بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

20 يونيو 2010

مكتب / محمد جابر عيسى المحامى





الدفــع بعــدم توافــر الضــرر

















يثور البحث عادة في جريمة النصب عما إذا كان الضرر يعتبر شرطا في الركن المادي لهذه الجريمة أم لا . والأمثلة التي توضح أهمية هذا التساؤل :









ماذا لو إن دائنا استعمل طرفا احتيالية مع مدينة للحصول على مبلغ منه يوازى قيمة دينه حتى يتمكن من إجباره على الوفاء ؟









أو إذا استعمل مع أخر طرقا احتيالية ولو همه انه سيتعاقد مع شركة تأمين معينة بينما تم التعاقد مع شركة أخرى تتمتع بنفس مكانة الشركة الأولى وطبقا لنفس الشروط ؟ أو إذا استعمل شخص أخر طرق احتيالية إبهامه بأنه سيشترى سلعه معينة ثم باع إليه سلعه أخرى ولكنها تتفق مع الثمن الذي دفعه المشترى ؟









ولقد قضت محكمة النقض المصرية بعدم توافر جريمة النصب بالنسبة إلى من ينتحل صفة غير صحيحة بقصد حمل بائع على تقسيط ثمن شيء مبيع ودفع بعضه معجلا ثم قام بسداد الأقساط ولكنه عجز في النهاية عن دفع باقيها لان اتخاذ الصفة الكاذبة لم يقصد به هذه الحالة سلب مال المجني عليه وإنما قصد به اخذ رضاء البائع بالبيع بثمن بعضه مقسط وبعضه حال .









ولقد ذهب رأى إلى القول بأنه يلزم أن يلحق المجني عليه في النصب ضرر مادي محقق أو محتمل ، فإذا انتقى هذا الضرر فلا تقوم الجريمة . وهو يجعل بذلك للنصب نطاقا غير نطاق السرقة التي قد تقع على شيء ليس له سوى قيمة أدبية بحث ، كخطاب عادى أو صورة فوتوغرافية لها قيمة تذكارية فحسب .









ويستند هذا الرأي إلى المادة 336 التي تستلزم أن يكون الاحتيال للاستيلاء على " نقود أو عروض أو سندات ...... أو اى متاع منقول " . وبالتالي يقرر انه إذا لم يحصل انتقاص للثروة فلا نصب .









ومن ثم فإنه "لا جريمة ولا عقاب إذا انعدم الضرر كما لو كان المجني عليه قد اخذ مقابل ما سلب منه عند التعاقد " .









وقد وجدت هذه القاعدة بعض تطبيقات لدى قضاء محكمة النقض ، فاستلزم بعضها بيان ركن الضرر المترتب على النصب حتى تتمكن من مراقبة توافره ، كما رتب احدها على انتفاء الضرر المادي انتقاء القصد الجنائي لدى الجاني .









ولكن ذهب رأى ثان إلى أن النصب – كالسرقة – لا يتطلب أكثر من وقوعه على منقول مملوك للغير . وان الضرر هنا – كما هو هناك – عنصر مفترض ومترتب على خصائص الجريمة نفسها ووقوعها على مال الغير . ذلك أن هذه الطائفة من الجرائم بهدف بها القانون إلى حماية حرمه الملكية هي حد ذاتها بما تخوله للمالك من حق التصرف في ملكه بالكيفية التي يريدها ، وفى الوقت الذي يراه ، وبالمقابل يجده مناسبا .









فالضرر المباشر الذي يحظره القانون في هذه الجرائم هو المساس بحقوق المجني عليه على ماله من وجهه مادية بانتقاص ثروته ، أو من وجهه معنوية بإنقاص حريته في التصرف في الشيء عندما يريد ، وبالكيفية التي يريدها هو ، لا عندما يريد الجاني وبالكيفية التي يراها . فالسارق يعد سارقا حتى ولو ترك للمجني عليه الثمن المناسب للسلعة التي اختلسها . أو لو كان دائنا للمجني عليه بالمبلغ الذي سرقه أو بأكثر منه ، وكذلك ينبغي أن تكون الحالة أيضا في النصب وخيانة الأمانة ، وإذ لا فرق بين هذه الجرائم الثلاث فيما يتعلق بمحل الجريمة ، وكل الفرق هو في الوسيلة التي تقع بها فحسب .









أما فيما يتعلق بنص المادة 336 وما تتطلبه من " الاستيلاء على نقود أو عروض أو سندات ....... أو اى متاع منقول ........"









فهو نص عام ، لا يتطلب تحقق ضرر معين بذاته ، كما لا يتطلب أكثر من أن تكون إرادة الجاني قد انصرفت إلى الموضوعي.









ولذلك يقوم النصب متى تمت الطرق الاحتيالية للاستيلاء على خطابات للمجني عليه ليس لها قيمة مادية ولا تصلح لإثبات أمور تمس الذمة المالية ، وفى الاستيلاء على تذاكر انتخابية . كما يقوم النصب متى وقع المجني عليه على عقد تأمين بناء على طرق احتيالية ، حتى ولو كان العقد طبيعيا في شروطه ، وكان مركز الشركة وسمعتها لا غبار عليهما ، وفى واقعة شراء المجني عليه سلعه بناء على طرق احتيالية ، حتى لو كان الثمن مناسبا لقيمتها الفعلية .









والأصل أن يسعى مرتكب النصب إلى الإثراء ، فهو يريد بتسلم المال أن يضعه إلى حيازته ويباشر عليه سلطات المالك ، ولكن تقوم جريمة النصب ولو لم يثر المتهم ، طالما نال الاعتداء الحقوق التي يستهدف الشارع حمايتها .









وتطبيقا لذلك تتوافر أركان النصب إذا حمل المتهم المجني عليه على تسليم المال إلى شخص ثالث متواطئ معه أو حسن النية ، كما لو حمل المتهم جوهريا على تسليم قطعة من الحلي إلى امرأة ، ولو كانت لا تعلم شيئا عن تدليس المتهم . ولا يحول دون توافر النصب يتلف المتهم الشيء بعد الاستيلاء عليه أو يتبرع به أو يرده إلى المجني عليه .









ولا يلزم أن يكون الجاني قد حقق أيه فائدة من الجريمة ، ولذا يقوم الاحتيال سواء أسلمت السلعة بالفعل فكانت الجريمة تامة ، أم لم تسلم فكانت الواقعة مجرد شروع ، وسواء أفاد منها الجاني أم لم يجن منها فائدة ما ، وهو حكم عام يسرى على الجرائم كافة .









ونرى أن الضرر الذي يفترضه النصب هو العنوان على الملكية والمساس بحرية الإرادة ، فكل عدوان على ملكية شخص وكل مساس بحرية إرادته يعد حتما ضررا به . ولا حاجة إلى اشتراك ضرر في صورة أخرى ، اى لا حاجة إلى اشتراط أن يرد نقض على ثروة المجني عليه في مجموعها . أما إشارة المشرع إلى " سلب كل ثروة الغير أو بعضها " ، فهي إشارة إلى غرض المتهم من الاحتيال فهو " لسلب كل ثروة الغير أو بعضها " اى إشارة إلى نيته أو قصده واشتراط قيامه على نية تملك مال للغير .









والخلاصة إذن أن مجرد استيلاء الجاني على مال لمجني عليه بطريق الاحتيال رغما عنه ، يعد في ذاته ضررا وتقع به الجريمة دون النظر إلى أية نتائج غير مباشرة تمس ذمته المالية .









ليست هناك تعليقات: