بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

23 سبتمبر 2011

دعــوى الحيــازة (( جزائر ))

مقدمة:
الحق سواء كان عينيا أو شخصيا ينشأ عن الواقعة القانونية التي تنقسم إلى وقائع طبيعية تقع بفعل الطبيعة ،و إذ لا دخل لإرادة الإنسان في إحداثها .
و لكنها ترتب آثارها في الروابط القانونية القائمة ،ووقائع اختيارية أو إرادية تشمل بدورها أعمالا مادية و أخرى قانونية ،فالأولى مثالها الحيازة موضوع بحثنا بينما الثانية فقد تكون صادرة من جانب واحد كالوصية، أو صادرة من جانبين كالعقد ،فكلها مصادر للحق رتب عليها المشرع آثارا قانونية جعلها أسبابا لكسب الملكية .
و إذن فالمدعي بالحق لا يطلب منه إثبات الحق ذاته ،إذ ذاك يظل فكرة مجردة ،و إنما الذي يطلب منه هو إثبات مصدر الحق الموضوعي و شروطه المتطلبة قانونا و ذلك حتى يكون محلا للحماية القانونية المقررة له ،و التي لا يمكن تجسيدها إلا من خلال استعمال حقه في الدعوى الذي يخول له بمجرد حصول الاعتداء على حقه الموضوعي أو مركزه القانوني .
و لعل أهم مصادر هذه الحقوق و التي نصت عليها مختلف التشريعات في تقنيناتها نجد الحيازة كواقعة مادية يتمتع فيها الحائز بمركز واقعي يحميه القانون لذاته، و يرتب عليها آثارا قانونية قد يصح أن نصفها بالخطيرة ،ذلك أن الحائز لا يستند فيها إلى أي حق ،و هو يجعلها جديرة بأن تكون محل اهتمامنا و موضوع بحثنا هذا، خاصة إذا علمنا أن دوافع حماية المشرع للحيازة إنما تنطلق من اعتبارات تتعلق بأمن المجتمع و استقراره، و ما يقتضيه الصالح العام من عدم الاعتداء على الأوضاع الواقعية القائمة حتى و لو كان المعتدي هو صاحب الحق إذ وجب عليه أن يسلك طريق القضاء للحصول على حقه ،و ذلك أيضا فيه تحقيق لمبدأ استقرار التعامل ،فالحيازة كسبب من أسباب كسب الملكية قد تنطوي على مجافاة لحق المالك ،لكن هذا القول يتلاشى لأن الهدف من ذلك هو الحفاظ على مصلحة الاقتصاد الوطني بتشجيع الحائز على الاستغلال و الاستعمال وعقابا للمالك المهمل على إهماله.
فإذا كان موضوع الحيازة بهذه الأهمية فما هو تعريفها ؟
أمكن تعريف الحيازة بأنها وضع مادي ،فيه يسيطر الشخص سيطرة فعلية على حق من الحقوق سواء كان هذا الشخص هو صاحب الحق، أم لم يكن كذلك ،هذه السيطرة الفعلية تتأتى عن طريق قيام الشخص بأعمال مادية تتفق مع مضمون الحق الذي يسيطر عليه .
و إذن فالحيازة وضع فعلي أو واقعي قد يكون هذا الوضع متفقا مع الوضع القانوني ،بأن يكون الحائز للشيء مالكا له و قد تخالف هذا الوضع القانوني بألا يكون للحائز أي حق على الشيء محل الحيازة و مع ذلك فالحيازة و بصرف النظر عن مطابقتها للوضع القانوني ترتب آثارا قانونية (1) لها أهميتها .
غير أن الذي يهمنا بهذا الصدد ليس الأثر الموضوعي للحيازة باعتبارها سببا من أسباب الملكية إذ ذاك يخرج عن نطاق معالجتنا للموضوع المختار و إنما الذي يعنينا هو دعاوى الحيازة كأثر إجرائي يتمتع به الحائز الذي توافرت لديه شروط الحماية القانونية المقررة للحق الموضوعي .
و عند ذاك كان لزاما علينا للإلمام بموضوع كهذا أن نطرح سؤالين رئيسيين نرى أنهما بما يحتويانه من أسئلة فرعية تجد إجابات لها كما سنبينه لاحقا في طيات هذا البحث قد يلمان بالموضوع على الوجه الذي يجب أن يكون، و الذي نتمنى أن نكون قد وفقنا فيه و هما السؤالان التاليان :
*ما هي الأحكام أو القواعد العامة التي تحكم دعاوى الحيازة؟
* ما هي الأحكام الخاصة بكل دعوى من هذه الدعاوى ؟
و لعل أول ما يقف عليه قارئ هذين السؤالين ،هو كيف أننا أردنا أن ننطلق من العموم و تدريجيا لنصل إلى التفصيل بتناول قواعد كل دعوى على حدى لاختلاف كل واحدة عن الأخرى في نقاط سنراها لاحقا، و اتحاد جميعهم في أحكام مشتركة تجمع بينهم .
فقولنا الأحكام العامة لدعوى الحيازة إنما يعني فيما تشترك هذه الدعاوى ؟
و ذلك انطلاقا من طرحنا للتساؤلات التالية :
* ما هي شروط قبولها ؟
* ما مدى تعلق ذلك بشروط الحيازة و أركانها ؟
* فيما يتجلى نطاق أو مجال ممارسة هذه الدعاوى ؟
* ما هي النتيجة المتوخاة منها ؟
* ما القواعد التي تحكمها ؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة لا تكفي لوحدها كونها تعطينا الإطار العام الذي تبقى كوامنه خفية لا تنجلي إلا بالإجابة عن تساؤلات أخرى تتعلق بكل دعوى من هذه الدعاوى على حدى أشخاصا ،سببا ،و موضوعا و هو ما تناولناه في الفصل الثاني من هذا الموضوع .
و توضيح ذلك كله و بأكثر تفصيل تناوله وفقا للخطة الأتي بيانها فيما يلي:
الفصل الأول :
الأحكام العامة لدعاوى الحيازة :


تتمتع الحيازة بين الأنظمة القانونية بمكانة بالغة الأهمية، ليس من الوجهة النظرية فحسب ،و إنما لما يترتب عليها من أثار خطيرة قد تضعها في مكان الصدارة بين أسباب الملكية، فالحيازة هي عنوان الملكية الظاهر، إذ غالبا ما يكون حائز الشيء هو مالكه، و على من يدعي خلاف ذلك إقامة الدليل العكسي على صحة ادعاءه , و إذن فالحيازة و باعتبارها حالة واقعية قد لا تستند إلى أي حق للحائز، و رغم ذلك فقد كفل لها المشرع الحماية القانونية اللازمة، هذه الحماية لا يمكن تجسيدها بواسطة الوسائل المقررة لها قانونا إلا إذا ألممنا بالقواعد أو الأحكام العامة التي تحكمها و تنظمها كمرحلة أولى لتناولها بأكثر توضيح و تفصيل في المرحلة الموالية، و هو ما سنتطرق إليه في الفصل الأول من موضوع بحثنا، و ذلك بداءة ببيان شروط قبول دعاوى الحيازة بصفة عامة، و مرورا بإبراز خصائصها و التي هي سمات تطبعها و تميزها عن غيرها من الدعاوى الأخرى، لنصل إلى تبيان القواعد التي تطبق على جميع هذه الدعاوى و التي اخترنا أن تكون حلقة العبور من العموم إلى التخصيص أين يغلب الطابع الإجرائي و التطبيقي بتفصيل كل دعوى على حدى ببيان أحكامها الخاصة، و على ذاك قسمنا الفصل الأول إلى ثلاث مباحث تناولناها كالأتي بيانه :

المبحث الأول :
شروط قبول دعاوى الحيازة :

الحيازة تحمي الأوضاع الظاهرة كونها قرينة على الملكية، و من ثم فإنها تهدف إلى حماية الحائز بصرف النظر عن المالك الحقيقي ،و بالنتيجة تحقيق حماية الأمن و النظام العامين ، لأنها تقوم على مبدأ أساسي و هو عدم جواز اقتضاء الشخص حقه بنفسه، فما على من يدعي خلاف الظاهر إلا اللجوء إلى القضاء ،و مما لاشك فيه أن دعاوى الحيازة و كغيرها من الدعاوى الأخرى تخضع في رفعها للشروط المنصوص عليها في المادة 459 من ق.ا.م ، غير أن هذه الشروط تعالج بما يتناسب أو يتوافق و طبيعة دعاوى الحيازة ، و هو ما يجعلنا نطرح جملة من الأسئلة بهذا الصدد كقولنا متى تكون المصلحة قانونية ؟ و كيف تكون حالة ؟ من تنصرف له صفة رفع دعاوى الحيازة ؟ هل يمكن ممارسة هذه الدعاوى في أي وقت من حصول الاعتداء أم أن ذلك يخضع لقيد زمني ؟

جميع هذه الأسئلة حاولنا الإجابة عليها من خلال المطلبين المواليين فخصصنا الأول لبيان ضرورة توافر أركان الحيازة و شروطها ، باعتبار أن هذا العنصر يترجم في مضمونه شرط المصلحة بوصفيها و يحوي في طياته بيان من له الصفة في رفعها و نظرا لأهميته و وزنه في الموضوع فقد تناولناه بإسهاب يخدم الغاية المرجوة للوقوف على أهداف المشرع من تقرير هكذا دعاوى، لاسيما عندما يتعلق الأمر بحماية الأمن و النظام العامين ، خاصة و أن شروط الحيازة و أركانها هي الأساس القاعدي لممارسة الدعاوى المقررة لحمايتها ، بينما تناولنا في المطلب الثاني شرط الميعاد كقيد زمني و ضعه المشرع حفاظا على استقرار الأوضاع و ثباتها ، و عقوبة للمتخاذل عن تهاونه في استعمال الحق المقرر له ، و بصدده عرجنا في حديثنا على الآراء المتباينة بشأن شهادة الحيازة ، انطلاقا من أن البعض يعتبرها قيدا على رفع دعاوى الحيازة ، و إليكم فيما يلي تفصيل ذلك .
المطلب الأول : توافر ركنا الحيازة و شروطها :
حتى تتمتع الحيازة بالحماية المقررة لها و من ثم ممارسة دعاوى الحيازة لابد من توافر ركناها و شروط صحتها . ففيما يتمثل ركناها ؟ و ما هي شروط صحتها ؟
أولا : أركان الحيازة :
حتى تكون الحيازة منتجة لأثارها القانونية لابد أن تتوافر على ركنيها و هما الركن المادي و المعنوي و اللذان سنتناولهما كالأتي :
1- الركن المادي :
الحيازة ما هي إلا حالة واقعية تتكون من سيطرة شخص على الشيء محل الحيازة ظاهرا عليه بمظهر المالك ، و يتحقق ذلك بأن يقوم الشخص بالأعمال المادية التي يباشرها عادة من كان مالكا للشيء ، فمباشرة هذه الأعمال المادية هي التي تكون الركن المادي في الحيازة (1) .
ولكي تتحقق الحيازة يجب أن يصبح الشيء محل الحيازة تحت سيطرة الحائز الفعلية بالاستحواذ الفعلي عليه ، و يقوم الحائز بنفسه بالسيطرة المادية على الشيء محل الحيازة أو بالوساطة أو بالاستخلاف و قد تكون السيطرة المادية على الشيوع أيضا ، و يستوي أن يكون الشيء محل الحيازة مملوكا للغير أو غير مملوك له (2) .
إن قولنا محل الحيازة قد يكون شيئا مملوكا للغير ، أو غير مملوك له يستدعي منا معالجة نطاق الحيازة أو مجالها، و ما نتفق حوله أن هذا الأمر ما كان ليطرح قبل سنة 1990 أي قبل صدور القانون رقم 90/30 المؤرخ في 01/12/1990 ، المتضمن قانون الأملاك الوطنية إذ أنه لم يكن يتصور أن تنصب الحيازة على مال غير مملوك، لأن العقار الذي ليس له مالك
هو ملك الدولة ، لكن بصدور القانون سالف الذكر أصبحت الحيازة تنصب على الشيء سواء كان مملوكا للغير أو غير مملوك له ، انطلاقا من أن الأملاك الوطنية تم تقسيمها إلى أملاك وطنية عامة و أملاك وطنية خاصة ، هذه الأخيرة يجوز التمسك فيها بالتقادم المكسب عن طريق المطالبة القضائية ، في حين لا ينطبق ذلك على الأملاك الوطنية العامة وفقا لنص المادة 04 من القانون رقم 30/90 و التي تنص أن الأملاك الوطنية العامة غير قابلة للتصرف و لا للتقادم ولا للحجز (1)
و ما تجدر الإشارة إليه بهذا الصدد أن المشرع قد أدمج بنص المادة 13 من الأمر 95/26 المعدل و المتمم للقانون رقم 90/25 المتضمن التوجيه العقاري أراضي العرش ضمن أملاك الدولة الخاصة و بالتالي بإمكان الأشخاص الحائزين على الأراضي من نوع العروشية بعد إكمالهم للمدة المقررة للتقادم المكسب أن يرفعوا دعاوى أمام المحاكم للمطالبة بتمليكها لهم على أساس الحيازة (2) ،في حين هناك من يرى أنه لا جدوى من التفرقة بين أملاك الدولة سواء منها العامة أو الخاصة إذ كلتيهما لا تنطبق عليهما أحكام الحيازة (3) .

سبق القول أن الركن المادي يتحقق بالسيطرة الفعلية على الشيء محل الحيازة من خلال الأعمال المادية التي يباشرها الحائز، ففيما تتجلى هذه الأعمال؟و كيف تتم مباشرتها ؟
يقوم الحائز بمجموعة من الأعمال المادية التي يباشرها عادة صاحب الحق موضوع الحيازة ،و يتحقق ذلك من خلال الاستحواذ الفعلي و الإحراز المادي و الظهور بمظهر صاحب الحق، بحيث يجب أن تكون هذه الأعمال كافية لتحقيق هذا المظهر، فاذا كان الشيء دارا دخلها و استحوذ عليها و سكنها أو أسكن فيها غيره، و إذا كانت أرضا زراعية زرعها و بنى عليها و هكذا، بينما الأعمال القانونية كالبيع و التأجير، فلا تكفي بذاتها لتحقق الركن المادي في الحيازة ، و ذلك لأن مباشرة هذه الأعمال و التصرفات لا تدل بذاتها على السيطرة الفعلية لمن يقوم بها على الشيء ، كما يشترط في الأعمال المادية التي يأتيها الحائز أن تكون من الكثرة و الأهمية ،بحيث تكفي للقول بأن هذا الحائز يظهر بمظهر صاحب الحق (1)
أما عن كيفية مباشرة هذه الأعمال المادية فقد تكون ممارستها من الحائز بنفسه بغض النظر عن كونه مالكا أو غير مالك ، كما قد تكون بواسطة شخص آخر أي عن طريق غيره ، و هو ما يطلق عليه بالوساطة ، و التي تصح الحيازة بها متى كان الوسيط يباشرها باسم الحائز و كان متصلا به اتصالا يلزمه الائتمار بأوامره فيما يتعلق بهذه الحيازة * مع ملاحظة أن هذا الحكم ينصرف فقط إلى العنصر المادي دون المعنوي .
و كمثال عن ذلك : السيطرة المادية التي يباشرها الحائز بواسطة خدمه، أو أتباعه، أو عماله أو مستخدميه، هؤلاء يحصلون على أشياء باسم مخدوميهم أو متبوعهم بسبب تأدية أعمال و وظائفهم، كذلك ما يباشره الوكيل من أعمال مادية لحساب الموكل فهو يعمل باسمه مؤتمرا بأوامره فيما يتعلق بحيازة الشيء لصالح الموكل طالما كان الوكيل يعمل في حدود الوكالة، و كذا الأمر بالنسبة لناقص الأهلية فانه يباشر أعمال السيطرة المادية عن طريق من ينوب عنه قانونا * ، اذ يباشرها باسمه الولي أو الوصي أو القيم ، فهؤلاء الأخيرين لهم ممارسة دعاوى الحيازة بالنيابة وفقا لما تنص عليه المادة 817 فق 02 من القانون المدني.
كما يمكن مباشرة الأعمال المادية عن طريق الاستخلاف ، و ذلك عندما تنتقل السيطرة المادية إلى الحائز من شخص آخر كانت له السيطرة الفعلية على الشيء من قبل ثم نقلها إليه ، و توضيحا لذلك نورد المثال الأتي : قيام شخص ببيع عقار في حيازته لشخص آخر، فيسلم المبيع للمشتري، فالسيطرة الفعلية كانت للبائع سواء كان مالكا أو غير مالك له ثم نقلها للمشتري، و في هده الصورة لا يشترط الاستحواذ الفعلي على الشيء بل يكفي مجرد التمكن من الاستحواذ فان كان المبيع عقارا مثلا فان السيطرة الفعلية تنتقل إلى المشتري بتسليمه المفاتيح و مستندات الملكية ووضعه تحت تصرفه بحيث يتمكن من تسلمه دون حاجة إلى أن يتسلمه بالفعل (1)

أما الصورة الأخيرة فتمكن في السيطرة المادية على الشيوع، إذ الحائز على الشيوع يكون لديه العنصران المعنوي و المادي في الحيازة فهو في العنصر المعنوي يكون مشتركا مع غيره لا خالصا لنفسه و في العنصر المادي يباشر السيطرة المادية بالاشتراك مع غيره لا خالصا لنفسه مثال ذلك أن يحوز شخصان عقارا ، فيسكنان العقار معا دون أن يستقل أحدهما بالقيام بأي عمل من هذه الأعمال. (1)
غير أنه و إن اختلفت صور مباشرة الأعمال المادية في الحيازة فان المتفق عليه هو وجوب توافرالصفة في رافع دعاوى الحيازة التي لا تقبل إلا من ذي صفة على ذي صفة ، فترفع من الحائز بنفسه أو بواسطة غيره على كل من يعتدي على الحيازة أو يحتمل أن يعتدي عليها (2) .
2 – الركن المعنوي :
لا تكفي أفعال السيطرة الفعلية على الشيء محل الحيازة لوحدها، بل لابد أ ن تتوافر لدى الحائز نية تملكه ، و الظهور بمظهر صاحب الحق و مالكه، و للوقوف على مفهوم الركن المعنوي للحيازة علينا التطرق إلى نظريتين في هذا الصدد ثم تحديد موقف المشرع الجزائري منهما :


أ – النظرية الشخصية *:
لا يكفي لقيام الحيازة القانونية توافر الركن المادي بل يجب أن يقترن بالركن المعنوي المتمثل في نية التملك باستعمال الشيء و استغلاله و التصرف فيه كما يفعل المالك الحقيقي للشيء، و عليه فان هذا العنصر لا يتوافر في حيازة المستأجر و المستعير و المودع عنده * و الموقوف عليه،إذ أنه و بالنسبة لهذا الأخير فحقه ينحصر في الانتفاع بالعين فقط *ذلك أن الأملاك الوقفية لا يمكن تملكها بالتقادم المكسب بسبب زوال حق الملكية سواء كان الوقف عاما أو خاصا، و من ثم تنعدم فيها نية التملك *.
ب – النظرية المادية * : تعترف بالحيازة حيثما وجد سلطان مادي لشخص على شيء معين ، بمباشرته أعمالا إرادية و قصدية عليه، فالإرادة هنا تندمج في السيطرة المادية و لا يمكن أن تنفصل عنها ، فهما عنصران متلازمان لا يكون أحدهما إلا بالآخر.
و بهذا الصدد كان التمييز بين الحيازة الحقيقية أو القانونية و بين تلك العرضية و حسب هذه النظرية فإن مرد التمييز ليس في اختلاف نية الحائز أو قصده بل أن أساس التفرقة هو سبب الحيازة نفسها و هو ما أطلقت عليه هذه النظرية بالعنصر العرضي في الحيازة ، فإذا كان سبب الحيازة هو وضع اليد على الشيء لحساب الغير ، فإن ذلك لا يؤدي إلى نفي الحيازة مطلقا ، بل تنتفي عنها صفة الحيازة الحقيقية لتصبح حيازة عرضية (1) .
و من باب المقارنة بين مختلف التشريعات و أعمالها لكلتا النظريتين فانه و على سبيل المثال أخد من المشرع الفرنسي و المصري و اللبناني بالنظرية الشخصية بينما أخذ كل من التشريع الألماني و السويسري بالنظرية المادية .
- فما هو موقف المشرع الجزائري من كلتيهما ؟
أخد المشرع الجزائري بالنظرية الشخصية في الركن المعنوي للحيازة كقاعدة عامة بينما أخد بالنظرية المادية كاستثناء ، و ذلك عندما حمى حيازة المستأجر ، و هي حيازة عرضية بجميع دعاوى الحيازة وفقا لما تنص عليه المادة 487 من القانون المدني فحيازة المستأجر لا تتوافر إلا على الركن المادي دون المعنوي (2) ، ففي هذه الحالة لا يكسب حق الملكية على العين المؤجرة بالتقادم مهما طالت مدة حيازته للعين ، و إنما يستطيع أن يتمسك باسم المؤجر بحيازته للعين المؤجرة ، كأن يكون المؤجر غير مالك للعين و يكون قد وضع يده عليها مدة اثنتي عشر سنة مثلا ، ثم أجرها و حازها المستأجر مدة ثلاث سنوات أخرى فيعتبر المؤجر قد حاز العين بواسطة المستأجر هذه المدة الأخيرة ، و بالتالي أكمل مدة التقادم لكسب ملكية العين ، و كذلك لا يستطيع المستأجر أن يحمي حيازته بحق ملكية العين المؤجرة بدعاوى الحيازة ، لأن هذه الحيازة حيازة مادية محضة و هي لحساب المؤجر ، فإذا لجأ مثلا إلى دعوى منع التعرض فيما يتعلق بالملكية لم يستطع اللجوء إليها إلا باسم المؤجر ، و هذا لا يمنع من أن يلجأ إلى جميع دعاوى الحيازة ، فيما يتعلق بحيازته لحقه الشخصي كمستأجر ، و يرفع هذه الدعوى أصالة عن نفسه لا باسم المؤجر (1) .
غير أن السؤال الذي يطرح بهذا الصدد هو هل أن الحيازة تظل محتفظة بصفتها التي قامت عليها مند بدايتها فإن قامت عرضية تبقى كذلك مهما طالت مدتها أو أنه يمكن للحيازة العرضية أن تتحول إلى حيازة صحيحة ؟
القاعدة العامة ووفقا لنص المادة 831 * فقرة 01 من القانون المدني فإن الحيازة تظل محتفظة بصفتها التي قامت عليها ، إذ أنه ليس لأحد أن يكسب بالتقادم على خلاف سنده على أنه لا يستطيع أحد أن يغير بنفسه لنفسه سبب حيازته و لا الأصل الذي تقوم عليه .
إلا أن هذه القاعدة العامة يرد عليها استثناء تضمنته الفقرة الثانية من المادة المذكورة آنفا ،إذ أنه يمكن أن تتحول الحيازة العرضية إلى حيازة صحيحة فيستطيع بذلك الحائز أن يكسب بالتقادم إذا تغيرت صفة حيازته بأحد الأمرين :
الأمر الأول : فعل يصدر من الغير * : و الذي عادة ما يكون تصرفا ناقلا للملكية يتلقاه الحائز العرضي من الغير فتتغير به صفة حيازته العرضية و تتحول إلى حيازة أصلية ،إذ أن الحائز يحوز العين من وقت هذا التصرف لحساب نفسه ، لا كحائز عرضي لحساب غيره ، و من ذلك الوقت يستطيع الحائز أن يحتمي كمالك بجميع دعاوى الحيازة ، و لا يشترط أن يكون الحائز العرضي وقت تلقيه التصرف الناقل للملكية حسن النية .
الأمر الثاني : فعل يصدر من الحائز العرضي يعارض به حق المالك، و لا يكفي في ذلك مجرد إنكار الحائز العرضي لحق المالك و إعلانه ذلك على ملأ من الناس ، بل لا يكفي تصرفه في العين تصرف الملاك فيهدمها متأو يقيم عليها بناءا أو يبيعها ، فهذا يعد تعسفا منه في استعمال حيازته العرضية ، و ليس من شأن هذا التعسف أن يغير صفة الحيازة ويحولها إلى حيازة صحيحة ، بل يجب أن يعارض الحائز العرضي حق المالك فيقوم بينهما مباشرة نزاع على ملكية العين يدعيها الحائز لنفسه و ينكر المالك عليه ذلك (3).

فإذا كانت الحيازة العرضية قد تتحول إلى حيازة صحيحة بأحد الأمرين سالفي الذكر فهل أن هذه الحيازة سواء كانت عرضية أو قانونية تنتقل محتفظة بصفتها تلك إلى كل من الخلف العام * و الخلف الخاص * أم أنها تتحول إلى خلافها ؟
إن حيازة السلف إذا كانت عرضية تنتقل إلى الخلف العام و تبقى كذلك ما لم تتغير بأحد الأمرين على النحو السابق بيانه ،أما إذا كانت حيازة حيازة السلف صحيحة انتقلت بصفتها هذه إلى الوارث الذي يستطيع أن يستمر في هذه الحيازة و أن يضم مدة حيازة سلفه إلى مدة حيازته على عكس الحائز عرضيا، فانه تحسب المدة اللازمة لإنتاج الحيازة أثرها من وقت تغيير الوارث صفة حيازته دون أن يكون له الحق في ضم مدة حيازة مورثه .
أما بالنسبة للخلف الخاص فإنه إذا نقل له الحائز العرضي ملكية العين فلا تكون حيازته عرضية بل تكون قانونية مستوفية لشروطها ، فتحمى بجميع دعاوى الحيازة كونه ابتدأ حيازة جديدة متوافر فيها عنصراها المادي و المعنوي ، و معنى ذلك أننا بصدد حيازتين و ليست حيازة واحدة ، و قد يختلفان في بعض الصفات ، كأن تكون حيازة السلف قانونية و حيازة الخلف عرضية .كأن يؤجر المالك عقاره لمستأجر و قد يحدث العكس بأن تكون حيازة السلف عرضية و حيازة الخلف قانونية و مثال ذلك أن يبيع المستأجر العين لآخر، و رغم استقلال حيازة الخلف عن حيازة السلف فإن المشرع مع ذلك أجاز للخلف إن شاء أن يضم مدة حيازة سلفه إن كانت له مصلحة في ذلك بنص المادة 814/02 من الق.م بأنه " ......يجوز للخلف الخاص أن يضم إلى حيازته حيازة سلفه ليبلغ التقادم ".
و تجدر الإشارة أخيرا أنه كما تقوم الحيازة على توافر الركن المادي و المعنوي فإنها تزول بزوال أحدهما أو بزوالهما معا، على أن الحائز لا يفقد حيازته بسبب مانع مؤقت يعتبر قوة قاهرة كحدوث فيضان يغمر الأرض بالمياه (*)
ثانيا / شروط صحة الحيازة : الحيازة لا توجد إلا إذا توافر ركناها على النحو الذي سبق تبيانه فإذا توافر ركناها ووجدت فإنه يجب أيضا أن تكون خالية من العيوب حتى تنتج أثارها و على الأخص حتى تحضى بالحماية المقررة لها بموجب دعاوى الحيازة .
و قد نصت المادة 413 من ق .إ .م على شروط صحة الحيازة و التي يجب أن تكون هادئة ،علنية ، مستمرة ،لا يشوبها انقطاع و غير مؤقتة و غير خفية ، و استمرت لمدة سنة على الأقل .
كما نصت المادة 808 من القانون المدني في فقرتها الثانية (*) أنه( إذا اقترنت الحيازة بإكراه، أو حصلت خفية، أو كانت فيها التباس فلا يكون لها أثر تجاه من وقع عليه الإكراه أو أخفيت عنه الحيازة أو التبس عليه أمرها إلا من الوقت الذي تزول فيه هذه العيوب) .
و بناءا عليه سنتعرض إلى شروط صحة قيام الحيازة من خلال بيان العيوب التي تشوب صحتها كالآتي :
1- عدم استمرار الحيازة أو تقطعها : حتى تسلم الحيازة من هذا العيب لابد أن تتوالى أعمال السيطرة المادية على الشيء في فترات متقاربة ، منتظمة لمدة سنة كاملة ،فيستعمل الحائز الشيء من وقت إلى آخر كلما تقوم الحاجة إلى استعماله كما يستعمل المالك ملكه في العادة ، فإذا مضى بين العمل و الآخر فترة طويلة من الزمن لا يستعمل فيها الحائز الشيء و كانت هذه الفترة من الطول بحيث لا يدعها المالك الحريص على الانتفاع بملكه انتفاعا كاملا، فان الحيازة تكون في هذه الحالة غير مستمرة أو منقطعة ، فلا تصح أساسا لدعاوى الحيازة ،غير أن إنتظام الاستعمال يختلف باختلاف طبيعة الشيء، فمن يحوز حق السكن مثلا، حتى تكون حيازته مستمرة، يجب أن يسكن المنزل و ألا ينقطع عن سكناه إلا عند سفر أو غير ذلك ،و إن كانت أرضا زراعية وجب عليه أن يزرعها في المواسم الفلاحية ، و لا يعتبر الكف عن استعمال الشيء بسبب قوة قاهرة كحدوث فيضان يغمر الأرض انقطاعا يخل بالاستمرار في الحيازة (1) ، فحيازة العين يجب أن تستمر سنة كاملة ، إذ يكفي لإثبات استمرارها إثبات قيام الحيازة في وقت سابق معين، وإثباتها في الحال كي توجد قرينة على قيامها في المدة الممتدة بين الزمنين (2) ما لم يقم دليل على خلاف ذلك وفقا لما تنص عليه المادة 830 من القانون المدني .
و تجدر الإشارة إلى أن عيب عدم الاستمرار هو عيب مطلق ،إذ أنه يحق لكل ذي مصلحة أن يتمسك به ، لأن الحيازة في ذاتها تكون غير مستمرة بالنسبة إلى الناس كافة ، بخلاف العيوب الأخرى للحيازة فهي عيوب نسبية ، بمعنى أن الحيازة لا تكون لها أثر إلا بالنسبة لمن وجه إليه العيب وحده (1) ، و هو ما يستفاد من نص المادة 808 من الق.م
2- الخفاء أو عدم العلانية : فيباشرها الحائز على مشهد من الناس أو في القليل على مشهد من المالك أو صاحب الحق الذي يستعمله الحائز ، فإذا أخفاها الحائز عن المالك أو صاحب الحق ، بحيث لا يشعر هذا بأن حقه في حيازة غيره كانت الحيازة مشوبة بعيب الخفاء أو عدم العلانية ، و من ثم لا تكون صالحة لأن تحمى بدعاوى الحيازة (2) ، و هو ما يقضي به نص المادة 413 من ق.ا.م.
و عيب الخفاء يتصور وقوعه بالنسبة للمنقولات لسهولة إخفاءها أما العقارات فإنه لا يتصور إخفاء حيازتها إلا نادرا ،كالجار الذي يحوز شريطا صغيرا من أرض جاره ويدخله في حدود ملكية دون علم صاحبه ، ومهما يكن فالحيازة إذا كانت خفية فلا يؤثر فيها حسن أو سوء نية الحائز، و لكن ليس من الضروري لاعتبار الحيازة علنية أن يعلم بها المالك علم اليقين ، بل يكفي إمكانية و استطاعة العلم (3) .
و على خلاف عيب التقطع فإن عيب الخفاء هو عيب نسبي و ليس مطلقا وفقا لما تقضي به المادة 808 فق 02 من الق .م التي نصت على أن الحيازة إن حصلت خفية فلا يكون لها أثرا تجاه من أخفيت عنه إلا من الوقت الذي زال فيه هذا العيب ، و بالتالي فإن الحيازة قد تكون علنية بالنسبة للناس كافة ماعدا صاحب الحق فإنها خافية بالنسبة له ، ولذلك يكون له وحده أن يحتج بعيب الخفاء دون غيره ، و بالعكس لا يستطيع صاحب الحق أن يحتج بعيب الخفاء إذا كانت الحيازة علنية بالنسبة له و حده دون سائر الناس (1)
3- الإكراه أو عدم الهدوء : تكون الحيازة معيبة بهذا العيب إن حصل عليها صاحبها بالقوة أو بالتهديد، و بقي محتفظا بها دون أن تنقطع القوة أو التهديد الذي حصل عليها به ، و يستوي في ذلك أن تكون القوة أو التهديد قد أستعمل ضد المالك الحقيقي لانتزاع ملكه منه أو استعمل ضد حائز سابق غير مالك لانتزاع حيازته ، كما يستوي أن يكون من استعمل القوة أو التهديد هو الحائز نفسه أو أعوان له يعملون باسمه .
و عيب الإكراه هو عيب نسبي ، فإذا انتزع شخص من آخر حيازة عين بالإكراه كانت حيازة منتزع الحيازة مشوبة بعيب الإكراه بالنسبة إلى الشخص الآخر الذي انتزعت منه الحيازة وحده ، و بالنسبة إلى هذا الشخص الآخر وحده لا يستطيع منتزع الحيازة أن يلجأ إلى دعاوى الحيازة إلا إذا انقطع الإكراه ، فعيب الإكراه لا يحتج به إلا من وقع عليه الإكراه (2)
و بالرجوع إلى نص المادة 808 فقرة 02 من القانون المدني، فإن عيب الإكراه يزول بانقطاع الإكراه ، إذ جاء فيها أن الحيازة إذا اقترنت بإكراه، فلا يكون لها أثر تجاه من وقع عليه الإكراه، إلا من الوقت الذي يزول فيه هذا العيب .
غير أن السؤال الذي يجب طرحه هو هل الحيازة التي تبدأ هادئة ثم يضطر صاحبها لاستعمال القوة و التهديد للاحتفاظ بها تعد معيبة ؟ للإجابة عن هذا السؤال انقسمت الآراء إلى وجهتين :
أ / الرأي الأول : يرى القائلون به أنه لا يكفي أن ينقطع الإكراه الذي حصل به الحائز على الحيازة ابتداءا ، حتى تكون الحيازة خالية من عيب الإكراه بل يجب أن تستمر – فوق ذلك – هذه الحيازة الهادئة طوال المدة التي تبقى فيها ، فإذا كانت مهددة يعكر صفوها اضطرار صاحبها في أي وقت للدفاع عنها بالقوة ، فإنها تكون حيازة غير هادئة مشوبة بعيب الإكراه (1) .
إذ أن المقصود بالهدوء هو تمكن الحائز من استعمال الشيء و الانتفاع به دون اللجوء إلى العنف و القوة حتى لا تتحول إلى حيازة مغتصبة (*)
ب/ الرأي الثاني : يرى أصحابه أن الحيازة إذا بدأت هادئة ، فلا يعيبها بعد ذلك أن يضطر الحائز إلى استعمال القوة للاحتفاظ بحيازته ضد من يريد انتزاعها منه إذ أن هذا يكون من قبيل الدفاع الذي يثبت لكل شخص يتمتع بمركز واقعي .
و حسب رأينا فإننا نرجح الرأي الثاني،ذلك أن العبرة ببداية الحيازة و مدى اقترانها بالإكراه أو عدمه و هو ما يستفاد من نص المادة 808 فقرة 02 من الق.م التي تنص ( إذا اقترنت الحيازة بإكراه .......) و بالتالي فإن بدأت الحيازة هادئة ثم شابها عيب الإكراه و قام الحائز بدفعه مستبقيا سيطرته الفعلية على العيب محل الحيازة كانت حيازته صحيحة .

4/ عيب الغموض أو اللبـــس : يتعلق هذا العيب بالركن المعنوي في الحيازة إذ تكون الحيازة مشوبة بعيب الغموض أو اللبس إذا اشتبه أمرها فيما يتعلق بالركن المعنوي، فيطرح التساؤول، هل أن الحائز يحوز لحساب نفسه أو أنه يحوز لحساب غيره؟أو لحساب نفسه وحساب غيره معا ؟.
و نضرب في هذا مثالا بحيازة أحد الشركاء في الشيوع ، الذي يتمسك بحيازة العين لنفسه خاصة ، فأعمال الحيازة المادية التي يقوم بها كشريك في الشيوع هي نفسها الأعمال التي يقوم بها في ملكية مفرزة ، و قد يأتيها بنية أنه يوجد غيره معه يشاركه في الملك ، فهنا يقوم اللبس في حيازة الشريك في الشيوع للعين الشائعة إذا تمسك بأنه يحوز العين لحسابه ، إذ هي تحتمل هذا المعنى كما تحتمل معنى أن الشريك يحوز لحساب نفسه ولحساب غيره من الشركاء ،فتكون الحيازة في هذه الحالة مشوبة بعيب الغموض أو اللبس و من ثم لا تنتج أثارها (1)
و عيب الغموض أو اللبس هو عيب نسبي (*) فلا يكون له أثر إلا قبل من التبس عليه أمر الحيازة من حيث الركن المعنوي و هو ما تنص عليه المادة 808 فق 02 من الق.م التي جاء فيها أنه (إذا كان في الحيازة التباس فلا يكون لها اثر تجاه من التبس عليه أمرها إلا من الوقت الذي يزول فيه هذا العيب) .

و تأسيسا على ذلك فانه و بالنسبة للمثال السابق فإن الحيازة الغامضة عند الشريك على الشيوع لا يكون لها أثر إلا قبل الشركاء الآخرين في الشيوع ، إذ لا يحتج عليهم بهذه الحيازة الغامضة و لكن يحتج بها على غيرهم، و تظل هذه الحيازة غامضة إلى أن ينتفي اللبس فيها ، و الذي لا يكون إلا بالمعارضة الساطعة و المنكرة لحقوق الآخرين فإن لم ينكر ذلك تبقى على الشيوع (1) .
و عليه نصل إلى أن الحيازة إن استوفت أركانها و شروطها أصبحت محلا للحماية القانونية ، فتكون بذلك للحائز مصلحة قانونية حيث تحمى الحيازة لذاتها بصرف النظر عن ما إذا كان الحائز مالكا للعقار من عدمه . ومن ثم فان حصل اعتداء على المركز الواقعي أو احتمل الاعتداء عليه كانت المصلحة قائمة و حالة ، و عندها للحائز المطالبة بالحماية القضائية من خلال ممارسته لوسائل الحماية القانونية المقررة قانونا كما سيأتي بيانه بأكثر تفصيل في الفصل الثاني من هذا الموضوع .
المطلب الثاني / شـــرط المــيعاد :
طبقا لنص المادة 413 فقرة 02 من ق .ا.م فإنه لا تقبل دعاوى الحيازة، و من بينها دعوى استردادها إذا لم ترفع خلال سنة من التعرض كما نصت المادة 817 فق 01 من القانون المدني أنه يجوز لحائز العقار إذا فقد حيازته أن يطلب خلال السنة التالية لفقدها ردها إليه فإذا كان فقد الحيازة خفية بدأ سريان السنة من وقت انكشاف ذلك .
و بناءا عليه فانه يجب أن ترفع دعاوى الحيازة خلال مدة سنة من وقت الاعتداء على الحيازة أو بدء الأعمال التي تثير احتمال الاعتداء عليها (*) لأن التراخي في رفع هذه الدعوى طوال هذه المدة يفترض أن التعرض ليس خطيرا بحيث يخل بالأمن و السلام ، فضلا عن رضا الحائز بذلك الوضع ، و في حالة رفع هذه الدعوى بعد فوات ميعاد السنة يحكم بعدم قبولها (*) ، و لو لم تنشأ حيازة جديدة لمصلحة الغير ، و في حالة نشوء حيازة قانونية لهذا الأخير ، فإنه يتمتع بالحماية القانونية حتى في مواجهة الحائز السابق .
و يلاحظ أنه لا ارتباط بين هذا الشرط و شرط استمرار الحيازة لمدة سنة و الذي ينبغي توفره كي تصبح الحيازة قانونية ، و يؤدي تخلفه إلى رفض دعوى الحيازة من حيث الموضوع (1) .
غير أن السؤال الذي استوقفنا و نحن نتحدث عن شروط قبول دعاوى الحيازة وجعلنا نبحث عن إجابة له هو هل أن الحق في رفع دعاوى الحيازة هو حق مطلق متى توافرت الحيازة على شروطها و أركانها و استوفت وسيلة حمايتها شرط الميعاد ، أم أنه حق مقيد بوجود سند قانوني يبرر هذه الحيازة ؟
إن طرحنا هكذا سؤال إنما مرده الإشكالات و الاختلافات العملية و المثارة بشأن شهادة الحيازة و علاقتها بممارسة دعاوى الحيازة الثلاث ، و هو ما تم طرحه بحدة على صعيد التطبيقات القضائية ، و لعل سبب ذلك هو نص المادة 39 من القانون رقم 90/25 المتضمن ق.ت.ع التي جاء فيها ( يجب على كل حائز لملك عقاري أو شاغل إياه أن يكون لديه سند قانوني يبرر هذه الحيازة أو هذا الشغل ) بموجب هذه المادة أضاف المشرع شرطا جديدا لم يكن منصوصا عليه في القانون المدني .
و التساؤول المطروح بهذا الصدد هل يعتبر هذا الشرط قبليا يجب أن يتوفر في كل من يرفع دعوى حيازة طبقا لأحكام قانون الإجراءات المدنية ، و القانون المدني ؟
لقد انقسم الرأي بصدد هذه المسألة القانونية إلى اتجاهين (2) :
أ / الاتجاه الأول : لابد من أن يستظهر رافع دعوى الحيازة بشهادة الحيازة،و ذلك استنادا إلى نص المادة المذكورة سابقا ، و الذي ورد بصيغة الوجوب ، و من ثم فإن السند الحيازي يعتبر قيدا على رفع الدعوى إذ لا يمكن اللجوء إلى القضاء إلا باستيفائه (1) .
بينما هناك من يعتبرها تتعلق بشروط قبول الدعوى و تحديدا شرط الصفة (*) ،و لذلك فالبعض يرى أن ما جاء به ق.ت.ع بهذا الصدد هي أحكام كادت أن تؤدي إلى القضاء على أحكام الحيازة التقليدية (2) .
ب / الاتجاه الثاني : يرى القائلون به أنه لا حاجة لرافع دعاوى الحيازة لأن يثبت وضع اليد بشهادة الحيازة كونها مجرد وثيقة إدارية شرعت فقط من أجل تشجيع الاستثمار في الأراضي الفلاحية و تمتيع صاحبها ببعض الحقوق و الامتيازات التي لا تخول إلا للمالك ، زد على ذلك أن المشرع نفسه مازال يعترف بالحائز الظاهر الذي لا يملك شهادة الحيازة، و هو ما يتجلى من خلال نص المادة 51 من القانون رقم 90/25 المتعلق بالتوجيه العقاري التي نصت على الإجراءات التي تسلط على المستثمر الذي يثبت قانونا عدم استغلاله للأراضي الفلاحية و من ثم لا يمكن اعتبار شهادة الحيازة قيدا على رفع الدعوى التي تبقى خاضعة في رفعها لقانون الإجراءات المدنية (1) .
و بالتالي فشهادة الحيازة كوثيقة إدارية لم تفض على أحكام الحيازة التقليدية المنصوص عليها في كل من القانون المدني و قانون الإجراءات المدنية كما حاول البعض الذهاب إليه و الذي اعتبرها قيدا على رفع دعاوى الحيازة بأنواعها الثلاث (2) .
و هو الرأي (*) الذي تبنته الغرفة العقارية للمحكمة العليا في القرار رقم 914-181 المؤرخ في 28/10/1998 - غير منشور- و الذي جاء فيه ( حيث و من جهة أخرى فان قضاة الاستئناف و لتأسيس قرارهم استخلصوا من أفعال القضية و خاصة من شهادة الاستغلال الفلاحي .... و محضر سماع الشهود المؤرخ في 15/11/1994 بأن هذا الأخير يثبت بسند قانوني الحيازة طبقا للمادة 30 من القانون رقم 90/25 المؤرخ 18/11/1990 المتضمن التوجيه العقاري حيث و بالفصل هكذا فإن قضاة الاستئناف قد طبقوا القانون تطبيقا سليما .
أما عن رأينا فإننا نرجح الاتجاه الثاني، أي ما ذهبت إليه الغرفة العقارية،و تأسيسنا في ذلك هو الأتي بيانه :
1- إن الهدف المتوخى من دعاوى الحيازة هو حماية المركز الواقعي للحائز بغض النظر عن كونه مالكا أو غير مالك ، و عليه فان الشروط التي أضافها المرسوم التنفيذي رقم 91/254 بموجب نص المادة 02 منه، و التي فصلت تلك المنصوص عليها في المادة 39 من القانون رقم 90/25 تتنافى و الهدف المتوخى من الحماية القانونية المقررة للحيازة لا سيما ما يتعلق منها بالشروط الواجب توافرها في العقار المحوز ، و التي سنعالجها كالأتي :
الشرط الأول / أن تكون الأرض ملك خاص : إن هذا الشرط لا يستقيم و مجال الحيازة بمفهومها العام على النحو المشار إليه آنفا و الذي نتناوله بأكثر تفصيل في المبحث الثاني من هذا الفصل، إذ ينطوي على تضييق في مجالها و هو ما ينعكس على نطاق الحماية المقررة لها .
الشرط الثاني / أن يقع العقار في منطقة مسوحة: كون أن عملية المسح تؤدي إلى تشخيص الممتلكات العقارية، و من ثم فلا يتصور تسليم شهادة الحيازة بعد إتمام هذه العملية، بينما تظل الحيازة بمفهومها العام و بما كرس لها ما وسائل لحمايتها قائمة .
الشرط الثالث / أراضي لم تحرر عقود ملكيتها: فحتى و إن لم يتم المسح و كان للأرض عقد ، فلا تكون محلا لتسلم شهادة الحيازة ، بينما و على العكس من ذلك ،و بالنسبة لدعاوى الحيازة فإنه يتمسك بها حتى في مواجهة المالك نفسه ،لقيام ذلك على افتراض مفاده أن من يحوز الأرض هو مالكها،وأن الحيازة تنصب على العقار سواء كان مملوك للغير أو غير مملوك له .
و إذن فإن الشروط المضافة على النحو السابق بيانه تؤكد أن الهدف المتوخى من الحيازة بمفهوم قانون التوجيه العقاري رقم 90/25 و كذا المرسوم التنفيذي 91/254 غير ذلك المقصود من المفهوم العام للحيازة ، و هو ما يثبت أن شهادة الحيازة قررت لتشجيع الاستثمار ، و خدمة التنمية الاقتصادية و جعلها كضمانة قانونية للحائز.
2- شهادة الحيازة جاءت بموجب المادة 39 من القانون السالف ذكره من أجل معالجة مرحلة انتقالية ووضع راهن تبنى فيه المشرع نظام الشهر العيني بصورة متذبذبة خاصة و أن عمليات المسح لم تشمل سوى جزء يسير من الأراضي ، بينما تلك التي لم يتم مسحها فتحرر بشأنها شهادة الحيازة ، في انتظار تصفية الوضعية العقارية نهائيا ، وتكريس الحاصلين عليها كملاك بعد المسح ، و من ثم الحكم بموتها بانعدام الوضع المقررة من أجله ، فالمشرع بتبنيه نظام الشهر العيني وقع في تناقض مع أحكام القانون المدني و التي نقلت عن القانون المدني المصري الذي تبنى نظام الشهر الشخصي .
3- المادة 02 من المرسوم السابق الإشارة إليه اشترطت دوام الحيازة سنة كاملة للاستفادة من شهادة الحيازة ، و هي المدة نفسها المشترطة في استمرار الحيازة المحمية قانونا كمبدأ عام مع ورود استثناء عليه فيما يخص مدة الحيازة المحمية بدعوى الاسترداد،و هو ما يؤكد مرة أخرى اختلاف الهدف الذي قررت شهادة الحيازة من أجله عن ذلك المتوخى من الحيازة كمفهوم عام و الذي ينصب أساسا على حماية الأوضاع الظاهرة و الحفاظ على السكينة والأمن العامين.
المبحث الثاني :
خصائص دعاوى الحيازة :
المطلب الأول : حماية الحيازة لذاتها :
لما كان وضع اليد هو سلطة فعلية لشخص على شيء من الأشياء المادية فهو المظهر المادي للملكية و لهذا كان وضع اليد شبيها في الظاهر بالملكية، بل كثيرا ما يختلط بها مع أن وضع اليد على العقار يختلف عن ملكيته من الوجهة القانونية إذ تعرف الحيازة بأنها وضع اليد على العقار و السيطرة عليه سيطرة فعلية و استقلاله و السيطرة المادية تكون بمباشرة أعمال مادية مما يقوم عادة بها المالك على النحو الذي تقتضيه طبيعة هذا الحق و تكسب الحيازة ملكية العقار أو الحق العيني عليه بمضي مدة معينة مقترنة بينية التملك فهي واقعة مادية تحدث آثار قانونية و تؤدي إلى اكتساب الحق .
أما الملكية فهي حق تخول للمالك أن يسيطر سيطرة قانونية على الشيء محل الحق فيستأثر به فيتمكن من التصرف فيه و استعماله و استغلاله و الملكية باعتبارها حق فهي لا تثبث إلا بناء على سبب من أسباب كسب الملكية التي حددها القانون كالعقد و الوصية و الميراث و الحيازة ..الخ .
و يحمي القانون الحيازة في ذاتها و لو كان الحائز غير مالك و ذلك لغايات معينة ،ووسيلة لحماية الحيازة هي الدعاوى التي ننظر فيها إن كان حائز مالكا للحق الذي يحوز أو لا يملكه فالحائز لأرض تحميه دعاوى الحيازة و لا يطلب منه في مباشرته لهذه الدعاوى إلا أن يثبت حيازته لأرض بالشروط الواجب توفرها في الحيازة ،فلا يطلب منه أن يثبت أنه مالك للأرض فالملكية تكون محل لدعوى الاستحقاق ،و من هنا يبرز الفرق بين الحيازة و الملكية من حيث وسيلة الحماية و من حيث الإثبات فإذا تم التعرض للحيازة فاللمعتدى عليه استعمال دعوى منع التعرض ،و إذا لم تتعرض حيازته لاعتداء أو التهديد و لكنها توشك أن تتعرض لذلك من جراء أعمال بدئ بها و لم تتم فإنه يستطيع رفع دعوى لوقف الأعمال الجديدة، و إذا انتزعت منه الحيازة عنوة أو خلسة فله أن يستردها بدعوى استرداد الحيازة بشرط أن يثبت حيازته للعقار بوسائل إثبات تمتاز باليسر على خلاف دعوى الملكية التي تمتز بإجراءات طويلة و معقدة و طرق إثبات تزيد كثيرا في الصعوبة و العسر على طرق إثبات الحيازة .
و نفس الشيء يقال في الحقوق الأخرى التي تكون محلا للحيازة، فدعاوى الحيازة تحمي حائز حق الانتفاع أو الإرفاق و الاستعمال .
و عليه فإن القانون يحمي الحائز ما دام أثبت وقت الاعتداء أن حيازته كانت حيازة مادية بمعنى أن يد الحائز كانت متصلة بالعقار و اتصالا فعليا حيث كان العقار تحت تصرفه المباشر و يجب أن يكون اتصال الحائز بالعقار قائما وقت وقوع الاعتداء (1) .
- و العلة في حماية الحيازة ترد إلى اعتباريين :
1/ حماية المصلحة الخاصة للحائز و التي تظهر في عنصريين :
أ- أن الحيازة قرينة على الحق :
نظرا لكون الحائز الغالب هو نفسه صاحب الحق، فإن الحائز لحق يقترض أنه صاحب لهذا الحق حتى يثبت العكس ، فقل أن يوجد مالك لا يحوز ملكه بنفسه أو بواسطة غيره إذ يفترض قانونا أن الحائز هو المالك فيحمي الملكية عن طريق الحيازة، و من ذلك كانت الحيازة قرينة على الملكية و لكنها قرينة قابلة لإثبات العكس (2) . فحماية الحيازة في ذاتها إنما هي حماية للملكية و لكنها حماية مؤقتة إلى أن يقوم الدليل على أن الحائز لا يملك المال الذي في حيازته .
ب – إن حيازة ممارسة فعلية للحق : إن الحيازة بمعنى السيطرة الفعلية على شيء هي وسيلة ممارسة صاحب الحق لسلطاته عليه، و حرمانه من الحيازة يعني حرمانه من مزايا حقه فحيازة المستأجر ضرورية لممارسة حقه في الانتفاع بها .
ج – الحيازة وسيلة اكتساب الحق : حتى في الحالات التي لا يستند فيها الحائز إلى الحق فإن الحاجة إلى الاستقرار أدت بالمشرع إلى جعل الحيازة متى استوفت شروطها معنية سببا لاكتساب الحق العيني على العقار .
2/ حماية المصلحة العامة :
تعتبر حماية الحيازة حماية للأمن و النظام العام في المجتمع فيعد اغتصاب الحقوق غير شرعي و لو تم ذلك من صاحبها ،لأن ذلك يعتبر من قبيل قضاء الإنسان لنفسه و الذي يترتب عنه الفوضى، و لذلك يتعين حماية حيازة الحائز ضد تعرض الغير حتى و لو كان هدا الأخير صاحب الحق، إذ لهذا الأخير اللجوء إلى القضاء لحماية حقه عن طريق دعوى الحق (3)
الجزء الثالث
المطلب الثاني : حماية العقار دون المنقول :
تنصب دعاوى الحيازة على حماية العقار دون المنقول ،إذ يمكن لحائز رفع دعاوى الحيازة كمنع التعرض و استرداد الحيازة و وقف الأعمال الجديدة ،إذا كان محلها عقار خلافا للمنقول الذي تحميه قاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية و كذا في حيازة الثمار .
فالمنقول لا يحمى بدعاوى الحيازة ،و كذا المجموع من المال كالتركة فالحائز لمجموع من المال كالوارث إنما يحمي في حيازته لعقار معين من هذا المجموع و لا يحمي في حيازته لمجموع المال ذاته إذ المجموع من المال لا يقبل الحيازة (1) . و إلى جانب العقارات تحمي دعاوى الحيازة أيضا الحقوق العينية و على ذلك نتعرض لحيازة العقارات بأنواعها و لحيازة الحقوق على العقارات التي لا تجوز فيها الحيازة.
1 / الحيازة في العقارات :
بدأت الحيازة في القانون الروماني سيطرة فعلية يباشرها الحائز على شيء مادي على اعتبار أنه مالك لهذا الشيء، فيحرزه إحرازا ماديا و يباشر عليه سلطة المالك فكانت الحازة على ضد النحو استعمالا لحق الملكية على الشيء مادي ،و لما كان حق الملكية عند الرومان يختلط بالشيء المادي فقد كان الرومان يصورون الحيازة على أنها تقع على الشيء المادي ذاته يتصرف فيه الحائز تصرف المالك فيستعمله و يستغله و يتصرف فيه
و يستهلكه، فكانت الحيازة سلطة مادية محضة لا ننطبق إلا على الأشياء المادية.
و من ضمن هذه الأشياء و المحمية بدعاوى الحيازة العقارات على أن يكون هذا العقار معنيا بالذات .
و العقار هو كل شيء مستقر بحيزه و ثابت فيه و لا يمكن نقله منه دون تلف و كل ما عدا ذلك من شيء فهو منقول. فكل مالا يدخل ضمن العقار بالمفهوم الوارد في 683 من القانون المدني فهو منقو و الغاية من ذلك أن المنقولات متعددة و لا يمكن حصرها لذا عرف العقار دون المنقول .
و تنقسم العقارات إلى نوعين العقارات بالطبيعة و العقارات بالتخصيص ،و تشمل العقارات بالطبيعة الأراضي بما فيها الزراعية و المعدة للزراعة الصحراوية و الجبلية المعدة للبناءو ما تحت الأرض كالآبار وما في باطنها كالمناجم و ما فوقها من أبنية و أشجار و نباتات ،أما العقارات بالتخصيص فهو في الأصل منقول وضعه وصفه صاحب العقار و خصصه لخدمة هذا العقار أما استغلاله يشرط أن يكون مالك العقار و المنقول شخص واحد و أن يرصد هذا المنقول لخدمة العقار و عندما يغير المنقول بطبيعته عقارا بالتخصيص فيأخذ حكم العقار على اقتراض أنه هو نفسه عقار و تسري عليه أحكام العقار ،بمجرد انتهاء التخصيص عود للعقار بالتخصيص صفته الأصلية كمنقول بطبيعته.
و في حالة وضع اليد على عقار من غير المالك باعتبار أنه المالك فيجوز لواضع اليد هذا أن يرصد منقولا يملكه على خدمة هذا العقار و يصبح المنقول عقارا بالتخصيص و لكن إذا يسترد المالك الحقيقي العقار فإنه يسترده وحده لمنقول الذي رصد (1) لخدمته و يأخذ صاحب المنقول منقوله (2) و عليه فإن حيازة الشيء تفترض حيازة توابعه مالم يثبت العكس .و من ثم فإن الحيازة المكسبة للملكية ترد على العقار بطبيعته و كذلك على العقار بالتخصيص بشرط أن تكون العقارات المراد إكتساب ملكيتها بالحيازة من العقارات التي تخضع للحيازة و أن تكون قابلة للتعامل فيها .
- الحيازة في الأملاك الوطنية :
لقد مرت الأملاك الوطنية في الجزائر بعدة مراحل بداية من المرحلة التي امتازت فيها الأملاك الوطنية بفكرة وحدة الأملاك العامة التي تبناها المشروع خلال الفترة الاشتراكية ثم جاء دستور 23 فبراير 1989 و كرس من جديد النظرية التقليدية المبنية على التفرقة بين الأملاك العمومية التي تهدف إلى تحقيق المنفعة العامة و الأملاك الخاصة التي تمتلكها الدولة و الجماعات المحلية لتحقيق أغراض امتلاكية بحثة ،و ذلك بموجب المادتين 17 و18 منه
و هي نفس هذا التوجيه صدر قانون التوجيه العقاري رقم 25190 المؤرخ في 18 نوفمبر 1990 و كرس ضده المبادئ في المواد 24،25،26 منه ثم صدر قانون الأملاك الوطنية 90/30 المؤرخ في 1/ديسمبر/1990 ليحدد الأملاك الوطنية و نظامها.

و لعل أكثر ما يهمنا في البحث هو مسألة مدى جواز ممارسة الحيازة في الأملاك الوطنية بصنفيها و ما هي أهم الأحكام و القرارات الصادرة في هذا الشأن بعد أن نتناول كل الأملاك الوطنية العمومية و الأملاك الوطنية الخاصة.
أ- حيازة الأملاك الوطنية العمومية :
هناك بعض العقارات ترد عليها الحيازة المكسبة للملكية، ذلك إن كانت خارجة عن دائرة التعامل و لا يمكن أن تكون بحكم طبيعتها أو بحكم تخصيصها محلا للتصرفات القانونية كالعقارات التي يشترك النوع الإنساني في الانتفاع بها انتفاعا مطلقا و يستحيل على أي فرد أن يختص بها بطبيعته.
و العقارات العامة هي عقارات الدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة و المخصصة لمنفعة عامة، و لقد حرم القانون تملك العقارات العامة بوضع اليد حيث تنص المادة 689 قانون مدني :" لا يجوز التصرف في أموال الدولة أو حجزها أو تملكها بالتقادم"
و في ها الإطار صدر القرار رقم73271 المؤرخ في 21/أكتوبر/1990 مجلة قضائية رقم 92 ص 24 جاء فيه :( حيث أن الطاعنين يزعمون أنهم تحصلوا على القطع المتنازع فيها عن طريق الحيازة لأنهم يشغلون تلك الأراضي بصفة هادئة و مستمرة منذ أوائل 1960 .
حيث يتبين من القرير المعد من طرف مصالح أملاك الدولة أن أملاك الدولة غير قابلة للتصرف فيها أو الحجز عليها أو اكتسابها بالتقادم و بالتالي لا يمكن الحصول على ملكيتها من طرف الطاعنين عن طريق الحيازة كما تنص عليه المادة 827 من القانون المدني .
حيث أن الأمر يتعلق بشاغلين بصفة غير قانونية لأراضي مملوكة للدولة فيمكن للطاعنين الاستفادة من المرسوم 85-212 المؤرخ في 18 أوت 1985 كي يتحصلوا على تسوية وضعيتهم).
لكن هذا لا يمنع من أن الدولة و المجموعات المحلية تستطيع استعمال دعاوى الحيازة لحماية أملاك الدومين العام ،و عليه إذا كان العقار داخلا في الدومين العام فإنه لا يكون في الأصل قابلا للحيازة و كان ينعى أن لا يكون هناك مجال في شأنه لدعاوى الحيازة ،و لكن القضاء في فرنسا جرى على حماية الشخص العام في حيازته للعقار الداخل في الدومين العام ضد أعمال التعرض و الاغتصاب الصادر من الغير ،بل أنه يحمي كل من حصل من الأفراد على ترخيص قي الانتفاع بالعقار الداخل في الدومين العام في حيازته لهذا العقار بجميع دعاوى الحيازة ضد الغير فيما عدا الجهة الإدارية التي منحته الترخيص (1) .
و من ذلك ما نصت عليه المادة 171 من المرسوم 91 -454 بأنه يحق للمؤسسات العمومية المكلفة من طرف الدولة بتسير مرافق عامة أو أداء مهمة منفعة عمومية أن ترفع دعاوى الملكية و الحيازة لحماية الأملاك الوطنية العمومية التي تشغلها في حالة تعرضها لاعتداء من طرف الغير .
و في هذا الإطار جاء القرار رقم 181645 المؤرخ في 24/06/1998 بأنه:
" من المقرر قانونا أنه يجوز لحائز العقار إذا فقد حيازته بدأ سريان السنة من وقت انكشاف ذلك و لما تبين من قضية الحال أن الحيازة ثابتة منذ عهد الاستعمار و إن ما بين فوقها كان يرخصه من المصالح البلدية دون أية منازعة ك حيازتها و في استصلاحها و غرسها و لما قرر قضاة المجلس بأن الحيازة لا تجدر في الأملاك التابعة لدولة فإن هذا التأسيس خاطىء لأنه لا يوجد أي نص قانوني يتحدث على منع الحيازة في الأملاك العقارية التابعة للدولة التي تمنح للأشخاص بموجب شهادة إدارية من أجل استغلالها و الانتفاع بها مما يستوجب نقص القرار
المطعون فيه " .
ب / حيازة الأملاك الوطنية الخاصة:
و هي العقارات المملوكة للدولة أو الأشخاص المعنوية الأخرى ملكية خاصة و لم تخص للمنفعة العامة و يكون التصرف فيها كتصرف ال أموالهم الخاصة و تمنع هذه العقارات بوجب عام لأحكام الملكية شأنها بذلك شأن العقارات المملوكة للأفراد تحق الدولة و العقارات الخاصة ضد حق ملكية مدنية محضة ،أسباب كسب ملكية العقار الخاص حددها المشروع في القانون
90/30 على سبل الحصر وصه التعاقد سواء طبق القانون المدني أو القانون الإداري من خلال ق ص ع عن طريق الأملاك الشاغرة و اكتشاف الكنوز و الهبات ...الخ
و في هذا الاطار سوف تتعرض لبعض القرار رقم 271-73ل 21/10/90 م ق 92 ص 4 *
الأمثلة عن الحيازة في الأملاك الوطنية الخاصة من ذلك أراضي العرش و المستثمرات الفلاحية في إطار القانون 87/19 و القانون 83/18 المتعلق بالاستصلاح.
1/ حيازة أراضي العرش :
أراضي العرش هي تلك الأراضي التي منحت من قبل الدايات الأتراك للقبائل و العروش الذين كانوا موالين لهم على سبيل الانتفاع الجماعي أما عن كيفية الانتفاع فكان كل فرد من أفراد القبيلة له الحق في الاقتناء بالمساحة التي يستطيع استغلالها و خدمتها مع ظفر عملية الإيجار أو الأرض أو البيع أو القسمة و في حالة عدم استغلالها و شراها بورا يحق استرجاعها و إعادة منحها من قبل القبيلة إلى من يتعهد بخدمتها و استغلالها و هذا الاستغلال يعطي للمستغل حق رضي التجار و تملكها و لقد مرت هذه الأراضي بعدة تطورات عبر مراحل زمنية مختلفة إلى غاية الاستغلال تميزت فيها المرحلة الاستعمارية بإصدار عدة قوانين بقصد تمكين الحائزين لهذه الأراضي من تملكها بقصد تمكين المعمرين كما يعد شرائها في إطار سياسة الاستيطان الاستعمارية غير أن نقل ملكية هذه الأراضي لحائزها لم تتم (1) .
أما فترة الاستقلال فأهم ما ميزها هو صدور القانون رقم 90/25/ المؤرخ في 18/11/90 المتعلق بقانون التوجيه العقاري الذي صنف الملكية العقارية إلى أملاك وطنية و أملاك خاصة و أملاك وقفية و بموجب م /85 المعدلة بموجب الأمر 95/26 ل 25/09/1995 اعتبرت أراضي العرش ملك للدولة إذ نصت على أنه تبقى ملكا لدولة أراضي العرش و البلديات المدمجة ضمن الصندوق الوطني للثورة الزراعية بمقتضى الأمر رقم 71/73 ل 8/11/71 و ذلك وقفا للمادة 18 من القانون رقم 900-30 ل 1/12/90 و المتضمن قانون الأملاك الوطنية و في مجال حيازة هذا النوع من الأراضي ضد ما جاء في القرار رقم 196049 المؤرخ في 26/04/2000 الذي كرس الحيازة على أراضي العرش حيث جاء فيه : (حيث أن القضاة المجلس اعتبروا أن الأراضي المتنازع عليها أرض عرش من أملاك الدولة و بالتالي لا يمكن الإدعاء بحيازتها لكن حيث يتبين من عناصر الملف أن المدعية المستأنف عليها لم تتمسك بالحيازة اتجاه الدولة مالكة الأرض بل تمسكت لحيازتها اتجاه التغير الذي حسب مزاعمها تعرضوا لحماية حيازتها بدون وجه حق و حيث أن الدولة ليست طرفا في الدعوى الحالية و لا تنازع المدعية في حيازتها حيث كان على قضاة المجلس أن يطبقوا مقتضيات المادة 822 من القانون المدني و أن يفصلوا من الذي له الحيازة المادية أن من الذي له وثائق تثبت حيازته الحالية و المادية على الأراضي) و هذا عكس المادة 4 من القانون 90/30 المتضمن الأملاك الوطنية التي لم تقر الحماية التقليدية للأموال عدم القابلية للتصرف ،عدم الحجز ،عدم جواز التمسك بالتقادم إلا على الأملاك الوطنية العمومية .
و ما دام أن أراضي العرش تصنف ضمن خانة الأملاك الوطنية الخاصة فبنتيجة فهي لا تخضع لقواعد الحماية المذكورة و بالتالي يجوز التمسك بحيازتها حتى في مواجهة الدولة نفسها (1)
2/ الحيازة في المستثمرات الفلاحية :
و هذا النوع من المستثمرات تم إحداثه بموجب القانون 87/19 و هي في الأصل أملاك وطنية خاصة تم إحداثها بقصد استغلالها في إطار تكريس المحافظة على الأراضي المختصة في إنتاج بعض المحاصيل الزراعية كالقمح و الشعير و غيره و يتم استغلالها بصورة جماعية كقاعدة عامة،على أنه يجوز أن يتم استغلالها بصفة فردية .
و المستثمرة الفلاحية هي إصلاح اقتصادي تعني وحدة ترابية مسيرة مستغلة طيلة السنة من طرف شخص أو عدة أشخاص، تنظم وسائل الإنتاج و ذلك لخدمة الإنتاج الفلاحي قانونا تكون ملكا للشخص الذي يستغلها أو للغير (2)
و يصبح للمستثمرة الفلاحية الجماعية وجود قانوني عند نشر العقد الإداري في سجل الحفظ العقاري، و يترتب على ذلك أن حق الانتفاع يكون ملك لأعضاء المستمرة في حين أن الملكية الرقبة تكون للدولة. و يمتاز حق الانتفاع هذا عن حق الانتفاع وقفا للقواعد العامة إذا يخول لأعضاء المستمرة اكتساب بعض الحقوق و ترتيب عليهم بعض الالتزامات المغايرة و التي تخرج عن القواعد العامة في المقررة في حق الانتفاع، إذ من شأنه أن يخول لهم حق انتفاع دائم ينتقل للورثة ضمن شروط معينة أقرها القانون 87/19 على خلاف حق الانتفاع العادي الذي ينتهي بوفاة المنتفع. كما يخول لأعضاء المستمرة ممارسة بعض الدعوي التي ترمي إلى حماية حيازتهم لحق الانتفاع الدائم و من ذلك ما جاء في القرار رقم 195.240 المؤرخ في 26/أفريل/2000 م ق 2000 عدد 01 ص 161 ( انه من كانت المستمرة الفلاحية تتمتع بالشخصية المعنوية كشركة مدنية طبقا للمادة 13 من القانون 87/19 فإنه يحق لها ممارسة الدعاوي الرامية إلى حماية حق الانتفاع الدائم على الأراضي التابعة ملكيتها للدولة و بالتالي فلا مانع من تمسك القاضي المدني باختصاصه في هذا المجال ) .
و عليه يتضح أن ملكية أعضاء المستمرة تقتصر على حق الانتفاع الدائم دون ملكية الأرض التي تبق ملك للدولة .
3- الحيازة في الأراضي المستصلحة :
يعد الاستصلاح سبب من الأسباب كسب الملكية العقارية في التشريع الجزائري، و قد جاء التنصيص عليه في المرسوم 83/18 المؤرخ في 13/أوت/1983 المتعلق بحيازة الملكية العقارية الفلاحية .
و يقصد بالاستصلاح بمفهوم القانون 83/18 كل عمل من شأنه جعل أراضي قابلة للفلاحة صالحة للاستغلال، و يمكن أن تنصب هذه الأعمال على أشغال تعبئة المياه و التهيئة و تنقية الأراضي و التجهيز و السقي و التخفيض و الغراسة و المحافظة على التربة قصد إخصابها
و زرعها .
و يتم الاستصلاح في الأراضي التابعة للدولة و الواقعة في المناطق الصحراوية أو المنطوية على مميزات مماثلة و كذا الأراضي الأخرى الغير مخصصة و الممكن استخدامها في الفلاحة بعد الاستصلاح مع استبعاد الأراضي التي أدمجت في صندوق الثورة الزراعية .
و يعد المستصلح حائزا للأرض محل الاستصلاح خلال 5 سنوات المتعلقة بتنفيذ برنامج الاستصلاح فإن تم تنفيذه يسقط الشرط الفاسخ و تنتقل ملكية الأرض للمستصلح على خلاف ما جاء في القرار رقم 228753 المؤرخ في 24/أفريل/2002 ( إن قانون 83/18 المؤرخ في 13/أوت/83 يؤدي إلى امتلاك الأراضي للمترشح لاستصلاحها و عليه فإنه قانون ناقل للملكية يشكل عائقا لدعاوى الحيازة و سند للملكية )
4- الحيازة في الأملاك الوقفية :
وقف العقار هو حبسه عن تمليكه لأحد من العباد و صرف منفعته في وجوه البر ،وكان الوقف قبل سنة 1984 خاضعا لأحكام الشريعة الإسلامية، أما بعد صدور قانون الأسرة في 1984 بموجب القانون 84/11 أصبح خاضعا لأحكام قانون الأسرة الذي نظم الوقف في الفصل الثالث من الكتاب الرابع الخاص بالتبرعات و قد خضع في تنظيمه إلى عدة مراسيم
و مناشير و قوانين من ذلك القانون رقم 91/10 المؤرخ في 27/04/1991 المتعلق بالأوقاف
و الذي عدل عدة مرات آخرها سنة 2002. و ينقسم الوقف إلى وقف عام و هو ما حبس على جهات خيرية من وقت إنشائه كوقف أرض لحساب مستشفى، و إلى وقف خاص و هو ما يحبسه الواقف على عقبه من الذكور و الإناث أو أشخاص معنيين ثم يؤول إلى الجهة التي يعينها الواقف بعد انقطاع الموقوف عليهم.
و في مجال حيازة الأملاك الوقفية صدر القرار رقم 99.360 المؤرخ في 13/01/1986 الذي جاء فيه: " حيث أنه لا يجوز التمسك بالتقادم في استغلال الأرض المحبسة لانعدام نية التملك "
و كنتيجة لما كل ما سبق بيانه فإنه تجدر الإشارة أن موضوع الحيازة في الأملاك الوطنية ما يزال محل خلان بين عدة فقهاء و على مستوى كل القوانين العربية فمنها من تجيز الحيازة و منها من تمنعها من ذلك الأستاذ السنهوري الذي يرى أنه لا يجوز ممارسة الحيازة في الأملاك الوطنية بنوعيها العامة و الخاصة و تشاطر في ذات الرأي الأستاذة فريدة زووي .
أما الأستاذ عمر زودة فيرى أنه لا يجوز الحيازة في الأملاك الوطنية العمومية مستندا في ذلك إلى نص المادة 827 من القانون المدني،أما في الأملاك الوطنية الخاصة فإنه يفرق بين مرحلتين زمنيتين قبل سنة 1990 أي قبل صدور قانون الأملاك الوطنية فإنه لا يجوز الحيازة في الأملاك الوطنية الخاصة أما بعد 90 فإنه يجوز الحيازة في الأملاك الوطنية الخاصة و يذهب إلى أن بعد من ذلك إذ يجيز للحائر المطالبة لملكيتها بالتقادم إذ يعتبر أنه الأثر المنطقي و القانوني للحيازة في مواجهة الدولة على خلاف ما ذهبت إليه المحكمة العليا التي تجيز فقط ممارسة الحيازة أما اكتساب الملكية بالتقادم فلا تجيزه .
الحيازة في الحقوق :
سبق القول أن الحيازة في القانون الروماني كانت قاصرة على الأشياء المحسوسة من عقار و منقول، غير أن هذه الفكرة تطورت حيث أصبحت تشمل الحقوق، فأمكن تصور حيازة حق الارتفاق و حق الانتفاع وسميت هذه بشبيه الحيازة quassi passesion و ظلت هذه التفرقة قائمة في القانون الفرنسي القديم. أما القانون المدني الفرنسي الحالي فقد قضى على هذه التفرقة إذ نص عل أن الحيازة هي إحراز شيء أو استعمال حق .
و قبل الخوض في مدى ممارسة الحيازة على الحقوق نتعرض قبل كل شيء إلى تقسيمات الحقوق مع تعريفها حتى يتسنى بشكل دقيق تحديد الحقوق التي تحوز حيازتها من تلك التي لا تجوز فيها الحيازة، و لعل أبرز التقسيمات للحقوق نجد الحق العيني و الحق الشخصي .
فما المقصود بينهما ؟
يعرف الحق العيني على أنه سلطة شخص تنصب مباشرة على شيء مادي معين بحيث يستطيع صاحبه أن يباشره دون تدخل شخص آخر من ذلك حق الملكية ،و تنقسم الحقوق العينية إلى حقوق عينية أصلية لحق الملكية و الذي بدوره تتفرع عنه حقوق آخرى مثل : حقوق الانتفاع و حقوق الارتفاق و حقوق الاستعمال أو السكن (1)
و إلى حقوق عينية تبعية و هذه الأخيرة لا توجد متسقلة بل تكون تابعة لحقوق شخصية (حقوق الدائنية ) و ذلك لضمان الوفاء بها فسميت الحقوق العينية التبعية بالتأمينات العينية
و من أمثلها الرهن الرسمي و حق الاختصاص و الرهن الحيازي و حقوق الامتياز .
أما الحق الشخصي فيمثل في رابطة قانونية بين شخصين بمقتضاها يقوم احدهما و هو المدين قبل الآخر و هو الدائن بأداء مالي معين أو بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل حيث يصبح للدائن الحق بمطالبة المدين بموضوع هذا الالتزام .و عليه يكون الحق الشخصي علاقة بين الأشخاص بينما الحق العيني هو علاقة بين الشيء و صاحبه .
فتقع الحيازة على الحق العيني و معنى ذلك أنها تقع على شيء مادي و أن الحائز يباشر سلطاته ماديا على الشيء المعين بالذات، لذلك لا يصح أن تقع الحيازة لا على المجموعات القانونية كالتركة و لا على مجموعة واقعية من المال كالمحل التجاري و إنما يصح أن تقع الحيازة على الشيء من هذه المجموعات واقع على إنفراد ،و الذي يباشر سلطاته على عين من أعيان التركة لا يمكنه ادعاء حيازة المجموعة الأعيان كما هو الحال بالنسبة للحائز على الشيوع، و ذلك لقيام الالتباس حول ما إذا كان الشريك في الشيوع يحوز لنفسه أو لحساب غيره مع الشركاء و على الشيوع. و الأصل أن يكون محل الحيازة حقا عينيا لأن هذا الحق هو الذي يخول لصاحبه سلطة مباشرة على الشيء فيمكن حيازته بممارسة الأعمال التي تخولها هذه السلطة على الشيء مباشر (2)
فالحقوق العينية وحدها يمكن أن تكون محلا للحيازة ، مما يستبعد الحقوق الشخصية و الحقوق المعنوية ،فلا تجوز حيازة هذه الأخيرة لأنها ترد على الشيء غير مادي كحق المؤلف في مؤلفاته العلمية و حق الفنان في مبتكراته الفنية و حق التاجر على الاسم التجاري .
كما لا تجوز حيازة الحقوق الشخصية كالديون فلا تخضع للحيازة و كذا بالنسبة للمستأجر فلا يعد حائزا حقيقيا و العقد المبرم ذاته ينفي عنه هذه الصفة إذن حائز عرضي و القانون عندما أباح للمستأجر رفع دعاوى الحيازة لم يكن يعني أن الحق الشخصي يخضع للحيازة الحقيقية إنما هي حماية مؤقتة لدفع الاعتداء بدليل أن الحائز العرضي لا يكسب الحق الشخصي بالتقادم و أنه لو قام نزاع بين الحائز العرضي و من يعمل الحائز لحسابه فحل النزاع يكون على أساس العقد المبرم بينهما و ليس على أساس دعوى الحيازة (1)
و هو ما أقره المشرع الجزائري في نص المادة 487 من القانون المدني عندما حمى حيازة المستأجر على الرغم من أنها حيازة عرضية مما يفهم أنه أخد بالنظرية الشخصية و خرج عن ذلك باستثناء و أخد بالنظرية المادية عندما نص على حماية حيازة المستأجر بجميع دعاوى الحيازة .
و ما يجدر الإشارة إليه أن بعض الفقهاء يرون أن الحيازة تشمل حتى الحقوق العينية التبعية التي تستلزم حيازة الدائن للشيء المحمل بالحق كالرهن الحيازي فإذا كان الشيء المرهون عقارا غير مملوك للراهن استطاع الدائن المرتهن أن يكسب حق الرهن عليه بالتقادم الطويل أو القصير (2) على خلاف الأمر في التشريع الجزائري أين يعتبر الدائن المرتهن رهن حيازي حائز عرضي و بالتالي لا تحمى حيازته بدعاوى الحيازة. و في هذا الإطار يعد صاحب حق الانتفاع و حق الاستعمال أو السكن حائزين عرضين كونهم يحوزون لحساب الغير إلا أن حيازتهم صحيحة للحق العيني أو الحق الشخصي الذي يحوزنه و يتوافر لديهم عنصري الحيازة المادية و المعنوية بالنسبة لهذا الحق بل أنهم حائزون أصليون له و لكنهم يعتبرون حائزون عرضيون لحق الملكية، فالمنتفع حائز عرضي كون أن سنده يستدعي الاعتراف بحقوق صاحب الرقبة، و عليه فإن المنتفع ليس حائزا عرضيا بالنسبة لحق الانتفاع نفسه كونه يمارس هذا الحق على أساس أنه سيد عليه مما يخول له تملكه بالتقادم (3)
و من الأمثلة على ذلك حق الانتفاع الدائم الممنوع في إطار القانون 87/19 المتعلق بكيفية استغلال الأراضي الفلاحية التابعة للأملاك الوطنية إذ يعد أعضاء المستمرة ما يكن لحق انتفاع يخول لهم الاستغلال ،الإنتاج ،غير أنهم حائزون أصليون لحق الانتفاع مما يخول لهم رفع دعاوى الحيازة في حالة وقوع اعتداء من الغير فهم يحوزون لحساب الغير و هي الدولة مالكة الرقبة .

إلغاء القرار الإداري لحياده عن الهدف المخصص لإصداره

تمهيد و تقسيم :

للقرار الإداري هدفان أولهما تحقيق المصلحة العامة و ثانيهما تحقيق الهدف الذي خصصه المشرع لإصدار هذا القرار 0

فإذا حاد مصدر القرار عن هما غدا قراره باطلا لكونه مشوبا بالانحراف في استعمال السلطة ذلك العيب الهام من عيوب قرار الإداري الموجب لإلغائه والمتمثل في استخدام رجل الإدارة لسلطاته بغية تحقيق غاية غير مشروعة لتعارضها مع المصلحة العامة أو مع الهدف الذي حدده القانون لإصدار القرار 0

و نظرا لما يتسم به الانحراف عن الهدف المخصص من أهمية و غموض سبه اتسامه بالدقة , ففيه يكون القرار باطلا حتى لو ابتغى مصدره تحقيق مصلحة عامة 0

و تنظرا لأن كتب الفقه على كثرتها لم تعني بهذا الموضوع برغم أهميته البالغة في الحفاظ على حقوق الأفراد و حرياتهم تجاه تعسف الإرادة 0

لذا فقد آثارنا إلقاء الضوء – على هذا الموضوع من خلال مبحثين في أولهما نضع تحديدا لمفهوم قاعدة تخصيص الأهداف و في ثانيهما نحصر أوجه الانحراف عن قاعدة تخصيص الأهداف و في ثانيهما نحصر أوجه الانحراف عن قاعدة تخصيص الأهداف المتمثلة في الخطأ في تحدي الأهداف المنوط برجل الإدارة تحقيقها و الخطأ في استعماله لوسائل تحقيق هذه الأهداف 0



المبحث الأول

تحدي مفهوم قاعدة تخصيص الأهداف



إذا كانت القاعدة أن القرارات الإدارية جميعها و بغير استثناء يجب أن تستهدف تحقيق المصلحة العامة فإن هناك أيضا قاعدة أخرى تضاف إلى هذه القاعدة و تكملها و تقضي بوجوب استهداف القرارات الإدارية تحقيق الأهداف الذاتية المتخصصة التي عينها المشرع في المجالات المحددة لها 0

و يكون القرار الإداري مشوبا بالانحراف في السلطة في هذه الحالة , كلما كان الباعث على اتخاذه هو تحقيق هدف غير الذي أراده المشرع حين منح الإدارة السلطة في اتخاذ هذا القرار بالذات و و لا يهم بعد ذلك أن يثبت إن الإدارة كانت تهدف من القرار الذي اتخذته تحقيق مصلحة عامة , ما دامت هذه المصلحة غير المصلحة التي حددها المشرع 0

فالفرق بين الانحراف عن المصلحة العامة و الانحراف عن قاعدة تخصيص الأهداف أنه في حالة انحراف عن مبدأ تخصص الأهداف يكون العضو الإداري حسن النية لا يبغي إلا تحقيق الصالح العام , و لكنه يستخدم ما بين يديه من وسائل لتحقيق أغراض مما لا يجوز تتحقق بتلك الوسائل أو مما لا يختص بتحقيقها 0

و معنى ذلك أن لكل قرار إداري هدفين , أحدهما خاص و هو الذي حدده القانون أو يستفاد من طبيعة الاختصاص و هذا الهدف تختلف و درجة تحديده من حالة إلى حالة أخرى كما أن له دائما هدفا عاما و هو المصلحة العامة 0

و التخصيص قد يستفاد من صراحة النص حيث حدد المشرع هدفا خاصا لقرارات وزير التموين هو توفير المواد التموينية للمواطنين و تحقيق العدالة في توزيعها فإذا استهدفت هذه القرارات تحقيق أكبر عائد اقتصادي للدولة فإنها تكون مشوبة بالانحراف بالسلطة و كذلك القرار الصادر بوقف العامل المحال للتحقيق عن العمل , يجب أن يكون الهدف منه هو تحقيق صالح التحقيق فإذا كان الهدف منه إسناد عمله إلى أخر كفء فإن هذا القرار يكون مشوبا بالانحراف في استعمال السلطة 0

و قد يستخلص الهدف المخصص من روح التشريع أو طبيعة الاختصاص فقد حدد المشرع مثلا لسلطات الضبط الإداري هدفا محددا , و هو المحتفظة على النظام العام فإذا استعملت الإدارة سلطاتها في هذا الخصوص لغير هذا الهدف كان قرارها مشوبا بعيب الانحراف بالسلطة حتى و لو كان الهدف لا بجانب الصالح العام 0

و في حالة عدم تحديد المشرع للهدف لخاص الذي يتعين أن يحققه القرار يكون تحديد هذا الهدف متروكا لتفسير القاضي و استخلاصه لمراد المشرع و قصده , حيث يستعمل سلطته التقديرية في تحدي الأهداف الخاصة للقرار بكل الوسائل المكنة كالرجوع إلى الأعمال التحضيرية و المذكرات التفسيرية و تتبع المناقشات التي دارت حول القانون 0

و مفاد ذلك أنه لا يكون للقاضي أي دور أو اجتهاد في تحديدي الهدف الخاص إذا ما كشف عنه المشرع صراحة و إنما يتعين عليه أن يعمل على تحقيقه و على العكس من ذلك يكون له دور بارز في استخلاصه على نحو ما رأينا إذا لم يكشف عنه المشرع 0

و علة تطبيق قاعدة تخصيص الأهداف أن الجهاز الإداري بمختلف فروعه و تعدد أطرافه و تكاثر مسئولياته لا يمكن أن يتيح لأي فرد من أعضاء هذه النظام الضخم أن يأخذ على عاتقه تحقيق طائفة خاصة من المصالح العامة دون الطوائف الأخرى حيث إن التنظيم الهيكلي للإدارة الذي يترتب عليه أن السلطة الممنوحة للموظف يقابلها مجال معين من المصلحة العامة يتعين عليه تحقيقه و عدم خلطه مع مجالات المصلحة العامة الأخرى 0

فالقانون هنا عين له الهدف وحدده و الذي من أجل بلوغه منحه السلطة فإن هو استخدم هذه السلطة للوصول إلى هدف أخر و لو كان يحقق مصلحة عامة فإن قراره يكون مشوبا بالانحراف بالسلطة 0

و يرى جانب من الفقه أن ضرورة الانحراف بالسلطة المتمثلة في مخالفة قاعدة تخصيص الهداف أقل خطورة من صورته المتمثلة في مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف أقل خطورة من صورته المتمثلة في مجانية المصلحة العامة لأن رجب الإدارة في الحالة الأولى لم يتجاوز نطاق الصالح العام ليعمل على تحقيق صالح شخصي و إنما اقتصر على مخالفة الهدف الذي حدده له المشرع و جعل قراراته مرصودة على تحقيقه كما إنه في حالة الانحراف عن قاعدة تخصيص الأهداف يكون العنصر الإداري حسن النية لا يبغي إلا تحقيق الصالح العام و إن استخدم ما بين يديه من وسائل لتحقيق أغراض مما لا يجوز أن تتحقق بتلك الوسائل أو مما لا يختص تحقيقها 0

إلا أن هناك جانب أخر من الفقه ذهب بحق إلى أن ذلك لا ينفي خطورة الانحراف عن قاعدة تخصيص الأهداف و ذلك بالنظر إلى الآثار المترتبة عليها من اعتداء على حقوق الأفراد لا يعنيهم أن كون الهدف المبتغي من تصرف الإدارة قصدت به تحقيق مصلحة عامة أم لا إنما يعنيهم ما موقع عليه من اعتداء سبه خروج الإدارة عن قاعدة تخصيص الأهداف 0

و قد وجدت هذه القاعدة تطبيقا لها في قضاء مجلس الدولة الفرنسي حيث دأب على إلغاء قرارات الإدارة التي يثبت لديه خروجها عن تحقيق الهدف المخصص 0

حيث قضى بإلغاء قرار المحافظ و الصادر بتقرير المنفعة العامة لقطعة أرض مملوكة للسيد BARON و ذلك للانحراف بالسلطة حيث تبين للمجلس من الظروف المحيطة بالدعوى أن ما أعلنته البلدية من ضرورة المحافظة على الطابع الهادئ للمنطقة السكنية المجاورة للأرض المذكورة ليس من الأهداف التي لأجلها يتقرر نزع الملكية للمنفعة العامة 0

كما قضى بإلغاء قرار المحافظ الصادر بتقرير المنفعة العامة للأرض المملوكة للسيد SCHEWARTZ لإنشاء ملاهي و حمام سباحة , ذلك أن القرار لا هدف إلى المحافظة على صحة العامة و إنما يهدف إلى تطوير أنشطة الترفيه الخاصة بالبلدية 0

و قد كان إلغاء مجلس الدولة لقرار المحافظ في القضيتين سبه خروج المحافظ على الهدف المخصص لتقرير المنفعة العامة و هو المحافظة على النظام العام بمدلولاته الثلاثة و كان إلغاء مجلس الدولة للقرارين بالرغم من ابتغائهم تحقيق مصلحة عامة 0

و قد كان لمجلس الدولة المصري ذات الموقف الذي يؤكد ضرورة احترام قرارات الإدارة للهدف الذي حدده المشرع لإصدارها و إلا قضى بإلغائها لخروجها على قاعدة تخصيص الأهداف 0

فقد كان لمحكمة القضاء الإداري منذ البداية موقف واضح في هذا الشأن حيث ذهبت إلى أنه " لا يجوز اتخاذ أي من التدابير أو الإجراءات التي يجيزها الشارع , لتحقيق هدف أخر مغاير للهدف الأساسي الذي قصد إليه الشارع و لو كان هذا الهدف محققا للصالح العام بمعناه لشامل , و ذلك تطبيقا لقاعدة أصولية هي المصطلح على تسميتها قاعدة تخصيص الأهداف و جزاء مخالفة تلك القاعدة بطلان تلك القرارات لكونها مشوبة بالانحراف بالسلطة و الذي يتمثل في عدم احترام الإدارة لركن الغاية من التشريع 0

و إذا كان قضاء محكمة القضاء الإداري قد اتسم منذ البداية بإدخال مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف ضمن حالات الانحراف بالسلطة فإن قضاء المحكمة الإدارية العليا قد مر في هذا الشأن بمرحلتين ففي البداية لم تسلم المحكمة الإدارية العليا بما ذهبت إليه محكمة القضاء الإداري , و قدمت أحكام تضييق فيها من نطاق الانحراف بالسلطة بحيث تقتصره على حالة استهداف مصلحة خاصة فقط دون حالة مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف حيث كانت تشترط لقيام الانحراف بالسلطة توافر سوء النية لدى مصدر القرار الإداري و لذلك قضت بأنه " إذا لم يكن لدى الإدارة هذا القصد , بدافع من هوى أو تعد " أو انتقام فلا قيام لعيب إساءة استعمال السلطة 0

غير أن الفقه انتقد هذا التطبيق لعيب الانحراف بالسلطة حيث لم يلق استجابة لديه استنادا لعيب الانحراف بالسلطة يقوم مع حسن النية إذا خالفت الإدارة قاعدة تخصيص الأهداف 0

و قد عدلت المحكمة الإدارة العليا في أحكامها اللاحقة لحكم السابق عن مذهبها في التضييق من نطاق عيب الانحراف بالسلطة آخذة بوضوح بقاعدة تخصيص الأهداف حيث قضت بأنه " ‘ذا ما عين المشرع غاية محددة , فإنه لا يجوز لمصدر القرار أن يستهدف غيرها و لو كانت هذه الغاية تحقيق مصلحة عامة "

و قضت أيضا بعدم شرعية قرار ضبط بإغلاق سوق خاصة يوم الاثنين من كل أسبوع ليحقق رواج سوق مجلس قروي الوسطي الذي أصابه الركود 0

و أخيرا قضت بانعدام قرار ضبط تضمنه ترخيص سوق عمومي يستهدف مصلحة مالية بتخويل المرخص له تحصيل مقابل إشغال الطريق العام للمجلس المحلي 0

و الواقع أن ما انتهت إليه المحكمة الإدارية العليا من عدم اشتراط سوء نية مصدر القرار للقضاء بالانحراف بالسلطة هو قضاء محمود فإلى جانب ما يترتب عليه من إدخال مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف ضمن حالات الانحراف بالسلطة فإن فيه تشديدا لقبضة القضاء على رجل الإدارة الذي ينحرف بسلطته حيث أنه في ظل القضاء السابق و الذي يشترط سوء النية يوسع رجل الإدارة الإفلات من إلغاء قراراه لمجرد إثباته أنه كان حسن النية حين أصدر و يترتب على ذلك الهروب من الإلغاء مما يؤدي إلى الإضرار بمصلحة من اعتدى القرار المشوب بالانحراف على حقوقه و حرياته و الذي كل ما يصبو إليه هو إلغاء هذا القرار الخاطئ و التعويض عن الأضرار التي مني بها من جرائه , و لا يعنيه في سيئ ما إذا كان رجل الإدارة سيئا أو حسن النية 0

و مما ساعد على انتشار الانحراف بالسلطة المتمثل في الانحراف عن قاعدة تخصيص الأهداف قيام نظام لا مركزي تتمتع فيه السلطات الإقليمية و المركزية بجانب كبير من الاستقلال في استعمال سلطتها فعيب الانحراف يستلزم قيام سلطة تقديرية و من الطبيعي ألا يخطئ العضو الإداري خطأ من هذا القبيل إلا إذا تنوعت السلطات التي تحت يديه و كان له بعض الحرية في استعمالها 0

و للانحراف عن قاعدة تخصيص الأهداف وجهان يضمان صورا عديدة سوف تكون موضوع المبحث التالي :
المبحث الثاني :

أوجه الانحراف عن قاعدة تخصيص الأهداف

تمهيد و تقسيم :



قد يقدم رجل الإدارة نتيجة لخطأ فني وقع فيه على إصدار قرار لتحقيق مصلحة عامة لم يوكل إليه أمر لتحقيقها و قد يقدم على تحقيق مسلحة عامة مكلف بتحقيقها و لكنه استخدم في ذلك وسائل غير تلك التي قررها لمشرع لتحقيق هذه المصلحة

و في تلك الحالتين يرتكب رجل الإدارة انحرافا بالسلطة ممثلا في قاعدة مخالفة تخصيص الأهداف 0

و لإيضاح ما أجملناه سوف نتناول أوجه الانحراف عن قاعدة تخصيص الأهداف و ذلك في مطلبين على النحو الآتي :

المطلب الأول :

الخطأ في تحديد مدى الأهداف المنوط بالموظف تحقيقها 0

المطلب الثاني :

الخطأ في استعمال رجل الإدارة لوسائل تحقيق الهداف 0

المطلب الأول

الخطأ في تحديد مدى الأهداف المنوط

بالموظف تحقيقها 0



تمهيد و تقسيم :

في هذه الصورة يستعمل رجل الإدارة سلطته التقديرية في تحقيق أهداف عامة غير منوط به في تحقيقها حيث إن القانون لم يجعلها من بين الأهداف التي يتعين على رجل الإدارة أن يحققها باستعمال ما بين يديه من سلطات 0

و في هذه الصورة من صور الانحراف عن قاعدة تخصيص الأهداف يتصف عيب الانحراف بالسلطة بعيب عدم الاختصاص لأن عضو الإدارة يحاول أن يحقق غرضا قد جعله القانون من اختصاص عضو إداري أخر 0

و تظهر تطبيقات هذه الصورة بمناسبة استعمال الإدارة لسلطاتها المقررة في الاستيلاء أو في استعمالها لسلطتها بقصد فض نزاع ذي صبغة خاصة أو قيام إحدى الهيئات بمنع خدماتها عن أحد المواطنين لإجباره على القيام بتصرف معين 0

و سوف نفصل ذلك في الفروع التالية :

الفرع الأول : الانحراف في استعمال سلطة الاستيلاء 0

الفرع الثاني : استعمال السلطة الإدارية لفض نزاع ذي صبغة مدنية 0

الفرع الثالث : منع خدمات الإدارية عن أحد الأفراد لإجباره على إتيان تصرف معين 0



الفرع الأول

الانحراف في استعمال سلطة الاستيلاء

يعد الاستيلاء من الممكنات الخطيرة التي تملكها الإدارية و التي يمكن أن تهدد ملكية الأفراد و حقوقهم المالية و بالتالي فإنه من المحتم أن ينفذ تنفيذا دقيقا في حدود القانون و دواعيه و البواعث المشروعة لدى الإدارة لإعمال هذا الامتياز على خطورته يمكن أن تجد تبريرها في أن الإدارة مكلفة بإقامة و رعاية الصالح العام , و قد يكون الاستيلاء وسيلة لحصول الإدارة على بعض احتياجاتها التي أعوزتها الوسائل العادية في الحصول عليها و قد كون وسيلة لمواجهة ظروف طارئة قد تهدد الأمن الداخلي أو الخارجي لمواجهة كارثة عامة و نحو ذلك 0

و قد عرف بعض الفقهاء الاستيلاء بأنه عملية تقوم بها السلطة الإدارية من جانب واحد و بإرادتها المنفردة في مواجهة شخص طبيعي أو معنوي يلزم هذا الأخير بموجبها بأن يقدم لها أو للغير خدمة معينة أو عقارا معينا لاستخدامه أو منقولا لاستخدامه أو تملكه و ذلك من أجل إشباع احتياجات طارئة و مؤقتة تتعلق بالمصلحة العامة في ظل الشروط المقررة قانونا 0

و إذا كان المشرع يمنح الإدارة سلطة الاستيلاء على المواد الغذائية و الأولية و المساكن و غيرها فإن هي حادت عن تلك الأغراض مبتغية تحقيق غيرها فإنها تكون قد انحرفت بتلك السلطة عن غاياتها مما يستتبع إلغاء قرار الإدارة لانحرافها بسلطتها في إصداره و مبرر إلغاء

القرار في هذه الحالة أن الإدارة لانحرافها بسلطتها في إصداره و مبرر إلغاء القرار في هذه الحالة أن الإدارة انحرفت عن الهدف المخصص لقرارها و الذي بموجبه منحت سلطة الاستيلاء حيث إنها استعملت أحكام القانون في غير ما أعدت له 0

و قد استقر قضاء مجلس الدولة المصري و الفرنسي على إلغاء قرارات الإدارة التي تنحرف فيها عن الهدف الذي حدده لها المشرع من استعمال سلطة الاستيلاء حيث قضت المحكمة الإدارية العليا أنه " 000 حيث يستفاد من دفاع الوزارة 00 أنها تقرر بأن ذلك الاستيلاء الذي خصت به معصرة المدعي دون معاصر البلاد إنما قررته بسبب الشكاوى لم تسفر عن إدانة المدعي إذ انتهت جمعا إلى الحفظ إلا أن الوزارة لم تسلم بذلك , و قرت الاستيلاء و نفذته قبل أن يتم التحقيق نهائيا في تلك الشكاوى إذن فيكون الاستيلاء و الحالة هذه جزاء قصدت الإدارة توقيعه على المدعي بتسخير أحكام المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بالاستيلاء في غير ما أعد له و تكون الوزارة بتصرفها هذا قد أساءت استعمال سلطتها و انحرفت عن الغاية التي وضعت لها مما يعيب القرار المطعون فيه و يوجب إلغائه 0

و هذا الحكم يؤكد إن إلغاء قرار الاستيلاء على المعصرة موضوع الدعوى يجد سنده في أن قرار الاستيلاء فقد مبرره في تأمين تمويل البلاد من التلاعب و الجشع بعد ما أثبتت التحقيقات عدم صحة الشكاوى المقدمة ضد صاحب المعصرة بل إن الإدارة لم تنظر على ما سوف تسفر عنه تلك التحقيقات مما جعل المحكمة تستشف من ذلك وجود نية مسبقة لدى الإدارة في الاستيلاء بغض النظر عن توافر شروطه مسخرة في ذلك أحكام القانون في غير ما قصدت إليه و من ثم كان قرار الاستيلاء مشوبا بالانحراف بالسلطة مستوجبا الإلغاء 0

و الاستيلاء باعتباره قيد على حق الملكية فإنه يشترط لمشروعيته أن يكون قد تقرر لضرورة قصوى و يسقط الاستيلاء بانتهائها باعتباره إجراء مؤقت بطبيعته و يلزم هذا الإجراء أيضا تحقيق الهدف الذي تغياه المشرع منه و قد أرست هذه المبادئ المحكمة الإدارية العليا في أحدث أحكامها و الذي ذهبت فيه إلى أنه لا يجوز للجهة الإدارية المختصة اللجوء إلى الاستيلاء على عقارات الأفراد لحاجة التموين إلا في حالة الضرورة القصوى و التي يتعذر معها على الإدارة تدبير احتياجاتها بالطريق الطبيعي و من ثم يكون بهذه المثابة ذو طبيعة مؤقتة 000 كما أنه

يلزم لمشروعية قرار الاستيلاء وسيلة استثنائية , تتضمن قيدا على حق الملكية عبثا عليها لا يبره إلى الصالح العام الذي يحدده المشرع صراحة في القانون و من ثم لا يجوز لوزير التموين اللجوء إليها إلا إذا استنفذت جميع الوسائل العادية المتاحة و لم يجد بعدها إلى هذه الوسيلة الاستثنائية لتحقيق الهدف الذي تغياه المشرع من ضمان تزويد البلاد بالمواد التموينية و تحقيق العدالة في توزيعها فيكون في هذه الحالة ضرورة ملحة اقتضاها الصالح العام , شريطة أن تدر هذه الضرورة بقدرها و ألا تجاوز حدودها "



و قد أصدرت المحكمة الدستورية العليا في هذا الشأن حكما هاما حين قضت عدم دستورية المادة الأولى من القانون رقم 52 لسنة 1955 بتخويل وزير التعليم سلطة الاستيلاء على العقارات اللازمة للوزارة و معاهد التعليم و من بين ما استندت إليه المحكمة في حكمها أن البين من النصوص التي تضمنها القانون المطعون فيه أن الاستيلاء وفقا للأحكام التي تضمنته مادته الأولة ليس موقوتا بل متراخيا إلى غير حد و موكول انتهاؤه إلى السلطة التقديرية لوزير التعليم و تخرج بذلك الأموال من السلطة الفعلية لأصحابها 000 مما يعتبر غصبا لها يحيل أصلها عدما بل إن اغتيالها على هذا النحو يمثل أسوأ صور العدوان عليها لاتخاذه الشرعية ثوبا و إطارا و انحرافه عنها قصدا و معنى فلا تكون الملكية التي كفل الدستور صونها إلا سرابا و وهما 0

و في هذا الحكم إلهام للمحكمة الدستورية العليا اعتبرت أن الاستيلاء المؤقت يخرج عن مضمونه إذا فقد صفة التأقيت , و ذهبت إلى أن في ذلك انحرافا عن المشروعية أي انحرافا في استعمال السلطة 0

و قد استعملت الإدارة الفرنسية سلطة الاستيلاء مدفوعة في ذلك بظروف الحرب و ما خلفته من

مشكلات تمتد إلى نعظم نواحي الحياة لا سيما ما تعلق منها بالغذاء و المسكن إلا أن هذه السلطة باعتبارها سلطة استثنائية كانت محددة دائما بالغرض الذي من أجله منحت و قد عني المشرع الفرنسي بتحديد تلك الأغراض فإذا ما غفلت عنها الإدارة سهوا أو عمدا ألغي مجلس الدولة قراراها لذلك قضى مجلس الدولة الفرنسي بإلغاء القرار الإداري الصادر بالاستيلاء على كمية جبن مملوكة للطاعن لأنه قام بتصدير كمية جبن غير مشروعة و قد قرر مجلس الدولة في هذا الحكم " و حيث إن قرار مدير التموين بالاستيلاء على كمية جبن مملوكة للطاعن إنما من أجل توقيع جزاء عليه لقيامه بتصدير كمية جبن بطريقة غير مشروعة و بالتالي فإن الإدارة تكون قد استعملت حقها في الاستيلاء من أجل غرض أخر يختلف عن الغرض الذي تقرر هذا الحق من أجله و بناء عليه فإن قرار الاستيلاء يكون مشوبا بالانحراف بالسلطة "
الفرع الثاني :

استعمال الإدارة سلطتها في فض نزاع مدني



لكل سلطة من سلطات الدولة الثلاثة اختصاص ثابت يتعين عليها التزام حدوده ليكون عملها مشروع 0

و إذا كان المشرع قد خص السلطة القضائية بالفصل فيما ينشأ بين الأفراد من نزاع و حسمه بحكم قضائي تنفيذه ملزم للكافة , فإن محاولة اسلطة الإدارية الإطلاع بهذا الدور يجعل ما يصدر عنها من قرارات في هذا الشأن خارجة عن نطاق المشروعية مشوبة بالانحراف بالسلطة و ذلك بالرغم من نبل الغاية و استهدافها تحقيق صالح عام متمثل في تحقيق السلام الاجتماعي 0

و ترجع عدم مشروعة عمل الإدارة في هذه الخصوص إلا إن الإدارة استعملت سلطتها في غير ما أعهدت له بالإضافة إلى اعتدائها على السلطة القضائية الأصيل في فض ما ينشأ بين الأفراد من نزاعات كما أن الإدارة بحكم تكوينها و طبيعة أداءها لنشاطها غير مؤهلة أصلا لفض النزاعات التي ذات الصيغة المبينة التي تنشأ بين الأفراد حيث أن القضاء هو الأولى بممارسة هذا الدور لما يتمتع به من حيدة و نزاهة و استقلال 0

من أجل ذلك كان ما تصدره الإدارة من قرارات مستعملة فها سلطتها قاصدة فض نزاع ذي صبغة مدنية يكون مصيرها دوما الإلغاء القضائي 0

و هذا النوع من الانحراف كثيرا ما يرتكبه المحافظون و غيرهم من رجال الإدارة فتأتي قراراتهم مشوبة بعيب الانحراف بالسلطة حيث استعملت الإدارة الصلاحية المخولة لها قانونا من أجل تحقيق هدف يختص به القضاء العاجي 0

و بالرغم من أن هذا العمل يدخل في إطار الأعمال الخيرية الجليلة إلا أن مجلس الدولة الفرنسي رفض أن يعترف للإدارة بإجراءاته و الانحراف بسلطتها في سبيله حيث قضى بعدم مشروعيته قرار ضبط قصد به حل نزاع بين الأفراد 0

و قد سار مجلس الدولة المصري على ذات الدرب حيث أعلنت محكمة القضاء الإداري عن موقفها في هذا الشأن بوضوح في حكم لها ذهبت إلى أنه " قد بان للمحكمة أن المصلحة العامة اقتضت إنشاء خط تنظيم في الشارع الواقع عليه منزل المدعي و حيث إن هذا التنظيم قد تخلفت عنه القطعة موضوع النزاع فأصبحت من الأملاك الخاصة التي يصح التصرف فيها و يكون للمالك المجاور لها حق الشفعة العادي , المقرر في القانون المدني للجار الملاصق و من حيث إن البلدية قد صدر عنها فعلا للمدعي وعدا بالبيع بعد أنه هذا الوعد زاحمته عائلة أخرى و انتهى المر بصدور القرار المطعون فيه بإلغاء زوائد التنظيم المذكورة و إعادتها للشارع مما يحدث فيه فجوة و انبعاجا لا يتفق مع التنظيم و من حيث إن هذا التصرف قد يؤدي إلى فض المنازعة و التزاحم بين جارين بشأن شراء أرض أو الانتفاع بها إلا أنه لا يدخل ضمن وظيفة البلدية فض المنازعات الخاصة أو صيانة المن بل أن وظيفتها هي التنظيم الهندسي للمدينة " و انتهت المحكمة في حكمها بالإلغاء القرار الذي قصدت به الإدارة فض نزاع ذي صبغة خاصة 0



الفرع الثالث

رفض جهة تقديم خدماتها لأحد المواطنين

لإجباره على القيام بتصرف معين



على السلطات الإدارة واجب تجاه الأفراد , يتمثل في أداء ما كفله لهم القانون من خدمات شريطة أن تنطبق عليهم شروط استحقاقها فإن توافرت تلك الشروط فالإدارة ملزمة بأداء الخدمة بلا سلطة تقديرية لها في ذلك و تكون الإدارة قد ارتكبت انحرافا بالسلطة إن هي امتنعت أو تباطأت في أداء الخدمة أيا كان باعثها على ذلك نبيلا أنم كان خبيثا فسلوك الإدارة في هذه الحالة يمثل انحرافا بالسلطة حتى و لو كان دافع هذا السلوك الضغط على أداء ما عليه من أموال للدولة

و علة وصف قرار الإدارة بالانحراف في هذا الشأن , إن الإدارة استعملت سلطتها في غير ما أعدت له حين قصدت تحقيق صالح عام لم يكلفها القانون بتحقيقه لكون ذلك من اختصاص القانون بتحقيقه لكون ذلك من اختصاص سلطة إدارية أخرى و الهدف من إلغاء قرار الإدارة في هذه الحالة هو إعلاء شأن القانون حيث إن في سلامة تطبيقه تحقيق الصالح العام بصورة أكثر شمولا 0

لذلك قضى مجلس الدولة الفرنسي بإلغاء قرار الإدارة حيث استخدمت سلطة الضبط الإداري لإجبار المتعاقد معها على الوفاء بالتزاماته التعاقدية 0

و قد ألغت محكمة القضاء الإداري قرارا لقلم المرمر بالامتناع عن تسليم أحد المواطنين رخصة سيارته التي استوفى شروط استخراجها و ذلك بهدف إجباره على سداد الرسوم المتأخرة عليه لإحدى الجهات الحكومية 0

و في هذه الدعوى وضع قلم المرور في تصور خاطئ و هو أنه كجهة حكومية مكلف بالدفاع عن مصالح باقي الجهات الحكومية و في استيفاء حقوقها لدى الأفراد مستعملا في ذلك سلطته في منح أو منع استصدار تراخيص تسيير السيارات و قد دفعه هذا الاعتقاد الخاطئ إلى الحلول محل الجهة الحكومية الدائنة و التي كفل لها القانون من الوسائل ما يمكنها من استيفاء حقوقها 0

و قد أيدت المحكمة الإدارية العليا مذهب محكمة القضاء الإداري في هذا الشأن حيث قرت
إنه " لا يجوز لجهة الإدارة رفض منح الترخيص لأساب أخرى يدخل تقديرها في مجال اختصاصها "

المطلب الثاني

خطأ رجل الإدارة في استخدام وسائل تحقيق الأهداف

" الانحراف بالإجراء "

تمهيد و تقسيم :

يرجع وجه الخطأ في هذه الصورة من صور الانحراف عن الهدف المخصص إلى استعمال رجل الإدارة في سبيل تحقيقي هدف عام منوط به تحقيقه وسيلة غير مقررة قانونا ذلك أنه إذا كان الأصل هو حرية رجل الإدارة في اختيار وسيلة مواجهة الحالة فإن مناط ذلك ألا يفرض علبه القانون وسيلة مواجهة الحالة فإن مناط ذلك ألا يفرض عليه القانون وسيلة بعينها لتحقيق الغاية التي يريد الوصول إليها و قد يرجع تجاهل رجل الإدارة للوسيلة المشروعة لكونها أكثر تعقيدا أو مشقة و قد تستغرق وقتا أطول و أخيرا و هذا هو المهم فقد تحاول الإدارة تحقيق أغراض مالية بغير الطريق المقرر لذلك 0

و يطلق على هذه الصورة من صور الانحراف عن قاعدة تخصيص الأهداف الانحراف بالإجراء و سوف يكون تناولنا لها من خلال تحديد ماهيتها و تحديد صوراها و ذلك في الفرعيين الآتيين 0

الفرع الأول :

ماهية الانحراف بالإجراء 0

الفرع الثاني :

أوجه الانحراف في استعمال الإجراء 0

الفرع الأول :

ماهية الانحراف بالإجراء



أولا مفهوم الانحراف بالإجراء :

بداية : الإجراء هو وسيلة لتحقيق غرض معين كنزع الملكية أو التأديب فالتأديب مثلا يجب أن يتم بتطبيق النظام التأديبي الذي يتضمن كافة الإجراءات و الشكليات التي تراعي \من وقت وقوع المخالفة و حتى صدور الجزاء كمخالفة المواجه كما هو منسوب إليه و تمكينه من الدفاع عن نفسه , و تسبيب القرار الصادر بالجزاء و هذا النظام الذي يطبق هو الوسيلة القانونية للتأديب و يطلق عليه أيضا إجراءات التأديب يؤسس بعض تعريف الانحراف بالإجراء على فكرة الإجراء الإداري أو الوسيلة القانونية و لذلك قرر بوقوع بالانحراف بالإجراء عند قيام سلطة إدارية من أجل تحقيق أغراض تتعلق بالصالح العام و باستخدام إجراء إدراري أي وسيلة قانونية مختلفة تلك التي تقررت قانونا من أجل بلوغ الهدف الذي تسعى الجهة الإدارية إلى تحقيقه 0

و قد ركز البعض في تعريفه للانحراف بالإجراء على موضوع الإجراء ذاته , لذلك ذهب إلى أنه حصر فكرة الانحراف بالإجراء في الحالة التي يطبق فيها الإجراء من أجل موضوع أرخ غير الموضوع الذي خصص له دون بحث الغرض 0

و أخيرا جمع بعض الفقه في تعريفه للانحراف بالإجراء ما بين فكرة الغرض و فكرة الإجراء و وفقا لذلك ذهب إلى تمثيل الانحراف بالإجراء في عدم الملائمة المتعمدة للإجراء مع الهدف و يتحصل في أن تستخدم الإدارة إجراء لتحقيق أغراض مختلفة عن ذلك الذي يتعين عليها استخدامه للوصول إليها 0

وقد يحدث الإجراء بالانحراف عندما تملك الجهة الإدارة اختصاصات متنوعة في العقاب ثم تستخدم الوسائل و الإجراءات المقررة لاختصاص منها في مجال اختصاص أخر كنا قد يحدث في حالات التجريم عندما يمكن أن يكون الفعل الواحد موضوع تكيفات و أوصاف مختلفة , و لكل جريمة منها إجراءات متميزة في العقاب عليها تختلف عن الأخرى و تتبع الإدارة الإجراءات المقررة لواحد منها في مجال العقاب عن الأخرى 0

و بذلك يتمثل الانحراف بالإجراء في مخالفة رجل الإدارة للوسيلة المحددة له من قبل المشرع باللجوء إلى وسيلة أخرى بغرض التحايل على قواعد الاختصاص أو التهرب من شكليات معينة قد يحتاج معها إصدار القرار إلى نفقات أكثر و وقت أطول

و قد يكون الهدف من استعمال رجل الإدارة إجراء يخالف ما نص عليه القانون هو الهروب من رقابة القضاء أو إلغاء بعض ضمانات الأفراد 0

و أيا ما كان غرض الإدارة من التنكر لإجراء الذي قرره المشرع لممارسة اختصاصها فإنها تكون قد انحرفت بسلطتها بمجرد مخالفتها للإجراء المقرر 0

و أساس الانحراف بالإجراء هو استعمال الإدارة إجراء إداري لا ينبغي استعماله بالنسبة للغرض المشروع الذي ترمي إلى تحقيقه و إنما قد يصح لاستعماله بالنسبة لاستهداف غرض أخر 0

و بذلك يقع الانحراف بالإجراء عند استعمال رجل الإدارة في سبيل تحقيق هدف عام منوط به تحقيقه وسيلة غير مقررة قانونا 0

و على ضوء ما تقدم يمكن تعريف الانحراف بالإجراء بأنه مخالفة رجل الإدارة و هو بصدد تحقيق هدف يتعلق المصلحة العامة و يدخل في اختصاصاته تحقيقه للإجراء الذي حدده المشرع لتحقيق هذا الهدف و يترتب على مخالفة رجل الإدارة للوسيلة القانونية التي حددها المشرع و لتحقيق هذا الهدف يترتب على مخالفة رجل الإدارة للوسيلة القانونية التي حددها المشرع لتحقيق أحد أهداف المصلحة العامة , و تحقق الانحراف بالإجراء دون اعتبار للباعث الذي دفع برجل الإدارة للانحراف عن الإجراءات المقرة قانونا فلا عبرة للباعث لاستقلال المخالفة عن الدافع إليها 0

و تبدو أهمية الانحراف بالإجراء في أنه يكشف بوضوح عن عيب الانحراف بالسلطة دون الحاجة إلى البحث عن مقاصد متخذ القرار بمعنى أن الانحراف بالإجراء يتضمن الدليل الموضوعي على الانحراف بالسلطة 0

و بذلك فإن الانحراف بالإجراء يقلل من صعوبة إثبات عيب الانحراف بالسلطة و الذي يعتمد إثباته في الغالب على عناصر ذاتية يصعب الوصول إليها 0

كما تبرز أهميته في انطوائه على إخلال مزدوج بالقانون بمعناه الواسع حيث يتضمن إخلالا بالنص الذي أنشأ الإجراء الذي استعملته الإدارة و من ناحية إخلالا بالنص الواجب الإتباع مما يؤدي إلى تعديل في شروط و مجال تطبيق القانون على خلاف إرادة المشرع كما أنه غالبا ما يكون مصحوبا بالإسناد إلى أسباب غير حقيقية أو إغفال بعض الشكليات و من هنا ظهرت خطورة الانحراف بالإجراء التي برت أهميته في الواقع العملي 0

ثانيا : موقف الفقه من الطبيعة القانونية للانحراف بالإجراء :

ثار خلاف في الفقه الفرنسي و المصري حول كما إذا كان الانحراف بالإجراء يمثل عيبا قائما بذاته من عيوب المشروعية أم أنه يدخل في نطاق عيب الانحراف بالسلطة حيث انقسم الفقه في هذا الشأن إلى اتجاهين سوف نتناول كل اتجاه و أسانيده على النحو التالي :



الاتجاه الأول :

الانحراف بالإجراء عيب مستقل من عيوب القرار الإداري 0

و جد هذا الاتجاه تأييد من بعض الفقه الفرنسي حيث ذهب mourgeon إلى أن الانحراف بالسلطة لا يختلط بالانحراف في استعمال الإجراء حيث يمكن أن وجد انحراف في الإجراء و العكس فيمكن أن يوجد انحراف في استعمال السلطة دون الانحراف في الإجراء مثال ذلك توقيع الجزاء التأديبي لإجراءات المقررة و لكن بقصد الإضرار كما يمكن أن يوجد الانحراف بالإجراء دون انحراف بالسلطة 0

و ذلك عندما تملك السلطة الإدارية اختصاصات متنوعة في العقاب كما يتوافر لها العدي من الإجراءات العقابية يختلف موضوع كل منها عن الأخر فإذا استخدمت سلطة العقاب الإجراء المقرر و مفاد ذلك أنه رغم الارتباط بين الانحراف بالإجراء و الانحراف بالسلطة في كثير من الأحوال إلا أن التلازم بينهما ليس أتمر ضروريا و لهذا يمكن التمييز بينهما حيث الانحراف بالإجراء لا يخفي دائما انحرافا في استعمال السلطة 0

و قد أرجع بعض هذا الفقه سبب الاستقلال ما بين الانحراف بالإجراء و الانحراف في استعمال السلطة إلى اختلاف ط\بيعة كل منهما و ذلك لتعلق الانحراف بالإجراءات بعدم المشروعية في الشكل و الإجراءات في القرار الإداري و هو في ذلك يختلف عن عيب الانحراف بالسلطة 0

و أخيرا انتهى أنصار هذا الاتجاه في تبريرهم للاستقلال الانحراف بالإجراء عن عيب الانحراف بالسلطة إلى أن عدم المشروعية في حالة الانحراف بالإجراء لا تكمن في الغرض المستهدف بواسطة القرار و إنما تكمن في الوسيلة المختارة من أجل بلوغ هدف محدد بواسطة القوانين و اللوائح 0

و قد وجد هذا الاتجاه صدى لدى البعض الفقه المصري و الذي ذهب إلى تمتع الانحراف بالإجراء بذاتية مستقلة عن عيب الانحراف بالسلطة استنادا إلى أن الانحراف في حالة مخالفة الإجراءات لا يقوم على سلطة إنما يقوم على إجراء وفقا للمفهوم الواسع للإجراء و الذي يعني الوسيلة القانونية كما أن الهدف اذي يسعى رجل الإدارة إلى تحقيقه في حالة الانحراف بالإجراء يتعلق دائما بالمصلحة العامة في حين أنه لا يكون كذلك على الدوام في حاله على إجراء وفقا للمفهوم الواسع للإجراء و الذي يعني الوسيلة القانونية كما أن الهدف الذي يسعى رجل الإدارة إلى تحقيقه في حالة الانحراف بالإجراء يتعلق دائما بالمصلحة العامة في حين أنه لا يكون كذلك على الدوام في حاله على إجراء وفقا للمفهوم الواسع للإجراء و الذي يعني الوسيلة القانونية كما أن الهدف الذي يسعى رجل الإدارة إلى تحقيقه في حالة الانحراف بالإجراء تعلق دائما بالمصلحة العامة في حين أنه لا يكون كذلك على الدوام في حالة الانحراف بالسلطة فهو قد يكون منيت الصلة بالمصلحة العامة و قد يكون متعلقا بها كما في حالة مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف حيث يستخدم رجل الإدارة سلطته من أجل تحقيق غرض يتعلق بالصالح العام , و لكن يدخل في اختصاصه تحقيقه و في هذا يختلف الانحراف بالسلطة عن الانحراف بالإجراء و الذي يكون فيه رجل الإدارة دائما مختصا بتحقيق الهدف الذي يسعى إليه و ذلك على خلاف الوضع في الانحراف بالسلطة و الذي يستهدف فيه رجل الإدارة إعمال تحقيق غرض منبت الصلة بالمصلحة العامة و بالتالي لا يدخل في اختصاص أو اختصاص أي جهة إدارية و إما أن يستهدف تحقيق غرض يتعلق بالصالح العام و لكنه لا يدخل في اختصاصه تحقيق هذا الغرض , و للتدليل على اختلاف الانحراف بالسلطة عن الانحراف بالإجراء ذهب أنصار هذا الرأي إلى أن الأول يقوم على فكرة وجود إجراءين و هذا لأمر ليس ضروريا في الثاني 0

كما ذهب أنصار اتجاه استقلال الانحراف بالإجراء عن الانحراف بالسلطة إلى أن عيب الانحراف بالإجراءات يتعلق أساس بمخالفة نطاق تطبيق القاعدة الإجرائية فكل قاعدة قانونية حدد لها مجال تطبيق فيه فإذا طبقت خارج هذا النطاق عد هذا التطبيق مخالفا لمبدأ المشروعية و لذلك فإنه كما أكد أنصار هذا الاتجاه أصالة عيب الانحراف بالإجراء من خلال وضع تعريف متميز لكل من قواعد الشكل و الإجراءات فعلى حين يقصد بقواعد الشكل المظهر الخارجي للعمل أو القرار الإداري فإن القواعد الإجرائية التي يراد بها أساس العمل القانوني في ذاته أو العملية القانونية التي ينطوي عليها و أضاف أن اختلاف قواعد الشكلية و الإجرائية عن بعضها البعض يؤدي إلى ضرورة إخضاع كل منهما بصورة منفصلة و مستقلة لطائفة مميزة من الأحكام القانونية المنظمة لها جوهريا 0
[size=12]الاتجاه الثاني :

الانحراف بالإجراء صورة للانحراف بالسلطة 0

ذهب عض الفقه الفرنسي إلى إلحاق الانحراف بالإجراء بعيب الانحراف بالسلطة حيث تتعمد فيه جهة الإدارة استعمال إجراء إداري بدلا من إجراء أخر 0

و بذلك فإن الانحراف بالإجراء ليس له ذاتية مستقلة 0

و قد حظي ذلك الاتجاه بتأييد واسع من الفقه المصري و الذي دهب إلى أنه إذا استعملت الإدارة إجراءات غير تلك التي هي مقررة قانونا فهي بذلك تستعمل الإجراءات في غير موضعها و لغير الهدف المخصص و ذلك هي تخالف قاعدة تخصيص الأهداف و من ثم فإن الانحراف بالإجراء ليس عيب جديد يختلف عن عيب الانحراف بالسلطة فإذا خالف رجل الإدارة الهدف المخصص فإنه يرتكب انحرافا بالسلطة في صورة مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف حيث إن رجل الإدارة و إن كان منوطا به تحديد الهدف إلا أنه لم يستعمل في ذلك ما حدده له القانون من وسائل

و قد ذهب هذا الاتجاه في تأييد لاعتبار الانحراف بالإجراء يدخل في إطار عيب لانحراف بالسلطة إلى تقسيم أوجه الانحراف بالسلطة المتصلة بالنشاط الإداري إلى وجهين أولهما يتصل بمبدأ تخصيص الأهداف و ثانيهما عيب الانحراف المتصل بالإجراء حيث ذهب في شرحه للانحراف بالسلطة المتصل بالإجراء إلى أن الأصل أن للإدارة أن تتخير الوسيلة التي ترى أنها تحقق الصالح العام أو الهدف الخاص الذي توخاه المشرع في مزاولة نشاط معين بيد أنه إذا كان القانون قد حدد وسيلة معينة لتحقيق هذا الهدف وجب على الإدارة أن تلتزم بهذه الوسيلة فلا تجاوزها إلى غيرها 0

و يرى مشاهير هذا الاتجاه أن الانحراف بالإجراءات هو أحد أشكال الانحراف بالسلطة المتصل بالإجراء إلى أن الأصل أنت للإدارة أن تتخير الوسيلة التي ترى أنها تحقق الصالح العام أو الهدف الخاص الذي توخاه المشرع في مزاولة نشاط معين , بيد أنه إذا كان القانون قد حد وسيلة معينة لتحقيق هذا الهدف وجب على الإدارة أن تلتزم بهذه الوسيلة فلا تتجاوزها إلى غيرها 0

و يرى مشاهير هذا الاتجاه إن الاتجاه بال لانحراف هو أحدج أشكال الانحراف بالسلطة و لكنه يحدث في مجال الإجراءات الإدارية إذ تلجأ الإدارة إلى استعمال إجراء بعينه تراه أيسر من الإجراء المحدد لها قانونا إنجاز هدف معين 0

و استعمال إجراءات في غير مجالها المحدد هو خروج على الهدف المخصص و بالتالي ف‘إن الانحراف بالإجراءات مجرد صورة لقاعدة تخصيص الأهداف و ليس من مبرر لاعتباره صورة مميزة عن صور الانحراف بالسلطة 0

كما أن في اعتبار الانحراف بالإجراء صورة من صور الانحراف بالسلطة تمشيا مع موقف المشرع المصري حيث اقتصرت قوانين مجلس الدولة على إيراد الوجه الخمسة للإلغاء دون نص على اعتبار الانحراف بالإجراء وجه سادس مستقل للإلغاء

و كان دليل هذا الفقه على أن الانحراف بالإجراء صورة لعيب الانحراف بالسلطة أن التحق من الانحراف بالإجراء يكشف بوضوح عن الانحراف عن استعمال السلطة دون الحاجة إلى البحث عن مقاصد متخذ القرار معنى أن الانحراف بالإجراء يتضمن الدليل الموضوعي على الانحراف بالسلطة 0

رأينا في الخلاف الفقهي :

بعد استعراض الاتجاه الذي يرى في الانحراف بالإجراء عيبا مستقلا من عيوب القرار الإداري و الاتجاه الذي يراه أحد صور الانحراف بالسلطة و و بعد إيضاح أسانيد كل اتجاه فإننا نعتقد أن الانحراف بالإجراء لا يمكن أن يكون عيب مستقل من عيوب مشروعية القرارات الإدارية حيث لا يعدو أن كون أحد صور عيب الانحراف بالسلطة إلى سلطة و استناد الانحراف بالإجراء إلى إجراءات حيث أنهم لم يضعوا معيارا يفصل ما بين السلطة و الإجراء كما أن ما ذهبوا إليه من أن الهدف الذي يسعى إليه رجل الإدارة في حالة انحرافه بالإجراءات يتعلق دائما بالمصلحة العامة أمر لا يمكن التعميم به فأحيانا قد يقصد بالانحراف بالإجراء ما هو مخالف للمصلحة العامة , كما لو قصد به حرمان شخص من ضمانة كفلها له القانون كما هو الشأن في حالة توق\يع يع جزاء مقنع على موظف دلا من اتخاذ الإجراءات التأديبية تجاهه و التي تمكن من خلالها من الدفاع عن نفسه و الطعن على قرار الجزاء بالسبل المشروعة 0

إذا أضفنا إلى ذلك أن هذا الرأي لم يلق مساندة تشريعية حيث لم يذكر المشرع الانحراف بالإجراء كوجه مستقل لإلغاء القرار الإداري

و لم يلق تطبيقا قضائيا حيث استقرت أحكام القضاء على إلغاء قرارات الإدارة لكونها مشوبة بعيب الانحراف بالسلطة بالرغم من الانحراف بالإجراء فيها في غاية الوضوح فإننا نستخلص من أن اتجاه اعتبار الانحراف بالإجراء عيبا مستقلا لا سند له من القانون أو التطبيق في الواقع العملي 0

الفرع الثاني :

أوجه الانحراف بالإجراء

يأخذ الانحراف بالإجراء صورا شتى فد تنحرف الإدارة عن الإجراءات المقررة قاصدة من ذلك تحقيق نفع مادي كما في حالة الانحراف بالسلطة إصدار خط التنظيم أو الانحراف بسلطة الاستيلاء المؤقت أو نزع الملكية للمنفعة العامة و كما قد تستعمل سلطات اضبط القضائي في غير ما أدت له تحقيقا لهذا الغرض 0

إضافة لكما تقدم فإن الإدارة قد تنحرف بالإجراءات و هي بصد استخدام سلطتها في مجال تأديب موظفها أو نقلهم أو وضع تقارير قياس كفايتهم , أو تنحرف بسلطتها في فصلهم لإلغاء الوظيفة 0

و إيضاحا لما سبق سوف نتناول صور خطأ الموظف في استخدام الوسائل المقررة على التفصيل التالي :

أولا : الانحراف بالسلطة لتحقيق المصلحة

المالية للإدارة :

قد تنشد إحدى السلطات الإدارة المحلية الحصول على موارد لتغطية أوجه إنفاقها المتزايدة دون اللجوء إلى الموازنة العامة للدولة , اللجوء إلى الموازنة الهامة للدولة فتقوم بابتداع مصادر جديدة للإيرادات أو تزيد من حصيلة المصادر القائمة فعلا , و لا شك أن ابتغاء هذه السلطات زيادة دخلها هدفه تحسين الخدمة التي تؤديها للمواطنين و هي غاية مشروعة لتمشيها مع الصالح العام دون شك إلا أنها في سبيل ذلك قد تنحرف بالسلطة المخولة لها و ذلك بإتباع أساليب لم يمنحها القانون حق استعمالها و ذلك لعلمها أن تلك الوسائل تمكنها من الوصول إلى مآربها في سهولة و يسر

و لإلقاء الضوء على هذا الوجه من أوجه الانحراف عن قاعدة تخصيص الأهداف , سوف نتناول بالبحث النقاط التالية :

1- موقف القضاء من انحراف الإدارة بسلطتها لتحقيق أهداف مالية 0

2- أوجه الانحراف بالسلطة لتحقيق أهداف مالية 0

3- نطاق الانحراف بالسلطة لتحقيق أهداف مالية 0





1- موقف القضاء من انحراف الإدارة

بسلطتها لتحقيق أهداف مالية 0



تنازع موقف مجلس الدولة الفرنسي و المصري و هما بصدد تقرير مدى مشروعية انحراف الإدارة بسلطتها بقصد تحقيق أهداف مالية , اتجاهين قررا في أحدهما عدم مشروعية تلك القرارات لخروجها على قاعدة تخصيص الهداف 0 و اقرأ في الأخر مشروعيتها و ذلك تحت تأثير ضغط ظروف معينة 0

و سوف نتناول بالتفصيل الاتجاه التقليدي لمجلسي الدولة الفرنسي و المصري , ثم أوجه الانحراف المستندة إلى هذا الاتجاه , و نتطرق بعد ذلك لبيان كيف حاد المجلسان عن ذلك 0

"أ" الاتجاه التقليدي :

عدم مشروعية انحراف الإدارة بسلطتها لتحقيق أهداف مالية:

وفقا لهذا الاتجاه استقرت أحكام مجلسي الدولة الفرنسي و المصري على إلغاء قرارات الإدارة التي ابتغت من وراء إصدارها تحقيق أهداف مالية و تأسيسا على خروج تلك القرارات على الهدف المخصص , و الذي لأجله منحت الإدارة سلطة التقرير , و قد دأب القضاء على إلغاء مثل تلك القرارات ,أياي كانت الوسيلة التي اتبعتها الإدارة لوصول إلى تحقيق مصلحتها المالية سواء كان ذلك عن طريق انحراف الإدارة بسلطة الضبط الإداري أو استعمالها المنحرف لإجرائي نزع الملكية للمنفعة العامة و الاستيلاء المؤقت على العقارات , أو انحرافها بسلطة إصدار خط التنظيم 0

و سوف نتناول موقف القضاء من كل صورة من صور الانحراف الإدارة بسلطتها لتحقيق مصلحتها المالية على التفصيل الآتي :

"1" استخدام سلطة الضبط الإداري

لتحقيق المصلحة المالية للإدارة :

استقر القضاء الإداري الفرنسي على استخدام سلطة الضبط لتحقيق أحد أغراض المصلحة العامة يعد انحرافا بالسلطة حيث تمارس الإدارة سلطات الضبط الإداري من أجل تحقيق هدف خاص و محدد , هو المحافظة على النظام العم , بعناصره المحددة " الأمن و الصحة السكانية " فإذا ما استخدمت هذه السلطات لتحقيق أغراض أخرى كانت قراراتها غير مشروعة للانحراف بالسلطة

و بعد استخدام الإدارة لسلطة الضبط الإداري لتحقيق أهدافها المالية من أخطر صور هذا النوع من الانحراف بالسلطة , حيث يصعب على الأفراد اكتشافه فالإدارة تحت ستار أغراض الضبط الإداري الثلاثة , تلجأ إلى تحقيق مصلحتها المالية

لذلك ذهب مجلس الدولة الفرنسي في أحكامه السابقة على عام 1930 إلى إلغاء مثل تلك القرارات و كان قضاؤه حاسما في قضية عيدان الحكومة الفرنسية احتكرت صناعة الثقاب , و لضمان عدم المنافسة من المصانع الأخرى قامت بإغلاق المصانع التي لم تحصل على ترخيص سليم بمباشرة أعمالها و بالرغم من أن إغلاق تلك المصانع يدخل في نطاق النظام العام الذي تختص بتحقيقه سلطة اضبط الإداري إلا أن مجلس الدولة الفرنسي ألغى قرار الغلق حيث ثبت لديه أن غايته ليس تحقيق النظام العام , و إنما لمساعدة الإدارة ماليا و هي وسيلة غير مقررة قانونا و من ثم يكون قرارها مشوبا بالانحراف في اسلطة 0

و لقد تكرر هذا الإلغاء في أحكام أخرى عديدة لذات السبب , و من أمثلة ذلك إلغاء قرار يقضي بمنح احتكار البلدية boulogne بتسيير عربات الشاطئ و قصره عليها , و كان ذلك بقصد جلب منفعة مالية لها "

و قد ساير مجلس الدولة المصري نظيره الفرنسي في إلغاء القرارات الإدارية المشوبة بالانحراف بالسلطة ممثلا في مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف , و ذلك لابتغائها تحقيق مصالح مالية للإدارة حيث قضت محكمة القضاء الإداري بأن امتناع قلم مرور عن تسليم رخصة سيارة لصاحبها بالرغم من استيفائه شروط استخراجها , و ذلك بهدف تمكين جهة حكومية أخرى من الحصول على ما هو مستحق لها من المبالغ المالية تجاه طالب الترخيص يمثل انحراف في استعمال السلطة

و سبب الإلغاء في تلك الحالة أن قلم المرور ليس معنيا سوى بتحصيل المبالغ المستحقة له فقط و التي هي شرط استصدار الترخيص , فإن هو استعمل تلك السلطة بهدف تحصيل مبالغ مستحقة لجهات أخرى فإنه يكون قد استعمل تلك السلطة بهدف تحصيل مبالغ مستحقة لجهات أخرى , فإنه يكون قد استعمل سلطته في غير ما أعدت له و يكون قراره في هذا الشأن مشوبا بالانحراف

بالسلطة حتى و لو كان هدفه تحقيق مصلحة عامة و هي تحصيل أموال عامة 0

و أيدت المحكمة الإدارية العليا هذا لاتجاه حيث ألغت قرار اضبط صادر بالأوراق سوق خاصة يوم الاثنين من كل أسبوع ليتحقق رواجا لسوق عمومي 0

و سبب الإلغاء في ذلك الحكم أن قرار اضبط خرج عن الإطار الذي حدده القانون لإصداره , فلم يهدف إلى تحقيق أي من عناصر النظام العام الثلاثة بل قصده نفع مادي , يعود عليها من جراء رواج السوق الذي تديره 0

"ب" الانحراف بسلطة نزع الملكية

لتحقيق مصلحة مالية :

منح القانون رقم 577 لسنة 54 للإدارة سلطة نزع ملكية ما يملكه الأفراد من عقارات , شريطة أن تكون لازمة للمنفعة العامة أو لحماية مال عام 0 و ذلك بهدف خدمة الصالح العام , مع دفع التعويض القانوني

و إذا كان للإدارة سلطة تقديرية في هذا الشأن إلا أنها خاضعة لرقابة القضاء للتأكد من استمرارية المنفعة العامة المراد تحقيقها بتلك الوسائل و كذلك التأكد من مدى لزوم العقارات المزمع نزع ملكيتها لتحقيق النفع العام , الذي لأجله لجأت الإدارة إلى ذلك الإجراء الاستثنائي 0

فإذا كان ما رمت إليه الإدارة من وزراء إصدار قرار نزع الملكية هو تحقيق نفع مالي لها فإنها تكون قد انحرفت عن قاعدة تخصيص الأهداف , و يكون قرارها الصادر بنزع الملكية مشوبا بالانحراف بالسلطة , حيث إن تحقيق نفع مادي للإدارة و إن كان يدخل في نطاق تحقيق المصلحة العامة إلا أنه ليس هو الهدف الذي من أجله منح المشرع الإدارة سلطة نزع الملكية 0

و تطبيقا لذلك ألغى مجلس الفرنسي قرارا أصدره محافظ كان المقود به تمكين البلدية الضرورية بها , من اكتساب ملكية بعض العقارات بطريق نزع الملكية بهدف إنشاء بعض المرافق البلدية الضرورية بها , حيث ألغى المجلس القرار استنادا إلى أنه مشوب بالانحراف بالسلطة حيث كان مرماه تحقيق مصلحة مالية للبلدية لا يختص المحافظ بتحقيقها

كما ألغى قرار لوزير الحربية الذي لجأ فيه إلى نزع ملكية قطعة أرض للتهرب من نفقات إعادتها إلى حالتها قبل التأجير لوزارة الحربية , و الذي نجم عنه إحداث عطب شديد بالأرض بسبب سوء استعمال و كان المجلس و كلن سند المجلس في الإلغاء أن الإدارة استعملت سلطة نزع الملكية في غير ما تقررت لأجلها تلك السلطة

و في هذا الحكم يتأكد أن تحقيق النفع المالي للإدارة يتخذ صورة إيجابية و ذلك بإضافة مبالغ جديدة لميزانية الهيئات الإدارية على النحو الوارد بالحكم الأول , و قد يتخذ هذا النفع صورة سلبية و ذلك بعدم إخراج مبالغ من تلك الميزانية و يؤكدها الحكم الثاني , و إذا قصدت الإدارة تحقيق أي من الصورتين في قرارها بنزع الملكية كان هذا القرار مشوبا بالانحراف في السلطة 0

و تحقيقا لمبدأ عدم جواز استعمال سلطة نزع الملكية لتحقيق نفع الإدارة المادي , ألغت المحكمة الإدارية العليا قرار رئيس مجلس الوزراء و الذي استصدرته إحدى الجامعات بنزع الملكية لبعض الأفراد لاستكمال منشآتها الجامعية , حيث ثبت أن الجمعية تصرفت في أرض مملوكة لها في تاريخ صدور قرار نزع الملكية , حيث ذهبت إلى أن في ذلك إساءة لاستعمال اسلطة , و تجاوز الغاية التي حددها الدستور و القانون , و لما في ذلك المساس بالملكية الخاصة مع تنكب للغاية التي قامت عليها فكرة التضحية بالمصالح الشخصية لحساب الصالح العام 0

و هذا الحكم لأرسى مبدأ جديدا و هو أنه لا يشترط لإلغاء قرار نزع الملكية للمنفعة العامة أن يكون هذا القرار قصد به تحقيق نفع مادي مباشر للإدارة , بل يكفي لذلك أنت يكون هذا النفع غير مباشر و هو ما حدث مشار إليه إله في الطعن السابق , حيث إن الإدارة استفادت ماديا بحصيلة بيع الأراضي التي تصرفت فيها , و التي كان بوسعها إنشاء ما تشاء عليه من منشآت , و من ثم فلا تجوز لها استصدار قرار بنزع ملكية عقارات مملوكة للأفراد لتحقيق ذات الغرض حيث إن قرار تنوع الملكية للمنفعة العامة يكتسب مشروعيته , إذا ثبت أنه لم يكن هناك وسيلة لتحقيق المنفعة العامة إلا باللجوء إلى تلك الوسيلة الاستثنائية 0 أما و قد ثبت أنه كان بوسع الإدارة ذلك , إلا أنها فضلت عليه تحقيق نفعها المادي و الذي يعود عليها من حصيلة البيع , فإن قرار نزع الملكية يكون مشوبا بالانحراف بالسلطة لكونه ستارا للتغطية على الاستفادة المادية التي حازت عليها الإدارة 0


"ج" الانحراف بالسلطة الاستيلاء المؤقت :

أعطى المشرع للإدارة سلطة الاستيلاء على ما يلزمها من أملاك الأفراد لتتمكن من القيام بواجبها نحو ضمان سير المرافق العامة لتؤدي خدماتها لجمهور المتعاملين معها , و سلطة الاستيلاء مقررة تشريعيا بالقانون رم 577 لسنة 544 و المعدل بالقانون رقم 252 لسنة 1960 حيث قصرت المادة الثالثة من هذا القانون استعمال حق الاستيلاء على العقارات اللازمة للمنفعة العامة عن قرار يصدر عن رئيس الجمهورية إلا أن المادة 17 من ذات القانون أعطت للمحافظ سلطة إصدار قرار بالاستيلاء المؤقت في الحالات الطارئة و المستعجلة 0

و قد وصف القانون رقم 5 لسنة 1907 في المادة 22 منه هذا الاستيلاء بأنه مؤقت و ذلك لتميزه عن الاستيلاء الدائم نتيجة لنزع الملكية و قد تتحايل الإدارة على القانون فتلجأ إلى الاستيلاء المؤقت على عقار بينما هي في الحقيقة تقصد نزع ملكيته و هدفها من ذلك تحقيق مصلحتها المالية لأن هذا لاستيلاء لا يحملها الأعباء المالية التي تتكبدها في حالة لجوؤها إلى إجراء نزع الملكية فالإدارة في الاستيلاء المؤقت لا تلتزم إلا بدفع قيمة الخسائر الناجمة عن هذا الاستيلاء كما أن تعويض الأفراد عن نزع ملكية عقاراتهم يكون فوريا بعكس التعويض في حالة الاستيلاء المؤقت توفيرا للنفقات و هدف الإدارة من ذلك بالطبع هو تحقيق مصلحتها المالية و هنا يقع الانحراف بالسلطة , حيث إن الإدارة خرجت بالسلطة الممنوحة لها عن الإطار المحدد لممارسة تلك السلطة لأن في اللجوء إلى الاستيلاء المؤقت كبديل لنزع الملكية المقرر دستوريا مع حرمان الأفراد من الحصول على حقوقهم المالية المترتبة على نزع الملكية و لتحديد ما إذا كان الاستيلاء على عقار معين يمثل استيلاءا مؤقتا أنم أنه يهدف إلى الاستيلاء النهائي دون إتباع إجراءات نزع الكلية يمكن الارتكان إلى معيار طبيعة العمل الذي تم الاستيلاء و تحدي ما إذا كان مؤقتا أو نهائيا فإذا كان العمل للذي تم الاستيلاء من أجله يمثل منشآت دائمة فإن الاستيلاء يكون نهائيا أما إذا كان الاستيلاء قد تم من أجل إقامة منشآت أو أعمال لها صفة التأقيت و ليس صفة الدوام فإنه يمكن القول أن الاستيلاء هنا يمثل استيلاء مؤقتا 0

و قد أكد ذلك مجلس الدولة الفرنسي في قضية تتلخص وقائعها في أن الجهة الإدارية أصدرت قرارا بالاستيلاء المؤقت على الأرض المملوكة لأحد الأفراد من أجل تسهيل تنفيذ الأعمال المتعلقة بإنشاء مكان لإقامة العمال 0 و مخزن للمواد اللازمة للعمل المزمع إنشاؤه و قد لجأ صاحب الشأن إلى المحكمة الإدارية العليا 0 التي قضت بإلغاء القرار المطعون فيه للانحراف بالإجراء و لكن مجلس الدولة عند إثارة الدعوى أمامه قضى بأن قرار الاستيلاء لم يكن مشوبا بالانحراف لأن الأعمال التي صدر من أجلها القرار لم يكن لها صفة الدوام و انتهى إلى إلغاء حكم المحكمة الإدارية 0

كما ألغى قرار اتخذته إحدى المدن بالاستيلاء المؤقت على قطعة أرض لإنشاء ملعب محلي عليها و استند مجلس الدولة في إلغاء هذا القرار إلى أن المنشآت التي تريديها المدينة من الاستيلاء المؤقت لها صفة الدوام و بالتالي فإنه كان يتعين اللجوء إلى إجراء نزع الملكية في حالة عدم توافر الاتفاق الودي 0

و أخيرا قضى مجلس الدولة الفرنسي بوجود انحراف بالسلطة لمخالفة قاعدة تخصيص الأهداف إذا لجأت الإدارة إلى "إجراءات الاستيلاء المؤقت يقصد الاستيلاء الدائم أو نوع الملكية و ذلك توخيا للسهولة و تفاديا لإتباع إجراءات نزع الملكية للمنفعة العامة , بما تتسم به من كثرة الأعباء المالية على الإدارة 0

و قد تصدى مجلس الدولة المصري لإلغاء قرارات الإدارة التي قصدت بها استعمال سلطة الاستيلاء المؤقت كبديل لنزع الملكية للمنفعة العامة بما تتسم ه من كثرة الأعباء المالية على الإدارة 0

و قد تصدى مجلس الدولة لإلغاء قرارات الإدارة التي قصدت بها استعمال سلطة الاستيلاء المؤقت كبديل لنزع الملكية للمنفعة العامة و ذلك بهدف تحقيق نفع مادي لها , و قد ذهبت محكمة القضاء الإداري في حكم شارح لها إلى أنه " حيث أن المشرع حرص على وصف الاستيلاء بأنه مؤقت , تميزا له عن نزع الملكية , و من حيث أن الحكومات أصدرت القرار المطعون فيه بالاستيلاء مؤقتا على أرض المدعيات تمهيدا لنزع الملكية على ما جاء في دفاعها فاتجاهها واضح بأن وضع يدها منذ البداية بصفة دائمة و سبيل ذلك إنما كون باستصدار مرسوم خاص بنزع الملكية , أما الاتجاه إلى نظام الاستيلاء المؤقت فهو اتجاه غير سليم , و يجافي ما استهدفه الشارع من هذا النظام و من ثم يكون قرار الإدارة في هذا الشأن مشوبا بالانحراف بالسلطة 0

و قد فرق هذا الحكم ما بين الاستيلاء المؤقت و الاستيلاء الدائم حيث لا يجوز اللجوء إلى الأول هربا من الالتجاء إلى الثاني و في حالة إقدام الإدارة على ذلك يكون قراراها مشوبا بالانحراف في استعمال السلطة 0

و الاستيلاء المؤقت له هدف محدد , هو تحقيق المصلحة العامة , الممثلة في ضمان سير المرافق العامة بإضطراد فإذا كان اتخذت الإدارة من هذا الاستيلاء عقوبة توقع على صاحب العقارات المتأخرين عن تقديم ما طلبته منهم من إقرارات فإن هذا يمثل انحرافا في استعمال السلطات و يؤكد هذا الانحراف ما ثبت من اتجاه نية الإدارة إلى تحقيق مصلحتها المالية , على حساب الأفراد الذين حرمتهم من الاستفادة بعقاراتهم حيث استولت عليها دون مقابل لمدة ثماني سنوات لذلك قضت محكمة القضاء الإداري بإلغاء قرار الاستيلاء , و تعويض أصحاب العقارات

بأربعين ألف جنيه0



"د" الانحراف بسلطة إصدار خط التنظيم :

أعطى المشرع للإدارة سلطة إصدار خط التنظيم من أجل رسم حدود الشوارع 0 و منع تجاوز الإفراد و تعديهم على الطريق العام و و في حالة دخول عقارات داخل نطاق خط التنظيم فإن الإفراج يقع عليهم التزام بعد ترميمها حتى إذا ما تهدمت سهل على الإدارة ضمها إلى الطريق العام كما يلتزم الأفراد بعدم البناء على الأراضي الفضاء الواقعة داخل حدود خط التنظيم و إلا بعد الحصول على إذن بذلك 0

و قد تستخدم الإدارة سلطتها في إصدار خط التنظيم كبديل لإجراء نزع الملكية للمنفعة العامة الذي يكلفها مبالغ كبيرة و تهدف الإدارة من ذلك إلى تحقيق نفع مادي حيث تستطيع ضم الأراضي التي تدخل في حدود هذا الخط دون أن تدفع سوى قيمة الأرض الفضاء , و إذا أقدمت الإدارة على ذلك فإن عملها يكون مشوبا بالانحراف بالسلطة حيث أن الإدارة حادت عن الهدف الذي منحت لأجله سلطة إصدار خط التنظيم و قصدت تحقيق نفع مادي و ذلك عن طريق وسيلة غير مقررة " الإكثار من إصدار خط التنظيم " مكان وسيلة أخرى مقررة " نزع الملكية للمنفعة العامة "

و قد يثور التساؤل عن المعيار الذي يتعين الارتكان إليه , لتحديد متى يجوز للجهة الإدارية أن تلجأ إلى إجراء خط التنظيم , و متى يتعين عليها اللجوء إلى إجراء نزع الملكية و لا شك أن المعيار الذي يمكن تطبيقه هنا , هو طبيعة الغرض المستهدف من العملية الإدارية و ذلك لأن خطة التنظيم تقررت من أجل رسم حدود الشوارع و منع الأفراد من التجاوز و التعدي على الطريق العام و فإن قصدت الجهة الإدارة ذلك كان عملها مشروعا , أما إذا استهدفت الجهة الإدارة افتتاح طريق جديد فإنه يتعين عليها اللجوء لاستخدام إجراء نزع الملكية فإن هي استعاضت عنه بإجراء خط التنظيم فإن عملها يكون مشوبا بالانحراف بالسلطة 0

و انحراف الإدارة بسلطتها في إصدار خط التنظيم ما هو إلا نزع ملكية بطريق غير مباشر , و هو أسهل منالا للإدارة من اللجوء إلى وسيلة نزع الملكية ذات النفقات الكثيرة و لذلك فكثيرا ما تلجأ الإدارة إلى هذه لوسيلة تهربا من الأعباء المالية التي تستلزمها إجراءات أمر نزع الملكية و لهذا فإن مجلس الدولة الفرنسي يلزم الإدارة بأن تلتزم في إصدارها لخط التنظيم لتطبيق الحدود و كلما تبين أنها تقصد في الحقيقة بخط التنظيم نزع الملكية مستتر , فإنه يلغي قراراتها إذا ما طعن فيها 0

و قد ألغى مجلس الدولة الفرنسي قرارات الإدارة التي ثبت له أنها استعاضت فيها عن إجراء نزع الملكية للمنفعة العامة بإجراء إصدار خط التنظيم قاصدة من ذلك تحقيق نفع مادي على حساب الاعتداء على حق الملكية 0

فقد قضى بأنه " حيث إن جهة الإدارة تهدف إلى افتتاح طريق جديد فإن ذلك يترتب عليه عدم إمكانية تطبيق ارتفاق خط التنظيم و ن اكتساب ملكية الأرض الضرورية لهذا الغرض , يتم بواسطة نزع الملكية 0

كما ذهب إلى أنه قد ترتب على خطة التنظيم أن الحدود الجديدة لطريق ما سوف يضم داخلها عقارا كاملا أو للجزء الأكبر منه فإنه في هذه الحالة لا يكون هناك مجال لتطبيق خطة التنظيم و هذا العقار لا يمكن إلحاقه بالطريق العام إلا بوسيلة نزع الملكية 0

و إلغاء القضاء لتلك ا القرارات يجد مبرره , في أنه إذا كانت سلطة الإدارة في إصدار خط التنظيم ينبع من مسئوليتها عن تحسين الطرق , مما ينعكس بصورة إيجابية على جمهور المتعاملين مع هذه الطرق , كما أنم ملاك العقارات التي طرأت عليها التحسينات يستفيدون من ذلك حيث ترتفع القيمة الاقتصادية لعقاراتهم إلا أن ذلك لا يبرر انحراف الإدارة في إصدار خطة التنظيم , هادفة منذ لم تحقيق مصلحتها المالية لمل في ذلك من اعتداء على حق الملكية المقرر دستوريا 0

"2" التحول من الاتجاه التقليدي :

" مشروعية الانحراف بالسلطة لمصلحة الإدارة المالية "

كان المبدأ العام الذي سار عليه القضاء الفرنسي و المصري -0 على نحو ما سبق يؤكد رفض خروج الإدارة على قاعدة تخصيص الأهداف بغية تحقيق أهدافها المالية حيث عد ذلك انحجرافا بالسلطة يستوجب إلغاء قرار الإدارة و التعويض عنه إن كان لذلك مقتضى 0

إلا أن هذا المبدأ ما لبث أن طرأ عليه تطور هام يمثل في إقرار مجلسي الدولة الفرنسي و المصري لمشروعية القرارات المخالفة للهدف المخصص في سبيل تحقيق أهداف الإدارة المالية تأسيسا على أن تلك القرارات لم تعد تشكل انحرافا بالسلطة 0

و هذا التحول المنصب أساسا على قاعدة تخصيص الأهداف يعني توسيع نطاق فكرة المصلحة العامة بحيث يدخل في هذا النطاق المصلحة المالية لإدارة المحلية و التي اعتبرت أهدافها المالية من أهداف المصلحة العامة 0

و يرج ع هذا التحول في قضاء مجلس الدولة الفرنسي إلى ظهور مبادئ سياسية و اجتماعية بعد سنوات الحرب العالمية الأولى و ما صاحبها من انكماش في المذهب الفردي و نهوض بالمذهب الجماعي مما أدى إلى اتساع فكرة الصالح العام على حساب المصلحة الفردية و كان ذلك داعيا إلى نظر المبدأ الصالح العام بمنظور جديد يعمل على التضحية بالصالح الفردي في سبيل صالح المجموع فقي بعض الحالات و كان في تطور النظم الاقتصادية و تدخل الدولة في مظاهر النشاط الاقتصادي و ما ألقته على المرافق العامة من أعباء و تكاليف متزايدة مما يجعلها في حاجة إلى زيادة مواردها المالية و كانت العوامل الاقتصادية التي ظهرت في شكل أزمات مالية منذ عام 1930 , سببا يدعو إلى التفكير في الحصول على موارد مالية لسد ما عجزت السلطة العامة عن مواجهته من أزمات متعددة فرضها التطور السياسي و الاجتماعي كل ذلك أدى إلى التطور الذي لحق مبدأ انحراف السلطة للمصلحة المالية للإدارة 0

و قد تجلى تحول مجلس الدولة عن الاتجاه التقليدي في موقفه من المشروعات ذات الصبغة التجارية أو الصناعية التي تقيمها الهيئات الإقليمية فبعد أن كان يلغى كل قرار إداري يعرض عليه في هذا الصدد إنه بدأ الآن يهدأ من حدة موقفه و يسمح للسلطات البلدية بأن تتدخل و تنشأ هذا النوع من المشروعات حتى ولو ثبت لديه أنها عاجزة عن سد احتياجات الأفراد 0

و على ذلك إذا أنشأن الجهات المحلية مشروعات تجاريا أو صناعيا فإن مجلس الدولة لا يلغي قرارها بإنشاء هذا المشروع و ذلك ليمكن الهيئة المحلية من الحصول على مورد مالي جديد , حتى ولو كان هذا المشروع لا يشبع حاجات الأفراد
و قد طبق مجلس الدول ذلك في قضية تتلخص وقائعها في أن إحدى السلطات المحلية قد افتتحت محلا لبيع اللحوم نظرا لإغلاق المحلات التي كانت قائمة بالمنطقة بسبب الأزمة الاقتصادية فلما انتهت حدة الأزمة فتحت تلك المحال من جديد و طالب أصحابها بغلق المحال البلدية إلا أن مجلسي الدولة الفرنسي رفض هذا الطلب مقررا هذا المحل يحافظ على توازن الأسعار 0

كما قضى المجلس بأن افتتاح إحدى البلديات مسرحا لا يتعارض مع حرية التجارة طالما أن المسارح الخاصة لا تسبع حاجة البلدية 0

و في قضية تلخص وقائعها في إقامة إحدى البلديات مغسلا استغلته للحصول على أرباح مالية فرفع أحد الأشخاص دعوى يطالب فيها منع البلدية من استغلال هذا المغسل لأنه عمل تجاري لا يجوز لها مباشرته فرفض مجلس الدولة ذلك مقرا إن إنشاء هذا المغسل يعود بالفائدة على الصحة العامة 0

و إذا كان مجلس الدولة الفرنسي في أحكام أخرى أكثر وضوحا في إسباغ حمايته لقرارات الإدارة التي تسعى بها إلى تحقيق أهداف مالية حيث أعلن أمن " مسعى الإدارة لتحقيق أغراض مالية هدف المشروع لأن موازنة الميزانية المحلية من أغراض المصلحة العامة "

و تطبيقا لهذا التحول فقد أقر مجلس الدولة الفرنسي , ما هدفت إليه إحدى الهيئات المحلية من تحقيق صلحتها المالية عن طريق تخفيض أعباء صيانة الطرق العامة بأن أصدرت قرارات بقصر المرور في أحد الطرق على عربات النقل العامة التي لا تزيد على ثقل معين و ذلك لحماية هذا الطريق من التلف و قد ذهب مجلس الدولة إلى أن هذا القرار مشروع بالرغم من أن هدفه الواضح و هو ضغط نفقات البلدية على هذا الطريق هو بلا شك هدف مالي 0

كذلك أعلن المجلس مشروعية قرار الإدارة بقصر المرور في أحد الشوارع المنشأة حديثا على العربات التي لا تجاوز ثقلا معيا حيث انتهى إلى أن هذا القرار ليس مشوبا بأي صفة تعسفية و ذلك استنادا إلى أن العمل على التخفيف من المصاريف التي تقع على كاهل القرية لا يمكن أن ينظر إليه كانحراف بالسلطة 0

و قد سار القضاء الإداري المصري على درب القضاء الإداري الفرنسي المطور حيث أقر مبتدئ النظرية الحديثة للمصلحة المالية 0 فلم يعد يرى في استخدام سلطات الهيئات المحلية لتحقيق مصلحتها المالية انحرافا في استعمال السلطة و ذلك تحت ضغط الرغبة في توفير الموارد المالية اللازمة ليقام المرافق العامة بوجباتها المتزايدة نتيجة لتطور النظم الاجتماعية والاقتصادية 0

و لهذا قضت محكمة القضاء الإداري بأن الأسباب المالية التي دعت إلى سحب الترخيص لامتناع المدين عن دفع الإتاوة تدخل ضمن المصلحة العامة و من ثم فإن المجلس البلدي إذا استهدف من إلغاؤها أن يفيد ماليا ليتسنى له إصلاح شوارع المدينة و التي تتأثر بعمل الشركات المرخص لها عملا مستمرا و أن نفقات إصلاحها تصل إلى مبالغ كبيرة إنما استهدفت هدفا مشروعيا فليس ثمة من شك في أن موازنة الميزانية المحلية من أغراض المصلحة العامة 0

و يختلف اتجاه مجلس الدولة الفرنسي عن نظيره المصري في مدى إجازة الانحراف بالسلطة لمصلحة الإدارة المالية حيث يشترط الأول وجود مصلحة عامة إلى جوار المصلحة المالية أما الثاني فلا يشترط ذلك , و من ثم لا يلغي قرار الإدارة و لو قصدت من وارؤه تحقيق المصلحة المالية وحدها و يؤكد ذلك حكم محكمة القضاء الإداري الذي أقرت فيه مشروعية قرار إداري باعتباره غير مشوب بالانحراف بالسلطة على الرغم من استهدافه مصلحة مالية بحتة لموازنة ميزانية إحدى البلديات و دون أن يحقق أية مصلحة عامة بجانبها 0

(3) نطاق تطبيق الاتجاه الحديث :

أقر القضاء الفرنسي و المصري – على نحو ما رأينا انحراف الإدارة في استعمال سلطتها لتحقيق أ هداف مالية إلا أن لذلك مجالا معينا فهو يقتصر أصلا على عمل السلطات المحلية , و حتى في ميدان خدمات المجالس المحلية , فإنه يلزم ألا يكون هدفها من الانحراف بسلطتها ماليا بحتا , إذ يضيف القضاء أسبابا أخرى تتصل بصالح المرفق و صالح المنتفعين به 0

و لذلك فإن الاتجاه القضائي السابق لا يعني زوال انحراف اسلطة لمصلحة الإدارة المالية بأن أصبحت هذه المصلحة بمنجاة عن كل إلغاء 0

حيث إن الانحراف بالسلطة التي تؤدي إلى إلغاء القرار الإداري لمجانية قاعدة تخصيص الأهداف و ذلك إذا ثبت للقاضي أن هدف القرار مالي بحت بحيث لا يخالطه هدف آخر من أهداف المصلحة العامة أما إذا كان القرار يحقق مصلحة عامة أخرى إلى جوار المصلحة المالية فإن مجلس الدولة الفرنسي لا يلغي القرار و قد تأكد ذلك في قضية تتلخص وقائعها في إصدار مدير إقليم قرار إعلان نزع الملكية لمنفعة عامة لقطعة أرض مملوكة ملكية خاصة و ذلك بهدف إقامة مشروع ترفيهي في الهواء الطلق لقضاء أوقات الفراغ مع السماح لإحدى الشركات الخاصة باستغلال أجزاء من الأرض المعينة و فتح منجم عليها ثم أصدر المدير بعد ذلك قرارا بالسماح بإحدى الشركات باستغلال المنجم طعن ذوي الشأن على هذا القرار تأسيسا على أن الإدارة هدفت بقرارها تحقيق مصلحة مالية من عائد استغلال الشركة للمنجم , إلا أن مجلس الدولة الفرنسي أيد قرار المدير مقرا أن قيام المدينة بتأجير استغلال المنجم كان هدفه تحقيق الصالح العام بأقل تكلفة و انتهى إلى مشروعية قرار المدير الذي يعلن المنفعة العامة , و الذي يعلن القابلية للتنازل عن العقارات اللازمة لإنجاز هذا المشروع حيث إنه غير مشوب بإساءة استعمال السلطة 0

تعقيب :

نعتقد بأن في إضفاء المشروعية على انحراف الإدارة بسلطتها لتحقيق مصلحتها المالية , وإن كان فيه إشباع لاحتياجات الهيئات المحلية المالية إلا أن فيه اعتداء على حقوق الأفراد المقررة دستوريا , و تنكر لمبدأ المشروعية الذي يجب إعلاؤه على أي مصلحة مادية فنبل الغاية لا يبرر استخدام الوسيلة 0 و في تقرير مشروعية هذا الانحراف بالسلطة خطورة بالغة لما في ذلك من جعل حقوق الأفراد و احترام مبدأ مشروعية هذا الانحراف بالسلطة خطورة بالغة لما في ذلك من جعل حقوق الأفراد و احترام مبدأ المشروعية رهن احتياجات الهيئات المحلية لزيادة إيرادتها0

و بالرغم من ذلك فإنه إذا كان لا محالة من إقرار هذا المبدأ تحت إلحاح احتياجات الإدارة المحلية المادية – و التي تفرضها الظروف الراهنة – و حتى لا ينفصل القضاء عن الواقع فإننا نرى أن يسير مجلس الدولة المصري على نهج نظيره الفرنسي الذي يشترط لإقرار مشروعية مثل تلك القرارات , ألا يكون هدفها مالي بحت بل يجب أن يقترن به هدف تحقيق لمصلحة عامة كما نرى أهمية أن يشترط مجلس الدولة المصري ضرورة أن يكون هدف تحقيق مصلحة الإدارة المحلية المالية ثانويا إلى جانب هدف تحقيق المصلحة العامة المقترن به , إضافة إلى ذلك يجب أن يقتصر تطبيق هذا المبدأ في أضيق نطاق ممكن باعتباره استثناء على القاعدة العامة التي توجب احترام الهدف المخصص حتى يكون القرار منزها عن عيب الانحراف في استعمال السلطة 0
ثانيا : الانحراف بسلطة تأديب الموظفين :



حتى تتمكن الإدارة من أداء واجبها في الحفاظ على انضباط العمل الإداري فقد كفل لها المشرع حق تأديب موظفيها بتوقيع ما يناسب مخالفتهم من جزاءات تأديبية منصوص عليها لمنعهم من معاودة اقترافها و دفعهم إلى الحرص على عدم الإخلال بوجباتهم الوظيفية و حتى يعتبر غيرهم من الموظفين الذين قد تسول لهم أنفسهم ارتكاب المخالفات و هدف توقيع الجزاء التأديبي يجب أن يكون دائما تحقيق الصالح العام المتمثل في ضمان سلامة أداء الجهاز الإداري و رفع كفاءاته لضمان سير و انتظام المرافق العامة في الوفاء بالتزاماتها نحو جمهور المتعاملين معها و لكن حق الإدارة في توقيع الجزاء على رجالها ليس حقا طليقا من كل قيد بل هو حق مشروط بأن يكون الجزاء صريحا و ليس مستترا خلف قرار نقل أو خلافه , كما أن الإدارة يتعين عليها لتوقيع الجزاء أن تتبع الإجراءات المقررة قانونا للتأديب , و ذلك حتى يتمكن العامل من الدفاع عن نفسه فإن خالفت الإدارة هذا الشرط أو ذاك أو خالفت الهدف من منحها سلطة التأديب و هو تحقيق المصلحة العامة كان قرارها مشوبا بالانحراف في استعمال السلطة 0

و يظهر الانحراف بالسلطة التأديب بجلاء فيما يطلق عليه " العقوبة المقنعة " كنقل عامل أو ندبه بدلا من توقيع جزاء تأديبي عليه و هذه عقوبة مستترة خلف ستار تنظيم العمل في الإدارات و المصالح و المرافق العامة 0

و تتعلق مشكلة العقاب المقنع في واقع الأمر بأخلاقيات الإدارة و سلوكها في مواجهة موظفيها حيث تقوم في هذا الصدد عمدا بتوقيع عقوبات بالمعنى الصحيح للفظ على موظفيها عن طريق خفي غير قانوني مستخدمة في تحقيق مآربها في بعض الأحيان إجراءات منصوص عليها في القانون و في أحيان إجراءات منصوص عليها و لكنها تستخدمها في غير الأغراض التي تقررت من أجلها و للقضاء على هذا النوع من العقاب يجب على الإدارة من جانب أول الالتزام بتسبيب جميع القرارات ذات الآثار العقابية الضارة الصادرة عنها 0 كما يجب على المشرع من جانب ثان تقنين كافة الإجراءات و التدابير التي تسعى الإدارة من خلالها لتوقيع العقوبات المقنعة كما يجب على القضاء أخيرا بوصفه المحامي لحقوق الأفراد ألا ينفصل عن الواقع العملي عند تطبيقه للقانون على الوقائع المعروضة عليه بحيث يتفحصها و يتلمس معالمها في ضوء الظروف الملابسة لها و التي أدت إلى اتخاذها بما لا يخل بمصلحة كل من الإدارة و العاملين فيها 0

و قد وقف مجلس الدولة المصري وقفا حاسما من قرارات الإدارة التي قصدت بها توقيع جزاءات مقنعة حيث ألغت محكمة القضاء الإداري قرارا إداريا بنقل أحد أعضاء تنظيم نقابي حينما ثبت لديها أن القرار صدر بقصد التنكيل بالمدعي بسبب نشاطه النقابي المناوئ للإدارة 0 و من ثم كان مشوبا بإساءة استعمال السلطة 0

كما ذهبت المحكمة الإدارة العليا ؟إلى أن الندب تترخص فيه جهة الإدارة بما لها من سلطة تقديرية و لا تعقيب على قرارها طالما خلا من إساءة استعمال السلطة 000 و من صور إساءة استعمال السلطة تعديل قرار الندب إلى نقل ثم إعادته و صدور تلك القرارات في وقت قصير بعد أن أوضحت الإدارة عن صدها في أن الغرض من ذلك هو توقيع جزاء تأديبي "

في هذا الحكم اعتبرت المحكمة أ ن إصدار الإدارة لقرارات نقل و ندب متتابعة في فترة وجيزة دليل على الانحراف بالسلطة و من ثم ألغت قرار ندب أحد أعضاء الإدارات القانونية دون موافقته الكتابية بعد ما كشفت الإدارة عن أن قصدها من الندب و النقل توقيع جزاء تأديبي و وجه الانحراف هنا أن الإدارة خالفت الهدف المخصص للنقل و هو حسن سير و انتظام المرافق العامة حيث استبدلت به الهدف المخصص للتأديب و المتمثل في المنع و الردع 0

و قد استشفت المحكمة الإدارية العليا أن الإدارة اتخذت من النقل وسيلة لعقاب الموظف استندا إلى أن النقل تم إلى جهة تزخر بالعمالة الزائدة , و ليس بها درجات خالية و أن قرار النقل واكبه ادعاء جهة الإدارة المنقول منها الموظف لأنه تعدى بالضرب على أحد زملائه بالعمل و قد استنتجت المحكمة من كل الملابسات أن النقل اتخذ بهدف توقيع عقوبة مقنعة على الموظف المنقول لذلك ذهبت إلى إلغاء القرار الصادر به لكونه مشوبا بالانحراف بالسلطة 0

و إذا كان ما سبق هو موقف مجلس الدولة من الجزاءات المقنعة المستترة خلف قرارات النقل ما دام قد خلا من شبهة الجزاء التأديبي المقنع لذلك قضت المحكمة الإدارية العليا بأنه " و لما كان الثابت من الأوراق أن الوظيفة المنقول إليها هي وظيفة مدير إدارة الرقابة على المخزون السلعي و لم يثبت من الأوراق أو يقدم المطعون ضده ما يدلل على أن الوظيفة المنقول إليها نقل في درجتها أو مرتبها عن الوظيفة منها بل أن الثابت أن كلا من الوظيفتين يحتل موقعا واحدا في مجموعة الوظائف المالية و المحاسبية " 0

و تأسيسا على ما تقدم ذهبت المحكمة إلى أن قرار النقل لا يحمل في طياته جزاء مقنعا و لذلك فهو قارا مشروع و لا يجوز النعي عليه بالانحراف بالسلطة 0



ثالثا : الانحراف بسلطة نقل الموظفين

قد تفرض مقتضيات الصالح العام على جهة الإدارة نقل أحد موظفيها من مكان لم يعد بحاجة إلى خدماته إلى مكان آخر في أمس الحاجة إلى تخصصه و هذا هو النقل المكاني و يختلف عن النقل النوعي الذي يكون من وظيفة لأخرى في نفس المستوى الوظيفي و في نفس جهة العمل حيث تفرض متطلبات العمل الإداري اللجوء إليه 0

و حتى يكون النقل مشروعا يجب أن يكون نابعا من الرغبة في تحقيق مصلحة العمل و تيسير أداءه 0

و رفع مستوى الخدمة التي يؤديها الجهة الإداري , حيث إن القاعدة المسلمة أن للإدارة سلطة نقل وظفيها بهدف تحقيق الصالح العام فإذا خالفت جهة الإدارة هذه القاعدة فإن القضاء يلغي قرارها لأنه مشوب بعيب إساءة استعمال السلطة 0

و النقل بنوعيه هو سلطة خولها المشرع للجهة الإدارية تجريه وفقا لسلطتها التقديرية حسبما يمليه عليها صالح العمل و مقتضياته 0

و المشرع حينما منح الإدارة سلطة تقديرية لإجراء النقل النوعي من وحدة إلى أخرى أو من داخل الجهاز الحكومي و الهيئات العامة إلى القطاع العام أو العكس فإنه يشترط ألا يضار الموظف من جراء ذلك بألا يفوت على الموظف المنقول دوره في الترقية " و ألا يكون النقل وظيفة دوره في الترقية و ألا يكون النقل إلى وظيفة أقل درجة من الوظيفة التي يشغلها 0

فيجب ألا تحرك ممارسة الإدارة لهذه السلطة سوى حوافز الصالح العام و حسن تنظيم المرفق المبرر لتوزيع عمال المرافق على نحو من الأنحاء 0



كما يجب أن يكون قرار النقل مقصودا لذاته , أما إذا اتخذت الإدارة ما منحت من سلطة تقديرية في النقل لتحقيق أغراض أخرى , فإن القضاء قد جرى على إلغاء تلك القرارات فلا يجوز أن يتخذ من نقل الموظف وسيلة تأديبية على خلاف ما قرره القانون من إجراءات كما يجب ألا يكون هدف الإدارة مع النقل الانتقام من موظف أو إفادته على حساب المصلحة العامة 0

و تطبيقا لذلك قضت المحكمة الإدارية العليا بإلغاء قرار نقل قصد به الانتقام من موظف حيث ثبت أن النقل رغما عن موافقة الموظف و إلى جهة مجال الترقي فيها مقفول و ذلك بهدف حرمانه من مزاياه و ترقية غيره في الدرجة الوظيفية التي كان يشغلها من قبل0

و يلاحظ إن إلغاء المحكمة لقرار النقل موضوع الدعوى سببه انحراف الإدارة بسلطة النقل حيث لم يكن مبررها في استعمالها الرغبة في تحقيق المصلحة العامة بل الانتقام من موظف و محاباة آخر 0

و قد ذهبت محكمة القضاء الإداري إلى أن عدم بيان الجهة الإدارية لوجه الصالح العام الذي تغياه من قرار نقل الموظف بشكل و كن الخطأ في قرار النقل 0

و وفقا لهاذ الحكم فقد اشترطت محكمة القضاء الإداري لمشروعية قرار النقل أن تفصح الإدارة عن وجه صالح العام الذي حدى بها إلى إصداره , و بذلك خالف هذا الحكم قرينة الصحة المفترض توافرها في جميع قرارات الإدارة إلى أن يثبت العكس 0

و قد خالفت المحكمة الإدارية العليا محكمة القضاء الإداري في قضائها السابق حيث ذهبت إلى أن الأصل هو القضاء الإداري يقوم على سبب صحيح قانونا و أنه يصدر بقصد تحقيق الصالح العام و بغية سير المواقف العامة إلى أن يثبت العكس و انتهت إلى أنه لا يجوز أن ينسب الخطأ إلى الجهة الإدارية لمجرد أنها لم تبين وجه الصالح العام عند إصدارها قرار النقل 0

و أخيرا حددت المحكمة الإدارية العليا شروط نقل موظفي الإدارة حيث يجب أن يكون هدفه هو تحقيق الصالح العام و ألا يفوت على الموظف فرصة الترقي و ألا يكون متضمنا جزاءا مقنعا 0

و إذا كان ما سبق هو موقف مجلس الدولة الفرنسي لك يختلف عنه حيث أرسى مبدأ عدم جواز نقل موظفي الإدارة لغير هدف المصلحة العامة , و تطبيقا لذلك ألغى قرار نقل موظف بسب استناده إلى دوافع شخصية لا إلى المصلحة العامة , و انتهى على أن هذا القرار مشوبا بالانحراف في استخدام السلطة 0
رابعا : الانحراف بسلطة وضع

تقارير قياس الكفاية :

منح المشرع للإدارة سلطة وضع تقارير قياس كفاية لموظفيها حتى درجة وظيفة لتقييم أدائهم و لضمان القيام بالواجبات الوظيفية على النحو الأمثل و الهدف من تخويل الإدارة هذه السلطة هو تحقيق المصلحة العامة المتمثلة في حسن سير المرفق عموما و ذلك بحث العاملين على القيام بوظائفهم على الوجه الأكمل مع إثابة العامل الممتاز و عقاب العامل المقصر 0

إلا أن الإدارة قد تستعمل سلطتها في هذا الشأن استعمالا منحرفا لمجاملة موظف ذو حظوة مهمل أو لعقاب موظف كفئ و لكنه لا يحظى بقبول رؤساؤه لأسباب غير موضوعية و هنا يقع الانحراف بالسلطة في وضع تقرير قياس الكفاية 0

و قد تتخذ الإدارة من التقارير السنوية ذات الدرجات المنخفضة أسلوبا للعقاب المقنع0

و نظرا لملا تتسم به تلك التقارير من خطورة على المستقبل الوظيفي للخاضعين لها فقد بسط القضاء رقابته عليها ملغيا إياها إذا شابها انحراف بالسلطة 0

لذلك ذهبت المحكمة الإدارية العليا و هي بصدد إلغاء الضوء على كيفية وضع تقرير قياس كفاية إلى أن الدرجة التي يستحقها الموظف عن كل عنصر من العناصر الواردة بالتقرير السنوي هو أمر يترخص به الرئيس المباشر و المدير المحلي و رئيس المصلحة و لجنة شئون العاملين كل في حدود اختصاصه و لا رقابة للقضاء عليهم في ذلك 0

ما دام لم يثبت أن تقديراتهم كانت مشوبة بالانحراف أو إساءة استعمال السلطة لتعلق ذلك بصميم اختصاص الإدارة الذي ليس للقضاء أن ينصب نفسه مكانها فيه 0

و ذهبت في حكم آخر إلى أنه إذا كان التقدير ي بني على أساب تبرره , فإن تقرير درجة الكفاية للموظف ضعيف هو أمر يخرج عن رقابة القضاء لتعلقه بصميم اختصاص الإدارة طالما أن هذا التقدير قد خلا من الانحراف أو إساءة استعمال السلطة 0

و يلاحظ على قضاء المحكمة الإدارية العليا أنها لا تعطي لنفسها الحق في رقابة ملائمة قرار تقدير كفاية و إنما تكتفي بالرقابة علة مشروعيته , و ق اعترض بعض الفقه على موقف المحكمة الإدارية العليا حيث ذهب بحق إلى أنه كان يتعين على مجلس الدولة المصري بسط رقابته على قرار تقدير الكفاية , كما فعل منذ عام 1961 حين فرض رقابته على ملاءمة القرار التأديبي حينما اشترط لمشروعيته ألا يشوب تقديره غلو بأن يكون هناك ملائمة ظاهرة بين الجريمة التأديبية و الجزاء التأديبي حيث يرى هذا الاتجاه أنه كان من المأمول فيه منذ ذلك التاريخ أن يبسط المجلس رقابته على ملاءمة تقدير الكفاية فيشترط لمشروعيته ألا يكون هناك عدمن ملائمة ظاهرة بين هذا التقدير و بين أداء الموظف لعمله ذلك أن هناك سمات مشتركة بين القرار التأديبي و بين قرار تقدير الكفاية تحبذ التسوية بينها في مدى الرقابة القضائية عليها فإذا كانت الأخطاء التأديبية ليست محل حصر تشريعي فإن الأداء الوظيفي المتنوع للموظفين ليس محل حصر تشريعي أيضا و إذا كانت الجزاءات التأديبية تندرج بنص القانون فإن الأمر كذلك بالنسبة لمراتب تقدير الكفاية و إذا لم يكن هناك نصوصا قانونية تحدد عقوبة تأديبية لكل فعل بالذات , فإنه ليس هناك نصوصا قانونية تحدد مرتبة الكفاية معنينة لكل أداء وظيفي

و في تطبيق عملي للرقابة على بواعث الإدارة , ذهبت محكمة القضاء الإداري إلى أتنه " إذا كان الثابت من ملف خدمة الموظف أنه لم يطرأ على ما يؤثر في قدرته و كفايته حتى يحدو الأمر بلجنة شئون العاملين إلى خفض كفايته من 85 إلى 50 درجة 0 و إذا كان الثابت أيضا أنها رفعت درجة كفاية موظف آخر على النحو الذي أهله للترقية بالاختيار في ذات الجلسة الأمر الذي يقطع بأن هذا التخفيض و هذا ارفع لم يكونا إلا لوسيلة استهدفت ترقية الموظف الأخير دون الأول عن طريق التحكم في درجات الكفاية التي هي في ذاتها الواقعة المنشأة مشوبا بسوء استعمال السلطة 0

و لقد امتدت رقابة مجلس الدولة الفرنسي إلى تقارير الكفاية التي تحررها الإدارة لموظفيها فيقضي بإلغائها أما إذا استشعر تضمنها نوعا من الانحراف بالسلطة التي منحها لها المشرع لكي تمارسها في تحقيق هدف المصلحة العامة دون أية أهداف شخصية أو دوافع انتقامية 0

و في البداية كان مجلس الدولة الفرنسي يمتنع عن رقابة ملاءمة قرار تقرير الكفاية لذلك ذهب في أحد أحكامه إلى أنه لا يختص قاضي الإلغاء برقابة التقرير الذي يضعه رئيس المرفق سواء كان هذا التقرير تقديرا عاما أو درجة رقمية و كان سند مجلس الدول امتناعه عن قبول الطعن في الدرجات المعطاة الموظف العام في تقارير الكفاية 0

أن ذلك من الإطلاقات الإدارية التي لا يجوز للقضاء الإداري التدخل فيها حيث إن السلطات الرئاسية لموظف العام هي أقدر الجهات على تقييمه و على إعطاؤه الدرجات المعبرة دقة عن مستواه الوظيفي و كفاءته المهنية دون معقب عليها طالما أنها لم تخالف القانون 0

غير أن هناك تحولا هاما ظهر في قضاء مجلس الدولة الفرنسي حيث لم يكتف بجعل رقابته على تقارير قياس الكفاية رقابة مشروعية فحسب بل أضفى على تلك التقارير رقابة ملائمة و ذلك حين ذهب إلى أنه " و من حيث إن السيد leca منح عن سنة 1970 درجة رقمية مقدارها 17.25 درجة متبوعا بتقدير عام عن كفايته الوظيفية و حيث أنه لا يتبين من ملف الدعوى أن تقدير كفاية السيد leca مشوب بغلط بين في التقدي ر أو إساءة استعمال السلطة 0000 لذا فإنه يكون غير محق في ادعائه بأن الحكم المطعون فيه قد أخطأ حيث رفض دعواه 0

و قد دأب مجلس الدولة الفرنسي على إعلان عدم مشروعية الدرجات الممنوحة للموظف كالما لم تكن مستندة إلى سلوك الموظف العام و لم يكن أساسها كفاءته في أداء عمله 0

و يتضح من هذه الأحكام أن مجلس الدولة الفرنسي أسبغ رقابة الملائمة على تقدير قياس الكفاية حيث اشترط لسلامته وجود تناسب ما بين محل تقدير و سببه و معنى ذلك أن التقدير يكون غير مشروع إذا شابه خطأ بين في التقدير 0

تعقيب :

إذا كان مجلس الدولة الفرنسي و المصري قد اتفقا على إخضاع تقرير قياس الكفاية لرقابتهما , إلا أنهما اختلفا حول نطاق تلك الرقابة فعلى حين اقتصرت رقابة مجلس الدولة الفرنسي تخطت ذلك النطاق و أخضعته لرقابة الملائمة و نرى أن مسايرة مجلس الدولة المصري له في الخصوص من شأنه التضييق على الإدارة في الانحراف بسلطتها في وضع تقارير قياس الكفاية حين تعلم بأن القضاء سوف يفحص عناصره بما في ذلك أسس منح درجاته و التي كثيرا ما تنحرف الإدارة بسلطتها عند رصدها و ليس في ذلك افتئات على سلطة الإدارة في وضع تلك التقارير حيث لا يجوز لها التمسك بسلطة قد يكون في ممارستها إياها اعتداء على حقوق موظفيها مما يؤدي لإصابتهم بإحباط يكون له سيئ الأثر على أداء العمل الإداري بصفة عامة و لا يجوز للإدارة أن ترهب الرقابة القضائية لأن هدف هذه الرقابة الأسمى هو تمكين اسلطة الإدارية من ممارسة سلطاتها على النحو الأمثل و ذلك من خلال احترامها لمبدأ المشروعية و الذي استمدت سلطتها من خلاله 0

خامسا :

الانحراف بسلطة فصل

الموظف لإلغاء الوظيفة :

للإدارة انطلاقا من حرصها على تحقيق المصلحة العامة أن تقوم بإلغاء الوظيفة التي لم يعد لها مبرر و تقوم في هذه الحالة بالطبع بالاستغناء على الموظفين الشاغلين لها , و لكن إذا كان هذا الحق مقررا للإدارة على سبيل الاستثناء لمقتضيات الصالح العم , فإنه لا يجوز لها استعمال تلك الوسيلة السهلة للتخلص من الموظفين دون قانوني أو بمبررات شخصية كما لو السهل للتخلص من الموظفين دون مبرر قانوني أ بمررات شخصية كما لو قامت بالإلغاء الظاهري لوظيفة بهدف التخلص من الموظفين الشاغلين لها ثم إعادتها بعد ذلك لتعيين من تشاء فإن قامت الإدارة بذلك كان قراراها مشوبا بالانحراف بالسلطة 0

و يتبلور الانحراف في هذه الحالة في أن الإعفاء من الوظيفة يتم فيها بناء على معايير شخصية , تتعلق بالرابطة القائمة بين الموظف و الإدارة و التي تكون أشد انتصافا في الجهات الإدارية التي تضم عددا محدودا من الموظفين و بذلك يفوت تحقيق الهدف الذي تقرر من أجله – بحسب الأصل النص القانوني الذي يسمح للإدارة بإلغاء العمل الوظيفي و تظهر النية العقابية المقنعة للإدارة في هذه الحالة بصورة صريحة و معلنة تماما عند إعادة إنشاء نفس الوظيفة فيما بعد و إسناد أمرها إلى موظف أخر 0

و يتمثل الانحراف في هذه الحالة في الحياد عن المصلحة حيث ابتغت الإدارة بقرارها تحقيق مصلحة الغير دون أن يكون في ذلك تحقيق لمصلحة عامة 0

و قد ترتكب الإدارة انحرافا في استعمال الإجراءات و هي بصدد استعمال سلطة فصل الموظف لإلغاء الوظيفة , و يكون ذلك حينما يرتكب موظف أخطاء وظيفة تبرر توقيع جزاء تأديبي عليه و بدلا من أن تقوم جهة الإدارة بتوقيع الجزاء المناسب عليه فإنها تقوم بإلغاء الوظيفة التي كان يشغلها و بالتالي تصل إلى استبعاد هذا الموظف بوسيلة غير الوسيلة المقررة قانونا و لا شك أن الإدارة تبغي تحقيق الصالح العام باستبعاد الموظف الذي يرتكب أخطاء إدارية و ترى أنه غير صالح للاستمرار في عمله و لكن جهة الإدارة كان يتعين عليها اللجوء إلى الوسيلة المقررة قانونا لهذا الغرض و من ثم فإن لجوؤها إلى إلغاء الوظيفة و هي في الحقيقة تهدف إلى عزل الموظف الذي أغليت وظيفته يمثل انحرافا بالإجراء طالما أنه ليس هناك إلغاء حقيقي لهذه الوظيفة 0

و تطبيقا لذلك ألغى مجلس الدولة الفرنسي قرار الإدارة بفصل موظف لإلغاء الوظيفة في حين أنها كانت تهدف إلى توقيع جزاء تأديبي حيث ذهب إلى إن " القرار المطعون فيه لا يمثل قرار فصل لإلغاء الوظيفة و لكنه يمثل انحرافا بالإجراء طالما أنه ليس هناك إلغاء حقيقي لهذه الوظيفة 0

و تطبيقا لذلك ألغى مجلس الدولة الفرنسي قرار الإدارة بفصل موظف الإلغاء الوظيفة في حين أنها كانت تهدف إلى توقيع جزاء تأديبي حيث ذهب إلى أن " القرار المطعون فيه لا يمثل قرار فصل لإلغاء الوظيفة و لكنه يمثل قرار عزل و حيث إن الجهة الإدارية استبعدت الطاعن من وظيفته على نحو غير مشروع فإنها تكون قد ارتكبت خطأ من طبيعة تبرر قيام مسئوليتها 0

كما ألغى مجلس الدولة الفرنسي قرار جهة إدارية بفصل أحد موظفيها بعد أن تبين له ؟أن جهة الإدارة بعد أن تركت هذه الوظيفة شاغرة لمدة عام , قامت بإحلال موظف جيد محله و هذا ما استشف مجلس الدولة الفرنسي من خلاله أن القرار الصادر بفصل الموظف لإلغاء الوظيفة و إنما يمثل عزل دون إتباع الوسيلة المقررة قانونا 0

و قد تواترت أحكام القضاء الإداري المصري على أنه يشترط لمشروعية فصل موظف الإلغاء حقيقيا و ضروريا و يحقق المصلحة العامة و إلا كان هذا القرار مشوبا بالانحراف بالسلطة 0

و ترتيبا على ذلك ذهبت محكمة القضاء الإداري إلى أنه " لا يجوز فصل الموظف لإلغاء الوظيفة إلا إذا كان الإلغاء حقيقيا و ضروريا تقتضيه المصلحة العامة 000 فإذا ثبت من وقائع الدعوى إن إلغاء الوظيفة لم يكن حقيقة اقتضتها المصلحة العامة 00 كان منطويا على الانحراف مشوبا بعيب إساءة استعمال السلطة 0

و أكدت المحكمة الإدارية العليا ذات المبدأ حين ذهبت إلى أن فصل الموظف نتيجة إلغاء الوظيفة مشروطا بأن يكون ثمة إلغاء حقيقي للوظيفة التي كان يشغلها الموظف 0

و الواقع أن منح الإدارة سلطة فصل موظفيها لإلغاء الوظيفة أمر بالغ الخطورة حيث يمكن لها استغلاله لارتكاب كافة صور الانحراف بالسلطة من مجانية المصلحة العامة و مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف و نظرا لصعوبة إثبات الانحراف بالسلطة بصفة عامة فإن الإدارة قد تتمادى في انحرافها باستعمال سلطة فصل الموظفين لتحقيق مآرب منبتة الصلة بصالح المرفق 0