بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

29 يوليو 2010

بحث كامل عن علم المواريث












الحمد لله ، قدَّر المواريث في كتابه ، فأعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّه . وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، فرض المواريث بعلمه ، وقسَّمها بين أهلها بحسب ما تقتضيه حكمته .?وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله ، أمر بتنفيذ المواريث وفق ما شرعه ربُّه . صلى الله?عليه وعلى آله وصحبه وحزبه .



وبعــد : فقد استعنتُ بالله تعالى على تأليف كتاب في علم الفرائض ، أتعرَّض فيه لأهمّ المباحث الفرضيَّة ، موضِّحاً ذلك بحلّ جملة من المسائل الحسابيّة?، مع التزامي بالاختصار ، والبُعد ـ ما أمكن ـ عن الأمور الخلافيَّة ، راجياً مولاي جلّ وعلا أن يتقبَّله بقبول حسن ، وأن ينفع به طلبة العلم ، وأن يجعله في موازين حسناتي يوم ألقاه . إنَّه بالإجابة جدير ، وكلّ مستصعبٍ عليه يسير .



وقد قسمته إلى مقدِّمات ، ومباحث .





المقدمات



أولاً ـ نبذة موجزة عن مشروعية الإرث في الإسلام



فرض الله جلّ وعلا المواريث بحكمته وعلمه ، وقسمها بين أهلها أحسن قسم وأتمَّه ؛ فجاءت آيات المواريث شاملةً لكلّ ما يُمكن وقوعه .



وكذا رسوله r بيَّن ما أُنزل إليه من ربِّه أتمَّ بيان ، وأمر بإلحاق الفرائض بأهلها ، سواء منهم الإناث والذكران .



وقد كان أهل الجاهلية في جاهليتهم لا يُورّثون النساء ولا الصبيان ، فأبطل الله حكمهم المبني على الجهل والطغيان ، وجعل الإناث يُشاركن الذكور بحسب ما تقتضيه حاجتهنّ ؛ فجعل للمرأة نصف ما للرجل من جنسها دون زيادة ولا نقصان ، ولم يحرمها كما فعل أهل الجاهلية ، ولا سوَّاها بالرجل كما فعل بعض من انحرف عن مقتضى العقل والفطرة السوية ؛ فقال عزّ من قائل : ) آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيُّهم أقرب لكم نفعاً فريضة من الله إنَّ الله كان عليماً حكيماً( [النساء : 11] ، وقال في آية أُخرى : ) وصيةً من الله والله عليم حليم * تلك حدود الله ومن يُطع الله ورسوله يُدخله جنَّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم * ومن يعص الله ورسوله ويتعدّ حدوده يُدخله ناراً خالداً فيها وله عذابٌ مهين ( [النساء : 12-14] ، وقال في آية ثالثة : ) يُبيِّن الله لكم أن تضلُّوا والله بكلّ شيءٍ عليمٌ( [النساء : 176] .

" فبيَّن الله تعالى أنَّه فرض المواريث بحسب علمه وما تقتضيه حكمته ، وأنَّ ذلك فرضٌ منه لازمٌ لا يحلّ تجاوزه ولا النقص منه ، ووعد من أطاعه في هذه الحدود وتمشّى فيها على ما حدَّه وفرضه جنَّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالداً فيها مع الذين أنعم الله عليهم من النبيِّين والصديقين والشهداء والصالحين ، وتوعَّد من خالفه وتعدَّى حدوده بأن يُدخله ناراً خالداً فيها وله عذابٌ مهينٌ . كما امتنّ بفضله علينا بالبيان التامّ حتى لا نضلّ ولا نهلك ، فلله الحمد رب العالمين " .



فالشريعة الإسلامية ـ إذاً ـ قد وضعت نظام التوريث على أحسن النظم المالية . والقرآن الكريم بيَّن أحكـام المواريث ، وأحوال كلّ وارث بياناً شاملاً شافياً ، لا يدع مجالاً لأحدٍ من البشر أن يقسم أو يُحدِّد شيئاً من ذلك .





ثانياً ـ حكمة مشروعية الإرث



الإنسان في هذه الحياة أكرم مخلوقاتها ، وهو مستخلف في الأرض ، ومحتاج إلى ما يضمن له بقاء هذا الاستخلاف .



والمال وسيلة لتحقيق ذلك ، يحتاج إليه الإنسان ما دام على قيد الحياة ، فإذا مات انقطعت حاجتـه ، فكـان من الضروري أن يخلفه في ماله مالكٌ جديدٌ . فلو جُعل ذلك المالك الجديد أولَ شخص يحوز المال ويستولي عليه ، لأدَّى هذا إلى التشاحن والتنازع بين الناس ، وتغدو الملكية حينها تابعة للقوة والبطش .



من أجـل ذلك جعلت الشريعة المالَ لأقارب الميت ، كي يطمئنّ الناس على مصير أموالهم ؛ إذ هم مجبولون على إيصال النفع لمن تربطهم بهم رابطة قوية من قرابة أو سبب .



فـإذا مات الشخص ، وترك مالاً ، فإنّ الإسلام يجعل هذا المال مقسَّماً على قرابته ؛ الأقرب فالأقرب ، ممن يُعتبر شخصه امتداداً في الوجود لشخص الميت ؛ كالأولاد ، والأب ، ومن يليهما في درجة القرابة .





الحكمة في تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث



قد يتساءل البعض عن الحكمة التي لأجلها يُعطى الذكر من الميراث أكثر ممّا تُعطاه الأنثى ، والجواب على هذا التساؤل يظهر بتأمّل وظيفة كلّ من الذكر والأنثى في الحياة ؛



(1)- فالذكر أحوج إلى المال من الأنثى ؛ إذ الرجال قوّامون على النساء ، والمرأة مكفيَّة المؤنة والحاجة ؛ فنفقتها واجبة على ابنها ، أو أبيها ، أو أخيها ، أو غيرهم من قرابتها . والقائم على غيره ، المنفِق مالِه عليه ، مترقِّبٌ للنقص دائماً ، ومكفيُّ المؤنة والحاجة يترقَّب الزيادة دائماً . والحكمة في إيثار مترقِّب النقص على مترقِّب الزيادة جبراً لنقصه المترقب ظاهرة جداً .



(2)- المرأة لا تُكلَّف بالإنفاق على أحد ، بخلاف الرجل ؛ فإنَّه مكلَّف بالإنفاق على الأهل والأقرباء وغيرهم ممَّن تجب عليه نفقتهم .



(3)- الرجل يدفع مهراً لزوجته ، ويُكلَّف بنفقة السكن ، والمطعم ، والملبس لزوجه وأولاده . وكذا أجور التعليم ، وتكاليف العلاج ، وثمن الدواء ، وغير ذلك ممَّا يدفعه الرجل دون المرأة .



فحين كانت النفقات عليه أكثر ، والالتزامات عليه أكبر ، استحق أن يكون نصيبه أكثر وأوفر .



وهكذا لا تجد المرأة نفسها في حاجة إلى المال في نظام الإسلام ؛ فما تأخذه من نصيبها في الميراث ، ومهرها من الزوج ، يكون مالاً محفوظاً لا يتعرَّض للنقصان .



ولذا كان من الطبيعي أن تأخذ نصف نصيب الرجل . بل إنّ في إعطائها هذه النسبة ـ وهي لا تكلَّف بتكاليف مادية ـ محاباة لها على الرجل ، يقصد الإسلام من وراء ذلك إكرامها ، وإعزازها ، وصيانتها من الفاقة والحرمان .





ثالثاً ـ بيان الأسس الشرعية التي يقوم عليها فقه المواريث ،وتميُّز الإسلام عن غيره في ذلك



يقوم نظام الإرث في الشريعة الإسلامية ، على مجموعة من الأسس ، يتميَّز بها عن سائر الأنظمة الأخرى . ومن هذه الأسس :



(1)- وقف الإسلام موقفاً وسطاً بين الاشتراكية الشيوعيّة ، وبين الرأسماليّة والمذاهب التي تقول بالحرية الشخصيَّة في التملك ؛ فالاشتراكية الشيوعية ـ كما وضعها كارل ماركس ـ تُنكر مبدأ الإرث وتعتبره ظلماً يتنافى مع مبادئ العدالة ؛ فلا تُعطي أبناء الميت وأقرباءه شيئاً مطلقاً ؛ والرأسمالية وما يُشابهها من المذاهب الاقتصادية تترك مطلق الحرية للمورِّث في التصرف بماله كيف شاء ؛ فله أن يحرم أقرباءه كلَّهم من ميراثه ، ويُوصي به إلى غريب ؛ من صديق أو خادم . وكثيراً ما يُوصي الرجل أو المرأة ـ في المجتمعات الغربية ـ بكلّ ثرواتهم أو بعضها لكلبٍ ، أو قطةٍ ، أو ما أشبه ذلك من الوصايا العجيبة الغريبة .



(2)- الإرث في النظام الإسلاميّ واجبٌ بالنسبة إلى الوارث والمورِّث ؛ فلا يملك المورث أن يمنع أحد ورثته من الإرث . وكذا الوارث يملك نصيبه جبراً من غير اختيارٍ منه ، ولا حكمٍ من قاض ؛ فليس له أن يردّ إرثه ، أو شيئاً منه .



بينما نجد الأنظمة الأخرى لا تُوجب شيئاً من ذلك . بل نجد القانون الفرنسي لا يُثبت الإرث إلاَّ بعد حكم القضاء ؛ فهو اختياريّ عندهم لا إجباريّ .



(3)- النظام الإسلاميّ جعل الميراث في دائرة الأسرة لا يتعدَّاها ؛ فلا بُدّ من نسبٍ صحيحٍ ، أو زوجية ـ والولاء يُشبه صلة النسب ، فكان ملحقاً به ـ . وبذلك لا يرث الولد المتبنَّى، ولا ولد الزنى ، ولا المولود من نكاح باطل أو فاسد. وفي دائرة الأسرة يُفضِّل الإسلام الأقربَ فالأقربَ إلى المتوفّى؛ ممن يُعتبر شخصه امتداداً في الوجود لشخص الميت؛ كالأولاد والأب ومن يليهما في درجة القرابة .



بينما نجد الحال في الأنظمة الأخرى مخالفاً للنظام الإسلامي تماماً ؛



فعنـد اليهود يرث الأولاد الذكور ، ويُعطى للولد البكر نصيب اثنين من إخوته ، دون تفريق بين المولود من نكاح صحيح ، أو غير صحيح . ولا يُحرم الولد البكر من نصيبه بسبب كونه من نكاح غير شرعيّ .



وفي الأنظمة الغربية يمكن للغريب ؛ من صديق ، أو خادم أن يرث ، ويمكن للولد اللقيط ، وولد الزنى أن يرث ، بل يرث عندهم من لا علاقةَ قرابة له بالميت ، بل وحتى الحيوانات كما قدَّمنا .



ذكر الدكتور مصطفى السباعي ـ رحمه الله ـ أنّ أحد الأثرياء في إحدى الدول الغربية كتب في وصيته التي قُرئت بعد موته : أنه ترك كلّ أملاكه ؛ وهي منزل ريفي كامل ، وعقار ، ومكتبه الخاص ، وسيارته ، وخمسين ألف جنيه في البنوك، لسكرتيرته الحسناء، ولم يترك لزوجته قرشاً واحداً، وقال في تلك الوصية : إني لم أترك لزوجتي شيئاً ؛ لأنها كانت سبب شقائي وآلامي المستمرة ، ولا تستحق إلا الفقر والموت ، وإنني أترك كل أموالي لسكرتيرتي التي أحببتها ، وأخلصت لها ، وإليها يرجع الفضل في التغلُّب على نكد زوجتي .



(4)- النظام الإسلامي قدَّر نصيب الوارثين ـ عدا العصبات ـ بالفروض ؛ كالربع ، والثمن ، والسدس ، والنصف ، والثلث ، والثلثان . ولا مثيل لهذا في سائر الأنظمة والشرائع القديمة والحديثة .



(5)- إنَّ توزيع الإرث بالسهام المقدَّرة يؤدّي إلى تفتيت الثروة وتوزيعها ؛ فلا يبقى المال دولةً بين الأغنياء . بخلاف بقية الأنظمة التي تحصر الثروة في شخص واحد قد لا يمتّ للميت بصلة ، وتحرم أقرباءه من أقلّ حقوقهم .



(6)- جعل النظام الإسلاميّ للولد الصغير نصيباً من ميراث أبيه يُساوي نصيب أخيه الكبير ؛ فلم يُفرِّق بين الحمل في بطن أمه ، وبين الولد الكبير في العائلة الكبيرة . كما أنَّ النظام الإسلامي لم يُفرِّق بين الولد البكر وغيره من الأولاد ـ كما هو واقع الحال في شريعة اليهود المحرّفة ، وفي القانون البريطاني ـ ؛ وذلك لأنّ الصغار قد يكونون أحوج إلى مال يصون معيشتهم من إخوانهم الكبار الذين عملوا وجمعوا لأنفسهم ثروة خاصة بهم ، مستقلة عن ثروة أبيهم .



فالولد البكر عند اليهود يأخذ نصيب اثنين من إخوته .



ولقد كان العرب في الجاهلية قبل الإسلام يمنعون الصغير من الذكور ـ فضلاً عن الإناث ـ من إرث أبيه ، ويقولون : لا يُعطى إلا من قاتل ، وحاز الغنيمة .



(7)- جعل النظام الإسلامي للمرأة نصيباً من الإرث ؛ فالأم ، والزوجة ، والبنت ، وبنت الابن ، والأخت ، وأمثالهنّ ، لهنّ نصيبٌ من مال الميت يضمن لهنّ حياة كريمة خالية من هوان الفاقة ، ومذلَّة الفقر .



بخلاف بعض الأنظمة التي حرمت المرأة من ذلك تماماً ؛



فالقانون الفرنسيّ حرم الزوجة من الميراث ، ولم يُعطها شيئاً من ذلك .



والمرأة ـ أماً كانت ، أو زوجة ، أو بنتاً ـ قبل أن تبزغ شمس الإسلام كانت لا تُعطى شيئاً من الإرث، بحجة أنها لا تقاتل، ولا تدافع عن حمى العشيرة . وكـان العـربي يقول : "كيف نعطي المال من لا يركب فرساً ، ولا يحمـل سيفاً، ولا يقاتل عدواً"؛ فكانوا يمنعونهـا من الإرث ، كما يمنعون الوليد الصغير .



وكذا اليهود يُعطى الميراث عندهم للولد الذكر ، فإذا تعدّد الذكور ، كان للولد البكر نصيب اثنين من إخوته . وأما الأنثى فلا ميراث لها عندهم .



(- جعل النظام الإسلامي الحاجة أساسَ التفاضل في الميراث ؛ فأبناء الميت أحوج إلى ماله من أبيه ؛ لأنَّ مطالب الحياة قد لا ترهق جدّهم ، كما ترهقهم وهم شباب في مقتبل أعمارهم .



وكذا مطالب الابن الذكر في الحياة ، وفي نظام الإسلام نفسه أكثر من مطالب أخته ؛ فهو الذي يُكلَّف بإعالة نفسه متى بلغ سنّ الرشد ، وهو المكلَّف بدفع المهر لزوجته ، وبنفقة الزوجية ، ونفقة الأولاد ؛ من تعليم ، وتطبيب ، وكساء ، وغير ذلك . ثمّ هو المكلَّف بإعالة أبيه أو أقربائه إذا كانوا فقراء . أمَّــا البنت فلا تكلَّف بشيءٍ من ذلك ؛ فنفقتها على أبيها ما دامت في بيتـه ، ثمّ إذا انتقلت إلى بيت الزوجية كانت نفقتها على زوجها . فإذا فارقت الزوج بطلاق أو موت ، انتقل واجب الإنفاق عليها إلى أبيها ، ثمّ إلى من بعده ، بحسب الترتيب الوارد في نظام النفقات .





رابعاً ـ التعريف بعلم الفرائض والمواريث



الفرائض : جمع فريضة ؛ وهي مأخوذة من الفرض الذي له عدة معان لغوية ؛



منها : التقدير ؛ كما في قوله تعالى : ) وقد فرضتم لهنّ فريضة فنصف ما فرضتم( [البقرة : 137] ؛ أي قدَّرتم .



ومنها : التبيين ؛ كما في قوله تعالى : ) قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم( [التحريم : 2] ؛ أي بيَّن .



ومنها : التنزيل ؛ كما في قوله تعالى : ) إنّ الذي فرض عليك القرآن لرادّك إلى معاد( [القصص : 85] .



ومنها الإحلال ؛ كما في قوله سبحانه : ) ما كان على النبيّ من حرجٍ فيما فرض الله له( [الأحزاب : 38] .



وهـذه المعاني اللغوية كلّها موجودة في الميراث ؛ لأنّ سهام الوارثين فيه مقدَّرة ، قد بيَّنها الله تعالى ، وأنزلها في كتابه ، وأحلَّها للوارثين .



والمواريث : جمع ميراث .



ولفظ ميراث في اللغة مصدر من : وَرِثَ يَرِثُ إِرْثاً وميراثاً .



وهويطلق في اللغة على معنيين ؛ أحدهما : البقاء . ومنه اسم الله تعالى "الوارث" ؛ فإنّ معناه الباقي بعد فناء خلقه .



والمعنى الثاني : انتقـال الشـيء من شخصٍ إلى شخصٍ آخر ، أو من قومٍ إلى قومٍ آخرين ، حسياً كان ؛ كانتقــال المال إلى وارث موجود حقيقة ، أو حكماً ـ كانتقـالـه إلى الحمل قبل ولادتـه ـ ؛ أو معنـويـاً ؛ كانتقال العلم والخلق . ومن ذلك قوله r : "العلماء ورثة الأنبياء" .



فهو أعمّ من أن يكون بالمال ، أو بالعلم ، أو بالمجد والشرف .



والمراد بعلم الفرائض ، أو علم المواريث في الشريعة الإسلامية :



التركة التي خلَّفها الميت وورَّثَهــا غيرَه .



أو استحقاق الإنسان لشيء بعد موت مالكه بسبب مخصوص وشروط مخصوصة .



أو انتقال الملكية من الميت إلى ورثته الأحياء ، سواء كان المتروك مالاً ، أو عقاراً ، أو نحوه .



والميت : مورِّث . وذاك الغير : وارث . والتركة : موروثة .



وعلم المواريث : هو علمٌ بقواعد فقهية وحسابية ، يُتوصَّل بها إلى معرفة الحقوق المتعلقة بالتركة ، ونصيب كل وارث منها . وهو علمٌ مستمدٌ من الكتاب والسنة والإجماع .





خامساً ـ أهمية علم الفرائض ومكانته في الإسلام



لعلم الفرائض مكانةٌ خاصَّةٌ في الإسلام ؛ لما له من علاقة ظاهرة بكل فردٍ في المجتمع .



ومما يدلّك على أهميته من كتاب الله تعالى : أنّ الله عزّ وجلّ تولّى تقدير الفرائض بنفسه ، ولم يُفوَّض ذلك إلى أحدٍ من خلقه ، ووعد من أطاعه في هذه الحدود وتمشّى فيها على ما حدَّه وفرضه جنَّاتٍ تجري من تحتها الأنهار ، وتوعَّد من خالفه وتعدَّى حدوده بأن يُدخله ناراً خالداً فيها وله عذابٌ مهينٌ .



وكذا جاءت السنة المطهرة شارحة لأحكام الميراث ، ومبينة لفضله ؛ فقال r : "ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر" .



ولقد رغَّب النبيّ r في تعلّم هذا العلم الشريف وتعليمه ؛ كيلا يجهل النّاس نظاماً شديد الصلة بحياتهم العائلية ، وعلائقهم المالية .



فقد أخرج الإمام الترمذي في سننه من حديث أبي هريرة t قال : قال رسول الله r : "تعلَّموا القرآن والفرائض وعلِّموا النَّاس فإنِّي مقبوض" .



وأخرج الإمام ابن ماجه عن أبي هريرة نحوه ، وفيه قوله r : "يا أبا هريرة تعلَّموا الفرائض وعلِّموها فإنه نصف العلم وهو يُنسى، وهو أول شيء يُنزع من أمَّتي" .



وأخرج الإمامان أبو داود ، وابن ماجه في السنن من حديث عبدالله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما أنه قال : قال رسول الله r : "العلم ثلاثة ، وما سوى ذلك فضل : آية محكمة ، أو سنة قائمة ، أو فريضة عادلة" .



وأخرج الإمام الدارمي في سننه من حديث عبدالله بن مَسْعُودٍ قال : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ وَالْعِلْمُ سَيُقْبَضُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ حَتَّى يَخْتَلِفَ اثْنَانِ فِي فَرِيضَةٍ لا يَجِدَانِ أَحَدًا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا" .



ولعلّ من الحكمة في الحثّ على تعلّمه : ما أشار إليه النبيّ r من كونـه يُنسى ؛ إذ هو علمٌ توقيفيّ ، لا مجال للرأي فيه ، فلا بُدّ من أخذه على طريق التلقي .



ولقد اهتمّ سلفُنا الصالح رحمهم الله تعالى بهذا العلم ، وحضُّوا على دراسته وتعلّمه :



فهذا الفاروق عمر t يحثّ على تعلّم هذا العلم بقوله : "تعلَّموا الفرائض فإنَّها من دينكم"



، وبقوله : "تعلَّموا الفرائض واللَّحْنَ والسُّنَن كما تعلَّمون القرآن" .



وكذا حثَّ على تعلّمها عبدالله بن مسعود t بقوله : "تعلَّموا الفرائض والطلاق والحجَّ فإنَّه من دينكم" ، وبقوله : "تعلَّموا القرآن والفرائض ؛ فإنَّه يُوشِك أن يفتقر الرجلُ إلى علمٍ كان يعلمه ، أو يبقى في قومٍ لا يعلمون" ، وبقوله : "من قرأ القرآن فليتعلَّم الفرائض ، فإن لقيه أعرابي قال : يا مهاجر أتقرأ القرآن . فإن قال نعم ، قال : تفرض . فإن قال نعم ، فهو زيادة وخير ، وإن قال لا ، قال : فما فضلك عليَّ يا مهاجر" .



وكذا أبو موسى الأشعري t حثَّ كما حثَّ غيره من الصحابة على تعلّم الفرائض، وشبَّه من علم القرآن ولم يعلم الفرائض بالبرنس الذي لاوجه له ؛ فقال: "من علم القرآن ولم يعلم الفرائض فإنّ مثله مثل البرنس لا وجه له ، أو ليس له وجه" .



وهذا الحثّ والحضّ على تعلّم الفرائض ، كان ديدن السلف رحمهم الله تعالى جميعاً ؛ فقد أخبر عنهم شيخ التابعين الإمام الحسن البصري رحمه الله أنَّهم "كانوا يُرغبون في تعليم القرآن والفرائض والمناسك" .



وهذا يدلّك على أهمية هذا العلم الشريف ومكانته .



وقـد اشتهر من علماء الصحابة بالفرائض عددٌ كثيرٌ ، منهم : زيد بن ثابت ، وعبدالله بن مسعود ، وعبدالله بن عبَّاس ، وعائشة ، وعثمانy .



وكان المبرّز في هذا العلم منهم : زيد بن ثابت t ، الذي شهد له رسول الله r بذلك بقوله : "أرحم أمتي أبو بكر ، وأشدها في دين الله عمر ، وأصدقها حياء عثمان ، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، وأقرؤها لكتاب الله أُبَيّ ، وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت ، ولكل أمة أمين ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح" ؛ فقد أخبر عليه الصلاة والسلام أنّ زيداً t أعلم أمته بالفرائض .



وكذا كانت الصديقة بنت الصديق ؛ عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عالمةً بالفرائض ؛ فقد سئل الإمام التابعي مسروق : أكانت عائشة تُحسن الفرائض ، فأجاب : "والذي لا إله غيره ، لقد رأيت الأكابر من أصحاب محمدٍ r يسألونها عن الفرائض" .



وجاء الفقهاء من بعد عصر الصحابة ، وأولوا هذا العلم عناية فائقة ، بدت عند تدوين الفقه الإسلامي ؛ إذ كان باب المواريث من أهم أبوابه وأدق مباحثه . وقد أفرده كثير من المصنفين بمؤلفات مستقلة ، وجعلوه علماً مستقلاً ، وسموه "علم الميراث" ، و"علم الفرائض" ، وسمّوا العالم به : "فرضياً"

سادساً : مبادئ علم الفرائض العشرة



من المبادئ العشرة التي ينبغي لكلّ من أراد الشروع في علم من العلوم أن يعرفها ، هي : حدّ هذا العلم ، وموضوعه ، وثمرته ، ونسبته إلى غيره ، وواضعه ، واسمه ، واستمداده ، وحكمه ، ومسائله ، وفضله .



فحدّ هذا العلم ـ أي تعريفه ـ قد تقدَّم .



وموضوعه هو : التركات . وثمرته : إيصال ذوي الحقوق حقوقَهم .



ونسبته إلى غيره : كونه من العلوم الشرعية .



وفضله : قد تقدَّم في معرض الحديث عن مكانته .



وواضعه : هو الله سبحانه وتعالى .



واسمه : علم الفرائض ، أو علم المواريث .



وحكمه : تعلمه فرض كفاية ، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين ، وإن لم يقوموا به أثموا جميعاً .



ومسائله : ما يُذكر في كل باب من أبوابه من تفاصيل المواريث .



ومصادره : الكتاب ، والسنة ، والإجماع .





مصادر علم الفرائض



يستمد علم الفرائض قواعده من ثلاثة مصادر رئيسية :



(1)- القرآن الكريم . ومنه أُخذت أكثر أحكام المواريث ؛ كأحكام الزوج ، والزوجة ، والأب ، والأم ، والبنت ، وغيرهم .



(2)- السنة النبوية . ومنها أُخـذ العديد من أحكام المواريث ؛ كإرث أم الأم ، والأخوات مع البنات ، وغير ذلك .



(3)- الإجماع . كما في توريث أم الأب باجتهاد الفاروق عمر t ، وموافقة الصحابة ، وعليه إجماع المسلمين .



س : هل القياس مصدر من مصادر علم الفرائض ؟



ج : ليس القياس مصدراً من مصادر علم الفرائض . ولم يثبت شيء من أنصباء الورثة بالقياس ؛ لأنه لا مجال للقياس في الأشياء التقديرية ؛ لخفاء وجه الحكمة ـ أحياناً ـ في التخصيص بمقدار دون آخر .





بيان الحقوق المتعلقة بالتركة



سبق أن ذكرنا أنَّ موضوع علم الفرائض ، هي التركة نفسها (جميع ما يتركه الميت) ؛ من حيث تقسيمها ، وتوزيعها .



ولكن ثمَّة حقوق متعلقة بهذه التركة ، لا بُدّ من مراعاتها .



فما هي هذه الحقوق ؟





الأمور المتعلقة بالتركة



الإرث وتوزيعه الوصية الحقوق التي على الميت التجهيز والدفن



حقوق في الذمَّة حقوق عينية



حق للعباد حق لله









الأمور المتعلقة بالتركة :



يتعلَّق بالتركة خمسة حقوق ، لا تنتقل التركة إلى الوارث بدونها ، هي :



(1)- التجهيز : أو ما يُعرف بـ"مؤن التجهيز" ؛ وهي عبارة عن فعل ما يحتاج إليه الميت من وقت وفاته إلى حين دفنه ؛ من نفقات غسله ، وحنوطه ، وكفنه ، وأجور حمَّال ، وحفر قبره ، ونقله من بلد إلى بلد (إذا أوصى بذلك) ، وأجور دفنه ، وكلّ ما يلزم إلى أن يُوضع في قبره .



وكلّ تكاليف الدفن تؤخذ من التركة إن لم يتبرّع واحدٌ بالدفع .



(2)- الحقوق التي على الميت : وهي تنقسم إلى قسمين :



أ ـ حقوق عينيَّة (متعلقة بعين التركة) : مثل : بيت مرهون ، أو عبد جنى جنايةً ( قتل ـ مثلاً ـ ، فعليه دية) ، أو بقرة قد أفسدت زرعاً . وهذه الحقوق يجب سدادها قبل التي في الذمّة ـ بالاتفاق ـ ؛ لأنَّها تمنـع التصرُّف في التركة ، فتكون الملكية ضعيفة . فلا بُدّ من فكّ الحجز ، ودفع الحقوق المتعلقة بعين التركة أولاً .



ب ـ حقوق في الذمَّة : وهي تنقسم إلى قسمين :



= حق لله : كأن يكون عليه زكاة في ماله لم يدفعها ، أو عليه كفَّارات ، أو نذر أن يحجّ ، .. إلخ .



= حقّ للعباد : كالديون التي عليه لعباد الله .



ويجب أن لا يكون هناك دينٌ بستغرق التركة كلها ، فإن وجد دينٌ يستغرق كلّ التركة ، فلا مُلْكيَّة خَلَفيَّة .



س : هل حقّ الله مقدَّمٌ على حقّ العباد في السداد ، أم الأمر على العكس ؟



ج : اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :



<أ>= الحنفيَّة قالوا : الكفارات جميعها لله سبحانه ، والميت ليس مطالباً بإخراجها ، ولا الورثة . بل هي عبادة محضة تسقط بالموت ، والميت آثمٌ بعدم إخراجها .



<ب>= الشافعية قالوا : أوّل ما يجب أداؤه من الحقوق بعد المتعلق بعين التركة : حقّ الله تعالى ، ثمّ حقّ العباد .



قالوا : والسبب : لأنّ حق الله تعالى ليس له مطالب ، وحقوق العباد لها مطالِب ، ورسول الله r يقول : "اقضُوا الله الذي له ، فالله أحقّ بالوفاء" .



<ج>= بعض المالكية قـالـوا : نبدأ بحق العباد ؛ لأنّ حقوق الله مبنيَّة على العفو ، ولأنّ الله تعالى في الآخرة يُطالب بحقوق العباد قبل المطالبة بحقوقه ؛ ولأنّ المرء مرتهنٌ ومعلَّق بدَيْنِهِ كما أخبر رسول الله r ؛ فقد جيء بجنازة ليُصلِّي عليها، فسأل : "أعليه دين ؟" فلما أجابوه بنعم، قال : "صلُّوا على صاحبكم" ؛ فقـد سأل عن حق العباد . أما حقّ الله تعالى فإنَّه معرَّض للعفو بالتوبة ، بخلاف حقوق العباد .



<د>= الحنابلة قالوا : حقوق العباد ، وحقوق الله متماثلة ، لا يُقدَّم أحدها على الآخر .





(3)- الوصيَّة :



س : لـم كان أداء الديون المستحقة ـ في التركة ـ مقدَّماً على الوصية ، مع أنَّ الله سبحانه وتعالى قد قدَّم الوصية على الـدَّيْـن في القـرآن الكريم ؛ فقال جلّ وعلا : ) من بعد وصيَّة توصون بها أو دين ( [النساء : 12] ، وقال سبحانه وتعالى : ) من بعد وصيَّة يُوْصَى بها أو دين ( [النساء : 12] .



ج : ظـاهــر الآية الكريمة يدلّ على أنّ الوصيَّة مقدَّمة على الدين ، مع أنّ الأمر بالعكس (الدين مقدّم على الوصية) ، فتُقضى ديون الميت أولاً ، ثمَّ تُنفَّذ وصيّته .



وهذا قضــاء رســول الله r وحكمـه ؛ فقـــــد أخبر عنه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب t بـذلك ، فقــال : إنَّكـم تقرؤون هذه الآية : ) من بعد وصيَّة توصون بها أو دين ( ، وإنّ رسول الله r قضى بالدين قبل الوصيّة .



والحكمة من تقديم الوصية على الدين في الآية ـ والله أعلم ـ أنّ الديون حقّ ثابت في ذمَّة المدين قبل الوفاة وبعدها ، ولها مطالِب ؛ إذ لصاحب الحقّ مقـال ؛ ـ كما أخبر رسولنا r ـ . أمَّا الوصيَّة فهي تبرّع محض وبرّ وصلة ، وليس لها مطالِب . فلئلا يتهاون الناس في أمرها ، قدّمها الله تعالى في الذكر ، منبِّهاً على وجوب العناية بها كالعناية بالدين .



س : هل الوصية تحتاج إلى إذن الورثة ؟



ج : لا تحتاج الوصيّة إلى إذن الورثة إذا كانت بالثلث فأقل (لغير وارث) . فإذا زادت عن الثلث (لغير وارث) ، أو كان الموصى إليه وارثاً (سواء كانت الوصية بالثلث ، أو بأقل ، أو أكثر) ، فلا بُدّ من رضى الورثة جميعــاً وإذنهم ؛ إذ عدم الإذن وعدم الرضا يضرّ بالورثة ـ ورضاهم إنّما يُعتبر بعد بلوغهم ـ . وإذا لم يرض أحد الورثة ، ورضي الباقون ، فإنّ ذاك الذي لم يرض يأخذ حقَّه كاملاً من الإرث ، ويُنقص من حقوق الباقين ـ الذي رضوا ـ بمقدار ما يُغطي ما أوصى به الميت لذلك الوارث .



إذاً : يُشترط في الوصية إن كانت لغير وارث أن تكون في الثلث ، أو دونه . فإن زادت عن الثلث اشترط إذن الورثة .



ويُشترط في الوصيَّة إن كانت لوارث : إذن الورثة ، ورضاهم جميعاً .





(5)- الإرث :



بعد أن تُسدَّد الحقوق الأربعة السابقة من التركة ، يوزَّع الباقي ـ وهو الإرث ـ على الورثة بحسب أنصبائهم الشرعيَّة .



والكلام على الإرث يتضمَّن بيان أركانه ، وأسبابه ، وشروطه ، والموانع التي تمنعه ، وأنواعه ، وتفصيل كلّ نوع ، والمستحقين ، ونصيب كلّ واحـد من هؤلاء . وهو ما سنفصله إن شاء في المباحث الآتية .



ولنبدأ أولاً بأركان الإرث .





أركـان الإرث





الركن في اللغة : جانب الشيء الأقوى . يُقال : ركنتُ إلى فلان ، إذا اعتمدت عليه .



وهو في الاصطلاح : جزء ماهية الشيء ، أو ما لا يُتصوّر الشيء بدونه ؛ فالركوع في الصلاة ركنٌ ؛ لأنَّه جزءٌ منها ، ولا توجد الصلاة إلا به .



وللإرث أركان ثلاثة ، لا يُتصوّر الإرث بدونها ، فإذا انعدم واحدٌ منها ، انعدم الإرث .



(1)- المورِّث : وهو الذي يستحق غيره أن يرث منه ، وتحقق موته ؛ سواء أكان موته حقيقة (بأن عُدِمت حياته بالفعل) ، أو حكماً (كأن يحكم القاضي بموته ، مع احتمال حياته ؛ كالمفقود) ، أو تقديراً (كالجنين الذي ينفصل عن أمه ميتاً بجناية عليها) ، أو مع تيقن حياته (كالمرتد الذي لحق بدار الحرب) .



(2)- الوارث : وهو الذي يرتبط بالمورِّث بسبب من أسباب الإرث ؛ كالزوجيّة ، أو القرابة النسبيَّة ، وتحقَّقت حياته بعد موت المورِّث ، ولو للحظة ، مع استحقاقه الإرث .



(3)- الحق الموروث : وهو ما يتركه الميت بعد تجهيزه ، وسداد ديونه ، وتنفيذ وصاياه ؛ من أموال وحقوق تُستحقّ بالإرث .





شروط الإرث



الشرط في اللغة : العلامة اللازمة ، الدالَّة على الشيء ، المميِّزة له عن غيره . ومنه : أشراط الساعة ؛ أي علاماتها الدالَّة عليها . وسُمِّي الشُرَط بذلك ؛ لأنَّهم ذوو علامة يُعرفون بها .



والشرط في الاصطلاح : ما يلزم من عدمه العدم ، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته . مثل الطهارة شرط لصحة الصلاة ، والاستطاعة شرط لوجوب الحج ، والعقل شرط لصحة العبادة ووجوبها .



وفي الإرث : حياة الوارث مثلاً شرط لاستحقاق الإرث ، فإذا انعدمت حياته انعدم الاستحقاق ، ولا يلزم من وجود تلك الحياة وجود الاستحقاق ، لاحتمال وجود مانع يمنع من ذلك .



فلا يكفي في ثبوت الإرث مجرّد وجود سببه ، بل لا بُدّ من توفّر شروط الاستحقاق .



وللإرث شروط ثلاثة :



(1)- وفاة المورِّث تحقيقاً (وذلك بمشاهدة ، أو بشهادة عدلين) ، أو حكماً (يحكم القاضي بموته . ومثاله المفقـود) ، أو تقديراً (كانفصال الجنين عن أمه ميتاً بسبب الاعتداء عليها ؛ فيُقدَّر أنَّه كان حيّاً في بطن أمِّه ، ثمّ يُقدَّر بعد ذلك أنَّه مات بعد حياة) ؛ وذلك لحكمه r بغُرَّة (عبد أو أمة) دية للجنين .



أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَضَى فِي امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ اقْتَتَلَتَا فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ فَأَصَابَ بَطْنَهَا وَهِيَ حَامِلٌ فَقَتَلَتْ وَلَدَهَا الَّذِي فِي بَطْنِهَا فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ r فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ مَا فِي بَطْنِهَا غُرَّةٌ ؛ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ . فَقَالَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ الَّتِي غَرِمَتْ : كَيْفَ أَغْرَمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لا شَرِبَ وَلا أَكَلَ ولا نَطَقَ ولا اسْتَهَلَّ فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ . فَقَالَ النَّبِيُّ r : "إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ" .



وهذه الدية تورّث ، وورثة الجنين لا يرثوا ديته إلا إذا قدَّرنا أنَّه كان حياً ، ثمّ جُنِيَ على أمه بجناية ، فخرج ميتاً .



(2)- حـيـاة الـوارث تحقيقاً (بأن يُشاهد ، أو تقوم البيِّنة الشرعية على حياته بشهادة شاهدين عدلين لمن لم يكن حاضراً) ، أو حكماً (كالحمل في بطن أمّه ، يُحكم بحياته) ؛ إذ الحمل يرث بشرطين اثنين ؛ أحدهما : تحقق وجوده في بطن أمه عند موت مورِّثه ولو نطفة . والثاني : خروجه من بطن أمِّه حيَّاً بحياة مستقرة ، يحكم الحاكم أنه كان حياً ، فيورِّثه .



(3)- العلم بالجهة المقتضية للإرث ؛ أي نعلم نسب الوارث ، وصلته بالمورِّث ؛ (من زوجية ، أو ولاء ، أو نسب) ، مع تعيين الدرجة التي اجتمعـا (المورِّث والـوارث) فيهــا (هـل هـي : بنوّة ، أو أُبـوّة ، أو أُخــوّة ـ هل هو أخ شـقيق ، أو أخ لأب ، أو أخ لأم ـ ، أو عمومة ، أو أُمومة ، … إلخ) .





أسباب الميراث



السبب في اللغة : ما يُتوصَّل به إلى غيره ، حسيَّاً كان أو معنوياً .



فمثال الســبب الحســيّ : قـولـه تعالى : ) من كان يظنّ أن لن ينصره الله في الـدنـيــــا والآخرة فليمـــــدد بســــــبب إلى الســماء ثمّ ليقطع فلينظر هل يُذهبنَّ كيده ما يغيظ ( [الحج : 15] ؛ أي فليمدد بحبل .



ومثال السبب المعنوي قوله تعالى عن ذي القرنين وآتيناه من كلِّ شيء سبباً ( [الكهف : 84] ؛ أي آتيناه من كلّ شيء علماً ، أو طريقاً يوصله إليه .



وفي الاصطلاح : ما يلزم من وجوده الوجود ، ومن عدمه العدم لذاته .



مثال على الإرث : الزوجية سبب من أسباب الإرث ، وهي أمرٌ خارج عن حقيقة الإرث ، ومع ذلك فقد ربط الشارع الإرث بها وجوداً وعدماً ؛ فإذا وجدت الزوجية وجد الإرث بعد توفر الشروط ، وانتفاء الموانع . وإذا انعدمت الزوجية ، فلا إرث .



وأسباب الإرث تنقسم إلى قسمين :



قسمٌ متفق عليه ؛ وهي ثلاثة : نكاح ، وولاء ، ونسب ، وقسمٌ مختلفٌ فيه ؛ وهو بيت المال ؛ إذ هو سبب رابع عند الإمام مالك .



أسباب الميراث



سبب عام مختلف فيه , أسباب خاصة متفق عليها



بيت مال المسلمين , النسب , الولاء , النكاح





أولاً ـ السبب الأول : النكاح :



النكاح في اللغة هو : الضمّ .



يُقال : تناكحت الأشجار ؛ إذا انضمّ بعضُها إلى بعض .



وشرعاً : هو عقد الزوجية الصحيح ، وإن لم يحصل فيه خلوة ، أو وطء .



والزوجية : هي علاقة بين الرجل والمرأة نشأت نتيجة عقد زواج صحيح قائم بينهما حقيقة ، أو حكماً (كما في المعتدة) .



فقـولـنـا : "عقد" ، يخرج به وطء الشبهة ؛ لأنّ الولد لا يرث ، وإن لحق بأبيه .



وقـولـنـا : "زواج صحيح" ؛ للاحتراز عن النكاح الفاسد (وهو النكاح الذي اختلّ شرطه) ؛ مثل نكاح زوجة الأب ، نكاح المتعة ، نكاح الشغار ، نكاح التحليل ، نكاح أكثر من أربعة . فهذه متفق على فسادها .



أما الأنكحة المختلف في فسادها : فهي متوقفة على تصحيح الحاكم .



والنكـاح الباطل : هو النكاح الذي اختلّ ركنه ؛ كأن يكون بدون إذن الوليّ ، أو بدون شهود .



فالزوجان يتوارثان ولو كانا في عدّة طلاق رجعيّ (أي بعد الطلقة الأولى أو الثانية) ؛ أي مـا لم تخرج من العدّة . أما إذا وقع الطلاق البائن : فلا توارث بينهما ، إلا إذا اتُّهِم أحدهما أنَّه تسبَّب بالطلاق لحرمان الآخر من الإرث ، فالمتسبِّب يحرم من الإرث ، دون الآخر .



مسألة : لو تزوَّج في مرض موته . هل يتمّ التوارث بين الزوجين ؟



الجواب : العقد باطل عند المالكية . وهو صحيح عند الجمهور .



مسألة هامة : لو طلَّق زوجته في مرض موته ، هل ترثه أم لا ؟



الجواب : هذه المسألة اختلف فيها العلماء :



(1)- فقـال الشافعي ومن تبعه : إذا طلقها بقصد الإضرار بها ، أو بدون قصد ؛ سواء ثبتت التهمة عليه ، أو لم تثبت ، فلا توارث بينهما .



وهؤلاء وقفوا عند القاعدة الأصلية ؛ وهي أنَّ البينونة قطعت الزوجية التي هي سبب الإرث .



وقولهم مردود لأمرين :



= أحدهما : مخالفته للإجماع ؛ حيث قضى عثمان بن عفان t بتوريث تماضر بنت الأصبغ الكلبية من عبدالرحمن بن عوف t ، وكان قد طلقها في مرض موته ، فبتَّها .



واشتهر هذا القضاء بين الصحابة ، ولم يُنكره أحدٌ منهم ، فصار كالإجماع .



= الثاني : إنّ هذا المُطلِّق قصد قصداً فاسداً ، فعومل بنقيض قصده ، عملاً بقاعدة سدّ الذرائع .



(2)- الجمهور (أبو حنيفة ، مالك ، أحمد) : قالوا بتوريثها إذا طلقها بقصد الإضرار بها ، معاقبة له بالضدّ .



ولكنَّهم اختلفوا في ضابط المدة التي ترث بها :



= فقال أبو حنيفة : المرأة ترث ما دامت في العدة .



= وقال مالك : المرأة ترث ولو تزوَّجت بعده .



= وقال أحمد : المرأة ترث ولو بعد انقضاء عدتها ، ما لم تتزوَّج .

ثانياً ـ السبب الثاني : الولاء : (وهو قرابة حكمية) :



الولاء في اللغة يُطلق على النصرة ، والقرابة ، والمُلك .



وشرعاً : هو عصوبةٌ سببها نعمة السيِّد المعتق على عبده العتيق ؛ حيث أخرجه من الرق إلى الحرية .



أو هي قرابة حكمية أنشأها الشارع ، ناتجة عن عتق ، أو موالاة .



والدليل على أنَّ الولاء عصوبة :



(1)- قوله r : "الولاء لمن أعتق" .



(2)- قوله r : "الولاء لحمة كلحمة النسب" .



فجعل r الولاء كالنسب .



ووجــه هــذا التشــبيه : أنَّ الرجـل كما أخـرج ابـنـه من حيّـز المعــدوم إلى حيز الموجود ، كذلك نعمة المعتق أخرجت المملوك إلى حيز الحرية .



ملاحظــة :



الميراث في الـولاء من طـريق واحد ؛ وهو طريق العبد العتيق ؛ حيث يرثه سيده ، ولا يرث هو سيّدَه . بخلاف أسباب الميراث الأخرى ؛ فإنَّها تُوجب الإرث من الجانبين .



والميراث في الولاء عن طريق التعصيب ، وهو أضعف أنواع أسباب الميراث ؛ لأنَّ السيِّد لا يرث عبده إلا بانعدام ورثة العبد .



س : هل يرث السيد عبده بشروط ، أو بدون شروط ؟



ج : بل يرث السيد عبده بشرط انعدام الورثة من جانب العبد .



من يرث بالولاء :



لا يرث بالولاء إلا المعتق الذي باشر العتق ، ثمّ عصبته المتعصبون بأنفسهم لا بغيرهم ، ولا مع غيرهم .



ففي حال موت السيد (المعتق) ، تنتقل العصوبة إلى عصبة العتيق المتعصبين بأنفسهم ؛ كالابن مثلاً ، فإنَّه يرث عبدَ والده المعتَق . وأما البنت (ابنة السـيد) فإنَّها لا ترث بالولاء لأنَّها لا تكون عصبة بنفسها ، وإنما مع الغير .



س : هل يثبت الولاء على فرع العتيق ؟



ج : كما يثبت الولاء على العتيق ، فإنه يثبت على فرعه ، بشرطين :



= الأول : أن لا يكون أحد أبويه حرّ الأصل .



= الثاني : أن لا يمسه رق لأحد .



ملاحظــة :



المولود يتبع أمَّه في الحرية والرق ، ويتبع خير أبويه في الدين وفي الولاء ، ويتبع أباه في النسب .





ثالثاً ـ السبب الثالث : النسب (القرابة الحقيقيَّة) :





النسب في اللغة : القرابة ؛ وهي الاتصال بين إنسانين في ولادة ؛ قريبة كانت أو بعيدة . فكلّ إنسان بينك وبينه صلة ولادة ؛ قربت أو بعدت ؛ من جهة الأب ، أو من جهة الأم ، أو منهما معاً ، فهو قريبك .



والقرابة ينقسمون إلى ثلاثة أقسام :



(1)- الأصــول : وهـم أبو الميت ، وأبوه ، وإن علا بمحض الذكور . وأم الميت ، وكلّ جدة تُدلي بوارث ، أو وارثة .



(2)- الفروع : وهم أبناء الميت ، وأبناؤهم ، وإن نزلوا .



(3)- الحواشي : وهم إخوة الميت ، وأخواته مطلقاً ، وأبناء إخوته الذكور لغير الأمّ ـ أي أبناء الإخوة الأشقاء ، وأبناء الإخوة لأب ـ ، وأعمام الميت الأشقاء ، ولأب ، وإن علوا ، وبنوا الأعمام ، وإن نزلوا .



ملاحظــة :



الميراث بالنسب أقوى الأسباب في الميراث للأمور التالية :



(1)- سبق وجوده ؛ لأنَّ الشخص في وقت ولادته يكون ابناً ، أو أخاً ، ونحو ذلك ، بخلاف النكاح والولاء فإنّ كلاً منهما طارئ .



(2)- النسب لا يزول ، والنكاح قد يزول ، بأن يقع الطلاق مثلاً .



(3)- النسب يحجب النكاح نقصاناً ، ويحجب الولاء حرماناً ، وهما لا يحجبانه .



(4)- الإرث يتمّ فيه من جميع الطرق ؛ تارة بالفرض ، وتارة بالتعصيب ، وتارة بالفرض والتعصيب . والنكاح إنما يورث به بالفرض فقط ، والولاء يورث به بالتعصيب فقط .





رابعاً ـ السبب الرابع : بيت مال المسلمين :



وهو سبب مختلف فيه بين العلماء . قال به البعض ، وعدُّوه سبباً من أسباب الإرث .



= فالمالكية ـ وتبعهم بعض الشافعية ـ قالوا بإرث بيت المال ، سواء أكان منتظماً أو غير منتظم . واستدلُّوا بقوله r : "أنا وارث من لا وارث له" .



والشافعية في قولهم الآخر ـ وتبعهم بعض المالكية ـ قالوا بإرث بيت المال ، حال انتظامه فقط .



أما الأحناف والحنابلة فقـالوا : بيت مال المسلمين ليس سبباً من أسباب الإرث مطلقاً ، سواء أكان منتظماً أم غير منتظم . ومـن أجـل ذلك قالوا بتوريث ذوي الأرحام ؛ مستدلين بقوله تعالى : ) وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ( [خاتمة سورة الأنفال] .



مسألة : هل يُتصوَّر اجتماع الأسباب الثلاثة (نكاح ، وولاء ، ونسب) في شخص واحد ؟



الجواب : نعم ، ومثاله : إذا اشترى شخص بنتَ عمِّه ، فأعتقها ، وتزوجها ، فقد اجتمعت فيه الأسباب الثلاثة ؛ فهو زوجها ، وابن عمها ، ومولاها .





موانع الإرث



الموانع في اللغة : جمع مانع ، وهو الحائل . ومنه قولهم : هذا مانع بين كذا وكذا : أي حائل بينهما ؛ فكلّ أمرٍ يحول بين شيء وشيء آخر يُسمَّى مانعاً .



وفي الاصطلاح : هو أمرٌ خارجٌ عن الحكم ، يستلزم وجوده عدم الحكم مع وجود سببه ؛ فهو يؤثر من جانب وجوده ؛ فينعدم الحكم بوجود المانع ، بخلاف الشرط ؛ فإنَّ تأثيره من جانب العدم .



أو هو : ما يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته .



ـ والموانع من الإرث تنقسم إلى قسمين :



(1)- قسمٌ مجمعٌ عليه ، وقسمٌ مختلف فيه .



* فالقسـم المجمـع عليـه ثلاثـة أنواع : رق ، وقتل ، واختلاف الدين .



* والقسـم المختلف فيه على أنواع ، أهمها : الارتداد ، واختلاف الدار .





موانع من الإرث مجمعٌ عليها



اختلاف دين , قتل , رق ,



ناقص الرق , كامل الرق ,



المكاتَب المبعَّض



من موانع الإرث :





(1)- الرق :



= تعريفه : في اللغة : العبودية .



: في الاصطلاح : عجز حكمي يقوم بالإنسان بسبب الكفر فيمنعه من التصرُّف .



= تفسير التعريف :



: عجز حكمي : ليس العجز أصلياً في العبد ؛ كعجز الصبيّ والمجنون ، بل عجزه حكمي طارئ عليه .



: التصرُّف : الملك ، الحرية ، الشهادة ، تولِّي الحكم أو القضاء .



= الدليل من الكتاب والسنَّة على عجز العبد الحكمي :



قول الله I : ) ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء وهو كَلٌّ على مولاه ..( الآية [النحل : 75] .



س : هل الرق على درجة واحدة ، أم هو على درجات متفاوتة ؟



ج : بل هو على درجات متفاوتة :



-1- رقيق كامل الرق : وهو القِنّ ؛ الخالص العبودية ، المملوك بكليته .



-2- المكاتَب : وهو الذي كاتب سيده على أقساط يدفعها إليه ، فيُصبح حراً عند آخِر قسط يدفعه .



-3- أمّ الولد : وهي المملوكة التي وطئها سيّدها ، فحملت منه ، وأتت بولد . فهذه لا تباع ولا توهب، وتُصبح حرة بمجرّد موت السيّد .



-4- المبعَّض : من كان بعضه حراً ، وبعضه مملوكاً ؛ كما لو كان مشتركاً بين اثنين ، فأعتق أحدهما نصيبه منه .



-5- المُدْبَر ، أو المدَبَّر : وهو الذي يقول له سيده : أنت حر بعد وفاتي ، فيُصبح حراً بمجرد وفاة سيده .



-6- المعلَّق على صفة : كالعبد الذي يقول له سيده : أنت حرّ إن أتاني ذكر ، أو نجحت ، أو تولّيت ولاية ، أو إذا جاء شهر رمضان فأنت حرّ .. إلخ .



-7- الموصى بعتقه (تنفيذ عتقه موقوف على الورثة) ؛ إذ قد يكون العبد أكثر من الثلث ، فيتوقف عتقه على موافقة الورثة .



مسألة :



ما رأي العلماء في إرث الرقيق الكامل الرق ، والناقص الرق ؟



أولاً ـ كاملوا الرق : لا يرثون من الغير ، ولا يرث الغير منهم ، ولا يحجبون أحداً باتفاق الفقهاء .





ثانياً ـ ناقصوا الرق : (محلّ خلاف) :



-1- المبعَّـض : تقدّم أنَّ المبعَّض من كان بعض جزئه حراً ، والباقي عبداً .



س : ما رأي العلماء في توريث المبعَّض ، والإرث منه ، وحجبه ؟



ج : =أ= الحنفية والمالكية قالوا : لا يرث ، ولا يُورِّث ، ولا يحجب، وحكمه حكم القنّ تماماً . (وهؤلاء قد غلَّبوا منه جانب العبودية) .



=ب= الشعبي والأوزاعي : يرث ، ويورِّث ، ويحجب كالحرّ تماماً . (وهؤلاء قد غلَّبوا منه جانب الحرية) .



=ج= الحنابلة : يرث ويورِّث ويحجب بقدر ما فيه من الحرية ؛ فيُعامل جزؤه الحرّ بحكم الأحرار ، وجزؤه الرقيق بحكم الأرقاء .



=د= الشافعية : لا يرث ، ولكن يورِّث ، ولا يحجب .



مســألة :



مات أبٌ حرّ عن ابنٍ عبدٍ مبعَّض بالنصف ، وأخ شقيق :



الشافعية الحنابلة الشعبي الحنفية مات عن :



لا يرث له النصف يرث وهو عصبة لا يرث ابن عبد مبعَّض



عصبة له النصف محجوب عصبة أخ شقيق



مســألة :



ماتت عن زوج ، وابن مبعَّض بالنصف ، وأخ شقيق :



الحنابلة (مبعَّض) الحنفية (عبودية) الشعبي (حرية) ماتت عن:



¼ + 1/8 ½ ¼ زوج



¼ + 1/8 الباقي للابن م ع ¾ ابن مبعَّض



¼ ع ½ م أخ ش



الحنابلة قالوا : الباقي يُعطى للابن ؛ إذ هو أقرب فرع وارث غير أصحاب الفروض





= صور العبد المبعَّض :





-1- المهايأة : كأن يخدم سيِّده بنسبة ملكه ، ويكتسب بنسبة حريته .



-2- المخارجة : كأن يقول له سيده : اعمل لنفسك ، وكلّ يوم تأتيني بـ(10) ريالات مثلاً .



-3- المقاسمة : كأن يقول له سيده : ما أتيت به ، فهو مناصفة بيني وبينك .



وهناك صورة رابعة ، وهي : أن يتركه يعمل لنفسه ، ولا يأخذ منه شيئاً .



مسألة :



مات عبدٌ مبعَّض بالنصف عن زوجة ، وابن :



الشافعية الحنابلة الشعبي الحنفية مات عن :



1/8 فرضاً 1/16 فرضاً 1/8 فرضاً لا ترث زوجة



7/8 عصبة 7/16 عصبة 7/8 عصبة لا يرث ابن



والباقي للسيِّد



-2- المكاتب :



س : هل يرث العبد المكاتب من غيره ، وهل يرث غيره منه ؟



ج :



أولاً : العبد المكاتب لا يرث من غيره بالاتفاق .







ثانياً : هل يرث غيره منه ؟ المسألة محل خلاف ، وسبب اختلافهم في ذلك ، هو اختلافهم في الذي يموت عليه المكاتب ؛ أيموت مكاتَباً ، أم حراً ، أم عبداً :



=أ= الشافعية والحنابلة : إذا مات ولم يف بمال الكتابة ، وكان لديه مالٌ قدر الكتابة ، أو أقلّ ، أو أزيد ، يُعتبر عقداً لاغياً ، وتُفسخ الكتابة ، ويكون المال لسيده ؛ إذ المكاتبة عقد معاوضة على المكاتب ، وقد تلف قبل التسليم ، فبطل العقد ، فيئول المال الذي تركه إلى سيده ، والمكاتب عبدٌ ما بقي عليه شيء :



كذا قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : "هو عبدٌ ما بقي عليه شيء" ، وقال زيد بن ثابت t : "ما بقي عليه درهم" ، وقال ابن عمر رضي الله عنهما : "هو عبدٌ إن عاش ، وإن مات ، وإن جَنَى ، ما بقي عليه شيء" .



وعلى ذلك أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ r وَغَيْرِهِمُ ؛ "أنّ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ" . وَهـُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ .



=ب= الحنفية قالوا : العبد المكاتب إذا كان لديه مال يفي بالكتابة ، فإنَّ الكتابة تُعتبر سارية ، ولا تنفسخ ، ويوفي من المال الذي تركه دين الكتابة ، ويُحكم بعتقه في آخر جزء من أجزاء حياته . وما زاد عن الكتابة ـ ما بقي بعد وفاء سيِّده ـ يكون لورثته مطلقاً (سواء أدخلوا معه في عقد المكاتبة أم لا ، وسواء أكانوا أحراراً أم عبيداً) .



=ج= المالكية قالوا : الكتابة لا تنفسخ ، ولكن لا يرث المال إلا ورثة العبد الذين دخلوا معه في الكتابة ، شريطة أن يكونوا أصله أو فرعه .



فإذا مات المكاتب قبل أداء مال الكتابة ، وترك مالاً ، يؤدِّي منه مال كتابته ، فإنَّه يؤدى منه ، وما بقي يكون لورثته مـمَّن كان معه في عقد الكتابة ـ مـمَّن يُعتق عليه لو ملكه ؛ كأصله وفرعه ـ .



ومن موانع الإرث :





(2)- القتـل :



والقتل : هو فعل ما يكون سبباً لإزهاق الروح .



ولا خلاف بين العلماء في أنّ القتل مانعٌ من موانع الإرث ، ولكنّ الخلاف في نوع القتل الذي يمنع منه .



أنواع القتل :



مع اتفاق العلماء على أنّ القتل مانع للإرث ، إلا إنهم اختلفوا في نوع القتل المانع ؛ وذلك أن القتل قسمان : قتل بغير حق ، وقتل بحق .



أولاً = القتل بغير حق : وهذا تحته أنواع.
 
.مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




تعليقات
الاصل أن ينفذ الالتزام عينا فإذا استحال حكم على المدين بالتعويض


تنص المادة 203 من القانون المدنى بالآتى :ـ

(1) يجبر المدين بعد اعذاره طبقا للمادتين 220،219 على تنفيذ التزامه تنفيذا عينيا ، متى كان ذلك ممكنا .

(2) على انه اذا كان فى التنفيذ العينى ارهاق للمدين جاز له ان يقتصر على دفع تعويض نقدى ، اذا كان ذلك يلحق بالدائن ضررا جسيما .



كما تجرى المادة 215 من القانون المدنى بالآتى :ـ



اذا استحال على المدين ان ينفذ الالتزام عينيا حكم عليه بالتعويض لعدم الوفاء بالتزامه ، ما لم يثبت ان استحالة التنفيذ قد نشا عن سبب اجنبى لا يد له فيه ، ويكون الحكم كذلك اذا تاخر المدين فى تنفيذ التزامه .



وقد قضت محكمة النقض مرارا وفقا لهذا المنطق بالآتى :ـ



القاعدة:



المقرر ـ فى قضاء محكمة النقض ـ أن طلب التنفيذ العينى والتنفيذ بطريق التعويض قسيمان يتقاسمان تنفيذ التزام المدين ويتكافآن فوراً بحيث يجوز الجمع بينهما إذ أن تنفيذ الالتزام إما أن يكون تنفيذاً عينياً فيقوم المدين بأداء عين ما التزام به أو تنفيذاً عن طريق التعويض فى حالة استحالة التنفيذ العينى أو إذا كان ينطوى على إرهاق للمدين وهو ما نصت عليه المادة 203 من القانون المدنى .

( الطعن رقم 2971 لسنة 60 ق جلسة 7/4/1994 س 45 ج 1 ص 663



الموجز:



الأصل تنفيذ الالتزام عيناً . يستثني من ذلك أن يكون التنفيذ مرهقاً للمدين . جواز الإقتصار علي دفع تعويض نقدي ما لم يلحق ذلك بالدائن ضرراً جسيماً . المادة 203 /2 مدني . إنتفاء الإرهاق قصور الحكم في بحثه . مثال في إلتزام المؤجر تركيب مصعد بالعين المؤجرة .



القاعدة:



لئن كان الأصل أن للدائن المطالبة بتنفيذ التزام مدينه عيناً إلا أنه يرد علي هذا الأصل إستثناء تقضي به المادة 2/203 من القانون المدني أساسه ألا يكون هذا التنفيذ مرهقاً للمدين ، إذ يجوز في هذه الحالة أن يقتصر علي دفع تعويض نقدي إذا كان ذلك لا يلحق بالدائن ضررا جسيما فإذا كان الحكم قد أقام قضاءه علي أن تنفيذ المؤجرة التزامها بتركيب المصعد ليس من شأنه إرهاقها لأنه سوف يعود عليها بالفائدة بإضافته إلي ملكها والإنتفاع بأجرته الشهرية المتفق عليها ، وكان هذا القول من الحكم لا يؤدي إلى إنتفاء الإرهاق عن المؤجرة ( الطاعنة ) إذ يشترط لذلك ألا يكون من شأن تنفيذ هذا الالتزام علي حساب الطاعنة بذل نفقات باهظة لا تتناسب مع ما ينجم من ضرر للمطعون عليه ( المستأجر ) من جراء التخلف عن تنفيذه ، وإذ لم يحدد الحكم نوع المصعد المناسب للمبني والثمن الذي سيتكلفه وما يستتبع ذلك من تحديد نفقات تركيبه ، وما إذا كان هذا الثمن يتناسب مع قيمة المبني فقد حجب نفسه عن بحث مدي الإرهاق الذي يصيب الطاعنة بتركيب المصعد لمقارنته بالضرر الذي يلحق المطعون عليه من عدم تركيبه مما يعيب الحكم مخالفة القانون والقصور في التسبيب .

( المادة 203 من القانون المدنى )

( الطعن رقم 307 لسنة 31 ق جلسة 1966/2/1 س 17 ص 221 )

( الطعن رقم 572 لسنة 53 ق جلسة 1987/4/8 )

الموجز:



الأصل تنفيذ الالتزام عيناً . الاستعاضة عنه بالتعويض . شرطه . إستحالة التنفيذ العيني أو إتفاق الدائن والمدين علي التعويض صراحة أو ضمنا . المادتان 1/203 و 215 مدني .



القاعدة:



إذ كان الثابت من الأوراق أن الطاعن التزم بموجب إقراره بأن يؤدي للمطعون عليها قيمة مصوغاتها المودعة عنده والمبينة بقائمة منقولاتها نقدا ، فان مؤدي ذلك أنهما استعاضا بالتعويض عن تنفيذ التزامه برد تلك المصوغات عينا . وإذ كان ذلك الاتفاق لم يتضمن تحديدا لقيمة التعويض المستحق للمطعون عليها ولا يوحد نص في القانون يوجب اتباع معايير معينة لتقديره ، فان الحكم المطعون فيه إذ انتهي في حدود سلطة محكمة الموضوع التقديرية ـ إلى تقدير التعويض بمبلغ 1000 جنيه مراعيا في ذلك ارتفاع سعر الذهب وقت التقاضي عنه وقت استلام الطاعن للمصوغات المطالب بقيمتها ، لا يكون قد قضي بما لم يطلبه الخصوم ويكون النعي عليه بالبطلان غير سديد .

( المواد 203 ، 215 ، 223 من قانون المرافعات )

( الطعن رقم 721 لسنة 53 ق جلسة 1987/2/18 س 37 ع 1 ص 269 )

الموجز:



لقاضي الموضوع الزام المدين بالتعويض بدلا من تنفيذ التزامه عينا شرطه أن يكون العقد مرهقا له ولا يلحق بالدائن ضررا جسيما . عدم جواز اثارة المدين لهذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض .



القاعدة:



انه وان كان الأصل أن للدائن طلب تنفيذ التزام مدينه عينا ، وكان يرد على هذا الأصل استثناء من حق القاضى اعماله تقضى به الفقرة الثانية من المادة 203 من القانون المدنى أساسه ألا يكون هذا التنفيذ مرهقا للمدين فيجوز فى هذه الحالة أن يقتصر على دفع تعويض نقدى متى كان ذلك لا يلحق بالدائن ضررا جسيما ، الا أنه لما كان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه لم يتضمن ما يفيد أن الطاعن الأول دفع الدعوى بأن تنفيذ الوعد بالايجار عينا ينطوى على رهق له وابدى استعداده للتنفيذ بمقابل ، وكان الطاعنان لم يقدما ما يدل على تمسكهما بهذا الدفاع أمام محكمة الموضوع ، وهو أمر يخالطه عناصر واقعية ويقتضى تحقيق اعتبارات موضوعية ، فانه لا يجوز لهما اثارته لأول مرة أمام محكمة النقض ، ويكون النعى غير مقبول .

( المادة 253 مرافعات )

( المادتان 203 ، 221 مدنى )

( الطعنان رقما 565 و 570 لسنة 43 ق جلسة 1977/3/30 س 28 ص 865 )



الموجز:



استيلاء الحكومة على العقار جبراً دون اتخاذ الإجراءات القانونية لنزع الملكية . غصب أثره . بقاء العقار على ملك صاحبه . مؤداه . أحقيته في استرداده . استحالة ذلك . أثره .



القاعدة:



استيلاء الحكومة على عقار مملوك لأحد الأفراد جبراً عن صاحبه دون اتخاذ إجراءات نزع الملكية للمنفعة العامة المنصوص عليها في القانون فإن ذلك يعتبر بمثابة غصب ويظل صاحبه محتفظاً بحق ملكيته رغم هذا الاستيلاء ويكون له الحق في استرداد هذه الملكية وذلك ما لم يصبح رد هذا العقار إليه مستحيلاً فعندئذ يستعاض عنه بالتعويض النقدى تطبيقاً لقواعد المسئولية العامة التي تقضي بأن التنفيذ العيني هو الأصل ، ولا يسار على عوضه - أي التعويض النقدي - إلا إذا استحال التنفيذ العيني .

( المواد 5 ، 6 ، 7 ، 8 ، 13 ق 10 لسنة 1990 ، 163 ، 215 من القانون المدني )

( الطعن رقم 3725 لسنة 59 ق جلسة 1997/1/26 س 48 ج 1 ص 195 )

الموجز:



إقامة الطاعنين مبان حكومية على جزء من الأرض المخصصة جميعها للمنفعة العامة . مؤداه . صيرورة طلب المطعون عليها رد المساحة المقام عليها المباني مستحيلاً . أثره . حقها في التعويض النقدي عوضاً عن التنفيذ العيني. مخالفة الحكم المطعون فيه هذا النظر والقضاء برد المساحة المقام عليها المباني وتسليمها للمطعون عليها ورفض طلب الطاعنين إزالة التعدي الواقع على باقي المساحة دون التحقق من انتهاء تخصيصها للمنفعة العامة . خطأ وقصور .



القاعدة:



لما كان الواقع الثابت في الدعوى وعلى ما حصله الحكم المطعون فيه أن مجلس مدينة ومركز كوم امبو كان قد تسلم الأرض موضوع التداعي ومساحتها 10000 م2 بموجب محضر التسليم المؤرخ 1962/4/23 في حضور مندوب من الإصلاح الزراعي ، وخصصت جميعها للمنفعة العامة لإقامة الوحدة الصحية بقرية العباسية وشيدت المباني على جزء منها مساحته 8605.75 م2 ترتب عليه أن أصبح رد هذه المساحة المقام عليها المباني الحكومية سالفة الذكر إلى الشركة المطعون عليها الخامسة مستحيلاً ، فلا يكون لها من سبيل سوى المطالبة بالتعويض النقدى عوضاً عن التنفيذ العيني فإن الحكم المطعون فيه إذ خالف هذا النظر وقضى بطرد الطاعنين بصفتهما من المساحة المقام عليها المباني وتسليمها إلى المطعون عليها الخامسة ورفض طلبهما إزالة التعدى الواقع من المطعون عليهم الأربعة الأول على مساحة 1394.25 م2 وتسليمها إليها . ودون أن يتحقق من انتهاء تخصيص هذه المساحة للمنفعة العامة يكون قد عابه الخطأ في تطبيق القانون فضلاً عن القصور في التسبيب .

( المواد 87 ، 88 ، 163 ، 215 من القانون المدني ، 178 من قانون المرافعات )

( الطعن رقم 3725 لسنة 59 ق جلسة 1997/1/26 س 48 ج 1 ص 195 )

الموجز:



الأصل تنفيذ الالتزام عينا . الاستعاضة عنه بالتعويض . شرطه الا يكون ممكنا . المادتان 203 و 215 مدني . عرض المدين ـ بعد رفع الدائن دعوي التعويض عليه ـ أن ينفذ التزامه عيناً . مؤداه . التزام الدائن به متي كان جديا.



القاعدة:



النص في المادة 203 / 1 من القانون المدني علي أن - يجبر المدين .... بعد اعذاره .... علي تنفيذ التزامه عينا متي كان ذلك ممكنا ......- وفي المادة 215 منه علي أنه - اذا استحال علي المدين أن ينفذ الالتزام عينا حكم عليه بالتعويض لعدم الوفاء بالتزامه .... - يدل ـ وعلي ما جري به قضاء هذه المحكمة ـ علي أن الأصل هو تنفيذ الالتزام تنفيذا عينيا متي كان ذلك ممكنا ولا يصار الي التنفيذ بطريق التعويض الا اذا استحال التنفيذ العيني بخطأ المدين أو كان هذا التنفيذ مرهقا له دون أن يكون العدول عنه ضارا بالدائن ضررا جسيما . فاذا لجأ الدائن الي طلب التعويض وعرض المدين القيام بتنفيذ التزامه عينا ، وكان ذلك ممكنا وجادا ـ انتفي منذ هذا التاريخ موجب التعويض عن عدم التنفيذ . سواء قبل الدائن ذلك التنفيذ أو لم يقبله وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر في قضاءه ـ اذ البين من الأوراق أن الجهتين المطعون ضدهما عرضتا بمذكرتيهما المقدمة لجلسة أن تقوما بتنفيذ التزامهما عينا وهو ما لا يعد طلبا جديدا في الاستئناف ، وقد خلت الأوراق مما يدل علي عدم جدية هذا العرض ، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه علي أن التنفيذ العيني ممكن ، وهو ما لا يتغير أثره برفض الطاعن هذا التنفيذ

( المادة 203 ، 215مدنى )

(الطعن رقم 1780 لسنة 53 ق جلسة 1990/1/23 س 41 ج 1 ص 233)



لموجز:



تأخر المدين في تنفيذ التزامه عينا . لا يخل بحق الدائن فيما يجب له من تعويض عن الاضرار المترتبة علي هذا التأخير فضلا عن التنفيذ العيني.



القاعدة:



الأصل أن الدائن لا يكون له الجمع بين التنفيذ العيني والتنفيذ بطريق التعويض إلا أنه اذا تأخر المدين في تنفيذ التزامه عينا فان ذلك الأصل لا يخل بداهة بحق الدائن فيما يجب له من تعويض عما يلحقه من اضرار بسبب هذا التأخير ، اذ لا يكون عندئذ قد جمع بين تنفيذ الالتزام عينا وتنفيذه بطريق التعويض عن فترة التأخير . وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر فقضي برفض طلب التعويض عن الأضرار التي لحقت الطاعن من جراء التأخير في التنفيذ العيني تأسيسا علي مطلق القول بأن التنفيذ العيني لا يلجأ معه للتنفيذ بطريق التعويض ، فانه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه .

( 203 ،215 ،226 مدنى )

( الطعن رقم 1780 لسنة 53 ق جلسة 1990/1/23 س 41 ج 1 ص 233)

الموجز:



الأصل تنفيذ الالتزام تنفيذا عينيا التنفيذ بطريق التعويض شرطه المادتان 203 / 1 و 215 من القانون المدني تسود المدين عن تنفيذ التزامه العقدي خطأ موجب للمسئولية.



القاعدة:



مؤدي نص المادتين 203 / 1 و 215 من القانون المدني أن الأصل هو تنفيذ الالتزام تنفيذا عينيا ولا يصار الي عوضه ـ وهو التنفيذ بطريق التعويض ـ الا اذا استحال التنفيذ العيني وقعود المدين عن تنفيذ التزامه الوارد بالعقد يعد في حد ذاته خطأ موجب للمسئولية .

( م 147 , 170 , 203 ، 215 مدنى)

( الطعن رقم 360 لسنة 53 ق جلسة 1987/12/20 س 38 ص1129 )



الموجز:



الأصل تنفيذ الالتزام عيناً . الاستعاضة عنه بالتعويض . شرطه . إستحالة التنفيذ العيني أو إتفاق الدائن والمدين علي التعويض صراحة أو ضمنا . المادتان 1/203 و 215 مدني .



القاعدة:



إذ كان الثابت من الأوراق أن الطاعن التزم بموجب إقراره بأن يؤدي للمطعون عليها قيمة مصوغاتها المودعة عنده والمبينة بقائمة منقولاتها نقدا ، فان مؤدي ذلك أنهما استعاضا بالتعويض عن تنفيذ التزامه برد تلك المصوغات عينا . وإذ كان ذلك الاتفاق لم يتضمن تحديدا لقيمة التعويض المستحق للمطعون عليها ولا يوحد نص في القانون يوجب اتباع معايير معينة لتقديره ، فان الحكم المطعون فيه إذ انتهي في حدود سلطة محكمة الموضوع التقديرية ـ إلى تقدير التعويض بمبلغ 1000 جنيه مراعيا في ذلك ارتفاع سعر الذهب وقت التقاضي عنه وقت استلام الطاعن للمصوغات المطالب بقيمتها ، لا يكون قد قضي بما لم يطلبه الخصوم ويكون النعي عليه بالبطلان غير سديد .

( المواد 203 ، 215 ، 223 من قانون المرافعات )

( الطعن رقم 721 لسنة 53 ق جلسة 1987/2/18 س 37 ع 1 ص 269 )

الموجز:



للدائن أن يطلب التنفيذ العيني أو التعويض . للمحكمة أن تقضي بالتعويض اذا استبان لها تعذر التنفيذ العيني .



القاعدة:



طلب التنفيذ العيني وطلب التنفيذ بطريق التعويض قسيمان يتقاسمان تنفيذ الالتزام فيجوز للدائن أن يطلب أيهما وللمحكمة أن تقضي بالتعويض اذا استبان لها تعذر التنفيذ العيني .

( المادة 215 من القانون المدنى )

( المادة 178 من قانون المرافعات )

( الطعن رقم 170 لسنة 50 ق جلسة 1981/6/4 س 12 ص 1721 )



الموجز:



التزام صاحب الفندق بالمحافظة علي سلامة نزلائه . التزام ببذل عناية . كفاية اثبات الدائن قيام العقد دون حاجة لاثبات الخطأ . للمدين نفي مسئوليته باثبات أنه بذل عناية الشخص العادي في تنفيذ التزامه .



القاعدة:



إذا كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه علي أساس من أن التزام مورثة الطاعنين بالمحافظة علي سلامة مورث المطعون ضدهما بأن جلوسه في حجرته المخصصة له بفندقها هو التزام ببذل عناية تتمثل في اتخاذ الاحتياطيات المتعارف عليها التي تكفل المحافظة علي سلامة النزلاء ، ويكفي الدائن فيه اثبات قيامه ليقع علي عاتق المدين به اثبات أنه قد بذل عناية الشخص العادي في شأنه ، ثم بين أن الدليل قد قام من الأوراق علي أن صاحبة الفندق لم تبذل ليلة الحادث أية عناية في اتخاذ اجراءات الاحتياط المتعارف عليها وأهمها مراقبة المترددين علي الفندق بحيث بات من الممكن لأي شخص أن يدخل اليه وأن يخرج منه دون أن يشعر به أحد فأصبح النزيل سهل المنال ، كما بين أن ما قال به الطاعنان من أن مورثتهما كانت قد اتخذت كافة الوسائل المألوفة التي تكفل أمن النزيل وقدما الدليل عليه مما ثبت في الأوراق من أنه كان ينفرد بغرفة في الدور الرابع وجد بابها سليما وله مفتاح يمكن استعماله من الداخل ، لا ينفي عنها أنها قصرت في بذل العناية اللازمة ، فانتفت الحاجة الي تكليف المطعون ضدهم باثبات الخطأ العقدي من قبل صاحبة الفندق ، كما انتفت الحاجة الي تكليف الطاعنين بنفيه بعد ما اكتفت المحكمة بما قام في الدعوي من عناصر وقدم فيها من أدلة . لما كان ذلك ، فإن الحكم لا يكون قد ناقض نفسه في طبيعة التزام صاحبة الفندق إذ كيفه بأنه التزام ببذل عناية ، ولا يكون قد خالف قواعد الاثبات ، إذ عالج عبء اثبات الخطأ العقدي ونفيه علي أساس من طبيعة الالتزام الذي أخل به المدين فيه ، ويكون قد صادف في الأمرين صحيح القانون .

( المادة 1 إثبات )

( المادتان 148 ,215 مدنى )

( الطعن رقم 1466 لسنة 48 ق جلسة 1980/1/13 ص 255)



الموجز:



طلب الدائن الزام المدين بالتعويض . عدم جواز رفض عرض المدين تنفيذ التزامه عينا . م 215 مدني .



القاعدة:



مؤدى النص فى المادتين 303 / 1 و 215 من القانون المدنى ـ وعلى ما يبين من المذكرة الايضاحية للمشروع التمهيدى فى هذا الصدد أن الأصل هو تنفيذ الالتزام عينيا ولا يصار الى عوضه أى التنفيذ بطريق التعويض الا اذا استحال التنفيذ العينى ، فاذا لجأ الدائن الى طلب التعويض وعرض المدين القيام بتنفيذ التزامه عينا ـ متى كان ذلك ممكنا ـ فلا يجوز للدائن أن يرفض هذا العرض لأن التعويض ليس التزاما تخييريا أو التزاما بدليا بجانب التنفيذ العينى . لما كان ذلك ، وكان المطعون ضدهم قد قصروا دعواهم على طلب التعويض ، وكان البين من الأوراق أن الطاعن عرض عليهم تنفيذ التزامه عينا بأن أبدى استعداده لتسليم المنقولات المتنازع عليها على ما هو ثابت بمحاضر جلسات الاستئناف والمذكرتين المقدمتين لجلستى 1975/3/11 و 1979/1/28 . فرفض المطعون ضدهم هذا العرض ، كما طلب اثباتا لجديته ندب خبير لمطابقة المنقولات التى أبدى استعداده لتسليمها على المنقولات المثبتة بالشكوي والموضحة بصحيفة الدعوى مما كان معه على محكمة الاستئناف أن تعمل موجب هذا العرض ولو لم يطلب المطعون ضدهم التنفيذ العينى أو أصروا علي طلب التعويض غير أن الحكم المطعون فيه التفت عن دفاع الطاعن فى هذا الخصوص ولم يعن ببحثه مع أنه دفاع جوهرى قد يتغير به وجه الرأى في الدعوى لو ثبت امكان التنفيذ العينى ، واذ قضى الحكم بالتعويض دون الاعتداد بما أبداه الطاعن من استعداد لرد المنقولات عينا ودون ثبوت ضياعها أو انتفاء جدية الاستعداد لتسليمها ، فانه يكون قد خالف القانون .

( م 303 / 1 و 215 من القانون المدنى )

( الطعن رقم 364 لسنة 46 ق جلسة 1979/6/20 س 30 ع 2 ص 703 )

الموجز:



استحالة تنفيذ التزام البائع بنقل الملكية لسبب أجنبي لا يعفيه من رد الثمن للمشتري.



القاعدة:



استحالة تنفيذ الالتزام بنقل الملكية لسبب أجنبي لا يعفي البائع مورث الطاعنين من رد الثمن الذي قبضه من المشتري المطعون عليه بل أن هذا الثمن واجب رده في جميع الأحوال التي يفسخ فيها البيع بحكم القانون وذلك بالتطبيق لحكم المادة 160 من القانون المدني ويقع الغرم علي مورث الطاعنين نتيجة تحمله التبعة في انقضاء التزامه الذي استحال عليه تنفيذه باستيلاء جهة الاصلاح الزراعي علي العين المبيعة ولا يجدي في ذلك دفاع الطاعنين بأن المطعون عليه أهمل في تسجيل العقد أو اثبات تاريخه.

(1 ، 6 من القانون 127 لسنة 1961- 160 -159_215-418,437, مدنى )

( الطعن رقم 119 لسنة 43 ق جلسة 1977/4/5 س 28 ص909 ).
 


..مكتب / محمد جابر عيسى المحامى








تعليقات
قرينة البراءة فى القانون المصرى




لقد نصت المادة 76من الدستور المصر ى لسنة1971" المتهم برىء حتى تثبت ادانته فى محاكمة قانونية منصفة"



وقرينة البراءة هى ان الاصل فى المتهم براءتة مم اسند اليه من تهم ويبقى هذا الاصل ثابتا حتى تثبت الادانه من خلال حكم بات بالادانة



ولقد وضعت الشريعة الاسلامية هذا المبدأ كأحد المبادىء التى تقوم عليها المحاكمة العادلة فلقد قال الرسول "صلي الله عليه وسلم" ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فاٍن الامام لأن يخطىء فى العفو خير من يخطىء فى العقاب]



ولقد اختلف الفقهاء فى ماهية قرينة البراءة الى ثلاثة اتجاهات :



الاتجاه الاول: ويرى ان قرينة البراءة مثال واضح للحيلة القانونية



الاتجاه الثانى :ويرى ان قرينة البراءة هى قرينة قانونية بسيطة وةهذا ما تؤيده اتجاه محكمة النقض



الاتجاه الثالث: ويرى ان قرينة البراءة هى احد الحقوق اللصيقة بالشخصية حيث انها تثبت لاى شخص فى المجتمع ولا يسقط هذا الحق الا من خلال الحكم القضائى الصادر بادانة الشخص



وهذا الاتجاه هو ما ذهبت اليه المحكمة الدستورية العليا حيث قضت بعدم دستورية العديد من القوانين استنادا القاعدة ومنها المواد 6 , 3/ 152 من القانون رقم 98 لسنة 1945بشأن المشتبه فيهم وذلك لمخلفتها المواد 41، 66, 67 من الدستور

ويترتب على قرينة البراءة عدة نتائج واهمها :



1- عدم التزام المتهم باثبات برائته



2- الشك يفسر لمصلحة المتهم



3- ضمان الحرية الشخصية للمتهم



4- عدم الاضرار بالمتهم من خلال قيامه بالطعن الصادر بحقه





1- عدم التزام المتهم باثباتن براءته من التهمه المقرره بحقه

فلا يقع على عاتق المتهم القيام باثبات براءته مما هو منسوب اليسه ولكن يقع ذلك على عاتق النيابة العامة بصفتها جهة الاتهام وبالتالى فعلى النيابة العامة ان تبين فى قرار الاحاله التهمة المنسوبة الى المتهم وايراد الأدلة التي بنت عليها قرار الاحالة ومهمة الدفاع هنا هو تفنيد تلك الأدلة والقرائن بغرض اثبات براءة موكله



2- الشك يفسر لمصلحة المتهم

من المبادىء التي قررتها احكام محكمة النقض هو تفسير الشك لمصلحة المتهم حيث اوردت فى احد احكامها (من المقرر وان كان لمحكمة الموضوع ان تقضى ببراءة متى تشككت فى صحة اسناد التهمة الى المتهم او لعد كفاية ادلة الثبوت ولكن ذلك مقرون بأن يشتمل حكمها على بيان ما يفيد انها احاطت بالدعوى وظروفها)نقض 17 -3 – 1958



3- ضمان الحرية الشخصية للمتهم

لقد يستطيع المتهم الاستفادة من تلك القرينة فيجب أن يضمن له القانون حريته الشخصية بحيث الا يتعرض الى اية معاملة يترتب عليها الاخلال بهذا الحق فاذا تم اعتقاله على ذمة القضية فيجب ان يعامل معاملة تميزه عن باقى المسجونين فى داخل المؤسسة العقابية وهذا ما تم النص عليه فى احكام القانون المصرى

ومن جهة اخرى فيجب حماية المتهم من التعرض لاى صوره من صور التعذيب او المعاملة القاسية او اللانسانية بغرض حمله على الاعتراف



4- عدم اضرار المتهم من خلال قيامه بالطعن بالحكم بحقه

فلا يجب الاضرار بالمتهم اذا قام بالطعن فى الحكم الصادر بحقه وفى ذلك تنص المادة 417من قانون الاجراءات الجنائية( اما اذا كان الاستئناف من غير النيابة العامة فليس للمحكمة الا ان تؤيد الحكم او تعدله لمصلحة رافع الاستئناف)
 
..مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




تعليقات
حصانة المحامي والمحاماه





حصانة المحامى والمحاماة

المحاماة صوت الحق في هذه الأمة، وفي كل أمة.. هي رسالة ينهض بها المحامون فرسان الحق والكلمة، ويخوضون فيها الغمار، ويسبحون ضد التيار !.. يحملون راية العدل في صدق وأمانة وذمة ووقار.. يناصرون الحق، ويدرأون الظلم.. يناضل المحامي في القيام بأمانته مناضلة قد تتعرض فيها مصالحه وحريته للخطر وربما حياته نفسها !.



سيبقى رائعًا وعظيمًا ومنشودًا، أن يكون العدل مهجة وضمير وغاية ولسان وقلم القاضي فيما به يحكم، بيد أنه ليس يكفي المحامي أن يكون العدل مهجته وضميره وغايته، وإنما عليه أن يكون مفطورًا على النضال من أجله وأن يسترخص كل عناء ومجاهدة وخطر في سبيل الوصول إليه – القاضي حسبه أن يقتنع بالعدل فيحكم به، فالكلمة به صادرة من لسانه وقلبه، ثم هو محصن بالاستقلال وبالحصانة القضائية وبالمنصة العالية التي إليها يجلس، أما المحامي فيخوض غمارًا عليه أن يقف فيه شامخًا منتصبًا رغم أنه بلا حماية ولا حصانة، يكافح من أجل الحق الذي ينشده ويستصغر في سبيله مصالحه ويستهين بما قد يصيبه في شخصه وحريته، وربما في حياته نفسها، وتاريخ المحاماة شاهد في كل العصور على ذلك !



المحاماة رسالة، تستمد هذا المعنى الجليل من غايتها ونهجها.. فالمحامي يكرس موهبته وعلمه ومعارفه وقدراته لحماية (الغير) والدفاع عنه.. قد يكفي المهندس أو الطبيب أو الصيدلي أو المحاسب أو المهني بعامة أن يملك العلم والخبرة، والجد والإخلاص والتفاني، وعطاؤه مردود إليه.. معنى (الغير) والتصدي لحمايته والدفاع عنه ليس حاضرًا في ذهن المهني أو الحرفي، ولكنه كل معنى المحاماة وصفحة وعي المحامي.. الداعية الديني – مسلمًا كان أو مسيحيًا – يجلس إلى جمهور المتلقين المحبين المقبلين الراغبين في الاستماع إليه، لا يقاومون الداعية ولا يناهضونه ولا يناصبونه عداء ولا منافسة، أما المحامي فإنه يؤدي رسالته في ظروف غير مواتية، ما بين خصم يناوئه، ورول مزحوم قد يدفع إلى العجلة أو ضيق الصدر، ومتلقي نادرًا ما يجب سماعه وغالبًا ما يضيق به وقد يصادر عليه ويرى أنه يستغني بعلمه عن الاستماع إليه !! لذلك كانت المحاماة رسالة، الكلمة والحجة أداتها، والفروسية خلقها وسجيتها...



يستطيع المهني أن يؤدي مهمته متى دان له العلم والخبرة بتخصصه – بالطب إذا كان طبيبًا فذلك يكفيه للتشخيص وتحديد العلاج، وبالهندسة إذا كان مهندسًا فذلك يكفيه لإفراغ التصميم ومتابعة التنفيذ – وهكذا، أما المحامي – فلا يكفيه العلم بالقانون وفروعه، ولا تكفيه الموهبة – وهي شرط لازم، وإنما يتوجب عليه أن يكون موسوعي الثقافة والمعرفة، لأن رسالته قائمة على (الإقناع)، يتغيا به التأثير في وجدان، والوصول إلى غاية معقودة بعقل وفهم وضمير سواه، وهذه الغاية حصاد ما توفره الموهبة ويدلي به العلم وتضافره الثقافة والمعرفة – مجدول ذلك كله في عبارة مسبوكة وشحنة محسوبة لإقناع المتلقي. وما لم يصل المحامي إلى هذا الإقناع، فإن مهمته تخفق في الوصول إلى غايتها.. لذلك في المحامي لا يمكن أن يكون من الأوساط أو الخاملين، وإنما هو شعلة نابهة متوقدة متيقظة، موهوبة ملهمة، مزودة بزاد من العلوم والمعارف لا ينفد، مستعدة على الدوام لخوض الصعب وتحقيق الغاية مهما بذلت في سبيلها ما دامت تستهدف الحق والعدل والإنصاف.



ولذلك فإن فروسية الكلمة، ليست محض رصف لحروف، أو عبارات، ولا هي محض مباهاة أو طنطنة.. لا تتحقق للكلمة هذه الفروسية ما لم تكن تعبيرًا عن حاصل واقع وقائم في وجدان وحناياه ملقيها، مقرونًا باستعداد للبذل والنضال والكفاح من أجل تحقيق معانيها: في عالم الواقع لا في عالم الخيال، في عالم الفعل لا في عالم التفاخر والتباهي والتيه بالكلمات بغض النظر عن قيمتها وما تترجم عنه في عالم الواقع والفعل والعمل والسلوك.. لم يكن النبي - عليه السلام – فارسًا للكلمة لمجرد أنه يقول: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب) - ولا لمجرد أنه قال لعمه أبي طالب في شأن كبار قريش الذين جاءوا يساومونه على دينه ويعرضون عليه العروض ليصرف النظر عما يدعو إليه، فقال: والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه - ما تركته !. ( .. ولم يكن عليه السلام فارسًا للكلمة لمجرد أن ختم دعاؤه الشهير بالطائف قائلاً في مناجاته لربه: (إن لم يكن بك غضب على فلا أبالي ! ( .. وإنما كان محمد المصطفى فارسًا للكلمة لأنه كان يعني ما يقول، ولأنه ترجم الكلمات إلى واقع احتمل فيه العذاب والتنكيل والإساءة والإهانة والإيذاء.. جاهد ما وسعته وفوق ما تسعه طاقة أشداء المجاهدين، واحتمل جمرات قذائف وطعنات الكفار والمشركين، ولم يضق بما كان فيه من مكابدة ونصب، بل مضى لأداء رسالته يحول الكلمات إلى واقع غيّر وجه الحياة وحمل النور والضياء إلى الإنسانية عبر المكان والزمان !!



المحاماة رسالة الحق ونصيره وصوته، والمحامون هم فرسان هذه الرسالة، الحاملون لأمانتها، الناهضون بها، الباذلون بصدق وأمانة ومضاء وإخلاص في محرابها.. يحتضنون في ضمائرهم أوجاع وآلام وهموم الناس، يخوضون الغمار ويجتازون الصعاب للقيام برسالتهم النبيلة.. قوامها الحجة والبيان والبرهان، ورايتها الحق والعدل والحرية.



هذه الرسالة الضخمة، تستلزم استلزام وجوب أن توفر للمحامي وللمحاماة الحصانة والحماية الكافية، حصانة المحامي وحمايته في أداء رسالته وحمل أمانته، هي حصانة وحماية للعدالة ذاتها، لأن النهوض بها عبء جسيم، ولأن غايتها غاية سامقة يجب أن يتوفر لحملة رايتها ما يقدرون به أن يؤدوا الرسالة في أمان بلا وجل ولا خوف ولا إعاقة ولا مصادرة !!



ومع أن المدونة التشريعية المصرية، لا تزال إلى الآن دون المستوى المطلوب في حماية المحامي والمحاماة، فإن علينا أن نقر بأن كثيرين منا لا يلتفتون - أو بالقدر الكافي - لما حملته المدونة التشريعية من عناصر يتعين على المحامين، وعلى النقابة - أن يلموا بها وأن يتمسكوا بإعمالها إلى أن ترتفع المدونات ومعها الحماية إلى المستوى الذي تنشده المحاماة والمحامون. - هذا ويمكننا أن ستخلص من المدونات التشريعية الحالية بعض الخطوط العريضة التي نأمل أن تزداد عراضة واتساعًا وعمقًا.



تورد المادة / 1 من قانون المحاماة 17/1983 - أن المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وفي تأكيد سيادة القانون وفي كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم.



وتورد ذات المادة الأولى من قانون المحاماة، أن مهنة المحاماة يمارسها المحامون وحدهم في استقلال لا سلطان عليهم في ذلك إلا ضمائرهم وأحكام القانون، فماذا أوردت المدونة التشريعية المصرية ضمانًا لذلك ؟ !



أولاً: الاحترام الواجب للمحامي والمحاماة وضمانه قيام المحامي بأمانته بالجلسة:-



نصت المادة /49 من قانون المحاماة 17/1983 على أن (يعامل المحامي من المحاكم وسائر الجهات التي يحضر أمامها بالاحترام الواجب للمهنة)



وهذا الاحترام الواجب، لا يصل إلى غايته ما لم تتضافر معه حماية تسبغ على المحامي حال قيامه بواجبه وأمانته، فلا جدوى من ترك واجب الاحترام للآخرين يبذلونه متى شاءوا أو يضنون به متى أرادوا.. يزيد هذه المخاطر احتمالا، أن المحامي يتعامل مع سلطات درج شاغلوها على ممارسة السلطة بما تعطيه هذه الممارسة من اعتياد الخلود والارتياح إليها وحب ممارستها بما قد يؤدي إلى تجاوزات ينبغي أن يؤمن المحامي من غائلتها إذا تجاوزت أن اشتطت.



لذلك نصت الفقرة الثانية من المادة/ 49 سالفة الذكر، على أنه:-



(واستثناء من الأحكام الخاصة بنظام الجلسات والجرائم التي تقع فيها المنصوص عليها في قانون المرافعات والإجراءات الجنائية إذا وقع من المحامي أثناء وجوده بالجلسة لأداء واجبه أو بسببه إخلال بنظام الجلسة أو أي أمر يستدعي محاسبته نقابيًا أو جنائيًا، يأمر رئيس الجلسة بتحرير مذكرة بما حدث ويحيلها إلى النيابة العامة ويخطر النقابة الفرعية المختصة بذلك(



فلا تجيز هذه المادة - ونقلتها بنصها المادة / 590 من تعليمات النيابة العامة (الكتاب الأول) - لا تجيز للقاضي أن يعامل المحامي الحاضر أمامه بما قد تعامل به جرائم الجلسات، وكل ماله هو أن يحرر مذكرة تحال إلى النيابة العامة مع إخطار نقابة المحامين الفرعية بذلك.

وعلى ذات هذا النظر جرت المادة / 245 من قانون الإجراءات الجنائية، وزادت أنه لا يجوز أن يكون رئيس الجلسة أو أحد أعضائها عضوًا في الهيئة التي تنظر ما عساه يرفع على المحامي.



وتأمينًا للمحامي من أي جنوح في معاملته، نصت المادة / 50 من قانون المحاماة على أنه:



(في الحالات المبينة بالمادة السابقة لا يجوز القبض على المحامي أو حبسه احتياطيًا، ولا ترفع الدعوى الجنائية فيها إلا بأمر من النائب العام أو من ينوب عنه من المحامين العاملين الأول(



بهذه النصوص أخرج المشرع ما عساه يصدر من المحامي مخالفًا لقانون وتقاليد المحاماة أو المدونة الجنائية - من عداد الاختصاص المقرر للمحاكم في جرائم الجلسات.



وجوهر هذا الاستثناء الذي قرره الشارع في شأن جرائم الجلسات التي قد تقع أو تنسب إلى محام - أنه لم يخول المحكمة سلطة التحقيق أو الحكم فيها، وإنما قصر سلطتها على مجرد الإحالة إلى النيابة العامة لإجراء التحقيق، فلا يجوز للمحكمة أن تحقق مع المحامي الحاضر أمامها أو تتخذ إزاءه أي إجراء من الإجراءات التحفظية، وغاية هذا واضحة هي توفير مظلة الأمان الواجب للمحامي وهو ينهض برسالته بالجلسة.

وعلة هذا الاستثناء أن المحامي يحتل في النظام القضائي الحديث مركزًا قانونيًا، وهو يعاون القاضي في الفهم الصحيح لوقائع الدعوى والتطبيق السليم للقانون عليها، ومن المصلحة أن يمكن من أداء واجبه في حرية ودون أن يخشى إجراءً تعسفيًا أو عقوبة فورية يوقعها القاضي عليه، يعني ذلك أن ثمة اختلافًا أساسيًا بين وضع المحامي في الجلسة ووضع غيره من الحاضرين فيها، وهذا الاختلاف يفسر الحكم الخاص بهذه الجرائم، وبالإضافة إلى ذلك، قدر الشارع أن من المصلحة - في حالة وقوع الاعتداء على أحد أعضاء هيئة المحكمة - أن يفصل في جريمة المحامي في جلسة غير الجلسة التي سيطر عليها التوتر الذي ترتب على المشادة بينه وبين عضو المحكمة، بل إن الإرجاء قد يتيح الصلح بينهما، فلا تحال الدعوى إلى القضاء، وفي عودة الوئام بين عضو هيئة المحكمة المعتدى عليه وبين المحامي مصلحة لا شك فيها، وإذا أحيلت الدعوى على القضاء، فإنه يفصل فيها قاضٍ آخر غير من وقع الاعتداء عليه، فلا يجوز أن يجمع شخص واحد بين صفتي المجني عليه والقاضي.

د. محمود نجيب حسني - الإجراءات - ط 1988 - رقم 179 - ص 165 - 166

* الأستاذ علي زكي العرابي - الإجراءات - جـ 1 - رقم 1439 - ص 695

* الدكتور محمود مصطفى - الإجراءات - رقم 87 - ص 115

* د. حسن المرصفاوي - الإجراءات رقم 65 - ص 168

* د. مأمون سلامة - الإجراءات الجنائية في التشريع المصري - جـ 1 - ص 187/188

* د. مأمون سلامة - الإجراءات معلقًا عليه - ط 1980 – ص 612

وفيما يبدو أنه استجابة واجبة لهذه القاعدة المقررة بقانون المحاماة وقانون الإجراءات الجنائية وتعليمات النيابة العامة - نصت المادة / 592 من تعليمات النيابة العامة على أنه:-



(لا يجوز القبض على محامٍ أو حسبه احتياطيًا لما نسب إليه في الجلسة من جرائم القذف والسب والإهانة بسبب أقوال أو كتابات صدرت منه أثناء أو بسبب مارسته المهنة، وعلى عضو النيابة تحرير محضر بما حدث في هذه الحالة وإبلاغ صورته عن طريق المحامي العام أو رئيس النيابة الكلية إلى مجلس النقابة، وذلك دون إخلال بسلطة النيابة في تحقيق هذه الجرائم(



ثانيًا: حماية المحامي من أي تجاوز أو إهانة أثناء قيامه بأعمال مهنته



حماية المحامي هي فيما أسلفنا - حماية للمحاماة وللعدالة، والإقرار بما للمحاماة من دور هام ومشارك في تحقيق العدالة، تستوجب حمايته من أي تجاوزات تمسه أو تمس اعتباره أثناء نهوضه بأمانته - ومع أن التعدي والإساءة للاعتبار معاقب عليهما بالمدونة العقابية بغض النظر عن شخص المجني عليه - فإن قانون المحاماة 17/1983 نص في مادته / 54 على ما يلي:-

(يعاقب كل من تعدى على محام أو أهانه بالإشارة أو القول أو التهديد أثناء قيامه بأعمال مهنته أو بسببها بالعقوبة المقررة لمن يرتكب هذه الجريمة ضد أحد أعضاء هيئة المحكمة(



وجدير بالذكر أن الفقرة الثانية من المادة / 133 عقوبات، تعاقب عن إهانة هيئة قضائية بعقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تتجاوز خمسمائة جنيه.



ثالثًا: ضوابط وقيود التحقيق مع المحامي أو تفتيش مكتبه:





نصت المادة / 51 من قانون المحاماة 17/1983 على أنه:



(لا يجوز التحقيق مع محام أو تفتيش مكتبه إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة العامة.



ويجب على النيابة العامة أن تخطر مجلس النقابة أو مجلس النقابة الفرعية قبل الشروع في تحقيق أية شكوى ضد محام بوقت مناسب، وللنقيب أو رئيس النقابة الفرعية إذا كان المحامي متهمًا بجناية أو جنحة خاصة بعمله أن يحضر هو أو من ينيبه من المحامين، التحقيق.



ولمجلس النقابة، ولمجلس النقابة الفرعية المختص طلب صور التحقيق بغير رسوم).



ونصت المادة / 587 من تعليمات النيابة العامة (الكتاب الأول) على أنه:



(إذا اتهم أحد المحامين بارتكاب جناية أو جنحة لا صلة لها بمهنته فيجب على الشرطة إذا كان البلاغ قد ورد إليها ابتداء إخطار النيابة فورًا لتتولى تحقيق الحادث، وعلى النيابة الجزئية التي تلقت بلاغ الحادث أو أخطرت به أن تتولى تحقيقه وقيده بجداولها مع مراعاة إخطار المحامي العام أو رئيس النيابة الكلية بذلك فورًا وقبل البدء في التحقيق، ولا يجوز للنيابة أن تكلف الشرطة بتحقيق أية شكوى من الشكاوى التي تقدم ضد المحامين ولا بإجراء استيفاء فيها، وإذا اقتضى التحقيق حضور المحامي إلى مقر النيابة فيجب طلبه بكتاب خاص يرسل إليه مباشرة أو الاتصال به بطريق التليفون ولا يجوز طلب المحامي إلى النيابة عن طريق الشرطة).



ونصت المادة /588 من تعليمات النيابة العامة (الكتاب الأول) على أنه:



(إذا كان موضوع الشكوى المقدمة ضد المحامي يتعلق بمهنته فيجوز للمحامي العام أو رئيس النيابة الكلية الاكتفاء بطلب معلومات المحامي إلا إذا كان اقتضى الأمر سماع أقوال الشاكي أو إجراء تحقيق فيما تضمنته الشكوى، فإذا تفاهم طرفا الشكوى أو ثبت أنها غير جدية فيتعين حفظها ما لم ير المحامي العام أو رئيس النيابة الكلية استطلاع رأي المحامي العام لدى محكمة الاستئناف قبل التصرف فيها).



ونصت المادة / 589 من تعليمات النيابة العامة (الكتاب الأول) على أنه:



(إذا اتهم المحامي بأنه ارتكب جناية أو جنحة أو أنه أخل بواجباته أو بشرف طائفته أو حط من قدرها بسبب سيره في أعمال مهنته أو غيرها فيجب على النيابات أن ترسل التحقيق الذي تجريه في ذلك إلى المحامي العام لدى محكمة الاستئناف بمذكرة لاستطلاع الرأي قبل التصرف فيه، وعليه إرسال الأوراق إلى النائب العام إذا رأى محلاً لإقامة الدعوى الجنائية أو التأديبية).



هذا ومع ما نصت عليه المادة / 592 سالفة البيان من تعليمات النيابة العامة، فإن المادة / 593 من ذات التعليمات قد نصت على أنه:



(لا يجوز التحقيق مع محام أو تفتيش مكتبه إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة ويجب على عضو النيابة أن يخطر مجلس نقابة المحامين أو مجلس النقابة الفرعية قبل الشروع في التحقيق أي شكوى ضد أحد المحامين بوقت مناسب.



فإذا كان المحامي متهمًا بجناية أو جنحة خاصة بعمله فللنقيب أو رئيس النقابة الفرعية أو من ينبه من المحامين حضور التحقيق).



وتقييد تفتيش مكتب المحامي هو فرع على ما يجب توفيره له من ظروف وضمانات لتوفير الحماية الواجبة له ليستطيع أن ينهض بمهامه ويؤدي رسالته في حرية وطمأنينة وأمان، يفرض هذا أيضًا أن المحامي عرضه بالأدوار التي يؤديها في الخصومات أن يكون هدفًا لانتقام هذا أو ذاك من أطراف الخصومة ببلاغ كيدي، فضلاً عما يجب أن يتوفر للمكتب وأوراقه ومستنداته من سياج تأمن به من أي عبث أو تهديد قد يتستر شكلاً بشكاوى وإجراءات ظاهرها برئ وباطنها الرغبة في الكيد للمحامي أو الوصول إلى النيل منه أو مما لديه من مستندات وأوراق تتعلق بها أسرار ومصالح الخصوم الذين يتولى قضاياهم..





رابعًا: حصانة المحامي في مرافعته الشفوية والمكتوبة:-





لا يعرف صعوبة المرافعة إلا من يكابدها، فهي حاملة الرسالة التي ينهض بها المحاماة في ظروف عسيرة لبلوغ الغاية وإحقاق الحق وإرساء العدل.



ولا غناء في مرافعة - شفوية أو مكتوبة - تحوطها المخاوف والهواجس، وإلا فقد الدفاع حكمته وغايته جميعًا.



وحماية المحامي في أداء رسالته، هي فرع على حماية حقوق الدفاع، سواء باشرها أطراف الخصومة، أو نهض بها المحامون.



وقد نصت المادة / 309 عقوبات على أنه:-



(لا تسري أحكام المواد 302، 303، 305، 306، 308 على ما يسنده أحد الأخصام في الدفاع الشفوي أو الكتابي أمام المحاكم فإن ذلك لا يترتب عليه إلا المقاضاة المدنية أو المحاكمة التأديبية).



ونصت المادة / 47 من قانون المحاماة 17/1983 (المادتان 91، 134 من قانون المحاماة 61/ 6FPRIVATE "TYPE=PICT;ALT=Cool" على أنه:-



(للمحامي أن يسلك الطريقة التي يراها ناجحة طبقًا لأصول المهنة في الدفاع عن موكله ولا يكون مسئولاً عما يورده في مرافعته الشفوية أو في مذكراته المكتوبة مما يستلزمه حق الدفاع، وذلك مع عدم الإخلال بأحكام قانون الإجراءات الجنائية وقانون المرافعات المدنية والتجارية).



هذا وقد جرى تواتر قضاء النقض باطراد، على أن حكم المادة 309 ع ليس إلا تطبيقًا لمبدأ عام هو حرية الدفاع بالقدر الذي يستلزمه وأنه يستوي أن تصدر العبارات أمام المحاكم أو أمام سلطات التحقيق أي في محاضر البوليس، ذلك بأن هذا الحق أشد ما يكون ارتباطًا بالضرورة الداعية إليه (نقض 2/10/1965 - س 7 - 269-986)، حتى أنه قضى بدخول إنكار بنوة الطفل واتهام أمه بأنها حملته سفاحًا في دائرة أفعال القذف المباحة لأنها من مستلزمات الدفاع، وكذلك نسبة الاختلاس والارتشاء إلى الموظف لإثبات مبررات فصله، أو نسبة اختلاس ريع الوقف إلى نظار الوقف في دعوى عزله من النظارة، (نقض 10/6/1940 مج القواعد القانونية - عمر - جـ 5 - رقم 122 - ص 230)، كما قضى بأن نسبة الإقراض بالربا الفاحش إلى الخصم في معرض بيان مقدرته المالية تعتبر متعلقة بدعوى النفقة المرفوعة عليه - (نقض 4/3/40 مج القواعد القانونية - عمر – جـ 5 - رقم 71 - ص 122)، كما قضى أيضًا بأنه من المباح لأنه من مستلزمات الدفاع إسناد المتهم شهادة الزور والرشوة إلى رجل البوليس الذي حرر ضده محضر جمع الاستدلالات (جرائم النشر.. الأستاذ محمد عبد الله محمد - ط 1951 - ص 347).



* وقضت محكمة النقض بأن:



(الإدانة) بالسبب تستلزم من الحكم بيان العبارات محل الاتهام بالسب أو القذف، - حتى يتضح وجه استخلاص الحكم أن عبارات السب ليست مما يستلزمه حق الدفاع في النزاع).



* نقض 22/10/1972 - س 23 - 240 - 1074



بل وقضت محكمة النقض بأنه:



(يدخل في معنى الخصم الذي يعفى من عقاب القذف الذي يصدر منه أمام المحكمة طبقًا لنص المادة / 309 ع المحامون عن المتقاضين ما دامت عبارات القذف الموجهة إليهم تتصل بموضوع الخصومة وتقتضيها ضرورات الدفاع).



* نقض 27/11/1956 - س 7 - 332 - 1196 7 - 332 - 1196



* وقضت محكمة النقض بأن:



(حكم المادة / 309 عقوبات ليس إلا تطبيقًا لمبدأ عام هو حرية الدفاع بالقدر الذي يستلزمه، فيستوي أن تصدر العبارات أمام محاكم أو أمام سلطات التحقيق أو في محضر الشرطة، - ذلك بأن هذا الحق أشد ما يكون ارتباطًا بالضرورة الداعية إليه، وما فاه به الطاعن من طلب السكوت من جانب الطعون ضده (بقوله (اخرس)) أدنى وسائل الدفاع عن نفسه في مقام اتهامه أمام الشرطة باغتصاب أثاث زوجته ورميه بأنه يعيش من مالها - ويكون الحكم إذ اعتبر ما تلفظ به الطاعن/ سبًا يكون قد أخطأ في التكييف القانوني).



* نقض 6/10/1969 - س 20 - 197 - 1014



وأيدت محكمة النقض الحكم القاضي ببراءة المطعون ضده - والذي وجه لخصمه في دعوى مدنية أمام محكمة الموسكي الجزئية - عبارة (أنت خايف ليكشف تزويرك) - وقالت المحكمة أن هذا الإسناد مما يستلزمه الدفاع، وأن الخصم إذ وصف اختلاف المستندات بأنه تزوير فإن ذلك يكون تضخيمًا لتهيئة ذهن المحكمة بما يستلزمه الدفاع، وقالت محكمة النقض أنه لما كان ذلك وكان الفصل فيما إذا كانت عبارات السب أو القذف مما يستلزمه الدفاع متروكًا لمحكمة الموضوع وكانت المحكمة قد رأت أن العبارات التي صدرت من المطعون ضده إنما تتصل بالنزاع القائم وبالقدر الذي تقتضيه مرافعة الخصم عن حقه، وانتهت في منطق سليم إلى أن تلك العبارات مما تمتد إليه حماية القانون، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض طلب التعويض تأسيسًا على تعلق (القذف) بالخصومة ومناسبته للمقام، لا يكون قد أخطأ في شيء ويكون الطعن على غير أساس متعينًا رفضه).

* نقض 27/11/1956 - س 7 - 332 - 1196 7 - 332 - 1196



* وقضت محكمة النقض بأنه:



(متى كانت محكمة الموضوع قد قررت في حدود سلطتها التقديرية أن العبارات التي اعتبرها الطاعن قذفًا في حقه - إنما صدرت من المطعون ضده في مقام الدفاع في الدعوى المدنية التي رفعها الطاعن عليه ورأت أن المقام كان يقتضيها فلا يقبل الجدل في ذلك أمام محكمة النقض).



* نقض 26/1/1948 - مج القواعد القانونية - عمر - جـ 7 - 519 - 478



* وقضت محكمة النقض بنقض وإلغاء الحكم المطعون فيه الذي كان قد قضى بالإدانة - وقضت مجددًا ببراءة الطاعن الذي كان قد رد على ادعاء المدعية بقيام الزوجية وأنها أثمرت طفلاً - بأن قال (إن هذا الولد نتيجة سفاح) - وأوردت محكمة النقض أن عبارات القذف إنما وقعت أثناء تحقيق النيابة وكانت في مقام الدفاع، فتكون الواقعة المسندة إليه لا عقاب عليها طبقًا للمادة 309 عقوبات، - ومن ثم يتعين إلغاء الحكم المطعون فيه وبراءة الطاعن مما نسب إليه).



نقض 19/5/1941 - مج القواعد القانونية - عمر - جـ 5 - 266 - 522



* كما قضت في العديد من أحكامها، - بأن تجاوز حق الدفاع المقرر في المادة / 309 عقوبات لا يستوجب إلا المساءلة المدنية.



* نقض 23/2/1942 - مج القواعد القانونية - عمر - جـ 5 - 367 - 629



* نقض 8/1/1931 - مج القواعد القانونية - عمر - جـ 2 - 142 - 178



* وقضت محكمة النقض بأن:-



(حكم المادة / 309 عقوبات ليس إلا تطبيقًا لمبدأ عام هو حرية الدفاع بالقدر الذي يستلزمه فيستوي أن تصدر العبارات أمام المحاكم أو أمام سلطات التحقيق أو في محاضر البوليس ذلك بأن هذا الحق أشد ما يكون ارتباطًا بالضرورة الداعية إليه).



* نقض 2/10/1956 - س 7 - 269 - 986



وذلك وفي هذا الحكم الصادر 2/10/1956 برئاسة المستشار مصطفى فاضل وكيل المحكمة، - وبعضوية المستشارين محمود إبراهيم إسماعيل، ومحمود محمد مجاهد، ومحمد محمد حسنين، وأحمد عفيفي أيدت محكمة النقض القضاء بالبراءة عن واقعة نعي فيها الطاعن على المطعون ضدهم - أن قذف أحدهم علنًا في حق الطاعن بأن أسند إليه في محضر رسمي (أنه ليس محاميًا وليس له أن يتخذ لقب أستاذ التي هي للمحامين) - فقضت محكمة أول درجة حضوريًا ببراءة المتهمين ورفض الدعوى المدنية وإلزامه بمصروفاتها - فاستأنف المدعي الحق المدني (الطاعن) هذا الحكم، فقضت محكمة الإسكندرية الابتدائية حضوريًا بتأييد الحكم المستأنف (القاضي بالبراءة) وألزمته (الطاعن) المصروفات المدنية الاستئنافية، - فطعن من ثم بالنقض، - ناعيًا على المحكمة أنها قصرت في الرد على دفاعه - دفاع الطاعن - بأن العبارات تشكل قذفًا في حقه لما تضمنته من أنه يدعي أنه محام ويدعو نفسه بأستاذ بغير حق، فقضت محكمة النقض برفض هذا الطعن وتأييد الحكم القاضي بالبراءة قولاً منها بأن المحكمة الاستئنافية فيما قضت به من عدم قيام الجريمة وانتفاء الخطأ الموجب للمسئولية المدنية، قد أحاطت بظروف الدعوى وألمت بموجبات هذا القضاء وأقرت الحكم المستأنف (القاضي بالبراءة) فيما قرره في حدود سلطة المحكمة التقديرية من أن العبارات موضوع الاتهام (أنه ليس محاميًا وليس له أن يتخذ لقب أستاذ التي هي للمحامين) تشملها حصانة الدفاع، - وأنه متى كان ذلك فإنه لا يعيب الحكم أنه أجرى حكم المادة 309 عقوبات على ما أبدى من عبارات في محضر تحقيق البوليس لأن حكم هذه المادة ليس إلا تطبيقًا لمبدأ عام هو حرية الدفاع بالقدر الذي يستلزمه فيستوي أن تصدر العبارات أمام المحاكم أو أمام سلطات التحقيق أو في محاضر البوليس ذلك بأن هذا الحق أشد ما يكون ارتباطًا بالضرورة الداعية إليه)



* نقض 2/10/1956 - س 7 - 269 - 986 - الطعن 749/26 ق





خامسًا: كفالة حق المحامي في الاطلاع.



وعدم جواز المصادرة على حقه أو تعطيله.



نصت المادة / 52 من قانون المحاماة 17/1983 - على أنه:-



(للمحامي حق الاطلاع على الدعاوى والأوراق القضائية والحصول على البيانات المتعلقة بالدعاوى التي يباشرها.



ويجب على جميع المحاكم والنيابات ودوائر الشرطة ومأموريات الشهر العقاري وغيرها من الجهات التي يمارس المحامي مهمته أمامها أن تقدم له التسهيلات التي يقتضيها القيام بواجبه وتمكينه من الاطلاع على الأوراق والحصول على البيانات وحضور التحقيق مع موكله وفقًا لأحكام القانون ولا يجوز رفض طلباته دون مسوغ قانوني.



ويجب إثبات جميع ما يدور في الجلسة في محضرها).



واستجابة لما نص عليه قانون المحاماة، وتوجيه العدالة وكفالة حقوق الدفاع، أصدر النائب العام الكتاب الدوري رقم 7/1996 أورد فيه ما يلي:-



(لما كان من المقرر أن حق الاطلاع على أوراق التحقيقات التي تجريها النيابة العامة مع المتهمين تعد من أبرز حقوق الدفاع التي نظمها قانون الإجراءات الجنائية، والمادة / 52 من قانون المحاماة رقم / 17 لسنة 1983 - بوصفه من أهم ضمانات التحقيق الجنائي وذلك تمكينًا للدفاع من القيام بواجبه المنوط به قانونًا.



وتطبيقًا لذلك - نظمت المواد 605، 612، 613 من التعليمات القضائية حالات وضوابط ممارسة الدفاع لذلك الحق، وجاء تنظيمها في هذا الشأن شاملاً كذلك لحالات ممارسة التحقيق في ظروف الاستعجال ومقتضيات الضرورة بسبب الخوف من ضياع الأدلة.



وبناء على ما تقدم - ونزولاً على تلك الاعتبارات فإننا ندعو السادة أعضاء النيابة إلى ضرورة العمل على تيسير حق الدفاع في الاطلاع على أوراق التحقيقات أو نسخها ملتزمين في ذلك بما ورد في النصوص سالفة الإشارة من أحكام وضوابط قانونية تمكينًا للدفاع من أداء واجبه المقرر في هذا الشأن).



ثم زاد النائب العام هذه الكفالة قوة وضمانًا، في الكتاب الدوري رقم /1 لسنة 2002 - وأورد فيه ما يلي:-



(نصت المادة 125 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه (يجب السماح للمحامي بالاطلاع على التحقيق في اليوم السابق على الاستجواب أو المواجهة ما لم يقرر القاضي غير ذلك، وفي جميع الأحوال لا يجوز الفصل بين المتهم ومحاميه الحاضر معه أثناء التحقيق).



ولما كان حق الدفاع من الحقوق الأصلية المكفولة لكل مواطن بحكم الدستور، الأمر الذي يجب وضعه دائمًا في موضع التنفيذ في كافة مناحيه والعمل على إزالة أية عقبات تعترض سبيله، ولعل من أهم مظاهره وجوب السماح للمحامي بالاطلاع على التحقيق حتى اليوم السابق على استجواب المتهم أو مواجهته بغيره من المتهمين أو الشهود حتى يحاط الدفاع بما جرى في التحقيقات عن بصر وبصيرة حرصًا على أداء واجبه وصولاً إلى الحقيقة التي ينشدها المجتمع.



فإننا ندعو السادة أعضاء النيابة إلى تكليف رؤساء الأقلام الجنائية بالنيابات الكلية والجزئيات تحت إشرافهم بتصوير التحقيقات التي تجريها النيابة العامة أيًا كان الرقم القضائي المقيدة به عقب كل جلسة تحقيق وختمها بخاتم النيابة لتكون صورة طبق الأصل تودع لدى رؤساء الأقلام الجنائية على أن يتم تصوير نسخة معتمدة من الصورة المودعة تسلم للسادة المحامين الموكلين حال طلبهم الاطلاع على التحقيقات بعد سداد الرسوم المقررة، ويحتفظ بأصل التحقيقات بعيدًا عن التداول).





سادسًا: عدم جواز إجبار المحامي على إفشاء ما لديه من أسرار موكليه:



في حياة ونفس كل إنسان أسرار ودقائق وأمور لا يعلمها إلا عالم الأسرار ومن خلق النفس البشرية وسواها فألهمها فجورها وتقواها.. سبحانه وتعالى، ولا يقوى صاحبها على المصارحة والإفضاء والإسرار بمكنون ومخبوء نفسه إلا لمن يثق فيه ويطمئن إلى أنه لن يفشي ذلك السر، فالإنسان مجبول بفطرته وطبيعته وغريزته على أن يكتم سره في قبله وألا يبوح به لأحد من الناس إلى لمن وثق به وأمن واطمأن إليه وارتضاه حافظًا على أسراره.



وذلك فقد حرصت الشرائع على تحريم وحظر وتجريم إفشاء الأسرار وحضت على كتمان الأسرار بحسبانه واجبًا وإلزامًا خلقيًا، وقد ابتدأ الأمر بتجريم رجال الدين إذا ما أفشوا سر الاعتراف، ثم امتد نطاق الحظر والتجريم بعد ذلك إلى المحامين ووكلاء الدعاوى والأطباء على مختلف تخصصاتهم والصيادلة، والجراحين والقوابل، ولما تطورت رسالة الدولة وتزايدت واتسعت واجباتها وجد كمان أسرار المهنة تطبيقاته في أعمال السلطات المختلفة، كالقضاء والتحقيقات والتوثيق والضرائب وغيرها.



ولذلك فقد نصت م 75 أ.ج على أنه:



تعتبر إجراءات التحقيق ذاتها والنتائج التي تسفر عنها من الأسرار ويجب على قضاة التحقيق وأعضاء النيابة العامة ومساعديهم من كتاب وخبراء وغيرهم ممن يتصلون بالتحقيق أو يحضرونه سبب وظيفتهم أو مهنتهم عدم إفشائها، ومن يخالف ذلك منهم يعاقب طبقًا للمادة / 310 من قانون العقوبات).



كما أكدت هذه القاعدة م / 58 أ.ج بالنسبة إلى كل موظف يكون قد وصل إلى علمه بسبب التفتيش معلومات عن الأشياء والأوراق المضبوطة، وكذلك ما نصت عليه م/ 154 ع من أن (كل من أخفى من موظفي الحكومة أو مصلحة التلغراف أو مأموريها تلغرافًا من التلغرافات المسلمة إلى المصلحة المذكورة أو أفشاه أو سهل ذلك لغيره ويعاقب...........)



وواجب المحامي في المحافظة على أسرار موكله، وينبع أساسًا من قيم وتقاليد المحاماة، ويستند أيضًا إلى نص المادة / 79 من قانون المحاماة 17/1983 التي نصت على أنه:-



(على المحامي أن يحتفظ بما يفضي به إليه موكله من معلومات، ما لم يطلب منه إبداءها للدفاع عن مصالحة في الدعوى).



وجدير بالذكر أنه توجد قوانين أخرى لا يتسع المقام لسردها - أوجبت على طوائف مختلف من الموظفين عدم إفشاء أسرار المهنة، مثل م / 48 من القانون رقم 14/ 1939 الخاص بفرض ضريبة على إيرادات رؤوس الأموال المنقولة وعلى الأرباح الصناعية والتجارية وعلى كسب العمل، والمادة / 18 من المرسوم بقانون رقم 163 / 1950 الخاص بشؤون التسعيرة الجبرية وتحديد الأرباح والمادة / 14 من القانون رقم 80 / 1947 بتنظيم الرقابة على عمليات النقد.



ومهنة المحاماة من أبرز المهن التي يفزع فيها الإنسان طائعًا مختارًا إلى رسلها وفرسانها، يبوح إلى من يختاره منهم بمكنون ومخبوء نفسه، ولذلك فقد أوجب المشرع على المحامي حفظ هذه الأسرار (م/ 79 محاماة سالفة البيان)، كما حرص المشرع - تحقيقًا لهذه الغاية - على أن يحيط علاقة المحامي بموكله بسياج متين وضمانات تكفل الأمن والأمان والطمأنينة لتلك الرسالة السامية ومن يمارسها، فوضع نصوصًا لا يجوز بمقتضاها إجبار المحامي على إفشاء ما لديه من أسرار.





فنصت م / 65 من قانون المحاماة رقم 17/ 1983 على أنه:



(على المحامي أن يمتنع عن أداء الشهادة عن الوقائع أو المعلومات التي علم بها عن طريق مهنته إذا طلب منه ذلك من أبلغها إليه، إلا إذا كان ذكرها له بقصد ارتكاب جناية أو جنحة).



وفي ذات المعنى والسياق سالف البيان نصت م / 66 من قانون الإثبات فق المواد المدنية والتجارية على أنه:



(لا يجوز لمن علم من المحامين أو الوكلاء أو الأطباء أو غيرهم عن طريق مهنته أو صنعته بواقعة أو معلومات أن يفشيها ولو بعد انتهاء خدمته أو زوال صفته ما لم يكن ذكرها مقصودًا به ارتكاب جناية أو جنحة).



(ومع ذلك يجب على الأشخاص المذكورين أن يؤدوا الشهادة على تلك الواقعة أو المعلومات متى طلب منهم ذلك من أسرها إليهم على ألا يخل ذلك بأحكام القوانين الخاصة بهم)



ذلك أن المشرع قدر أن المحامي هو مستودع سر موكله، وهو المؤتمن على الأسرار التي سرها إليه والتي قد لا يأمن أن يسر بها إلى أحد آخر غيره ولو المقربين إليه، ولذا فقد احترم المشرع تلك العلاقة التي تربط المحامي بموكله وأحاطها بضمانة تبعث الطمأنينة والأمن في نفس المحامي وموكله، فنص في المادتين سالفتي البيان على عدم جواز إجبار المحامي على أن يفشي ما لديه من أسرار موكليه، كما أعطى له الحق في أن يمتنع عن أداء الشاهدة عن الوقائع أو المعلومات التي علم بها عن طريق مهنته إذا لم يأذن له موكله بذلك، بل وصل الأمر إلى حد أن المشرع حظر على المحامي إفشاء الأسرار والمعلومات والوقائع التي علم بها عن طريق مهنته ولو بعد انتهاء خدمته أو زوال صفته.



فقد نصت م/ 310 على أنه:



(كل من كان من الأطباء أو الجراحين أو الصيادلة أو القوابل أو غيرهم مودعًا لديه بمقتضى صناعته أو وظيفته سر خصوصي أؤتمن عليه فأفشاه في غير الأحوال التي يلزمه القانون فيها بتبليغ ذلك يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز خمسمائة جنيه مصري).



(ولا تسري أحكام هذه المادة في الأحوال التي لم يرخص فيها قانونًا بإفشاء أمور معينة كالمقرر في المواد 202، 203، 204، 205 من قانون المرافعات في المواد المدنية والتجارية).



وواضح أن النص وإن تمثل في حظر الإفشاء بالأطباء والجراحين والصيادلة والقوابل، فإنه عنى بإطلاق القاعدة بصريح اللفظ لتمتد إلى غيرهم ممن تقتضي مهنهم الاطلاع على الأسرار، وفي مقدمتهم المحامون.



* نقض 31/1/1967 – س 8 - 24 – 128 – الطعن 1172/36 ق



وإذا كان لا يجوز إجبار المحامي على إفشاء ما لديه من أسرار موكليه، إلا أن ذلك لا يمنع من جواز سماع شهادته أمام النيابة أو القضاء إذا طلب أو أذن له موكله وصاحب السر بذلك، فحينئذ فقط يجوز للمحامي أن يدلي بشهادته.



وجرى قضاء النقض على أنه يجوز للمحامي أن يكون شاهدًا في الدعوى (نقض 2/1/1929 – مج القواعد القانونية – محمود عمر – جـ 1 – 97 – 118).



ومن المتفق عليه أنه يجوز للمحامي عن المتهم أن يسمع كشاهد نفي، إذ لا يوجد أي تعارض بين الصفتين، صفته كمحام عن المتهم وصفته كشاهد نفي للاتهام المنسوب إلى موكله، إذ لا يوجد أي نص قانوني يحظر على المحامي أن يكون شاهدًا، ولكن استشهاد سلطة الاتهام بالمحامي هو وحده الذي يتعارض مع واجبه في الدفاع عن المتهم، ومع ما يمليه عليه واجب عدم إفشاء الأسرار التي أؤتمن عليها فلا يجوز للمحامي – حينئذ – أن يشهد ضد موكله المتهم المكلف بالدفاع عنه.



* د. عبد الرءوف مهدي – شرح القواعد العامة للإجراءات الجنائية – ط نادي القضاة – 2003 – رقم 915 – ص 1334



* د. محمود نجيب حسني – الإجراءات – جـ 2 – 1988 – ص 488



والأصل هو أن حظر إفشاء الأسرار مقرر حتى ولو كان للتبليغ عن جريمة وقعت بالفعل، فليس للطبيب الذي يدعى إلى عيادة مصاب أن يبلغ عن إصابته، ولو اتصلت بجناية سواء أكان فيها جانيًا أو مجني عليه، وليس للمحامي الذي اعترف له موكله بارتكاب جريمة معينة أن يبلغ عنها وهكذا، ولا يمكن للطبيب أو المحامي في مثل هاتين الصورتين أو غيرهما أن يتذرع بحكم المادة 25 إجراءات التي أجازت (لكل من علم بوقوع جريمة يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى عنها بغير شكوى أو طلب أن يبلغ النيابة العامة أو أحد مأموري الضبط القضائي عنها.



وإنما استثناء من هذا الأصل أجاز القانون للأمين على السر أن يبلغ السلطات عما وصل إليه من معلومات إذا كان (ذكرها مقصودًا به فقط ارتكاب جناية أو جنحة (على حد تعبير المادة 66 من قانون الإثبات، أما إذا وقعت بالفعل فلا يجوز له الإفشاء بأية حال.



سابعًا: حماية مراسلات المحامي مع موكله والمحادثات الهاتفية بينهما:





ترتبط ضمانة حماية المراسلات المتبادلة بين المحامي وموكله بالضمانة التي قررها المشرع للمحامي وحظر فيها إجباره على إفشاء ما لديه من أسرار موكليه إلا بإذن الموكل أو بناء على طلبه.



فالمراسلات المتبادلة بين المحامي وموكله والأوراق والمستندات التي يسلمها أو يودعها الموكل لدى محاميه تتضمن بطبيعة الحال أسرارًا لا يجوز إجبار المحامي على إفشائها أو إطلاع الغير عليها أو تسليمها إليهم حتى ولو كانت صورًا ضوئية منها.



ولذلك فقد نصت م/ 96 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 328 من التعليمات العامة للنيابات على أنه:



(لا يجوز لقاضي التحقيق أن يضبط لدى المدافع عن المتهم أو الخبير الاستشاري الأوراق والمستندات التي سلمها المتهم لهما لأداء المهمة التي عهد إليها بها، ولا المراسلات المتبادلة بينهما في القضية).



وواضح من ذلك النص أن المشرع قد وضع قيدًا على نطاق الأشياء التي يجوز للمحقق ضبطها فاستبعد منه الأوراق والمستندات التي سلمها المتهم للمدافع عنه كي يستعين بها في الدفاع عنه أو المراسلات المتبادلة بينهما في هذا الشأن، ولو رجح المحقق أن ضبطها فيه فائدة كبيرة للتحقيق، وعلة هذا القيد تمكين المدافع من القيام بدوره في الدعوى الجنائية، وهو دور قد صار أساسيًا في القانون الحديث، ويتصل هذا القيد كذلك بالتزام المدافع بالسر المهني، وعدم جواز أن التنقيب عن الدليل بطريق غير مشروع، ويتسق ذلك مع المبدأ الذي قررته المادة/141 من قانون الإجراءات الجنائية من حيث (عدم جواز الإخلال بحق المتهم في الاتصال دائمًا بالمدافع عنه بدون حضور أحد)، فإذا كان من حق المتهم أن يتحدث شفويًا مع المدافع عنه بدون أن يستمع المحقق لحديثه، فإنه يرتبط بذلك حقه في أن يرسله دون أن يطلع المحقق على رسائله، وإذ الرسالة حديث مكتوب، والعلة العامة التي تجمع بين هذه المبادئ هي الحاجة إلى تمكين المتهم والمدافع عنه في أن يضعا خطة الدفاع معًا، دون أن يفسد تدبيرهما اطلاع المحقق على ما يدور بينهما، ومن مصلحة المجتمع أن توضع خطة الدفاع التي تكافل اطلاع القضاء على وجهة نظر المتهم.



وعلة النص تتيح استظهار الأحكام التي يقررها: فالحصانة من الضبط تشمل ما يسلمه المتهم إلى المدافع عنه من أشياء كي يستعملها في الدفاع عنه، وتشمل كذلك المراسلات المتبادلة بينهما، وقد سوى الشارع بالمدافع عن المتهم الخبير الاستشاري الذي اختاره، فهو كذلك مدافع عنه من الوجهة الفنية.



ويشترط لعدم جواز الضبط شرطان: أن يكون من سلم الشيء له أو جرت بينه وبين المتهم الرسائل مدافعًا عنه، أي أن تثبت له هذه الصفة وفقًا للقانون، ويستوي أن يكون مختارًا أو منتدبًا، ولذلك لا تمتد الحصانة إلى ما يسلمه أو يبعث به المتهم إلى صديق كي ينصحه في خطة دفاعه، ولكن الحصانة تمتد إلى ما يبعث به المتهم إلى محام تمهيد لتوكيله في الدفاع عنه، أما الشرط الثاني، فهو أن تتوافر الصلة بين الشيء وبين الدفاع عن المتهم، أي يثبت أن وجوده في حيازة المدافع ضروري أو ملائم لحسن أدائه مهمته، والمحقق هو الذي يقدر ذلك، وتراقبه في تقديره محكمة الموضوع.



ولا يجوز ضبط المراسلات التي بين المحامي وموكله، سواء كانت في حيازة المدافع أو كانت في حيازة المتهم الذي تلقاه من المدافع أو يوشك على إرسالها إليه، بل لا يجوز ضبطها في مكاتب البريد أو البرق، ولا يجوز – استنادًا إلى ذات العلة – مراقبة المحادثات السلكية واللاسلكية بين المتهم والمدافع عنه، إذ المحادثة رسالة في مدلولها الواسع، ولا يجوز التنصت أو تسجيل الأحاديث التي تدور بينهما.



ولا تعني القواعد السابقة عدم جواز تفتيش مكتب المدافع عن المتهم أو خبيره الاستشاري، شريطة أن يكون وفقًا للضوابط والقيود التي وضعتها المادة / 51 من قانون المحاماة 17/1983، وإنما تعني عدم جواز تفتيشه إذا انحصرت غاية التفتيش في ضبط المراسلات المتبادلة بين المتهم ومحاميه، إذ تكون الغاية غير مشروعة، فيبطل التفتيش تبعًا لذلك، ولكن الشارع اشترط في تفتيش مكتب المحامي – حين يكون جائزًا – أن يجريه أحد أعضاء النيابة العامة (المادة/ 51 من قانون المحاماة)، فلا يجوز أن يندب له مأمور الضبط القضائي، ولكن يجوز أن يجريه قاضي التحقيق من باب أولى، والضبط الذي يجرى خلافًا للقواعد السابقة يكون باطلاً، ولكن يجوز للمتهم – إذا قدر أن مصلحته في الدفاع تقتضي ذلك – أن يرضى باطلاع المحقق على المراسلات المتبادلة بينه وبين محاميه.



أما مقار نقابة المحامين، فتتمتع بحصانة خاصة، عبرت عنها بعض مواد تعليمات النيابة العامة.



فنصت المادة/ 327 من تعليمات النيابة العامة على أنه:



(لا يجوز لغير أعضاء النيابة العامة تفتيش مقار نقابة المحامين ونقاباتها الفرعية ولجانها الفرعية أو وضع أختام عليها، ويكون ذلك بحضور نقيب المحامين أو رئيس النقابة الفرعية أو من يمثلها، كما لا يجوز تفتيش مكاتب المحامين إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة.



ولا يصح بأي حال أن يندب أحد مأموري الضبط القضائي من غير أعضاء النيابة العامة – للقيام بأحد الإجراءات سالفة البيان – كما لا يجوز لمأمور الضبط القضائي القيام بها من تلقاء نفسه في حالة التلبس طبقًا لنص المادة 47 من قانون الإجراءات الجنائية).

كما نصت المادة / 594 من ذات التعليمات على أنه:

(إذا اقتضى الأمر تفتيش مقر نقابة المحامين أو إحدى النقابات أو اللجان الفرعية أو وضع أختام عليها فيجب أن يتم ذلك بمعرفة أحد أعضاء النيابة وبحضور نقيب المحامين أو رئيس النقابة الفرعية أو من يمثلهما بعد إخطاره بالحضور).



ثامنًا: عدم جواز الحجز على مكتب المحامي:



قدر المشرع أن أداء المحامي لمهمته السامية لا يمكن أن يتحقق ما لم يتحقق له الاستقرار والأمن والأمان للمكان الذي يمارس فيه مهنته ونشاطه، فلم يجز القانون الحجز على مكتبه وكافة محتوياته وأدواته المستخدمة في مزاولة وممارسة نشاطه المهني.



فقط نصت م/55 من قانون المحاماة رقم 17/1983 على أنه:



(لا يجوز الحجز على مكتب المحامي وكافة محتوياته المستخدمة في مزاولة المهنة).



كما وضعت م/ 306 من قانون المرافعات في المواد المدنية والتجارية نصًا عامًا لا يجوز بمقتضاه الحجز على ما يلزم كل مدين صاحب مهنة أو حرفة أيًا كانت من كتب وأدوات ومهمات لمزاولة مهنته أو حرفته بنفسه إلا لاقتضاء ثمنها أو مصاريف صيانتها أو نفقة مقررة.



فقد نصت م/ 306 مرافعات سالفة البيان على أنه:



(لا يجوز الحجز على الأشياء الآتية إلا لاقتضاء ثمنها أو مصاريف صيانتها أو نفقة مقررة:



1- ما يلزم المدين من كتب وأدوات ومهمات لمزاولة مهنته وحرفته بنفسه.



2-................................



ويشمل الحظر الوارد بالفقرة الأولى من المادة سالفة الذكر كل ما يلزم صاحب المهنة أو الحرفة لمزاولة مهنته أو حرفته كالكتب اللازمة للمحامي لمباشرة مهنته سواء كانت كتبًا قانونية أم تتصل بعلوم اجتماعية يلزم معرفتها لمباشرة مهنته أيًا كانت قيمتها واللزوم مسألة نسبية تختلف باختلاف المهنة واختلاف مركز الشخص فيها.



وحصانة المحامي تحتاج إلى نقابة تحاجي عليها وتحميها وتوفر لها فاعليتها، وعلى قدرة قوة ومهابة النقابة على قدر ما توفره لأبنائها حملة رسالة المحاماة من حماية فعلية تقيم سياجًا يحميهم من أي تجاوزات.



وجدير بالذكر أنه في سبتمبر 1946 حدث اعتداء من جانب رئيس محكمة مصر الابتدائية على بعض المحامين هم الأساتذة أحمد حسين وعزيز فهمي وعبد الحميد عبد المقصود، فاجتمعت الجمعية العمومية للنقابة في اجتماع غير عادي في 20 سبتمبر 1946 وقررت ما يلي:-



1- توافق الجمعية العمومية على ما تم في تسوية الحادث الذي وقع بين حضرة رئيس محكمة مصر وحضرات الزملاء وذلك بزيارة رئيس المحكمة ومعه كبار رجال القضاء والنيابة لدار النقابة وإظهار أسفه وإعرابه عن تقديره واحترامه لحضرات الزملاء الذين تقدموا بالشكوى لمجلس النقابة مما جعل المجلس وحضرات الزملاء يعتبرون أن الحادث المذكور قد انتهى.



2- تقرر الجمعية العمومية للمحامين أن المحاماة عنصر أساسي في النظام القضائي، وأن العدالة لا يمكن أن تتحقق تمامًا إلا بتعاون عناصر النظام القضائي كله وتبادل الاحترام والتقدير بين القضاء والمحاماة، وأن كل اعتداء على كرامة المحامين أو حقوقهم وكل حد من قيامهم بواجب الدفاع فيه إخلال خطير بالعدالة لن تقبله الجمعية العمومية، وهي تأمل أن يكون هذا الوضع دائمًا محل تقدير من الجميع، كما تود ألا تتجدد حوادث الاعتداء وإلا فإنها على استعداد في كل وقت لأن تجتمع وتقرر ما تراه لازمًا للمحافظة على كرامة المحامين وحقوق المهنة ولو أدى الأمر إلى امتناع المحامين عن مباشرة عملهم حتى تسير الأمور في مجراها الطبيعي.



وفي بداية عام 1949 حينما كان يجرى إعداد مشروع جديد لقانون الإجراءات الجنائية اتجهت اللجنة المختصة في مجلس الشيوخ إلى إلغاء نص المادة 51 من القانون 98 لسنة 1944 الخاصة بحصانة المحامي أثناء الجلسات، فقام الأستاذ الجليل عمر عمر/ نقيب المحامين وقتها بمقابلة أعضاء اللجنة وهددهم بأنه إذا ألغيت هذه المادة فسوف يضرب المحامون وينقلون أسماءهم إلى جداول غير المشتغلين، واجتمعت الجمعية العمومية للنقابة لهذا الغرض في 25 فب.











..مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




تعليقات