بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

09 أغسطس 2011

قضية رقم 81 لسنة 19 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"



باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 6 فبراير سنة 1999 الموافق 20 شوال سنة 1419هـ
برئاسة السيد المستشار/ محمد ولى الدين جلال رئيس المحكمة
وعضوية السـادة المسـتشارين: فـاروق عبد الـرحيم غنيـم و حمدى محـمد عـلى وسامى فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيرى ومحمد عبد القادر عبد الله.
وحضور السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ حمدى أنور صابر أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 81 لسنة 19 قضائية "دستورية".

المقامة من
السيد / أحمد رضا محمود

ضد
1- السيد/ رئيس مجلس الوزراء بصفته 2- السيد / أحمد حسن أحمد سلطان
3- السيد/ عاطف حسن أحمد سلطان 4- السيدة / نسمة حسن أحمد سلطان
5- السيدة / أمل حسن أحمد سلطان 6- السيدة / كريمة حسن أحمد سلطان
7- السيدة / بهيجة محمد عبد الله عن نفسها وبصفتها وصية على كل من القصر:
أ- محمود حسن أحمد سلطان ب- لمياء حسن أحمد سلطان
8- السيد / عبد المجيد عبد العال موسى

الإجراءات
بتاريخ 26 إبريل سنة 1997، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبا الحكم بعدم دستورية البند (ب) من المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فى ختامها الحكم أصليا بعدم قبول الدعوى واحتياطيا برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع- على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل فى أن المدعى كان قد صدر لصالحه، بتاريخ 15/10/1989 حكم فى الدعوى رقم 1686 لسنة 1989مستعجل القاهرة بطرد ورثة المرحوم حسن أحمد سلطان من العين المؤجرة لمورثهم الكائنة بالعقار رقم 9 شارع شعيب قسم الساحل لعدم سدادهم القيمة الإيجارية المستحقة، وتأيد هذا الحكم بالاستئناف رقم 1207 لسنة 1989 مستأنف مستعجل القاهرة. وإذ قام المدعى بتنفيذه جبرياً، فقد نازع الورثة فى صحة إجراءات التنفيذ، وأقاموا الدعوى رقم 924 لسنة 1992 مدنى محكمة شبرا بطلب الحكم ببطلان إجراءات التنفيذ، وبجلسة 9/11/1993 قضت المحكمة ببطلان إجراءات التنفيذ، فطعن المدعى فى هذا الحكم استئنافيا أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية، التى قضت بعدم اختصاصها وبإحالته إلى محكمة استئناف القاهرة، فقيد أمامها برقم 16268 لسنة 112 قضائية، ودفع فى صحيفة استئنافه بعدم دستورية نص المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه فيما تضمنته من وجوب تنفيذ الحكم المستعجل بالطرد لعدم سداد الأجرة، فى مواجهة المستأجر. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.

وحيث إن المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، تنص على أنه "لايجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها فى العقد إلا لأحد
الأسباب الآتية: -
أ- الهدم الكلى أو الجزئى للمنشآت الآيلة للسقوط والإخلاء المؤقت لمقتضيات الترميم والصيانة وفقا للأحكام المنظمة لذلك بالقوانين السارية.
ب- إذا لم يقم المستأجر بالوفاء بالأجرة المستحقة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تكليفه بذلك بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول دون مظروف، أو بإعلان على يد محضر، ولا يحكم بالإخلاء إذا قام المستأجر قبل إقفال باب المرافعة فى الدعوى بأداء الأجرة وكافة ما تكبده المؤجر من مصاريف ونفقات فعلية.
ولاينفذ حكم القضاء المستعجل بطرد المستأجر من العين بسبب التأخير فى سداد الأجرة إعمالا للشرط الفاسخ الصريح إذا ما سدد المستأجر الأجرة والمصاريف والأتعاب عند تنفيذ الحكم وبشرط أن يتم التنفيذ فى مواجهة المستأجر.".

وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى الماثلة تأسيسا على أن المدعى قد حصر أوجه النعى على النص الطعين فى تعارضه مع القواعد العامة فى قانون المرافعات المنصوص عليها فى المادتين 213 و281 منه، وأن الرقابة القضائية التى تباشرها المحكمة الدستورية العليا فى شأن دستورية القوانين مناطها قيام تعارض بين نص قانونى وحكم فى الدستور، ولا شأن لها بالتناقض بين التشريعات.

وحيث إن هذا الدفع مردود بأن أوجه الطعن التي أوردها المدعى فى صحيفة دعواه على ذلك النص لا تقتصر على مخالفته للقواعد العامة فى قانون المرافعات، بل تشمل أيضا مخالفته للمادة 68 من الدستور التى تكفل الحق فى التقاضى للناس كافة؛ وإخلاله بتوازن العلاقة بين المؤجر والمستأجر، مساساً بالملكية الخاصة التى يحميها الدستور فى المادة 4 3 منه.

وحيث إن من المقرر- وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أن مناط المصلحة الشخصية المباشرة فى الدعوى الدستورية- وهى شرط لقبولها- أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية مؤثرا فى الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. إذ كان ذلك، وكان النزاع المثار أمام محكمة الموضوع يدور حول بطلان إجراءات تنفيذ الحكم المستعجل الصادر فى الدعوى رقم 1686 لسنة 1989 مستعجل القاهرة، بطرد المدعى عليهم من المكان المؤجر لعدم تنفيذه فى مواجهتهم بالمخالفة لنص الفقرة الثانية من البند (ب) من المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981؛ فإن ذلك يقيم المصلحة الشخصية المباشرة للمدعى فى دعواه الدستورية التى يتحدد إطارها، ونطاق الخصومة فيها فيما نصت عليه تلك الفقرة فى عجزها "وبشرط أن يتم التنفيذ فى مواجهة المستأجر".

وحيث إن البند (ب) من المادة 18 المشار إليها قد تناول بالتنظيم حالة الإخلاء من العين المؤجرة لعدم قيام المستأجر بالوفاء بالأجرة المستحقة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تكليفه بالسداد بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول دون مظروف أو بإعلان على يد محضر، عاقدا الاختصاص بذلك للقضاء المستعجل ليقضى بطرد المستأجر من العين المؤجرة إعمالا للشرط الفاسخ الصريح، شريطة أن يتم التنفيذ فى مواجهة المستأجر للتحقق من علمه بحكم الطرد دون أن يُغنى عن ذلك العلم الفعلى ولو كان قاطعاً، وعلى خلاف ما تقضى به القواعد العامة فى قانون المرافعات من الاكتفاء بإعلان الصورة التنفيذية للحكم لشخص المحكوم ضده أو فى موطنه.

وحيث إن البين من الأعمال التحضيرية للقانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، أن مشروعه الوارد من الحكومة إلى مجلس الشعب لم يكن يتضمن النص الطعين، وأن اللجنة المشتركة من لجنة الإسكان والمرافق العامة والتعمير ومكتب لجنة الشئون الدستورية والتشريعية رأت إضافته- بتقريرها المرفوع للمجلس فى 18/6/1981- بدعوى حماية المستأجرين من صدور أحكام بطردهم وتنفيذها فى غيبتهم · وعند مناقشة المجلس لهذا النص بجلسته المعقودة فى 24/6/1981 طالب بعض الأعضاء بحذفه لأنه يشجع المستأجر على عدم الوفاء بالأجرة إذ لا يتصور أن يجهل ما يدور بشأن مسكنه بعد أن تم التنبيه عليه بالوفاء بالأجرة ولم يدفعها، ثم رفعت ضده دعوى مستعجلة لطرده بسبب عدم سداد الأجرة، فضلاً عن أنه حتى لو فرض جدلاً صدور حكم الطرد وتنفيذه دون علم المستأجر فإنه متى قام بالوفاء عند استئنافه لحكم الطرد فسوف يلغى الحكم ويعود إلي العين المؤجرة.

وحيث إن اشتراط النص الطعين أن يتم التنفيذ فى مواجهة المستأجر، مؤداه أنه لا يكفى أن يتم الإعلان للمستأجر أو من ينوب عنه أو من يساكنه من أقاربه، وإنما يجب أن تتم إجراءات التنفيذ بالطرد فى مواجهته، وهو ما يستوجب حضوره الشخصى أثناء مباشرة هذه الإجراءات، وذلك على خلاف القواعد العامة فى تنفيذ كافة الأحكام الموضوعية منها والمستعجلة التى حددها قانون المرافعات المدنية والتجارية والتى تقضى بجواز تنفيذ الأحكام المدنية فى غيبة المحكوم عليه، باعتبار أن الأمر فيها يتعلق بحق مؤكد يراد اقتضاؤه جبراً عن المدين مما لا أهمية معه لحضوره.

وحيث إن حق التقاضى- وعلى ماجرى به قضاء هذه المحكمة- يفترض ابتداء وبداهة تمكين كل متقاض من النفاذ إلى القضاء نفاذاً ميسراً لا تثقله أعباء مالية ولا تحول دونه عوائق إجرائية، وكان هذا النفاذ– بما يعنيه من حق كل شخص فى اللجوء إلى القضاء وأن أبوابه غير موصدة فى وجه من يلوذ بها، وأن الطريق إليها معبد قانونا– لا يتعدى كونه حلقة من حلقات حق التقاضى تكملها حلقتان أخريان لا يستقيم بدونهما هذا الحق، ولا يكتمل وجوده فى غيبة أى منهما، ذلك أن قيام الحق فى النفاذ إلي القضاء تكمله الحلقة الوسطى فى حق التقاضى وهى تلك التى تعكس حيدة المحكمة واستقلالها وحصانة أعضائها والأسس الموضوعية لضماناتها العملية، وهى بذلك تكفل بتكاملها المقاييس المعاصرة التي توفر لكل شخص حقا مكتملا ومتكافئا مع غيره فى محاكمة منصفة وعلنية تقوم عليها محكمة مستقلة محايدة ينشئها القانون تتولى الفصل- خلال مدة معقولة- فى حقوقه والتزاماته المدنية أو فى التهمة الجنائية الموجهة إليه، ويتمكن فى كنفها من عرض دعواه وتحقيق دفاعه ومواجهة أدلة خصمه رداً وتعقيباً فى إطار من الفرص المتكافئة، وبمراعاة أن تشكيل المحكمة، وأسس تنظيمها وطبيعة القواعد الموضوعية والإجرائية المعمول بها فى نطاقها، وكيفية تطبيقها من الناحية العملية، هى التى تحدد لتلك الحلقة الوسطى ملامحها الرئيسية · متى كان ما تقدم، وكان حق التقاضى لا تكتمل مقوماته ما لم توفر الدولة للخصومة فى نهاية مطافها حلاً منصفا يمثل التسوية التى يعمد من يطلبها إلى الحصول عليها بوصفها الترضية القضائية التى يسعى إليها لمواجهة الإخلال بالحقوق التى يدعيها، وكانت هذه الترضية- وبافتراض مشروعيتها واتساقها مع أحكام الدستور- تندمج فى الحق فى التقاضى باعتبارها الحلقة الأخيرة فيه، ولارتباطها بالغاية النهائية المقصودة منه برابطة وثيقة، ذلك أن الخصومة القضائية لا تقام للدفاع عن مصلحة نظرية لا تتمحض عنها فائدة عملية، وإنما غايتها اقتضاء منفعة يقرها القانون، وتتحدد على ضوئها حقيقة المسألة المتنازع عليها بين أطرافها وحكم القانون بشأنها. واندماج هذه الترضية فى الحق فى التقاضى، مؤداه أنها تعتبر من مكوناته، ولا سبيل لفصلها عنه، وإلا فقد هذا الحق مغزاه، وآل سرابا.

وحيث إن إنكار الحق فى الترضية القضائية سواء بمنعها ابتداء، أو بإقامة العراقيل فى وجه اقتضائها، أو بتقديمها متباطئة متراخية دون مسوغ، أو بإحاطتها بقواعد إجرائية معيبة، لا يعدو أن يكون إهداراً للحماية التى يفرضها الدستور والقانون للحقوق التى وقع العدوان عليها، وإنكاراً للعدالة فى جوهر خصائصها وأدق توجهاتها، وبوجه خاص كلما كان طريق الطعن القضائي لرد الأمور إلى نصابها ممتنعا أو غير منتج، وكان من المقرر أنه ليس لازما لإنكار العدالة وإهدار متطلباتها أن يقع العدوان على موجباتها من جهة القضاء ذاتها، ذلك أن السلطة التشريعية أو التنفيذية قد تفرض من العوائق ما يحول دون بلوغ الترضية القضائية، سواء عن طريق حرمان الشخص من إقامة دعواه، أو من نظرها فى إطار من القواعد الموضوعية، وفق الوسائل القانونية السليمة، ومن ثم لايعتبر إنكار العدالة قائما فى محتواه على الخطأ فى تطبيق القانون، وإنما هو الإخفاق فى تقديم الترضية القضائية الملائمة، وهو ما يتحقق بوجه خاص إذا كانت الوسائل القضائية المتاحة لا توفر لمن استنفدها الحماية اللازمة لصون حقوقه، أو كانت ملاحقته لخصمه للحصول على الترضية القضائية التى يأملها، لا طائل من ورائها. وبغير اقتران الترضية القضائية بوسائل تنفيذها وحمل الملزمين بها علي الرضوخ لها، فإن هذه الترضية تغدو هباء منثوراً، وتفقد قيمتها من الناحية العملية، وهو ما يفيد بالضرورة إهدار الحماية التى فرضها الدستور والمشرع- كلاهما- للحقوق على اختلافها، وتكريس العدوان عليها وتعطيل دور القضاء المنصوص عليه فى المادة 65 من الدستور فى مجال صونها والدفاع عنها وإفراغ حق اللجوء إليه من كل مضمون، وهو حق عنى الدستور بتوكيده فى المادة 68. كذلك فإن الترضية القضائية التي لا يقُهر المدين بها على تنفيذها مباشرة إذا ماطل فيها، هى فى واقعها خروج على مبدأ خضوع الدولة للقانون، ونكول عن تأسيس العدالة وتثبيتها من خلال السلطة القضائية بأفرعها المختلفة وتنظيماتها المتعددة، وهى السلطة التى تصدر أحكامها وفق القانون على ما تنص عليه المادة 165 من الدستور، ولا يعدو الامتناع عن تنفيذها أو عرقلة هذا التنفيذ أو تعطيله بعمل تشريعى، أن يكون عدواناً من السلطة التشريعية على الولاية الثابتة للسلطة القضائية، واقتحاما للحدود الفاصلة بين السلطتين، وهو كذلك تدخل مباشر فى شئون العدالة، بما يقلص من دورها، ويناقض دلالة المادة 72 من الدستور من أن الحماية القضائية للحق أو الحرية- على أساس من سيادة القانون وخضوع الدولة لأحكامه- لازمها التمكين من اقتضائها والمعاونة فى تنفيذها ولو باستعمال القوة عند الضرورة.

وحيث إن القول بأن ما تقرر بالنص المطعون فيه من تنفيذ حكم الطرد فى مواجهة المستأجر، قد تغيا حماية المستأجر من خطر طرده بحكم مستعجل يعتبر وقتيا بطبيعته، ومبناه ظاهر الأوراق، ولا يتعمق أصل الحق المدعى به، وإن تنفيذ هذا الحكم فى مواجهة مستأجر العين، هو الذى يكفل مبدأ المجابهة فى التنفيذ، ويمكن المستأجر من إبداء وجهة نظره واعتراضاته فى شأن حكم غير مستقر، ومعرض للإلغاء بصدور حكم موضوعى فى النزاع؛ مردود أولا: بأن مؤداه امتناع تنفيذ الأحكام الصادرة من القضاء المستعجل جميعها بالنظر إلى طبيعتها الوقتية، حال أن طبيعتها هذه، واتصالها بأوضاع قلقة غير مستقرة، وحمايتها المؤقتة لظاهر الأمر فى شأن الحقوق المتنازع عليها، لا تحول دون تنفيذها، بل إن الأحكام الصادرة فى مادة مستعجلة- ويندرج تحتها الحكم الصادر بطرد المستأجر من العين المؤجرة- تعتبر نافذة نفاذاً معجلا بقوة القانون، ضمانا لسرعة اجتناء الفائدة المقصودة منها والتى لا يجوز تأجيل الحصول عليها أو تعطيلها بناء على مجرد احتمال صدور حكم على خلافها فى النزاع الموضوعى. ويزداد الأمر دقة، كلما صار الحكم الصادر بالطرد نهائيا إذ تزيد نهائيته من قوته.

ومردود ثانيا : بأن المحكوم لهم من القضاء المستعجل بطرد مستأجر من العين المؤجرة، ذوو حق ظاهر يحميه المشرع، ويمنحه رعاية خاصة، فيجيز اقتضاءه قبل أن يستقر بصورة نهائية · وتعليق تنفيذ الحكم الصادر فى مادة مستعجلة- ولوكان نهائيا- على إجراء هذا التنفيذ فى مواجهة المستأجر، مؤداه أن يظل هذا الحكم عصيا على التنفيذ دائما كلما عن ّّلمستأجر العين المحكوم بطرده منها بحكم نهائى، ألا يمثل بشخصه عند إجراء التنفيذ، فلايكون إتمامه إلا معلقا على محض إرادته إن شاء مضى بالتنفيذ إلي نهايته من خلال حضوره لإجراءته، وإن شاء أعاق التنفيذ بالتغيب عنه. ولاكذلك شأن الأحكام القضائية التى لا يجوز أن يكون إنفاذ آثارها معلقا على محض إرادة من صدر الحكم ضده.

ومردود ثالثاً: بأن النفاذ المعجل للأحكام الصادرة فى مادة مستعجلة قد تقرر بقاعدة آمرة تجعل هذا النفاذ واقعا بقوة القانون. وما تقرر بالنص المطعون فيه من أن تنفيذ الحكم بالطرد- وهو صادر من القضاء المستعجل- لا يجوز إلا فى مواجهة المستأجر، يعتبر نكولاً جزئيا عن هذه القاعدة بالنسبة للمنازعات المشار إليها بما يخل بقوة الأحكام القضائية الصادرة فيها، والتي لا يجوز أن يسقطها المشرع عنها ولو لم يكن الحكم نهائيا، وهو ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة بتوكيدها إن الدستور كفل استقلال السلطة القضائية بنص المادة 165 منه، وجعل هذا الاستقلال عاصما من التدخل فى أعمالها أو التأثير فى مجرياتها باعتبار أن شئون العدالة هو مما تستقل به السلطة القضائية، وأن عرقلتها أو إعاقتها على أى نحو عدوان على ولايتها الدستورية، سواء بنقضها أو انتقاصها من أطرافها، ومن ثم تظل لأحكامها- ولو لم تكن نهائية- حجيتها، وهى حجية لا يجوز أن يسقطها المشرع من خلال إنهاء الآثار القانونية التى ترتبها.

وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان الحكم الصادر بالطرد من القضاء المستعجل مشمولاً بالنفاذ المعجل، وكان المؤجر يعتبر بمقتضى هذا الحكم متمتعا بحق ظاهر أضفى عليه المشرع حماية خاصة تبيح له اقتضاءه قبل أن يستقر بصفة نهائية، وكان الحق فى التقاضى المنصوص عليه فى المادة 68 من الدستور لا تكتمل حلقاته إذا أعاق المشرع هذا التنفيذ من خلال تعليق صحته على مثول المستأجر بشخصه أثناء إجرائه، مثلما هو الأمر فى النزاع الراهن، وكان النص المطعون فيه بمايؤدى إليه من بطلان كل تنفيذ تم فى غيبة مستأجر العين،- وقد عطل إعمال الآثار القانونية لحكم الطرد، جاعلا تنفيذه رهنا بإرادة المستأجر- فإنه بذلك يكون قد نقض أصل الحق فى التقاضى وعطل الأغراض التى يتوخاها، وأعاق وصول الترضية القضائية التى كفلها حكم الطرد لأصحابها، ومايز فى مجال تنفيذ الأحكام القضائية- دون مسوغ مشروع- بين المستأجرين وغيرهم الذين يصح التنفيذ قبلهم بمجرد إعلان سند التنفيذ لشخص المدين أو فى موطنه على ما تنص عليه المادة 281 من قانون المرافعات؛ ومن ثم فإن النص المطعون فيه يكون مناقضا لأحكام المواد 34 و40 و 65 و 68 و 72 و 165 من الدستور.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية عجز الفقرة الثانية من البند (ب) من المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر فيما نص عليه من أنه "وبشرط أن يتم التنفيذ فى مواجهة المستأجر" وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات: