بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

16 أغسطس 2011

بحث نشر في مجلة المحاماة - العددان الأول والثاني السنة الثلاثون – 1949، 1950 للدكتور رمزي سيف أستاذ قانون المرافعات بكلية الحقوق بجامعة فاروق الأول




حالات النفاذ المعجل
(م 466 – م 470)

32 – أولاً: حالات النفاذ المعجل بقوة القانون، حالات النفاذ المعجل بقوة القانون التي نص عليها قانون المرافعات ذكرتها المادتان (446)، (467) من القانون الجديد وتشمل الحالات الآتية:
33 – 1/ الأحكام الصادرة في المواد المستعجلة أيًا كانت المحكمة التي أصدرتها (م 466 فقرة أولى)، حكم النفاذ في هذه الحالة أنه نفاذ معجل رغم الاستئناف فقط بمعنى أن قابلية الحكم للطعن فيه بالاستئناف، أو الطعن فيه فعلاً بالاستئناف لا يمنع من تنفيذه، وهو نفاذ معجل رغم الاستئناف فقط لأن هذه الأحكام طبقًا لنص المادة (386) لا تقبل الطعن فيها بالمعارضة.
وحكمة شمولها بالنفاذ المعجل أن الانتظار حتى يصبح الحكم انتهائيًا من شأنه أن يفوت الغرض من صدور الحكم، كما أن هذه الأحكام قليلة الخطر لأنها أحكام لا تفصل في الموضوع وإنما تقضي بإجراءات وقتية لا تمس أصل الحق.
والمقصود بعبارة (أيًا كانت المحكمة التي أصدرتها)، سواء كان الحكم صادرًا من قاضي الأمور المستعجلة، أو من محكمة الموضوع بإجراء وقتي متعلق بالموضوع رفع إليها بطريق التبعية، وهذا الحكم استحداث من جانب التشريع الجديد، لعله قصد به أن يسوي بين الأحكام الصادرة في المواد المستعجلة بصرف النظر عن المحكمة التي أصدرتها [(22)]. وحكم الكفالة هنا أنها جوازية للمحكمة أن تشترطها أو أن تعفي منها.
34 – 2/ الأوامر على العرائض، التي يصدرها القضاة بما لهم من وظيفة ولائية، تنفذ هذه الأوامر تنفيذًا معجلاً بمعنى أنه لا يمنع من تنفيذها لا قابليتها للتظلم منها بطرق التظلم من الأوامر على العرائض، ولا التظلم منها فعلاً بإحدى هذه الطرق. وحكم الكفالة في هذه الحالة أنها جوازية للقاضي الآمر أن يشترطها أو لا يشترطها في الأمر الصادر منه (م 466 فقرة أولى).
35 – 3/ الأحكام الغيابية الصادرة في الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف، هذه الأحكام جائزة النفاذ رغم المعارضة فقط إذ هي أحكام لا تقبل الاستئناف لصدورها من محكمة الدرجة الثانية، وصورتها أن يستأنف محكوم عليه بحكم ابتدائي، الحكم الصادر عليه ثم يتغيب في الاستئناف فيصدر الحكم عليه غيابيًا بتأييد الحكم الابتدائي، هذا الحكم يكون مشمولاً بالنفاذ المعجل بالرغم من أنه يقبل الطعن فيه بالمعارضة [(23)].
36 – 4/ الأحكام الصادرة في غيبة المعارض بتأييد الحكم المعارض فيه، والأحكام الغيابية المحكوم باعتبار المعارضة فيها كأن لم تكن (م 466 فقرة ثانية)، النفاذ هنا نفاذ معجل رغم الاستئناف فقط لأن هذه الأحكام لا تقبل الطعن فيها بالمعارضة طبقًا لنص المادة (392) [(24)].
ومبنى النفاذ في الحالتين الثالثة والرابعة ضعف مركز المحكوم عليه ضعفًا يرجح معه تأييد الحكم إذا طعن فيه، وهذا الضعف مستفاد من تغيب المستأنف بعد طعنه في الحكم الصادر عليه ابتدائيًا بالاستئناف، وتغيب المعارض بعد طعنه بالمعارضة في الحكم الصادر عليه في غيبته، الأمر الذي يستفاد منه أنه غير جاد في طعنه وأنه إنما قصد منه عرقلة التنفيذ، وينبني على ذلك أنه إذا حضر المعارض في المعارضة وصدر الحكم بتأييد الحكم المعارض فيه فلا يشمل الحكم بالنفاذ لانتفاء الحكمة من النفاذ، (قارن نص المادة (466) فقرة ثانية من التشريع الجديد بنص المادة (449) مختلط)، كذلك النفاذ المعجل في الحالتين سابقتي الذكر نفاذ معجل بغير كفالة.
37 – 5/ الأحكام الصادرة في المواد التجارية (م 467)، حكم النفاذ هنا أنه نفاذ معجل رغم المعارضة ورغم الاستئناف أي سواء كان الحكم غيابيًا قابلاً للطعن فيه بالمعارضة، أو ابتدائيًا قابلاً للطعن فيه بالاستئناف، كما أنه نفاذ معجل بشرط الكفالة فالكفالة هنا كالنفاذ واجبة بقوة القانون.
ومبنى النفاذ في هذه الحالة ما تقتضيه المعاملات التجارية من التعجيل بوفاء الديون المحكوم بها [(25)].
38 – ثانيًا: حالات النفاذ المعجل بحكم المحكمة وجوبًا، تشمل هذه الحالات طائفتين نصت على الأولى منهما المادة (468) ونصت على الثانية المادة (469) [(26)].
الطائفة الأولى تشمل الحالات الثلاث الآتية:
39 - إذا كان المحكوم عليه قد أقر بالالتزام (م 468/ 1) يقصد بذلك أن يكون المحكوم عليه قد أقر بالالتزام أي بنشأة الالتزام صحيحًا، أيًا كان مصدر هذا الالتزام، تعاقديًا أو غير تعاقدي، وأيًا كان دليل المحكوم له عليه، سواء أكان هناك دليل كتابي أم لم يكن.
ولا يشترط لتطبيق النص المتقدم أن يكون المحكوم عليه مقرًا بطلبات خصمه المحكوم بها، لأن إقرار المحكوم عليه بطلبات خصمه يجعل الحكم الصادر بناءً على هذا الإقرار غير قابل للطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن، ومن ثم فهو حكم جائز تنفيذه وفقًا للقواعد العامة. وإنما المقصود بالحالة المتقدمة أن يقر المحكوم عليه بأن الالتزام قد نشأ صحيحًا ثم ينازع في بقائه، كأن يدعي المحكوم عليه انقضاء الالتزام بسبب من الأسباب التي تنقضي بها الالتزامات كالوفاء أو مضي المدة أو غيره [(27)].
على أنه إذا كان الالتزام ثابتًا بورقة مدعي صدورها من المحكوم عليه، فلا يكفي لتطبيق النص المتقدم أن يعترف المحكوم عليه بصحة الورقة، إذا كان منكرًا لأصل الالتزام أي لنشوئه صحيحًا، كما لو ادعى المحكوم عليه بطلان الالتزام بسبب من الأسباب المبطلة للالتزامات، فمدعى البطلان إنما ينكر أن الالتزام قد نشأ صحيحًا [(28)].
40 - إذا كان الحكم مبنيًا على سند رسمي (م 468/ 2) ويشترط لتطبيق هذا النص الشروط الآتية:
1/ أن يكون الحكم مبنيًا على سند رسمي ولا غرابة في ذلك، لأنه إذا كان الأصل أن صاحب الحق الثابت بسند رسمي يمكنه التنفيذ به بغير حاجة إلى رفع دعوى واستصدار حكم، فقد يضطر في بعض الأحيان إلى رفع دعوى واستصدار حكم بحقه الثابت بسند رسمي وذلك لأن السندات الرسمية ليست لها كلها قوة تنفيذية وإنما السندات الرسمية الجائز تنفيذها هي العقود الرسمية وحدها [(29)]، كما أنه لا يكفي للتنفيذ أن يكون بيد طالب التنفيذ سند تنفيذي وإنما يجب أن يستوفي الحق الثابت بالسند التنفيذي شروط معينة، وقد يتخلف بعض هذه الشروط في الحق الثابت بسند رسمي كأن يكون هذا الحق غير معين المقدار فيرفع صاحب الحق الثابت به دعوى ليستصدر حكمًا يعين مقدار حقه، هذا الحكم حكم جائز النفاذ تنفيذًا معجلاً لأنه مبني على سند رسمي.
ولا يثير الشرط المتقدم صعوبة إذا كان الحكم قد قضى بتنفيذ الالتزام الثابت بالسند الرسمي كالحكم على المشتري بعقد رسمي بدفع الثمن. وإنما تثور الصعوبة في حالة الحكم الصادر بفسخ العقد الرسمي، هل يعتبر هذا الحكم مبنيًا على السند الرسمي فيجب شموله بالنفاذ المعجل أم لا؟ فمن قائل أن هذا الحكم كالحكم الصادر بتنفيذ الالتزام يعتبر مبنيًا على السند الرسمي لأنه تنفيذ للشرط الفاسخ سواء كان الشرط صريحًا في السند، أو ضمنيًا مستفادًا من طبيعته [(30)]، ومن قائل أن هذا الحكم لا يعتبر مبنيًا على السند الرسمي، وأن الحكم الذي يعتبر مبنيًا على السند الرسمي هو الحكم القاضي بتنفيذ الالتزام الثابت به [(31)]. وعندنا أن هذا الرأي الأخير أدنى إلى الصواب لانتفاء السبب الذي يبنى عليه النفاذ المعجل في هذه الحالة، فمبنى النفاذ المعجل في الحكم الصادر بناءً على سند رسمي أن الأمر المحكوم به أدنى إلى التحقق والثبوت لأن السند الرسمي يشهد على صحته، أما الفسخ فيبنى على وقائع خارجة عن السند الرسمي هي الوقائع التي تفيد عدم تنفيذ أحد العاقدين لالتزامه، ففسخ عقد البيع لعدم قيام البائع بالتزامه بتسليم العين المبيعة مثلاً إنما يبنى على عدم قيامه بالتزامه بالتسليم وهي واقعة لا يشهد السند الرسمي عليها ولا يفيد في إثباتها، ويستوي بالنسبة لثبوتها أن يكون البيع ثابتًا بعقد رسمي أو بعقد عرفي، أما الحكم بإلزام المشتري بعقد رسمي بدفع الثمن فهو حكم بأمر ثابت في السند ويشهد هذا السند عليه.
2/ أن يكون المحكوم عليه طرفًا في السند الرسمي.
3/ ألا يكون السند الرسمي قد طعن فيه بالتزوير، لأن مبنى النفاذ المعجل هو ما للسند الرسمي من قوة في الإثبات فإذا ما تزعزعت هذه القوة بالطعن فيه بالتزوير زال الأساس الذي يبنى عليه النفاذ المعجل [(32)].
41 – 2/ إذا كان الحكم قد صدر تنفيذًا لحكم سابق (م 468/ 2) ويشترط لتطبيق هذا النص الشروط الآتية:
1/ أن يكون الحكم قد صدر تنفيذًا لحكم سابق حائز لقوة الشيء المحكوم فيه أو مشمول بالنفاذ المعجل بغير كفالة، أي أن يكون الحكم قد صدر تنفيذًا لحكم سابق جائز تنفيذه، فإن لم يكن الحكم الأول حائزًا لقوة الشيء المحكوم فيه أو مشمولاً بالنفاذ بلا كفالة فلا يشمل الحكم الثاني بالنفاذ المعجل، ومن أمثلة الحكم الذي يعتبر تنفيذًا لحكم سابق أن يصدر حكم من جهة قضائية إذا اقتضى تنفيذه استصدار حكم من جهة قضائية أخرى، كأن يصدر حكم من محكمة شرعية بعزل ناظر وتعيين آخر بدلاً منه إذا استصدر الناظر المعين حكمًا من المحكمة الأهلية على الناظر المعزول بتسليمه أعيان الوقف [(33)].
2/ أن يكون المحكوم عليه في الحكم الثاني الذي يجب شموله بالنفاذ المعجل خصمًا في الحكم الأول.
42 - ومبنى النفاذ المعجل في الحالات الثلاث المتقدمة ثبوت حق المحكوم له ثبوتًا يرجح معه احتمال تأييد الحكم إذا طعن فيه بالمعارضة أو الاستئناف، وحكم النفاذ فيها أنه نفاذ معجل رغم المعارضة أو الاستئناف بلا كفالة، هذا إذا كان الحكم صادرًا في مادة مدنية، أما إذا كان صادرًا في مادة تجارية فالنفاذ المعجل واجب بقوة القانون كما هو الأصل في جميع المواد التجارية وإنما كان على المحكمة أن تعفي من الكفالة إذا كان الحكم صادرًا في حالة من الحالات الثلاث السابقة عملاً بنص الفقرة الأخيرة من المادة (468)، وينبني على ذلك:
أولاً: إذا صدر الحكم في حالة من الحالات المتقدمة ولم تصرح فيه المحكمة بالنفاذ، كان الحكم حائزًا تنفيذه تنفيذًا معجلاً بشرط الكفالة إن كان صادرًا في مادة من المواد التجارية بحسب الأصل العام في المواد التجارية، أما إن كان صادرًا في مادة من المواد المدنية امتنع تنفيذه تنفيذًا معجلاً لأن النفاذ المعجل في هذه الحالات في المسائل المدنية إنما يكون بأمر المحكمة به في حكمها.
ثانيًا: إذا صرحت المحكمة بالنفاذ في حكمها دون أن تذكر الكفالة سواء باشتراطها أو بالإعفاء منها فإن كان الحكم صادرًا في مادة مدنية جاز تنفيذه تنفيذًا معجلاً بلا كفالة، لأن الكفالة في المسائل المدنية إنما تجب بنص المحكمة عليها صراحة في حكمها، وأما إن كان صادرًا في مادة تجارية وجبت الكفالة لتنفيذه تنفيذًا معجلاً، لأن الكفالة في المسائل التجارية واجبة بقوة القانون وإنما الإعفاء منها هو الذي يكون بالتصريح به في الحكم.
ويلاحظ أخيرًا أن نص المادة (468) من القانون الجديد مأخوذ من نص المادة 391/ 449 من القانون القديم والفارق بينهما أن عبارة النص الجديد أسلم وأدل على المقصود [(34)].
الطائفة الثانية: نصت عليها المادة (469) وهي تشمل الحالات الخمس الآتية:
43 – ( أ ) إخراج المستأجر [(35)] ويكون ذلك في صورتين، الأولى أن يكون عقد الإيجار قد انتهت مدته المحددة في العقد أو المقررة قانونًا، ونبه المؤجر على المستأجر بالإخلاء في الميعاد، والثانية أن يحكم بفسخ عقد الإيجار لعدم قيام المستأجر بالتزاماته التي يفرضها عليه عقد الإيجار.
44 - (ب) إخراج شاغل العقار بغير سند [(36)] ويشترط لتطبيق هذا النص شرطان أساسيان:
1/ أن يكون شاغل العقار شاغلاً له بغير سند أي مغتصبًا له، بمعنى ألا يكون شاغل العقار قد ادعى لنفسه حقًا يبرر، لو صح، شغله للعقار، كادعاء وضع اليد على العقار أو استئجاره من مالكه، فلا يشمل بالنفاذ الحكم الصادر بإخراج مستأجر من عين قضى ببطلان عقد إيجاره، أو بطرد شخص من عين ادعى ملكيتها بالحيازة (راجع حكم استئناف مختلط في 9 يونيه سنة 1881، المجموعة الرسمية س 6 صفحة 186، 23 يونيه سنة 1920 التشريع والقضاء سنة 32 صفحة 366، 6 يونيه سنة 1894 التشريع والقضاء سنة 6 صفحة 304).
2/ ألا يكون حق المدعي مجحودًا من المدعى عليه، أو أن يكون ثابتًا بسند رسمي، بمعنى ألا يكون المدعى عليه قد أنكر حق المدعي، ولا يشترط لذلك أن يكون المدعى عليه معترفًا بحق المدعي إنما يكفي مجرد عدم إنكاره. أما ثبوت حق المدعي بسند رسمي فالفرض فيه ألا يكون المدعى عليه طرفًا فيه وإلا أصبحت الحالة ضمن حالات النفاذ المعجل المنصوص عليها في المادة (468) (حالة صدور الحكم بناءً على سند رسمي يكون المحكوم عليه طرفًا فيه).
ومثال الحالة المتقدمة أن يطالب المدعي بالعقار باعتباره مالكًا، أو صاحب حق انتفاع مثلاً، فلا ينكر المدعى عليه حق المدعي ولا يدعي لنفسه حقًا على العقار، وإنما يكتفي بدفع الدعوى بدفع لا يتعرض به الأصل حق المدعي كالدفع بعدم الاختصاص، ومثلها أيضًا أن يطالب المدعي بالعقار فلا يدعي المدعى عليه لنفسه حقًا عليه وإنما ينكر حق المدعي بينما يكون حق هذا الأخير ثابتًا بسند رسمي صادر من شخص آخر غير المدعى عليه [(37)].
45 - (هـ) إجراء الإصلاحات العاجلة [(38)] ومعناه الطلب الموضوعي الذي يطلب فيه المدعي من محكمة الموضوع الحكم بإجراء إصلاحات عاجلة كالحكم للمستأجر على المؤجر بإلزامه بإجراء إصلاحات عاجلة في العين المؤجرة.
46 - (د) تقرير نفقة وقتية أو نفقة واجبة، أما النفقة الوقتية فالمقصود بها الحكم الوقتي بتقرير نفقة مؤقتة للدائن من محكمة الموضوع إلى أن يفصل في النزاع القائم أمامها بين الدائن والمدين، أما النفقة الواجبة فالمقصود بها نفقات الأقارب والأزواج في الحالات التي تختص فيها المحاكم المدنية بالنفقات، كما إذا كانت النفقة ثابتة قدرًا واستحقاقًا ورفعت الدعوى أمام المحكمة المدنية للمطالبة بمتجمد النفقة، وكنفقات الأقارب والأزواج من الأجانب الذين أصبحت المحاكم الأهلية تختص بمسائل الأحوال الشخصية المتعلقة بهم، بعد إلغاء المحاكم المختلطة والقنصلية، وعملاً بنص المادة (12/ 2 من قانون نظام القضاء الذي منح المحاكم الأهلية الاختصاص في المنازعات والمسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية بالنسبة لغير المصريين جميعًا.
47 - (هـ) أداء أجور الخدم أو الصناع أو العمال ومرتبات المستخدمين:
والمقصود بذلك الحكم في طلب موضوعي من محكمة الموضوع بأداء أجرة خادم أو صانع أو عامل أو مرتب مستخدم.
ويلاحظ بالنسبة للحالات السابقة الواردة في المادة (469) الملاحظات التالية:
أولاً: أن حكم النفاذ المعجل، في هذه الحالات، أنه نفاذ معجل بحكم القاضي وجوبًا رغم الاستئناف وجوازًا رغم المعارضة، فإذا تغيب المدعى عليه في حالة من هذه الحالات أمام محكمة أول درجة وطلب المحكوم له الحكم بالنفاذ كان على المحكمة أن تحكم بالنفاذ رغم الاستئناف ولا خيار لها في ذلك، أما الحكم بالنفاذ رغم المعارضة فهو جوازي لها، والتفرقة بين حكم النفاذ في حالة ما إذا كان الحكم قابلاً للطعن فيه بالمعارضة. وبين حكمه في حالة ما إذا كان الحكم قابلاً للطعن فيه بالاستئناف غير مفهومة،لأن مبنى النفاذ المعجل في هذه الحالات اعتبارات لا تتأثر بمسلك المحكوم عليه من حيث غيابه أو حضوره كالحكم بأداء الأجر أو المرتبات مثلاً، فإن مبنى النفاذ المعجل فيه حاجة المحكوم له للمحكوم به لمعيشته ولا يؤثر في هذا غياب المحكوم عليه أو حضوره.
ثانيًا: حكم الكفالة في هذه الحالات أنها جوازية، فأمر تقريرها متروك لتقدير المحكمة.
ثالثًا: إن مبنى النفاذ، في هذه الحالات، يختلف باختلافها، فهو تارة رعاية طوائف معينة من المحكوم لهم كالمؤجرين، وتارة ضعف مركز المحكوم عليه كالغاصب، وتارة حاجة المحكوم له لما حكم به لمعيشته كالنفقات وأجور الخدم والصناع والعمال ومرتبات المستخدمين.
رابعًا: يبدو أن هناك تعارضًا بين نص المادة (466/ فقرة أولى) الخاص بالأحكام الصادرة في المواد المستعجلة، وبين نص المادة (469/ فقرة 5) الخاص بتقرير النفقة الوقتية إذا صدر الحكم بها من محكمة الموضوع، ووجه التعارض أن الحالة الواردة في الفقرة الخامسة من المادة (469) السابق بيانها أصبحت تقع تحت نص المادة (466/ فقرة أولى)، لأنها ليست إلا حالة أحكام صادرة في مادة من المواد المستعجلة من محكمة الموضوع، وحكمها وفقًا لنص المادة (466) أنها واجبة النفاذ بقوة القانون إذ أن المادة (466/ فقرة أولى) بنصها الوارد في التشريع الجديد أصبحت تنطبق على الأحكام الصادرة في المواد المستعجلة، سواء كانت صادرة من القضاء المستعجل أو من محكمة الموضوع، بينما هي وفقًا لنص المادة (469) واجبة النفاذ بحكم المحكمة وجوبًا رغم الاستئناف وجوازًا رغم المعارضة. ويبدو أن التعارض يرجع إلى أن واضعي التشريع الجديد نقلوا الحالات الواردة في المادة (469) من نص المادة 392/ 450 من القانون القديم دون أن يلاحظوا أن تعديل نص المادة 395/ 432 [(39)] من القانون القديم على النحو الذي جاء في الفقرة الأولى من المادة (466) من القانون الجديد كان يقتضي أن يحذف من الحالات المنصوص عليها في المادة (469) الأحكام الخاصة بتقرير النفقة الوقتية، الواردة في الفقرة الخامسة من هذه المادة، ومن الغريب أن هذا التعارض كان قائمًا أيضًا بالنسبة لحالة أخرى من الحالات المنصوص عليها في المادة 392/ 450 من القانون القديم وهي حالة الإجراءات التحفظية أو الوقتية، وقد تنبه المشرع إلى هذا التعارض في آخر مرحلة من مراحل القانون فحذف الحكم بالإجراءات التحفظية أو الوقتية من الحالات المنصوص عليها في المادة (469) حتى لا يسري عليها حكمها، حيث إن نص المادة (466) أصبح يشملها [(40)].
خامسًا: نص القانون القديم على أن الحكم بالنفاذ المعجل في الحالات السابقة إنما يكون في المواد المدنية مما أثار الخلاف حول جواز العمل بالنص في المواد التجارية، وتظهر أهمية المسألة بالنسبة للإعفاء من الكفالة، (راجع حكم استئناف مختلط في 13 يونيه سنة 1928 جازيت سنة 18 صفحة 215، وأبو هيف صفحة 77، محمد حامد فهمي صفحة 33)، وقد جاء نص القانون الجديد عامًا ليطبق في المسائل المدنية والتجارية، وإن كان الملاحظ أن الأحوال المذكورة في المادة (469) كلها مدنية بطبيعتها.
3/ حالات النفاذ المعجل بحكم المحكمة جوازًا، تشمل هذه الحالات طائفتين:
48 – الأولى: نصت عليها المادة (469) وهي تشمل الحالات الخمس السابق بيانها فقد نص القانون في الفقرة الأخيرة من المادة (469) على أنه يجوز للمحكمة في هذه الحالات أن تأمر بالنفاذ بكفالة أو بدونها رغم المعارضة، فالحكم بالنفاذ المعجل رغم المعارضة في هذه الحالات جوازي للمحكمة.
الثانية: نصت عليها المادة (470) وتشمل الحالات الثلاث الآتية:
49 – 1/ إذا كان الحكم مبنيًا على سند عرفي لم يجحده المحكوم عليه، أصل هذا النص مأخوذ من المادة (393) من قانون المرافعات الأهلي، ومبنى النفاذ فيه تيسير تنفيذ الأحكام المبنية على سندات عرفية، ويشترط لتطبيق هذا النص أن يكون السند العرفي صادرًا من المحكوم عليه ولم يجحده وعدم جحد السند واقعة سلبية لا تستلزم أن يعترف المحكوم عليه بالسند العرفي. وينبني على ذلك أنه إذا رفعت دعوى بطلب حق ثابت بسند عرفي فتغيب المدعى عليه جاز للمحكمة أن تشمل حكمها الصادر بناءً على السند العرفي بالنفاذ المعجل، ويؤكد هذا الاستنتاج أن المشرع جعل النفاذ في هذه الحالة نفاذًا معجلاً سواء كان الحكم غيابيًا أو حضوريًا [(41)].
فإذا أنكر المحكوم عليه السند العرفي وحكم بصحته فإن الحكم في الموضوع بناءً على السند العرفي المحكوم بصحته،لا يجوز شموله بالنفاذ المعجل إلا إذا أصبح الحكم بصحة السند حائزًا لقوة الشيء المحكوم فيه.
وتختلف هذه الحالة عن الحالة المنصوص عليها في المادة (468/ فقرة أولى) أي حالة إقرار المحكوم عليه بالالتزام، في النواحي الآتية:
أولاً: أنه يشترط لتطبيق نص المادة (468/ فقرة أولى) إقرار المحكوم عليه بأصل الالتزام، ولا يكفي مجرد عدم جحد الالتزام، وهي واقعة سلبية، بينما يكفي لتطبيق نص المادة (470/ فقرة أولى) مجرد عدم جحد السند.
ثانيًا: أنه لا يكفي لتطبيق نص المادة (468/ فقرة أولى) الإقرار بصحة السند المثبت للحق، وإنما يجب الإقرار بأصل الالتزام، فقد يكون الإقرار بصحة السند مصحوبًا بمنازعة في أصل الالتزام، كما لو اعترف المحكوم عليه بصدور السند المثبت للالتزام منه، ونازع في صحة الالتزام مدعيًا بطلانه. في مثل هذه الحالة يكون النص الواجب التطبيق هو نص المادة (470) وحكم النفاذ بمقتضاه أنه جوازي للمحكمة، وليس نص المادة (468) وحكم النفاذ فيه أنه وجوبي.
ثالثًا: يشترط لتطبيق نص المادة (470/ فقرة أولى) أن يكون الحق المحكوم به ثابتًا بالكتابة ولا يشترط ذلك لتطبيق نص المادة (468/ فقرة أولى).
50 – 2/ إذا كان الحكم صادرًا في دعاوى الحيازة أصل هذا النص مأخوذ من المادة (450) من قانون المرافعات المختلط، ومبنى النفاذ فيه العناية بالحيازة، فهو مظهر من مظاهر هذه العناية وهي كثيرة في التشريع.
51 – 3/ إذا كان الحكم صادرًا لمصلحة طالب التنفيذ في منازعة متعلقة به يفترض تطبيق هذا النص أنه قد شرع في التنفيذ بمقتضى سند جائز تنفيذه ثم قامت منازعة متعلقة بالتنفيذ وحكم فيها لصالح طالب التنفيذ، ومبنى النفاذ فيه رغبة المشرع في التعجيل بتيسير التنفيذ الذي شرع فيه بمقتضى سند جائز التنفيذ ومثل هذه الحالة الحكم برفض دعوى الاسترداد في حجز المنقول، والحكم برفض دعوى رفع الحجز في حجز ما للمدين لدى الغير، والحكم برفض الاعتراض على قائمة شروط البيع والحكم برفض دعوى الاستحقاق الفرعية في التنفيذ على العقار.
والنص المتقدم، بصيغته العامة كما جاء في التشريع الجديد، نص مستحدث لا نظير له في القانون القديم وإن كان هذا القانون قد أتى ببعض تطبيقات له في مواضع متفرقة [(42)]، ولذلك فقد أغنى هذا النص العام عن إيراد نصوص خاصة في مختلف المنازعات المتعلقة بالتنفيذ.
وحكم النفاذ في الحالات الثلاث المتقدمة أنه نفاذ معجل جوازي للمحكمة رغم المعارضة ورغم الاستئناف، كما أن الكفالة فيها جوازية للمحكمة أن تشترطها أو أن تعفي منها.
52 - نقد نظام النفاذ المعجل في القانون المصري: يشوب نظام النفاذ المعجل في القانون المصري عيبان أساسيان، الأول التعقيد، والثاني عدم المرونة.
فهو نظام معقد من حيث تقسيمه للنفاذ المعجل إلى نفاذ معجل بقوة القانون، ونفاذ معجل بحكم المحكمة وجوبًا، ونفاذ معجل بحكم المحكمة جوازًا، ويبدو تعقيده كذلك في التفرقة التي يقيمها في بعض الحالات، من حيث حكم النفاذ، بين الأحكام الغيابية والأحكام الحضورية دون أن يكون صدور الحكم في غيبة المحكوم عليه أو في حضوره مما يؤثر في الاعتبارات التي بني عليها النفاذ المعجل، فالحكم بأداء أجور العمال والصناع ومرتبات المستخدمين مثلاً، يشمل بالنفاذ المعجل لحاجة المحكوم له إلى المحكوم به لمعيشته ولا يؤثر في هذا الاعتبار حضور المحكوم عليه أو غيابه، فمن غير المفهوم أن يختلف حكم النفاذ المعجل في هذه الحالة باختلاف ما إذا كان الحكم حضوريًا أو غيابيًا، فإن كان حضوريًا فالنفاذ المعجل واجب الحكم به، وإن كان غيابيًا فالنفاذ المعجل جائز الحكم به.
وهو نظام تعوزه المرونة بسبب حرمان القاضي في كثير من الحالات من سلطة التقدير، ففي كثير من حالات النفاذ المعجل بحكم القاضي يكون الحكم بالنفاذ واجبًا عليه دون أن يكون له سلطة في تقدير ما إذا كانت ظروف الدعوى تقتضي شمول الحكم بالنفاذ أو لا تقتضيه ويبدو جمود هذا النظام واضحًا في تحديده لحالات النفاذ المعجل بمختلف أنواعه تحديدًا على سبيل الحصر بحيث لا يجوز للقاضي أن يقضي بالنفاذ في غير هذه الحالات مهما اقتضت ظروف الدعوى ذلك. وتقضي مرونة التشريع بأن يوجد، بجانب النصوص الخاصة بحالات النفاذ المعجل التي يرى المشرع شمول الحكم فيها بالنفاذ، نص عام يخول القاضي السلطة في أن يشمل حكمه بالنفاذ المعجل كلما كان في تأخير تنفيذ الحكم ضرر كبير بالمحكوم له [(43)].
ومن الغريب أن هذه العيوب التي ورثها التشريع المصري عن التشريع الفرنسي والتي تسربت إلى قانون المرافعات المصري الجديد، قد أصلحها المشرع الفرنسي بالقانون رقم (554) الصادر في 23 مايو سنة 1942 الذي عدل نظام النفاذ المعجل في القانون الفرنسي تعديلاً جوهريًا قضى به على ما كان يشوبه من تعقيد وجمود. فهو من ناحية عمل على تبسيط هذا النظام بوضع قواعد ألغى بمقتضاها الاختلاف، من حيث حكم النفاذ بين الأحكام الغيابية والأحكام الحضورية، كما ألغى تقسيم النفاذ المعجل بحكم المحكمة إلى نفاذ معجل وجوبي ونفاذ معجل جوازي وذلك بإلغائه النفاذ المعجل الوجوبي، ففيما عدا الحالات التي يكون النفاذ المعجل فيها بقوة القانون فإن النفاذ المعجل أصبح جوازيًا دائمًا. ومن ناحية أخرى ألغى تعديل سنة 1942 أغلب حالات النفاذ المعجل التي كان منصوصًا عليها في قانون المرافعات الفرنسي واستبدل بها قاعدة عامة خول بمقتضاها للقاضي (فيما عدا الحالات التي منع فيها المشرع النفاذ المعجل صراحة) السلطة في أن يشمل حكمه بالنفاذ كلما كان هناك استعجال urgence أو كان من شأن التأخير في تنفيذ الحكم وجود خطر على المحكوم له périlenla demeure بهذا النص أكسب المشرع الفرنسي نظام النفاذ المعجل في فرنسا كثيرًا من المرونة [(44)].
[(22)] كانت القاعدة في القانون القديم أن الأحكام الصادرة في الأمور المستعجلة إن كانت صادرة من قاضي الأمور المستعجلة (القاضي الجزئي في القانون الأهلي) فهي واجبة النفاذ بقوة القانون ( م 395 هـ/ 452 م) وإن كانت صادرة من محكمة الموضوع فهي واجبة النفاذ بحكم المحكمة ( م 392 هـ/ 450 م).
[(23)] جواز الطعن في الحكم بالمعارضة من المستأنف مقرر بنص المادة (408) من القانون الجديد خروجًا على القاعدة العامة الواردة في المادة (93) التي فرضت، في حالة غياب المدعي، تأجيل الدعوى إلى جلسة أخرى حتى يعتبر الحكم الصادر بعد ذلك على المدعي حضوريًا فلا يجوز له الطعن فيه بالمعارضة - راجع مقالنا في طرق الطعن في الأحكام في مشروع قانون المرافعات، مجلة الحقوق السنة الثالثة العدد الأول صفحة 166 – 167.
[(24)] راجع مقالنا في المعارضة في الأحكام الغيابية في مشروع قانون المرافعات منشور في مجلة الحقوق السنة الثالثة العدد الثالث ص 413 - 414.
[(25)] حالات النفاذ المعجل بقوة القانون التي عالجنا هنا هي الحالات التي نص عليها قانون المرافعات، وننبه إلى أن هناك حالات أخرى ورد النص عليها في قوانين أخرى كنص قانون التجارة في المادة 211 هـ/ 219 م على شمول الأحكام الصادرة بشهر الإفلاس بالنفاذ المعجل بقوة القانون، راجع محمد حامد فهمي بند (30).
[(26)] قارن نص المادتين 391 هـ/ 449 م، 392 هـ/ 450 م من القانون القديم.
[(27)] لهذا كانت عبارة القانون الجديد أصح من عبارة القانون القديم الذي عبر عن هذه الحالة بقوله (إذا كان المحكوم عليه معترفًا بالمحكوم به).
[(28)] راجع في الخلط بين الإقرار بالالتزام وبين عدم المنازعة في صحة الورقة المثبتة للالتزام، جارسونيه الجزء السادس رقم 121 وأبو هيف رقم 104 والأحكام المشار إليها في هامشي صفحتي 73، 74، محمد حامد فهمي بند (35) وهامش ص 29.
[(29)] فرق القانون الجديد بين السندات الرسمية التي لها بذاتها قوة تنفيذية وعبر عنها في المادة (457) بالعقود الرسمية، وبين السندات الرسمية بالمعنى العام أي السندات التي لها قوة خاصة في الإثبات، وعبر عنها بالسندات الرسمية م 468/ 2.
[(30)] قارن حكم محكمة النقض الفرنسية الصادر في 25 مايو سنة 1852 منشور في سيرى 52 - 1 - 517 الذي فرقت فيه المحكمة بين حالة ما إذا كان الفسح مشروطًا صراحةً في العقد وفي هذه الحالة يكون الفسخ مبنيًا على السند فيشمل بالنفاذ المعجل. وبين حالة ما إذا لم يكن الفسخ مشروطًا صراحةً في العقد وفي هذه الحالة لا يشمل الحكم بالنفاذ المعجل.
[(31)] راجع جلاسون الجزء الثالث ص 350 وجارسونيه الجزء السادس رقم 121 ومحمد حامد فهمي ص31.
[(32)] لم ينص القانون القديم على هذا الشرط ومع ذلك فقد جرى الفقهاء على اشتراطه راجع جلاسون الجزء الثالث ص 351، ومحمد حامد فهمي ص31، وقد أزال القانون الجديد كل شبه يمكن أن تقوم حول ضرورة هذا الشرط وذلك بنصه عليه صراحة في المادة 468/ 2.
[(33)] راجع حكم محكمة استئناف مصر في 8 ديسمبر سنة 1919 المجموعة الرسمية س 21 عدد 41.
[(34)] عيب على نص المادة (391) من قانون المرافعات الأهلي ضعف تركيبه ضعفًا يحمل على الخطأ في فهم المقصود منه - راجع حكم استئناف مصر في 4 سبتمبر سنة 1927، 10 إبريل سنة 1928 محاماة س 8 ص 479، 548، ومحمد حامد فهمي ص 32 هامش 1، كما عيب عليه أنه وردت فيه عبارات ليس مقطوعًا بالمعنى المقصود بها بدلاً من استعمال المصطلحات ذات المعاني المحددة المعروفة ومن أمثلة ذلك استعماله تعبير حكم بتي بدلاً من حكم حائز لقوة الشيء المحكوم فيه.
[(35)] نص القانون القديم في المادة (392) من قانون المرافعات الأهلي عن إخراج الساكن، ولكن جرى القضاء على أن المقصود هو المستأجر لكي يعمل بالنص سواء أكان المستأجر مستأجرًا لمبانٍ أو لأرض زراعية - حكم محكمة استئناف مصر في 7 مايو سنة 1906، حقوق س21 ص 217.
[(36)] قارن المادة 392/ 450 (أولاً) من القانون القديم.
[(37)] راجع محمد حامد فهمي ص34.
[(38)] عبر عنها القانون القديم بتعبير (إجراء الترميمات الضرورية المستعجلة) راجع نص المادة (312/ ثانيًا) من قانون المرافعات الأهلي.
[(39)] نص المادة 395/ 452 من القانون القديم جاء خاصًا بالأحكام الصادرة من القضاء المستعجل دون الأحكام الصادرة في المواد المستعجلة من محكمة الموضوع.
[(40)] راجع نص المادة (486) من مشروع القانون المقدم من الحكومة والتعديلات التي أدخلها عليه مجلس الشيوخ.
[(41)] راجع محمد حامد فهمي رقم 45 وهامش 2، ومن الشراح من يشترط لإمكان شمول الحكم بالنفاذ أن يكون الخصم حاضرًا وأن يقر بصحة المحرر أو أن تكون قد ثبت صحته بطريقة رسمية من قبل، فإن تغيب الخصم ولم يكن المحرر ثابت الصحة رسميًا من قبل امتنع النفاذ، أبو هيف رقم 123.
[(42)] مثال ذلك نص المادة (609) من قانون المرافعات المختلط الخاص بالأحكام الصادرة برفض المعارضة في تنبيه نزع الملكية، والمادة (642) من قانون المرافعات المختلط الخاصة بالأحكام الصادرة في المنازعات الحاصلة في قائمة شروط البيع.
[(43)] راجع أبو هيف رقم 132.
[(44)] راجع فيما وجه لنظام النفاذ المعجل في القانون الفرنسي من نقد، وفي مدى تعديل سنة 1942 مختصر كيش في المرافعات رقم 189 وما بعده، وموريل الطبعة الثانية رقم 625، 626.
(3)
التظلم من الحكم بسبب الخطأ في التنفيذ
(م 472، 473)

53 - المقصود بالخطأ في هذا الصدد الخطأ الذي يشوب الحكم ويكون من شأنه أن يؤثر في جواز تنفيذه أو عدم جوازه، كأن تخطئ المحكمة فتصف حكمها الابتدائي بأنه انتهائي، أو تشمله بالنفاذ بغير كفالة حيث تكون الكفالة واجبة، ويترتب على الخطأ في الحالتين المتقدمتين جواز تنفيذ الحكم أو تيسير التنفيذ، وقد تخطئ المحكمة فترفض شمول الحكم بالنفاذ في حالة يكون شموله بالنفاذ فيها واجبًا، أو تشمله بالنفاذ مع الكفالة في حالة يكون الإعفاء منها واجبًا، ويترتب على الخطأ في هاتين الحالتين منع تنفيذ الحكم أو عرقلة تنفيذ.
في الحالات المتقدمة وأمثالها يكون الحكم مشوبًا بخطأ مؤثر في تنفيذه، ويحصل تصحيح هذا الخطأ بطريق مخصوص من طرق التظلم من الأحكام، جرى الاصطلاح بتسميته بالاستئناف الوصفي.
54 - الغرض من التظلم، الخطأ المتعلق بالتنفيذ نوعان:
1/ خطأ من شأنه أن يمنع تنفيذ الحكم أو يعرقل تنفيذه فيكون للمحكوم له أن يتظلم من الحكم، ولما كان التظلم هنا يرمي إلى تنفيذ الحكم فقد جرى الاصطلاح بتسميته بطلب التنفيذ.
2/ خطأ من شأنه أن يجيز تنفيذ الحكم أو أن ييسر تنفيذه فيكون للمحكوم عليه أن يتظلم منه، ولما كان التظلم هنا يرمي إلى منع تنفيذ الحكم فقد جرى الاصطلاح بتسميته بطلب منع التنفيذ.
55 - أسباب التظلم، يجمع هذه الأسباب جامع واحد، وهو أن يشوب الحكم خطأ مؤثر في تنفيذه، ولهذا الخطأ صور سبع ذكرتها المادة (471) من القانون الجديد [(45)].
1/ أن تصف المحكمة حكمها الانتهائي بأنه ابتدائي.
2/ أن ترفض الأمر بالنفاذ مع وجوبه.
3/ أن تأمر بالكفالة حيث لا يجوز الأمر بها.
4/ أن ترفض الإعفاء من الكفالة حيث يكون الإعفاء منها واجبًا، وصورة ذلك أن تكون الكفالة واجبة بقوة القانون، ثم يتحقق سبب من الأسباب الموجبة للإعفاء منها، كالحكم الصادر في مادة تجارية بناءً على إقرار المحكوم عليه بأصل الالتزام.
في هذه الصور الأربع يكون للمحكوم له أن يتظلم من الحكم.
5/ أن تصف المحكمة حكمها الابتدائي بأنه انتهائي.
6/ أن تأمر بالنفاذ المعجل في غير حالات وجوبه أو جوازه.
7/ أن تأمر بالإعفاء من الكفالة حيث تكون واجبة.
في هذه الصور الثلاث الأخيرة يكون للمحكوم عليه أن يتظلم من الحكم.
56 - شروط التظلم، يشترط لقبول التظلم شرطان أساسيان:
1/ أن تخطئ المحكمة خطأ قانونيًا، كأن تأمر بالنفاذ في غير حالاته التي نص عليها القانون، أو أن ترفض النفاذ في حالة يكون الحكم به واجبًا، ولذلك لا يقبل التظلم إذا لم تصرح المحكمة بالنفاذ في حكمها في حالة من حالات النفاذ بقوة القانون لأن عدم تصريحها بالنفاذ في هذه الحالة لا يمنع من تنفيذ الحكم، ولا يعتبر خطأ من جانب المحكمة، وإنما يمنع من تنفيذه ويعتبر خطأ من جانبها يجيز التظلم، أن تصرح في حكمها برفض شمول الحكم بالنفاذ.
كذلك إذا كان الحكم بالنفاذ جوازيًا فأمرت المحكمة به أو رفضته فلا يقبل التظلم من حكمها لأنها لم تخطئ خطأ قانونيًا وإنما استعملت سلطتها التقديرية التي خولها إياها القانون والتي لا معقب عليها [(46)] والخطأ الذي يصلح أساسًا للتظلم هو الخطأ في تطبيق أحكام القانون وليس الخطأ في التقدير لأن جواز التظلم بناءً على خطأ المحكمة في التقدير يترتب عليه أن يكون للمحكمة التي يرفع إليها التظلم أن تبحث موضوع الدعوى وظروفها وملابساتها وهو ممنوع عليها [(47)]، [(48)].
2/ ألا يكون الحكم قد أصبح جائزًا تنفيذه طبقًا للقواعد العامة بفوات مواعيد المعارضة والاستئناف، لأن فوات ميعاد المعارضة والاستئناف يجعل الحكم حائزًا لقوة الشيء المحكوم فيه ومن ثم جائزًا تنفيذه طبقًا للقواعد العامة فلا يكون للمحكوم له مصلحة في طلب النفاذ المعجل، ولا يكون للمحكوم عليه مصلحة في منعه [(49)].
57 - المحكمة المختصة بالفصل في التظلم: نص القانون في المادة (471) على أن المحكمة المختصة بالفصل في التظلم هي المحكمة الاستئنافية بالنسبة للمحكمة التي أصدرت الحكم فإن كان الحكم صادرًا من محكمة جزئية رفع التظلم إلى المحكمة الابتدائية وإن كان الحكم صادرًا من محكمة ابتدائية رفع التظلم إلى محكمة الاستئناف.
ولكن إذا كان الحكم غيابيًا جاز للمحكوم عليه أن يتظلم منه إلى المحكمة التي أصدرته بطريق المعارضة فيه.
58 - ويثير التظلم في حالة الحكم الغيابي صعوبة من ناحيتين:
الأولى: هل يجوز للخصم الحاضر أن يتظلم للمحكمة الاستئنافية في أثناء ميعاد المعارضة في الحكم من جانب الخصم الغائب أو في أثناء نظر المعارضة المرفوعة منه، أم أنه يجب عليه أن يتربص حتى ينتهي ميعاد المعارضة أو حتى يفصل فيها إن كانت قد رفعت؟ ثارت هذه الصعوبة في ظل القانون القديم بسبب وجود نص فيه (م 351 هـ/ 396 م) يمنع من الطعن في الحكم الغيابي بالاستئناف ما دام قابلاً للطعن فيه بالمعارضة، ولقد قيل بحق إن هذا النص لا يطبق على التظلم من الحكم بسبب الوصف أو النفاذ لانتفاء الحكمة من تطبيقه في هذه الحالة. وعندنا أنه لا شبهة الآن في جواز التظلم فورًا من الخصم الحاضر بالرغم من قابلية الحكم للمعارضة من الخصم الغائب لأنه فضلاً عما تقدم، فقد ألغى التشريع الجديد نص المادة 351 هـ/ 396 م الذي كان يمنع الطعن في الحكم بالاستئناف ما دام الطعن فيه بالمعارضة جائزًا [(50)].
الثانية: إذا تظلم المحكوم عليه غيابيًا للمحكمة الاستئنافية فهل يسقط حقه في المعارضة في الحكم الغيابي عملاً بنص المادة (387) من التشريع الجديد التي تنص على أن الطعن في الحكم الغيابي بطريق آخر غير المعارضة يعتبر نزولاً عن حق المعارضة ؟ لا نزاع في أن التظلم من الحكم من حيث النفاذ للمحكمة الاستئنافية يسقط حق المتظلم في التظلم بطريق المعارضة إلى المحكمة التي أصدرت الحكم، ولكنه لا يسقط حقه في الطعن في الحكم الغيابي بالمعارضة من حيث موضوع الدعوى، لاختلاف الطعنين موضوعًا، فالطعن في الحكم الغيابي بطريق آخر غير المعارضة الذي يسقط الحق في المعارضة طبقًا لنص المادة (387)، هو الطعن في الحكم من حيث موضوع الدعوى، والتظلم من الحكم من حيث النفاذ، ليس طعنًا في الحكم بالمعنى المتقدم [(51)]، ولا يترتب عليه إن حصل أن تبحث المحكمة الاستئنافية موضوع الدعوى.
59 - إجراءات رفع التظلم والحكم فيه: يرفع التظلم الذي يحصل أمام نفس المحكمة التي أصدرت الحكم، بالإجراءات المعتادة لرفع المعارضة، ويرفع التظلم الحاصل أمام المحكمة الاستئنافية بالطرق المعتادة لرفع الاستئناف، بميعاد حضور قصير هو ثلاثة أيام، كذلك يجوز إبداء التظلم في الجلسة أثناء نظر المعارضة أو الاستئناف، إذا كان قد طعن في الحكم من حيث الموضوع بالمعارضة أو الاستئناف.
وسواء رفع التظلم بالطريق الأصلي بورقة تكليف بالحضور، أو بطريق عارض بإبدائه في الجلسة فإنه يحكم فيه على وجه السرعة مستقلاً عن الموضوع، ومبنى الحكم فيه على وجه السرعة ما لهذا الحكم من أثر في التنفيذ كما أن مبنى الحكم فيه مستقلاً عن الموضوع أن الحكم فيه لا يقتضي بحث موضوع الدعوى ولا يتوقف عليه [(52)].
60 - الأثر المترتب على رفع التظلم: لا يترتب على رفع التظلم من جانب المحكوم له أن يصبح الحكم جائزًا تنفيذه كما أنه لا يترتب على رفع التظلم من جانب المحكوم عليه منع تنفيذه وإنما يترتب كل ذلك على الحكم في التظلم بقبوله من المحكمة المرفوع إليها.
61 - سلطة المحكمة التي يرفع إليها التظلم: تقتصر سلطة المحكمة التي يرفع إليها التظلم على بحث الجزء من الحكم المتعلق بالوصف أو النفاذ أو الكفالة لتتبين ما إذا كان الحكم المتظلم منه قد طبق أحكام القانون بشأنها تطبيقًا صحيحًا، أم أنه أخطأ في تطبيقها، ولا يجوز لها أن تتعرض لما قضى به الحكم من حيث موضوع الدعوى، وعليها أن تسلم بما قضى به الحكم في الموضوع باعتباره صحيحًا، فلو أن الحكم كان قد قضى بإخراج شاغل العقار لأنه شاغل له بغير سند، وشملته المحكمة بالنفاذ المعجل وحصل تظلم من المحكوم عليه، فليس للمحكمة المتظلم أمامها أن تبحث فيما إذا كان الحكم صحيحًا فيما قضى به من إخراج المحكوم عليه أو غير صحيح، وإنما هي تسلم بصحة ذلك ويقتصر بحثها على أنه على فرض صحة ما قضى به الحكم من حيث الموضوع، هل يجوز أن يشمل بالنفاذ المعجل طبقًا لنصوص القانون الخاصة بالنفاذ المعجل أم لا يجوز، وكذلك لو أن الحكم قضى بصحة تصرف ثابت بسند عرفي وشمل الحكم بالنفاذ وتظلم المحكوم عليه من الحكم فيما أمر به من النفاذ المعجل فلا يجوز للمحكمة المتظلم أمامها أن تبحث فيما إذا كان التصرف صحيحًا أو باطلاً وإنما عليها أن تسلم بصحة ما قضى به الحكم المتظلم منه في هذا الصدد.
62 - أثر الحكم في التظلم: وينبني على القاعدة المتقدمة نتيجة هامة هي أن الحكم في التظلم بقبوله، أو برفضه لا يقيد المحكمة عندما يطعن أمامها في الحكم من حيث موضوع الدعوى، وذلك لاختلاف موضوع كل منهما، فلو أن حكمًا قضى بصحة تصرف وأمر بشموله بالنفاذ المعجل ثم تظلم المحكوم عليه من النفاذ فضت المحكمة الاستئنافية برفض التظلم، ثم طعن المحكوم عليه في الحكم بالاستئناف من حيث موضوع الدعوى، فليس ثمة ما يمنع المحكمة الاستئنافية عند الفصل في الاستئناف من أن تقضي ببطلان التصرف.
آثار إلغاء الحكم المشمول بالنفاذ المعجل
63 - النفاذ المعجل نفاذ مؤقت تتوقف صحته على نتيجة الطعن في الحكم المشمول بالنفاذ، فإن ألغي الحكم ألغي ما تم من تنفيذ مؤقت بمقتضاه ووجب رد ما حصل من تنفيذ الحكم تنفيذًا مؤقتًا، وبصفة عامة وجبت إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل التنفيذ القاعدة المتقدمة قاعدة مسلمة، وإنما قام الخلاف حول ما إذا كان يجب على من نفذ الحكم تنفيذًا معجلاً، فضلاً عما تقدم، أن يعوض من حصل التنفيذ عليه إن كان قد أصابه ضرر من تنفيذ الحكم أم لا.
يرى القضاء الفرنسي وعلى رأسه محكمة النقض الفرنسية [(53)] والقضاء المختلط وعلى رأسه محكمة الاستئناف المختلطة [(54)] أنه يجب على من نفذ الحكم تنفيذًا معجلاً ثم ألغى حكمه بعد الطعن فيه أن يعوض المحكوم عليه عما أصابه من ضرر بسبب التنفيذ، لا فرق بين أن يكون من نفذ الحكم حسن النية أو سيء النية، ولذا جرى هذا القضاء على القول بإلزامه بفوائد المبالغ التي تسلمها نتيجة للتنفيذ من يوم تسلمها، وبإلزامه بالفرق بين الفائدة القانونية والفائدة التي تعطيها خزينة المحكمة على المبالغ المحصلة من التنفيذ التي أودعت بها، وقد أخذت محكمة النقض المصرية بهذا الرأي في قضائها [(55)].
64 - وأساس هذا الرأي أن التنفيذ المعجل ليس حقًا للمحكوم له وإنما هو رخصة faculté يستعملها المحكوم له على مسؤوليته à ses risques etpérils وأن حق المحكوم له في إجراء التنفيذ - إن كان ذلك حقًا - يزول بإلغاء الحكم فيصير التنفيذ الذي تم غير مستند إلى أساس من الحق، كما أن تنفيذ حكم غير انتهائي تنفيذًا معجلاً عمل لا يخلو من عدم التبصر الموجب لمسؤولية المحكوم له لعلمه أن الحكم جائز الطعن فيه ومحتمل إلغاؤه [(56)].
65 - وعندنا أن هذا الرأي محل نظر، فالمحكوم له إنما استعمل حقًا خوله إياه القانون ومن استعمل حقه لا يسأل إلا إذا أساء هذا الاستعمال أو كان سيء النية، هذا فضلاً عما في الرأي المتقدم من مخالفة للقواعد العامة، فمن القواعد المسلمة أن الأفراد أحرار في الالتجاء إلى القضاء والاستعانة به، وينبني على ذلك أن الفرد إذا فشل في التجائه إلى القضاء فلا يعتبر فشله بذاته خطأ موجبًا لمسؤوليته إلا إذا كان سيء النية، فمن رفع دعوى أو طعن في حكم ثم تبين أنه لم يكن على حق بدليل خسرانه للدعوى أو فشله في الطعن لا يسأل عما يترتب على عمله هذا من ضرر لخصمه إلا إذا كان سيء النية [(57)].
أما القول بأن التنفيذ المعجل ليس حقًا للمحكوم له وإنما هو رخصة فقول يفتقر إلى أساس سليم يقوم عليه، سواءً من حيث المعيار بين الحق والرخصة الذي بنى عليه القانون بهذا القول اعتبار حق المحكوم له في التنفيذ المعجل رخصة وليس حقًا، أو من حيث ما رتبوه على هذه التفرقة من أثر في أن صاحب الحق لا يسأل عن استعماله لحقه إلا إذا أساء، وصاحب الرخصة يسأل عن استعمالها حسن النية كان أو سيئها، فمن المعلوم أن معيار التفرقة بين الحق والرخصة، والآثار المترتبة على هذه التفرقة أمور مختلف عليها بين علماء القانون أكبر الخلاف.
ولعل أسلم المعايير في التفرقة بينهما ما أخذ به واضعو القانون المدني الجديد في مشروع القانون المدني [(58)]، وبمقتضاه يعتبر حقًا، الحق المحدد الذي يكسبه الشخص ويختص به دون غيره، ويعتبر رخصة قانونية أو حقًا عامًا الحق الذي يعترف به القانون للناس كافة، وواضح أنه بحسب هذا الرأي، ليس حق المحكوم له في التنفيذ المعجل رخصة لأنه ليس من قبيل الحقوق العامة التي يعترف بها القانون للناس كافة كحق المرور في الشوارع العامة، وإنما هو حق ذاتي بكل معنى الكلمة، ومن الشراح من يرى أن التفرقة بين الحق والرخصة لا تقوم على أساس من القانون [(59)].
أما القول بأن حق المحكوم له في إجراء التنفيذ يزول بإلغاء الحكم فيصير التنفيذ الذي تم غير مستند إلى أساس من الحق فغير صحيح ولا أدل على صحته من أن مقتضاه أن يسأل المحكوم له بحكم حائز لقوة الشيء المحكوم فيه إذا نفذه ثم ألغي بعد ذلك بعد الطعن فيه بطريق طعن غير عادي، لأن التنفيذ بعد إلغاء الحكم يصبح غير مستند إلى أساس من الحق، هذا مع أن المسلم أن المحكوم له بحكم حائز لقوة الشيء المحكوم فيه لا يسأل عن تنفيذه، إذا ما ألغى الحكم بعد الطعن فيه بطريق طعن غير عادي، إلا إذا كان سيء النية أو أساء التنفيذ تطبيقًا للمبدأ العام الذي سبق بيانه [(60)] الواقع أنه لا محل للتفرقة بين تنفيذ الحكم تنفيذًا معجلاً وتنفيذ الحكم الحائز لقوة الشيء المحكوم فيه، إذا ما ألغي كل منهما بعد الطعن فيه بطريق الطعن المناسب، وإذا كان تنفيذ الحكم تنفيذًا معجلاً عملاً لا يخلو من عدم التبصر كما يقولون لعلم المحكوم له أن الحكم قد يلغي بعد الطعن فيه بالمعارضة أو الاستئناف، فكذلك تنفيذ الحكم الحائز لقوة الشيء المحكوم فيه القابل للطعن فيه بطريق الطعن غير العادية لا يخلو من عدم التبصر فقد يلغي الحكم بعد الطعن فيه بطريق من طرق الطعن غير العادية، وإذا كان الحكم غير الحائز لقوة الشيء المحكوم فيه المشمول بالنفاذ المعجل قابلاً للطعن فيه بطريق لا يقبل الطعن بها في الحكم الحائز لقوة الشيء المحكوم فيه، فإن المحكوم له بحكم مشمول بالنفاذ المعجل معذور في اعتماده على الأسباب التي بررت شمول الحكم بالنفاذ المعجل لترجيح احتمال تأييده.
كما أن القول بأن تنفيذ الحكم تنفيذًا معجلاً ليس حقًا للمحكوم له، وأنه إذا أراد أن يجنب نفسه المسؤولية عن التنفيذ، كان عليه أن يتربص حتى يصبح الحكم حائزًا لقوة الشيء المحكوم فيه، هذا القول يترتب عليه في بعض الأحيان إهدار حق المحكوم له وضياع قيمة الحكم بالرغم من تأييده وصيرورته حائزًا لقوة الشيء المحكوم فيه، إذ أن تنفيذه بعد التربص حتى يصبح حائزًا لقوة الشيء المحكوم فيه يصبح عديم الجدوى، ومثل ذلك الأحكام الصادرة في الأمور المستعجلة.
وننبه في ختام هذا البحث إلى ما يشوب الرأي سار عليه القضاء من تعارض في مبناه، تعارض بين القول بأن المحكوم له بحكم مشمول بالنفاذ المعجل إنما ينفذه على مسؤوليته à ses risques et périls وبين القول بأن تنفيذ الحكم قبل أن يصبح حائزًا لقوة الشيء المحكوم فيه عمل لا يخلو من عدم التبصر. هذان القولان متعارضان لأن مقتضى القول الأول أن أساس المسؤولية هو فكرة المخاطر risques التي ينتفي معها كل خطأ من جانب المسؤول، ومقتضى القول الثاني أن أساس المسؤولية هو الخطأ الناشئ عن عدم تبصر المحكوم له بتنفيذه الحكم قبل أن يصبح حائزًا لقوة الشيء المحكوم فيه، وخلاصة ما تقدم أن المحكوم له بحكم مشمول بالنفاذ المعجل، كالمحكوم له بحكم حائز لقوة الشيء المحكوم فيه، كل منهما في تنفيذه للحكم، إنما يستعمل حقه الذي يخوله إياه القانون فلا يسأل إلا إذا كان سيء النية أو أساء التنفيذ [(61)].
تنفيذ الأحكام على الغير
(م 473، 474)
66 - يقصد بالغير في هذا المقام من لا تكون له مصلحة شخصية في الدعوى، بحيث لا يعود عليه من الحكم نفع أو ضرر، وإنما يجب تدخله في تنفيذ الحكم لماله من صفة، أو وظيفة كالحارس القضائي، أو الوديع، أو أمين الشهر العقاري، بالنسبة للأحكام الصادرة بتسليم الأموال المودعة، أو بمحو قيد الرهن، أو لما له من علاقة بالخصوم كالمحجوز لديه في حالة تنفيذ حكم بطريق حجز ما للمدين لدى الغير [(62)].
فالغير في مقام تنفيذ الأحكام على الغير يشترط فيه شرطان.
1/ ألا يكون ممثلاً في الخصومة بشخصه، أو في شخص غيره، فلا يعتبر من الغير الوارث بالنسبة للأحكام الصادرة على مورثه.
2/ ألا تكون له مصلحة في الدعوى، فلا يعتبر من الغير من تكون له مصلحة في الدعوى ولم يدخل فيها، كحائز العقار بالنسبة للحكم الصادر في النزاع على العقار، فمثل هذا الشخص لا يحتج عليه بالحكم ومن ثم لا يجوز تنفيذه عليه.
67 - شروط تنفيذ الأحكام على الغير في القانون القديم، يفرق القانون القديم، بالنسبة لتنفيذ الأحكام، بين تنفيذها على ما كان طرفًا فيها ويعمل في شأنه لقواعد المتقدمة، وبين تنفيذها على الغير بالمعنى المتقدم، فيستلزم القانون فيه أن يكون الحكم حائزًا لقوة الشيء المحكوم فيه وأن يثبت طالب التنفيذ ذلك بما يقدمه من أوراق تدل على إعلانه للحكم، ومن شهادات من قلم الكتاب تدل على عدم حصول طعن فيه بالمعارضة أو بالاستئناف (المواد 343 408 هـ/ 388، 469 م). ومقتضى هذه القواعد أن الحكم الابتدائي أو الغيابي الذي يجوز تنفيذه على من كان طرفًا فيه طالما أنه لم يطعن فيه بالمعارضة أو بالاستئناف في النظام المختلط والنظام الفرنسي لا يجوز تنفيذه على الغير إلا بعد أن يصبح حائزًا لقوة الشيء المحكوم فيه، وكذلك الحكم المشمول بالنفاذ المعجل وإن كان يجوز تنفيذه تنفيذًا معجلاً على من كان طرفًا فيه، لا يجوز تنفيذه على الغير.
ولما كانت التفرقة المتقدمة لا تقوم على أساس سليم فقد وجه إليها كثير من النقد مما حدا بالخصوم في الدعاوى إلى التحايل عليها بإدخال الغير في الدعوى ليصدر الحكم المشمول بالنفاذ المعجل في مواجهته فيتيسر تنفيذه عليه، ومما حدا ببعض رجال الفقه إلى القول بإجازة هذا التحايل لضعف إيمانهم بسلامة الاعتبارات التي بنيت عليها هذه التفرقة.
ومما أخذ على نظام التنفيذ على الغير في القانون القديم ما كان يثيره من صعوبة في تنفيذ الأحكام الغيابية التي لا تشتمل على إلزام المحكوم عليه بشيء، فلتنفيذ هذه الأحكام على الغير كان لا بد من انتهاء ميعاد المعارضة، وميعاد المعارضة لا ينتهي إلا بتنفيذ الحكم. حاول الشراح التغلب على هذه الصعوبة بشتى الحلول التي إن دلت على شيء، فإنما تدل على فساد تنفيذ الأحكام على الغير في هذا القانون [(63)].
68 - في القانون الجديد، خالف التشريع الجديد مذهب القانون القديم فنص في المادة (473) منه على أنه يجوز تنفيذ الأحكام المشمولة بالنفاذ المعجل قبل من ألزمهم الحكم من غير الخصوم بفعل أمر، أو أداء شيء، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. بهذا النص سوى التشريع الجديد كقاعدة عامة، بين شروط تنفيذ الأحكام على الخصوم وشروط تنفيذها على الغير، وحسنًا فعل، إذ الواقع أنه لا فرق بين احتمالات التنفيذ على المحكوم عليه الحاصل تحت يده، واحتمالات التنفيذ عليه الحاصل قبل الغير، فمن غير المقبول أن يكون الحكم أداة صالحة للتنفيذ على مال المدين الذي في حيازته، بينما لا يعتبر هذا الحكم بعينه أداة صالحة للتنفيذ على ما يكون من أموال المدين في حيازة الغير.
ولأنه إذا أمكن تبرير نظام التفرقة بين تنفيذ الأحكام على الغير وتنفيذها على من كان طرفًا فيها على النحو المتقدم، في قوانين كالقانون المختلط والقانون الفرنسي القاعدة فيها أن الحكم غير الحائز لقوة الشيء المحكوم فيه يجوز تنفيذه وإنما يوقف تنفيذه الطعن فيه بالمعارضة أو الاستئناف، إذا أمكن تبرير هذا النظام بأن المحكوم له بحكم غير حائز لقوة الشيء المحكوم فيه قد يعمد إلى تنفيذه على الغير على الرغم من أن المحكوم عليه قد طعن في الحكم بالمعارضة أو الاستئناف، لجهل الغير بحصول الطعن، فلا يمكن تبريره البتة في قوانين كقانون المرافعات الأهلي وقانون المرافعات الجديد لا تبيح تنفيذ الأحكام على من كان طرفًا فيها إلا إذا كانت حائزة لقوة الشيء المحكوم فيه، فالتفرقة - إن أخذ بها - لا يظهر أثرها إلا بالنسبة للأحكام المشمولة بالنفاذ المعجل، وهذه لا يستقيم التعليل المتقدم بالنسبة لها لأن الطعن فيها بالمعارضة أو الاستئناف لا يوقف تنفيذها.
وإنما استثنى التشريع الجديد، من الحكم المتقدم، الحالات التي نص القانون فيها على اشتراط أن يكون الحكم نهائيًا كما في حالة محو قيد الرهن (المادة (45) من القانون رقم (104) لسنة 1946 بتنظيم الشهر العقاري)، ومفهوم نص المادة (473) من التشريع الجديد، أنه في الحالات التي وردت بشأنها نصوص خاصة تستلزم أن يكون الحكم نهائيًا، كنص المادة (45) من قانون الشهر العقاري، لا يجوز فيها تنفيذ الحكم غير النهائي على الغير ولو كان مشمولاً بالنفاذ المعجل.
وننبه إلى أنه ليس صحيحًا أنه في هذه الحالات (كنص المادة (45) من قانون الشهر العقاري) يفرق بين تنفيذ الحكم على من كان خصمًا فيه، وبين تنفيذه على الغير، والصحيح أنه في هذه الحالات لا فرق بين تنفيذ الحكم على من كان طرفًا فيه وبين تنفيذه على الغير، وأن القانون يستلزم، في هذه الحالات لإمكان تنفيذ الحكم إطلاقًا أن يكون انتهائيًا، سواء كان تنفيذه على من كان طرفًا فيه أو على الغير، لما ارتآه من أن تنفيذ الحكم غير النهائي في هذه الحالات يترتب عليه ضرر لا يمكن تداركه، فالحالات التي أشارت إليها العبارة الأخيرة من المادة (473) هي في حقيقتها حالات استثناها المشرع من أحكام النفاذ المعجل، ورد التنفيذ فيها إلى القواعد العامة، وليست حالات فرع فيها المشرع بين التنفيذ على المحكوم عليه والتنفيذ على الغير، ولذلك فورود هذه العبارة في المادة (473) الخاصة بتنفيذ الأحكام على الغير معيب، لأنه يفيد أن هناك حالات يجوز فيها تنفيذ الحكم المشمول بالنفاذ المعجل على الغير، وحالات لا يجوز فيها ذلك، وهذا غير صحيح، والصحيح أن هناك حالات لا يجوز فيها تنفيذ الحكم إلا إذا كان انتهائيًا سواء على المحكوم عليه أو على الغير ولو قام فيها سبب من الأسباب التي تبرر النفاذ المعجل، ولعل المشرع عندما أشار إلى هذه الحالات في المادة (473) كان متأثرًا بحالة تنفيذ الحكم الصادر بمحو قيد الرهن وهي أهم الحالات التي اشترط القانون فيها أن يكون الحكم انتهائيًا، وهي حالة لا يتصور تنفيذ الحكم فيها إلا على الغير. ومقتضى ما تقدم أنه كان من الأصوب من الناحية التشريعية أن يشار إلى هذه الحالات لا في النص الخاص بتنفيذ الأحكام على الغير، وإنما في النصوص التي تعالج أحكام النفاذ المعجل بصفة عامة.
69 - إعلان المحكوم عليه بالعزم على التنفيذ على الغير: إذا كان التشريع الجديد لم يفرق بين التنفيذ على المحكوم عليه والتنفيذ على الغير من حيث الحكم الذي يجوز التنفيذ بمقتضاه، فقد لاحظ أن المحكوم عليه قد يفاجأ بالتنفيذ عليه تحت يد الغير دون علمه، ولذلك نص في المادة (474) منه على أنه لا يجوز للغير أن يؤدي المحكوم به ولا يجوز أن يجبر على أدائه إلا بعد إعلان المحكوم عليه بالعزم على هذا التنفيذ قبل حصوله بثمانية أيام على الأقل، وبذلك تتاح للمحكوم عليه الفرصة الكافية لمنع التنفيذ إن كان له الحق فيه، وبناءً على ذلك لا يجوز للدائن الحاجز في حجز ما للمدين لدى الغير ولو كان بيده حكم جائز تنفيذه، أن يستوفي دينه من المحجوز لديه، ولا يجوز للمحجوز لديه أن يوفي للحاجز إلا بعد مضي ثمانية أيام على الأقل من إعلان المحجوز عليه بالعزم على هذا التنفيذ.
ونص المادة (474) وإن ورد بعد النص الخاص بتنفيذ الأحكام المشمولة بالنفاذ المعجل على الغير (م 474)، إلا أنه يتضمن حكمًا عامًا يجب العمل به في تنفيذ الأحكام على الغير سواء كان التنفيذ بحكم حائز لقوة الشيء المحكوم فيه أو بحكم مشمول بالنفاذ المعجل، ويؤكد هذا الاستنتاج أن نص المادة (474) جاء عامًا غير مقصور على حالة التنفيذ بحكم مشمول بالنفاذ المعجل، كما يؤكده أن المشرع نص في الفقرة الثانية من المادة (474) على تطبيقه في حالة التنفيذ على الغير بمقتضى عقد رسمي.
ويلاحظ أخيرًا أن الإجراءات السابقة يجب استيفاؤها لتنفيذ الحكم جبرًا على الغير كما يجب استيفاؤها أيضًا لتنفيذه تنفيذًا اختياريًا بواسطة الغير، ويدل على ذلك نص المادة (474) على أنه (لا يجوز للغير أن يؤدي المحكوم به ولا أن يجبر على أدائه...)
المبحث الثاني: العقود الرسمية
70 - النوع الثاني من السندات التنفيذية التي نص عليها القانون هي العقود الرسمية (م 457). فقد جعل القانون للعقود الرسمية بذاتها قوة تنفيذية تجيز لصاحب الحق الثابت بعقد رسمي أن ينفذ به دون حاجة للالتجاء إلى القضاء ورفع دعوى والحصول على حكم بحقه. وإنما لمن حصل التنفيذ عليه بعقد رسمي أن يلجأ إلى القضاء منازعًا في التنفيذ إن كان للمنازعة محل، وفي هذا تختلف العقود الرسمية اختلافًا كبيرًا عن العقود العرفية، فالدائن بعقد عرفي عليه أن يلجأ إلى القضاء ليستصدر منه حكمًا بحقه قبل التنفيذ بينما في العقود الرسمية يكون الالتجاء إلى القضاء واجبًا على المدين إن أراد أن ينازع الدائن ليمنعه من التنفيذ.
71 - المقصود بالعقود الرسمية: العقود الرسمية التي لها قوة تنفيذية هي المحررات الموثقة actes notariés التي يقوم بتحريرها موظفون مختصون بالتوثيق، فليس لكل محرر رسمي من حيث الإثبات قوة تنفيذية تجعل منه سندًا تنفيذًا، لأن المحررات الموثقة هي وحدها التي نص القانون على تسليم صور تنفيذية منها، والتنفيذ الجبري لا يكون إلا بصور تنفيذية. كما أن جواز التنفيذ بسند رسمي بغير حاجة إلى استصدار حكم بالحق الثابت به نظام أخذه القانون المصري عن القانون الفرنسي، وفيه ليس لغير المحررات الموثقة من السندات الرسمية قوة تنفيذية، ولذلك فمحاضر جلسات المحاكم وعقود الزواج، وأوراق المحضرين، والمحاضر والأوراق التي يحررها رجال الإدارة، وغيرها من المحررات الرسمية التي لا يحررها موثقون، لا تعتبر سندات تنفيذية ولو تضمنت إقرارًا بحق. وهذا عبر القانون الجديد عن هذا النوع من السندات (التنفيذية بتعبير (العقود الرسمية) مخالفًا في ذلك نص القانون القديم الذي عبر عنها بالسندات والعقود الرسمية (381 هـ/ 343 م).
وإنما تعتبر محاضر جلسات المحاكم سندات تنفيذية ويكون لها اعتبارها، بالنسبة لما يثبت فيها من اتفاقات تتم بين الخصوم في أثناء الخصومة ويوقع عليها منهم أو من وكلائهم بغير حاجة إلى صدور أحكام بالتصديق عليها، ويراعى في تسليم صور هذه الاتفاقات القواعد المقررة لتسليم صور الأحكام (م 134 من قانون المرافعات الجديد).
وتعبير القانون الجديد عن هذا النوع من السندات التنفيذية بعبارة العقود الرسمية أقرب في الدلالة على المقصود من تعبير القانون القديم ولكنه مع ذلك معيب لأن من المحررات الموثقة actes de notaires التي لها قوة تنفيذية، ما لا يعتبر عقدًا بالمعنى الصحيح لصدوره من جانب واحد كالوصية مثلاً، ولذلك فإذا كان نص القانون القديم يتسع لأكثر من المقصود، فإن نص القانون الجديد أضيق من أن يتسع المقصود من هذا التعبير، ولهذا فإننا نؤثر أن يطلق على هذا النوع من السندات التنفيذية تعبير المحررات الموثقة فالمحررات الموثقة التي تتضمن إقرارًا بحق يقتضي الحصول عليه إجراء تنفيذ جبري، عقودًا كانت أو تصرفات صادرة من جانب واحد، تعتبر سندات تنفيذية يجوز التنفيذ بمقتضاها.
72 - مبنى ما للمحررات الموثقة من قوة تنفيذية: تنفيذ المحررات الموثقة نظام قرره المشرع المصري نقلاً عن القانون الفرنسي، وهو في هذا القانون الأخير أثر من آثار القانون الفرنسي القديم الذي كان يضفي على أعمال الموثقين صفة الأعمال القضائية، ومن أهم مظاهر هذه الصفة أن كان للمحررات التي يوثقونها ما لأحكام القضاء من قوة تنفيذية.
ويبني شراح القانون الحديث القوة التنفيذية للمحررات الموثقة على اعتبارين:
الأول: أن صلاحية المحررات الموثقة للتنفيذ بموجبها مظهر من مظاهر الثقة في أعمال الموثقين المستفادة من صفة الموثق، ومن الإجراءات التي فرضها القانون عليه في القيام بعمله من ضرورة التثبت من شخصية المتعاقدين، وصفاتهم، وأهليتهم، وحريتهم في التصرف، ومطابقة التصرف الموثق لإرادتهم، وغير ذلك من الإجراءات التي تكفل صحة التصرف وسلامته [(64)]، مما يبلغ معه الحق الثابت في محرر موثق مبلغًا يجعله صالحًا للتنفيذ به دون حاجة إلى استصدار حكم به من القضاء.
الثاني، أن الشخص الذي أقر بحق أمام الموثق قد ارتضى منح صاحب الحق سندًا تنفيذيًا يغنيه عن رفع دعوى أمام القضاء والحصول على حكم بحقه [(65)].
73 - الجهات المختصة بالتوثيق، تختص بتوثيق المحررات الآن بعد صدور قانون التوثيق الجديد (القانون رقم (68) سنة 1947) جهتان.
الأولى: مكاتب التوثيق التي أنشئت بمقتضى قانون التوثيق الصادر في سنة 1947، وتختص هذه المكاتب بتوثيق جميع المحررات على اختلاف أنواعها أيًا كانت جنسيات ذوي الشأن ودياناتهم، فقد ألغي قانون التوثيق الجديد أقلام التوثيق بالمحاكم المختلطة والمحاكم الوطنية (م 11 من قانون التوثيق)، ويخرج من اختصاص مكاتب التوثيق المحررات المتعلقة بالأحوال الشخصية بالنسبة للمسلمين (م 3 من قانون التوثيق).
الثانية: المحاكم الشرعية وتختص الآن (بضبط الإشهادات) و(تحرير السندات) المتعلقة بأصل الوقف وما يلحق به من تحكير أيًا كانت جنسيات ذوي الشأن أو دياناتهم، والمتعلقة بالأحوال الشخصية بالنسبة للمسلمين، فيخرج من اختصاصها توثيق المحررات المتعلقة بالأحوال الشخصية بالنسبة لغير المسلمين، إذ تختص بكل ذلك مكاتب التوثيق الجديد.
تنفيذ العقود الرسمية على الغير: ذكرنا عند الكلام على تنفيذ الأحكام على الغير أن القانون الجديد نص على ضرورة إعلان المحكوم عليه بالعزم على هذا التنفيذ قبل حصوله بثمانية أيام، حتى لا يفاجأ المحكوم عليه بالتنفيذ عليه تحت يد الغير، وحتى لا تفوت عليه الفرصة في منع التنفيذ إن كان له الحق فيه، ولقد نص القانون الجديد في الفقرة الثانية من المادة (474) على تطبيق الحكم المتقدم في حالة التنفيذ بمقتضى عقد رسمي، تحقيقًا للحماية المقصودة من الإجراء المتقدم في جميع الأحوال.
[(45)] قارن نص المادتين (388)، 389 هـ/ 445، 447 م من قانون المرافعات القديم.
[(46)] راجع حكم محكمة النقض المصرية في 21 إبريل سنة 1938 وقد جاء فيه أن أمر شمول الحكم بالتنفيذ في هذه الحالة متروك لسلطة القاضي التقديرية ولا تملك محكمة النقض مساءلته عما استقر عليه رأيه في ذلك، مجموعة القواعد القانونية لمحكمة النقض المدنية الجزء الثاني رقم 116 صفحة 332.
[(47)] راجع أبو هيف بند (153)، (154) ومحمد حامد فهمي بند (53)، (58)، استئناف مختلط في 26 يونيه سنة 1926 مجلة التشريع والقضاء س 38 ص 500، استئناف مصر في 3 أغسطس سنة 1927 محاماة س 8 عدد 155، 4 مارس سنة 1928 محاماة س 9 عدد 28، 8 يوليه سنة 1931 محاماة س 12 عدد 269، وقارن ذلك بحكم محكمة الاستئناف الأهلية في 9 أكتوبر سنة 1916 في الشرائع سنة 4 ص 35 وقد أخذ برأي مخالف. وننبه إلى أن نصوص قانون المرافعات الفرنسي تبيح التظلم حتى في الأحوال التي يكون فيها الحكم بالنفاذ جوازيًا، وقد سبق القول بأن النفاذ المعجل في القانون الفرنسي، قد أصبح بعد تعديل سنة 1942 كقاعدة عامة جوازيًا - راجع نصوص المواد (135)، (136)، (459)، (460) من قانون المرافعات الفرنسي.
[(48)] يستثنى من هذه القاعدة حالة ما إذا كان الحكم قد طعن فيه بالمعارضة أو الاستئناف وطلب الطاعن من المحكمة أثناء نظر الطعن أن تأمر بوقف النفاذ إذا كان يخشى منه ووقع ضرر جسيم، فإن للمحكمة طبقًا لنص المادة (472) أن تأمر بوقف النفاذ المعجل الجوازي.
[(49)] ولهذا جرى قضاء المحاكم المختلطة على أن تشترط لقبول التظلم أن يكون الحكم الابتدائي قد طعن فيه بالاستئناف، لأن القاعدة في القانون المختلط كانت أن الحكم الابتدائي يجوز تنفيذه ولا يمنع من تنفيذه قابليته للطعن فيه بالاستئناف، وإنما يمنع من التنفيذ الطعن فيه فعلاً، فلا تكون له مصلحة في طلب التنفيذ المعجل إلا بعد أن يطعن في الحكم بالاستئناف فيمتنع التنفيذ طبقًا للقواعد العامة، كما أنه لا يجدي المحكوم عليه أن يطلب منع التنفيذ إلا إذا كان التنفيذ طبقًا للقواعد العامة ممنوعًا ولا يتأتى ذلك إلا بعد أن يطعن هو في الحكم بالاستئناف.
[(50)] راجع تنفيذ الأحكام والسندات الرسمية للأستاذ محمد حامد فهمي الطبعة الثانية ص 42.
[(51)] قارن أبو هيف رقم 152.
[(52)] راجع المادة (471) فقرة ثانية.
[(53)] راجع جلاسون وتيسييه الجزء الثالث رقم 896 نقض فرنسي في 27 إبريل سنة 1864 سيرى 64 – 1 – 157، في 11 يونيه سنة 1903 سيرى 1906 - 1 - 179.
[(54)] راجع حكم استئناف مختلط في 11 مارس سنة 1919 في مجلة التشريع والقضاء سنة 31 صفحة 200، وفي 25 فبراير سنة 1925 في الجازيت سنة 15 صفحة 130، 4 يونيه سنة 1925 في مجلة التشريع والقضاء سنة 37 صفحة 465، في 18 مايو سنة 1932 في مجلة التشريع والقضاء سنة 44 صفحة 330، وفي 26 فبراير سنة 1936 في مجلة المحاماة سنة 27 صفحة 703.
[(55)] راجع حكم محكمة النقض المصرية في 11 مارس سنة 1937 في مجموعة قواعد محكمة النقض الجزء الثاني صفحة 405، وفي 15 يناير سنة 1948 منشور في مجلة التشريع والقضاء لدار النشر للجامعات المصرية السنة الأولى العدد الثاني ص 17، وتعليق الدكتور عبد المنعم الشرقاوي عليه.
[(56)] راجع جلاسون وتيسييه الجزء الثالث رقم 896، وموريل الطبعة الثانية رقم 161 ص 487، أبو هيف رقم 83، ومحمد حامد فهمي رقم 66.
[(57)] راجع نقض فرنسي في 7 مايو سنة 1924 سيرى 1925 – 1 – 217، 25 يونيه سنة 1934 في الجازيت دي باليه سنة 1934 – 2 – 391، 7 فبراير سنة 1940 في الجازيت دي باليه سنة 1940 – 1 – 314.
[(58)] راجع المادة (5) من المجلد الأول من مشروع تنقيح القانون المدني الذي طبعته وزارة العدل سنة 1940.
[(59)] راجع موسوعة بلانيول وريبير في القانون المدني طبعة سنة 1948 الجزء الأول رقم 2595 ص 854.
[(60)] أخذت محكمة النقض المصرية بهذا المبدأ بالنسبة لتنفيذ الأحكام الحائزة لقوة الشيء المحكوم فيه - راجع حكمها في 15 إبريل سنة 1943 مجموعة قواعد محكمة النقض الجزء الرابع ص 136.
[(61)] راجع مؤلف العميد جوسران Josserand في التعسف في استعمال الحقوق الطبعة الثانية بند 43 وتعليقه القيم على حكم محكمة استئناف بواتييه في سيرى 1923 – 2 – 49.
[(62)] راجع المرحوم عبد الحميد أبو هيف بك في مؤلفه طرق التنفيذ والتحفظ الطبعة الثانية صفحة 33 والأستاذ محمد حامد فهمي في مؤلفه السابق الإشارة إليه ص 68.
[(63)] راجع في تفاصيل هذا النظام ونقده جلاسون وتيسييه الجزء الرابع ص 31 وما بعدها، جارسونيه الجزء السادس رقم 162 ورقم 309، وأبو هيف رقم 31 وما بعده، قمحه وعبد الفتاح السيد رقم 97 وما بعده، ومحمد حامد فهمي رقم 67 وما بعده.
[(64)] راجع المادة (6) من قانون التوثيق الصادر في سنة 1947 والمواد من (4) - (12) من اللائحة التنفيذية لقانون التوثيق.
[(65)] راجع جلاسون وتيسييه الجزء الرابع ص 19 ومحمد حامد فهمي رقم 97.

ليست هناك تعليقات: