بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

23 سبتمبر 2011

أموال الدولة العامة والخاصة

مجلة المحاماة - العدد الثالث
السنة العشرون سنة 1939

بحث في أموال الدولة العامة والخاصة
بحث عام وتطور تاريخي
لحضرة الأستاذ عبد العزيز سليمان القاضي بالمحاكم الأهلية

كانت فكرة الأموال العامة في مبدأ أمرها غير معروفة ولما رأى رئيس الدولة أن يحكم اختص بنفسه بملكية كل ما يراه صالحًا لخدمة ملكه وللإدارة الخاصة بعرشه، ولم يكن معروفًا وقتئذٍ من الملكيات الرئيسية إلا أموال الملك وأملاك التاج - ولما غزا الغزاة الدولة اختص الفاتحون أنفسهم كلاً منهم بجزء عظيم من الأملاك والبلاد التي كانوا يفتحونها - فكان يتبع إدارة هذه الأملاك كافة ما هو مخصص الآن للمنفعة العامة ولم تكن هذه الأموال كما هي الآن غير قابلة للتصرف بل تناولها التصرف والتقسيم وآلت من يد إلى يد إما بطريق الإقطاعات أو بطريق الميراث أو بطريق الهبات والوصايا لأشراف الدولة وكبار حكامها وأمرائها، وفي كل ذلك كان من الطبيعي أن تفقد هذه الأموال صفة ما خصص منها للمنفعة العامة وأن لا يستفيد منها الجمهور الذي تمثله الحكومة، ولكن الأمر تطور إلى إصدار الأوامر والقوانين التي تدور بين منع الهبات والإقطاعيات طورًا وبين تحديد التصرفات في حين آخر، وفي فرنسا بالذات فكرة تطور ووجود الأموال العامة هي فكرة عامة في فرنسا بالذات صدر أول قانون هو قانون MOULIN في فبراير سنة 1566 فمنع التصرف في أموال التاج المخصصة للمنفعة العامة وجعلها غير قابلة للتملك بوضع اليد بمضي المدة الطويلة (بند (7) من المرجع الموضح أدناه [(1)]) اللهم إلا في بعض أحوال استثناها القانون وأباح فيها التصرف والتملك بند (10)، وأخيرًا ظهرت فكرة الأموال العامة إلى الوجود بمعناها الحديث وهي تخصيصها للمنفعة العامة على أن تديرها وتستغلها الحكومة أو الدولة التي تمثل الأفراد والجماعات.

طبيعة وصفة الأموال العامة

وأول ما يتبادر إلى الذهن هي أن هذه الأموال هي كل ما يستعمله ويستفيد منه الجمهور PUBLIC وبما أنها للشعب والكافة فلا يمكن أن تكون للفرد الذي يجب أن تفني مصلحته أمام مصلحة المجموع بند (36)، وقد أخذت هذه الأموال تسميتها من الغرض الذي أعد لها أما لأنها خضعت للخدمة العامة وإما لأن حمايتها وإدارتها بيد القوة العامة تحميها من الاعتداء عليها لصالح الهيئة الاجتماعية ولمصلحة الناس سواء أكانوا وطنيين أم أجانب ما دام للجميع حق الاستفادة منها ومن الخدمات التي تؤديها بند (27)، وينتج من هذا أن الحكومة ما هي إلى سلطة عليها واجب حماية هذه الأموال لتؤيد للناس حق تمتعهم جميعًا بهذه الأموال وليس لها حق الملكية في الأموال العامة لأن الحكومة انتدبت لحراسة الناس وحراسة أموالهم المشتركة ذات الفائدة العامة ولحماية ملحقات هذه الأموال les dépendances - وهذه الملحقات شأنها شأن الأموال التي التحقت بها لا تقبل التصرف أيضًا حتى ولو كان التصرف حاصلاً من الحكومة نفسها اللهم إلا إذا كان هذا التصرف بأمر أو قانون بند (39)، ولكن هذا لا يمنع من أن تؤجر وتستولي على ريع الأمكنة العامة لتضيف الحكومة المتحصل من الريع إلى الخزينة العامة كما يحصل عند تأجير بعض الأملاك العامة، وكما يحدث في تأجير الشواطئ Les plages للذين يريدون أن يروحوا عن أنفسهم في نظير أجر بسيط قد يستخدم في المصلحة العامة بند (40) و(41).
وأن من أهم صفات الأموال العامة:
أولاً: هو عدم قابليتها للتصرف.
ثانيًا: وعدم قابليتها لوضع اليد عليها وتملكها بمضي المدة الطويلة.
ثالثًا: ولا يمكن رفع دعاوى اليد بالنسبة إليها من الأفراد ضد الحكومة ولكن للحكومة أن ترفع دعاوى اليد عنها ضد الأفراد.
رابعًا: عدم إمكان تقرير حقوق عينية عليها بارتفاق أو خلافه.
خامسًا: وعدم رفع أحد الأفراد دعوى متعلقة بتملكها أمام المحاكم المدنية إذا ثبتت صفتها العامة.
1 - صفة عدم التصرف فيها:
وفكرة عدم إمكان التصرف في الأموال العامة جاءت من القول بأن كل ما هو قابل للاتجار يمكن التصرف فيه وكل ما لا يقبل الاتجار لا يمكن التصرف فيه - وبما أن الأموال العامة لا يمكن الاتجار فيها لأنها خصصت لخدمة كافة الناس فلهذا يكون التصرف فيها غير متفق مع الغرض الأسمى الذي أعدت له - ويجب أن لا يغيب عن البال أن الأموال العامة وإن كانت تقارب بعض الشيء فيما تحتويه الدنيا من النور والهواء وقد أعدها الله سبحانه وتعالى لفائدة الخلق كافة إلا أنها على كل حال قد نتجت من تفكير الإنسان ووضعه لقانون وضعي يمكن تغييره وتعديله أما النور والهواء فهما من الأشياء الثابتة في الكون لا تتغير وليس للإنسان عليها حول ولا سلطة بند (43) - وينتج من ذلك أن السلطة التي في مقدورها أن تحدد هذه الأموال ذات المنفعة العامة في استطاعتها أن تضعها في حيز التداول الخاص بند (44) ولطالما يستمر تخصيصها للمنفعة العامة فهي إذن وملحقاتها أملاك عامة (م(541) فرنسي، وبند (45) من المرجع السابق)، وإذا زالت هذه الصفة العامة فهي أملاك خاصة - وتطبيقًا لهذا المبدأ فقد حكم أن محلات العبادة (كالمساجد في مصر) أو الكنائس (في فرنسا) المعدة للعبادة لا يمكن أن تكون محلاً للارتفاق عليها ما دامت صفتها العامة لم تفقد بند (46) و(47)، ولا يعتبر تصرفًا يخل بالمنفعة العامة إذا تصرفت الدولة في الملك العام من غرض عام إلى غرض عام ومن مصلحة عامة إلى مصلحة عامة بند (49) les concessions وتصرف الحكومة إلى بعض الأفراد بإعطائهم امتياز الملاحة في قناة لا يعطيهم حق التملك بل هذا يعتبر امتيازًا للملاحة للحصول لأنفسهم على أجر من الجمهور، ولا يعتبر مثل هذه القناة ولا شواطئها ملكًا خاصًا بند (50) و(51)، والأشخاص الذين أعطى لهم هذا الامتياز Concessions بالصيد وإقامة المعامل على الشواطئ ليس لهم الحق أن يأخذوا شيئًا من أتربة هذه الشواطئ (53) و(54)، ومثل هذا الامتياز يعتبر مؤقتًا ويمكن سحبه وإلغاؤه إذ أضر بمجموع الكافة، ووفقًا لهذا حكم بأن حق الممتاز الذي له وبمقتضاه أن يأخذ ماء من fontaine public ما هو إلا حق مؤقت يمكن سحبه إذا أضر هذا بالسكان وبمبانيهم مهما طالت مدة الامتياز، وأن التعدي على الطرق العامة مهما كان قد حصل من مدة طويلة ومهما حصل التسامح فيه من جانب الحكومة فإنه لا يمكن ملكيته لمضي المدة الطويلة ولا يمكن أن يكون هذا الاعتداء محلاً لحق مكتسب لهؤلاء الذين ارتكبوه مهما طالت مدة التعدي بند (57)، ومهما حصل من بيع الأملاك العامة للأفراد فهو بيع باطل، وإذا كان هذا البيع نتيجة خطأ أو إهمال من رجال السلطة الإدارية فكل ما للمشتري والحائز هو تعويض يطلبه بند (58) و(59).
2 - عدم قابلية الأموال العامة للملك بوضع اليد بمضي المدة الطويلة:
لا يجوز تملك الأموال العامة بوضع اليد بمضي المدة الطويلة ومثال ذلك محلات العبادة وملحقاتها فإنها لا تملك بهذه الكيفية بند (72)، وكذلك لا يمكن تملك الطرق بوضع اليد عليها ولا الأموال الأثرية بند (75) و(28)، ولكن إذا زال استعمال الأحوال العامة زالت صفة عدم إمكان تملكها بمضي المدة الطويلة بند (81)، ولقد صار البحث في ماهية وطبيعة عدم استعمال non usage المؤدي إلى زوال الصفة العامة، فقيل هل يكفي عدم الاستعمال نفسه لإيقاف تخصيص المال للمنفعة العامة أم لا ؟ أم أنه يجب صدور أمر من الجهة المختصة بإيقاف هذا التخصيص ؟ فأجيب على ذلك وعلى هذه المسألة بالذات بأنه إذا كان القانون الوضعي نفسه يمكن إزالته وتعديله باتباع عرف معين فلماذا لا تزول الصفة العامة عن الأموال العامة بعدم استعمالها وعدم رعايتها من الحكومة…. بند (82) أما كيف يكون تقدير عدم الاستعمال المؤدي إلى زوال الصفة العامة وكيف يكون الوصول إلى معرفة الدليل والمعيار الذي يقلب الأموال العامة إلى خاصة بزوال صفتها وعدم استعمالها فقد قيل ما يأتي:
أولاً: حكم بأن دليل تغيير غرض هذه الأملاك العامة يمكن أن ينتج من الحيازة الطويلة التي لا يمكن تذكرها بإثبات التعدي على ملك الحكومة وسكوتها على ذلك واستنتاج رضائها بند (83).
ثانيًا: قيل أن المشرع لم يضع نصوصًا خاصة (خصوصًا في مصر) بانقلاب الأموال العامة إلى خاصة déclassement وخصوصًا فيما يختص بالطرق العامة والميادين والبوابات ولهذا يجب الاحتراس من الاستنتاج بأن عدم الاستعمال يؤدي إلى نية نقل الأموال العامة إلى خاصة إذ قد ينتج عدم الاستعمال من إهمال مراقبة الموظفين فلا يدل هذا على نية الحكومة في التنازل عن الصفة العامة بند (84).
ثالثًا: وقرر أيضًا أنه يجب صدور الأوامر لإخراج الأموال العامة من حيزها إلى حيز الأموال العامة بند (90) (أن هذا الرأي عسير تطبيقه بالنسبة للأموال العامة التي نشأت من غير قانون، وقد يفهم تطبيقه ويكون معقولاً لو أن الأموال العامة تقررت بقانون إذن لأمكن تركها بقانون ولكن الأصح أنه قد يمكن انقلابها من عام إلى خاص بحسب الأمر الواقع والفعل).
رابعًا: ويرى Mr de Récy بأن الأموال العامة إذا مر عليها زمن طويل فزالت وتهدم أثرها فإن فكرة عدم تملكها بمضي المدة تزول بزوال معالمها بند (91).
خامسًا: وقيل أيضًا بأن صفة المنفعة العامة تزول بتملك المال بوضع اليد بمضي المدة الطويلة إذا زالت الصفة العامة إما:
( أ ) بصدور قانون.
(ب) وإما بوجود ظروف ظاهرة واضحة (clairs) تبيح الاعتقاد بتنازل الحكومة عن الصفة العامة لأموالها بشرط أن لا يكون هناك أي غموض في استنتاج التنازل عن هذه الصفة (لكون أن الحكومة لم تستعمل المال العام لإهمال موظفيها الإداريين) بند (9).
وقد قرر Proud hon تطبيقًا لهذا المبدأ أن الطريق العام إذا لم يقف عدم استعماله إطلاقًا (بأن كان يستعمل في فترات متقطعة)، فإنه لا يمكن استنتاج التنازل وتغيير الصفة العامة إذا بدل من جوانبه بواسطة تعد من مجاوريه، وعندئذٍ لا يمكن تملك المناطق والأجزاء المتعدي عليها بمضي المدة الطويلة بند (94).
3 - الصفة التي تخول للأفراد:
- رفع دعاوى اليد على الأموال العامة ضد الحكومة:
قد مر ذكر ذلك ولكن هذا لا يمنع الحكومة من أن تدعي وضع يدها على هذه الأموال برفع دعاوى اليد ضد الأفراد.
4 - الصفة الرابعة:
ولا يمكن تقرير حقوق عينية على الأموال العامة أو تقرير حقوق ارتفاق عليها اللهم إلا إذا كانت هذه الارتفاقات قد تقررت وقت إنشاء تلك الأموال، كأن يبيع شخص للحكومة أعيانًا تقررها للمنفعة العامة ويشترط عليها تقرير حق الارتفاق بنود (103) و(104) و(105).

أنواع الأموال العامة

الأموال العامة إما طبيعية naturels وإما أن تحتاج في إنشائها إلى عمل الفرد artificiel والأموال الطبيعية هي الأملاك البحرية بند (108)، وشاطئ البحر والأملاك النهرية بند (131)، والأنهر ذات الملاحة أو ليس فيها ملاحة وتعتبر من الأملاك العامة وأذرع الأنهر والنهيرات.
والأملاك غير طبيعية، وهي الطرق العامة وملحقاتها كالبوابات والميادين والأرصفة والنباتات التي تنمو على جوانب الطرق، والتماثيل، وشواطئ الأنهر، والمين (يراجع من أول بند (145) وما بعده)، والأملاك الحربية كالاستحكامات والحصون والمباني العامة، والمنقولات المخصصة للمنفعة العمومية.

كيفية إدارة الأموال العامة

1 - أن السلطات المخولة لها هذه الإدارة (صـ 26 من أول بند (182) إلى بند (214)) لا يهم التشريع المصري بحثها وكل وزارة لها الإدارة فيما يخصها من الأملاك العامة المتعلقة بها.
2 - (أما تكوين الأملاك العامة Sa constitutnon artificielle
فلأجل أن يكون المال ملكًا للحكومة أو الدولة يجب أن يقوم الدليل على أن الحكومة تملكه لغرض المنفعة العامة بند (215)، وتطبيقًا لهذا المبدأ قرر ما يأتي:
أولاً: ممكن للحكومة أن تدعي قبل الغير التملك بوضع اليد بمضي المدة الطويلة مهما كان للغير من حق بشرط أن تثبت الحكومة بحكم الواقع أن المال خصص للمنفعة العامة بند (216).
ثانيًا: ولكن مسيو دي récy قرر أنه يجب التفرقة بين دعوى وضع اليد التي ترفعها الحكومة على الأفراد ادعاءً منها أن المال خصص للمنفعة العمومية بوضع اليد المدة الكافية، وبين دعوى الملكية استنادًا على وضع اليد بمضي المدة الطويلة، غير أن هذه التفرقة لا سند لها والواقع أن ثبوت الصفة العامة هو أهم ما يجب ملاحظته بند (217).
ثالثًا: قيل أيضًا إنه يوجد لتكوين الملك العام غير ما مر ذكره من الوسائل وسائل أخرى تؤدي لتملك الحكومة تخصيصًا للمنفعة العمومية ومن هذه الوسائل طريق التملك بالتصرف إلى الحكومة من الأفراد بعوض أو بغير عوض وبالشراء الاختياري أو الجبري وبالمبادلة والهبات وبميراث من لا وارث له، أو بنزع الملكية للمنفعة العامة بند (218).

تحديد الأموال العامة
délimitation

استقر الفقه والقضاء على أن السلطة الإدارية هي المختصة بالاعتراف وبتحديد الأملاك العامة فيما بين نفسها وفيما بينها وبين الأملاك الخاصة سواء أكانت للحكومة أو للأفراد - ومرجع التحديد هو قانون خاص صادر في 22 ديسمبر سنة 1789م ، وبمقتضاه إذا حصل نزاع في تحديد الملك الخاص أو العام يجب الالتجاء إلى رجال السلطة الإدارية للتحديد قبل الفصل في النزاع القضائي بند (240)، ويكون حصول هذا التحديد طبقًا للنصوص المنصوص عليها في القانون ولا يكون مطلقًا بالطريق الودي بين الهيئة التنفيذية وبين الأفراد المجاورين للملك العام، بند (241)، والتحديد ليس طريقًا موصلاً للتملك العام - إنما هو تقرير لحالة حاصلة وثابتة بالفعل - ولو أنه مقرر لإثبات المنفعة العامة إلا أنه ليس له أثر رجعي ولا أثر له في المستقبل بل أثره في يوم تقريره فقط وقد يتغير التحديد في المستقبل وقد يكون في الماضي خلال ما أنشئ عليه الآن بند (243) - وهذا التحديد ذاته ليس نزعًا للملكية يترتب عليه التعويض بل الغرض منه تحديد الحد الفاصل بين الأملاك العامة والأملاك الخاصة - ومع ذلك فقد حكمت محكمة النقض الفرنسية بأنه يمكن تعويض أصحاب الأملاك المجاورة إذا ترتب على هذا التحديد نعد على أملاكهم بند (246) - أما مجلس الدولة conseil d’état - هذا فقد أباح إلى الأفراد الحق في الالتجاء للطعن في الأمر الإداري الخاص بالتحديد بطلب تعويض أمام مجلس الدولة وهو المختص دون غيره بمنح التعويض بند (347)، وبقرار صادر في 11 يناير سنة 1873 فصلت محكمة المنازعات في الاختلاف في هذا الرأي بأن أعطت الأمر الإداري صبغته الإدارية مع منع المحاكم من تفسيره أو إلغائه وأعطت المحاكم الحق في أن تمنح الأفراد التعويض إذا اعتدى على أملاكهم أثناء التحديد بند (248)، ويمكن للأفراد فقط أما الالتجاء للسلطة الإدارية لتعديل خط التحديد وإما لمجلس الدولة لإلغاء خط التحديد بند (251) - أما السلطة القضائية وظيفتها محصورة إما بإعادة ما اعتدى عليه من الملك إذا ثبت أن المعتدى عليه ليس له الصفة العامة ومملوك لأصحاب الأملاك المجاورة وإما بإعطاء تعويض مقابل لهذا الاعتداء بند (253).

(التخصيص من الملك الخاص إلى الملك العام Classement )

التخصيص للملك العام من الملك الخاص هو الأمر الذي يصدر بإدراج classement العقار أو المنقول من الملك الخاص إلى الملك العام بند (343) - وهذا الأمر لا ضرورة له بالنسبة للأملاك العامة بطبيعتها لأنها بذاتها موسومة بصفة المنفعة العامة ومع ذلك فتخصيص الأنهر لبعض المنافع العامة وتخصيص مناطق الصيد في البحار قد صدر به قانون 10 يوليه سنة 1835 - أما كون أن النهر صالح للملاحة أو غير صالح فقد يثبت إما بقانون أو بتقرير الواقع بلا حاجة إلى أمر أو قانون بند (346).
أما الأموال التي ليست طبيعية وترجع لعمل الإنسان كالقنوات والطرق والملحقات الطرق (كالميادين والبوابات - والأرصفة - والنباتات التي على الطرق والتماثيل) والطرق الحديدية والاستحكامات والحصون وأبنية الحكومة والجبانات ومحلات العبادة ففي أمرها تفصيل.
أما الطرق العامة وملحقات الطرق فليس هناك ضرورة لإصدار أمر أو قانون لتخصيصها للمنفعة العمومية وهذا ما قضى به مجلس الدولة في فرنسا بند (349) - وأهم ما يجب مراعاته هو ثبوت صفة المنفعة العامة بشكل حقيقي - وليس هناك ما يمنع من إصدار قانون ويكون صدوره عندئذٍ تقريرًا للواقع وإثباتًا للحقيقة ولتنظيم هذا الواقع وتلك الحقيقة بند (350).
أما الاستحكامات والحصون والميادين الحربية والأراضي الحربية فلا يمكن أن تعتبر من الأملاك العامة إلا بصدور قانون يدرجها في حيز الأملاك العمومية وقد صدر بشأنها قانون 10 يوليو سنة 1851 - كما أن مثل هذه الأموال لا تزول ولا تهدم ولا يقضي على صفتها العامة إلا برأي لجنة الدفاع الوطني وبمقتضى قانون يصدر بذلك بند (352).

طرق التصرف في الملك العام

والمقصود بالتصرف هنا ليس البيع ولا الرهن لأن هذا ممنوع لطبيعة تلك الأموال وعدم قابليتها للتصرف إنما التصرف فيها إما أن يكون بطريق déclassement بقلبها من الملك العام إلى ملك خاص - وإما بمنح امتيازات خاصة للأفراد Concesions بند (360).
وأما عن منح الامتيازات الخاصة فهذا يقتضي بيان هذا الامتياز ويُقصد به أنه عقد خاص بمعناه الإداري وغرضه منح شخص معين حق التمتع بجزء من الملك العام وتكون الحكومة قد قامت في تصرفها بالعقد وقتئذٍ لا كأحد الأفراد ولكن يكون قيامها في العقد وقتئذٍ كحارس على المصلحة العامة ونائب عن كافة الجمهور بند (361)، وتطبيقًا لهذا المبدأ يكون الامتياز مؤقتًا مهما طالت مدته كاستقرار الأفراد على شاطئ البحر - وكامتياز مد أنابيب الغاز والكهرباء والمياه في ملك الحكومة - وكامتياز مد أشرطة الترام وامتياز الأشغال المؤقت Stationement وهذا لا يمنع من أن يكون الامتياز على ملك الحكومة الخاصة.
وتوجد في فرنسا امتيازات عديدة تمنح للأفراد ودراستها لا تهم إلا بالقدر السالف ذكره بند (367).

عن إيقاف تخصيص الأملاك العامة وقلبها من عامة إلى خاصة
déclassement

فقد يكون ذلك إما بقانون يغير صفتها العامة وإما من الواقع الذي يثبت منه عدم الاستعمال من (أول بند (432) صـ 40)، وقد مرت دراسة عدم الاستعمال وبيان الأداة التي يفهم منها أن عدم الاستعمال مؤدٍ إلى قلب الأملاك العامة إلى خاصة.
وتتبع نفس قواعد الـ déclassement عن التفرقة بين أنواع الأموال كما سبق بيانه في تخصيص الأموال من خاص إلى عام بند (433).
وزوال الصفة العامة فيما يختص بالأملاك الحربية لا يكون إلا بقانون وكذلك تقليل عرض الطرق الحربية بند (436).
أما زوال الصفة العامة الذي ينتج من الواقع والفعل فقد يكون من زوال عمل الملك العام زوالاً تامًا كتهدم القنطرة وانهيار الأثر - وجفاف القناة الطويل - وزوال معالم الطريق بند (437).
وعدم الاستعمال المؤدي إلى زوال الصفة العامة يعادل تمامًا صدور قانون بزوال الصفة العامة بند (438)، ومسألة عدم الاستعمال non usage والترك القطعي abandon définitif هي من المسائل الواقعية التي يمكن حلها وفقًا للظروف بند (44)، ودليل تغيير الغرض العام الذي أعدت له الأملاك العمومية (كحالة الطريق العمومي) لا يمكن أن يثبت إلا بوضع يد الأفراد من مدة طويلة لا يمكن تذكرها والرجوع إليها بند (441).
وطبقت محكمة النقض الفرنسية القاعدة السالفة الذكر بأن قالت إن دليل تغيير الصفة العامة لا يمكن أن يستنتج (فيما يختص بطول الطريق وعرضه) ووضع اليد على جزء منه إلا من وضع اليد الذي لا يمكن تذكره (م 442).
وقد صدر قانون في 24 مايو سنة 1842 عن الحالة التي يصبح فيها الطريق غير نافع إلا للمرور المحلي والقروي - أو عن الحالة التي يصبح فيها الطريق غير معدٍ للمنفعة فقضت المادة الأولى منه أنه في الحالة التي تكون فيها أجزاء الطريق portions قد تركت بعدم الاستعمال العام فإن هذه الأجزاء من الطرق يمكن إعادتها إلى المنفعة العامة بناءً على طلب وموافقة المجلس العامة والمجالس البلدية على أن إدراجها بعد تركها لا يكون إلا بأمر ملكي بند (444).
وفي 10 أغسطس سنة 1871 أصبح الأمر فيما يختص بإدراج هذه الطرق بعد تركها ضروريًا بواسطة اجتماع كل المجلس لا جمعيته العمومية - ولا ضرورة لأمر ملكي.
ولا يكون الأمر إلا لإخراج هذا الطريق من منفعته العمومية إلى المنفعة الخاصة إذا ثبت بطريق يقيني أنه عام بند (446).
وإذا تحولت الطرق العامة إلى ملك خاص فهل إذا باعتها الحكومة يكون البيع لمصلحة الحكومة نفسها أو لمصلحة المجالس البلدية والقروية بند (450) قرر مجلس الدولة أن مال هذا البيع يكون للمجلس المحلي.

إجارات الأملاك العامة

الأصل أن الأموال العامة لا يمكن التعامل فيها ولكن ذلك ليس معناه عدم إمكان إعطاء حقوق بالمنفعة لآخرين على أن يكون الغرض من هذا الانتفاع للمستأجر انتفاع الجمهور أيضًا بند (466).
ومع ذلك فقد قضى من محكمة النقض ومجلس الدولة بأنه غير ممكن للإدارة أن تمنح امتيازات على الأملاك العامة (نقض 7 يوليه سنة 1869)، وبعد هذا الحكم الذي صدر في سنة 1869 صدر قانون في 20 ديسمبر سنة 1872 ذكر بالمادة (2) منه (أنه مصرح للحكومة بالحصول على أجرة الأشغال المؤقت occupation أو بالحصول على الأجرة الناشئة عن تأجير الشواطئ وتأجير كل ملحقات الأملاك العامة البحرية) - ثم صدر قانون في 29 يوليه سنة 881 طبق وشمل أجرة كل أشغال ووضع يد مؤقت أو محلي - كما شمل التصريح للحكومة بالحصول على أجرة كل ما هو متحصل من الأملاك العامة بطبيعتها كحق الصيد في الأنهر بند (467) فأصبحت قانونية الحصول على إيجار هذه الأملاك أمرًا لا شك فيه واستقر الفقه والقضاء على ذلك بند (468)، وهذه الامتيازات سواء أكانت إجارة bail أو إشغالاً مؤقتًا Stationnement - هذه الامتيازات - تقترب في شبهها من عقد الإيجار من وجهة أنها تعطي للممنوح له هذه الامتيازات حق التمتع jouissance على شرط أن يدفع الأجر rédevance المقابل لهذا التمتع في نظير أن يتمتع الكافة من هذا الامتياز لفائدة تعود على الناس جميعًا - غير أن هذا لا يمنع بأي حال من الأحوال فكرة توقيت هذه الامتيازات précarité فيمكن إلغاؤها في أي وقت للمصلحة العامة إذا كان وجودها يضر المرور العام Circulation générale بند (469).
وهذه الامتيازات ولو أنها عقود ثنائية إلا أنها أوامر إدارية يمكن إلغاؤها والعدول عنها - ولا يمكن إلغاء أوامر العدول عنها أمام السلطة القضائية إذ أنه ليس في استطاعتها أن تغير ما تجريه جهة الإدارة في هذا الشأن بند (471).

الأملاك الخاصة

1 - هي كل ما تملكه الحكومة كالأفراد (يمكنها التصرف فيه بند (546) صـ 48) والأملاك الخاصة يدخل فيها في فرنسا:
1/ أملاك التاج (بخلاف في مصر فإن القصور الملكية من الأملاك العامة) وأملاك التاج كما عرفها العلامة شوبان chopin هي كل ما أعد لأن يصرف منه على مائدة الملك وحشمه وتوابعه وكل ما أعد لأن يكون مشرفًا لصيانة الملك والعرش وكراهته بند (549).
2 - ويدخل من ضمن الأملاك الخاصة ما يطلق عليه اسم الأملاك الغير عادية بند (590) وهي أملاك الهبات - وأملاك الغزو والفتح.
3 - ويعتبر من الأملاك الخاصة الـ dotations:
1/ أو هي الأملاك التي تمنح من الحكومة إلى الضباط وأولادهم الذكور إذا قتلوا في ميدان الحرب - وهي خلاف المعاشات لأنها لا تنتقل إلا من الأولاد الذكور إلى أولادهم ولا تنتهي إلا بانتهاء الخلف وانقطاع الذرية - وأما المعاشات فتنتهي بانتهاء الجيل الثاني seconde géneration - وهبات الحكومة هذه لضباطها وأولادهم مقررة محدودة في بعض مناطق فرنسا - في أورليان - وفي جهة القنال دي ميدي.
4 - ويعتبر من الأملاك الخاصة الغابات - وملحقات الأملاك العامة التي أدرجت ضمن الأملاك الخاصة - والوصايا للحكومة - وما ترثه ممن لا وارث له - والهبات التي تمنح للحكومة والأملاك الخالية التي لا مالك لها Yacants.

إدارة الأملاك الخاصة

تكون إدارتها والتصرف فيها بالبيع الاختياري - أو بالمزاد العلني - ويجوز البيع إذا كان الطريق قد زالت صفته العامة déclassée - ويجوز التصرف في الأموال بطريق المبادلة.
وللمجاورين للطرق Rivérains الحق في الأخذ بالشفعة عن الأجزاء من الطرق (بند (885) صـ 66) المتروكة والتي زالت صفتها العامة وفقًا لقانون 20 مايو سنة 1836 بالمادة الرابعة التي تلزم الحكومة بأن تتنازل عن هذه الأجزاء بشروط خاصة.
وقد قررت المادة السالفة الذكر ما يأتي:
(أجزاء الأرض المخلفة عن طرق قديمة غير مطروقة أصلاً - أو أجزاء الطرق التي أصبحت عديمة الفائدة - إما لتعديل مجرى الطريق - وإما لتغيير فتحته - هذا الأجزاء - يمكن بيعها للملاك المجاورين على شرط أن يعتمد ذلك من وزير المالية وشرط هذا القانون واضح وهو عدم الاستعمال المطلق المؤدي إلى زوال الصفة العامة (يراجع في معنى عدم الاستعمال الذي يزيل الصفة العامة ما سبق ذكره من الشروط التي تزيل الصفة العامة).

التشريع في مصر

أما في مصر فالقانون المختلط قد وصفت الأموال العامة في المادتين (25) و(26) منه وصفًا غير كافٍ إذ قرر أن أملاك الأميري كالاستحكامات والمواني لا تقبل أن تكون ملكًا لأحد (م 25)، وأن الأشياء المعدة للمنافع العامة كالطرق والقناطر ونحو ذلك لا تقبل أن تكون ملكًا لأحد.
وجاء القضاء المختلط في أحكامه مقررًا أن أموال الحكومة لا يحجز عليها - وأن الأشياء المنقولة ملحقة بالأموال العامة إذا تخصصت للمنفعة العامة (بوريلي بك صـ 66 - 67).
أما القانون الأهلي فالمادتان (9) و(10) مدني منه قد تكفلتا ببيان ما هو من الأموال العامة على سبيل البيان إلى أن نص في المادة (10) (بأنه يعتبر من الأملاك العامة كافة الأموال الأميرية المنقولة أو الثابتة المخصصة لمنفعة عمومية بالفعل أو بمقتضى قانون أو أمر).
ثم قرر القانون أيضًا في المادة التاسعة عدم جواز تملكها بمضي المدة الطويلة وعدم إمكان التصرف فيها اللهم إلا إذا كان التصرف فيها بمقتضى قانون أو أمر.

بحث في الطرق العامة

ومن بين ما نصت عليه المادة التاسعة الطرق والشوارع وهذه الممرات إذا كانت غير مملوكة لفرد من الأفراد اعتبرت عامة بوجه عام سواء أكانت ببلد يسري عليه قانون التنظيم الصادر في 8 ديسمبر سنة 1889 أو لا يسري - ومسألة الصفة العامة للطرق العامة مرجعها تخصيص الطرق نفسه لمنفعة الجمهور - فإذا كان الفرد يستعمله لمنفعته الخاصة اعتبر مملوكًا ملكًا خاصًا رغم مرور الناس عليه لأن المرور فيه عندئذٍ يعتبر من قبيل التسامح - إلا إذا راعته الحكومة بالرش والكنس والرصف واهتمت به وأهمله صاحبة المدة المكسبة للملكية بالتقادم الطويل وعندئذٍ يصبح عامًا - فكأن الحكومة نفسها تكسب الملكية العامة بالتقادم من الملكية الخاصة ولكن لا تسمح للأفراد بالتملك بمضي المدة على الأملاك العامة.
والأصل في الطريق العام أن يكون مطروقًا - ولو يستعمله الناس في فترات متقطعة - والقرينة المفروضة بالنسبة إليه هو أن الطريق ملك عام (وعلى من يدعي صفته الخاصة إثبات ذلك بكافة أوجه الإثبات) - ولا يهتم بعدم وجود قرار من الحكومة بانقلاب الطريق إلى ملك خاص - لأن انقلاب الأملاك العامة إلى خاصة قد يرجع إلى الواقع أو القانون (م. أ).
وقد حكم بأنه لا يشترط وجود إجراءات التنظيم لاعتبار الشارع عموميًا (بند (839) من مرجع القضاء)، وقد حكم بأنه إذا ترتب على تعديل خط التنظيم تحويل شارع من جهة إلى أخرى تنتقل أرض الشارع القديم من ملك الدولة العام إلى الملك الخاص فإذا ترتب على تعديل خط التنظيم إلغاء شارع أو جزء من شارع فإنه يصبح ملكًا خاصًا للحكومة باعتباره من زوائد التنظيم - ويتحول من الملك العام إلى الملك الخاص فيجوز للحكومة أن تتصرف فيه - ويكتسب للأفراد بمضي المدة.
أما عن الأرض الأثرية فقد حكم أنه لا تعتبر الأرض أثرية إلا إذا صدر قرار من السلطة المختصة بإدراجها بالكشف الملحق بقرار وزارة الأشغال الصادر في 7 ديسمبر سنة 1909 - وأن الحجارة والأتربة لا تعتبر من المنافع العامة إلا بعد صيرورتها ملكًا للحكومة وبعد وضعها في محلات الآثار حيث تكون المحاكم الأهلية غير مختصة بالفصل في أصل ملكيتها (بند (841) مرجع القضاء) - وهذا المبدأ أقررته المادة السادسة من القانون الصادر في سنة 1912 الذي وضح به أن الأرض الأثرية هي المقررة فعلاً أو التي ستقرر بمقتضى قرار من السلطة المختصة - وفي هذا قرر أن اعتبار الأرض أثرية هو أمر متعلق بقرار يصدر من وزارة الأشغال وعلى ذلك لا يفيد القول بأن القطعة المتنازع عليها بين الجمهور - والحكومة معينة ومرسومة بخريطة فك الزمام وأن مصلحة الآثار قد أدرجتها في بياناتها ورسومها ولا يقيد ذلك إلا صدور القرار الصادر من الجهة المختصة بعد إدراجها بالكشف الملحق.
1 - الترع والجسور:
صدر بشأنها حكم من محكمة النقض المصرية في 4/ 2/ 1937 بالمجموعة الرسمية السنة 38 صـ 272 رقم (107) قيل فيه إن شرط بقاء الملك العام أن تكون الحكومة دائبة على وضع يدها عليه مظهرة سلطتها فترك الحكومة ترعة أو جزءًا من ترعة حصل تعديل مجراها يعد في ذاته نقلاً لهذه الترعة أو لهذا الجزء من الأملاك العامة إلى الأملاك الخاصة التي يجوز فيها التملك بمضي المدة الطويلة - وقد رجع هذا الحكم إلى الـ Pandectes صحيفة 243 - نبذة 1376 - 24 ت ب تحت كلمة Domaine public وإلى أن كثيرًا من الشراح يرون أن الأموال العامة التي لا تقبل التصرف بسبب تخصيصها للمنفعة العامة تكون خاصة إذا وقف وزال هذا التخصيص (يراجع أيضًا أحكام استئناف مصر 2 - 1 - 1907 لسنة 8/ 11/ 110 واستئناف مصر 9/ 4/ 1930 - 11/ 1/ 20).
وقد حكمت محكمة النقض فيما يختص بثبوت الصفة العامة وعدمها بالنسبة للترع والجسور حكمًا في 14 إبريل سنة 1938 السنة 19 عدد 1 صـ 48 رقم (47) ذكر فيه:
( أ ) أن المحاكم الأهلية ممنوعة من نظر الدعاوى المتعلقة بالأموال الأميرية العامة من وجهة طلب الملكية المدعى بها من الأفراد ضد الحكومة وفقًا للمادة (15) من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية إذا خصصت هذه الأموال للمنفعة العامة:
أولاً: بالرغم من أنه يتبين أن ملكية الأفراد لهذه الأعيان ثابتة لم تزل عنهم سبب من الأسباب القانونية.
وثانيًا: بالرغم من أن الحكومة لم تتبع طريقًا رسميًا لنقلها للمنفعة العامة (وهذا معقول لأن الملكية العامة قد تتقرر من الملكية الخاصة إما بالقانون وإما بالواقع وإذا تقررت بالواقع فلا حاجة لإجراء رسمي).
(ب) وقرر هذا الحكم مبدأ هامًا هو أن ثبوت الصفة العامة للأعيان العامة هو أمر جوهري وأساس لمنع المحاكم من سماع الدعوى المتعلقة بها من حيث الملكية - فإن كانت الصفة العامة محل نزاع فإن المحاكم تملك البحث في ثبوت هذه الصفة أو عدم ثبوتها ثم تبني حكمها على نتيجة هذا البحث.
(ج) وقررت أيضًا أن كون ترعة عمومية أو غير عمومية هو وصف قانوني حددت لائحة الترع والجسور معناه فمن واجب المحكمة الرجوع إلى هذه اللائحة والأخذ بها في إثبات هذه الصفة وليس بكافٍ ولا يعتبر الاعتماد على تقرير الخبير وحده المبني على خريطة فك الزمام.
وقد حكم أيضًا بالنسبة للمصارف - أن المصرف الذي يصرف لبلاد متعددة يكون عموميًا بشرط أن تصرف عليه وزارة الأشغال، وبشرط أن يكون مندرجًا في جدول وزارة الأشغال (بند (844) مرجع القضاء) وقيل بأن حرم الترعة وجوانبها المنصوص عليه بالمادة (9) لا يكون ملكًا خاصًا - ولا يصح الادعاء بأن الترعة بغير حرم ارتكانًا على أن في الحرم مبانٍ للغير لأن تلك المباني إما أن تكون قد حصلت بطريق التعدي وأما أن تكون الحكومة قد أباحتها من طريق التسامح بند (845) من المرجع السابق.
وقد حكم بأن الجبانات تعتبر من المنافع العامة وملكًا عامًا حتى ولو منعت الحكومة الناس من الدفن فيها بل تبقى هذه الصفة ما دامت الحكومة لم تقرر إعادتها للأملاك الخاصة بأمر (وهذا الحكم لا يتفق مع الرأي بأن الأموال تتغير إما بقانون أو بالواقع من خاصة إلى عامة والعكس جائز (وهذا الحكم منشور بالبند (858) من مرجع القضاء).
وهي تبقى كذلك جبانات ما دامت حافظة لمعالمها غير قابلة للتملك بمضي المدة حتى ولو - أوقف الدفق فيها مدة طويلة والعبرة بزوال الصفة العامة وهي لا تزول إلا بزوال المعالم.
ومن المفهوم بداهة أن المنافع العامة تزول بالترك فإذا تركت الحكومة عقارًا من أملاكها العامة ولم تعد معتبرة جزءًا من تلك الأموال بفقد ذلك العقار صفته ويصبح جزءًا من أملاكها الخاصة التي يجوز التصرف فيه وتملكه بمضي المدة بند (861) - المرجع السابق ولا حق للحكومة في هدم المباني التي تشاد على أرض جبانة لإقامة زائري المقابر بشرط أن لا تحول تلك المباني إلى مساكن مستديمة بند (864).
والجوامع - يمكن أن يكتسب بمضي المدة حق المطل على كل مسجد لا تكون الحكومة قائمة بإدارته أو بالصرف عليه - والمسجد الموقوف والمخصص للعبادة الذي تقوم به الحكومة لا يمكن اكتساب حق المطل عليه ولا يتملك بمضي المدة.
والأملاك العامة من المسلم أنها ني التي تملكها الدولة وللحكومة عليها حق استغلالها وإدارتها والإشراف عليها - ولها حق نقلها إلى أملاك خاصة والتصرف في الملك الخاص - وإذا كانت عامة فهي لا يتصرف فيها - ولا يحجز عليها - ولا تملك بوضع اليد المدة الطويلة - ولا ترفع الدعوى بشأن ملكيتها أمام المحاكم المدنية.
والتفرقة بينهما ليست قديمة بل هي من عمل رجال الفقه الفرنسي ولم يرد نص لا في الفرنسي ولا في المصري في بيان الأداة المميزة للتفرقة بينهما.
وقد اختلف الشراح في بيان هذه الأداة فقال هوريو أن الصفة العامة التي تفرق بينهما هي الوقف والرصد والوجود - وقال Domat أن الأملاك العامة هي ما كانت بحسب طبيعتها وذاتها لا يمكن أن تملك بمضي المدة - ورأى كولان وكابيتان صـ 708 هي أن تكون هذه الأموال لأجل أن تسبغ عليها الصفة العامة - في خدمة المجموع - والواقع أن هذه التعاريف لا تغني عن وجود النص الصريح.
وحق الحكومة على الملك العام لا يأتي من أنها تملك ملكًا خاصًا إنما يأتي من أن الكافة وجمهور الناس هم الملاك للمنفعة العامة وليس للحكومة إلا حق الإشراف والإدارة وعليها جباية هذه الأموال العامة وحفظها وما دام أن الحكومة لا تملكها ملكًا خاصًا فهي لا تستطيع التصرف فيها بالبيع أو بالرهن - إنما لها حق الاستغلال فيجوز لها تأجيرها وضم الإيجار إلى ملك الحكومة.
وتتقرر الملكية العامة من خاصة إلى عامة بمقتضى النص بالمادة (10) إما بفعل الواقع أو بفعل القانون وإما تقرير القانون فالأمر واضح وإما تقريرها بفعل الواقع فمضمونه أن الحكومة تملك الأملاك الخاصة وتقرر عليها المنفعة العامة وتتملكها بمضي المدة الطويلة وتقرير الملك الخاص من عام إلى خاص فيكون بزوال الصفة العامة، وما دام أن القانون يقرر أن اكتساب الملك العام يكون القانون أو الواقع فالعكس صحيح أيضًا أي أن الملك العامة يزول بزوال الصفة العامة وعندئذٍ يترتب للفرد حقوق خاصة على هذا المال ولا يتعارض ذلك مع المبدأ القائل بعدم تملك حقوق عينية على المال العام - لأن محل البحث هو وجود الصفة العامة أو عدم وجودها وليس الأمر خاصًا بوجود حق عيني على المال العام لأن زوال الصفة العامة هو ما يقتضي بحثه أولاً ثم يبحث بعد ذلك فيما إذا كان قد تقرر حق عيني على الملك الخاص أم لا.
وقد اتفق العلم والعمل على أنه إذا فقد العقار صفته العمومية أصبح من الأملاك الخاصة التي يجوز التصرف فيها (ويمكن تملكها بوضع اليد المدة الطويلة) (محاماة 10 سنة 6 صـ 865).
والأملاك الأميرية إذا لم تستمر مخصصة للمنفعة العامة يجوز تملكها بوضع اليد المدة الطويلة مثلها في ذلك مثل ما إذا كانت قد أخرجت من الملك الخاص إلى الملك العام بمقتضى قانون أو أمر (مجموعة رسمية نمرة 91 صـ 195 محاماة سنة 7 عدد 480 صـ 826).
وقد حكم في كيفية انقلاب الصفة العامة وإرجاع المال العام إلى خاص أن الفقه والقضاء توافقا على التفرقة بين الملك الميري بطبيعته والملك الميري حكمًا (يراجع ما ذكر بالحكم المنشور بمجلة المحاماة لسنة 11 صـ 38).
والملك الميري حكما الذي يصير ملكًا ميريًا بمقتضى قانون أو أمر - والأول (الطبيعي) كمجرى النهر والطرق (وهذا خطأ لأن الطرق ليست أموالاً طبيعية بل هي أموال عامة حكمًا)، وهذا النوع الأول لا حاجة به إلى إصدار قانون أو أمر.
(وهذا صحيح بالنسبة للأموال العامة الطبيعية أما أمر الطرق ولو أنها طبيعية فهي ليست في احتياج إلى إصدار أمر أو قانون لتنقلب إلى ملك خاص بل قد تنقلب إلى ملك خاص بحكم الواقع كما مر ذكره في أكثر التشريع المدني) - أما النوع الثاني كالحصون والقلاع فلا يمكن تغيير من صفة عامة إلى صفة خاصة إلا بمقتضى قانون أو أمر (وهذا صحيح لأن الاستحكامات والحصون في فرنسا صدر بشأن إدراجها في الملك العام وبشأن إخراجها من هذا الملك - صدر بشأن ذلك - قانون خاص قيل فيه أن الأملاك الحربية -……… لا تزول ولا تهدم إلا بمقتضى قانون).
(يراجع الحكم المعلق عليه السابق الإشارة إليه بمجلة المحاماة السنة 11 صحيفة 38).

بحث ملحق في الصفة العامة التي للطرق العمومية

وإتمامًا للدراسة السابق إيضاحها عن التشريع والقضاء من المحاكم المصرية يجب الإشارة إلى ما قضت به محكمة النقض المصرية في هذا الموضوع.
وفي الدعوى رقم (16) لسنة 3 قضائية بالحكم الصادر في 7 ديسمبر سنة 1933 كانت الحكومة قد باعت بمقتضى حجة شرعية بتاريخ 8 إبريل سنة 1886 إلى أحد الأفراد أرضًا على جملة مساحات محددة فيما بينها بطرق لم يشملها البيع فرفعت الحكومة دعوى لأن المشتري اغتصب هذه الطرق وأقام عليها جملة مبانٍ فرفع المجلس المحلي دعوى تثبيت ملكية للقدر المغتصب وإزالة هذه المباني في ظرف مدة معينة وإلا تجري الحكومة إزالتها بمصاريف ترجع بها على المغتصب فقضت المحكمة الابتدائية بالطلبات فاستأنف المغتصب الحكم بالاستئناف رقم (1130) سنة 45 قضائية، وقضت محكمة الاستئناف الأهلية بإلغاء الحكم المستأنف بعد أن ندبت خبيرًا لأداء الأعمال المبينة بأسباب الحكم التمهيدي.
فطعنت النيابة وبنت طعنها على أن المحكمة الاستئنافية أخطأت في تطبيق القانون لأن الطرق العامة لا تتحول إلى خاصة بمجرد الترك abandon وأنها لا تزول صفتها العامة بفعل الغصب.
وأما محكمة الاستئناف الأهلية فقد قررت في أسباب حكمها:
1 - أن ورود الطرق في حجة المشتري من الحكومة لا يدل في ذاته على تخصيص هذه الطرق للمنفعة العامة بل يجب أن تكون قد خصصت هذه الطرق فعلاً للمنفعة العامة بمرور الأهالي عليها وأن يستمر هذا التخصيص بعد شراء المدعي فإذا أهملت الحكومة هذه الطرق ولم تستعملها للمرور ولم تلاحظها ولم تمنع تعدي الغير عليها زالت عنها الصفة العامة وأصبحت من الأملاك الخاصة التي يجوز تملكها بمضي المدة واستندت في هذا إلى ما جاء بالفقرة (11) من المادة (9)، والمادة (10) من القانون المدني من أن الأملاك العامة تتقرر بمقتضى القانون أو الفعل وبديهي أن الترك وعدم الاستعمال يقلبانها من عامة إلى خاصة، ولكن محكمة النقض رأت أن الحكم المنقوض قد تأثر بأقوال شراح وأحكام المحاكم في فرنسا مع أن نظام القانون المدني في مصر يختلف اختلافًا كليًا عن نظام القانون المدني الفرنسي.
والمادة (538) فرنسي لما نصت عن الطرق اعتبرت الطرق والشوارع والحارات التي على نفقة الحكومة à la charge de l’Etat - فكانت هذه العبارة مدعاة للتفسير وللتأويل وأخيرًا أجمع الشراح في فرنسا على أن الطريق يجب أن يكون مخصصًا لمنفعة الجمهور - وأن يكون مطروقًا بصفة عامة - ومستمرة وأن يكون موضع عناية الحكومة من حيث التعبيد والإنارة وغرس الأشجار وإلا اعتبر أنه ليست له صفة الأملاك العامة وجاز تملكه بوضع اليد ومضي المدة الطويلة المكسبة للملكية - وقد جرى قضاء المحاكم المختلطة على ما جرى به القضاء في فرنسا لأن نصوص القانون المدني المختلط في هذا الموضوع مقتضية كما مر ذكره.
أما في القانون الأهلي فقد تفادى الغموض وقرر بصراحة أنه يعتبر من الأملاك العامة المشروحة شرحًا وافيًا في المادة (9) ما يأتي (يعتبر من الأملاك العامة الطرق والشوارع والقناطر والحواري التي ليست ملكًا لبعض أفراد الناس)، ثم خشى المشرع أن يكون قد فاته ذكر نوع من الأنواع فختم الفقرة (11) من المادة (9) بالقول (كافة الأموال الأميرية المنقولة والثابتة المخصصة لمنفعة عمومية بالفعل أو بالقانون)، وإذن الطرق العمومية مهما كانت عناية الحكومة ومهما كان عدم العناية بها فإن الفارق في كون الطريق عموميًا أم خاصًا هو معرفة ما إذا كان للطريق مالك أم لا - ففي الحالة الأولى لا يكون الطريق عموميًا إلا إذا قامت الحكومة بإثبات أنها تملكته وأنها قامت بجميع الإجراءات التي يفرضها القانون بقانون نزع الملكية للمنفعة العمومية - وأما في الحالة الثانية فيعتبر خاصًا إذا كان له مالك.
وبهذا يمكن الاستنتاج من أن الفقرة (11) مادة (9) بالقول من أن الأموال العامة ستخصص بالفعل أو بمقتضى قانون أو أمر لا ينصب على جميع ما ذكر صراحةً في المادة (9)، ولا يتقرر الطريق العمومي بمقتضى الفعل - وليس ثمة شرط الصرف عدا الطريق.
ومتى ثبت أن الطريق ملك للحكومة فلا يمكن زوال الصفة العامة عنه إلا بمقتضى قانون أو أمر.
وبما أن المدعي الملكية قد أقر أن هذه الطرق كانت من ضمن أملاك الحكومة الخصوصية قبل إنشائها - وبما أنه لا ينازع الحكومة في إنشاء هذه الطرق وهو وجودها وقت الشراء فلا يمكنه أن يدعي ملكيتها بوضع اليد مهما طالت المدة لأنها أملاك عامة.
عبد العزيز سليمان
القاضي بمحكمة إسكندرية الأهلية



[(1)] الجزء الثامن عاشر Carpentier - Répertoire صـ 17، وما بعدها Domaine Public

قضاء التعويض في القانون الإداري المصري

مجلة المحاماة - العدد السابع
السنة الرابعة والثلاثون سنة 1954

بحث قضاء التعويض في القانون الإداري المصري [(1)]
للسيد الأستاذ أحمد رفعت خفاجي وكيل نيابة أمن الدولة

1 - تمهيد:
إن مبدأ فصل السلطات من المبادئ الأساسية في حياتنا القانونية، لقد انبرى لشرحه وتفصيله بحق العلامة الشهيد مونتسكيو في مؤلفه الفذ (روح القوانين) الذي أخرجه عام 1748 ومن بين مظاهر هذا المبدأ وتطبيقاته الفصل بين السلطتين التنفيذية والقضائية، الأمر الذي يتطلب من المحاكم (السلطة القضائية) ألا تقضى في المنازعات التي تتعلق بجهة الإدارة (السلطة التنفيذية)، وكذا لا يسوغ لجهة الإدارة العاملة أن تمارس الوظائف القضائية بمعنى أنه يمتنع عليها أن تحكم في القضايا، وإنما يتعين أن يعهد هذا العمل إلى هيئة جديدة تسمى بالقضاء الإداري لكي تختص بالفصل في المنازعات التي تكون الإدارة طرفًا فيها.
وموضوع هذه المنازعات إما أن يكون إلغاء قرار إداري صدر مخالفًا للقوانين واللوائح وهو ما يسمى بقضاء الإلغاء récours en annulation ou recours pour excés de pouvoir وإما أن يكون طلب الأفراد الحكم على جهة الإدارة بأداء تعويض لهم عن أضرار نشأت من جراء قرارات أو تصرفات إدارية وهو ما يعبر عنه بقضاء التعويض أو contentieux de l’indemnisation باللغة الفرنسية وهي الترجمة الصحيحة وليست recours de pleine juridiction كما ترجمه بعض الشراح المصريين.
2 - منهج البحث:
ولا شك أنه يجدر بالباحث لقضاء التعويض في مصر أن يستجلي عنصريه أو ينظر إليه من ناحيتين:
ناحية الموضوع probleine de fond وناحية الشكل probleine de forme أما الأولى فتتعلق بنظرية أساسية في فقه القانون العام وهي نظرية المسؤولية الإدارية، ماهيتها، وأساسها القانوني، شروط الضرر الواجب أداء التعويض عنه، الأعمال التي يجوز الحكم فيها بالتعويض سواء كانت صادرة من الدولة بصفتها سلطة تشريعية أو بصفتها سلطة قضائية أو بصفتها سلطة إدارية، وأخيرًا عدم مسؤولية الدولة عن أعمال الحكم أو أعمال السيادة.
وهذه الناحية ليست محل بحثنا في هذا الصدد، وإنما نقتصر على معالجة ناحية الشكل أو بيان مسألة الاختصاص.
3 - القانون الإداري الفرنسي:
وقبل أن نخوض في بحث النظام المصري يجب أن نستعرض الحال في فرنسا فنبين أحكام تشريعها وقضائها وآراء فقهائها، فقد قيل بحق إن فرنسا من الدول ذات النظام الإداري السليم وكل ذلك راجع إلى المجهودات التي بذلها مجلس الدولة الفرنسي في هذا السبيل إلى المعونة الصادقة التي قدمها مفوضو هذا المجلس commissaires du gouvernemeut مثل روميو ودافيد وغيرهم من مشاهير الفقهاء.
يوجد إلى جانب القضاء العادي قضاء إداري يقتسمان الاختصاص في الفصل في المنازعات التي تكون الإدارة طرفًا فيها، ولبيان الحد الذي يفصل الاختصاصين قال بعض الشراح باختصاص القضاء الإداري بنظر المنازعات التي تتعلق بجهة الإدارة بصفتها سلطة عامة أو الأعمال العامة للإدارة acted de puissance publique, acted d’autorité وهي الأعمال التي تقوم بها الإدارة وهي تمارس سلطتها العامة مثل إبعاد الأجانب، وباختصاص القضاء العادي بنظر تصرفات الإدارة المدنية actes de gestion وهي الأعمال التي تقوم بها الإدارة في نشاطها المدني الخاص من بيع أو إيجار أو غيره.
ثم رأى البعض أن المحاكم الإدارية تختص بالفصل في المنازعات التي تهدف إلى المطالبة المالية للدولة دون سائر الأشخاص الإدارية الأخرى التي تظل خاضعة إلى القضاء العادي.
وأخيرًا وتحت تأثير الأحكام Feutry، وTerrier، وBlanco استقر الرأي على أن القضاء الإداري يختص أساسًا وكمبدأ عام بالمنازعات مع الأشخاص الإدارية العامة بصدد إدارة المرافق العامة qui se rattache au fonctiannement d’un service public أما ما عدا ذلك من منازعات فتنظرها المحاكم العادية، وقد أضيفت إليها المنازعات المتعلقة بإدارة مرفق القضاء.
والمرافق العامة الصناعية والتجارية وكذا المنازعات المتصلة بقاعدة معروفة تفيد أن القضاء العادي يحمي الحريات العامة والملكية الخاصة وحالات الأشخاص.
ولقد صدر تشريع في 24 مايو سنة 1872 بإنشاء محكمة تنازع الاختصاص لتنظر في ما قد يقع من تنازع بين جهتي القضاء سالفتي الذكر سواء أكان تنازعًا إيجابيًا أم سلبيًا قد يؤدي إلى إنكار العدالة، وهذه المحكمة مشكلة من ثلاثة مستشارين من مجلس الدولة عن القضاء الإداري وثلاثة مستشارين من محكمة النقض عن القضاء العادي وتعقد جلساتها تحت رئاسة وزير العدل.
وتوزيع الاختصاص بين القضاء الإداري الفرنسي تناوله بالتعديل الأخير القانون الصادر في 30 سبتمبر سنة 1953 [(2)] الذي جعل مجالس الأقاليم conseils de préfecture في فرنسا والجزائر والمحاكم الإدارية في الألزاس واللورين، هي محاكم القانون الأصل أو القانون العام de droit canmun تختص بالفصل في المنازعات الإدارية بصفتها محاكم أول درجة وتحمل اسم المحاكم الإدارية، ومن ثم فقد أصبح مجلس الدولة ذا اختصاص محصور محدد بالحالات التي عددها القانون وكذا جهة استئناف للأحكام الصادرة من المحاكم الإدارية المذكورة.
وواضح مما تقدم أن الاختصاص الإداري يشمل قضاء التعويض وقضاء الإلغاء.
4 - تطور تاريخي في مصر:
من المعروف أن محكمتنا الإدارية أو قضاءنا الإداري في مجلس الدولة حديث جدًا فقد أنشئ مجلس الدولة المصري في 15 أغسطس سنة 1946 بالقانون رقم (112)، وهذا القانون قد استبدل به القانون رقم (9) الصادر في 3 فبراير سنة 1949 المعدل بالقوانين رقم (87) في 29 يونيه سنة 1950، رقم (6) في 17 يناير سنة 1952، رقم (116) في 27 يوليه سنة 1952.
ولقد مرت مصر بثلاث مراحل في نظام القضاء لمنازعات الإدارة.
5 - لائحة ترتيب المحاكم الأهلية:
في المرحلة الأولى أو ما قبل إنشاء مجلس الدولة لم يكن لدينا قضاء إداري فكانت كل المنازعات الإدارية يقضي فيها المحاكم العادية دستورها في هذا الشأن (المادة (15) من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية) التي تنص على ما يلي:
(ليس لهذه المحاكم أن تؤول معنى أمر يتعلق بالإدارة ولا أن توقف تنفيذه إنما تختص بالحكم في المواد الآتي بيانها:
أولاً: كافة الدعاوى المدنية أو التجارية الواقعة بين الأهالي وبين الحكومة في شأن منقولات أو عقارات.
ثانيًا: كافة الدعاوى التي ترفع على الحكومة بطلب تضمينات ناشئة من إجراءات إدارية تقع مخالفة للقوانين أو الأوامر الإدارية).
6 - قانون إنشاء مجلس الدولة:
وعندما أنشئ مجلس الدولة في 15 أغسطس سنة 1946 نص في مادته الرابعة [(3)] على اختصاص محكمة القضاء الإداري بالفصل في مواد عددتها في ست فقرات، ثم جاءت المادة الخامسة [(4)] فقررت باختصاص محكمة القضاء الإداري بالفصل في طلبات التعويض عن القرارات المطعون فيها والموضحة في الفقرات الثلاثة الأخيرة من المادة الرابعة وقضت هذه المادة أيضًا أنه يترتب على تقديم طلب الإلغاء أو التعويض لمحكمة القضاء الإداري نزول الطالب عن رفع دعوى تعويض أمام أية جهة قضائية أخرى.
ومعنى هاتين المادتين أنه في مسائل التعويض يعتبر اختصاص محكمة القضاء الإداري في مصر اختصاصًا محصورًا محددًا بالحالات الواردة فيهما إذا أراد أحد الأخصام compétenc d’attribution بينما يظل القضاء العادي هو قضاء القانون العام compétence de droit commun بل يمكن للمدعي إذا أراد أن يتجنب القضاء الإداري حتى في هذه الحالات أن يلجأ مباشرةً للقضاء العادي فيختص الأخير بنظر دعواه وإنما يترتب على ذلك سقوط حق المدعي في التقاضي أمام القضاء الإداري بصدد هذه الدعوى [(5)].
7 - النظام الحالي:
وهو ما جرى عليه العمل ففي 3 فبراير سنة 1949 صدر القانون رقم (9) خاص بمجلس الدولة بعد إلغاء القانون رقم (112) سنة 1946، وشمل هذا القانون الجديد امتدادًا لاختصاص القضاء الإداري في مصر سواء في الإلغاء أو التعويض.
فبعد أن عددت المادة الثالثة [(6)] منه حالات طلب الإلغاء جاءت المادة الرابعة [(7)] تخول القضاء الإداري سلطة الفصل في طلبات التعويض عن القرارات المنصوص عليها في المادة الثالثة، ويترتب على رفع دعوى الإلغاء أو التعويض إلى محكمة القضاء الإداري عدم جواز رفع دعوى التعويض أمام المحاكم العادية كما يترتب على رفع دعوى التعويض إلى المحاكم العادية عدم جواز رفعها أمام محكمة القضاء الإداري.
وقصد المشرع من التوسع في اختصاص القضاء الإداري المصري هو الرغبة الصادقة في توطيد هذا النوع من القضاء وإعانته على أن يؤدي رسالته على أحسن وجه [(8)].
ولا يوجد في مصر إلا محكمة إدارية واحدة هي محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة.
ويعني لنا في هذا المقام أن نتساءل عما إذا كان يوجد بمصر محكمة تنازع اختصاص تفصل في التنازع على الاختصاص بين القضاءين الإداري والعادي كما هو الحال في فرنسا.
نعم جاء قانون نظام القضاء رقم (147) الصادر في 28 أغسطس 1949 بأحكام كيفية نظر هذا التنازع والفصل فيه وجعله من اختصاص محكمة النقض والإبرام [(9)].
ويبدو من مطالعة أحكام هذا القانون أن اختصاص محكمة النقض والإبرام في الفصل في هذا التنازع جاء دون مشاركة محكمة القضاء الإداري لها في هذا الشأن وذلك على خلاف الحال في فرنسا كما ذكرنا آنفًا، ويمكن تبرير موقف المشرع المصري من خصوصية نظام قضائنا الإداري الذي ظل في مواد التعويض قضاءً استثنائيًا بالنسبة لبعض حالات واردة على سبيل الحصر وقضاءً معلقًا على رضاء الخصوم في اختيار الاحتكام إليه.
8 - خاتمة:
ويمكن أن نختتم هذا البحث الموجز مؤكدين أن القضاء الإداري المصري مقصور على محكمة واحدة بعاصمة البلاد هي محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، يشمل اختصاصها عموم الجمهورية المصرية من أقصاها إلى أقصاها، مما يحمل المتقاضي المقيم بعيدًا عن القاهرة عبء الحضور إليها، ولعله هو السبب في أن قضاءنا الإداري في طور الإعداد والتكوين محل للتجربة والاختبار ذو اختصاص محدد بالنسبة للحالات الواردة في ثنايا أحكام القانون.
أما وقد أثبت مجلس الدولة جدارة فائقة في محيط العدالة والقانون وذلك بفضل المجهودات الطيبة، التي بذلها رجاله الأبطال في هذا المضمار، لا يسعني إزاء ذلك إلا أن أستنهض همة المشرع المصري في المبادرة بإنشاء محاكم إدارية في مختلف أرجاء الجمهورية المصرية مترسمًا خطي المحاكم الإدارية الفرنسية في هذا الشأن.
فإذا تم لنا ذلك فيجدر بالمشرع أن يوسع اختصاص هذا القضاء الإداري وبخاصة في مسائل التعويض لكي يصبح القضاء العام فيها.
ولعل قصدنا وهدفنا هو أن نخطو خطوة نحو تحقيق المبدأ المقدس ألا وهو مبدأ الفصل بين السلطات.


[(1)] المراجع: في القانون المصري: مجموعات أحكام محكمة القضاء الإداري (ست مجلدات) التشريعات الصادرة بشأن قانون مجلس الدولة ومذكراتها الإيضاحية، مجلات مجلس الدولة والأبحاث الواردة بها وبخاصة أبحاث دكتور محمود سعد الدين الشريف مستشار الدولة، مذكرات دكتور محمد عبد الله العربي في مسؤولية الدولة أمام القضاء، شرح قانون مجلس الدولة للعميد الدكتور عثمان خليل عثمان، نظرية سوء استعمال السلطة للدكتور سليمان محمد سليمان الطحاوي أستاذ القانون العام بجامعة إبراهيم.
في القانون الفرنسي: شرح القانون الإداري لفالين، مؤلف أندريه دي لوبادير، مؤلف رولان، نظرية المسؤولية الإدارية لروسو، مجموعات أحكام مجلس الدولة الفرنسي (ليبون، دالوز) مقاولات فيدل في خضوع الإدارة للقانون بمجلة القانون الاقتصاد.
[(2)] منشور في الجريدة الرسمية للجمهورية الفرنسية العدد 232 في يوم الخميس أول أكتوبر سنة 1952 المرسوم رقم 934 - 53 في 30 سبتمبر سنة 1953 بشأن إصلاح القضاء الإداري.
[(3)] المادة الرابعة:
(تختص محكمة القضاء الإداري بالفصل في المسائل الآتية، يكون لها فيها دون غيرها ولاية القضاء كاملة:
1 - الطعون الخاصة بانتخابات الهيئات الإقليمية والبلدية.
2 - المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة لموظفي الحكومة ومستخدميها أو لورثتهم.
3 - الطلبات التي يقدمها ذوو الشأن بالطعن في القرارات الإدارية الصادرة بالتعيين في وظائف الحكومة أو بالترقية أو منح علاوات متى كان مرجع الطعن مخالفة القوانين واللوائح.
4 - الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون الدائمون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية إذا وقعت مخالفة للقوانين واللوائح.
5 - الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون الدائمون بإلغاء القرارات الإدارية النهائية الصادرة بفصلهم من غير الطريق التأديبي إذا كان مرجع الطعن مخالفة القوانين أو اللوائح أو إساءة استعمال السلطة.
6 - الطلبات التي يقدمها الأفراد بإلغاء القرارات الإدارية النهائية إذا كان مرجع الطعن عدم اختصاص الهيئة التي أصدرت القرار المطعون فيه أو وجود عيب في الشكل أو مخالفة القوانين أو اللوائح أو الخطأ في تطبيقها وتأويلها أو إساءة استعمال السلطة.
ويعتبر في حكم القرارات الإدارية رفض أو امتناع السلطة الإدارية عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وفقًا للقوانين واللوائح).
[(4)] المادة الخامسة: (في الحالات المبينة بالفقرات الثلاث الأخيرة من المادة السابقة تختص محكمة القضاء الإداري بالفصل في طلبات التعويض عن القرارات المطعون فيها سواء رفعت إليها بصفة أصلية أو تبعًا لطلب الإلغاء.
ويترتب على تقديم طلب الإلغاء أو التعويض لمحكمة القضاء الإداري نزول الطالب عن رفع دعوى تعويض أمام أية جهة قضائية أخرى تبني على القرار الإداري الذي كان مثار الطلب).
[(5)] راجع في هذا الأحكام الآتية: حكم محكمة القضاء الإداري في 10/ 12/ 1947 مجموعة أحكام محكمة القضاء الإداري السنة 2 صـ 144 قاعدة (25)، وحكم محكمة القضاء الإداري في 16/ 12/ 1947 مجموعة أحكام محكمة القضاء الإداري السنة 2 صـ 163 قاعدة 28، وحكم محكمة القضاء الإداري في 26/ 5/ 19489 مجموعة أحكام محكمة القضاء الإداري السنة 2 صـ 741 قاعدة (132) وحكم محكمة القضاء الإداري في 2/ 6/ 1948 مجموعة أحكام محكمة القضاء الإداري السنة 2 صـ 770 قاعدة 136، وحكم محكمة القضاء الإداري في 22/ 6 / 1948 مجموعة أحكام محكمة القضاء الإداري السنة 2 صـ 851 قاعدة 152، ولقد جاء بصراحة في الحكم الصادر في 16 ديسمبر سنة 1947 ما يلي:
(اختصاص محكمة القضاء الإداري في مصر محصور في المسائل والمنازعات المنصوص عليها صراحةً في القانون بخلاف الحال في فرنسا، ويشترط للاختصاص أن تقوم الدعاوى على الطعن في قرارات إدارية نهائية فيخرج من ولايتها الفصل في المنازعات القانونية سواء أكان العقد إداريًا أم مدنيًا ودعاوى التضمينات التي يرفعها الأفراد على الحكومة بسبب الأفعال المادية التي تقع أثناء تأدية الوظيفة، والمنازعات المتعلقة بإدارة الأموال التي تقوم بها الحكومة كفرد من الأفراد.
أما في فرنسا فيختص مجلس الدولة بالفصل في كل الدعاوى التي ترفع من الأفراد على الإدارة للمطالبة بحقوق ثابتة لهم قبلها أيًا كان نوع هذه الحقوق لا فرق بين الحقوق الناشئة عن عقد إداري أو فعل مادي لأن مجلس الدولة الفرنسي هو المحكمة الإدارية العامة تختص بنظر كل القضايا الإدارية التي لم يمنح المشرع حق النظر فيها لمحكمة أخرى).
[(6)] المادة الثالثة: (تختص محكمة القضاء الإداري دون غيرها بالفصل في المسائل الآتية ويكون لها فيها ولاية القضاء كاملة:
1 - الطعون الخاصة بانتخابات الهيئات الإقليمية والبلدية.
2 - المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة للموظفين العموميين أو لورثتهم.
3 - الطلبات التي يقدمها ذوو الشأن بالطعن في القرارات النهائية الصادرة بالتعيين في الوظائف العامة أو بالترقية أو بمنح علاوات.
4 - الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية.
5 - الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات الإدارية النهائية الصادرة بإحالتهم إلى المعاش أو الاستيداع أو بفصلهم من غير الطريق التأديبي.
6 - الطلبات التي يقدمها الأفراد أو الهيئات بإلغاء القرارات الإدارية النهائية.
ويشترط في الفقرات المنصوص عليها في البنود (3) و(4) و(5) و(6) أن يكون مرجع الطعن عدم الاختصاص أو وجود عيب في الشكل أو مخالفة القوانين أو اللوائح أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها أو إساءة استعمال السلطة.
ويعتبر في حكم القرارات الإدارية رفض السلطة الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وفقًا للقوانين أو اللوائح.
[(7)] المادة الرابعة: (تفصل محكمة القضاء الإداري في طلبات التعويض عن القرارات المنصوص عليها بالمادة السابعة إذا رفعت إليها بصفة أصلية أو تبعية.
ويترتب على رفع دعوى الإلغاء أو التعويض إلى هذه المحكمة عدم جواز رفع دعوى التعويض أمام المحاكم العادية كما يترتب على رفع دعوى التعويض إلى المحاكم العادية عدم جواز رفعها أمام محكمة القضاء الإداري).
[(8)] راجع المذكرة الإيضاحية للقانون رقم (9) لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة، راجع حكم محكمة القضاء الإداري الصادر في 26 مايو سنة 1949، مجموعة أحكام محكمة القضاء الإداري السنة الثالثة صـ 851، راجع حكم محكمة القضاء الإداري الصادر في 9 يونيه سنة 1949 المحاماة السنة 32 صـ 1104 راجع بحث دكتور محمود سعد الدين الشريف في مجلة مجلس الدولة السنة الأولى في موازنة قانوني مجلس الدولة، راجع تقرير لجنة العدل بمجلس الشيوخ في 22 ديسمبر سنة 1948، راجع تقرير لجنة الشؤون التشريعية بمجلس النواب في 27 يناير سنة 1949.
[(9)] المادة (18) من قانون نظام القضاء: (ليس للمحاكم أن تنظر بطريقة مباشرة في أعمال السيادة، ولها دون أن تؤول الأمر الإداري أو توقف تنفيذه أن تفصل:
1 - في المنازعات المدنية والتجارية التي تقع بين الأفراد والحكومة بشأن عقار أو منقول على الحالات التي ينص فيها القانون على غير ذلك.
2 - في دعاوى المسؤولية المدنية المرفوعة على الحكومة بسبب إجراءات إدارية وقعت مخالفة للقوانين واللوائح.
3 - في كل المسائل الأخرى التي يخولها القانون حق النظر فيها).
المادة (19): (إذا رفعت دعوى عن موضوع واحد أمام إحدى المحاكم وأمام محكمة القضاء الإداري أو إحدى محاكم الأحوال الشخصية ولم تتخلَ إحداهما عن نظرها أو تخلت كلتاهما عنها يرفع طلب تعيين المحكمة التي تفصل فيها إلى محكمة النقض منعقدة بهيئة جمعية عمومية يحضرها على الأقل أحد عشر مستشارًا من مستشاريها.
وتختص هذه المحكمة كذلك بالفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادر أحدهما من إحدى المحاكم والآخر من محكمة القضاء الإداري أو إحدى محاكم الأحوال الشخصية).
المادة (20): (يترتب على رفع الطلب إلى المحكمة المنصوص عليها في المادة السابقة وقف السير في الدعوى المقدم بشأنها طلب تعيين المحكمة المختصة.
وإذا قدم الطلب بعد الحكم في الدعوى فلرئيس هذه المحكمة أن يأمر بوقف تنفيذ الحكمين المتناقضين أو أحدهما).
المادة (21): (يرفع الطلب في الأحوال المبينة في المادة (19) بعريضة تودع قلم كتاب محكمة النقض تتضمن عدا البيانات المتعلقة بأسماء الخصوم وصفاتهم ومحل إقامته موضوع الطلب وبيانًا كافيًا عن الدعوى التي وقع في شأنها التنازع أو التخلي.
وعلى الطالب أن يودع مع هذه العريضة صورًا منها بقدر عدد الخصوم مع حافظة بالمستندات التي تؤيد طلبه ومذكرة.
وعلى قلم الكتاب إعلان الخصوم بصورة من هذه العريضة مع تكليفهم الحضور في الجلسة التي يحددها رئيس المحكمة ولهم تقديم مستنداتهم ومذكراتهم قبل اليوم المحدد لنظر الدعوى، ولا تحصل رسوم على هذا الطلب).
المادة (22): (تفصل النقض في الطلب على وجه السرعة بعد سماع أقوال النيابة العامة)، راجع أبحاث الأستاذ محمود يوسف القاضي رئيس نيابة الاستئناف بلجنة التشريع والقضاء.

تعليقات على الأحكام (بحثان من أبحاث المرافعات في التنفيذ العقاري)

مجلة المحاماة

أبحاث قانونية وشؤون قضائية
التعليقات على الأحكام
حكم محكمة المحلة الكبرى الجزئية الصادر بتاريخ 8 فبراير سنة 1923
بحثان من أبحاث المرافعات في التنفيذ العقاري

( أ ) اختصاص القاضي الجزئي بنظر دعاوى بطلان زيادة العُشر وإجراءاتها ؟
(ب) فيمن له الحق بتقرير الزيادة المذكورة في حالة بيع العقار لعدم إمكان القسمة عينًا. الموضوع: عقار مشترك، رفع أحد الشركاء فيه دعوى بطلب القسمة القضائية Action en partage en justice لأن بينهم قاصرًا (م 452) مدني أهلي [(1)] ومحكمة المحلة الجزئية عينت خبيرًا لتقدير وتقويم الحصص فوجد أن العقار غير قابل للقسمة وقدر قيمته بمبلغ 3579 جنيهًا، فاستمر بعد ذلك طالب القسمة في طلب وإجراءات البيع طبقًا لنص المادة (458) مدني حيث جاء (إذا لم تمكن القسمة عينًا تباع الأموال على حسب الأوجه المبينة بقانون المرافعات) وفي مادة (626) مرافعات (يكون البيع بناءً على طلب مريد القسمة) وبعد تحديد يوم البيع رسا المزاد في الجلسة على الطالب بمبلغ 900 جنيه.
قرر أحد الشركاء الآخرين في الميعاد المحدد بالمادة (587) مرافعات (عشرة أيام من يوم البيع) بزيادة العُشر على الثمن الراسي به المزاد ودفع من ذلك الخُمس وأعفته المحكمة من الكفالة (م 575)L’adjudicataire reconnu solvable peut être sa propre caution.
وبعد أن قام مقرر الزيادة بجميع الإجراءات اللازمة للبيع الثاني من نشر وإعلان وتعليق إلخ حضر وكيل الراسي عليه المزاد الأول بجلسة البيع الثانية وطعن بعدم جواز نظر الزيادة المذكورة لأن المزايد شريك والزيادة هنا لا تجوز إلا من أحد أرباب الديون المسجلة أو الدائن الذي بيده سند واجب التنفيذ لأن هذا البيع بيع اختياري.
ومحكمة المحلة للأسف تمشت مع هذا الرأي وأصدرت بالجلسة الحكم الآتي:
حيث إن مقرر الزيادة هو أحد الشركاء في المنزل الراسي فيه المزاد.
وحيث إن بيع العقار لعدم إمكان قسمته تتبع فيه القواعد المقررة لبيع العقار اختيارًا (م 626).
وحيث إن المادة (627) مرافعات تنص على أنه في هذه الحالة لا يجوز قبول زيادة العُشر إلا من أرباب الديون المسجلة أو الدائن بسند واجب التنفيذ.
وحيث إن الشريك ليس أحد هؤلاء.
فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بعدم قبول الزيادة الحاصلة من (….) وألزمته بالمصاريف ومائتين قرش أتعاب محاماة.
نحن في تعليقنا على هذا الحكم نجد أنه أخطأ في نقطتين:
أولاً: دعوى بطلان زيادة العُشر الحاصلة هنا ليست من اختصاص القاضي الجزئي.
لقد نصت المادة (603) مرافعات على أن (تقدم دعاوى بطلان المزايدة الثانية وإجراءاتها إلى المحكمة الابتدائية أو الجزئية حسب الأحوال لغاية النشر عن البيع الثاني).
والذي يستنتج من هذه المادة أمرين:
1 - دعاوى بطلان فيما يختص بالمزايدة الثانية وإجراءاتها قبل النشر عن البيع، وهذه أما أن تكون قيمتها أقل من 150 جنيهًا أو أكثر فإن كان الأول فالنظر في الدعوى يكون للمحكمة الجزئية، وإن كان الثاني يكون للمحكمة الابتدائية.
2 - دعاوى بطلان خاصة بالإجراءات ابتداءً من النشر كما لو كان عمل في صحيفتين أم لا والإعلان واللصق إلخ، فهذه الدعاوى كلها من اختصاص قاضي البيوع الذي هو القاضي الجزئي بالمحكمة الجزئية، وهو إنما أعطى حق النظر فيها منفردًا لأنها كلها مسائل تتعلق بأمور إدارية محضة ولا تتعرض للقانون أو الموضوع أي (Question de forme) مسائل شكلية.
وإذن يتعين أن ننظر هل كان موضوع دعوى البطلان هنا أحد هذه المسائل الشكلية ؟ اللهم كلا ! إن موضوع الدعوى هو هل يجوز للشريك في حالة بيع العقار لعدم إمكان القسمة عينًا أن يقرر بالزيادة عُشر الثمن أم لا ؟ هذه نقطة قانونية محضة وقيمة النزاع تزيد على 150 جنيهًا فيكون حتمًا الاختصاص بالنظر من متعلقات المحكمة الابتدائية.
وبناءً عليه تكون محكمة المحلة لم تراعِ القانون في هذه النقطة وحكمت فيما هو خارج عن اختصاصها، ويكون حكمها في غير محله.
ثانيًا: فيمن له الحق بزيادة العُشر في حالة بيع العقار لعدم إمكان القسمة ؟

La surenchére du dixiéme en matiére de vente d’immeuble qui ne peut être partagé.

لقد طبقت محكمة المحلة القانون على ظاهره أيضًا في هذه النقطة دون أن تنظر لترتيب المواد أو تفسير الشراح أو أحكام المحاكم، وإننا بمناقشة الحكم الذي أتينا على حيثياته آنفًا نجد أنه اعتمد على المادة (626) في أنها صريحة بأنه (إذا لم تمكن قسمة العقار بغير ضرر يباع على حسب القواعد المقررة كبيع العقار اختيارًا) ثم أردفها مباشرةً بالمادة (627) وقال إن هذه تمنع زيادة العُشر في البيع الاختياري إلا من أرباب الديون المسجلة أو الدائن بسند واجب التنفيذ، وعليه تكون هذه الزيادة في البيع لعدم إمكان القسمة باطلة. ونحن نلاحظ على ذلك ما يأتي:
1 - ترتيب المواد لا يسمح بالإحالة من المادة (626) إلى المادة (627) التي منعت زيادة العُشر في حالة البيع الاختياري. وذلك لأن المواد الخاصة بإجراءات البيع الاختياري جاءت في مادة (620) مرافعات، فمادة (626) تحيل عليها وهذه المادة (620) قررت أن البيع الاختياري يحصل بالأوجه المعتادة أي على التعميم وتلك الأوجه هي التي سبق ذكرها في البيع الجبري وتشمل الحق بزيادة العُشر لكل إنسان (م 578) وأما مادة (667) فقد جاءت بعد ذلك على سبيل الاستثناء من القاعدة العامة، ولو كان الشارع أراد أن يستثني البيع لعدم إمكان القسمة لكان نص عليه أيضًا كما نص على الأول وحينئذٍ تكون القاعدة هي إباحة الزيادة لكل إنسان والاستثناء هو القصر على فئة مخصوصة والقاعدة الشرعية (كما قال حكم محكمة كفر الزيات رئاسة مصطفى بك النحاس 21 فبراير سنة 1916 مج سنة 16 صـ 151) هو أن (الاستثناء يقيد بنصه ولا يتوسع فيه).
2 - من وجهة التفسير - إن الادعاء بأن البيع لعدم إمكان القسمة بيع اختياري فيه شيء من مخالفة الحقيقة لأن ما جاء بمادة (626) مرافعات من أنه (تتبع في هذا البيع القواعد المقررة لبيع العقار اختيارًا) لا يستفاد منه أن هذا البيع اختياري إنما المقصود هو اتباع الإجراءات التي ذكرت في طريقة البيع الاختياري كإيداع قائمة شروط وروابط البيع مقدمًا بقلم كُتاب المحكمة وجواز تعيين الثمن الأساسي للمزايدة وإعلان قائمة الشروط لأرباب الديون المسجلة وعمل النشر والإعلان إلخ. ولذا جاء بالنص الفرنسي لهذه المادة procédé á la vente فحقيقة هذا البيع هو أنه بيع جبري لأنه متى طلبه أحد الشركاء لا يمكن الرجوع فيه وعلى ذلك تكون زيادة العُشر فيه جائزة لأن هذا حق من الحقوق ولم يوجد ما يلغيه.
رأى البعض أن هذا ليس هو البيع الجبري المعروف بنزع الملكية ونحن نرد على ذلك بأنه أيضًا ليس البيع الاختياري الذي يمكن الرجوع فيه وأنه أيضًا محتم أن يباع العقار إذا لم تمكن قسمته لأنه لا يجبر أحد على الشيوع كما سبق أن أسلفنا فهو بيع جبري على الشركاء.

أقوال الشراح والقضاء ومنشور لجنة المراقبة القضائية

وممن يؤيد هذا الرأي من الشراح ومن أخذنا عنهم الدكتور أبو هيف بك في مؤلفه التنفيذ والتحفظ صـ 648 بند (1101) تحت قوله الرأي الغالب (ورأي أغلب المحاكم أن هذا البيع تجوز فيه زيادة العُشر من كل إنسان يستطيعها لأنه بيع جبري لا يمكن الشركاء منعه إذا طلبه أحدهم وأن القانون إنما أوجب فيه اتباع إجراءات البيوع الاختيارية لا قواعدها فلا تنطبق أحكام المادة (627) مرافعات التي تقصر زيادة العُشر على طائفة من الدائنين).
وأيضًا الأستاذين قمحة بك وعبد الفتاح السيد بك في كتابهما الأخير عن إجراءات التنفيذ.
وكذلك الأستاذ كامل مرسي بك في كتابه العقود الصغيرة في باب الشركات.
منشور لجنة المراقبة القضائية بتاريخ 21 ديسمبر سنة 1910 مج 12 صـ 294 ومجموعة المنشورات باللغة الفرنسية وملخصه.

La régle speciale de l’article 627 C.C.P. d’après laquelle la surenchère n’est ouverte qu’au profit des creanciers inscrits ou de créanciers porteurs d’un titre exécutoire, ne doit s’appliquer qu’à la vente volontaire dont traite l’art 620 et non à la vente par licitation visée à l’art 626 C.C.P.

وقد أيدت لجنة المراقبة رأيها هذا بحكمين صادرين من محكمة الاستئناف المختلطة وهما.

23 Nov. 1893 B. L. j. VI. P 36
29 Octob. 1910 B. l. J. XII. No. 12

وهناك أحكام أخرى من الاستئناف الأهلي والمختلط هي:
- استئناف مختلط Table Décennale.
- مجموعة العشر سنوات الأولى نمرة (4756).
- مجموعة العشر سنوات الثانية نمرة (4506).
- ومن الاستئناف الأهلي 3 يناير سنة 1901 مج 2 صـ 339 وهذا بخصوص الشريك في العقار فله (إذا بيع العقار لعدم إمكان قسمته عينًا جاز لكل من الشركاء أن يطلب إعادة البيع بزيادة العُشر فيه) - وأيضًا 27 سبتمبر سنة 1909 مج 12 صـ 23.
وهذا الرأي على ما نعتقد موافق لمصلحة الشركاء بل فيه منفعة كبرى لهم لما في اتباعه من زيادة وارتفاع قيمة العقار فتزداد بذلك أنصباؤهم، ويجب على القضاء العمل به خصوصًا في حالة وجود القصر وعديمي الأهلية بين الشركاء فإنه يتعين على المحاكم أن تجيز الزيادة من كل إنسان كان في مثل هذه البيوع حتى تتحقق العدالة لمن لم يبلغ الرشد ولا يغتاله شريك آخر بأن يشتري العقار عند رسو أول مزاد بثمن بخس وهذا لا أشك أنه موافق لروح التشريع وللنظام العام.
مختار الشريف
المحامي

طرق إصلاح نظام التحضير

مجلة المحاماة
السنة العاشرة - 1929، 1930

بحث في طرق إصلاح نظام التحضير وتعميمه أمام القضاء الأهلي الجزئي والكلي والاستئنافي

ترمي قوانين المرافعات إلى إيصال الحقوق لأصحابها بأسهل الطرق وأسرع والإجراءات وأقل المصاريف هذه غاية المرافعات ورغبة المتقاضين وواجب المشرع.
وإذا كانت فكرة الإصلاح مقصورة الآن على إعداد نظام للتحضير يهيئ للدعوى سبيلها حتى تحال على المرافعات صالحة لها ممهدة للأحكام صدورها فسنبين السبيل الذي نراه في هذه المرحلة الأولى من مراحل الإجراءات أوفى بالغرض وآكد في النتيجة.
نعم لن تكون لهذه المرحلة وحدها كل القوة التي تكون لها لو أن الإصلاح جاء عامًا شاملاً حيث نرى عيوب قانون المرافعات كثيرة ووجوه النقص فيه متعددة لكنه مع ذلك أسٍ قوي مكين لا يستطيع قانون أن يؤدي وظيفته بدونه ولا يقوى على تحقيق غرضه إذا لم يقم هذا الدور منه على أساس متين.
والبحث يدعونا إلى تقديم كلمة موجزة عن مشروع لجنة الإصلاح.
اطلعت على مشروع هذا القانون بجريدة الأهرام الصادرة في 10 مارس سنة 1927 فوجدته ينقسم إلى ثلاثة أبواب.
الباب الأول من المادة الأولى إلى المادة (15): هو صورة من قانون التحضير الحالي مع تعديل بسيط في مواده فيما يختص بالغرامة وإضافة فقرة على المادة التاسعة توجب تحويل قضايا على كل جلسة بقدر ما تستطيع المحكمة نظره فيها وكذلك إضافة المادة (15) التي تنص على أن ترفع قضايا معينة إلى المحكمة بدون تقديمها إلى قاضي التحضير وهي الدعاوى المستعجلة بنص القانون ودعاوى نزع الملكية ودعاوى استحقاق العقار الفرعية وكنا نأمل بعد أن ثبت بالعمل ضعف نتائج هذا القانون وتبين أن قوته على تلافي كثرة التأجيلات مستحيلة كنا نأمل أن نفكر اللجنة في إصلاحه إصلاحًا جديًا إن لم تضع لنا قانونًا جديدًا.
لقد أضافت إليه اللجنة بابًا ثانيًا يشتمل على المواد (16) و(17) و(18).
ثم بابًا ثالثًا هو باب الأحكام العامة ومن يتأمل يجد أن هذا الباب بقطع النظر عن تتابع المواد وتتالي الأبواب مستقل قائم بذاته جاءت أحكامه في مجموعها شبيهة بالتعليمات الإدارية بعيدة كل البعد عن النصوص التشريعية.
إن طبيعة قانون التحضير بحالته الحاضرة جدبة مستعصية مهما بذر المشرع فيها لن تجد بذوره من ماء الحياة الصحيحة ما يغذيها ونحن شديدو الحاجة إلى قانون صحيح الجسم خصيب التربة يحوط الدعوى بما يضمن الإخلاص في تحضيرها ويبعث في الإجراءات حياة جديدة بأن يكل للقاضي من أمرها بقدر ما ينتزع من الخصوم حرية الخطأ في إدارتها وسياسة التسويف والمماطلة في السير بها هذه خطتنا في الإصلاح ندل الآن على طريقة تحقيقها ولنبدأ بالقضاء الكلي نتكلم فيه.
أولاً: عما يجب اتباعه من الإجراءات بمجرد تقديم الدعوى إلى المحكمة حتى جلسة التحضير.
ثانيًا: جلسة التحضير نفسها:
1 - قاضٍ واحد هو رئيس الدائرة أو أحد أعضائها الذي يقوم فيها بتحضير قضايا الدائرة.
2 - وظيفة هذه الجلسة وبيان اختصاص القاضي الذي يوكل إليه أمرها.
3 - إحالة الدعوى بعد استيفاء تحضيرها على جلسات المرافعات.
ثالثًا: مشروع قانون بهذا النظام:

الإجراءات التي يجب اتباعها من يوم تقديم الدعوى إلى المحكمة حتى جلسة التحضير

من أهم ما يجب لفت النظر إليه أن تكون إدارة الدعوى من يوم تقديمها إلى أن يتم الفصل فيها بيد قاضي الموضوع، بهذا المبدأ نضمن حسن تنفيذ قوانين المرافعات ونصل إلى تحقيق الغرض منها وأول عمل يستوجب تدخل القاضي في أمرها هو تعيين جلساتها وتحديد العدد الذي يقدم منها لكل جلسة من تلك الجلسات لما يقتضيه الأمر من خبرة وحكمة وإذا كانت أولى هذه الجلسات هي جلسة التحضير فلننظر ما إذا أريد بها بحسب مشروع القانون الجديد.
إن هذا المشروع أغفل أمر تحديدها ولم يتعرض له وذلك معناه ترك الأمر كما كان وجرى العمل أن يقوم قاضي التحضير بنفسه بهذه المهمة وذلك عُرف جميل لولا اضطرار القضاة إلى تأديته أداءً آليًا يترتب عليه أن يأتي التحديد غير منتج، إن هذه مهمة من أصعب المهمات تتطلب فطنة وذكاء وحسن تقدير وتقتضي درس القضية درسًا وافيًا ومعرفة المستندات المراد إعدادها معرفة دقيقة وهو ما لا يتيسر للقاضي إلا إذا ألزمنا المدعي أن يبين في عريضة دعواه جميع وجوه الإثبات التي يعتمد عليها في تأييد مدعاة وأن يذكرها دليلاً دليلاً بالدقة والوضوح (تراجع المادة (1) من المشروع الملحق بهذه المذكرة).
بغير ذلك تأتي جداول هذه الجلسات مرتبكة وغير مرتبة ترتيبًا مقصودًا وليس لها ضابط معين وتمتلئ الجلسات بقضايا مختلفة الوصف كثيرة العدد لم يتمكن الخصوم أن يجهزوا لها أوراقهم ومستنداتهم وذلك ما يضطر القاضي مهما وسعت حيلته أن يؤجل جزءًا كبيرًا منها ولن يكون التأجيل إلا إلى جلسات بعيدة لأن جميع الجلسات القريبة تكون مشحونة بالقضايا وليس في تحميل جداولها بأكثر مما فيها إلا زيادة الأمر ارتباكًا… ولكثرة التأجيلات حد تنفذ عنده حيلة قضاة التحضير فيضطرون في النهاية إلى أن يحيلوا القضايا على جلسات المرافعات ولو كانت غير ناضجة التحضير ومثل جلسة التحضير جلسة المرافعات بل هي أشد في ارتباكها وأدهى.. بجداولها قضايا قديمة حددت المحكمة هذه الجلسة لنظرها بقرار تأجيل وقضايا جديدة أحالها عليها قاضي التحضير منها المحضرة ومنها غير ناضجة التحضير وأخرى جاءت مباشرةً عن طريق المحضرين والخصوم كالقضايا المستعجلة وغيرها (المادة (15) من مشروع القانون)… فهل ادعى إلى الارتباك من هذا النظام ؟! إن اشتراك قضاة الموضوع وقضاة التحضير ثم المحضرين والخصوم إن اشتراك هؤلاء جميعًا في إحالة القضايا على الجلسات هو الذي يشل حركة المحكمة ولا يساعد القضاة مهما كان اجتهادهم على الوصول إلى غاياتهم.
أيكفي بعد ذلك أن يُضاف على المادة التاسعة فقرة تقضي بأنه يجب على القاضي ألا يحيل على كل جلسة من القضايا إلا العدد الذي تستطيع المحكمة نظره بدون أن تضطر إلى تأجيل بعضه لضيق الوقت لتكون مرهمًا شافيًا لهذا الجرح الخطير.
إن ذلك لن يغير من الواقع شيئًا.
أن القضاة يعلمون ذلك ولا يجهلونه وهم يبذلون غاية جهدهم في أن تكون قرارات الإحالة حكيمة ما استطاعوا ولكن يتضاءل اجتهادهم أمام فساد النظام وتذهب كل محاولتهم هباءً.
أما عن الجلسة الأولى في المحاكم الجزئية والاستئنافية فلم يأتِ المشرع أيضًا بجديد وذلك معناه ترك أمر هذا التحديد بيد المحضرين والخصوم.
إن تحديد هذه الجلسة وغيرها من الجلسات يجب ألا يكون عملاً ميكانيكيًا فما نشأت الفوضى وما ارتبكت جلسات المحاكم إلا بسبب إهمال هذا التحديد.
وفي اعتقادنا أن الإصلاح لن يكون منتجًا إلا إذا انتزعنا سلطة الخصوم والمحضرين في أمر هذا التحديد وإن نكل ذلك إلى قاضي الموضوع وما كان منها بيد قاضي التحضير نتوصل إلى جعله بيد قضاة الموضوع بأن يكون واحد منهم (هو رئيس الدائرة أو أحد أعضائها) المنوط به تحديد قضايا دائرته في جلسة خاصة للتحضير (وهناك أسباب أخرى ستأتي في باب خاص تستوجب أن يقوم بالتحضير أحد قضاة الموضوع).
بهذا نجعل تعيين الجلسات وتحديد عدد ما يقدم إليها من القضايا بيد واحدة هي يد قاضي الموضوع وبهذا التوحيد في العمل نضمن حسن سيره ونضمن محو التأجيلات التي يسببها ضيق الوقت من نظام الجلسات.
ولنبين الآن طريق العمل بمجرد تقديم عرائض الدعوى إلى المحكمة تحول في الحال على مختلف الدوائر.
ويقوم بعملية التحويل قلم الكتاب أو قلم يخصص لذلك وتنظيم هذا التحويل يكون بتخصيص كل دائرة بنوع معين من القضايا.. أو بنظر قضايا جهات معينة.. أو يكون التخصيص بحسب نمر القضايا فيقدم لكل دائرة عددًا منها بقدر ما يتقدم للأخرى.. أو بحسب الحروف الهجائية لأسماء الخصوم.
وهذا هو رأي حضرات المستشارين بمحكمة الاستئناف العليا بالقاهرة الذي بسطه بالنيابة عنهم للجنة الإصلاح المسيو سودان مكتفين به عن جلسات التوزيع.
وهو رأي عملي وجيه تسير عليه المحاكم النمساوية فلكل محكمة قلم خاص ومهمته استلام جميع ما يقدم للمحكمة وتوزيعه في نفس اليوم أو اليوم التالي على الأكثر على دوائرها وأقلامها المختلفة.
(تراجع محاضرة المسيو بيولا كازولي في المرافعات النمساوية وفيها أبدى إعجابه بهذا القلم وهي منشورة بمجلة مصر العصرية العدد 13 ليناير سنة 1913).
ومتى قدمت هذه العرائض إلى الدوائر يقوم رئيس كل دائرة منها بدارستها وعلى حاصل هذه الدراسة تحدد الجلسة الأولى (تراجع الفقرة الأولى من المادة الثانية من مشروع القانون الملحق بهذه المذكرة).
وفوق أن هذا التحديد لن يكون بعد عملاً ميكانيكيًا لأن أسامة إلمام القاضي بالدعوى وفهمه لموضوعها زيادة على معرفته حقيقة القضايا الأخرى المؤجلة إلى هذه الجلسة وهو ما يساعد على أن يأتي التحديد دقيقًا وتوزيع القضايا على الجلسات عادلاً فوق ذلك فإن الأخذ بهذا النظام يغنينا عن المادة (15), وهي الإضافة الجديدة بحسب مشروع لجنة الإصلاح على قانون قاضي التحضير والتي تقضي بأن ترفع القضايا الآتية إلى المحكمة مباشرةً بدون تقديمها إلى قاضي التحضير.
1 - الدعاوى المستعجلة بنص القانون.
2 - دعاوى نزع الملكية.
3 - دعاوى استحقاق العقار الفرعية.
لأنه إذا كانت طبيعة هذه القضايا تتنافر تنافرًا كليًا مع إحالتها على التحضير بحسب نظامه الحالي الذي يعطل سير الدعاوى من غير شك نوعًا ما والذي شرع اختصاصه لأغراض محدودة معينة ولم يشرع ليؤثر على إجراءات هذا النوع من القضايا التي لا يصح أن تسلك سبيل الدعاوى العادية فلن يكون في الأمر بحسب هذا النظام الجديد الذي نتقدم به داعيًا لهذا التحديد إذ ستعرض جميع عرائض الدعاوى على رئيس الدائرة فيحدد للمستعجل منها جلسة مرافعات وكذلك للقضايا التي تتوقف أهميتها على سرعة الفصل فيها وتقضي طبيعتها سرعة نظرها ولو أنها ليست مستعجلة بنص القانون وسيراعى بالطبع أنها لا تحتاج كغيرها من القضايا إلى تحضير (تراجع المادة (3) من المشروع الملحق بالمذكرة)..
هذا النوع الأخير من القضايا مع أنه سهل بسيط سوى نظام التحضير الحالي في الإجراءات بينه وبين أصعب القضايا وأكثرها تعقيدًا, فنرى قضية مبناها سند رسمي أو سند عرفي غير متنازع فيه أو كمبيالة تتعثر في إجراءاتها زمنًا طويلاً وتمر بنفس الأدوار التي تمر بها قضية ملكية عقارات متشعبة الأطراف ومترامية الذيول…، ونحن لا نستطيع الاعتراض على المشرع في أنه لم يجعلها مما نصت عليه المادة (15) الجديدة فترفع إلى المحكمة مباشرةً بدون تقديمها إلى قاضي التحضير إذ لا قدرة للشارع على تعيينها ولا مجال له في تحديدها.
وفي اعتقادنا أن ترك الأمر كله لفطنة القاضي وحسن تقديره أصوب وأضمن ولا نظن القضاة يدعون قضية تتخطى جلسة التحضير إلى جلسات المرافعات إلا إذا كانت ظروفها تدعو لذلك وطبيعتها تقتضيه ولأن عاقبة تسامحهم أو تهاونهم ما يلقونه أمامهم من قضايا غير ناضجة في جلسات المرافعات.
عيوب الشكل:
وليس ما قدمنا كل ما نستفيده من تدخل القاضي في أمر الدعوى وإدارته لحركتها بمجرد تقديمها فقد يتفق وجود خطأ في شكلها أو نقص أو سهو في بيان ما فيأمر بإصلاحه ونتجنب بذلك أمرًا قد كان يدعو إلى البطلان خصوصًا وقانون مرافعاتنا يعطي مريد التمسك بهذا الدفع سلاحًا حادًا إذ يسمح له بالتغيب ثم بالتمسك بدفعه في المعارضة أو الاستئناف (المادة (138) مرافعات أهلي)، وهكذا بينما تكون القضية قد اقتربت من نهايتها إذا بها يتهدم بنيانها وينهار كل ما اتخذ في سبيلها من أعمال وإجراءات.
اختصاص المحكمة:
كذلك يتحقق القاضي من اختصاص المحكمة بنظر الدعوى قبل أن يحدد لها جلسة وقبل أن يأمر بالإعلان, ذلك مبدأ المرافعات الحديثة يوجب على المحاكم من تلقاء نفسها مراعاة مسائل الاختصاص، ويوجب عليها كذلك متى تبين لها عدم اختصاصها إحالة الدعوى على المحكمة صاحبة الاختصاص فتصل المحاكم بذلك إلى القيام بالعدالة كما ينبغي إذ تصحح للمتقاضين أعمالهم وتساعدهم على نيل حقوقهم من غير أن تؤاخذهم بما نسوا أو أخطأوا… على عكس هذا المبدأ جاءت قوانيننا (المواد (134) و(25) مرافعات أهلي)، فليس لمحاكمنا أن تحكم من تلقاء نفسها بعدم الاختصاص إلا إذا كان ذلك ناشئًا عن عدم وظيفتها في الحكم…، فإن اعترض على اختصاصها وقضت بذلك لا تستطيع إحالة الدعوى على المحكمة المختصة إلا باتفاق الخصوم.. !! (25 أهلي).
فماذا أدخل المشروع على هذه القواعد الفاسدة من التعديلات ؟
في الدعاوى التي تنظر أمام المحاكم الجزئية والاستئناف العليا بقي الأمر فيها كما كان بل أن المواد (16) و(17) و(18) من المشروع الجديد الخاصة بهذه المحاكم فوق إغفالها أمر الاختصاص لا تشير مطلقًا إلى إدخال نظام التحضير أمام هذه المحاكم.
فإذا قضى نحس الطالع على المدعي أمامها بأن يرفع قضية إلى محكمة منها لم تكن مختصة فأبسط ما يفعله المدعى عليه غير المتعنت هو أن يدفع بعدم الاختصاص ولا سلطة للقاضي في إحالة القضية على المحكمة المختصة بدون إعلانات ولا رسوم جديدة إلا إذا اتفق الخصمان !! وهل هذا مقام اتفاق !؟ النتيجة دفع رسوم جديدة لإعلانات وإجراءات جديدة أمام محكمة أخرى قد تكون أيضًا غير مختصة.
أما المتعنت فيتغيب حتى يصدر عليه حكم غيابي ويبدأ في تنفيذه فلا يعارض أو يعارض ولا يحضر ثم يستأنف ويدفع بعدم الاختصاص !! النتيجة لا يستطيع تحملها المشرع، مصاريف دعوى استوت ونضجت في أهم أدوارها ومجهودات وسعى أشهر أو سنين ضاعت كلها على المدعي هباءً ووجب عليه تجديد دعواه.
أما في الدعاوى الكلية فلم يأتِ المشرع بجديد إذ الفقرة الخامسة من المادة التاسعة هي بحرفها أحد نصوص قانون التحضير الحالي (لقاضي التحضير في حالة اتفاق الخصوم الحكم في الدفع بعدم الاختصاص)، ولن يتفق الخصوم…. والنتيجة ضم الدفع على الموضوع لتفصل فيهما المحكمة (المادة 10 تحضير) بل الأدهى من ذلك والأمر أنه يجوز إبداء هذا الدفع لأول مرة أمام المحكمة دون تقديمه لقاضي التحضير (المادة 14 تحضير)، والمحكمة بدورها إن قضت بعدم اختصاصها لن تستطيع إحالة الدعوى على المحكمة صاحبة الأمر (25).
إن ما ينتاب المتقاضين من ضياع ما لهم ووقتهم وجهودهم بسبب عدم الفصل في هذا الدفع وغيره من الدفوع أثناء مرحلة التحضير يوجب علينا أن نحكم نظامنا فلا تصل الدعوى جلسة المرافعات إلا مطهره من كل ما يعرقل سيرها لأن هذه إن لازمتها تعمل على تأخير الفصل فيها وقد لا تزال فيها حتى تفنيها.
لكل ما تقدم نرى أن تعرض عرائض الدعاوى على رؤساء الدوائر ليدرسوها قبل أن يحددوا جلستها الأولى وقبل أن يأمروا بإعلانها ليتبينوا اختصاص المحكمة بنظرها وعدم خلو الخصوم عن الصفة فيها أو كونهم غير أهل للتقاضي وليتأكدوا عدم وجود خطأ في شكلها يدعو إلى البطلان و إلا أمروا بإصلاحه قبل السير بالدعوى.
فإن رأوا العريضة مستوفاة كل شيء حددوا الجلسة الأولى وأمروا بإشارة صغيرة على نفس العريضة قلم الكتاب بإعلانها للخصوم.
أما إن ظهر لهم غير ذلك ورأوا العريضة غير مستوفاة فعليهم أن يعرضوا الأمر على الدائرة بغرفة مشورتها وكذلك من غير حاجة لحضور أحد الخصوم لتقضي إما بتحديد الجلسة وإما برفض ذلك.
(تراجع المادة الثانية من المشروع الملحق بهذه المذكرة).
إننا نتوصل بهذا النظام إلى مساعدة المتقاضين وإرشادهم بتصحيح الأغلاط وبتجنب أسباب البطلان وسقوط الحقوق وبمنع الأضرار التي تنتج عن التمسك الواهي بأهداب النصوص خصوصًا وأن المطلع على أسرار المحاكم عندنا يجد أن مهارة المحامي منحصرة في أغلب الأحيان في البحث وراء مسائل المرافعات الدقيقة يتمسك بها في الوقت المناسب فيهدم دعوى خصمه ويفلت بذلك من سلطان القانون المدني وبدلاً من أن تصرف المحاكم وقتها في البحث في موضوع الحقوق تضطر في نظامنا الحاضر إلى البحث في أوجه البطلان والدفوع الفرعية المختلفة وعلى الخصوص أوجه الدفع بعدم الاختصاص.
ومما تحسن الإشارة إليه هنا أن لائحة ترتيب المحاكم الشرعية (مادة 104) أباحت للمحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها بعدم الاختصاص إن كان سببه أن القضية من خصائص محكمة أخرى أدنى منها أو أن الخصم لا يصح مخاصمته وغير ذلك وهو وجيه من بعض الوجوه ويستدل منه على أن فكرة المشرع تتجه الآن نحو إعطاء المحكمة حق الفصل في هذه المسائل من تلقاء نفسها.
إعلان الخصوم:
قوانيننا لا تبيح الإعلان إلا بواسطة المحضرين وتتجاهل كل الوسائل الأخرى كأنه لا يرجى منها فائدة قضائية أو كان استعمالها محال أن يحاط بضمانٍ كافٍ وقلة عدد المحضرين وكثرة أعمالهم قد تكفي وحدها في كثير من الأحوال لفوات الغرض من الدعوى أو لسقوط الحق بفوات الميعاد من قبل الإعلان.
ومندوبو المحضرين الذين شرعت وظيفتهم لتسهيل أعمال المحضرين فرض عليهم القانون اتخاذ إجراءات معينة إذا لم يراعِ كل إجراء منها وقد تستحيل مراعاته قد يفسد الدعوى ويستوجب البطلان.
هذه بعض آفات النظام الحالي ليس من قصدي هنا أن أشرحها فكل الذين اشتغلوا بالقضاء يعلمونها ولا يجهلون أن التقاضي أمام المحاكم أصبح أمنية المدين المماطل وغاية قد يسعى في بعض الظروف إليها لاعتقاده أن ذلك يستغرق وقتًا أوسع كثيرًا من مهلة يجود بها عليه الدائن، إنما واجبي أن أبين سبيل الإصلاح وأدل على طريق العمل الذي يكفل سرعة إيصال أوراق المرافعات للمتقاضين بما لا يخرج عن نظامنا الحالي ولا يتنافر معه.
قضت المادة الأولى من قانون المرافعات أن كل إعلان أو إخبار يقع من بعض الخصوم لبعضهم يكون بواسطة المحضرين بناءً على أمر المحكمة التابعة لها إلخ فوساطة المحضر لازمة حتمًا لإعلان أوراق المرافعات وإلا ما أمكن التمسك بها على الخصم المعلن وما جاز أن يترتب عليها أي أثر ما مثلاً الخطابات الموصى عليها المرسلة عن طريق البريد لا يعتمد عليها حتى لو كانت مستكملة لبيانات أوراق المحضرين ونحن وإن كنا نرى ضروريًا أن يكون إلى جانب المحضرين من يساعدهم في العمل كما سنبينه إلا أننا نؤيد من هذه المادة وجهة نظر المشرع في عدم إباحته للخصوم أن يتبادلوا الإعلانات وغيرها من أوراق المرافعات مباشرةً عن طريق البريد.
نعم نحن نعلم أن بلادًا غير قليلة تقر طريقة الإعلان بالبوستة وتستخدم أحيانًا كذلك التلغراف والتليفون وليس هذا فقط فإن قانوننا الأهلي له حظه وإن كان ضئيلاً في تقرير الإعلان بهذه الطريقة إذ أجازت المادة الخامسة من القانون نمرة (11) لسنة 1921, المتعلقة بتقييد أجور المساكن استعمال الخطابات الموصى عليها في بعض الأحوال وكذلك نص من بعده القانون الناسخ للقانون الأول على أحوال شتى يستعمل فيها الخطاب الموصى عليه استعمالاً قانونيًا صحيحًا، ولكن بالرغم من كل هذا نرى أن إدخال نظام الإعلان بالبريد كقاعدة لنا طفرة تأباها طبيعة العمل ولا يحتملها النظام الحالي.
إن الإصلاح لا يكون عن طريق نقل نظام أجنبي بجملته مهما ثبت نجاحه لأن طريق النقل محفوف بالمخاطر إنما ما لا خطر فيه ولا ضرر منه أن نتعلم عن القوانين الأجنبية ما يساعدنا على تهذيب قوانيننا على هداها فنعدل فيها أو ندخل عليها ما يبعث في مجموعها حياة جديدة من غير أن تتعارض نصوصها أو تتزعزع أركان وجهتها العامة.
إن قيام المحضرين بواجبهم كما ينبغي أصبح الآن مستحيلاً ولقد شعر المشرع بذلك من قبل فعالج الأمر بالمادة (11) التي تنص على أنه إذا اقتضى الحال إعلان أي ورقة إلى من يكون محله بعيدًا عن مسكن المحضر جاز للقاضي أن يعين أي شخص لتوصيل الورقة المراد إعلانها وجرت العادة أن يكون هذا الشخص مندوب المحضر وبصرف النظر عن الشروط التي يستلزمها القانون لصحة الإعلان بهذه الطريقة نرى أن الفكرة في إيجاد شخص إلى جانب المحضرين يساعدهم ويسهل عليهم أعمالهم وجيهة وقيمة ولكن إن صح فيما مضى أن يكون هذا الشخص مندوب المحضر لما كانت الأعمال التي تزيد عن طاقة المحضرين ويعهد بها إلى هؤلاء المندوبين قليلة واستثنائية فنحن نرى الآن وقد كثرت هذه الأعمال وتزايدت ضرورة أن يقوم بهذه المهمة إلى جانب المحضرين سعاة البريد.
نعم نحن لا نرى أن يتبادل الخصوم الإعلانات والأوراق مباشرةً عن طريق البريد ولكنا ننصح باستخدام البوستة استخدامًا جزئيًا دقيقًا بتكليف سعاتها عن طريق المحكمة أن يؤدوا عمل مندوبي المحضرين فيقوموا بتسليم أوراق المرافعات التي تكل المحكمة إليهم أمر إعلانها إلى المتقاضين.
وفوق أن هذا العمل لا يختلف في طبيعته عن عملهم ولا يقتضي إدخال الفكرة في نظامنا أي تعديل أو تغيير فإننا نصل بذلك إلى تحقيق النتائج التي وصلت إليها القوانين الأجنبية بتقريرها الإعلان بالبريد من طريق عملي آمن عاقبة وآكد نتيجة.
أنه يغلب أن يكون بالبلاد التي بها محاكم مكاتب للبريد فما الذي يمنع أن يمر عمالها بالمحكمة فيستلمون الأوراق التي يراد إعلانها لتوصيلها للمتقاضين ولضبط العمل يوقعون مثلاً على دفتر خاص به بيان كافٍ عن هذه الأوراق على أن يأتوا كذلك عند عودتهم بما يفيد أنهم أدوا هذه الأمانات إلى أهلها على أنه من السهل أن نضع نظامًا محكمًا يحوط العمل بما يضمن الإخلاص في إنفاذه والأمانة في الجري عليه.
إننا نصل بذلك إلى إعلان الأوراق بمجرد تقديمها للمحكمة إذ دورة السعاة يومية وخطة سيرهم معينة ومرورهم كل يوم على جميع أنحاء الدولة مؤكد بعكس المحضرين الذين مهما أكثرنا من عددهم مستحيل أن ينتقلوا إلا إذا تجمعت لديهم مئات الإعلانات والأوراق يعلنونها كلها في دورة واحدة وبحسب خطة السير التي يرسمونها.
إننا ندعو إلى الأخذ بهذا الرأي لنحقق غرضًا من أسمى أغراض المرافعات هو سرعتها ونتجنب بذلك حالة تؤدي غالبًا إلى بطلان جميع الإجراءات التي تمت وتذهب بالمال الذي أُنفق وبالوقت الذي مضى في عملها إدراج الرياح.
وإذا علمنا أن للمصاريف القضائية أمام المحاكم تعريفه ما تركت ورقة من أوراق المرافعات ولا عملاً من أعمالها إلا وضعت عليه رسمًا فادحًا وأن جزءًا كبيرًا من تلك المصاريف يذهب هباءً في أجور انتقال المحضرين ومندوبيهم من بلد إلى بلد ومن قرية إلى قرية وفي بدل سفرياتهم مع أن أعمالهم من أولها إلى آخرها مشكوك بل مطعون في صحتها فكم يتوفر على الناس وعلى خزائن المحاكم من أموال ؟
كذلك ليس في فهم القانون على هذا الشكل قهر لألفاظه على غير معانيها ولا خروج بفكرة المشرع إلى غير ما وضعت له بل ذلك هو الحل العملي الذي تهدينا إليه مقارنة الشرائع ونستفيده من نتائج المشاهدات في منشآت القوانين الأجنبية.
بهذا النظام لا تحتاج القضية من يوم تقديمها إلى المحكمة إلى تحديد جلستها الأولى ثم إعلان الخصوم بها لأكثر من بضعة أيام.
موعد تقديم المستندات:
على الإثبات يتوقف الحكم في الدعوى فإذا لم يقدم الطالب جميع وسائل إثباته من مستندات وغيرها فإن المحكمة تضطر أن تمهله المرة بعد المرة والوقت بعد الوقت حتى يقدم ما لم يقدمه من قبل ولا يبعد عن الفكر أن تأجيل قضية كان يجب أن تنظر في جلسة محددة يجلب الفوضى في إدارة القضاء ويدخل البطء عليه ويضر بحقوق المتخاصمين الآخرين أن الخصوم يجب ألا يتركوا أحرارًا في تقديم مستنداتهم على حسب أهوائهم وفي المواعيد التي توافق أمزجتهم والواجب يقضي أن تقدم جميعها قبل أو جلسة.
ولقد عالجت لجنة الإصلاح الأمر في العبارة الأولى من المادة (16) من مشروعها فنص على أنه يجب على المدعي أمام المحاكم الجزئية وعلى رافع الاستئناف أن يودع مستنداته قبل أول جلسة تحدد لنظر الدعوى، أما المبدأ في ذاته فمعقول ومقبول جدًا ولكن هيهات أن يتحقق النص في العمل، أنه لا يكفي في نظرنا مجرد النص فإن ذلك يبقى غير ذي أثر إن لم يشرع القانون له من الضمانات ما يلزم لحسن التنفيذ، من أجل ذلك نرى أن يكون الزمن المعطى للمدعي كافيًا ليقدم فيه أوراقه ويحضر جميع وجوه أدلته كل هذا بدون تقتير في الوقت ولا إسراف فيه وإلا انقلب اليسر عسرًا على صاحب الحق وأصبحت المرافعات مرذولة ببطئها وتأخيرها.
ومن أجل ذلك أيضًا رأينا أن من واجب القاضي وحده دون الخصوم أو المحضرين تعيين الجلسات، بهذا نضمن أن يكون هذا الأجل منتجًا ونستطيع أن نجعل سير القضايا سريعًا ومحكمًا وتحضيرها عاجلاً والوصول إلى الحكم فيها قريبًا, وبفرض إهمال الخصوم بعد هذا الاحتياط نرى حتى لا يكون على المحكمة حرج في رفض مستند ذي أهمية في الدعوى أن نترك الأمر لتقديرها فإن وجدت عذر المدعي قويًا ورأت من مصلحة سير العدالة قبول المستند قضت بذلك و إلا فصلت في الدعوى على حاصل ما هو أمامها.
ولقد عرض المسيو سودان رأيًا يرمي إلى حجز المستندات بعد الفصل في الدعوى ابتدائيًا ويرى منع تسليمها للمتقاضين حتى يرفع الاستئناف ويتم الفصل فيه إن ذلك لهو التحكم بعينه في الخصوم إذ فيه سلب صريح لحريتهم واختيارهم وتعطيل لأوراقهم ومستنداتهم قد تتسبب لهم من وراءه أضرارًا بليغة.
إن المرافعات ضمانات تحمي المتقاضي من خصمه كما تحميه من تحكم القاضي أو خطئه ولا يغيبن عن المشرع أن القضاة أفراد كباقي الأفراد تختلف طريقتهم في الحكم والإدراك ولا بد لضمان حقوق المتقاضين من ضوابط وأصول يلزم القاضي باتباعها ويستطيع المتقاضي أن يحتمي بها، ضوابط معينة وأصول عادية تمحو الفوضى وتقف أمام الاجتهادات الذاتية التي تجول بخاطر القاضي وتمنعه من العمل برأيه وغرضه وتكفل للمتقاضين حريتهم وتحفظ لهم حقوقهم وتصير القضاء سمحًا كريمًا.

تتمة البحث المنشور في أواخر العدد الثاني
جلسة التحضير

قاضِ واحد هو رئيس الدائرة أو أحد أعضائها الذي يحضر قضايا الدائرة في هذه الجلسة.
إننا إذا قبلنا نظام التحضير باعتباره مفيدًا في ذاته ومنتجًا في تحضير القضايا فالواجب يقضي علينا أن نفكر في الأخذ به على شكل يلائمنا من غير أن نقيد أنفسنا بأي نظام أجنبي معين.
إن القانون الحالي يجعل التحضير أمام قاضٍ خاص فلو أريد تعميمه بحالته الحاضرة أمام المحاكم الجزئية ومحكمتي الاستئناف العليا كاد يكون الأمر مستحيلاً إذ لا يمكن أن نعين إلى جانب القاضي الجزئي قاضيًا للتحضير كذلك لا نرى أن تقتصر مهمة واحد من حضرات المستشارين وهم خيرة قضاتنا على التحضير.
نعم قد يتبادر إلى الذهن أن إيجاد قاضٍ خاص للتحضير يدعو إلى اهتمام هذا القاضي بواجبه ويفيده أيضًا من وجهة أنه يصبح أخصائيًا في عمله وللرد على هذه الفكرة اكتفى بذكر ما جاء بتقرير المستشار القضائي (سنة 1911 صـ 5 نسخة فرنسية)، وبمنشور وزارة الحقانية (المنشور بمجلة المحاماة 1 صـ 47).
(إن هذا النظام وإن يكن خفف من أعمال المحاكم الكلية نوعًا ما إلا أن التحضير طبقًا له بالرغم من وجوب إتمامه أمام القاضي المعين للتحضير لا يتم أمامه بالفعل وأن القضية تؤجل كثيرًا في هذا الدور كما تؤجل كثيرًا من بعد أمام المحكمة لاستيفاء التحضير).
ويظهر كذلك من منشور وزارة الحقانية المشار إليه أن قضاة التحضير مسؤولون عن عدم الاهتمام بأمور جمة هي التي تؤدي إلى هذه النتيجة اكتفي بالإشارة إلى بعضها.
أولاً: التساهل في مطالعة القضايا قبل الجلسة على وجه يكفي لتكوين فكرة من القضية يتسنى معها مناقشة الخصوم مناقشة تؤدي إلى تحديد النزاع أو تقريب مسافة الخلف بينهم.
ثانيًا: الإقلال من الوقت اللازم للتحضير إذ تبين من الإحصاء أن متوسط الوقت الذي تنظر كل قضية فيه في التحضير هو أربع دقائق فقط.
ثالثًا: تأجيل القضايا إلى أيام المواسم المعروفة من قبل وهو ما يجر إلى التأجيل الإداري ثم التأجيل العادي بعد ذلك.
رابعًا: التراخي في استطلاع رأي الطرفين من الخصوم في مدة التأجيل.
خامسًا: الامتناع عن توخي ما يلهم الخصوم أن مصلحتهم تنهض على تنقيص أمد النزاع.
سادسًا: إحالة القضايا على جلسة المرافعة قبل تقديم المستندات في جلسة التحضير وقبل فحصها بمعرفة القاضي والخصوم.
سابعًا: إغفال تطبيق بعض مواد القانون تطبيقًا دقيقًا.
حجج بالغة فهل تغني النذر ؟؟!
إذا كان النظام الحالي لا يحقق الغاية منه وإذا كان هو بذاته عقبة تحول دون تعميم نظام التحضير على الوجه الذي تقره أبسط مبادئ المرافعات الحديثة فلم لا نخرج عنه إلى نظام آخر يتمشى مع حاجتنا إلى قضاء سهل منتج سريع ؟
إن قانون التحضير الحالي لم يتكون بعد تكونًا تاريخيًا حتى يقال بأنه عزيز علينا نتألم لتغييره بل وضع في أيام محدودة وظروف معينة وأجبر المتقاضون على تعرفه واحترامه فكم يكون ارتياحهم إذا تعدل طبقًا لمصلحة العدالة وبنيت أسسه من جديد على قواعد تضمن وصول الحق إلى صاحبه بغير عناء كبير.
إننا نرى أن يقوم بتحير قضايا كل دائرة رئيسها أو أحد أعضائها في جلسة تخصص لذلك فما يتم تحضيره يحال على إحدى جلسات الدائرة المخصصة للمرافعات.
ويجب كذلك أن يكون للمحاكم الجزئية جلسة خاصة للتحضير تنظر فيها القضايا أمام القاضي الجزئي نفسه على أن يحيل ما يصبح صالحًا للمرافعة على جلساتها الخاصة - بهذا نستطيع تعميم نظام التحضير من طريق عملي منتج ونتجنب بذلك نتائج الإهمال التي تنشأ عن إيجاد قاضٍ خاص.
وقد يقال أيضًا إن تكليف رئيس الدائرة أو أحد أعضائها بمهمة التحضير عبء ثقيل على القضاة يضيق عنه وقتهم ولكنا نرى ذلك الاعتراض غير صائب خصوصًا إذا أمعنا النظر قليلاً.
إننا إذا جعلنا لكل دائرة في كل أسبوع جلسة خاصة للتحضير وتناوب القيام بأمرها الأعضاء الثلاثة على التوالي لكان نصيب كل قاضٍ من هذا العمل جلسة واحدة في كل ثلاثة أسابيع ونظننا لا نكون فرضنا بذلك عليهم فرضًا ينبو عنه واجبهم أو تذهب معهم راحتهم.
على أننا لو أمعنا النظر أكثر نجد أننا لم نضف في الواقع إلى عملهم الحالي عملاً جديدًا فالقاضي الجزئي يقوم الآن بكل شيء وما تكليفه بتحضير قضاياه في جلسة خاصة إلا تنظيمًا لعمله تعود من ورائه أحسن النتائج.
كذلك شأن محكمتي الاستئناف إذا طلبنا إلى رئيس إحدى دوائرها أو إلى عضو من أعضاء تلك الدائرة أن يقوم وحده في جلسة خاصة بتحضير قضايا الدائرة لا نكون كلفناه عملاً جديدًا لأن نفس هذا العمل كان يمر عليه في الجلسات ليفصل فيه مع زملائه، وإنما نرفع بذلك عن زميليه عبء الاشتراك معه في الفصل في هذه المسائل التي ستكون من وظيفة جلسة التحضير.
أما المحاكم الكلية فسيكون قضاة التحضير الحاليين أمامها دوائر جديدة تخفف من أعمال الدوائر الحالية بقدر ما سنكلف به أعضاءها من أعمال التحضير.
إننا نذكر على سبيل المثال بعض النتائج التي نصل إليها لو منحنا القاضي فيها حق إصدار الأحكام في القضايا الغيابية وفي القضايا التي يقر فيها المدعى عليه بصحة المدعى به وفي القضايا التي يصطلح فيها الخصوم والتي يقتنع المدعي فيها بما أبداه المدعى عليه من الوجوه أو الدفوع فيتنازل عنها.
إن ما يصفى من القضايا بهذا الشكل في التحضير سيبلغ على الأقل ثلثي مجموع القضايا المقدمة للمحكمة فيكون الباقي وهو ما قاوم فيه المدعى عليه وتمسك بأوجه أوليه أو بدفوع موضوعية مقدار الثلث فقط وهذا هو الذي ستهتم به الدائرة كاملة ويكون وحده موضوع النظر في جلسات المرافعات.
وهذه بعض الإحصائيات المأخوذة عن المحاكم النمساوية تؤيد ما نقول.
أنواع الأحكام الصادرة في القضايا أمام المحاكم الجزئية الآتية سنة 1900

اسم المحكمة
مجموع الأحكام الصادرة سنة 1900
أحكام غيابية وفي قضايا اعترف فيها الخصم
صلح
أحكام في مواجهة الخصوم
أنواع أخرى من الأحكام

فينا
66562
47.9
15.6
4.0
32.5

سالسبرج
2043
30.0
29.9
14.2
25.90

شتيرمارك
16780
31.6
23.3
11.9
23.2

كارنتن
5126
22.4
40.3
12.7
24.6

كراين
10516
21.1
47.0
10.0
21.9

تيرول
9857
27.3
33.5
9.5
29.7

دالماشين
9254
20.8
35.5
12.2
31.5



أنواع الأحكام الصادرة في القضايا أمام المحاكم الجزئية الآتية سنة 1910

اسم المحكمة
مجموع الأحكام الصادرة سنة 1910
أحكام غيابية وفي قضايا اعترف فيها الخصم
صلح
أحكام في مواجهة الخصوم
أنواع أخرى من الأحكام

فينا
90460
49.6
11.9
5.1
33.4

سالسبرج
2595
46.1
17.3
13.3
23.3

شتيرمارك
20493
38.4
23.3
13.3
25.0

كارنتن
5746
32.5
25.2
14.0
38.3

كراين
6876
33.2
23.0
17.5
26.3

تيرول
13653
33.8
24.4
12.2
29.6

دالماشين
14188
22.4
31.5
12.8
33.3



أنواع الأحكام الصادرة في القضايا أمام المحاكم الابتدائية الآتية سنة 1900

اسم المحكمة
مجموع الأحكام الصادرة سنة 1900
أحكام غيابية وفي قضايا اعترف فيها الخصم
صلح
أحكام في مواجهة الخصوم
أنواع أخرى من الأحكام

فينا
7858
22.4
23.9
17.2
37.2

سالسبرج
340
33.8
18.0
19.4
28.8

شتيرمارك
2226
32.1
21.5
41.7
31.8

كارنتن
679
27.1
15.0
9.3
48.6

كراين
552
29.9
22.1
14.9
33.1

تيرول
1134
28
12.1
16.2
34.7

دالماشين
609
20.9
23.0
23.8
32.3



أنواع الأحكام الصادرة في القضايا أمام المحاكم الابتدائية الآتية سنة 1910

اسم المحكمة
مجموع الأحكام الصادرة سنة 1900
أحكام غيابية وفي قضايا اعترف فيها الخصم
صلح
أحكام في مواجهة الخصوم
أنواع أخرى من الأحكام

فينا
13266
24.1
19.9
16.9
39.1

سالسبرج
466
37.1
15.2
15.5
33.2

شتيرمارك
3382
34.2
19.5
14.3
32.0

كارنتن
1083
30.8
11.4
15.9
41.9

كراين
907
33.4
9.5
20.7
30.4

تيرول
2007
30.2
19.2
12.3
38.3

دالماشين
968
20.9
14.3
23.7
41.1


يراجع في هذه الإحصاءات وغيرها الجزء الثالث من كتاب قوانين المرافعات للأمم المتمدينة.
(عمل تمهيدي لإصلاح قوانين المرافعات الألمانية سنة 1927, برلين صفحات 391 و92 و93).
تلك بعض الأسباب التي تدعونا إلى التمسك بأن يكون التحضير بيد أحد قضاة الموضوع خصوصًا إذا علمنا أن هذا النظام يترتب عليه أيضًا سهولة اتصال القاضي القائم بعملية التحضير بزميليه الآخرين واستطاعته الاستئناس برأيهم فيما يشكل عليه أمره أو استصداره أحكامهم بصفة غرفة مشورة في بعض المسائل التي قد ينص القانون فيها على ذلك إذا وجد المشرع من الأصوب ألا يفصل فيها قاضي التحضير وحده.
وسبق أن بينا ضرورة وجوب أن يكون تعيين الجلسات وتحديد عدد ما يقدم إليها من القضايا بيد قاضي الموضوع حتى يجيء التحديد منتجًا وتوزيع القضايا على الجلسات عادلاً وتبين أن ذلك لن يتحقق إلا إذا انتزعنا من يد المحضرين والخصوم هذه السلطة ووكلنا أمرها إلى قاضي الموضوع وما كان بيد قاضي التحضير الحالي نتوصل إلى نقله إلى قضاة الموضوع بأن يناط بواحد منهم أمر التحضير وبهذا التوحيد في العمل نضمن حسن سيره ومحو التأجيلات التي يسببها ضيق الوقت من نظام الجلسات ونظن أن الوصول إلي هذه النتيجة وحدها ليس بالشيء الهين ولا بالأمر اليسير.

وظيفة جلسة التحضير

(تراجع المادة الخامسة من مشروع القانون الملحق بهذه المذكرة)
ليست هذه الجلسة بمستقلة عن باقي الجلسات الأخرى التي تمر بها القضية من يوم أن تقدم إلى المحكمة حتى يتم الفصل فيها شأن جلسات التحضير بحسب النظام الحالي بل هي إحدى هذه الجلسات تمتاز بأنها أولها وأنها خصصت لتحضير القضايا فيها وتقتصر مهمتها على ما يأتي:
أولاً: السعي في الصلح بين الخصوم.
قوانيننا تنص في بعض الأحوال على وجوب توسط القاضي في الصلح وهو في بعض الأحوال الأخرى جائز تقوم به المحاكم تارة من تلقاء نفسها وتارة تسعى فيه بناءً على اقتراح أحد الخصوم، ونحن نرى أن يكون السعي في الصلح واجبًا وأن يقوم به القاضي في جلسة التحضير ونرى في المحاكم الجزئية بنوع خاص وجوب قيام القاضي الجزئي بذلك دون محاكم الأخطاط لأن هذا الاختصاص في مسائل الصلح عبء ثقيل على هذه المحاكم أثبت العمل أنها لم تحسن القيام به فوق أن في ذلك تعقيد في الإجراءات لا مبرر له.
إن القاضي سيكون موفق السعي في هذا الصلح إذ إلمامه بالدعوى باطلاعه على صحيفتها وقدرته وتجربته تمكنه كلها على القيام بهذا الواجب على أحسن وجه.
ثانيًا: لإبداء أوجه الدفاع بعدم الاختصاص والدفع بطلب إحالة الدعوى إلى محكمة أخرى مرفوعةً إليها تلك الدعوى أو دعوى أخرى مرتبطة بها - نرى وجوب إبداء هذين الدفعين في هذه الجلسة وإلا سقط الحق في التمسك بهما لأنه إذا كان من العدل أن تقبل الدفوع الموضوعية في أية حالة كانت عليها القضية بحجة أن المدعي غير محق في دعواه فليس من العدل أن يبقى مهددًا بهذه الدفوع في كل أدوار القضية، فإذا قررت المحكمة قبولهما أحالت القضية من تلقاء نفسها على المحكمة المختصة ولقد بينا حكمة ذلك من قبل.
ثالثًا: إبداء الدفع بعدم صحة الدعوى والدفع بعدم الاختصاص المتعلق بالنظام العام، وكما يجوز إبداء هذه الدفوع بهذه الجلسة يجوز كذلك إبداؤها أثناء سير القضية وللمحكمة أن تحكم فيها من تلقاء نفسها, وفي أية حالة كانت عليها الدعوى فأما الدفع بعدم الاختصاص المتعلق بالنظام العام فالأمر فيه مفهوم وأما الدفع بصحة الدعوى فنرى أن تحكم فيه المحكمة من تلقاء نفسها لأنه إذا كان ذلك واجب عليها عند غياب الخصوم فيجب أن يكون الأمر كذلك عند حضورهم إذ القاضي ملزم بالبحث عن الحقيقة فيحكم بها كما هي لا كما يصورها أمامه أحد الخصوم وجهل خصم أو قصوره عن استعمال وجوه دفاعه يجب ألا يغير من الواقع شيئًا.
رابعًا: الحكم في القضايا التي يحصل فيها إقرار أو تنازل أو غياب.
إن الكثير من القضايا التي تقدم للمحاكم ليس النزاع فيها بمستحكم أو بمستعصٍ وإذا أتيح للقاضي فرصة مواجهة الخصوم قبل جلسات المرافعات فلا شك في إمكانه الفصل فيها ونرى أن يكون ذلك بجلسة التحضير فيقضي في الدعاوى التي يقر فيها المدعى عليه بصحة المدعى به، وكذلك في القضايا التي يقتنع المدعي فيها بما أبداه المدعى عليه من الوجوه أو الدفوع فيتنازل عنها وكذلك في حالات الغياب ولقد بينا نتيجة ذلك وما يعود من الفائدة من ورائه في الإحصاءات السابقة.
خامسًا: الحكم بإيقاف المرافعة في الأحوال المنصوص عنها قانونًا.
سادسًا: الحكم بشطب الدعوى وبإبطال المرافعة وقواعد الإيقاف والشطب والإبطال قانوننا لم تخل عن عبث شديد لكننا نتركها الآن كما هي لأن البحث فيها يخرجنا عن الموضوع.
سابعًا: الحكم بضم دعوى إلى أخرى إذا اقتضى الأمر ذلك.
هذه مهمة جلسة التحضير تظهر لنا الدعوى من كل الدفوع التي تعرقل سيرها فوق أنها ستصفي لنا القضايا السهلة البسيطة فما يبقى بعد ذلك هو الذي تهتم به المحكمة بهيئتها كاملة وتصدر أحكامها فيه.
ولعل أصدق مثل ينطبق على نظام التحضير وجلساته بالشكل الذي نتقدم به هو نظام المستشفيات إذ لا يسمح أولي الأمر فيها لكل من تقدم إليهم بدخولها واحتلال أحد أسرتها فنرى لكل مستشفى طبيبًا كشافًا يرد الذي ليس بهم مرض وأنا يتوهمونه ويصرف أصحاب الأمراض البسيطة بأن يكتب لهم تذكرة علاج أما المرضى الذين يستحقون العناية والعلاج فهم وحدهم الذي يسمح لهم بدخولها.
ذلك هو الذي يجب أن يكون عليه نظام المحاكم فالواجب ألا نسمح لقضية أن تتخطى دور التحضير من غير فصل فيها إلى جلسات المرافعات إلا إذا كان النزاع فيها جديًا يقتضي ذلك.
ويجب ألا نجيز الطعن في هذه الأحكام التي تصدر في هذه الجلسة إلا مع الموضوع لأنه من التعقيد الذي لا مبرر له تفكيك القضية وتقطيع أوصالها بإجازة الطعن في هذه الأحكام.
(المادة (6) من المشروع المرفق بهذه المذكرة).

تأجيل هذه الجلسة

لا يجوز تأجيل نظر الدعوى في هذه الجلسة إلا طبقًا للأحكام التي تسري على سائر الجلسات لأنه إذا كان العدل يقضي أن نعطي الخصوم الزمن الكافي لتحضير دفاعهم وإعداد مستنداتهم وأوراقهم، فالحكمة تقضي ألا نتغالى في الرأفة بهم حتى لا تضيع بين قصور القانون ومطلهم وإهمالهم, وضرورة رعاية هذا المبدأ في جلسة التحضير واجبة وجوبها في الجلسات الأخرى، لأن جلسة التحضير لم تخرج عن كونها واحدة منها تأجيلها فيه تعطيل للدعاوى وتأخير ليوم الفصل فيها وفيه ضرر على سائر القضايا الأخرى, يجب ألا ينسى المشرع ذلك ولا يفوته أن فترة التحضير ليست إلا جزءًا من الزمن الذي تمكثه الدعوى أمام القضاء حتى يتم الفصل فيها، هذا الجزء يجب أن يكون قصيرًا ما أمكن، وسريعًا ومنتجًا ولا يغيبن عن الذهن أن هذه الجلسة لم تشرع مطلقًا للتأجيل وإنما شرعت للتحضير ومن العبث الذي يجب أن يتنزه عنه القانون أن ينص على الترخيص بتأجيل القضايا فيها إلى أجل يسع تحضيرها وجعلها صالحة للمرافعة (الفقرة الثانية من المادة (7) وكذلك المادة (3) من مشروع القانون) إذ ليس من الحكمة التشريعية أن ندفع التأجيل الآجل بالتأجيلات العاجلة، كذلك لا نرى معنى لهذه الفقرة لأن التحضير يحصل بالجلسة وهو من عمل القاضي ولعل الشارع يرمي بذلك إلى إعداد أوجه الدفاع من أوراق ومستندات ونحن نرى أنه من العبث أن تعقد جلسة لمجرد أن يقول القاضي لأحد الخصوم فيها أجلت لك الدعوى لتحضر مستنداتك وأوجه دفاعك !!! وأولى أن يكون ذلك من يوم إعلان الدعوى، وأن يراعي عند تحديد الجليسة أن هذا الأجل يسع ذلك، أما انعقاد الجلسات بغية تأجيلها فليست غاية يفكر فيها مشرع أو يسعى لها فوق أن ذلك يدعو الخصوم إلى الإهمال كما هو حاصل الآن فلا يجدون في إعداد وسائل دفاعهم بمجرد رفع الدعوى علمًا بأنهم سيمنحون لذلك أزمنة طويلة.
ومن العجب العاجب أن واضعي المشروع ينصون في المادة (16) على أنه يجب على المدعي أمام المحاكم الجزئية وعلى رافع الاستئناف أن يودع مستنداته قبل أول جلسة تحدد لنظر الدعوى الخ، فيحرصون بذلك على الانتفاع بالفترة الأولى بين الإعلان وبين الجلسة ونراهم بأنفسهم يذهبون من النقيض إلى النقيض فيما يتعلق بالمحاكم الكلية, فلم لم يحتموا على المدعي أن يودع مستنداته في المحكمة قبل جلسة التحضير وهي الجلسة الأولى !!؟ أن الانتفاع بهذه الفترة واجب وما كنا بحاجة إلى التدليل على ذلك بعد إقرار المشرع نفسه، ولئن انتهج واضع قانون التحضير الحالي مسلكًا معيبًا فيما مضى فليس لنا عذر في البقاء عليه الآن.
فإن اقتضى الحال تأجيل جلسة التحضير فتسري على الجلسة التي تعين لذلك جميع الأحكام التي تتعلق بالجلسة الأولى.

الرد على الدعوى

إذا لم يفصل في الدعوى في الجلسة الأولى يحدد القاضي للمدعى عليه ميعادًا يحضر فيه رده على الدعوى ويقدمه كتابةً إلى المحكمة بحيث يشتمل على الوقائع التي تبنى عليها اعتراضاته على الدعوى وأن تذكر فيه الأدلة التي يعتمد عليها على أن تذكر دليلاً دليلاً بالدقة والوضوح وأن يرفق مستنداته وأوراقه بهذا الرد فإن لم يكن ذلك ممكنًا فصورها وإلا بين الجهة التي هي بها والموانع التي تحول دون الوصول إليها، على ألا يسمح له بطلب مد هذا الموعد إلا إذا قدم طلبًا بذلك إلى المحكمة قبل فوات الميعاد (المادة (13) من مشروع القانون الملحق بهذه المذكرة).
أما الفائدة التي تعود من وجود هذا الرد في القضية والحكمة من تقديمه قبل جلسات المرافعات فنظنها لا تغيب عن أحد… أن القانون المصري تغالي في مبدأ شفهية المرافعات فقضى بأنها جميعها تكون شفهية وأن المذكرات الكتابية التي أعلنت لا تقيد الخصوم بما جاء فيها وأوجب على القاضي أن يأخذ بكل ما يدور في المرافعات الشفهية ولو لم يكن موجودًا في المذكرات وبذلك يكون حكم القاضي مقتصرًا على ما دار في المرافعات الشفهية وفيها وحدها.
أدى هذا النظام الذي بالغ في مبدأ شفهية المرافعات إلى بطء سير الدعوى وكثرة التأجيل لأن أحد الخصمين أو كلاهما غير مستعد للمرافعة أو لأن القاضي سمع المرافعة في بضع قضايا فلا يستطيع سماعها في الباقي فيؤجله كما هو حاصل الآن.
إن خير المرافعات ما جاز الجمع فيها بين المبدأين (مبدأ شفهية المرافعات ومبدأ المرافعات الكتابية) فالقضايا البسيطة الخالية من أوراق عديدة أو تحقيقات يصعب الوصول إليها لا يوافقها إلا المرافعات الشفهية المحضة على أن تصدر المحكمة أحكامها عقب المرافعات مباشرةً.
أما القضايا الطويلة المليئة بالمستندات والمحاضر والتقريرات والتي تحتاج إلى تحقيقات طويلة فهذه يجب أن تقترن فيها المرافعات الشفهية بمذكرات مكتوبة تجمع شتات الأوراق المقدمة فيها.
تلك فكرة المشروع الذي نتقدم به، فمبدأ الشفهية بالغ حده لدرجة لم نعهدها في أكثر القوانين احتفاظًا بهذا المبدأ أمام المحاكم الجزئية إذ لا نرى في القضاء الجزئي وجوب تقديم مذكرات في كل دعوى بل يترك الأمر في ذلك لفطنة القاضي.
أما في المحاكم الابتدائية والاستئنافية فمزج محكم بين المبدأين حيث نرى وجوب الرد على الدعوى.
فإذا ما أتيح لنا نقض مدني فيجب أن تسود فيه المرافعات الكتابية على أن يكون من حق المحكمة أن تستفسر من الخصوم عن كل ما غمض عليها من مسائل، ذلك لأن أغلب النزاع يكون أمامها في النقط القانونية التي تحتاج إلى دقة وأبحاث علمية، خير ما تصونها المذكرات التحريرية.

إحالة الدعوى على جلسة المرافعات

فإذا ما قدم الرد فحصه الرئيس وحدد بعد ذلك جلسة المرافعات وأمر بإعلان ذلك للخصوم، فإن لم يقدم الرد حدد أيضًا الرئيس هذه الجلسة إما من تلقاء نفسه أو بناءً على طلب الخصم الآخر وتفصل الدائرة في الدعوى على حاصل ما هو أمامها من غير أن تكون مقيدة بقبول الرد بعد فوات الميعاد.

محكمتي الاستئناف الأعلى
وتطبق أمام محكمتي الاستئناف جميع الأحكام والمبادئ السابقة
المحاكم الجزئية

وتتبع أمام المحاكم الجزئية أيضًا هذه الأحكام على أن يقوم القاضي الجزئي بتأدية كل ما هو من اختصاص رئيس الدائرة أو أحد أعضائها.
بقيت كلمة في الموضوع:
هل يسهل أن يحاد في مصر عن تقليد القوانين الفرنسية أو النقل عن القوانين الإنكليزية ؟؟ وإذا كان من السهل ذلك فعلى أي أساس تبنى القوانين الجديدة ؟؟ نعم، يمكن ذلك، ولقد أجاب عن هذا السؤال المسيو بيولا كازولي في محاضرته المنشورة في مجلة مصر العصرية ليناير سنة 1914 بالإيجاب.
كذلك يمكن بسهولة جدًا الأخذ عن قوانين المرافعات النمساوية (تراجع محاضرة المسيو بيولا كازولي الأولى في القانون النمساوي والمناقشات التي حصلت بخصوصها بين جمع محترم من كبار رجال القانون في جمعية الاقتصاد والإحصاء والتشريع والمنشورة في مجلة مصر العصرية ليناير سنة 1913 صفحة 41، وما بعدها)، ولقد أفلح المحاضر في الدفاع عن المرافعات النمساوية دفاعًا متينًا، مفندًا الاعتراضات التي وجهت إليها، ومبينًا أن تطبيق أكثر مبادئها من الميسور جدًا في مصر، لأن هذه المبادئ من طبيعتها سهلة التحقيق ولأنها تتمشى بسلام وبفائدة عظيمة في بلد كمصر لا تسود فيه فكرة الأعمال أو المذاهب الفردية كغيره من البلاد الأوربية.


مشروع قانون بنظام تحضير القضايا
الباب الأول: المحاكم الكلية

المادة الأولى:
1 - يجب أن تشتمل صحيفة الدعوى على الوقائع التي تنبنى عليها طلبات المدعي الأصلية والإضافية مع ذكر كل واقعة منها على حدة بالوضوح التام مع الإيجاز وعلى بيان الأدلة التي يعتمد عليها المدعي لتأييد دعواه مع ذكر كل دليل منها على حدة والدقة.
2 - تسري على صحيفة الدعوى فيما عدا ذلك الأحكام العامة الخاصة بأوراق المرافعات.
المادة الثانية:
1 - توزع عرائض الدعاوى بمجرد تقديمها إلى المحكمة على دوائرها وعلى رئيس كل دائرة أن يحدد الجلسة الأولى لنظرها ويأمر الإعلان.
2 - إذا ظهر لرئيس الدائرة من اطلاعه على عريضة الدعوى وأن المحكمة غير مختصة بنظرها أو تبين له خلو أحد الخصوم عن الصفة فيها أو كونه غير أهل للتقاضي فعليه أن يعرض الأمر على الدائرة بغرفة مشورتها وذلك بغير حضور أحد من الخصوم لتقضي إما بتحديد الجلسة وإما برفض ذلك.
المادة الثالثة:
تلاحظ عند تحديد الجلسة الأولى المدة التي تلزم للإعلان وتسع تحضير المستندات والأوراق.
وفي الدعاوى التي تستدعي طبيعتها سرعة نظرها فيراعي أن يعين لها بحسب ظروفها أقرب جلسة ممكنة.
المادة الرابعة:
يُخطر المدعى عليه بموعد الجلسة بإعلان صحيفة الدعوى إليه ويخطر المدعي بعلم يطلب إليه فيه الحضور أمام المحكمة في هذا الموعد وتقديم أوراقه ومستنداته قبل الجلسة فإذا لم يقدم المدعي مستنداته وأوراقه في هذا الموعد فلا يسمح له بطلب التأجيل بعد ذلك إلا بناءً على أحكام المادة (14) من هذا القانون.

جلسة التحضير
الجلسة الأولى

المادة الخامسة:
1 - تنظر الدعوى في الجلسة الأولى المخصصة للتحضير أمام رئيس الدائرة المقدمة إليها الدعوى أو أمام أحد أعضائها.
2 - تخصص هذه الجلسة لما يأتي:
أولاً: السعي في الصلح بين الخصوم.
ثانيًا: إبداء أوجه الدفع بعدم الاختصاص والدفع بطلب إحالة الدعوى إلى محكمة أخرى مرفوعة إليها تلك الدعوى أو دعوى أخرى مرتبطة بها وإلا سقط الحق في التمسك بها فإن كان الحكم بقبولها أحالت المحكمة القضية من تلقاء نفسها على المحكمة الأخرى.
ثالثًا: إبداء الدفع بعدم قبول الدعوى والدفع بعدم الاختصاص المتعلق بالنظام العام ويجوز إبداء هذين الدفعين أيضًا في غير هذه الجلسة.
رابعًا: الحكم في القضايا التي يحصل فيها إقرار أو تنازل أو غياب.
خامسًا: الحكم بإيقاف المرافعة في الأحوال المنصوص عنها قانونًا.
سادسًا: الحكم بشطب الدعوى وبإبطال المرافعة.
سابعًا: الحكم بضم دعوى إلى أخرى إذا اقتضى الأمر ذلك.
المادة السادسة:
لا يقبل الطعن في هذه الأحكام إلا مع الموضوع.
المادة السابعة:
لا يجوز تأجيل نظر الدعوى في هذه الجلسة إلا طبقًا لأحكام المادة (14) من هذا القانون، وتسري على الجلسة التي تعين لذلك جميع الأحكام المبينة بالمادتين السابقتين (5)، (6).
الرد على الدعوى
المادة الثامنة:
1 - إذا لم يفصل في الدعوى يأمر القاضي المدعى عليه بالرد عليها كتابةً في مدة يحددها لذلك لا تتجاوز أربعة أسابيع بأي حال.
2 - يجب أن يشتمل الرد على الوقائع التي تنبنى عليها اعتراضات المدعى عليه مع ذكر كل واقعة منها على حدة بالوضوح التام مع الإيجاز، وعلى بيان أدلته التي يعتمد عليها في دفع الدعوى مع ذكر كل دليل منها على حدة وبالدقة.
3 - يجب على المدعى عليه أن يودع مستنداته وأوراقه بالمحكمة قبل فوات هذا الميعاد ولا يسمح له بطلب مد الموعد من أجل ذلك إلا طبقًا لما تقضي به المادة (13) فقرة (2) من هذا القانون.
المادة التاسعة:
بمجرد فوات الموعد المعين لتقديم الرد يحدد رئيس الدائرة أو العضو المنوط به التحضير جلسة المرافعات التي تنظر فيها الدعوى ويخطر الخصوم بذلك ويكلفون بالحضور أمام المحكمة بعلم خبر.
الباب الثاني: محكمتي الاستئناف الأعلى
المادة العاشرة:
تطبق أمام محكمتي الاستئناف الأعلى أحكام المواد السابقة.

الباب الثالث: المحاكم الجزئية

المادة الحادية عشرة:
تتبع أمام المحاكم الجزئية أحكام المواد من (1 - 9) من هذا القانون, ويقوم القاضي الجزئي بتأدية كل ما هو من اختصاص رئيس الدائرة أو أحد أعضائها طبقًا للمواد السابقة.

الباب الرابع: مد المواعيد وطلب التأجيلات

المادة الثانية عشرة:
إذا لم يحدد القانون أجلاً لتأدية عمل من أعمال المرافعات وجب على القاضي تحديده مع مراعاة ظروف كل حالة.
المادة الثالثة عشرة:
1 - اتفاق الخصوم على إطالة مواعيد المرافعات غير جائز.
2 - يجوز للمحاكم مد المواعيد القضائية وكذلك مد المواعيد التي حددها القانون بشرط أن يكون قد نص فيها على جواز ذلك صراحةً إذا اجتمعت الشروط الآتية:
أولاً: أن يثبت الخصم الذي أعطى هذا الموعد لصالحه أن عدم قيامه بما كلف به نشأ عن أسباب قوية يجب ذكرها للمحكمة.
ثانيًا: أن تتبين المحكمة أن عدم مد الموعد يضر به.
ثالثًا: أن يقدم طلبًا إلى المحكمة قبل حلول الموعد وعلى المحكمة أن تفصل فيه بغرفة مشورتها ولها أن تستدعي الخصوم لسماع أقوالهم إن رأت ذلك.
المادة الرابعة عشرة:
1 - لا يجوز للمحكمة مطلقًا أن تؤجل القضية إلا في الأحوال الآتية:
أولاً: وجود أسباب قوية ترجع إلى المحكمة نفسها وتقتضي ذلك.
ثانيًا: إذا رأت المحكمة ضرورة إتمام أمر يتعلق بالإثبات لا تستطيع بدونه إجراء المرافعات أو الاستمرار فيها أو الفصل في الدعوى.
ثالثًا: إذا رأت إحضار أوراق ليست في حيازة الخصم على أن يكون قد أثبت أنه عمل ما في وسعه للحصول عليها فلم يستطع ذلك وكان يترتب على عدم التأجير ضرر به.
رابعًا: للمحكمة أن تحكم على من تسبب في التأجيل بناءً على الجزأين ثانيًا وثالثًا السابقين بغرامة طبقًا لأحكام المادة (15) من هذا القانون.
2 - في غير الأحوال المبينة في الأجزاء (أولاً، وثانيًا، وثالثًا) من الفقرة الأولى من هذه المادة يجب على المحكمة أن تفصل في الدعوى على حاصل ما هو أمامها.
المادة الخامسة عشرة:
للمحكمة أن تحكم من تلقاء نفسها أو بناءً على طلب الخصم الآخر بغرامة لا تتجاوز مائتي قرش بالنسبة للمحاكم الجزئية وثلاثمائة قرش بالنسبة للمحاكم الابتدائية، وألف قرش بالنسبة لمحكمة الاستئناف العليا.
طه السيد
المحامي بأقلام قضايا الحكومة

مذكرة النيابة العمومية في قضية الطعن لدى محكمة النقض والإبرام رقم (38) سنة 8 قضائي

ة




مجلة المحاماة - العدد السادس
السنة التاسعة عشرة سنة 1939

مذكرة النيابة العمومية
في قضية الطعن لدى محكمة النقض والإبرام رقم (38) سنة 8 قضائية الوارد حكمها بهذا العدد تحت رقم (325) ص (804) وما بعده

موضوع البحث: ملكية الراسي عليه المزاد معلقة على شرط فاسخ ولا يتحقق هذا الشرط إلا بحكم يصدر برسو المزاد بعد إعادة البيع أو بعد زيادة العشر ولا يصح تنازل الراسي عليه المزاد عن الحكم إضرارًا بحقوق الغير.
(لحضرة صاحب العزة زكي خير الأبوتيجى بك رئيس النيابة لدى محكمة النقض الدائرة المدنية)
الوجه الأول من وجوه الطعن:
يتحصل هذا الوجه في أمرين:
أولهما: أن الطاعنين ينعون على الحكم بأنه سار على قاعدة أن ملكية الراسي عليه المزاد هي ملكية معلقة على شرط فاسخ وأن هذا الفسخ لا يتحقق إلا بحكم قضائي يصدر بعد إعادة البيع ورسو المزاد.
ويقولون أن هذا المبدأ خاطئ لأن الراسي عليه المزاد إنما هو مشترٍ عادي يجوز له التصرف في العقار - الراسي عليه المزاد – للغير أو فسخ البيع بالاتفاق مع المالك الأصلي وهو المدين.
والثاني: أن الحكم المطعون فيه قد ذكر قاعدة أن الراسي عليه المزاد لا يجوز أن يتخلص من التزاماته بالتخلص من العقار.
ويعيب الطاعنون على هذا المبدأ.
الرأي عن الشرط الأول:
إن محور الخلاف بين الحكم الابتدائي والحكم المطعون فيه يدور حول نقطة واحدة وهي أن حكم أول درجة يقول بأن ملكية الراسي عليه المزاد هي ملكية معلقة على شرط فاسخ أي أن ملكيته لا تعتبر نهائية إلا إذا وفى كافة شروط البيع وإلا فيجوز لكل ذي شأن أن يطلب إعادة البيع ويقول الحكم المذكور أن هذا الطلب يترتب عليه زوال ملكية الراسي عليه المزاد - وبالتالي ما رتبه على العقار من الحقوق العينية.
ويختلف الحكم المطعون فيه في هذا المبدأ ويقرر أنه ولو أن ملكية الراسي عليه المزاد هي ملكية معلقة على شرط فاسخ إلا أن الفسخ لا يتحقق إلا بالحكم الذي يصدر عند إعادة البيع لمرسى المزاد.
والوقائع في الدعوى تشير إلى أن الراسي عليه المزاد باع 2.5 فدان إلى المرحوم محمد عبد الحليم الراوي وظل هذا واضعًا اليد من سنة 1915 إلى 1928 – وفي سنة 1928 قدم أحد ورثة المدين الأصلي وهو المرحوم محمد عبد الخالق طلب إعادة البيع على ذمة المشتري المتخلف الذي لم يدفع الثمن ولم يصدر حكم بإعادة البيع بل كل ما صدر في الدعوى هو إثبات تنازل الراسي عليه المزاد عن حكم مرسى المزاد لتخالصه مع ورثة المدين وأن القاضي أثبت هذا التنازل.
فهل يزول حكم مرسى المزاد بهذا التنازل مع أنه لم يصدر حكم بإعادة البيع ورسو المزاد مرة ثانية.
إن المادة (587) مرافعات صريحة في أن حكم مرسى المزاد هو حجة للمشتري بملكيته للمبيع - وطالما أنه مالك فيجوز له التصرف في ملكه بالبيع أو غيره وهذا إذا قام بتعهداته ووفى الثمن إلى المدين وأرباب الديون المسجلة - أما إذا أخل بالتزاماته وأعيد بيع العقار ورسا المزاد على شخص آخر فلا شك في أن ملكية العقار تزول عن الراسي عليه المزاد الأول وبالتالي تزول كل الحقوق العينية التي آلت منه إلى الغير وهذا حكم الملكية المعلقة على شرط فاسخ إذا تحقق الشرط.
هذا ولا نرى محلاً لأن نخوض في البحث الذي اختلفت فيه آراء الفقهاء في فرنسا في طبيعة هذه الملكية وهل هي معلقة على شرط توقيفي أو شرط فاسخ لأن محكمتنا العليا قد أغنتنا مؤونة هذا الجدل إذ جاء في حكمها الصادر في 22 يونيو سنة 1932 في قضية الطعن رقم (15) سنة 2 قضائية بصريح العبارة أن حكم مرسى المزاد ينقل الملكية معلقة على شرط فاسخ ومحور الخلاف في هذا الطعن هو هل تحقق الشرط الفاسخ بطلب إعادة البيع أو بإثبات التنازل عن حكم مرسى المزاد أم لم يتحقق؟
أما من الناحية القانونية فقد قالت محكمتنا العليا في حكمها الصادر في القضية رقم (15) سنة 2 ق بتاريخ 2 يونيو سنة 1932 بشأن التقرير بزيادة العشر (أن شرط الفسخ لا يتحقق بمجرد التقرير بزيادة العشر وإنما يتحقق بصدور حكم مرسى المزاد الثاني ومجرد التقرير بزيادة العشر لا يترتب عليه رجوع العقار إلى ملك المدين).
ويجمع الشراح على أن الأثر الذي يترتب على مرسى المزاد بعد زيادة العشر ينطبق تمامًا على الحكم الصادر به بعد إعادة البيع لتخلف المشتري من جهة نقل الملكية (انظر كتاب التنفيذ للدكتور محمد حامد فهمي بند (464) وما بعده).
لذلك جريًا وراء القاعدة التي وضعتها محكمتنا العليا نقول إنه لا تزول الملكية المترتبة على حكم مرسى المزاد الأول بمجرد طلب إعادة البيع بل بالحكم الذي يصدر بمرسى المزاد الثاني.
وهذا الرأي يطابق أقوال علماء القانون في فرنسا (انظر جلاسون جزء (4) ص (767) وكوش في المرافعات ص (251) وجارسونه جزء (5) بند (502)).
وقد حكمت محكمة الاستئناف المختلطة به في حكمها الصادر في 21 يناير سنة 1938 بهذا المبدأ إذ ورد فيه أن إلغاء الحكم الصادر بمرسى المزاد لا يأتي إلا بحكم يصدر برسو المزاد بعد إعادة البيع أو بعد زيادة العشر وتعليل هذا المبدأ ظاهر لأن المنطق يقضي بأن الأثر الذي يترتب على حكم مرسى المزاد الذي تم تسجيله لا يمكن أن يزيله إلا حكم مثله يسجل وفي ذلك وقاية لكل من يتعامل مع الراسي عليه المزاد الأول أو الثاني وفيه أيضًا ضمان لمصالح الدائنين الآخرين لأنه إذا تأخر الراسي عليه المزاد الأول عن دفع ديونهم فلا بد من حكم يصدر برسو المزاد الثاني على آخر يقوم هو بسداد ديونهم من الثمن.
ويترتب على هذا أن الحكم الابتدائي قد أخطأ إذ جاء فيه أن الفسخ وزوال الملكية قد تم بمجرد طلب إعادة البيع ثم التنازل عن حكم مرسى المزاد إذ لم يصدر حكم ثانٍ برسو المزاد ويكون الحكم المطعون فيه على صواب من هذه الناحية.
الرأي عن الشرط الثاني:
التنازل عن حكم مرسى المزاد وأثره
هل يملك من رسا عليه المزاد أن يتنازل عنه حتى تعود الملكية للمدين؟
لا شك في أن الراسي عليه المزاد يملك العقار ومن عناصر الملكية حق التصرف في الشيء المملوك وله كقاعدة عامة أن يتنازل عن حكم مرسى المزاد بمقابل أو بغير مقابل إلى المدين حتى تعود الملكية إليه أو إلى غيره.
ولكن مناط هذا أن لا يكون شخص آخر له حقوق ترتبت على حكم مرسى المزاد ويضره هذا التنازل فإنه لا يسري عليه قانونًا ويكون مثل هذا التنازل بالنسبة إليه res inter alios acta.
هذا المبدأ يستفاد ضمنًا من حكم محكمة النقض والإبرام الصادر في 9 يونيه سنة 1935 في الطعن رقم (45) سنة 4 قضائية إذ جاء فيه أنه إذا لم يكن هناك دائن آخر غير الدائن طالب البيع وهو الذي رسا عليه المزاد الأول ولم يكن لغيره على العين ديون مسجلة يصح أن يقرر أمام القاضي أنه تخالص بحقوقه وتنازل عن حكم مرسى المزاد.
ويؤخذ من هذا الحكم أنه لا يصح التنازل عن حكم مرسى المزاد إذا كان هناك دائنون آخرون كما هو الحال في هذه الدعوى إذ أن محمد عبد الحليم الراوي كان دائنًا مسجلاً كما جاء في الحكم المطعون فيه قبل مرسى المزاد الأول ثم أن الراسي عليه المزاد وفاه دينه بأن باع إليه 2.5 ف من العقار الذي رسا مزاده عليه وملك هذا القدر بمقتضى العقد المسجل في سنة 1928 ولا شك في أن التنازل عن حكم مرسى المزاد وإعادة الأطيان إلى ورثة المدين يضر به أو يزيل أساس تملكه للفدانين ونصف فيصبح غير مالك للأطيان بعد أن أصبح مالكًا ويضيع عليه قيمة ما دفعه من المال ويضطر أن يقيم الدعوى مرة أخرى على المدين لاسترداد ما له ويكون تحت رحمة يسر المدين وعدم إعساره ولا تكون الحال هكذا لو تمت إجراءات البيع وصدر حكم مرسى المزاد الثاني ورسا المزاد على أي شخص آخر الذي يلتزم بسداد الديون من ثمن العقار.
وهذا المبدأ قالت به محكمة الاستئناف المختلطة في حكمها الصادر في 17 ديسمبر سنة 1916 والمنشور في المجموعة سنة 28 ص (159) إذ جاء فيه ما يأتي:

L’adjudicataire, alors même qu’il est le créancier poursuivant, ne peut renoncer, de son autorité privée à l’adjudication, qui consititue un contat entre lui et toutes les parties liées à la procédure.

وجاء أيضًا في حكم تلك المحكمة بتاريخ 21 يناير سنة 1915 والمنشور في مجموعة التشريع والقضاء المختلط سنة 27 ص (134) ما يأتي:

Le jugement d’adjudication ne peut être annulé par un jugement subséquent, et encore moins par une déclaration au proces - verbal de l’audience fixée pour la vente sur surenchére. II ne peut disparaître qu’en vertu d’une nouvelle adjudication sur surenchère ou sur folle enchere.

لذلك يكون الحكم المطعون فيه سليمًا من هذه الناحية القانونية على أن الحكم لم يقف عند هذا الحد بل قد أظهر في أسبابه كيف أن الراسي تحايل وتواطأ مع ورثة المدين لإعادة ملكية الأطيان المنزوعة إليهم بطريق التنازل عن حكم مرسى المزاد واستدل في هذا على الورقة المؤرخة 27 أغسطس سنة 1928 أي قبل الإقرار بالتنازل بيومين والتي جاء فيها أن هؤلاء الورثة تعهدوا له بتحمل مسؤولية هذا الدين وقد توفر التواطؤ والتدليس بكل معانيه إذ يستفاد من هذا المستند أنهم اتفقوا على إجراء هذا التنازل وهم موقنون بالضرر الذي سيلحق بورثة محمد عبد الحليم الراوي في السعي في زوال ملكيته للفدانين ونصف وكان ذلك منهم بسوء نية ويقول المثل اللاتيني المجمع عليه (Fraus omnia corrumpit) أي أن التدليس والغش يبطل التصرف.
لذلك يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب إذ ضرب بهذا التنازل المبني على التواطؤ والغش عرض الحائط واعتبره من التصرفات الباطلة.
والخلاصة أننا لا ننضم إلى الطاعنين في هذا الوجه.
الوجه الثاني:
موضوعه: يقول الطاعنون أن الحكم المطعون فيه اعتبر ورثة محمد عبد الحليم الراوي من أرباب الحقوق المسجلة، والحال أن مركزهم في الخصومة الحالية مركز الدائن الشخصي للراسي عليه المزاد إذ قد اشتروا منه القدر المتنازع عليه بعقد عرفي وقبل تسجيل عقد بيعهم فسخ حكم مرسى المزاد بالتراضي فيما بين المدين باعتباره بائعًا وبين الراسي عليه المزاد بصفته مشتريًا.
ويقولون أيضًا أنه حتى مع التمشي جدلاً مع الحكم المطعون فيه في اعتبار المطعون ضدهم المذكورين من أصحاب الحقوق العينية على العقار فإن تحقيق الشرط الفاسخ يزيل الحق ويعدمه من تاريخ الاتفاق على التنازل.
الرأي: هذا الوجه تفريع على الوجه السابق وعماده الذي يقوم عليه أن الاتفاق على التنازل عن حكم مرسى المزاد يفسخ ملكية الراسي عليه المزاد ويزيلها وقد أوضحنا في الوجه السالف فساد هذا المبدأ وأن التنازل لا أثر له من هذا القبيل.
لذلك لا يكون محل لهذا الطعن.
الوجه الثالث:
موضوعه: ينعى الطاعنون على الحكم بأنه أخطأ في تفسير العقود فأخطأ أولاً إذ اعتبر توقيع اثنين من الطاعنين على عقد البيع الصادر إلى محمد عبد الحليم الراوي ببيع 2.5 ف بصفة شاهدين وسكوت الطاعنين عن مطالبة إعادة البيع من سنة 1915 إلى سنة 1928 أدلة على أن ذلك العقد جاء وليد اتفاق وتسوية بين الأطراف الثلاثة أي المدين وورثته ونازع الملكية والدائن الذي اشترى جزءًا من العقار لسداد دينه، والصواب أن هذا الرضا مع افتراض وجوده لا يمكن أن يؤثر على حقهم في فسخ البيع ما دام الراسي عليه المزاد لم يقم بالوفاء بتعهداته أي سداد باقي الثمن كما أنه لا يجوز على أسوأ الفروض أن يعتبر رضاء بعض الطاعنين على عقد البيع المذكور ملزمًا للباقين الذين لم يوقعوه.
الرأي:
مع التمشي جدلاً وفرضًا مع الطاعنين في هذا الوجه نرى أنه غير مجد وعديم الأهمية كلية لأننا أوضحنا آنفًا أن التنازل لا يزيل حكم مرسى المزاد وبالتالي لا يفسخ ملكية الراسي عليه المزاد طالما أنه لم يصدر حكم برسو المزاد مرة ثانية ويترتب على هذا أن البيع الصادر من الراسي عليه المزاد وانتقال الملكية بناءً عليه بعد التسجيل لا يزال قائمًا والبيع الصادر من المالك الحقيقي يقع صحيحًا ناقلاً للملكية بالتسجيل لصدوره من المالك ولا يتوقف على رضاء بعض ورثة المدين أو كلهم الذين خرجت الملكية من يدهم بمقتضى حكم مرسى المزاد.
لذلك لا يعتد أيضًا بهذا الوجه.
رأي النيابة إجمالاً:
قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع رفضه ومصادرة الكفالة.
رئيس النيابة
زكي خير الأبوتيجى