الوقف:
أولا: تمهيد:
• يقصد بتقنين الوقف: ترتيب وتبويب كافة الأحكام الفقهية المتعلقة بالوقف ومسائله، المنثورة في أبواب وكتب الفقه الإسلامي المختلفة، وصياغتها في مواد قانونية على غرار النسق القانوني الحديث .
ثانيا: أهم المحطات التاريخية للتقنين وبخاصة تقنين أحكام الوقف
1. لعل أول فكرة لتقريب وجهات نظر العلماء، وتوحيد الرأي، وإلزام الناس برأي واحد بدأت منذ زمن مبكر أي منذ القرن الثاني الهجري في خلافة أبي جعفر المنصور ، حيث رأى أن جمع الناس على رأي واحد وفقه واحد –فيما يشبه قانونا عاما- يصلح عامتهم وخاصتهم، ويوفق بين علمائهم. وقد اختار الإمام مالك لهذه المهمة، وقال له: "اجعل هذا العلم علماً واحداً، وفي رواية: ضع العلم ودون كتابا وجنِّب فيه شدائد ابن عمر ورخص ابن عباس وشواذ ابن مسعود واقصد أوسط الأمور، وما أجمع عليه الصحابة والأئمة". ومن عزيمة المنصور القوية في هذا الشأن أنه لما روجع من قبل الإمام مالك بأن أصحاب رسول الله تفرقوا في البلاد وأفتى كل في مصره بما رأى، وأن بعض المناطق قد لا ترضى بما لدى علماء المدينة الأخرى. قال المنصور: "يؤخذون على ذلك بالسيف، وتقطع عليه ظهورهم بالسياط" . لكن الاتجاه الذي غلب فيما بعد هو ما سار عليه عامة الفقهاء من عدم الإلزام برأي أو مذهب واحد.
2. إن أول محاولة جادة لتقنين فقه المعاملات المالية كانت في الدولة العثمانية من خلال مجلة الأحكام (1293هـ) والتي اشتملت على 1851 مادة، التزمت المذهب الحنفي، وقد صدر قرار بلزوم العمل بمواد المجلة في كافة البلاد الخاضعة للنفوذ العثماني.
3. قام رئيس محرري مجلة الأحكام العدلية، ورئيس محكمة التمييز في الدولة العثمانية العلامة الشيخ عمر حلمي (1307هـ-1889م) بوضع مؤلف شامل للوقف، وضعه في شكل مواد بمسمى مسائل بلغت (485) مسألة، شملت أبواب الوقف كله، وسمه بـ "إتحاف الأخلاف في أحكام الأوقاف" .
4. في نفس الفترة تقريبا قام العلامة محمد قدري باشا وزير العدل بمصر (المتوفي 1306هـ-1888م) بصياغة مجموعة قوانين على المذهب الحنفي، ولعله تأثر في ذلك بعمل المجلة أولا، ثم بجهود الشيخ عمر حلمي ، وهي :
أ- أحكام المعاملات: وسمها بمرشد الحيران في معرفة أحوال الإنسان، يقع في 941 مادة ، وطبع (1890م).
ب- أحكام الوقف: وسماه كتاب "العدل والإنصاف في مشاكل الأوقاف" يقع في 646 مادة، وطبع (1893م).
5. بعد جدل حاد بين الطبقة المثقفة في مصر والعلماء وفي قبة البرلمان وافق مجلس الوزراء المصري على مذكرة وزارة العدل المرفقة بتقرير من لجنة مؤلفة من كبار العلماء ورجال القانون لوضع قانون للأوقاف وذلك في كانون الأول (ديسمبر) 1936م، لا يتقيد بمذهب فقهي معين بل يستفيد من كافة الآراء الفقهية بما يتلاءم والمصلحة المقررة شرعا .
6. بناء على ما سبق تم وضع مشروع قانون الوقف في مارس 1943م، وبعد مضي ثلاث سنوات أصدر المشرع المصري : القانون رقم 48 لسنة 1946م ، ويعد أول عمل تشريعي حديث ينظم شؤون الوقف .
ثالثا: لماذا تقنين أحكام الوقف ؟ هناك مبررات كثيرة يمكن أن يسوقها المرء في هذا الشأن، ولكن يكفي الإشارة إلى:
1. يأتي مطلب تطوير المنظومة التشريعية للوقف ضمن المطلب العام لإصلاح مؤسسة الوقف في جوانبها المختلفة: الإدارية، والتنظيمية، والمالية، وغيرها.
2. بذلت العديد من الدول الإسلامية جهداً طيباً في تقنين كافة الشؤون الخاصة بالوقف على هدي ما اختطه الشرع الحنيف لهذا المرفق الحيوي الهام من قواعد وأحكام ، وهو جهد مبارك ينبغي دراسته وتطويره ليلبي الحاجات التي تمليها المستجدات المعاصرة، ويمكّن الأوقاف من أداء وظيفتها في تمويل أعمال البر المختلفة، وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
3. وضع تنظيم يكفل سلامة الوقف والمحافظة عليه لتحقيق مقصده حسب شرط الواقف، ضمن مبادىء وأحكام الشريعة الإسلامية.
رابعا: ماذا ينبغي اعتباره في الصياغة القانونية المعاصرة لأحكام الوقف ؟
1. ضرورة أن يكون التشريع الوقفي المعاصر مبنيا على فقه صحيح، ولا يعتمد الشاذ والمرجوح من الأقوال دون تمحيصها وعرضا على قواعد الاجتهاد وفق ما هو مقر في أصول الفقه.
2. الاستيعاب والشمول لكل مسائل الوقف، والإحاطة بأحكامه المختلفة.
3. الحرص على الدقة في الصياغة الفنية، والسلاسة في التعبير.
4. اعتماد جميع المذاهب الفقهية في اختيار الأحكام، وعدم الاقتصار على مدرسة بعينها.
5. استيعاب المستجدات المعاصرة سواء في الأموال الموقوفة، أم في أغراض الوقف، أم في صيغ تثمير ممتلكاته، أم إدارته وتنظيمه.
6. المواءمة مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية للدول والمجتمعات الإسلامية.
خامسا: نماذج من قضايا متعددة في قوانين الأوقاف المعاصرة
لا نرمي في هذه إلى حصر كافة القضايا التي يجب أن يتناولها أي تشريع وقفي معاصر، ولكن يكفي الإشارة إلى بعض القضايا المهمة لمجرد التمثيل، دون البسط في ذكر مسائل الوقف مسألة مسألة. وفيما يأتي نماذج لبعض تلك القضايا:
1. تعريف الوقف: اختلف الفقهاء في تعريف الوقف تبعًا لاختلافهم في تكييفه وأحكامه، ووفق رأي الجمهور ورأي الصاحبين المفتى به في مذهب الحنفية فإن الوقف عبارة عن: حبس العين على حكم ملك الله والتصدق بمنفعتها .
ومعنى حبس العين على حكم ملك الله أن العين الموقوفة تخرج من ملك الواقف، ولا تدخل في ملك أحد من العباد، فلا يكون الوقف محلاً لأي عقد ، أو تصرف ناقل للملكية، فالوقف لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث .
أما تعريف الوقف على رأي المالكية والإمام أبي حنيفة فهو : حبس العين على ملك الواقف، والتبرع بمنفعتها. وهو بمنزلة الإعارة عند أبي حنيفة. مما يعني عدم خروج العين الموقوفة من ملك الواقف ، ولهذا يكون له حق التصرف فيها بكل التصرفات الناقلة للملكية.
ولعل ما يجب التأكيد عليه في هذا المقام: هو ضرورة أن ينحى التشريع الوقفى في تعريفه للوقف منحى يحقق كل المتطلبات السابقة. فيكون جامعا لأفراد المعرف (الوقف) ومانعا من دخول غيره فيه.
وقد جاء تعريف الوقف محققا لبعض المتطلبات سالفة الذكر، في بعض القوانين والتشريعات الوقفية المعاصرة، كالقانون السوداني الذي جاء متفقًا مع رأي الصاحبين، وكذلك القانون الجزائري، واليمني، ومشروعي القانونين الكويتي والإماراتي.
2. لزوم الوقف من عدمه: تعد هذه القضية من أهم القضايا التي يجب أن توليها تشريعات الأوقاف المعاصرة أهمية خاصة. وهي محل خلاف في الفقه. وللتذكير فإن القول بعدم لزوم الوقف هو قول الإمام أبي حنيفة حسب ما ترجمه ترجيح متأخري الحنفية ، فقد قال رحمه الله تعالى: بجواز الوقف جواز الإعارة ، حيث تصرف منافع الوقف إلى الجهة الموقوف عليها ، مع جواز الرجوع عن الوقف حال حياة الواقف. ولم يجعله ملزماً إلا بتوافر شرطين :
أ- أن يحكم به القاضي بدعوى صحيحة.
ب- أن يخرج الوقف مخرج الوصية كقوله: أوصيت أرضي أو داري، أو يقول جعلتها وقفاً بعد موتي.
أما أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا الإمام أبي حنيفة فرأيا بأن الوقف ملزم بدون الشرطين السابقين وهو رأي جمهور الفقهاء .
أهمية رأي أبي حنيفة في التشريعات الوقفية المعاصرة: رأي الإمام أبي حنيفة يمكن الاستفادة منه في التشريعات المعاصرة للأوقاف ، وذلك لعلاج بعض المشكلات التي تعرض للواقف حال حياته ؛ إذ قد يواجه بعض الطوارئ مما يجعله بحاجة ماسة إلى عين الوقف لتفريج كربة عنه ، أو دفع أو رفع حرج بالغ عنه.
وقد توجه العمل بهذا الرأي في السودان ، وضّمن القاضي الأول في ديباجته للمنشور الشرعي رقم 57 الأخذ بهذه الأسباب والعلل سالفة الذكر ، خلافاً لما كان معمولاً به لفترة من الزمن. لكن القانون السوداني الذي عالج موضوع الوقف لم يجز الرجوع عن الوقف الخيري ، وأجازه في الوقف الأهلي . بينما يجيز القانون المصري رقم 48 لسنة 1946م الخاص بأحكام الوقف، الرجوع عن الوقف إذا صدر بذلك إشهار ممن يملكه وفق ما تنص عليه المادتان 2 ، 11 .
3. قضية الاستبـدال : تناول العديد من الكتب والبحوث صيغة الاستبدال بالشرح والإيضاح، وأكد على أهميتها ودراستها قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة رقم (5/12).
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة بين مضيق كاد أن يمنع كل صور الاستبدال ، وبين موسع يجيز كل صوره ما دام يحقق المصلحة للوقف. وأحكام الاستبدال معروفة مشهورة في كتب الفقه.
وما أود التنبيه إليه في هذه القضية هو ضرورة الاستفادة من مذهب الحنفية في موضوع الاستبدال ومرونته، وكذلك بعض فقهاء الحنابلة في معالجتهم لقضاياه وأحكامه وصوره، وبخاصة إسهام شيخ الإسلام ابن تيميه في الموضوع من خلال رسالته "الاستبدال في الوقف"، فقد ضمنها كما هائلا ً من البراهين والأدلة على صحة رواية جواز الاستبدال عن الإمام أحمد وأنه قول في المذهب، ورجح فيها الرأي الذي يرى جواز الاستبدال للمصلحة بأدلة نقلية وعقلية، وأثبت أن هذا الرأي هو الموافق للأصول والمنقول عن السلف .
وهو ما لم تعكسه بعض التشريعات الوقفية المعاصرة، حيث نحت منحى التضييق مقابل السعة استنادا إلى رأي بعض المذاهب الفقهية المضيقة لنطاق الاستبدال.
4. ملكية الوقف: وهل هو قطاع خاص أو عام ؟
• ذهب بعض الباحثين - في معرض مناقشته لهذا الموضوع إلى أن المال الموقوف هو من ملكية الدولة التي ترعى شؤون العباد، قياسا على مال الزكاة قبل توزيعه على مستحقيه .
• وذهب الشيخ الزرقا - يرحمه الله- إلى أن الموقوف يمكن أن يكون مملوكا للجهة الخيرية التي تديره بصفتها شخصية حكمية أو معنوية.
• الرأي الذي ربما يقارب الصواب هو اعتبار الوقف ذا طبيعة خاصة، فليس ملكية عامة أو من ملكية الدولة، وليس ملكية فردية أو هيئة معينة، وإنما هو ملكية وقف له شخصيته الاعتبارية يكسبها من صك إنشائه، وليس ملكا للأشخاص الاعتباريين ولا الطبيعيين. وبهذا المفهوم أخذت بعض تشريعات الأوقاف في الدول الإسلامية. فالقانون الجزائري رقم 90-25 لعام 1990م -على سبيل المثال - المتضمن التوجيه العقاري، نص في مادته الثالثة والعشرين (23) على ما يلي: (تصنف الأملاك العقارية على اختلاف أنواعها ضمن الأصناف القانونية التالية:
الأملاك الوطنية.
أملاك الخواص أو أملاك الخاصة.
الأملاك الوقفية ).
فالوقف اقتصادا يمكن تصنيفه ضمن ما يسمى بالقطاع الثالث الذي يصنف كقطاع مستقل عن القطاعين الحكومي، والخاص.
إشكالية تسجيل الأوقاف في الدول والمجتمعات الإسلامية التي لا تنص تشريعاتها على ملكية الوقف: تسجيل الأوقاف في ظل الوضعية القانونية للأوقاف في بعض الدول والمجتمعات الإسلامية "الأقليات الإسلامية" يشكل قضية مهمة؛ ويرجع ذلك إلى عدم وجود نصوص تشريعية تصنف ملكية الوقف. وغالبا ما تلجأ المؤسسات التي تدير الممتلكات الوقفية إلى تسجيلها في السجل العقاري باسمها "باسم الشخص الاعتباري"، مما يجعل الممتلكات الوقفية عرضة للمصادرة حين سحب الترخيص من تلك المؤسسة أو الجمعية لسبب من الأسباب.
ونرى في هذا الصدد:
أ- في حال وجود قانون للوقف ينظم شؤون الوقف في الدول والمجتمعات الإسلامية وجوب أن ينص قانون الوقف على مآل الأموال الوقفية المسجلة باسم المؤسسات والجمعيات. وهو ما احتاط له قانون الأوقاف الجزائري رقم 91-10 المؤرخ في شوال 1411هـ الموافق أبريل 1991م حيث نصت المادة (37) على أنه: [تؤول الأموال العقارية والمنقولة الموقوفة على الجمعيات والمؤسسات إلى السلطة المكلفة بالأوقاف العامة عند حل الجمعيات أو انتهاء المهمة التي أنشئت من أجلها إذا لم يعين الواقف الجهة التي يؤول إليها وقفه وذلك وفق إجراءات تحدد عن طريق التنظيم].انتهى.
ب- في حال عدم توافر تشريع وقفي للدولة أو للمجتمع الإسلامي فالأولى أن تنص المؤسسات والجمعيات التي تدير أوقافا إسلامية في أنظمتها ولوائحها على مآل الممتلكات الوقفية إذا حلت أو انتهى الغرض من إنشائها.
5. إثبات الوقف بالتسامع: مما يلاحظ أن كثيرا من التشريعات الوقفية قد أغفلت موضوع إثبات الوقف بالتسامع، مع إثباتها للشهادة بالتسامع في دعاوى : الزواج، والولادة، والنسب، والديانة، والموت . وقد عدد بعض الفقهاء عشرين موضوعًا يجوز فيها الإثبات بالتسامع ومنها: الوقف . كأن يشهد بأن الملك المعين وقف على حائزه ، أو على شخص معين أو على الفقراء ، وأن ذلك الوقف قد طال أمده كعشرين سنة وأكثر .
الفائدة المتوخاة هي: أن الأوقاف في كثير من الدول والمجتمعات الإسلامية لم تحصر حصراً دقيقاً ، وما زال بعضها مجهولاً ، فقد يكون من المجدي أن يضع المشرع الوقف ضمن المواضيع التي يجوز إثباتها بالتسامع، تيسيرا لتوثيق ممتلكات الأوقاف.
6. المزايا الضريبية والقانونية للممتلكات الوقفية: مما تغفل عنه بعض التشريعات الوقفية، عدم معالجة موضوع الضرائب المختلفة، والرسوم الأخرى على ممتلكات الأوقاف، وما تفرضه الدولة على أموال مختلف المؤسسات والهيئات. ومما يجب التنبيه إليه في هذا المقام:
أ- النص على إعفاء جميع ممتلكات الأوقاف الخيرية من جميع الضرائب والرسوم بما في ذلك الضرائب على العقارات ورأس المال والإيرادات والدخول والجمارك والمشتريات والإنتاج وغيرها من الضرائب والرسوم المباشرة وغير المباشرة.
ب- وجوب تمتع ممتلكات الأوقاف بالحصانة والحماية التي تتمتع بها الأملاك العامة، فلا يجوز مصادرتها، أو التعدي عليها، أو حجزها. ويجب أن ينص القانون على العقوبات اللازمة في حالات الاعتداء.
7.استثمار أموال الوقف: ظهرت محاولات جادة للاجتهاد في فقه الوقف، وبخاصة في النوازل المعاصرة. وينبغي للتشريعات الوقفية المعاصرة أن تستفيد من تلك الاجتهادات. وبخاصة ما صدر عن المؤتمر الأول للوقف، ومنتدى قضايا الوقف الفقهية الأول، وما صدر عن الدورة الخامسة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي الدولي في مسقط، ومن أهم تلك القضايا ما يتعلق باستثمار أموال الوقف.
ومما ينبغي التأكيد عليه في هذا الصدد: وجوب أن تتضمن التشريعات المعاصرة للوقف في موضوع الاستثمار، أن يكون في مجال مشروع وبوسائل مباحة شرعا، والسعي لاستثمار كافة أموال الوقف مع مراعاة الضوابط الشرعية الواردة في الفتاوى والتوصيات في هذا الشأن .
8- تقنين الوقف بين الاستقلالية والتبعية: يثير العديد من الباحثين تساؤلا مهما حول الأسلوب الأمثل لتقنين أحكام الوقف، هل هو وضع قانون مستقل كما هو في قوانين الوقف في السودان، والكويت ، وقطر، واليمن، والجزائر وغيرها ؟ أو جعل أحكام الوقف ضمن القانون المدني، أو اعتباره من مسائل الأحوال الشخصية ؟
ويبرر القائلون بتدوين أحكام الوقف ضمن مدونة القانون المدني :
أ- أن الوقف باعتباره تصرفا قانونيا بإرادة منفردة لا يصنف فقها ضمن أبواب العبادات وإنما ضمن المعاملات المالية كالهبة.
ب- رغم أن ثمة فوارق بين الهبة والوقف من حيث التكييف القانوني إلا أن ذلك لا يمكن أن يكون سببا جوهريا في استبعاد أحكام الوقف من مدونة القانون المدني.
ت- رغم التشابه القائم بين الوصية والوقف مما يبرر إلحاق الوقف بمدونة الأحوال الشخصية، لكن هذا التشابه الظاهري يخفي اختلافا جذريا بينهما؛ إذ الوصية وثيقة الصلة بالميراث من حيث إن كلا منهما تصرف مضاف إلى ما بعد الموت.
النتيجة: يتضح من المبررات السابقة أن تقنين أحكام الوقف في إطار القانون المدني أجدى وأنفع من أن يكون قانونا مستقلا أو ضمن مدونة الأحوال الشخصية .
أما من ألحق الوقف بمدونة الأحوال الشخصية: فلأنه صنف الوقف والهبة والوصية على أنها من عقود التبرعات تقوم على فكرة التصدق المندوب إليه، مما يؤدي إلى اعتبارها من مسائل الأحوال الشخصية .
ورغم كل ما ذكر، فإن إصدار قانون مستقل للوقف عن مدونة الأحوال الشخصية، ومدونة القانون المدني هو الأولى في نظري ؛ لأن ذلك يتواءم والطبيعة الخاصة للوقف من حيث:
- الملكية: فهو يخرج من ملك الواقف إلى حكم ملك الله عز وجل.
- من حيث التصرف: مقيد بشرط الواقف الذي شرطه كشرط الشارع.
- من حيث الإدارة: فالناظر مجرد وكيل في التصرف يده على أموال الوقف يد أمانة، لا يضمن إلا بالتعدي أو التقصير .
الخاتمة:
إن ما تم جمعه في هذه الوريقات جهد المقل، ومما لاشك فيه أن هناك قضايا متنوعة ومتعددة ينبغي أن تكون محط نظر التشريعات المعاصرة للوقف ولم ترد هنا؛ لأن المقصد من هذه الورقة هو مجرد التمثيل لبعض القضايا للتنبيه وشحذ الأذهان للمناقشة ودراسة الموضوع. والمعول على أصحاب الفضيلة والأساتذة الكرام المتخصصين في علوم الشريعة والقانون لإثراء الموضوع بمقترحاتهم ومرئياتهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق