد فى أموال كل منهم قدر ما استفاد، ويجوز لها كذلك أن تأمر بادخال كل من استفاد فائدة جدية من غير من ذكروا فى الفقرة السابقة ليكون الحكم بالرد فى مواجهته ونافذا فى أمواله بقدر ما استفاد.

مادة 19

اذا بادر الشريك فى جريمة الكسب غير المشروع ، أو من ارتكب جريمة اخفاء المال المتحصل منها الى ابلاغ السلطات العامة عن جريمة الكسب غير المشروع قبل كشفها أو عن المال المتحصل منها أو أعان أثناء البحث والتحقيق فيها على كشف الحقيقة أعفى من العقوبات المقررة للجريمة ولايخل حكم هذه المادة بوجوب الحكم بالرد.

مادة 20

كل من تخلف عن تقديم اقرارات الذمة المالية فى المواعيد المقررة يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن عشرين جنيها ولاتزيد على خمسمائة جنيه أو باحدى هاتين العقوبتين.

ويعاقب بالحبس أو بالغرامة التى لاتقل عن مائة جنيه ولاتزيد على ألف جنيه أو باحدى هاتين العقوبتين كل م ذكر عمدا بيانات غير صحيحة فى تلك الاقرارات.

مادة 21

كل من يخالف أحكام المادة (8) يعاقب بغرامة لا تجاوز مائة جنيه.

كما يعاقب على مخالفة أحكام المادة (17) بالحبس مدة لاتقل عن ستة أشهر وبغرامة لاتقل عن مائة جنيه ولاتزيد على خمسمائة جنيه أو باحدى هاتين العقوبتين .


مادة 22

كل من أبلغ كذبا بنية الاساءة عن كسب غير مشروع ولو لم يترتب على ذلك اقامة الدعوى يعاقب بالحبس مدة لاتقل عن ستة أشهر وبغرامة لاتقل عن مائة جنيه ولاتزيد على خمسمائة جنيه أو بأحداى هاتين العقوبتين.

مادة 23

لاتمنع العقوبات المقررة فى هذا القانون من توقيع اية عقوبة أخرى تكون مقررة فى قانون آخر.

مادة 24

يصدر رئيس الجمهورية اللائحة التنفيذية بهذا القانون والى أن تصدر هذه اللائحة يستمر بالقرارات المعمول بها فى هذا الشأن فيما لا يتعارض مع أحكام هذا القانون.

مادة 25

يلغى القانون رقم 11 لسنة 1968 فى شأن الكسب غير المشروع ومع ذلك يستمر العمل به وبالمرسوم بالقانون رقم 131 لسنة 1952 بشأن الكسب غير المشروع والقانون رقم 148 لسنة 1961 بتقرير بعض الأحكام الخاصة بالكسب غير المشروع وذلك بالنسبة الى من كانوا يخضعون لها وتركوا الخدمة أو زالت صفتهم قبل العمل بهذا القانون على أن تتولى فحص الاقرارات الواجب فحصها طبقا لهذه الهيئات المنصوص عليها فى المادة (5) من هذا القانون.

مادة 26

ينشر هذا القانون فى الجريدة الرسمية ، ويعمل به من أول نوفمير سنة 1975.

05 يوليو 2011

بعض تطبيقات الغبن في القانون الوضعي في ضوء الشريعة الإسلامية

هذا المبحث جديد لنا سوف نبحث فيه – بفضل الله تعالى - بعض تطبيقات الغبن في القوانين العربية{المصرية،السورية،اللبنانية}ذلك أن هناك حالات أخذ المتشرع فيها بفكرة الغبن وفق النظرية المادية وذلك بمقتضى نصوص خاصة بكل حالة على حده،وقد أشارت المادة/130/ مدني مصري والمادة/131/مدني سوري إلى هذه الحالات بقولها:{يراعى في تطبيق المادة السابقة عدم الإخلال بالأحكام الخاصة بالغبن في بعض العقود أو بسعر الفائدة}.

والذي دعا المتشرع إلى الأخذ بفكرة الغبن وفق هذه النظرية في هذه الحالات حرصه على أن يضمن الحماية فيها للطرف المغبون على أساس محدود وبطريقة يسهل فيها الإثبات.

وعلى هذا نقسم هذا المبحث إلى أربعة مطالب هي :



المطلب الأول : الغبن في ظل شركة حصة الأسد .

المطلب الثاني : الغبن في ظل عقد الإذعان.

المطلب الثالث: الغبن في ظل القسمة الاتفاقية .

المطلب الرابع : الغبن في ظل عقد الوكالة.







المطلب الأول

الغبن في شركة حصة الأسد



شركة الأسد: هي التي يعفى فيها أحد الشركاء من تحمل الخسائر مع مقاسمته للأرباح ، أو يحرم من الأرباح مع تحمله للخسائر.



ذلك أن من مقومات عقد الشركة أن يساهم كل شريك في أرباحها و في خسائرها بنصيب ما، و إلا كانت الشركة باطلة لإنتقاء نية المشاركة ، فإذا نص عقد الشركة على ألا يساهم شريك في الربح ، فمعنى ذلك أن يحقق الربح دون خسارة ، فيكون له الغنم ولغيره الغرم .

ولا شك أن الطرف الذي يأخذ الأرباح دون أن يتحمل الخسائر هو الغابن ، لذلك من الواجب حماية هذا المغبون و إعادة الأمور إلى نصابها، فليس من الضروري أن يتم توزيع الأرباح بالتساوي بين الشركاء مادام كل منهم يحصل على نسبة جدية من الربح.



لنرى الآن كيف عالجت التشريعات العربية {اللبنانية ، السورية ، المصرية } هذا الموضوع:

ذهبت القوانين العربية { اللبناني في المادة 835 موجبات وعقود ، والمصري في المادة515 مصري ، و السوري في المادة 483 مدني إلى بطلان الشركة المتضمنة شرط الأسد ، فنصت المادة: 483مدني سوري على ما يلي :

1-إذا اتفق على أن أحد الشركاء لايساهم في أرباح الشركة أو في خسائرها ،كان عقد الشركة باطلاً .

2- يجوز الاتفاق على إعفاء الشريك الذي لم يقدم غير عمله من المساهمة في الخسائر بشرط ألا يكون قد تقرر له أجر عن عمله .

فإذا اتفق الشركاء على أن يأخذ أحد الشركاء بعض أرباح الشركة دون أن يتحمل أي خسارة تتناسب مع حصته ، أو اتفقوا على أن يتحمل أحد الشركاء الخسائر من دون غيره مع حرمانه من كافة الأرباح ، فلا جرم بأن هذا الاتفاق يحوي بين طيّاته غبناً فاحشاً وشاذاً عن العادة المألوفة ، لذلك رأينا ان المتشرع قد تفاعل مع هذا الغبن فنص على بطلان ، ليس فقط ذلك الشرط بل بطلان الشركة كلها بطلاناً مطلقاً.

وكذلك الأمر إذا نص عقد الشركة على أن أحد الشركاء يجني الأرباح مع أن نصيبه تافهاً إلى حد أنه غير جدي ، فإن هذه الشركة تكون باطلة ، وتكون أيضاً باطلة إذا نص العقد على أن أحد الشركاء لا يتحمل الخسائر أو أن يتحمل بعض الخسائر إلى حد عدم الجدية.

ويجوز التفاق على إعفاء الذي قدم عمله فقط كحصة في الشركة من الخسائر إذا لم يقرر له أجراً عن عمله ، لأنه سوف يتحمل الخسائر عن طريق عدم أخذه لأي مبلغ لقاء عمله إن خسرت الشركة.

نصت الفقرة الثانية من المادة 515 مدني مصري والمادة 483 مدني سوري صراحة على هذا الحكم ، وقد رأينا مما سلف أنه يجوز الإتفاق على إعفاء الشريك الذي لم يقدم إلا عمله كحصة من الخسائر على أن لا يكون قد تقرر له أجراًلقاء عمله.

وشركة حصة الأسد في أي صورة من صورها باطلة بطلاناً مطلقاً في القوانين اللبنانية والمصرية والسورية ، بحيث يجوز لكل ذي مصلحة أن يتمسك بهذا البطلان،كما يمكن أن يحكم به القاضي من تلقاء نفسه ، ولا ترد على هذه الشركة الإجازة ولا يسري في حقها التقادم .

وبعد ما أوردنا فيما تقدم حكم هذه الشركة في القوانين الثلاثة لنر مدى انطبات الغبن عليها ، وإذا ما انطبق الغبن عليها ، فهل ينطبق عليها الغبن في ضوء النظرية المادية أم في ضوء النظرية الشخصية ، وهل كانت تلك القوانين موفقة في نصها على بطلان تلك الشركة بطلاناًمطلقاً أم لا ؟؟.

في البداية كما نعلم أن للغبن في ضوء النظرية المادية عنصرين بينما الغبن في ضوء النظرية الشخصية يتكون من ثلاثة عناصر، لنطبق هذه العناصر على شركة الأسد لنرى أي النظريتين أجدر لحل مشـكلة هذه الشــركة.

{أ} ما مدى انطباق الغبن وفق النظرية المادية على شركة الأسد؟؟:

لا حظنا أن أحد صور شركة الأسد أن يستأثر أحد الشركاء بالربح دون أن يتحمل أي خسارة ، ولنطبق هذه الصورة على عناصر الغبن وفق النظرية المادية.

{العنصر الأول}قيمة الشيء:

فالعبرة بقيمة الشيء بحد ذاته تبعاً للقوانين الاقتصادية ، ولنفترض أن الشركاء في المثال السابق قد دفعوا حصصاًمتساوية في القيمة النقدية.

{العنصر الثاني}درجة الاختلال في هذا التعادل:

نرى أن الشريك الذي حصل على حصة الأسد قد تقدم بحصة مثله مثل باقي شركائه ومع هذا فإنه يأخذ ربحاً فاحشاً لايتعادل مع حصته ودون أن يتحمل أية خسارة .



{ب} ما مدى انطباق الغبن وفق النظرية الشخصية على شركة الأسد:

كما أصبحنا نعلم أن الغبن في ضوء النظرية الشخصية يتكون من ثلاثة عناصر لنطبق تلك العناصر على شـركة الأسـد.

{1} قيمة الشيء:

قيمة الحصص لا تقيم بسعر السوق ولكن بالسعر الشخصي ، فربما قيّم أحد الشركاء حصته بأنها تساوي حصة الأسد وبالتالي يجب أن يستأثر بالأرباح دون أن يتحمل أي خسـارة.

{2} استغلال ضعف الشريك المغبون:

قد يكون الشريك صاحب حصة الأسد من ذوي النفوذ والسلطة مما يجعله يستغل باقي الشركاء ليحصل على هذه الحصة دون خسارة فعلية.



{3} أن هذا الاستغلال هو الذي دفع إلى التعاقد:

فلولا سلطة وبطش ذاك الشريك لما رضخ له باقي الشركاء على الرغم مما تحوي هذه الشركة من الغبن الفاحش.



ومما تقدم نلاحظ أن الشرط الأول قد لا يتحقق أما باقي الشروط فقد تحققت وبالتالي لا يمكن أن يكون للغبن وفق النظرية الشخصية أي مفعول إلا بتحقيق شروطها الثلاث معاً.



أما إذا طبقنا على شركة الأسـد شروط الغبن وفق النظرية المادية فإنها تستطيع أن تفرش جناحيها حامية بذلك الشريك المغبون من هذا الغبن الفاحش وتعيد الأمور إلى نصابها بأن يتعادل الشركاء بالخسائر والأرباح كل وفق حصته.

وبعد أن شاهدنا أن الغبن ينطبق انطباقاً تاماً على شركة الأسد فلماذا لا نطبق عليها أيضاً حلول الغبن !!.
فجزاء الغبن هو إما البطلان و إما إعادة التوازن بين الإلتزامات أما جزاء شركة الأسـد في القانون هو البطلان المطلق مع العلم بأن نص المادة/515/مدني مصري،ونص المادة/483/مدني سوري كانا في المشروع التمهيدي كما يلي:
{الشركة تكون قابلة للإبطال لمصلحة من يضار من الشركاء بشرط عدم المساهمة في الخسارة /وهم سائر غير من أعفى من المساهمة في الخسارة/أو لمصلحة الشريك الذي اشترط عليه عدم المساهمة في الربح}.

بيد أن النص أجود حكماً من نص المادة /515/مدني مصري،و/483/مدني سوري لأنه يحقق هدفين وهـما:

1-المحافظة على المراكز القانونية التي نشأت في ظل هذه الشركة.

2-حماية الطرف المغبون من هذا الشرط بأن يكون البطلان لصالح المغبون إن لم تصبح الموجبات بين الشركاء متعادلة كل وفق حصته في الأرباح والخسائر.

فالتشريعات الوضعية العربية {اللبنانية،المصرية،السورية}أرادت أن تضع نصاً يُرهب من يريد مثل هذه الشركة ولم ترد أن تعترف بها ثم تحل مشاكلها وتعقيداتها ومع هذا أميل إلى أن تطبق على هذه الشركة حلول الغبن و آثاره .

أما بالنسبة لشرط الأسد فهو الباطل وهذا البطلان لا يسري عليه التقادم الطويل ويستطيع كل ذي مصلحة أن يطلب بطلان هذا الشرط ،كما تستطيع المحكمة أن تحكم من تلقاء ذاتها ببطلان هذا الشرط.





















































المطلب الثاني



الغبن في عقد الإذعان



الأصل في التعاقد أن يتم عن طريق التفاوض والمناقشة والمساومة ، بحيث يتفاوض أطرف العقد على بنوده على نحو يحقق لهما مصالحهما ، بيد أن هناك من العقود ما يشذ عن هذه القاعدة،فلا يكون هناك مفاوضات أو مساوم على بنود العقد ، وإنما يضع الطرف القوي في العقد شروطه وما على الطرف الثاني إلا أن يرضخ لهذه الشروط جملة وتفصيلاً أو يرفضها كلها مما قد يترتب على هذا العقد غبناً فاحشاً وشاذاً عن العادة المألوفةى ، وعلى هذا سوف نبحث كيف يحمي القانون الطرف المذعن المغبون ، وما مدى هذه الحماية.

اعتبرت القوانين المدنية السورية والمصرية واللبنانية عقد الاذعان من العقود الصحيحة ، واعتبرت أن تسليم الطرف المذعن لمشيئة الطرف الآخر أنه قبول للعقد،إلا أن تلك القوانين لم تغفل عن أن عقد الإذعان يتميز بطبيعة خاصة فالعقد قائم التفاوت الكبير بين مركز كل من طرفيه ، الأول يفرض شروطه والثاني عليه أن يقبلها دون أدنى مناقشة وربما أدى ذلك إلى وقوع الطرف المذعن تحت رحمة الطرف القوي ، فيشتغله بأن يفرض عليه شروطاً تعسفية مما جعل رجال الفقه القانوني يسعون جاهدين في سبيل حماية الطرف المذعن من تلك الشروط التعسفية.

نص القانون اللبناني في المادة /172/موجبات وعقود القانون المدني المصري في المادة/150/ على أنه {إذا تم العقد بطريق الإذعان وكان قد تضمن شروطاً تعسفية جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو يعفي الطرف المذعن منها وذلك وفقاً لما تقضي به العدالة ، ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك}.

فالمظهر السياسي للحماية التي يضعها القانون للطرف المذعن المغبون تتمثل في رفع هذا الغبن عن طريق رفع هذا الغبن عن طريق رفع الأمر للقضاء طالباً منه تعديل الشروط التعسفية وفقاص لما تقضي به العدالة عن طريق رفع الغبن عن الطرف المذعن وإعادة الموجبات إلى حالتها الطبيعية.

ويلاحظ أن بعض الفقهاء يحرص على إبعاد أحكام الغبن عن العقود التجارية ، وجعلها محصورة في عقود القانون المدني فقط.

يقول الدكتور مصطفى كمال طه:{أما البطلان في المغالاة التدليسية في التأمين ، فلا يشترط فيه ارتكاب المستأمن بطرق احتيالية بل يكفي المؤمن إثبات أن المستأمن قد غالى في تقدير الشيء المؤمن عليه بقصد الحصول على تعويض أعلى من قيمة الشيء الحقيقية}.

فالفقيه هنا يجعل المغالاة في تقدير الشيء المؤمن عليه بقصد الحصول على تعويض أعلى من قيمة الشيء الحقيقية تديساً، ولا يخفى على أحد بأن التدليس لابد أن يقترن بطرق احتيالية،أما إذا انتقت هذه الطرق فلم يعد هذا تدليساً بل غبناً.

والدليل على ما أقول هو أن شروط الغبن متوفرة في المثال السابق فهناك اختلال بين الموجبات فالمؤمن يريد الحصول على التعويض أعلى من قيمة الشيء الحقيقية وهذا التعويض فاحش جداً بالنسبة للقيمة الحقيقية للأشياء المؤمن عليها وبالتالي فإن هناك اختلالاً بين الموجبات وعليه فإن هناك غبناً ، وغني على البيان أن تعديل الشروط التي يتضمنها عقد الإذعان لا يقرره القاضي من تلقاء نفسه ، وإنما بناء على طلب الطرف المذعن.

بعد أن يطلب الطرف المذعن رفع الغبن عنه ، فالقاضي هو الذي يملك حق تقدير ما إذا كان هناك غبناً أم لم يكن،فإذا اكتشف أن هناك غبناً فله أن يزيله كلياً أو يزيل جزءاً منه ، فالمتشرع لم يرسم للقاضي حدوداً في ذلك إلا ما تقتضيه العدالة ، ولا يجوز للمتعاقدين أن ينزعا من القاضي سلطته هذه باتفاق خاص لأن هذا الإتفاق إذا ما وجد فهو باطل لمخالفته النظام العام.








المطلب الثالث

الغبن في القسمة الإتفاقية



تنص المادة /835/من القانون المدني المصري والمادة /789/ من القانون المدني السوري على أن :{الشركاء إذا انعقد إجماعهم أن يقتسموا المال الشائع بالطريقة التي يرونها، فإذا كان بينهم من هو ناقص الأهلية ، وجبت مراعاة الإجراءات التي يفرضها القانون}.



وتنص المادة /845/من القانون المدني المصري والمادة /779/من القانون المدني السوري على أنه :

1-يجوز نقض القسمة الحاصلة يالتراضي إذا أثبت احد المتقاسمين أنه قد لحقه منها غبن يزيد على الخمس،على أن تكون العبرة في التقدير بقيمة الشيء وقت القسمة.

2- ويجب أن ترفع الدعوى خلال السنة التالية للقسمة ، وللمدعي عليه أن يوقف سيرها ويمنع القسمة من جديد إذا أكمل المدعي نقداً ، أو عيناً ما نقص من حصته.

ومن هاتين المادتين نستطيع أن نستنتج أحكاماً تكون خطة بحث لهذا المطلب لذا سوف نقسم المطلب إلى النقاط التالية :



أولاً: طبيعة القسمة الإتفاقية .

ثانياً: كيفية إجراء القسمة الإتفاقية .

ثالثاً:حماية من كان ناقص الأهلية من الشركاء .

رابعاً: نقض القسمة الإتفاقية .



أولاً: طبيعة القسمة الإتفاقية:

تنص المادة /835/ مدني مصري والمادة /789/ مدني سوري على أن:{للشركاء إذا انعقد إجماعهم ، أن يقتسموا المال الشائع بالطريقة التي يرونها}.

ومن ذلك يتبين لنا أن القسمة الرضائية عقد أطرافه الشركاء المشتاعون ،ومحله المال الشائع وعلى هذا العقد تسري أحكام سائر العقود من رضى جميع الشركاء على هذه القسمة،فإذا لم يتوفر رضى الجميع وأبرم بعض الشركاء عقد القسمة،ولم يبرمه البعض الآخر،فلا يترتب على ذلك إنهاء حالة الشيوع،وإنما يسري هذا الاتفاق على من رضي به فقط،حتى إذا رضي باقي الشركاء أصبحت هذه القسمة نافذة بحق الجميع.

ويتعين ألا يكون من بين هؤلاء الشركاء من هو ناقص الأهلية فإذا كان هناك من هو ناقص الأهلية فإذا كان هناك من هو ناقص الأهلية وجب اتباع الإجراءات التي يقضي بها القانون في هذا الصدد.

ويخضع إثبات عقد القسمة للقواعد العامة في الإثبات فلما زادت قيمة المال المقسوم على المبلغ المحدد في القانون فلا يجوز إثباته إلا بالكتابة أو بمبدأ ثبوت بالكتابة وكما يكون الإتفاق على القسمة صريحاً يمكن أن يكون ضمنياً،وفي هذه الحالة يكون للقضاء أن يستخلص من تصرفات الشركاء أنهم قد ارتضوا جميعاً قسمة المال الشائع طالما كان تصرف كل منهم في حدود حصته فقط وصدر التصرف من جميع الشركاء.



ثانياً:كيفية إجراء القسمة الرضائية:
من نص المادة /835/مدني مصري،والمادة /789/مدني سوري،والمادة /941/ موجبات لبناني ، يتبين أن المتشرع ترك للشركاء الحرية التامة في اختيار طريقة اقتسام المال الشائع فيما بينهم،كأن يتصرف أحد الشركاء بجزء مفرز من عقار شائع لم يجري تحديده وتحريره،يوازي حصته،ثم يتبعه الشركاء الآخرون،فيتصرف كل منهم بحصة مفرزة أيضاً تعادل نصيبه،فيعد تصرفهم على هذا الوجه دالاً على رضىائهم الضمني بالقسمة الفعلية التي تمت بفعل جميع الشركاء على السواء،هذا إذا لم يكن فيما بين الشركاء قاصر أو غائب،فإذا كان إحد الشركاء غائباً أو لا تتوافر فيه الأهلية،فيجب على الوصي{على القاصر} أو القيم {على المجنون أو السفيه أو المعتوه أو المغفل}أو الوكيل القضائي{عن الغائب}بإذن من المكمة إلى إجراء القسمة بالتراضي مع باقي الشركاء ولا تكون هذه القسمة نافذة إلا بتصديق القاضي.

ثالثاً: حماية من كان ناقص الأهلية من الشركاء:

رأينا في المادة /835/مدني مصري والمادة /789/مدني سوري تنص على أنه {إذا كان بين الشركاء من هو ناقص الأهلية وجبت مراعاة الإجراءات التي يفرضها القانون}.



وأن المادة /941/موجبات وعقود لبناني تنص على أنه:{إذا كان بينهم غير ذي أهلية ،أوغائب غيبة متقطعة ،فلا تكفي موافقة ممثله الشرعي بل يجب أن يحكم القاضي المختص بالتصديق على القسمة لتصبح نافذة }.



إذن يجب الحصول على الإذن من القاضي الشرعي حتى تصبح القسمة نافذة بحق جميع الشركاء ،وبذلك تنص المادة /181/ من الأحوال الشخصية السوري:{إذا كان للقاصر حصة شائعة في عقار فللوصي بإذن المحكمة إجراء القسمة بالتراضي مع باقي الشركاء ،ولا تكون هذه القسمة نافذة إلا بتصديق القاضي}.



وتنص المادة /206/من قانون الأحوال الشخصية السوري:{يسري على القيم والوكيل القضائي ما يسري على الوصي من الأحكام إلا ما يستثنى بنص صريح}وبذلك لا ير هذا الحكم على وصي القاصر وحده بل يشمل أيضاً القيم والوكيل القضائي.



ومن ذلك يتبين أنه إذا كان من بين الشركاء من هو ناقص الأهلية أو عديمها،أو كان فيهم غائب،فعلى وصي القاصر والقيم والوكيل القضائي الحصول على إذن القاضي الشرعي لإجراء القسمة الإتفاقية والحصول أيضاً على أذن القاضي الشرعي لإجراء القسمة الإتفاقية والحصول أيضاً على تصديق القاضي الشرعي على هذه القسمة بعد إجرائها حتى تكون نافذة في مواجهة الكافة.

رابعاً:نقض القسمة الإتفاقية بسبب الغبن:

تنص المادة /845/من القانون المدني المصري والمادة/799/ من القانون المدني السوري على أنه:

1- يجوز نقض القسمة الحاصلة بالتراضي إذا أثبت أحد المتقاسمين أنه قد لحقه منه غبن يزيد عن الخمس على أن تكون العبرة في التقدير بقيمة الشيء وقت القسمة.

2- يجب أن ترفع الدعوى خلال السنة التالية للقسمة،وللمدعي عليه أن يوقف سيرها ويمنع القسمة من جديد إذا أكمل للمدعي نقداً أوعيناً ما نقص حصته.

أما القانون اللبناني فقد تكلم في المادة /947/موجبات وعقود عن الغبن بصفة مطلقة بالنسبة لكل أنواع الغبن.

ومن تلك النصوص يتبين أن المتشرع قد أجاز للشريك المغبون أن يطلب نقض القسمة الإتفاقية ،إذا وقع فيها غبن بالمقدار الذي حدده القانون.

ما هو مقدار الغبن الذي يؤثر في القسمة الرضائية؟؟؟.

لم يتفق القانونان المصري والسوري مع التقنين اللبناني على مقدار واحد للغبن المؤثر في القسمة فقانون موجبات وعقود اللبناني لم يحدده الغبن بنسبة معينة بل وصفه أن يكون فاحشاً وشاذاً عن العادة المألوفة.

بينما ذهب كل من القانون المصري والقانون السوري إلى تحديده بما يزيد على الخمس ،أسوة ببيع عقار القاصر ،ولأن الخمس هو المقدار المألوف في الشريعة الإسلامية.

وأعتقد أن القانونين المصري والسوري كانا أحكم من القانون اللبناني لأنهما حددا مقدار الغبن حسماً للخلاف وسرعةً في الحكم.

والعبرة في تقدير الغبن ،النظر في قيمة المال الشائع وقت القسمة لأنه الوقت الذي يراعى في التقدير لتحقيق المساواة بين المتقاسمين.



دعوى إبطال القسمة الإتفاقية للغبن:

إذا تحقق الغبن على النحو الذي ذكرنا بأن كان فاحشاً وشاذاً عن العادة المألوفة،كما هو في القانون اللبناني أو كان يزيد على الخمس كما في القانونين المصري والسوري جاز للمتقاسم المغبون،طلب إبطال القسمة والعودة إلى حالة الشيوع،أما الشريك الذي لم يلحقه غبن فلا يستطيع رفع دعوى إبطال الغبن القسمة للغبن.

والمدعي عليه دعوى الغبن هم سائر الشركاء ،لأن دعو الغبن ترمي إلى إبطال القسمة الرضائية كلها،ويقع عبء الإثبات في هذه الدعوى على عاتق المدعي المغبون وله أن يثبت الغبن بجميع طرق الإثبات بما فيها القرائن،لأنها واقعة مادية،وعند ثبوت وقوع الغبن فإنه يجوز للقاضي أن يبطل القسمة.

هذا ويجب أخيراً أن ترفع الدعوى خلال السنة التالية للقسمة وإذا ما رفعت الدعوى كان للمدعي عليه أن يوقف سيرها ويمنع إجراء القسمة من جديد إذا أكمل المغبون نقداً ،أو عيناً ما نقص من حصته هذا في القانون المصري والسوري،أما القانون موجبات وعقود اللبناني فإنه وضع حكماً خاصاً في شأن ميعاد رفع دعوى الإبطال إذ قرر إنه يجب أن تقام دعوى الإبطال في السنة التي تلي القسمة ولاتقبل الدعوى بعد انقضائها والمدة هنا مدة السقوط.

ما هي الآثار التي تترتب على إبطال القسمة الرضائية للغبن؟؟؟.

الآثار التي تترتب على إبطال القسمة الرضائية للغبن هي إعادة الحالة إلى ما كانت عليها قبل القسمة وإعتبار المال المملوك للشركاء شائعاً منذ أن بدأ الشيوع أول مرة وكأن الشيوع لم ينقطع أبداً، عندها يجوز لأي شريك سواء أكان المغبون أو الغابن أن يطلب القسمة سواء أكانت اتفاقية أو قضائية.



*هل يستطيع الشريك الغابن أن يتفادى إبطال القسمة الإتفاقية؟؟؟.

نعم يستطيع الشريك الغابن أن يتفادى إبطال القسمة بسبب الغبن إذا أكمل للمغبون نقداً أو عيناً ما نقص من حصته ،هذا الأكمال ليس فقط بما يرفع الفحش وجعله يسيراً بل يجب أن يرتفع الغبن كاملاً بحيث يتعادل برفعه نصيب الشريك المغبون مع حصته الشائعة.

ويستطيع المدعى عليه أن يوقف سير الدعوى في أي مرحلة كانت عليها الدعوة طالما لم يصدر حكم نهائي بإبطال القسمة،لأنه بصدور حكم نهائي تعود حالة الشيوع إلى ما كانت عليه قبل القسمة،ولم يعد مقبولاً أن يكون من حق المدعى عليه الغابن أن يطلب تكملة نصيب الشريك المغبون.



























المطلب الرابع

الغبن في عقد الوكالة



تعريف الوكالة: تنص المادة /699/من القانون المدني المصري والمادة /655/من القانون المدني السوري بأن الوكالة :{عقد بمقتضاه يلزم الوكيل يأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل.

والمادة /769/موجبات وعقود لبناني تتفق في مجموعها مع التقنين المصري والسوري إلا أنها لا تحدد محل الوكالة بأنه تصرف قانوني.

ومما تقدم يتبين لنا بأن عقد الوكالة هو عقد من عقود التراضي يتم بالإيجاب والقبول،وأن محل هذه الوكالة هو عمل قانوني دائماً وأن الوكيل يجب عليه أن يعمل لحساب موكله لا لحسابه الشخصي ومن هذه النقطة نستطيع أن ننتقل إلى نقطة هامة في هذا المطلب وهي الأجر في عقد الوكالة.



الأجر عقد الوكالات :

تنص المادة /709/ من القانون المدني المصري والمادة /675/ من القانون المدني السوري على ما يلي:



1- الوكالة تبرعية ، مالم يتفق على غير ذلك صراحة أو يستخلص ضمناً من حالة الوكيـل.

2- فإذا اتفق على أجر الوكالة كان هذا الأجر خاضعاً لتقدير القاضي إلا إذا دفع طوعاً بعد تنفيذ الوكالة.

أما القانون اللبناني فقد كان موافق للنصين المصري و السوري بيد أنه لم يذكر أن أجر الوكيل يكون خاضعاً لتقدير القاضي.



ومن هذه النصوص نستطيع أن نميز فرضين على أجر الوكالة :

الأول: حالة عدم اتفاق الموكل والوكيل على الأجر.

الثاني: حالة عدم وجود اتفاق ما بين الموكل والوكيل على الأجر.



الفرض الأول: حالة عدم وجود اتفاق على الأجر:

من نصوص المواد 709/1مدني مصري ، و 675/1 مدني سوري ، و 770 موجبات وعقود لبناني يتبين لنا أنه إذا لم يتم اتفاق بين الموكل والوكيل على الأجركانت الوكالة غير مأجورة ، وكان الوكيل متبرعاً واعتبرت الوكالة في هذه الحالة من عقود التبرع وذلك بنص المواد سالفة الذكر.

بهذا قضت محكمة النقض السورية بقولها:{الوكالة تبرعية مالم يتم الاتفاق على غير ذلك صراحة أو يستخلص ضمناً من حالة الوكيل ، فإذا اتفق على الأجر للوكالة كان هذا الأجر خاضعاً لتقدير القاضي إلا إذا دفع طوعاً بعد تنفيذ الوكالة}.



الفرض الثاني: حالة وجود اتفاق على الأجر:

من النصوص سالفة الذكر يتبين لنا أن الوكيل لا يأخذ أجراً إلا إذا وجد اتفاق على ذلك ، و ربما كان هذا الاتفاق صريحاً أو ضمنياً و سواء كان الإتفاق صريحاً أو ضمنياً فعبء إثباته يقع على عاتق الوكيل وقاضي الموضوع هو الذي يقرر ما إذا كانت الوكالة مأجورة،ومن أبرز الحالات التي يستخلص منها ضمناً أن الوكالة مأجورة هي مهنة الوكيل ، فإذا كان الوكيل يحترفها مهنة يكسب منها عيشه ، فالمفروض أن الوكالة التي تدخل في أعماق هذه المهنة تكون مأجورة ، فمن وكل محامياً يكون قد اتفق ضمناً مع الوكيل على إعطائه أجراً كما يجري به العرف ، ويغلب أن يكون أجر الوكيل مبلغاً من النقود ولكن لاشيء يمنع من أن يكون من غير النقود إذا اتفقا على أجر صراحةً أو ضمناً ، فيغلب أن الأجر مستحقاً للوكيل ولو لم ينجح في مهمته الموكل لها ، فهو يؤجر على ما بذل من جهد دون النظر إلى النتيجة إذ التزامه هو التزام ببذل عناية لا التزام بتحقيق غاية بيد أنه لا شيء يمنع من الإتفاق على أن يكون التزام الوكيل التزاماً بتحقيق غاية ، فالوكيل يستحق أجره وره ما تكبده من المصاريف في سبيل المهمة التي كلف بها بغض النظر عن النتائج طالما أن الوكيل لم يرتكب خطأ أدى إلى النتيجة السيئة.



الخلاف على الأجر:



في حال الخلاف على الأجر بين الموكل والوكيل بأن ادعى أحدهم بأن هناك غبناً في الأجر ، فرفع الأمر إلى القضاء المختص ، إذ أن :{أجور الوكيل خاضعة لتقدير القاضي ، و لو كانت متفقاً عليها و التقدير يكون بعد إنهاء العمل}.



و {لقاضي الموضوع الحق في تعديل أجر الوكالة المتفق عليها سواء بتخفيضه أو بزيادة عليه أو بالحد الذي يجعله مناسباً ، و على المحكمة إذا ما رأت تعديل الأجر بالزيادة أو بالنقصان أن تعرض في حكمها للظروف والمؤثرات التي أحاطت بالتعاقد و أدت إلى الخطأ في الإتفاق على مقابل غير مناسب}.



وعلى هذا يترتب :



1- أنه يجوز للقاضي إعادة الأجر إلى الحد المعقول لتصحيح ما وقع فيه المتعاقدين في تعيين مقدار الأجر سواء أكان بزيادة هذا المقدار إذا كان غير كاف ، أوبتخفيض هذا الأجر إذا كان مبالغاً فيه ، وطبعاً ذلك يتوقف على ما تبين بعد تنفيذ الوكالة من أهمية العمل الذي قام به الوكيل وما لقي فيه من صعوبات وما أدى إليه العمل من نتائج ، فإذا ظهر أن مقدار الأجر يزيد على قيمة العمل رفع القاضي هذا الغبن عن كاهل الموكل ، وإذا كان مقدار الأجر ينقص عن قيمة العمل رفع القاضي هذا الغبن عن كاهل الوكيل.

2- يمنع على القاضي أن يعدل مقدار الأجر سواء أكان بزيادة أو بالنقصان إذا رفع الموكل المتفق عليه طوعاً بعد تنفيذ الوكالة حتى ولو كان مقدار الأجر يزيد على قيمة العمل أو ينقص.



ومما تقدم يتضح أنه إذا كان أجر الوكيل لا يتناسب مع العمل الذي قام به بعد إنهاء العمل ، فإن قاضي الموضوع يستطيع بماله من سلطة تقديرية أن يرفع هذا الغبن عن المغبون ويعيد التوازن بين الموجبات مع ملاحظة أن الغبن هنا غير محدد برقم معين بل هو أمر متروك لاجتهاد القاضي وظروف كل قضية.



ومما تقدم من المباحث في الفصلين السابقين يتبين لنا حقيقة واضحة بأن الغبن قد غبن غبناً فاحشاً في التقنيات الوضعية سواء في القانون اللبناني أو في القانون المصري والسوري ، بينما نرى الغبن في فقه الشريعة الإسلامية باسط جناحيه في سماء الفقه الإسلامي ليكون نظرية متكاملة عادلة .



لذلك سوف نبحث في هذا المبحث ما يلي :

1-شروط الغبن في القانون الوضعي في ضوء الشريعة الإسلامية .

2-آثار الغبن في القانون الوضعي في ضوء الشريعة الإسلامية .

3-بعض تطبيقات الغبن في القانون الوضعي في ضوء الشريعة الإسلامية.







المطلب الأول

شروط الغبن في القانون الوضعي في ضوء الشريعة الإسلامية



احتفظت القوانين الوضعية الحديثة بمفعول الغبن وفق النظرية المادية بيد أنهم قصروها على بعض العقود والحالات فقط .

فالغبن وفقاً لهذه النظرية يعتبر عيباً في العقد ، وليس عيباً في الرضا ، فنحن لا ننظر إلى الحالة النفسية للعاقد المغبون ولا ننظر إلى ظروف العقد والعاقد بل ننظر إلى التوازن ما بين الإلتزامات ، فإذا كان هناك اختلال وفق درجة معينة كان يكون خارجاً عن العادة المألوفة كان هناك غبن .



فالغبن وفق النظرية المادية يتكون من عنصرين هما :



1 -قيمة الشيء : فالعبرة في الغبن بقمة الشيء بحد ذاته وفقاً لقانون العرض والطلب .

2-درجة الإختلال في التعادل : والغبن وفقاً لهذه النظرية رقم مرصود فالقوانين الوضعية حددته بنسبة مئوية في العقار كما فعل القانون المصري في المادة / 425/من القانون المدني .

أما عن شروط الغبن وفق النظرية الشخصية في القوانين الوضعية الحديثة فهو عيب في الإرادة ، وله ثلاث شروط هي :



1-الإختلال في الموجبات

2-أن يكون هناك استغلال لضعف معين في المتعاقد المغبون

3-أن يكون هذا الإستغلال هو الذي دفع المتعاقد إلى التعاقد ولولاه لما أبرم هذا العقد .

هذا في القانون الوضعي.

فنصوص الغبن وفق النظرية المادية محدودة المفعول والغبن وفق النظرية الشخصية أكثر اتساعاً وشمولاً بيد أنها قليلة المفعول والتطبيق لكثرة و تعقد شروطها وصعوبة إثباتها .

أما الغبن في فقه الشريعة الإسلامية، فحلوله فعالة لبساطة شروطه وسهولة إثباته ، فالحنابلة والحنفية والشافعية لم يشترطوا لتحقق الغبن الفعال إلا شرطين هما :

1-الغبن الفاحش ، وهذا الشرط سهل الإثبات جداً .

2-التغرير ، وهذا الشرط أيضاً لا يصعب إثباته في الشريعة الإسلامية

أما الظاهرية والمالكية ، والإباضية والجعفرية والزيدية فلم يشترطوا إلا شرطين هما:

1-الجهل بالقيمة : وهو سهل الإثبات .

2-الغبن الفاحش :وهو أيضاً سهل الإثبات جداً .

وهكذا لاحظنا أن فقهاء الشريعة الإسلامية افترقوا إلى رأيين ، رأي لا يعتد بالغبن الفاحش من دون أن يكون مقترناً بالتغرير ، ورأي لم يشترط اقتران الغبن بالتغرير ليكون العقد قابلاً للفسخ ، ولعل الرأي الأرفق والأوفق هو الرأي الذي يعتد بالغبن من دون أن يشترط اقترانه بالتغرير .

أما عن الإستغلال الموجود في النصوص التقنين الوضعي :

فالإستغلال في فقه الشريعة الإسلامية لا يعتبر مصدراً عاماً للإلتزام ، وإنما هناك تطبيقات كثيرة تشبه الإستغلال الموجود في الفقه الغربي ، بيد أن هذا لا يعني على الإطلاق تقرير نظرية عامة للإستغلا في الفقه الإسلامي ، ولا ضير في عدم معرفة الفقه الإسلامي للإستغلال كمصدر عام للإلتزام ، لأن لكل فقه منهجه الخاص به ، وأسلوبه في معالجة قضاياه ، والفقه الإسلامي قد عالج آثار الإستغلال ووسائله من خلال نظريات أخرى ولعل من أهمها نظرية الغبن التي كان لها تأثير فعال في مقاومة الغبن وأشكاله في السوق الإسلامية .





المطلب الثاني

آثار الغبن في القانون الوضعي على ضوء الفقه الإسلامي



إن آثار الغبن في القانون الوضعي له طبيعة معينة بحيث يعطي للمغبون الحق في إبطال العقد أو إنقاص إلتزاماته إلى الحد المعقول وفق تصور المتشرع الوضعي كما أن للغابن أن يتوقى الحكم بإبطال العقد إذا عرض زيادة التزاماته يرفع هذا الغبن .



قد أجاز القانون للمغبون أن يطلب فسخ العقد عند تحقق الشروط الثلاثة للإستغلال وللقاضي سلطة واسعة في تقدير هذا الطلب .



أما في فقه الشريعة الإسلامية فإننا نرى أن الفقه قد ملك المغبون سلطة فسخ العقد إذا أراد ذلك ودون أن يكون للقاضي سلطة عليه كأن يرغمه على إمضائه إذا أعاد الغابن إلى العقد توازنه ، فالشريعة الإسلامية احترمت الحرية إذا كانت غير مبنية على التعسف في استعمال الحق لذلك تركت للمغبون الحق في فسخ العقد أو إمضائه بحسب ما يرى وليس للقاضي سلطة عليه إلا إذا تعسف في استعمال حقه .



وقد أجاز القانون للمغبون أن يطلب إنقاص إلتزاماته إلى الحد المعقول وفق وجهة نظر المتشرع الوضعي ، فقد يرى المغبون دعوى الإبطال بيد أن القاضي قد يرى أن إنقاص الإلتزامات إلى الحد المعقول أقرب للعدالة ولمصلحة طرفي العقد .



أما الفقه الإسلامي فقد راعى الفطرة وحقق العدالة بين البشر فلم يجعل من سلطة القاضي سيفاً مسلطاً على رقاب المتداعين ، فالمغبون عندما يطلب فسخ العقد لا يستطيع القاضي أن يحكم إلا بما طلب المغبون عند تحقق شروط الغبن .

وإذا طلب إنقاص الإلتزامات ، فلا يستطيع أن يفسخ العقد إلا إذا كان العقد مخالفاً للقواعد الآمرة بالشريعة الإسلامية.



أما عن مدة الدعوى فإننا نلاحظ اتفاق القانون الوضعي مع فقه الشريعة الأإسلامية في جعل مدة سقوط الدعوى سنة ، وعندما تنتهي هذه السنة تصبح دعوى الغبن غير مقبولة لسرعة استقرار المعاملات .

المطلب الثالث

بعض تطبيقات الغبن في القانون الوضعي على ضوء الشريعة الإسلامية



في هذا المطلب سوف ألقي الضوء على شركة الأسد وعلى عقد الإذعان وعلى القسمة الإتفاقية وعقد الوكالة من خلال الشريعة الإسلامية .

لذلك سوف أفرع هذا المطلب إلى مايلي :



الفرع الأول : شركة الأسد في ضوء فقه الشريعة الإسلامية

الفرع الثاني : عقد الإذعان في ضوء فقه الشريعة الإسلامية

الفرع الثالث : القسمة الإتفاقية في ضوء فقه الشريعة الإسلامية

الفرع الرابع : عقد الوكالة في ضوء فقه الشريعة الإسلامية











الفرع الأول

شركة الأسد في ضوء فقه الشريعة الإسلامية



ذهبت القوانين الوضعية العربية { اللبنانية ، السورية ، المصرية } إلى بطلان الشركة المتضمنة شروط الأسد .

فهل هذا الحكم المتربع في القانون الوضعي صحيحاً في ضوء الشريعة الإسلامية ؟

المشكلة تتحدد أو تتعين في أن بطلان الشركة تلقائي وليس إرادي فيستطيع كل ذي مصلحة أن يتمسك بهذا البطلان كما يمكن أن يحكم به القاضي من تلقاء نفسه ، ولا ترد على هذه الشركة الإجازة ، ولا يسري في حقها التقادم .

فالشريعة الإسلامية حرم النجش { وفق ما رجحت } بيد أنها لم تجعل هذه الحرية المطلقة بحيث يسري هذا البطلان على العقد بل يستطيع كل ذي مصلحة طلب البطلان أو أن القاضي عليه أن يحكم بالبطلان ، فهذا الحكم في القانون غريب جداً .

فالشريعة الإسلامية جعلت الحرمة مطلقة في العيون النجسة كأن يعقد عقداً على توريد الخمور ، أو الخنازير ، أو اللحوم الميتة للمسلمين فهذا العقد باطل بطلاناً مطلقاً .

فهل الشركة التي تحتوي على شركة الأسد من تلك الأصناف التي حرمها الشارع الحكيم ؟ .


الشركة التي تحتويها شرط الأسد بها ظلم عظيم على الشركاء ، بيد أنهم هم من ارتضوا ذلك ، فإن كان رضاهم ، نتيجة إكراه فلم لا نطبق عليهم حكمه ، وإن كان نتيجة الغرر ، فلم لا نطبق عليهم حكم الغرر ، وإن كان نتيجة غبن فيتعين علينا أن نطبق عليهم أحكام الغبن .

أما أن نحكم ببطلان الشركة بل أن نجعل لكل ذي مصلحة أن يتمسك بهذا البطلان فهذا شيء عجيب فالبطلان يجب ألا يسري إلا على شرط الأسد فقط وتظل الشركة صحيحة ومعاملاتها صحيحة وشرط الأسد هو الباطل والشرط ، وليس ببطلان الشركة ، كما يجب على القاضي أن يحكم ببطلان شرط الأسد وليس ببطلان شركة الأسد حفاظاً على مصالح الشركاء والمتعاملين معهم .