بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

28 أغسطس 2011

الحماية الجنائية للمستند الإلكتروني -دراسة مقارنة -









تمهيد:

تتيح التكنولوجيا الحديثة القيام بالكثير من الأعمال التي كان يستحيل من قبل إنجازها: فلقد وفرت هذه التكنولوجيا في مجال الإتصالات الإلكترونية إمكانية تحقق التواصل الإنساني وإنجاز المعاملات في سهولة ويسر، وأتاح إستخدامها حسن تقديم خدمات الرعاية الصحية وتنمية الملكية الفكرية، وغيرها من مجالات . وتعد شبكات المعلومات ونظم التبادل الإلكتروني للبيانات تطبيقا للإستخدام التكنولوجي الحديث في مجال الإتصالات ونقل المعلومات وهي تختلف بذلك كثيرا عن غيرها من الوسائل التقليدية للاتصال والإعلام ، وهذا الإختلاف يؤدي إلى أمرين: الأول هو تعدد أوجه إستعمالات هذه الوسائل وإتساعها، والثاني هو الحاجة إلى تنظيم قانوني يضع الإطار لهذه الإستعمالات، غير أن هذه التكنولوجيا قد يساء إستعمالها وأن يهدد إستخدامها السلامة العامة والمصلحة الوطنية، فإذا كانت وسائل الإتصال الإلكتروني الحديثة تتيح إنجاز المعاملات المالية بشكل سريع وموثوق به أيا كان مكان المتعاملين؛ فإن إستعمال هذه الوسائل لا يخلو من مخاطر، فقد يستغل بعض المجرمين هذه الوسائل في إرتكاب جرائمهم بطريق الإحتيال أو المساس بخصوصية هؤلاء المتعاملين وسرية معاملاتهم. وإذا كان التقدم التقني قد حاول مكافحة الجرائم في مجال الإتصالات ولجأ إلى تشفيرها بما يحفظ سريتها، فإن هذه الإجراءات – مع ذلك – قد أفضت إلى إستغلال الجناة لهذه الإجراءات في إرتكاب جرائمهم بإستخدام وسائل إتصال يصعب إختراقها أو الوقوف على محتواها، وهو ما يعني أن التقدم التقني قد أمد المجرمين بوسائل بالغة القوة والفاعلية في إرتكاب جرائمهم .

أهمية المستند الإلكتروني: ترجع أهمية المستند الإلكتروني إلى أنه يتماثل مع المستند الورقي من حيث أوجه الإستعمال وأنه قد يماثله – في نظر الكثير من التشريعات – من حيث القوة القانونية المقررة له، غير أن المستند الإلكتروني له الكثير من المزايا التي تكفل له إنتشارا واسعا وتزايدا مستمرا في الإستخدام.

فمن ناحية فإن المستند الإلكتروني يتصل بطائفة مهمة من النظم الإدارية والتجارية والمالية التي تمتد لتشمل الدولة والأفراد على حد سواء، فالمستند الإلكتروني هو أحد الأدوات المهمة في تنفيذ فكرة "الحكومة الإلكترونية"، التي تقدم خدماتها إلى الأفراد والهيئات العامة والخاصة، وللمستند الإلكتروني صلة بنشاط الهيئات التي تعمل في مجال البنوك والتأمين والخدمات الطبية وغيرها، فهذه الهيئات تؤدي عملها بالإعتماد على هذا المستند من خلاله.

والمستند الإلكتروني هو الوسيلة لتحقق التجارة الدولية أهدافها، فمن خلال هذا المستند وحده يمكن إنجاز المعاملات وإبرام التصرفات والصفقات التي تقضيها فكرة التجارة الإلكترونية. ومن شأن كفالة حماية المستند الإلكتروني أن يفضي إلى سهولة المعاملات التجارية وسرعة إنجازها وإلى توفير النفقات . وللمستند الإلكتروني صلة وثيقة بالحق في السرية والخصوصية، وللمستند الإلكتروني صلة بحماية حقوق المستهلك، فهذا المستند يتبلور فيه حقوق طرفي التعاقد، فهو المرجع للوقوف على ما أتفق عليه الطرفان وتحديد التزاماتهما القانونية، والحماية المقررة للمستند الإلكتروني تضمن في الوقت ذاته حماية للمستهلك.

وقد أثرت الصلة بين المستند الإلكتروني وبين المصالح سالفة الذكر، في أن النصوص التي تحمي هذه المصالح قد تتضمن بعض صور حماية المستند الإلكتروني أو على الأقل تكمله الحماية المقررة له، ومن ذلك على سبيل المثال التشريعات التي تحمي، الحق في الخصوصية؛ حرية المعلومات؛ الإتصالات الإلكترونية؛ التجارة الإلكترونية؛ تشريعات الكمبيوتر؛ تشريعات حماية البيانات؛ التشريعات المتعلقة بالحكومة الإلكترونية .

ومن ناحية أخرى فإن حماية المستند الإلكترونية تؤدي إلى تحقيق الإستقرار والأمان القانوني، فحماية المستند الإلكتروني سواء من حيث الصلب والتوقيع، وصيانته من المساس بسريته وكشف محتواه يكفل للافراد الطمأنينة وإستقرار المعاملات، كما يؤدي إلى أن يصبح هذا المستند دليلا في الإثبات يقف على قدم المساواة مع المستند الورقي، وهو ما يؤدي في النهاية إلى استقرار النظام القانوني وقله المنازعات.

أثر الأخذ بفكرة المستند الإلكتروني على القوانين السارية:

يؤدي الأخذ بفكرة المستند الإلكتروني إلى إحداث تعديلات مهمة على القوانين السارية، ومن ذلك على سبيل المثال القانون المدني والتجاري اللذين يعتمدان في إتمام التصرفات على التوقيع الكتابي والمستندات الورقية. ويؤدي إقرار فكرة المستند الإلكتروني تشريعيا إلى وجوب تعديل هذه التشريعات . كما يؤدي الأمر بالتبعية إلى تعديل القوانين المتعلقة بالإثبات المدني والتجاري والجنائي، وإلى أن يقرر الشارع القوة القانونية التي يسبغها على المستند الإلكتروني.
كما سوف يؤدي الأخذ بفكرة المستند الإلكتروني إلى تعديل القوانين المالية والضريبية السارية والتي كانت لا تعتد بالأدلة المستمدة من مستندات إلكترونية في الإثبات والتعامل، كما قد تدعو الحاجة كذلك إلى تعديل قوانين حماية المستهلك. وسوف يترتب على إقرار المستند الإلكتروني التأثير على القوانين التي تنظم حفظ الأوراق الحكومية وإعدامها .

على أن الأثر المهم في تقديرنا للأخد بفكرة المستند الإلكتروني هو وجوب إصدار تشريع مستقل ينظم أهم تطبيقات المستند الإلكتروني في التعامل وهي السجلات والتوقيع الإلكتروني، ويضع الضمانات القانونية والفنية لهما ويحدد القوة القانونية التي يخلعها الشارع عليهما في الإثبات.

إختلاف خطة التشريعات المقارنة في موضع النص على حماية المستند الإلكتروني:

تختلف خطة التشريعات المقارنة في موضع النص على الحماية الجنائية للمستند الإلكتروني وتتوزع إلى ثلاثة اتجاهات: الأول يرى إصدار قانون يعاقب فيه على جرائم الكمبيوتر بصورها المختلفة ومن ضمنها الجرائم الماسة بالمستند الإلكتروني في صورها المختلفة، وتقترن هذه الخطة في تجريم هذه الأفعال بإصدار تشريعات تنص على صورة معينة من المستند الإلكتروني مثل "السجلات والتوقيع الإلكتروني" ومن أمثلة التشريعات التي تبنت هذه الخطة تشريعات الولايات المتحدة الأمريكية.

والإتجاه الثاني من التشريعات يذهب إلى إدخال تعديلات على النصوص التشريعية القائمة على نحو يؤدي إلى إستيعابها الصور المستحدثة من الجرائم الإلكترونية ومن بينها صور الإعتداء على المستند الإلكتروني، ثم تفرد هذه الخطة التشريعية قوانين خاصة ببعض الموضوعات مثل الإتصالات والتوقيع الإلكتروني والتي تتضمن نصوصا تتصل بتجريم الاعتداء على المستند الإلكتروني. ومن امثلة التشريعات التي تبنت هذه الخطة الأخيرة القانون الألماني والفرنسي.

والإتجاه الثالث هو الذي لم يفرد بعد تجريما خاصا للجرائم الإلكترونية، وما زال يكتفي بالنصوص التقليدية التي ينص عليها في التشريعات المختلفة ومن أهمها قانون العقوبات، غير أنه يفرد الحماية الجنائية على بعض صور المستند الإلكتروني ومن أمثلة هذا الإتجاه غالبية تشريعات الدول العربية.

تشريعات الولايات المتحدة الأمريكية:

• أولا: على المستوى الإتحادي: إعتبر الشارع الأمريكي جرائم الكمبيوتر والجرائم الملحقة بها من الجرائم الإتحادية، ويرجع ذلك إلى قانون سنة 1984 الذي أقره الكونجرس بشأن تجريم الإتصال غير المرخص به، والغش وإساءة إستعمال الكمبيوتر . ومنذ صدور هذا التشريع تزايدت نصوصه وتوسعت أحكامه حتى تتسنى مواجهة الصور المستحدثة من جرائم الكمبيوتر. وقد أدى الإتساع الضخم لشبكات المعلومات وعدم مركزية النشاط المتصل بالكمبيوتر إلى وجود صعوبة بالغة في تنظيم هذا النشاط . ومع تزايد إستخدام الكمبيوتر وتطور تقنياته ظهرت نماذج جديدة من السلوك الضار أدت إلى تطور التشريع على نحو مواز لها، وقد تمخض هذا التطور عن صدور عدة تعديلات منها قانون إساءة إستعمال الكمبيوتر لسنة 1994 . وبالإضافة إلى القوانين سالفة الذكر فقد أصدر الشارع الأمريكي في 30 يونيه سنة 2000 قانونا اتحاديا "للتوقيع الإلكتروني العالمي والتجارة الوطنية" أجاز بموجبه قبول وإستخدام التوقيع والسجلات الإلكترونية في التعاملات التجارية الدولية وبين الولايات . وقد أبقى هذا القانون الإتحادي على كافة التشريعات الصادرة من الولايات للتوقيع والسجلات الإلكترونية، غير أنه في حال عدم صدور مثل هذه التشريعات فإن القانون الإتحادي للتوقيع الإلكتروني هو الذي يطبق. وهو ما يعني أن الغطاء التشريعي للمستندات الإلكترونية يمتد إلى كافة الولايات الأمريكية، حتى ولو لم تصدر قانونا خاصة به .

وقد سبق القانون الإتحادي للتوقيع الإلكتروني جهودا تشريعية لإقرار التوقيع والسجلات الإلكترونية ومساواتها بالمستندات الكتابية، ومن هذه الجهود: القواعد الإتحادية للتوقيع والسجلات الإلكترونية الصادرة في 20 مارس سنة 1997 والتي وضعت لتطبيقها في مجال شركات الأجهزة والقانون الإتحادي للغذاء والدواء ومستحضرات التجميل وقانون الخدمة الصحية العامة ، .

وتعود الجهود التشريعية للتوقيع والسجلات الإلكترونية إلى ما طالب به ممثلو الصناعات الصيدلانية في سنة 1991 عن رغبتهم في إستخدام البدائل الإلكترونية مثل تلك المحررة بخط اليد. وكان تبرير ذلك ما تحققه هذه الوسائل وخاصة في مجال حفظ السجلات من أهمية كبيرة لشركات التصنيع الصيدلاني. وقد أثمرت هذه الدعوة عن تشكيل مجموعة عمل تتحدد مهمتها في تنمية سياسة قبول التوقيع الإلكتروني من الهيئات. وقد وضعت مجموعة العمل تقريرا في يوليه سنة 1992 إقتصرت فيه على إلقاء الضوء على القواعد المتصلة بالتوقيع الإلكتروني؛ غير أنها في 31 أغسطس 1994 أصدرت تقريرا وضعت فيه القواعد المتعلقة بالسجلات الإلكترونية. كما وضعت قواعد للتوقيع والسجلات الإلكترونية صدرت في 20 مارس سنة 1997 لتطبيق على شركات الأجهزة . كما صدر نموذج لقانون المعاملات الإلكترونية الموحد ، وهو نموذج إختياري، وذلك بهدف توحيد القواعد التي تتصل بالمعاملات التجارية الإلكترونية بين تشريعات الولايات. وإلى جانب هذه التشريع فإن هناك بعض التشريعات التي يكفل الحماية الجنائية للبيانات المخزنة إلكترونيا تضمنتها تشريعات إتحادية منها ما ينص عليه الفصل 119 من القسم الأول من تقنين الولايات المتحدة سالف الذكر والذي يحمل عنوان "إعتراض وسائل الإتصالات السلكية والإلكترونية والشفهية" .

• ثانيا: تشريعات الولايات: أصدرت الكثير من الولايات الأمريكية تشريعات تتضمن وضع تنظيم للسجلات والتوقيع الإلكتروني. ويعد أول تشريع يصدر في هذا الموضوع هو "قانون المعاملات الإلكترونية الموحد" الذي أصدرته ولاية كاليفورنيا في 16 سبتمبر سنة 1999 والذي دخل إلى حيز النفاذ في أول يناير سنة 2000 . وقانون المعاملات الإلكترونية الموحد الذي أصدرته ولاية نورث كارولينا والذي دخل حيز النفاذ في الأول أكتوبر سنة 2000 .

وقد أصدرت ولاية نيويورك تشريعا في 28 سبتمبر سنة 1999 للسجلات والتوقيع الإلكتروني . وكان هدف هذا التشريع هو تنظيم وتشجيع التعامل بالسجلات الإلكترونية وقبول التوقيع الإلكتروني في التعاملات التجارية . وقد كلف الشارع في ولاية نيويورك مكتب تقنيات الولاية بوضع تقرير يتضمن وضع تنظيم ودليل عمل لأفضل السبل لإنشاء وإستخدام وتخزين والمحافظة على التوقيع والسجلات الإلكترونية (المادة الثالثة من الفصل الرابع من هذا القانون). وقد أصدرت ولاية كونتيكتكت قانونا للمعاملات الإلكترونية في فبراير سنة 2002 ودخل حيز النفاذ في الأول من أكتوبر في ذات السنة . كما أصدرت ولاية بنسلفانيا قانونا مماثلا في 16 ديسمبر سنة 1999 .

- القانون الفرنسي: نص الشارع الفرنسي على تجريم الإعتداء على أنظمة معالجة البيانات، وذلك بموجب الفصل الثالث من الباب الثاني من قانون العقوبات ومن ضمن الجرائم التي تضمنها هذا الفصل إدخال أو مسح أو تغيير معلومات بطرق الغش (المادة 323-3). كما نص الشارع الفرنسي على تجريم عدة أفعال تقع ضد المصالح العليا للدولة وذلك إذا انصبت على المعلومات أو البيانات التي تم معالجتها إلكترونيا (المواد 411-6 إلى 411-10). وإلى جوار هذه النصوص الخاصة الواردة في قانون العقوبات فإن الشارع الفرنسي قد نص على بعض الجوانب المتصلة بالمستند الإلكتروني في قوانين متفرقة أهمها: قانون الإثبات والتوقيع الإلكتروني الصادر في 13 مارس سنة 2000/ ولائحته الصادرة في 30 مارس سنة 2001. والذي أقر فيه الشارع الفرنسي الأخذ بالدليل الإلكتروني في الإثبات والتوقيع الإلكتروني ووضع له الضوابط التي تكفل صحته . ومن التشريعات الأخرى التي تتضمن جانبا من الحماية المقررة للمستند الإلكتروني قانون حرية الإتصالات الذي صدر في سبتمبر سنة 1986 وعدل بقانون أول أغسطس سنة 2000.

- القانون الألماني: تدخل الشارع الألماني بقانون 15 مايو سنة 1986 والذي عدل بمقتضاه قانون العقوبات بأن اضاف إليه المادة 202 (أ)، والتي جرم بها فعل التجسس على المعلومات المخزنة . وقد وردت هذه المادة في الباب الخاص بجرائم الإعتداء على الحياة الخاصة والسر اللذين جمعهما الشارع الألماني في باب واحد, وعلة ذلك الإرتباط الوثيق بين فكرة السر وبين الحياة الخاصة، وأن عناصرهما تتحدد في حماية سرية المحادثات وحماية سرية المراسلات ، وحماية الأسرار الخاصة للأفراد .

كما أصدر الشارع الألماني قانونا للتوقيع الإلكتروني دخل حيز النفاذ في أول نوفمبر سنة 1997، وقد نص الشارع الألماني في هذا القانون على قواعد التوقيع الإلكتروني مثل تعريف الإصطلاحات الواردة في التشريع وتحديد السلطة المختصة بتطبيقه، والقواعد المتعلقة بمقدمي خدمة التوثيق والسلامة الفنية وفي الرابع نظم قواعد الإشراف وضوابطه كما نص كذلك على القواعد الخاصة بالمسؤولية والجزاءات الموقعة . وقد اصدر الشارع الالماني كذلك قانون المعلومات وخدمات الإتصالات ، والذي دخل حيز النفاذ في أول أغسطس سنة 1997.

- القانون الإنجليزي: أصدر الشارع الإنجليزي لائحة خاصة للتوقيع الإلكتروني ، والذي دخل حيز النفاذ في الثامن من مارس 2002، وتعد هذه اللائحة إستجابة للتوجيه الصادر من البرلمان الأوروبي والمجلس الخاص بوضع إطار العمل المشترك للتوقيع الإلكتروني لسنة 1999 وقد أنشات القواعد التي أصدرها الشارع الإنجليزي هيئة خاصة تتولى إصدار شهادات صحة التوقيع الإلكتروني، ونظم اختصاصها ومسؤوليتها والقواعد الخاصة بقبول التوقيع الإلكتروني في الإثبات أمام القضاء .

- القانون المصري: لم يصدر الشارع المصري حتى الآن قانونا شاملا ينص فيه على تجريم الأفعال التي تنال الحاسب الآلي بصفة عامة، كما أنه لم يصدر كذلك قوانين تتعلق بالتجارة الإلكترونية ومدى قبول الأدلة الإلكترونية في الإثبات. وعلى الرغم من ذلك فإن هناك عدة نصوص وردت في تشريعات متفرقة تدل على حرص الشارع المصري على الإحاطة بتجريم الافعال سالفة الذكر، وإن كان هذا التجريم ما زال جزئيا. ومن أهم هذه التشريعات في مجال حماية المستند الإلكتروني القانون رقم 143 لسنة 1994 بشأن الأحوال المدنية، والذي أخذ الشارع المصري فيه بفكرة السجلات والدفاتر الإلكترونية ونص على المعاقبة على تجريم الأفعال الماسة بهذه السجلات، كما ساوى بين التزوير الحاصل فيها والتزوير في الأوراق الرسمية المعاقب عليه بموجب قانون العقوبات.

ومن النصوص التي يمكن أن تحمي أيضا المستند الإلكتروني ما ورد النص عليه في قانون العقوبات من نصوص تحمي الحق في حرمة الحياة الخاصة (المادة 309 مكررا، 309 مكررا (أ)) وسرية المراسلات.

• وإلى جوار هذه النصوص من الشارع:

- الجهود الدولية والمنظمات غير الحكومية: هناك الكثير من الجهود الدولية التي تناولت موضوع المستند الإلكتروني ولكن على نحو غير مباشر: ويرجع ذلك إلى إتصال فكرة المستند الإلكتروني بالكثير من الأفكار التي خصصت لها هذه الجهود. ومن ذلك على سبيل المثال الجهود الدولية والمتعلقة بالتجارة الإلكترونية مثل نموذج قانون التجارة الإلكترونية لسنة 1996 والذي وضعته لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولية : المبادرة الأوروبية للتجارة الإلكترونية والتي قامت بها اللجنة الأوروبية للاتصالات في إبريل سنة 1997 إطار عمل نحو عهد جديد للتوقيع الرقمي قامت به وزارة التجارة الدولية والصناعة في اليابان سنة 1997، إطار عمل للتجارة الإلكترونية الدولية، البيت الأبيض في يوليه سنة 1997،الإعلان الوزاري الصادر في مدينة بون في يوليه سنة 1997؛ التقرير الذي أعدته منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية في أغسطس سنة 1997 عن التجارة الإلكترونية: ما تكفله من فرص وما تواجهه من تحديات للحكومات ؛ الإعلان الذي أصدرته المنظمة السابقة في أكتوبر سنة 1998 بمدينة أوتاوا والذي يتضمن خطة عمل للتجارة الإلكترونية وما يتعلق بها من وثائق؛ قرار مجلس الإتحاد الأوروبي في 19 يناير سنة 1999 عن حجم الإستهلاك للمعلومات في المجتمع، خطة عمل عالمية للتجارة الإلكترونية أعدتها الغرفة الدولية للتجارة في أكتوبر سنة 1999؛ إرشادات حماية المستهلك في مجال التجارة الإلكترونية تقرير أعدته منظمة التجارة الإلكترونية والتنمية في ديسمبر سنة 1999 وأتبعته بتقريرين آخرين: الأول عن حصر قوانين وسياسات حماية المستهلك المطبقة في مجال التجارة الإلكترونية، والثاني هو التقرير الأول للحكومة والقطاع الخاص عن مبادرات تشجيع وتنفيذ إرشادات حماية المستهلك في مجال التجارة الإلكترونية في مارس سنة 2001؛ الوثيقة التي أصدرتها لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولي في ديسمبر سنة 2000 عن العوائق القانونية لتطور التجارة الإلكترونية في الوسائل الدولية التي تتعلق بالتجارة الدولية وطرق التغلب عليها؛ خطة العمل الأوروبية التي اعتمدها الإتحاد الأوروبي في يونيه سنة 2002 عن الإختصاص القضائي والقانون المطبق في التجارة الإلكترونية؛ التوجيه رقم 93 لسنة 1999 الصادر من المجلس الأوروبي لوضع إطار مشترك للتوقيع الإلكتروني ، .

- أهمية الموضوع ودقته: تهدف الدراسة إلى إيضاح معالم المستند الإلكتروني وحدود ونطاق حمايته واستظهار الافعال الإجرامية التي تنال منه، وبيان خطة التشريعات المقارنة في كفالة الحماية الجنائية له.

فتثير الدراسة التساؤل عن ماهية المستند الإلكتروني وعناصره؟ وعن الصلة التي تربطه بغيره من الحقوق والمصالح التي يحميها الشارع؟ كما تثير الدراسة التساؤل عن نطاق فكرة المستند الإلكتروني وتمييزها عما قد يختلط بها من حقوق ومصالح أخرى تخرج عن مدلولها. وتطرح الدراسة التساؤل عن أهم الأفعال الإجرامية التي تنال من المستند الإلكتروني؟ وما هية خطة التشريعات الجنائية المقارنة في تجريم هذه الأفعال؟، وما إذا كانت هذه الخطة موضع اتفاق بين هذه التشريعات ام أن كل منها قد نحا منحى يختلف عن الآخر؟. وتثير الدراسة التساؤل عن مدى إحاطة التشريعات المقارنة بهذه الأفعال؟. وفي النهاية تطرح الدراسة سؤالين أساسيين: الأول عن مدى كفاية خطة التشريعات في تجريم الأفعال التي تنال من المستند الإلكتروني؟، والثاني هو عن مدى فاعلية هذه الحماية؟.

• خطة البحث:

نقسم الدراسة إلى فصلين نتناول في الأول ماهية المستند الإلكتروني، فنبين مدلوله ونطاقه وتمييزه عما قد يختلط به من أفكار، وفي الثاني نتناول بالبحث الأفعال الإجرامية التي تنال من المستند الإلكتروني وخطة التشريعات المقارنة في تجريمها. ونتناول في خاتمة الدراسة أهم النتائج التي اسفر البحث عنها.

الفصل الأول
ماهية المستند الإلكتروني

تقسيم:

نتناول في هذا الفصل بيان مدلول المستند الإلكتروني وتحديد عناصره، ثم نبين الصلة بينه وبين بعض الحقوق والمصالح التي يحميها الشارع وتمييزه عما قد يختلط به من افكار وذلك في مبحثين مستقلين.

المبحث الأول
مدلول المستند الإلكتروني

تمهيد:

تتعدد التعاملات الإلكترونية وتختلف فيما بينها إختلافا كبيرا، فمن ناحية قد تكون هذه التعاملات على شبكات اتصال مفتوحة للكافة دون تمييز كشبكة الإنترنت أو شبكات مغلقة يقتصر التعامل من خلالها على عدد محدود من الأفراد أو الهيئات، ومثالها الشبكات الخاصة بالشركات والمؤسسات الحكومية والهيئات التي تقدم خدمات مثل الرعاية الصحية والتأمينية . وقد أسهمت نظم جديدة في الإتصالات في زيادة أهمية وكفاءة المعاملات الإلكترونية ومثالها الشبكات الخاصة للمعاملات (سويفت) التي بمقدورها إتمام التصرف في لحظات معدودة، وكذلك وسائل الإتصال عن بعد ونظم التبادل الإلكتروني للبيانات .
مدى الحاجة إلى تحديد ماهية المستند الإلكتروني: تبرز الحاجة إلى تحديد مدلول محدد للمستند الإلكتروني، وذلك حتى يتسنى تحديد نطاقه ومعالمه واستظهار الأفعال الماسة به. وتبدو أهمية تحديد هذا المدلول من اختلاف خطة التشريعات في النص على المستند الإلكتروني وفي مدى الحماية المقررة له في التشريعات. فغالبية التشريعات لا تفرد نظرية عامة للمستند الإلكتروني، ولا تحدد قواعد عامة تسري على أي مستند تتوافر له الصفة الإلكترونية؛ وإنما تقتصر هذه التشريعات – كما سنرى – على النص على أهم تطبيقات فكرة المستند الإلكتروني مثل التوقيع والسجلات الإلكترونية.

إختلاف الرأي في استيعاب مدلول المستند العادي للمستند الإلكتروني:

لم تضع الكثير من التشريعات نصوصا تحدد بموجبها فكرة المستند الإلكتروني وتحدد قوته في الإثبات وتعاقب على المساس به. وقد نتج عن هذا النقص التشريعي أن ثار الخلاف في الفقه عن سريان النصوص العقابية التي تحمي المحررات الورقية على المستند الإلكتروني، فذهب رأي الفقه إلى وجوب تفسير تعبير "المستند" الوارد في النصوص السارية تفسيرا واسعا بحيث تشمل معه المستند الإلكتروني؛ بينما لا يؤيد رأي آخر هذه الواجهة.
التفسير الواسع لفكرة المستند: يذهب هذا الرأي إلى أن تعبير "مستند" يمكن أن يمتد ليشمل المستند الورقي والإلكتروني، ذلك أن الأصل اللغوي لكلمة مستند لا يقتصر على نوع معين، وإنما يشمل الكتابة على الورق بمدلولها التقليدي، كما يتسع لغيرها من الصور ومنها الكتابة الإلكترونية. وأنه لا يشترط في التوقيع على المستند إلا أن يكون هذا التوقيع دالاً على نسبة هذا المستند إلى صاحبه، وأن كل وسيلة تقوم بوظيفة التوقيع في تحديد هوية الموقع وإنصراف إرادته الجازمة للالتزام بمضمون ما وقع عليه تعتبر بمثابة توقيع . وفي نظر هذا الرأي فإنه يجب التخلي عن المفاهيم التقليدية "للمحرر"، "الكتابة"، "التوقيع"، وأنه يجب الإعتداد بالمستند الإلكتروني الذي تتوافر به من الضمانات التقنية ما يعادل الضمانات السائدة في المستندات الورقية . وأنه لا يوجد إرتباط بين فكرة الكتابة والورق، فلا يشترط أن تكون الكتابة قد تمت على ورق موقع بمعناه التقليدي. ويعقد هذا الراي مقارنة بين التوقيع الخطي وبين التوقيع بالختم والبصمة، فيقول بأنه إذا كان الشارع يقبل التوقيع بالأخرين على الرغم من أن الخاتم منفصل عن صاحبه ويمكن التحصل عليه بعيدا عن صاحبه، وكذلك الشأن في البصمة التي يمكن أخذها من إبهام شخص نائم أو مغشي عليه بما يعني أن عناصر الأمان لا تتحقق أيضا بالنسبة إليهما . ويضيف بأنه إذا كان الأصل في إثبات العمليات التجارية هو مبدأ حرية الإثبات التي تسمح بإثبات التصرفات بكافة طرق الإثبات دون أن يقام الدليل عليها، وأن تطبيق هذا المبدأ يقتضي أن يترك للقاضي تقدير قوة الدليل المستمد من الوسائل الحديثة . وينتهي هذا الرأي إلى أن المساواة بين مدلول المستند الإلكتروني والمستند الورقي يمكن أن يتحقق بالتوسع الفقهي والقضائي في تفسير النصوص القائمة، وإعطاء مدلول للمستند يشمل معه كافة الصور التي يمكن أن تنطوي تحت هذا المدلول .

التفسير الضيق للمستند: يذهب الرأي الغالب في الفقه إلى أن النصوص الحالية قد وضعت لتنظيم ما يتعلق بالمستند الورقي، وأنه لا يمكن القول بإعادة تفسير النصوص الحالية وسريانها على المستند الإلكتروني، وأنه لا بد من صدور تنظيم تشريعي للمستند الإلكتروني يراعي الضمانات التي يجب ان تتوافر في هذا المستند حتى يكفل له الفاعلية في التعامل والقبول في التعاملات . ويضرب أنصار هذا الرأي مثلا بجريمة التزوير التي ترتبط في نظر الكثير من التشريعات بوجود فكرة المحرر، ويترتب على انتفائه انتفاء الجريمة ذاتها، ومن هذه التشريعات الكثيرة من تشريعات الدول العربية، فلا يعد المستند الإلكتروني في نظر هذه التشريعات من قبيل المحرر ومن ثم تنحسر عنه جريمة التزوير . وسند هذا الرأي أن مدلول المحرر الذي عاقبت التشريعات على المساس به يتصل على وجه اللزوم "بالسندات والأوراق"، فعلى سبيل المثال، فإن الشارع المصري قد أورد في المادة 211 كبيان للمحرر "الأحكام أو التقارير أو المحاضر أو الوثائق أو الدفاتر أو غيرها من السندات والأوراق الأميرية"، ثم أحال الشارع إلى هذه "السندات والأوراق الأميرية في المادتين 212، 213 من قانون الأوراق المزورة المذكورة في المواد السابقة". ولم يخرج الشارع المصري عن هذا المدلول للمحرر في كل جرائم التزوير الأخرى مثل التزوير في المحررات العرفية والتزوير في محررات الشركات المساهمة. وأنه مما يدل قطعا على إرتباط فكرة المحرر بفكرة المستند الورقي أن الشارع المصري حينما أراد تجريم صور لا يتحقق فيها هذا المدلول، فإنه نص صراحة على هذه الصور بنصوص خاصة . وقد التزم القضاء المصري بهذا المدلول . وعلى الرغم من أن الفقه المصري يميل إلى أن مادة المحرر قد تكون ورقية أو غير ورقية ومن ثم يعتبر أن الكتابة على غير المستند الورقي تدخل في مدلول المحرر ، فإن النصوص التشريعية واتجاه القضاء لا يساعد على هذا التوسع . ويرى أنصار هذا الرأي أن التزوير الحاصل في المستندات الإلكترونية يخرج عن مدلول التزوير الحاصل على المحررات: وعله ذلك أن فكرة التزوير في المحرر تقتضي أن يعبر المحرر عن فكر إنساني وأن يكون وجودا ماديا ملموسا يمكن رؤيته بالعين المجردة، وذلك على خلاف البيانات الإلكترونية التي لا يمكن رؤيتها بغير الوسائل الفنية التي تمكن من ذلك .

ويضيف البعض حجة أخرى هي أن التشريعات التي تتعلق بالإثبات المدني لم تجعل للبيانات الإلكترونية أي حجية في الإثبات، ومن أمثلة ذلك قانون البيانات الأردني الذي لا يجعل لهذه البيانات قيمة في الإثبات .

تقدير الرأيين: في تقديرنا أن الرأي الموسع لمدلول المستند ليشمل المستند بمعناه التقليدي والمستند الإلكتروني هو رأي محل نظر: ذلك أن نقطة البدء في هذا الرأي هو أنه لا يوجد شكل معين للكتابة يجب الإلتزام به، ومن ثم لا يوجد ما يحول دون الإعتداد بالمحرر والتوقيع الإلكتروني حتى في ظل غياب النص، ونقطة البدء هذه – في تقديرنا – غير دقيقة، ذلك أن الكتابة التي يعتد بها أي نظام قانوني يجب ان تتمتع بصفات معينة تكفل لها تحقق دورها في إثبات المعاملات، ولذلك لم يثر شك في أن الكتابة بمداد يزول بعد فترة من الوقت أو الكتابة على الآلات والأدوات وغيرها من صور لا تدخل في نطاق الكتابة بمعناها القانوني، ومن اصول التفسير في هذه الحالة أن يفترق المدلول الإصطلاحي للكتابة عن مدلولها اللغوي، ولا يجوز في تقديرنا أن نفسر النصوص التي نصت على فكرة المحرر والكتابة والتوقيع لنمدها إليها إذا تحققت بوسيلة إلكترونية والسبب في ذلك أن فكرة المستند الإلكتروني بمعناه الواسع ونظم حمايته وتأمينه لم تزل حتى الآن عرضه للتطور التقني، ولا يجوز التضحية باستقرار التعاملات قبل التأكد من أداء المستند الإلكتروني لدوره الذي يجب أن يرسمه له القانون. وأنه حتى بفرض صحة المساواة بين الكتابة العادية والإلكترونية، فإن هناك سببا يحول دون المساواة التلقائية بين الفكرتين: هذا السبب يرجع إلى أن الأخذ بفكرة التوقيع الإلكتروني على سبيل المثال يجب ان يقترن بتنظيم تشريعي دقيق يحدد طرق هذا التوقيع وصوره وآثاره في الإثبات وضماناته وسبل حمايته وينص على شهادات توثيق هذا التوقيع ويحدد الجهة المختصة بمنح هذه الشهادات وأوضاعها وشروطها وآثارها القانونية وجزاء الإخلال بها وغيرها من شروط، وإذا لم ينص الشارع على هذا التنظيم، فإنه يبدو من غير المنطقي – في تقديرنا – ان نعترف للتوقيع الإلكتروني بقوته في الإثبات، وسوف يترتب على الأخذ بالتوسع في مدلول فكرة المحرر والتوقيع على النحو الذي ينادي به الرأي الموسع – دون وجود تنظيم تشريعي – إلى إثارة مشكلات كبيرة في الإثبات وهو ما يهدد استقرار المعاملات بدلا من تدعيمه. وإذا كان من الأصول المستقر عليها أنه إذا تعارضت إعتبارات العدالة مع اعتبارات الأمان والإستقرار القانوني فإن الإعتبارات الأخيرة هي الأولى بالرعاية . فإنه من باب أولى إذا تعارضت هذه الإعتبارات مع إعتبارات تسهيل المعاملات وسرعة إنجازها، فلا يجوز التضحية بأمان واستقرار المعاملات في هذه الحالة.

وأخيرا فإنه ما ينال من الرأي الموسع أن التشريعات المدنية والتجارية المقارنة التي أقرت فكرة المستند الإلكتروني قد لجأت إلى إصدار تشريعات خاصة تنظم تطبيقات هذا المستند مثل السجلات والتوقيع الإلكتروني، وإذا كان هذا الرأي صحيحا لكانت هذه التشريعات قد ساوت في التطبيق بين فكرتي المستند دون حاجة إلى نصوص خاصة وهو ما لم يحدث، ما يدل على أن عدم جواز إجراء هذه المساواة من خلال التوسع في التفسير، لأن هذا التوسع لا يلتقي مع المعنى الإصطلاحي للكتابة حتى الآن.

وفي تقديرنا أن الرأي المضيق لمدلول المستند هو الأدنى إلى اتفاقه مع النصوص التشريعية، وأن دليل ذلك أن الشارع المصري قد وضع نصا خاصا في قانون الأحوال المدنية رقم 143 لسنة 1994 يساوي فيه بين السجلات الورقية والسجلات المخزنة من خلال الحاسب الآلي، وأنها تعتبر محررات رسمية (المادة 72 من هذا القانون). فإنه إذا كانت هذه المساواة يمكن التوصل إليها من خلال تفسير النصوص القائمة لما كان الشارع المصري بحاجة إلى افراد هذا النص، ولما كانت التشريعات المقارنة قد وضعت نصوصا خاصة تجرم بمقتضاها الإعتداء على البيانات الإلكترونية.

عناصر فكرة المستند الإلكترونية: يثور التساؤل عن العناصر المميزة للمستند الإلكتروني، وهذه العناصر تعد في الوقت ذاته ضابطا يمكن من خلالها تحديد معالم ونطاق المستند الإلكتروني، ومن ثم تحديد الأفعال التي تنال منه وتنطوي على مساس به، كما أن تطبيق هذا الضابط يؤدي إلى إمكانية التمييز بين المستند الإلكتروني وبين غيره من صور قد تخلط به.

وفي تقديرنا أن المستند الإلكتروني يتميز بأنه ينطوي على ثلاثة عناصر الأول أن يتضمن تعبير عن المعاني والأفكار الإنسانية المترابطة، والثاني أن يكون هذا التعبير له قيمة قانونية، والثالث أن يتصف هذا المستند بالصفة الإلكترونية. والتعبير المترابط عن المعاني يعني أن يكون ما يحويه المستند يكون أداة للتفاهم وتبادل الأفكار. وفي هذا تأكيدا للدور الإجتماعي للمستند بإعتباره وسيلة للمعاملات القانونية . والأهمية القانونية للمستند تعني أن يترتب على المساس به وقوع ضرر على النحو المقرر في جرائم التزوير المستند العادية ، ومن أمثلة ذلك أن يقع المساس في بيان أعد المستند لإثباته، كالتوقيع الإلكتروني؛ أو أن ينصب على بيان يمكن أن يتخذ سندا أو حجة بالمعنى القانوني ولو كان على نحو عارض ومن أمثلة ذلك أن ينصب التزوير على تاريخ المستند الإلكتروني على الرغم من أن التاريخ قد لا يكون بيانا أعد المستند لإثباته. وهذه الخطة قد انتهجتها الكثير من التشريعات المقارنة، من ذلك على سبيل المثال ما نص عليه الشارع الألماني في جريمة تزوير السجلات الإلكترونية من وجوب أن ينطوي السجل الإلكتروني على "واقعة لها قيمة قانونية" .

وأما الصفة الإلكترونية للمستند فتعني أن العمليات المختلفة التي تتصل بالمستند مثل كتابته أو حفظة أو استرجاعه أو نقله أو نسخة تتصل بتقنية تحتوي على ما هو كهربائي أو رقمي أو مغناطيسي أو لا سلكي أو بصري أو كهرومغناطيسي أو غيرها من العناصر المشابهة .

أوجه الشبه والإختلاف بين عناصر المستند الإلكتروني والمحرر:

يتماثل المستند الإلكتروني والمحرر في أن فحوى كل منهما الحقيقة التي يريد الشارع حمايتها . وأن كل منهما ينطوي على مجموعة من الرموز التي تعبر عن مجموعة مترابطة من الأفكار والمعاني الإنسانية، ويتماثل كل منهما كذلك في أنطوائهما على فكرة الضرر التي هي علة تجريم المساس بهما، كما يتماثلان في أنه قد تكون لهما الصفة الرسمية أو العرفية.

وإذا كان ما سبق هي اوجه الشبه فإن هناك أوجه إختلاف عديدة بينهما: ففكرة المحرر ترتبط بتسطير محتواه في صورة ورقية، بخلاف المستند الإلكترونية الذي يفترض أن تكون الكتابة لها الطبيعة الإلكترونية. وإذا كانت دلالة لما انطوى عليه المحرر يمكن التوصل إليها بمجرد النظر، فإن المستند الإلكتروني يقتضي أن يحفظ في نظام تشغيل الكتروني يمكن من خلاله الإطلاع عليه والوصول إلى محتواه ولا يمكن أن يتم ذلك بمجرد الرؤية المجردة. ومن ناحية أخرى فإنه إذا كانت فكرة المحرر تفترض أن بالكشف عن شخصية محرره أو يمكن التعرف عليه عن طريق المحرر، فإذا كان من المقرر أن تحديد الشخص الذي ينسب إليه السجل أو التوقيع الكتروني يعد بيانا لازما للإقرار بصحة المستند في كثير من الأحيان فإن هناك بعض الصور التي قد لا تتطلب ذلك، ومن أمثلة ذلك أن قواعد البيانات الإلكترونية قد لا تتضمن تحديد شخص محررها أو صفته دون أن ينال ذلك من الحماية الواجبة لها.

ومن الفروق المهمة بين المستند الإلكتروني والمحرر هو تحديد كيفية المساس بمحتوى كل منهما: فالمساس بمحتوى المستند الإلكتروني لا بد وأن يختلف عن طريق تغيير الحقيقة في المحرر، حتى ولو اتحدا في طريقه تغيير الحقيقة فإنه يبقى – مع ذلك – هناك فارق بين مدلول هذه الطريقة بينهما، فعلى سبيل المثال فإنه إذا كان تغيير الحقيقة في المحرر يمكن أن يقع بالمحو، فإن هذه الطريقة يختلف مضمونها بحسب ما إذا وردت على محرر أم مستند الكتروني. وقد ترتب كذلك على إختلاف الطبيعة بين المحرر والمستند الإلكتروني أنه إذا كان بالإمكان حصر طرق التزوير في المحرر؛ فإن هذه الطرق يجب النص عليها بصياغة مرنة يمكنها أن تستوعب صور تغيير الحقيقة في المستند الإلكتروني.

بعض التطبيقات التشريعية للمستند الإلكترونية: تختلف خطة التشريعات في النص على تطبيقات المستند الإلكتروني: فبعض هذه التشريعات يفرد التوقيع الإلكتروني بتنظيم مستقل، ويترك باقي تطبيقات المستند الإلكتروني للتنظيم العام الذي يتعلق بالبيانات والمعلومات الإلكترونية، ومن أمثلة هذه الوجهة القانون الفرنسي والألماني. بينما تذهب وجهة ثانية من التشريعات إلى النص على التوقيع والسجلات الإلكترونية معا بتنظيم مستقل ومفصل ومن أمثلة هذه الوجهة قانون التوقيع والسجلات الإلكترونية لولاية نيورك، إذ نص على صورتين فحسب من تطبيقات المستند الإلكتروني هما "التوقيع والسجلات الإلكترونية". في حين يتوسع اتجاه ثالث في النص على تطبيقات المستند الإلكتروني ليشمل العقود الإلكترونية، إضافة إلى التوقيع والسجلات الإلكترونية. ومن أمثلة هذه الوجهة القانون الإتحادي الأمريكي للتوقيع الإلكتروني الذي نص على "العقود الإلكترونية" إلى جانب صورتي التوقيع والسجلات الإلكترونية . وأخيرا فإن اتجاها تشريعيا ينص على بعض تطبيقات المستند الإلكتروني في مسائل معينة ودون أن يكون هناك إطار تشريعي عام يحكم مسائل البيانات والمعلومات الإلكترونية، ومثال لهذه الوجهة التشريع المصري الذي ينص في تشريعات متفرقة على الأخذ ببعض تطبيقات المستند الإلكتروني مثل الأخذ بفكرة السجلات والدفاتر وقواعد البيانات الإلكترونية في مسائل الأحوال المدنية، وسوف نشير إلى خطة التشريعات في النص على أهم التطبيقات لفكرة المستند الإلكتروني.

التوقيع الإلكتروني: التوقيع الإلكتروني هو وسيلة إلكترونية يمكن بمقتضاها تحديد هوية الشخص المنسوب التوقيع إليه مع توافر النية لديه في أن ينتج آثاره القانونية على نحو يماثل التوقيع بخط اليد . وترجع أهمية التوقيع الإلكتروني في أنه يمكن إستخدامه في كافة التعاملات التي تتطلب توقيعا، مثل أوامر البيع والشراء؛ التوقيع على قوائم جرد السلع والبضائع؛ التوقيع على فواتير الإستلام؛ شراء تذاكر السفر؛ السجلات المثبتة للدفع . وقد عرف القانون الإتحادي الأمريكي التوقيع الإلكتروني بأنه "صوت أو رمز أو معالجة إلكترونية مرفقة أو متحدة بعقد أو بغيره من السجلات يتم تنفيذها أو إقرارها من شخص تتوافر لديه نية التوقيع على السجل ، .

وقد كان قانون التوقيع والسجلات الإلكترونية لولاية نيورك الصادر سنة 1999 ينص على أن "التوقيع الإلكتروني يعني مطابقة إلكترونية تنطوي دون قيد على توقيع رقمي يخص الشخص الذي يستخدمه وحده، وتكون قادرة على التحقيق من هويته وذلك بموجب ضابط وحيد لمن يستخدمه، يرفق أو يتحد في البيانات كوسيلة للتحقق من إسناد التوقيع إلى البيانات الخاصة وسلامة البيانات المرسلة والمعدة من الشخص المستخدم لها كي تكون لها ذات القوة والأثر المقرر لإستخدام التوقيع الموضوع بخط اليد (المادة 102 (3) من قانون ولاية نيويورك لسنة 1999) .

غير أن الشارع في ولاية نيويورك رأي أن هذا التعريف للتوقيع الإلكتروني لا يفي بمتطلبات التعامل الإلكتروني، فأصدر تشريعا في 6 أغسطس سنة 2002 عدل بموجبه القانون السابق ووضع تعريفا جديدا للتوقيع الإلكتروني يكفل المرونية للمتعاملين. وبموجب التعديل الجديد فإن "التوقيع الإلكتروني هو صوت أو رمز أو معالجة إلكترونية ملحقة بسجل إلكتروني أو متحدة منطقيا به ويجريها أو يقرها شخص تتوافر لديه نية التوقيع في هذا السجل" . ويتماثل هذا التعريف مع القانون الإتحادي الأمريكي، كما أنه يكاد يتماثل مع التعريف الذي أورده الشارع الإنجليزي للتوقيع الإلكتروني إذ نص الفصل الأول من لائحة التوقيع الإلكتروني الصادرة في 8 مارس 2002 على أن التوقيع الإلكتروني يعني بيانات في شكل الكتروني ملحقة أو متحدة منطقيا بغيرها من البيانات الإلكترونية والتي تصلح كوسيلة للتوثيق" . كما أنه يكاد يتطابق مع التعريف الذي نص عليه الشارع الألماني في المادة الثانية من قانون التوقيع الإلكتروني .

ويلاحظ أن اتجاهات التشريعات المقارنة تتجه إلى التوسع في الوسائل التي تصلح لإجراء التوقيع الإلكتروني، وعلة ذلك هي توفير مرونة أكبر للمتعاملين في إختيار الوسيلة التي يرونها تكفل الأمن والثقة في هذا التوقيع . غير إنه إذا كانت للمتعاملين حرية اختيار الوسيلة الفنية للتوقيع الإلكتروني؛ فإن الجهات العامة قد يفرض عليها القانون إستخدام وسيلة معينة دون غيرها في التصرفات التي تدخل فيها مع الغير أو فيما بينها، وعلة ذلك أن هذه الوسيلة قد يتوافر فيها قدر من الحماية للمصلحة العامة أكثر من غيرها. والسلطة التي بيدها تحديد وسيلة التوقيع الإلكتروني في هذه الحالة هي السلطة الإدارية التي عينها الشارع لإدارة وحفظ التوقيعات والسجلات الإلكترونية .

وقد ميز الشارع الألماني بين التوقيع الإلكتروني العادي والتوقيع الإلكتروني المتقدم: ويشترك كل منهما في أنه ينطوي على بيان في صورة إلكترونية ملحق ببيان آخر أو مرتبط به منطقيا ويستخدم هذا البيان لتوثيق نسبته لشخص معين. غير أن التوقيع المتقدم في نظر الشارع الألماني ينطوي على ضوابط أشد صرامة من العادي، فهو توقيع يتضمن شفرة مقصورة إستخدامها على شخص معين لا يشاركه غيره فيه ويكون قادرا على تحديد هوية مستخدمة وأنه يمكنه أن يحتفظ بشفرة هذا التوقيع تحت إشرافه وحده، وأن يكون بالإمكان اكتشاف أي تغيير في بيانات هذا التوقيع تطرأ لاحقا .

وقد ذهب بعض الفقه إلى إعتبار أن إستعمال بطاقات الإئتمان والسحب الممغنطة هو تطبيق للتوقيع الإلكتروني ، وفي تقديرنا أن هذا الرأي محل نظر، ذلك أن هذه البطاقات لا تعد مستندا إلكترونيا، كما أن كافة التشريعات قد تطلبت أن يرتبط التوقيع الإلكتروني بسجل الكتروني سواء كان متحدا به أو ارتبط به منطقيا، ولا يبدو هذا متحققا في شأن هذه البطاقات.

السجل الإلكتروني والمستند الإلكتروني: كان السائد فيما مضى أن كل مستند إلكتروني يعد سجلا إلكترونيا متى كانت القواعد قد تطلبت توافره في التعامل وكان قد استوفى الشروط التي نصت عليها القواعد المنظمة للسجلات الإلكترونية . ووفقا لهذه النظرة فإن تعبير المستند الإلكتروني يترادف مع تعبير السجل الإلكتروني؛ غير أن التشريعات التي نصت على تنظيم السجل الإلكتروني جعلت هناك فارقا بين مدلول كل منهما: فمن ناحية فإن مدلول السجل الإلكتروني يبدو في بعض الصور أضيق نطاقا من المستند الإلكتروني، على نحو لا يعدو معه أن يكون تطبيقا له فحسب ، ووفقا لهذه النظرة فإن فكرة المستند هي أوسع نطاقا من فكرة السجل الإلكتروني، ومن ثم فإن الكثير من الصور التي تخرج عن مدلول الأخيرة، تدخل في مدلول الأولى، غير أنه من ناحية أخرى فإنه في بعض الصور يبدو السجل الإلكتروني أوسع نطاقا من فكرة المستند: وأساس هذه النظرة – كما سيلي – هو أن تعريف السجل الإلكتروني يتسم بالاتساع على نحو يشمل معه "الاصوات والصور والرسومات"، وهو مدلول متسع يخرج عن مدلول المستند الإلكتروني بمعناه الدقيق.

مدلول السجل الإلكتروني : أتصل أو تم تلقيه أو حفظه بوسيلة إلكترونية . وقد توسع إتجاه في تعريف السجل الإلكتروني بأنه "كل مجموعة من النصوص أو الرسوم أو البيانات أو الأصوات أو الصور أو غيرها من المعلومات تتمثل في صورة رقمية، ويتم إنشاؤها أو تعديلها أو حفظها أو فهرستها أو إسترجاعها أو توزيعها بواسطة نظم الكمبيوتر" .

وأساس هذا التوسع هو ربط المدلول الإصطلاحي للسجل بمعناه في اللغة فالسجل في اللغة هو "بيان وضع في صورة ثابتة، وبصفة خاصة كتابة ليحفظ المعرفة أو ذاكرة الإحداث أو الوقائع أو المعلومات أو البيانات في موضوع معين، والتي تم جمعها وحفظها" .

وفي ظل هذا الإتجاه المتوسع فإن البعض ذهب إلى إعتبار أنظمة البريد الإلكتروني الصوتي داخله في مدلول السجل، ووفقا لهذه الوجهة فإن الأقوال الشفوية التي تنقل بواسطة البريد الصوتي بإستعمال الكمبيوتر تعتبر سجلا مثلا في ذلك مثل الوقائع والمعلومات التي يتم حفظها ، غير أن الرأي الراجح يذهب إلى أن هذا التوسع يتعارض مع النصوص التشريعية والقواعد المنظمة للسجل الإلكتروني .

وقد توسعت بعض تشريعات الولايات الأمريكية فلم تقصر السجل الإلكترونية على ما يتم حفظة أو إنشاؤه بواسطة الكمبيوتر، وإنما مدت مدلوله ليشمل كافة الوسائل الإلكترونية الأخرى مثل الفاكس والتيلكس والبريد الإلكتروني والرسائل التي تتم من خلال شبكة الإنترنت، ومن هذه الوجهة قانون ولاية كونيكتيكت لسنة 2002 الذي حرص على أن يذكر صراحة أن الوسائل الإلكترونية لا تعني حصرها في الوسائل السابق ذكرها .

وهناك اتجاه تشريعي مضيق لمدلول السجل الإلكتروني على نحو يجعله مقصورا على فكرة الكتابة أو البيان الإلكتروني، ومن هذه الوجهة الشارع المصري الذي ساوى في قانون الأحوال المدنية رقم 143 لسنة 1994 بين السجلات الورقية والإلكترونية: فتنص المادة الثانية من هذا القانون على ان تنشئ مصلحة الأحوال المدنية قاعدة قومية لبيانات المواطنين تشتمل على سجل خاص لكل مواطن يميزه...." كما نصت المادة الثالثة (ج) من هذا القانون على أن المقصود بالسجلات هي السجلات الورقية أو الآلية المخزنة على الحاسب الآلي وملحقاته سواء إلكترونيا أو مغناطيسيا أو بأية وسيلة أخرى". ومفاد خطة الشارع المصري أن السجل الإلكتروني يماثل السجل الورقي في كافة الأوجه فيما عدا الطبيعة الإلكترونية للسجل. ويعني ذلك أن فكرة السجل الإلكتروني ترتبط بفكرة البيان المكتوب، لأن الشارع يتحدث عن "قواعد بيانات"، ومن ثم يخرج من هذا المدلول ما عداه من صور. وفي تقديرنا أن هذا المدلول للسجل الإلكتروني هو الذي يمكن ان نطلق عليه بأن السجل الإلكتروني بمعناه الدقيق الذي يعد تطبيقا لفكرة المستند الإلكتروني، بخلاف السجل الإلكتروني بمعناه المتسع الذي يشمل الرسومات والأصوات والتي تخرج عن المدلول الدقيق له.

بيان السجل الإلكتروني: السجل الإلكتروني هو مستند ينطوي على بيانات معينة تكون لها حجيتها في إثبات واقعة أو تصرف معين، وحتى يكتسب هذا المستند صفته فإنه يجب ان يتضمن بيانات معينة تضفي الثقة على مضمونه وتبعث على الإعتقاد بسلامة محتواه، ومن هذه البيانات أن يكون السجل موقعا من شخص أو أشخاص معينين، وأن يتم ذكر أسماء هؤلاء الأشخاص وصفاتهم وتاريخ وساعة وضع توقيعاتهم على المستند. ويجب تحديد المغزى من التوقيع وما إذا كان يعني إنشاء المستند أو مراجعته أو التصديق عليه . ولهذه البيانات أهمية كبيرة في إثبات بعض الوقائع، فعلى سبيل المثال فإن تحديد تاريخ إتمام عملية التحويل المصرفي الإلكتروني له اهمية كبيرة في القول بنفاذ أو عدم نفاذ التحويل في حال إفلاس أحد أطرافه، ومن ناحية ثانية فإنه يجوز للآمر أن يرجع في تحويله طالما أن المبلغ لم يخرج من ذمته إلى ذمة المستفيد، كما أن لحظة تمام التحويل تعني أن الآمر لم يعد لديه الحق في التصرف في المبلغ المالي محل الأمر بالتحويل، ومن ثم فإنه إن اصدر شيكا عن ذات المبلغ كان مرتكبا لجريمة إصدار شيك بدون رصيد .

الضوابط الفنية للتوقيع والسجلات الإلكترونية:

ذكرنا أن التشريعات التي نصت على الأخذ بالتوقيع والسجلات الإلكترونية قد جعلت لها قوة في الإثبات مساوية للمستندات الورقية للتوقيعات بخط اليد، غير أنه لا محل لهذه القوة إلا إذا توافرت ضوابط تكفل ضمان صحة وسلامة هذه المستندات. ولتحقيق هذا الهدف صدرت لوائح إدارية تتضمن الضوابط والإجراءات الواجب اتخاذها بشأن إستخدام وتوثيق التوقيع الإلكتروني والإنتفاع من السجلات الإلكترونية. ويتوقف نجاح هذه اللوائح على التوفيق بين اعتبارين أساسيين: الأول هو أن يتيح التنظيم التشريعي للتوقيع والسجلات الإلكترونية الحرية والمرونة للأفراد في إجراء تعاقداتهم ومعاملاتهم بأي وسيلة من وسائل التحقق الإلكتروني يرونها ملائمة لهم. ولتحقيق هذا الإعتبار فإن القانون لا يجوز أن يسلبهم حقا أو ميزة مقررة لهم بمقتضى القانون أو التعاقد في حال استخدامهم للتوقيع والسجلات الإلكترونية . والإعتبار الثاني هو أن التنظيم التشريعي يجب أن يكفل توفير الوسائل المناسبة لصحة وسلامة إستخدام المستندات الإلكترونية.

الضوابط الفنية العامة: هناك عدة ضوابط فنية عامة يجب أن تتوافر في التوقيع الإلكتروني: فيجب أن يكون التوقيع خاصا بالشخص وحده ولا يشاركه فيه غيره، كما يجب ألا يكون قد سبق إستخدام هذا التوقيع من قبل حتى ولو من صاحبه، وعلة ذلك هي كفالة أكبر قدر من السرية على هذا التوقيع. ويجب على الشخص صاحب التوقيع أن يقر كتابة بأن توقيعه الإلكتروني ملزم قانونا ويتساوى مع توقيعه بخط اليد من حيث الأثر القانوني، غير أن هذا الإقرار غير لازم في كل مرة يضع فيها الشخص توقيعه الإلكتروني. ويجوز للهيئة المسؤولة عن التوقيع الإلكتروني أن تطلب من صاحب التوقيع أن يقدم شهادة بصحة توقيعه بمناسبة تصرف معين، وفي هذه الحالة فإنه يجب عليه تقديمها، ويخضع التزوير في هذه الشهادة للقواعد العامة في جريمة التزوير .

الضوابط الفنية الخاصة: إلى جوار الضوابط العامة سالفة الذكر، فإنه يوجب ضوابط فنية خاصة للتوقيع الإلكتروني وهي تختلف من نظام تشريعي إلى آخر بحسب ما توفره من أمن وسلامة المعاملات من ناحية، ومرونة وعدم عرقلة هذه المعاملات من جهة أخرى. وتتصل هذه الضوابط بتشفير المستند، سواء أكان توقيعا أم سجلا إلكترونيا، ويلاحظ أنه لا يكفي لضمان سلامة إتمام المعاملة الإلكترونية أن يتم تشفير الرسالة المنسوبة لشخص معين، وإنما يجب التأكد من نسبة هذه الرسالة لهذا الشخص وأن مضمونها لم يتعرض لتبديل أو تشويه .

الإختيار بين تشفير الرسالة بطريقة غير مشفرة: هناك صورة مبسطة من الشفرة التي تستخدم في التصرفات التي تتم على الشبكات المفتوحة أي تلك التي يمكن لأي شخص أن يدخل إليها دون قيود، ومثالها شبكة الإنترنت. وفي هذا النظام فإن المرسل يملك أن يختار بين مفتاحين الأول عام والآخر خاص، والمفتاح الأول يستخدم عندما لا يرى المرسل حاجة إلى تشفير رسالته، وأما المفتاح الخاص فهو الذي يسمح للمرسل أن يقوم بإرسال رسائل سرية إلى الطرف الثاني ومن ثم لا يتسنى الإطلاع عليها. وفي حالة ما إذا أراد المرسل أن يبعث برسالة إلكترونية مشفرة فإن عليه أن يستخدم المفتاحين معا، أما إن لم يرد لها هذا القدر من السرية فإنه يكفيه ان يستخدم المفتاح العام. وقد يعهد إلى طرف ثالث مهمة التأكد من صحة المستند والتوقيع المنسوب إلى صاحبه، وهذا الطرف يكون موضع ثقة الطرفين وتتحدد مهمته في أن يجري تحقيقا يقف من خلاله على ما إذا كانت الرسالة المنسوبة إلى الشخص صادرة منه فعلا، ويتحقق ذلك بالربط بين المفتاحين العام والخاص والتأكد من أنهما قد استخدما من شخص معين، وأن يحدد تاريخ وساعة إرسال المستند .

ضوابط المضاهاة الإلكترونية: يتضمن التنظيم الفني للتوقيع الإلكتروني الأخذ بوسائل تقنية لإجراء المضاهاة الإلكترونية للتوقيع الإلكتروني والتي يمكن بمقتضاها الوقوف على صحة هذا التوقيع. وتختلف الطرق الفنية للمضاهاة إلى عدة طرق، تكفل كل واحدة قدرا معينا من الطمأنينة والثقة في المستند وتضمن سلامته، وحمايته من أن يجحد ممن صدر منه .

ومن هذه الوسائل: مطالبة الشخص الذي يريد التعامل مع المستند الإلكتروني بالإدلاء ببيانات شخصية معينة ومضاهاتها بالبيانات المسجلة سلفا عنه، وذلك قبل قيامه بالتوقيع الإلكتروني. وتستخدم هذه الوسيلة في التعاملات الأقل أهمية أو الأقل قيمة . وإذا كانت وسائل المضاهاة تختلف وتتعدد فإن إستخدام الشفرة السرية تعد أهم هذه الوسائل، غير أن نوع هذه الشفرة وقواعدها الفنية هو أمر يختلف بحسب كل نظام قانون كما سبق الذكر، ويلحق بالشفرة إستخدام التوقيع الرقمي.

المضاهاة بإستخدام شفرة سرية: في هذه الصورة يطالب الشخص بإدخال رقم خاص به أو كلمة سر معينة يتم مطابقتها على رقم أو كلمة سر مخزنة سلفا، ويطلق عليها "السر المشترك" الذي يتقاسم العلم به الشخص ومقدم الخدمة، فإن تطابقتا كان التوقيع تاما. ويصاحب إدخال الشفرة السرية عدة إجراءات تهدف إلى توثيق التوقيع مثل كتابة إسم المتعامل، والغرض من وضع التوقيع في المستند. وعملية التوثيق تجري إذا كان التعامل يجري على الشبكات المفتوحة مثل الإنترنت، والسر المشترك يتم تشفيره بإستخدام تقنية معينة يتم إنشاؤها في أغلب المتصفحات الشهيرة على الشبكة ويتم توصيل البيانات المشفرة إلى الجهة الأخيرة التي تكون طرفا في التعامل. وفي التعاملات البسيطة أو التي لا يكون لها قيمة كبيرة، فإنه يكتفي بإدخال الشفرة السرية بعد إستيفاء بعض البيانات عن شخص المتعامل. أما في التعاملات التي تقتضي درجة أكبر من الأمن، فإن هيئة أخرى هي التي تقوم بوضع الشفرة السرية بعد إجراء عملية تحقق دقيقة لشخص المتعامل .

المضاهاة بإستخدام التوقيع الرقمي: التوقيع الرقمي هو صورة مرسومة للتوقيع بخط اليد، وفي بعض الصور يتم أخذ توقيع الشخص بواسطة قلم ولوحة إلكترونية متصلة بجهاز كمبيوتر، ووضع التوقيع في هذه الصورة يماثل التوقيع اليدوي على المستندات الورقية. وتتم عملية المضاهاة بمقارنة التوقيع الإلكتروني – المماثل للتوقيع بخط اليد – مع نسخة التوقيع اليدوي المحفوظ لدى الطرف الآخر. وتتم عملية المقارنة غالبا بواسطة بعض برامج الكمبيوتر، فإن اسفرت المضاهاة عن المطابقة بين التوقيعين، إعتبر التوقيع الإلكتروني في هذه الحالة صحيحا. والتوقيع الرقمي لا يعدو أن يكون صورة من صور "السر المشترك" والتي تتحقق في حالة التوقيع بإستخدام شفرة سرية، ذلك أن الطرف الثاني يكون لديه نموذج للتوقيع اليدوي يمكنه من المضاهاة عليه. وتزوير التوقيع الرقمي يفوق في الصعوبة تزوير التوقيع على المستندات الورقية، ذلك أن عملية المقارنة بين التوقيع الرقمي ونسخة التوقيع بخط اليد والتي تتم بإستخدام التقنية الرقمية تتسم بدقة كبيرة تزيد عن المقارنة العادية بالعين المجردة، وهو ما يسهل من إكتشاف هذا التزوير .

القوة القانونية للتوقيع والسجلات الإلكترونية: تتوقف حجية السجلات والتوقيع الإلكتروني على القوة التي يمنحها الشارع لها في الإثبات: فإذا أقر الشارع لها هذ هالقوة كأداة لإثبات الحقوق والواجبات أو كوسيلة لحفظ البيانات التي تكون له حجيتها في إثبات الوقائع كانت النتيجة المترتبة على ذلك أن المساس بهذه السجلات والتوقيعات يشكل فعلا مجرما.

ويترتب على الأخذ بنظام التوقيع والسجلات الإلكترونية آثار مهمة على التعاملات والتصرفات القانونية التي يكون طرفها الأفراد أو المؤسسات الخاصة أو العامة، إذ سيكون بمقدور المستهلك ورجال الأعمال والسلطات العامة في الدولة أن يدخلوا في اتفاقات تعاقدية وفي إجراء تعاملاتهم بإستخدام التوقيع والسجلات الإلكترونية كما لو كان يستخدمون المستندات الورقية والتوقيعات المحررة بخط اليد .

وقد حرصت التشريعات التي نصت على التوقيع والسجلات الإلكترونية على إسباغ قوة قانونية عليها تماثل ما هو مقرر للتوقيع بخط اليد وللسجلات الورقية. ومن ذلك على سبيل المثال ما تنص عليه المادة (104) من قانون التوقيع والسجلات الإلكترونية لولاية نيويورك من أن "التوقيع الإلكتروني يكون له ذات الصلاحية والأثر المقرر لإستعمال التوقيع الموضوع بخط اليد" .

وما تنص عليه المادة (105) من القانون السابق من أن "السجل الإلكتروني يكون له ذات القوة والأثر المقرر للسجلات المحررة بغير الوسائل الإلكترونية" ، . وما تنص عليه المادة الثالثة من قانون الأحوال المدنية المصري سالف الذكر من المساواة بين السجلات الورقية والسجلات الآلية المخزنة على الحاسب الآلي وملحقاته. ويترتب على التوقيع الإلكتروني إعتبار أن القبول في التعاقد قد وقع تاما وهو ما يجعل العقد منعقدا ومرتبا لآثاره وملزما قانونا كما لو كان قد أبرم كتابة . وقد نص الشارع الألماني على وجوب أن يقوم مقدم خدمة التوثيق بإحاطة صاحب التوقيع علما بأن توقيعه الإلكتروني يعادل من حيث الأثر القانوني توقيعه بخط اليد ما لم ينص القانون على غير ذلك، كما أن عليه أن يحصل على توقيع الشخص كتابة على علمه بذلك وذلك لضمان قيام مقدم الخدمة بواجبه .

مدى الإلزام باللجوء إلى التوقيع والسجلات الإلكترونية: لم تجعل غالبية التشريعات نصوص التوقيع والسجلات الإلكترونية نصوصا آمرة، وإنما تركت المجال أمام الأفراد للأخذ بهذا النظام أو بنظام التوقيع والسجلات التقليدي. غير أن هذه التشريعات حرصت مع ذلك على وضع استثناء عام جعلت بمقتضاه اللجوء إلى المستندات الإلكترونية إجباريا، وذلك "في الحالات التي ينص فيها القانون على ذلك". ومن أمثلة ذلك نص عليه قانون التوقيع والسجلات الإلكترونية لولاية نيويورك من أن "إستخدام واللجوء إلى التوقيع والسجلات الإلكترونية يكون إختياريا، ما لم ينص القانون على غير ذلك" . ويلاحظ أن قانون التوقيع الإلكتروني الإتحادي الأمريكي لم يتطلب يجعل إستخدام أو قبول التوقيع الإلكتروني من النصوص الآمرة . وقد نصت المادة الأولى من قانون التوقيع الإلكتروني الألماني على أنه ما لم ينص القانون على وجوب إستخدام التوقيع الإلكتروني فإن استخدامه يكون إختيارا (المادة الأولى) .

الأثار المترتبة على المساواة التشريعية بين المستند الإلكتروني والمستند الورقي:

يترتب على المساواة بين المستند الإلكتروني والمستند العادي من حيث القوة القانونية نتائج مهمة: فلا يجوز المنازعة في صحة المستند الإلكتروني أو جحد حجية ما يتضمنه من تصرفات أو الدفع بعدم نفاذه لأن إنشائه أو صياغته أو التوقيع عليه كان بإستخدام وسائل أو شكل إلكتروني .

ويترتب على منح التوقيع والسجلات الإلكترونية قوة مماثلة للمستندات الورقية أن يخضع الإثبات بهذه الوسائل أمام المحاكم للقواعد العامة في الإثبات المقررة في القانونين المدني والجنائي، وقد تطلب تحقيق المساواة بين المستند الإلكتروني والورقي تعديل التشريعات السارية على نحو يجيز إمكانية قبول المستند الإلكتروني كدليل أمام القضاء. ومن ذلك ما أجراه الشارع في ولاية نيويورك بقانون سنة 2002 سالف الذكر من تعديل المادة 4518 من القانون المدني للولاية على نحو أجاز فيه قبول المستندات المشتقة 4518 من القانون المدني للولاية على نحو أجاز فيه قبول المستندات المشتقة من سجلات الكترونية كدليل أمام القضاء متى كان هذا المستند يعبر بصورة حقيقية وصحيحة عن السجل الإلكتروني . وإذا إتفق الطرفان في التعاقد على إستخدام إجراءات معينة للتأكد من سلامة التصرف الإلكتروني وضمان صحته وكشف الأخطاء التي قد تعترية، فإن اخفاق الطرف الآخر في تنفيذ إلتزامه يجيز للأول أن يطلب استبعاد السجلات الإلكترونية، ذلك أنه إن لم يتفق الطرفان صراحة على ذلك فإن قبول هذا الدليل من شأنه المساس بحرية التعاقد الأمر الذي ينطوي على مساس بقاعدة دستورية . وعلى الرغم من أن الشارع الإيرلندي لا يجيز حتى الآن قبول السجلات والتوقيع الإلكتروني كدليل لإثبات التصرفات في المجال المدني، أما في نطاق القانون الجنائي، فإنه يجيز إعتبارها أدلة للإثبات أمام القضاء الجنائي، إذ يجيز قانون الأدلة الجنائية لسنة 1992 قبول الإدلة المتحصلة من الكمبيوتر والسجلات الإلكترونية في الإثبات .

الآثار القانونية لعدم تقرير القوة القانونية للمستند الإلكتروني في الإثبات:

هناك عدد من المشكلات القانونية التي تثور بشأن الأخذ بفكرة المستند الإلكتروني، وهذه المشكلات وإن كانت تتعلق بالإثبات المدني والتجاري، إلا أن لها أهمية كبيرة في نظر القانون الجنائي. ومن هذه المشكلات أن يتطلب الشارع عدم جواز إثبات تصرف معين يتجاوز قيمته مبلغا معينا إلا كتابة، وفي هذه الحالة فإن نظام نقل المستند الذي يتجاوز هذه القيمة إلكترونيا لن يؤدي إلى قبول هذا المستند في إثبات هذا التصرف. بل إنه في تقديرنا لا يعتبر مبدا ثبوت بالكتابة يجيز تكملته بوسائل الإثبات الأخرى، ذلك أنه لا يصدق على المستند الإلكتروني وصف المستند الكتابي.

واقرار المستند الإلكتروني في التعامل والتسليم بقيمته القانونية له أهمية كبيرة في نظر القانون الجنائي في إثبات التصرفات سالفة الذكر، ذلك أن الشارع قد يجرم المساس ببعض العقود المدنية، وفي هذه الحالة لا بد من إثبات هذه التصرفات أولا قبل بحث توافر أركان الجريمة، ويترتب على نفي القوة القانونية للمستند الإلكتروني أن لا يكون بالإمكان إثبات هذه العقود التي تتجاوز المبالغ التي نص عليها القانون إلكترونيا. وتطبيقا لذلك فإن جريمة خيانة الأمانة لا تتوافر بغير إثبات العقد الذي تسلم بموجبه الأمين المال المبدد، فإذا نفى المتهم وجود هذا العقد فلا بد من إثبات وجوده كتابة ولا يغني عن ذلك إثباته إلكترونيا، وذلك إذا كان قد تجاوزت قيمته المبلغ الذي لم يجز الشارع إثباته إلا كتابة.

ومن ناحية أخرى فإن النظام الضريبي ما زال يعتمد بصفة أساسية على وجود فواتير كتابية عن البيع والشراء حتى يمكن التعويل عليها في إجراء المعاملة الضريبية، وهو ما قد يتنافى مع فكرة المستند الإلكتروني الذي قد لا تأخذ به السلطات الضريبية .

بعض صور المستند الإلكتروني:

العقود الإلكترونية: العقد الإلكتروني هو عقد يتحقق بإيجاب وقبول مثل العقود العادية التي تبرم وتوقع كتابة؛ غير أن الإيجاب والقبول يتحقق بوسيلة إلكترونية دون حاجة إلى مستند مكتوب . ومن أمثلة ذلك أن يرسله الموجب عرضه إلى الطرف الآخر بطريق البريد الإلكتروني الذي قد يكون شخصا أو هيئة إعتبارية ويقوم من يوجه إليه الإيجاب بالتوقيع عليه إلكترونيا بما يفيد القبول ويعيده للمرسل ثانية، ومن ثم ينعقد العقد بهذه الطريقة وتكون له قوته القانونية . ويستوي في هذا القبول أن يتم في رسالة منفصلة ترسل إلى صاحب الإيجاب أو أن ترسل في ذات المستند الذي يتضمن الإيجاب، ويتحقق ذلك بقيام من وجه إليه الإيجاب بالضغط على أحد الأزرار في صفحة المستند والتي يتضمن معنى القبول، وذلك عقب بيان شروط العقد أو أن يقوم بوضع توقيع إلكتروني في خانة معينة ويقوم بإعادة المستند ثانية إلى الموجب .

تحديد القوة القانونية للعقود الإلكترونية في ظل غياب النص:

ويثور التساؤل عن مدى نفاذ العقود المبرمة من خلال مستند إلكتروني، دون وجود تشريع وطني ينص على المساواة بين المستند الإلكتروني والمستند العادي؟ وعلة هذا التساؤل هي أن الكثير من التشريعات لم تصدر بعد قوانين تنظم بمقتضاها السجلات والتوقيع الإلكتروني وتحدد مدى القوى القانونية لها في الإثبات، ومن هذه التشريعات على سبيل المثال التشريع المصري والإيرلندي.

في تقديرنا أن أغلب العقود المدنية لا يتطلب فيها القانون شكلا معينا لإبرامها فيجوز ان تنعقد بمجرد الإيجاب والقبول الشفهي ومن باب أولى إذا أبرمت من خلال مستند إلكتروني. غير أن الصعوبة الحقيقية تثور فيما تقرره بعض هذه التشريعات من عدم جواز إثبات التصرف الذي يجاوز قيمة معينة إلا بالكتابة بمدلولها التقليدي، في هذه الصورة يثور التساؤل عن جدوى إسباغ الحماية المقررة للمستند الإلكتروني في هذه الحالة على الرغم من عدم اعتراف الشارع بقيمته في الإثبات؟ في تقديرنا أنه يجب أن نفرق بين وجود العقد ذاته وبين إثباته: فإبرام العقد عن طريق المستند الإلكتروني بإيجاب وقبول يؤدي إلى وجود العقد وإنتاجه أثاره القانونية، ومن ثم يكون جديرا بالحماية الجنائية، أما ما يتطلبه قانون الإثبات من وجوب إثبات التصرف الذي يجاوز قيمة معينة بالكتابة، فإن ذلك لا يؤثر على قيام العقد، فضلا عن أن التمسك بهذا الدفع هو مقرر لمصلحة الخصم ويجوز له أن يتنازل عن التمسك به سواء صراحة أم ضمنا، دون أن يؤثر ذلك على نشأة الإلتزام أو صحته، ومن ناحية أخرى فإن هناك الكثير من الإستثناءات التي ترد على قاعدة الإثبات بالكتابة، كما أن الشارع الجنائي يسبغ الحماية الجنائية على بعض العقود المدنية ولو لم تكن ثابتة كتابة. وفي تقديرنا أنه يجب أن يتدخل الشارع بإصدار تشريع يحدد بمقتضاها القوة القانونية للعقود التي تبرم بوسائل الكترونية.

الإعتماد المستندي الإلكتروني: إذا أراد المشتري إستيراد بضاعة ما فإنه يقوم بإبرام عقد بيع مع البائع يتفقان فيه على دفع الثمن عن طريق الإعتماد المستندي، ثم يتوجه المشتري إلى بنكه طالبا فتح الإعتماد المستندي لصالح البائع محددا فيه كا فة تفاصيل عملية البيع، ويقوم البنك بعد ذلك بإبلاغ البائع بالإعتماد المفتوح لصالحه، وذلك بشكل مباشر؛ أو عن طريق بنك مراسل له في بلد المصدر، ويمكن أن يقوم هذا البنك الأخير بتعزيز الإعتماد، فإن تحقق ذلك أصبح ملتزما بالدفع إلى المستفيد بالإضافة إلى التزام البنك مصدر الإعتماد . وإذا اقتنع البنك مصدر الإعتماد بأن مستندات البضاعة مطابقة لشروط الإعتماد قام بالسداد للبنك المراسل قيمة ما دفعه إلى المستفيد، أما إن وجدها مخالفة لشروط الإعتماد فإنه يرسل إخطارا إلى البنك المراسل برفض المستندات في مدة معقولة.

وقد أفضى التقدم التقني إلى ظهور "الإعتماد المستندي الإلكتروني" الذي تتم فيه الإجراءات السابقة عن طريق وسائل الإتصال الإلكتروني. فيقوم المستورد بإرسال طلب فتح الإعتماد إلكترونيا، ويقوم البنك بالرد عليه بذات الوسيلة، فإن قبل ارسل نص الإعتماد إلكترونيا إلى المستفيد. وقبل إنتهاء مدة صلاحية الإعتماد فإن المستفيد يرسل إلكترونيا الفواتير اللازمة المتعلقة بالشحن، كما يقوم المستفيد بإرسال رسائل إلكترونية للأطراف المشاركة في عملية البيع مثل الشاحن والمؤمن والمفتش لما قبل الشحن، يطلب فيها إرسال مستنداتهم إلكترونيا إلى البنك مصدر الإعتماد. ثم يقوم البنك مصدر الإعتماد بإرسال الرسائل الإلكترونية الواردة إليه إلى البنك المراسل .

ويؤدي الإعتماد المستندي الإلكتروني إلى إتمام الصفقات في سهولة ويسر وبسرعة كبيرة مما يؤدي إلى أن يملك المتعاملون به قدرة تنافسية تفوق غيرهم من المتعاملين بالطرق التقليدية، كما يؤدي إلى الإقلال من تكلفة إرسال المستندات والإستفادة من ميزة التبادل الإلكتروني في حل المشكلات الناتجة من وصول البضائع قبل وصول المستندات .

وعلى الرغم من أن لائحة (500) لم تتضمن نصا ينظم الإعتماد المستندي الإلكتروني، فإن نص المادة (20 ب) من هذه اللائحة قد أعتبر أن المستندات الصادرة عن وسائل تقنية حديثة كالكمبيوتر تعتبر مستندات أصلية مقبولة ما لم ينص عقد الإعتماد على غير ذلك بشرط أن يؤشر عليها على أنها أصلية وعند الإقتضاء تبدو أنها موقعة .

حوالة الوفاء الإلكترونية: تطورت وسائل الوفاء حيث أصبح بمقدور الدائن أن يوفى إلتزاماته بواسطة الوسائل الإلكترونية، وقد أنشأت بعض الدول أنظمة وفاء وطنية، كما أصبح هناك عدة أنظمة عالمية للوفاء من أبرزها نظام شبكة السويفت SWIFT وهو نظام دولي يستخدم على نطاق واسع لإجراء الإلتزام بالوسائل الإلكترونية، ويتم ذلك إما بتوجيه أمر من المدين إلى مصرفه لوفاء إلتزام بذمته بوسيلة إلكترونية إلى دائنه، وإما بتوجيه أمر من المدين إلى مصرفه بتحصيل مبلغ من حساب دائنه بناء على تفويض مسبق بواسطة إلكترونية . وتتم الصورة الأولى التي يطلق عليها التحويل الدائن بقيام الدائن بإتخاذ الإجراءات المصرفية اللازمة لتحويل مبلغ معين إلى المستفيد سواء كان في نفس المصرف أو في مصرف آخر، وسواء بدفع المبلغ مقدما إلى البنك المحول أو بتفويضه بقيد المبلغ على حسابه لدى البنك، ويمكن للدائن أن يوجه تعليمات بذلك إلى بنكه من خلال رسالة إلكترونية، وعند وصولها يقوم البنك من التأكد من صحتها ومن باقي شروط التحويل مثل كفاية الرصيد ويقوم بعد ذلك بتنفيذ العملية. وأما الصور الثانية والتي يطلق عليها التحويل المدين فتتم بتفويض بنك المستفيد في تحصيل قيمة التحويل من الدائن أو بنكه. وفي هذا التحويل يقوم المستفيد مع طلب التحويل تفويض من المحول (المدين) إلى بنكه يفوضه فيه بتحويل المبلغ إلى حساب المستفيد وبقيد القيمة على حسابه . ويعد أمر التحويل مستندا إلكترونيا يمكن أن يتعرض لأفعال التزوير.

السجلات الطبية الإلكترونية: أمتد إستخدام السجلات الإلكترونية إلى المجال الطبي، حيث تشير الدراسات إلى تزايد إستخدام "نظم الرعاية الطبية الإلكترونية " والتي تتيح الإحتفاظ بسجلات طبية مسجلة بوسائل إلكترونية عن المرضى، وهو ما يتيح تقديم الرعاية الصحية لهم في أي مكان ومعرفة سجلهم المرضي والذي يتحقق بمجرد الدخول على هذه السجلات والإطلاع عليها وهو ما يعرف بالرعاية الطبية المتنقله . كما تكفل هذه النظم عقد المؤتمرات والندوات وطلب المشورة الطبية من خلال السجلات الإلكترونية الأمر الذي يؤدي إلى إرتفاع مستوى الرعاية الطبية وإلى تقليل الأخطاء الطبية وإلى تحقيق الكسب المادي لمقدمي هذه الخدمات . غير أن استخدام السجلات الإلكترونية في المجال الطبي أدى إلى إثارة العديد من المشكلات المتصلة بأمن هذه السجلات وخصوصية المعلومات التي تتضمنها والحق في السرية وإثارة مشكلات تتصل بالتوقيع الإلكتروني عليها .


المبحث الثاني
نطاق المستند الإلكتروني

تمهيد:
نبحث في هذا الفصل الصلة بين فكرة المستند الإلكتروني وغيره من أفكار، كما نميز بين الحماية المقررة له وبين بعض صور الحماية الأخرى التي قد تشتبه به.

المستند الإلكتروني والحكومة الإلكترونية: من فوائد الأخذ بنظام الحكومة الإلكترونية أن التعامل مع الأجهزة الحكومية يكون ميسورا من خلال الإتصال الإلكتروني بمواقع مختلفة وإنجاز التعاملات من خلال هذا الإتصال. ومن خلال الحكومة الإلكترونية يمكن للفرد أو للشخص المعنوي العام والخاص أن يتعامل مع الحكومة بوزارتها وأجهزتها المختلفة، فبمقدورة التعامل مع الضرائب والصحة والتعليم والعمل والمرور والإستفسار عن حالة الطقس وطلب إعانات ومساعدات إجتماعية كما أنه يمكن من خلال الحكومة الإلكترونية نقل المعلومات والإطلاع على البيانات والحصول على الوثائق والشهادات بسهولة ويسر وبلا توقف. وللحكومة الإلكترونية آثارها على الإستثمارات وتوفير فرص العمل: فسيكون بمقدار المستثمرين التعامل مع الأجهزة الحكومية والوقوف على ما تتطلبه التشريعات الوطنية من إجراءات وشروط تتصل بإستثماراتهم، دون أن يكون هناك حاجة إلى التردد على المكاتب الإدارية لأجهزة الدولة . وقد نظر البعض إلى الحكومة الإلكترونية بإعتبارها وسيلة مهمة لتعزيز الديمقراطية: ذلك أن من شأن الأخذ بها أن تحقق التواصل بين أفراد المجتمع وسلطة الدولة، كما أنها وسيلة فعالة لكفالة نفاذ القانون . ولا شك في أن الصلة الوثيقة بين المستند الإلكتروني والحكومة الإلكترونية تدفع إلى القول بأن الحماية المقررة لأحدهما تنطوي بطريق اللزوم على حماية الأخر.

الصلة بين المستند الإلكتروني والتجارة الإلكترونية: لا شك في أن للتجارة الإلكترونية آثارا مهمة على التجارة الدولية : فالتجارة الإلكترونية تعني إمكانية تبادل السلع والخدمات عبر حدود الدول ودون التقيد بإقليم معين أو جنسية معينة . وللتجارة الإلكترونية مزايا وفوائد عديدة: فهي تؤدي إلى سهولة إبرام الصفقات والتصرفات القانونية الدولية، ودون حاجة إلى وسيط سواء أكان هذا الوسيط فردا ام شركة الأمر الذي يؤدي إلى الإقلال من النفقات وإلى تخطي العقبات والحواجز الجغرافية بين الدول. ومن جهة أخرى فإن من شأن الإستناد إلى شبكات المعلومات تمكين المتعاقدين من التعرف على المعروض من السلع والخدمات ونوعيتها وأوصافها وأثمانها وشروط تسليمها وهو الأمر الذي يعزز الشفافية وييسر من إتمام التعاقدات وأطرافها على بينة وبصيرة من ظروف التعاقد وشروطه .

والصلة بين المستند الإلكتروني والتجارة الإلكترونية واضحة: فإذا كان قوام هذه التجارة هي تبادل السلع والخدمات، فإن هذا التبادل لا يعدو أن يكون في حقيقة الأمر عقدا يستجمع كافة شروطه القانونية من إيجاب وقبول ويقترن بتوقيع ينسب إلى صاحبه ويترب آثاره القانونية، وهذا العقد في مجال التجارة الإلكترونية هو مستند الكتروني توافرت فيه كل أركان وشروط العقد المكتوب، ويذيل بتوقيع إلكتروني يتناسب مع طبيعته .

وحماية المستند الإلكتروني تعني في حقيقة الأمر حماية للتجارة الإلكترونية: فإذا كانت هذه الحماية فعالة وتكفل صيانة المستند بما تضمنه من محتوى وتكفل صحة التوقيع الإلكتروني عليه، فإن التعامل التجاري الإلكتروني سيكون محل ثقة المتعاملين, وسوف تؤدي مثل هذه الحماية إلى إنتشار هذا النوع من التجارة ومن ثم يؤدي في النهاية إلى إزدهار التجارة الدولية وتنمية العلاقات الإقتصادية بين الدول.

الصلة بين المستند الإلكتروني وحماية المستهلك: هناك صلة وثيقة بين فكرة المستند الإلكتروني وحماية المستهلك: فإذا كانت علة الأخذ بتطبيقات المستند الإلكتروني وحماية المستهلك: فإذا كانت علة الأخذ بتطبيقات المستند الإلكتروني كالتوقيع والسجلات الإلكترونية هو تسهيل التعامل وسرعة إنجازه، فإن هذه الإعتبارات لا يجب أن تتجاوز حقوق المستهلك وحمايته من الغش والخداع والتي قد تترتب كنتيجة لإتمام التصرفات من خلال الوسائل الإلكترونية .

المستند الإلكتروني والحق في الإعلام:

حرية انتقال الأفكار والمعلومات هي إحدى الحريات الأساسية التي يحرص عليها كل شارع، ويتوقف تقدم الأمم وإزدهارها على مدى كفالة هذه الحرية . ومن ناحية أخرى فإن حرية التعبير بصورها المختلفة هي افصاح عن الشخصية الإنسانية في المجتمع، وهي الضمان الذي يقوم عليه أي مجمتع ديمقراطي حر . يقصد بالحق في الإعلام حق كل انسان في ان يستخلص ويتلقى وينقل المعلومات والأنباء والآراء على أية صورة دون تدخل من أحد. وهذا الحق على هذا النحو وثيق الصلة بالصور المختلفة لحرية الرأي والتعبير، ولا سيما حرية الصحافة والإعلام ، وإن كان أوسع من حرية الإعلام لتضمنه فضلا عن حرية الوصول لمصادر الأنباء ونشرها، حرية الكافة في البحث والتلقي والإتصال والنشر والتوزيع لكافة المعلومات والأفكار . وتتعدد وسائل إستعمال الحق في الإعلام بين وسائل مسموعة ومرئية ومكتوبة .

وقد أدى التقدم التقني إلى إستحداث صور جديدة أمكن بمتقضاها نقل المعلومات بسرعة وكفاءة والوصول إليها، سواء أتحقق ذلك من خلال شبكات المعلومات المفتوحة أو المغلقة. ويتيح هذا التقدم للفرد أن ينشئ موقعا على شبكة المعلومات يضمنه ما يريد من معلومات، كما يتيح هذا التقدم أن تقوم الهيئات والمؤسسات العامة والخاصة بإنشاء مثل هذه المواقع أو بنوك المعلومات التي يمكن الولوج إليها والوقوف على ما تحويه.

وللمستند الإلكتروني صلة وثيقة بالحق في الإعلام، ذلك أنه إذا كان هذا الحق الأخير يعني أن للفرد الحق في ان يتلقى ويطلع وينقل المعلومات، فإن هذه المعلومات قد يحويها المستند الإلكتروني، غير أن المدلول المستند الإلكتروني لا يتطابق دائما مع دائرة المعلومات، فقد تصاغ المعلومات في شكل مستند إلكتروني أو في شكل غيرها من الصور، ويعني ذلك أن للمعلومات نطاقا أوسع من نطاق المستند الإلكتروني.

المستند الإلكتروني والملكية الفكرية والذهنية:

يتماثل المستند الإلكتروني مع المصنف في أن لصاحب كل منهما الحق في الإستئثار به، ويحق له كشف محتواه أو تقييد الإطلاع عليه، ويتماثلان كذلك في أن الشارع يبسط حمايته لمحتوى كل منهما فلا تمتد إليه يد العبث أو التدمير أو التشويه، كما أن لصاحب الحق فيهما في سلطة محو مضمونهما أو سحبه أيا كان الشكل الذي عليه. ومن جهة أخرى فإن دائرة الحماية المقررة لحقوق الملكية الفكرية والذهنية قد تتداخل مع دائرة الحماية المقررة للمستند الإلكتروني: فمن ناحية فإن مدلول حق المؤلف يتسع ليشمل التعبير وليس فقط الأفكار . كما أن المساس بحقوق الملكية الفكرية للمصنفات المعالجة إلكترونيا قد تنتمي بالمعنى الواسع إلى المساس بالبيانات الإلكترونية، ومن ثم تصبح الحماية المقررة لهذه البيانات هي في الوقت ذاته حماية لحقوق الملكية الفكرية . ومن ناحية أخرى فإن الكثير من التشريعات تدخل قواعد البيانات وغيرها من المصنفات المكتوبة في دائرة الحماية المقررة لحقوق الملكية الفكرية والذهنية.

ومن ناحية ثالثة فإنه إذا كان يخرج عن نطاق حق المؤلف "الفكرة" ذاتها بإعتبارها ليست محلا للتملك ، فإن هذه "الفكرة" تخرج أيضا عن نطاق المستند الإلكتروني إلا إذا تجسدت وأخذت شكلا ماديا ملموسا انطوى عليه المستند، فعندئذ تنصرف الحماية إلى هذا الشكل.

وإذا كانت هذه هي اوجه الشبه فإن هناك اختلافا أساسيا بين مدلول المستند الإلكتروني والمصنف: فالمصنف لا بد أن ينطوي على عنصر الإبداع، بينما لا يتطلب المستند هذا العنصر، إذ أن غاية ما ينطوي عليه هو بيان أو معلومات لها أهمية في إنشاء التصرفات أو الوقائع القانونية. ومن ناحية ثانية فإنه إذا كانت الوثائق الرسمية مثل التشريعات والقرارات والاتفاقيات والأحكام القضائية وتقارير البورصة تخرج عن مدلول المصنف ، فإنها تدخل في مدلول المستند.
ويترتب على التحديد سالف الذكر أن محل الحماية الجنائية للمصنف يرتكز على حماية حق المؤلف على أفكاره؛ بينما يعد محتوى المستند وسريته هو محل حماية المستند الإلكتروني. ومن ناحية أخرى فإن الإعتداء على حق المؤلف قد لا ينطوي على أي مساس بجوهر المصنف ذاته، فمن المقرر أن المساس بحق المؤلف يتوافر اذا تم نشر أو عرض المصنف في وقت أو بطريقة لم يخترها المؤلف، ويعني ذلك أن المساس بحق المؤلف في هذه الصورة يتحقق دون أن ينطوي ذلك بأي مساس بالبيانات الإلكترونية التي يتضمنها المصنف. ويلاحظ أنه قد ينطوي المستند الإلكتروني على عنصر الإبداع، وفي هذه الحالة تتعدد صور الحماية المقررة له، ولا يتنافى ذلك مع المنطق القانوني، ذلك أنه من المقرر أن الحق الواحد قد يحميه عدة نصوص، وأن المحرر قد ينطوي على عدة حقوق تتعدد أوجه الحماية المقررة لها.

المستند الإلكتروني والمستندات المرسلة بطريقة إلكترونية:

يجب التفرقة بين المستند الإلكتروني من ناحية وبين المستندات المرسلة بطريقة إلكترونية من ناحية أخرى: ففي الثانية فإن المستند له أصل ورقي ويقتصر إستخدام الوسائل الإلكترونية على مجرد عملية الإرسال، ومثال ذلك المستندات المرسلة بطريق الفاكس، ولا تدخل هذه المستندات في مدلول المستند الإلكتروني، ذلك أنها لا تتميز عن المستند العادي إلا في وسيلة إرساله دون أن يمتد إلى إنشائه أو حفظه أو تعديله أو استرجاعه إلكترونيا مثل المستند الإلكتروني .

المستند الإلكتروني وسرقة الأسرار التجارية: تتداخل أفعال المساس بالمستند الإلكتروني مع فعل سرقة الأسرار التجارية وذلك إذا كانت هذه الأسرار مودعة في مستند إلكتروني، ومن ثم يكون الإطلاع غير المأذون به على هذا المستند ونقل محتواه إلى الغير مشكلا لجريمة سرقة الأسرار التجارية. غير أن التمييز بين الموضوع الذي ينصب عليه الفعل المرتكب هو الذي يميز بين الجريمتين، فالمساس بالمستند الإلكتروني يتحقق بأفعال الإطلاع أو النسخ أو النقل غير المأذون بها دون أن يتطلب تحقق اي نتيجة أخرى، أما سرقة الأسرار التجارية فتقتضي أن ينصب الفعل المرتكب على الإستيلاء على هذه الأسرار لحساب الغير، ولذلك قد تتوافر إحداهما دون الأخرى، فعلى سبيل المثال فقد تتوافر جريمة سرقة الأسرار دون جريمة الإعتداء على المستند الإلكتروني، وتطبيقا فإن قيام الجاني الذي كان يعمل في إحدى شركات صناعة المعادن بنسخ خطط هندسية من كمبيوتر الشركة التي يعمل بها وقام بتسليمها إلى الشركة المنافسة لها، فإن هذا الفعل يشكل جريمة سرقة أسرار تجارية ؛ غير أنه لا يشكل إعتداء على المستند الإلكتروني الذي احتوى هذه الخطط.

المستند الإلكتروني والحماية الجنائية للأسرار:
للمستند الإلكتروني صلة وثيقة بالحق في السرية والخصوصية: فيجب أن يكفل التنظيم التشريعي والفني للمستند الإلكتروني صيانة حق الأفراد في السرية والخصوصية والحرص على وضع الضوابط التي تتصل بالأمن والسرية والخصوصية هي من أهم الأهداف التي تسعى إليها التشريعات التي تنص تطبيقات المستند الإلكتروني . وقد تتداخل الحماية المقررة للمستند الإلكتروني والحماية الجنائية للأسرار: ذلك أن المستند قد يحوي سرا يرغب الفرد في الإحتفاظ به بعيدا عن تدخل الآخرين. غير أنه مع ذلك فإن التفرقة بين جرائم الماسة بالمستند الإلكتروني وإفشاء الأسرار ممكنة، ذلك أن فعل إفشاء السر يجب أن يتم من شخص مؤتمن على الحفاظ على هذا السر ، وذلك بخلاف الإعتداء على المستند الإلكتروني، إذ يجوز أن يقع من أي شخص. ومن ناحية أخرى فإنه حتى ولو كانت الجريمة لا تتطلب إفشاء السر من أشخاص مؤتمنين عليه على نحو ما ينص عليه الشارع المصري من تجريم الحصول بطريقة غير مشروعة على سر من أسرار الدفاع عن البلاد أو تسليمه أو إذاعته (المادة 80/أ)، فإن الفارق يبقى أيضا بين الفكرتين. فمدلول "السر" في جرائم إفشاء الأسرار أو ضيق نطاقا من مدلول سرية المستند: فالقانون يحمي السر أيا كان الشكل الذي حفظ فيه هذا السر، ولا يقصد الشارع حماية هذا الشكل، وإنما جاءت الحماية على نحو عرضي، ومن جهة أخرى، فقد يكون المستند الإلكتروني غير متضمن لسر ما، ولكن رغم ذلك فلا يجوز الإطلاع عليه، فالكثير من البيانات الشخصية التي تتضمنها المستندا الإلكترونية لا تنطوي على أسرار بالمعنى الدقيق لمدلول السر ومن ثم لا تشملها الحماية الجنائية الواردة بالنصوص التي تجرم إفشاء الأسرار. وأخيرا فإن هذه النصوص تربط فكرة السر بالعمل المهني أو الوظيفي لمن ائتمن عليه، بينما فكرة البيانات الإلكترونية هي اوسع نطاقا من ذلك ولا ترتبط بها دائما ، وتقتصر خطة التشريعات على تجريم وسيلة المساس بالحق في سرية المستند في غالبية الصور تاركة تحديد مضمون هذا الحق للمجني عليه، فهذا الحق في تقديرنا يمكن أن يطلق عليه الحق في "خصوصية المستند الإلكتروني". وعلى خلاف هذه الخطة، فإن خطة الفقه والقضاء المقارنين تذهب إلى وضع ضوابط لمدلول السر الذي يعد إفشائه إخلالا بواجب حفظه.

التمييز بين الحماية المقررة للمستند الإلكتروني والحماية المقررة لنظم تشغيل الحاسب الالي:

قد تشتبه الحماية المقررة للمستند الإلكتروني مع تلك المقررة لنظم تشغيل نظم الحاسب الآلي: ووجه هذا الشبه أن محل الإعتداء في الحالتين ينصب على البيانات التي يتضمنها المستند أو برنامج التشغيل. ولعل هذا التشابه هو الذي دفع برأي في الفقه إلى القول بأن البيانات المدخلة إلكترونيا لا تنفصل عن البرامج التي تنظمها وأنهما لذلك لا تختلفان في الطبيعة بإعتبارهما كيانا معنويا، وأن حماية هذه البرامج تعد في الوقت ذاته للبيانات المعالجة إلكترونيا .

وفي تقديرنا أن هذا الرأي محل نظر، ذلك أن تماثل البيانات الإلكترونية مع برامج تشغيل النظام الذي يتم التعامل مع هذه البيانات في ظله لا يعني تماثلهما في المصلحة التي يحميها الشارع. فالشارع يحمي في الأولى ما انطوت عليه هذه البيانات من وقائع لها أهمية في الإثبات، بينما يحمي في الثانية نظم إدارة الحاسبات الآلية وهي مصلحة مختلفة عن الأولى، ولذلك كان من المتصور أن يتحقق مساس بإحدى المصلحتين دون الأخرى، فعلى سبيل المثال يمكن أن ينصب فعل الجاني على تزوير مستند إلكتروني أو كشف سريته، دون أن يمتد فعله إلى نظام التشغيل. وعلى العكس يمكن ان ينصب فعل الجاني على الإخلال بنظام التشغيل دون ان ينال من البيانات والمستندات المحفوظة في هذا النظام، وهذا التباين يعكس اختلافا في المصلحة التي رأى الشارع جدارة حمايتها. وأنه حتى إذا تحقق من فعل الجاني الوارد على نظام التشغيل مساس بالمستندات الإلكترونية المحفوظة في هذا النظام، فإن الأمر لا يعدو أن يكون تعددا معنويا للجرائم، ذلك أن فعل الجاني قد افضى في هذه الصورة إلى نتيجتين مختلفتين، وهنا يوقع القاضي عقوبة الجريمة الأشد، غير أن ذلك لا ينفي التعدد في هذه الحالة.

ومن ناحية أخرى فإن خطة التشريعات المقارنة لا يبدو أنها تؤيد هذا الرأي، فعلى سبيل المثال فإن الشارع الفرنسي قد ميز بين الأفعال التي تنصب على البيانات وتلك التي تنصب على البرامج التي تتعلق بعمل بجهاز الحاسب، وعاقب عليها بنصوص مختلفة، فالمادة 323-2 من قانون العقوبات تعاقب على جريمة تعطيل أو إفساد نظام التشغيل، بينما عاقبت المادة 323-3 على إتلاف المعلومات أو محوها بإستعمال الخداع، واخيرا فإنه حتى إن انطوى نص واحد على حماية المصلحتين معا، فإن ذلك لا يعني اتحادهما، ذلك أنه من المقرر أن النص الواحد قد يحمي مصلحة واحدة أو مصالح متعددة ، وأن ذلك لا ينال من وجوب التمييز بينهما لم يترتب على تحديد المصلحة التي ينالها الفعل بالإيذاء من أهمية.

الفصل الثاني
الأفعال الماسة بالمستند الإلكتروني

طبيعة المستند الإلكتروني وأثره على تطبيق نصوص التجريم العامة على أفعال المساس به:

يثور التساؤل بشأن الطبيعة القانونية للمستند الإلكتروني وهو يعد منقولا ومن ثم يمكن أن يكون محلا للحماية المقررة بالنصوص التي تحمي المنقول في قانون العقوبات ومنها جرائم التخريب والتعييب والإتلاف ، أم أن له طبيعة تخرج عن ذلك؟. وأهمية هذا الخلاف تبدو بالنسبة إلى القوانين التي لم تفرد حتى الآن تجريما للمساس بالبيانات الإلكترونية بصفة عامة وللمستند الإلكتروني بصفة خاصة مثل القانون المصري، فإذا كان جوهر الإتلاف يتمثل في تخريب الشيء أو الإنتقاص من منفعته بجعله غير صالح للاستعمال أو تعطيله، ويستوي فيه أن يكون كليا أو جزئيا فهل يمكن تطبيق هذا النص على بيانات المستند الإلكتروني في حال المساس بها؟
ذهب رأي إلى أن البيانات الإلكترونية لا تعدو أن تكون مالا معنويا يتساوى في المدلول مع المال المنقول، وأنه مال به كيان مادي يمكن إدراكه وحيازته، وأن كلمة "الشيء" الذي ينصرف إليها التجريم في جريمة الإتلاف تشمل الشيء بمعناه المادي والمعنوي معا، وأن من شأن عدم تطبيق النصوص التي تجرم أفعال الإتلاف عليه أن يجرده من الحماية الجنائية، وينتهي هذا الرأي إلى انه بالإمكان تطبيق النصوص المتضمنة تجريم المساس بهذا المنقول على أفعال المساس بالبيانات ، ويضيف أنصار هذا الرأي أن العبرة في التفسير هو بالوقوف على قصد الشارع والمصلحة الحقيقية التي أراد حمايتها، وليست العبرة فيه بالتفسير الحرفي للنصوص، وان التوسع في التفسير الذي يستلهم علة التجريم لا ينطوي على مساس بمبدأ الشرعية ، بينما ذهب الرأي الغالب في الفقه إلى أن جرائم التخريب والتعييب والإتلاف يجب أن ترد على منقول مادي، وأنه يخرج من مدلول المنقول المعلومات والبيانات المخزنة إلكترونيا ، ولذلك فإن فعل إتلاف أو تعييب مستند إلكتروني لا تمتد إليه النصوص التي تجرم هذه الأفعال إذا أنصبت على مستند له طبيعة مادية. وفي تقديرنا أن هذا الرأي الأخير أدنى إلى الصواب، ويؤيده ما لجأت إليه التشريعات المقارنة من إستحداث نصوص تجريم للمساس بالبيانات الإلكترونية – وهو ما سوف نشير إليه لاحقا -، وهذه الخطة تكشف عن عدم كفاية النصوص العامة في تجريم الإعتداء على هذ البيانات.

تأصيل افعال المساس بالمستند الإلكتروني:

يمكن تأصيل أفعال المساس بالمستند الإلكتروني إلى طائفتين من الإفعال:

• الأولى تتضمن الأفعال الماسة بمحتوى المستند الإلكتروني.

• والثانية تشمل الأفعال الماسة بسرية هذا المستند. ونخصص لكل طائفة مبحثا مستقلا.







المبحث الأول
الأفعال الماسة بمحتوى المستند الإلكتروني

بيان هذه الأفعال:
تتنوع صور المساس بمحتوى المستند الإلكتروني وتختلف فيما بينهما، غير أنه يمكن مع ذلك تأصيلها في طائفتين الأولى هي أفعال تزوير المستند الإلكتروني والثانية هي اتلاف هذا المستند.

• أولا: تزوير المستند الإلكتروني:
• التفرقة بين المستند الإلكتروني والمستند الورقي من حيث المساس بالمحتوى:

هناك تفرقة مهمة بين المستند الإلكتروني والمستند الورقي من حيث المساس بمحتوى كل منهما: فالمساس بمحتوى المستند الإلكتروني وتغييره قد يتم في أي وقت ولا يتسنى كشفه أو الوقوف عليه أو إقامة الدليل على وقوعه، ومن ناحية ثانية فإن عددا كبيرا من الأشخاص يجوز لهم الإطلاع على المستندات الإلكترونية والتعامل معها يفوق بكثير المتعاملين في المستندات الورقية، وأخيرا فإن المساس بمحتوى المستند الإلكتروني يبدو أكثر سهولة من المساس بالمستند العادي، فعلى سبيل المثال فإن تزوير التوقيع على المستند الورقي يترك أثرا في كثير من الأحوال يدل عليه، بخلاف التزوير المنصب على التوقيع الإلكتروني الذي يتألف من شفرة تحدد هوية الموقع، وهذه الشفرة يمكن التدخل فيها أو محوها، وتزويرها قد يكون أسهل من التوقيع الكتابي كما أن اكتشافه والوقوف على مرتكبه قد يصعب في كثير من الأحيان .

أهمية تجريم التزوير في المستند الإلكتروني :

التزوير في المستند الإلكتروني يمثل صورة لا تقل أهمية عن التزوير في المستندات الورقية، وتتمثل هذه الأهمية من عدة أوجه: الأولى أن المستند الإلكتروني قد حل محل المستندات الورقية في الكثير من المعاملات التجارية ومن ثم فإن المساس بمحتوى هذه المستندات يؤدي إلى وقوع المتعاقدين في عيب من عيوب الإرادة مثل الغلط أو التدليس الأمر الذي يؤدي إلى إثارة الكثير من المنازعات ومن ثم تهديد استقرار هذه التعاملات. ومن جهة ثانية فإن الإعتماد على الطبع الورقي لأصل المستند الإلكتروني وقبوله في التعامل يؤدي إلى نتيجة مؤداها أن المساس بمحتوى المستند الإلكتروني سيترتب عليه بالضرورة مساس بالصورة الورقية طبق الاصل لهذا المستند ، وإذا كانت المحررات الرسمية والعرفية تنطوي على إثبات لوقائع قانونية لها حجيتها في الإثبات وصار لهذه المحررات الشكل الإلكتروني، فإن التغيير في محتواها من شأنه ان ينطوي على مساس بحجية ما تضمنته من وقائع، وأخيرا يبدو أهمية تجريم التزوير في المستند الإلكتروني في ضوء ما سبق وأن ذكرناه تفصيلا من ان فكرة المحرر في جرائم التزوير التقليدية لا تلتقي مع فكرة المستند الإلكتروني الأمر الذي يجعل من هذا التجريم ضرورة لحماية هذا المستند. وتختلف خطة التشريعات المقارنة في تجريم تزوير المستند الإلكتروني إلى اتجاهين الأول: يضع نصوصا عامة لتجريم هذا التزوير، ومن ثم يمتد حكم هذه النصوص ليشمل التزوير الحاصل في كافة صور هذه المستندات مثل القانونين الفرنسي والألماني، وأما الإتجاه الثاني فيجرم بعض الصور لتزوير المستندات الإلكترونية ومن هذه التشريعات القانون المصري.

أولا: تجريم تزوير المستندات الإلكترونية بنصوص عامة:

ذهب الشارعان الفرنسي والألماني إلى تجريم تزوير المستندات الإلكترونية بنصوص عامة في قانون العقوبات، وفيما يلي تناول هذين التشريعين بالدراسة.

القانون الفرنسي: يرجع تجريم التزوير في المستندات الإلكترونية إلى ما تقدم به أحد نواب البرلمان الفرنسي ، في 5 أغسطس سنة 1986 من إقتراح يرمي إلى إدخال بعض التعديلات على جريمة التزوير في المحررات المنصوص عليها في قانون العقوبات لتشمل ايضا تغيير الحقيقة في البيانات الإلكترونية ، غير أن هذا الإقتراح لم يؤخذ به، ورأي مجلس الشيوخ إعتبار تزوير المستندات الإلكترونية جريمة مستقلة عن جريمة التزوير في المحررات. وقد صدر القانون رقم 88-19 في 5 يناير سنة 1988 الذي انطوى على تجريم صورتين: الأولى هي تزوير المستندات المعالجة آليا أيا كان شكلها إذا كان من شأنها الإضرار بالغير (المادة 462-5)، والصورة الثانية فهي الخاصة بإستعمال المستندات المزورة سالفة الذكر (المادة 462 – 6) .

وبمناسبة إستبدال قانون العقوبات الفرنسي سنة 1994 بالقانون القديم ألغى الشارع الفرنسي نص المادتين سالفتي الذكر، وأخذ بإقتراح تعديل نص جريمة التزوير الأصلية ليستوعب أيضا المستندات الإلكترونية، وذلك بتعديل نص المادة 441-1 من قانون العقوبات والنص على أنه "التزوير هو كل تغيير بطريق الغش في الحقيقة ويكون من شأنه إحداث ضرر ويرتكب بأي طريقة كانت، سواء أكان ذلك بالكتابة أو بأي سند آخر للتعبير عن الفكر والذي يكون الغرض منه أو كنتجية له شأنا في إثبات حق أو واقعة لها آثار قانونية" ، . وقد تبنى هذه الوجهة أيضا قانونا التجارة الإلكترونية لدوقية لكسمبورج الصادر في يونيه سنة 2000 والذي عدل نص المادة 196 من قانون العقوبات التي تجرم التزوير، فأضاف الكتابة والتواقيع الإلكترونية إلى محل جريمة التزوير بصورتها التقليدية ،

وتطبيقا لذلك فإنه يعد تزويرا تغيير حقيقة نتيجة بعض طلاب الجامعة المسجلة على كمبيوتر الجامعة، حتى ولو لم يتم طبعها في صورة ورقية ، والصياغة الجديدة لنص المادة 441 – 1 سالفة الذكر تسمح بإستعاب النص لكل صور التعبير عن الفكر والتي تكون في شكل إلكتروني، بل وحتى تلك التي يتوصل إليها لاعلم بعد، متى كان لها شأن في إثبات حق أو واقعة لها نتائج قانونية ، كما أن الشارع الفرنسي بهذا النص لم يقصر طرق التغيير في الحقيقة على طرق معينة محددة على سبيل الحصر، وإنما اطلق النص من اي قيد يحدد كيفية وقوع التزوير .

القانون الألماني: نص الشارع الألماني في المادة 268 من قانون العقوبات الواردة في باب التزوير على تجريم "تزوير السجلات المعالجة تقنيا". ونصت الفقرة الأولى من هذه المادة في بندها الأول على تجريم فعل "كل من توصل بطريق الخداع إلى : 1. إنشاء سجل مصطنع معالج تقنيا أو قام بتغيير الحقيقة فيه" كما عاقب في البند الثاني على إستعمال هذا السجل . وقد ساوى الشارع الألماني بين إنشاء سجل إلكتروني مصطنع وبين إحداث التغيير في النتيجة المؤدى إليها هذا السجل، وذلك من خلال قيام الجاني بإحداث تأثير مخل بعمل السجل . وقد نص الشارع الألماني على تجريم بعض الصور الخاصة بالمستند الإلكتروني، وذلك بعد أن وضع الإطار العام لتجريم هذه المستندات في المادة 268 سالفة الذكر، ومن أهم هذه الصور: تزوير البيانات التي لها قيمة في الإثبات (المادة 269 من قانون العقوبات).

ثانيا: تجريم بعض صور تزوير المستندات الإلكترونية: إقتصرت بعض التشريعات على تجريم بعض صور تزوير المستندات الإلكترونية ومن بينها القانون المصري، إذ اقتصر الشارع المصري على تجريم تزوير السجلات والدفاتر الإلكترونية للاحوال المدنية، ولم يضع نصوصا عامة تجرم تزوير البيانات والمستندات الإلكترونية، وفيما يلي نبين خطة هذا القانون.

خطة القانون المصري: جرم الشارع المصري تزوير السجلات الإلكترونية الخاصة بالأحوال المدنية، وسبق أن ذكرنا أن الشارع المصري قد ساوى في قانون الأحوال المدنية، رقم 143 لسنة 1994 بين السجلات الورقية والإلكترونية في تطبيق أحكامه. وقد اعتبر الشارع المصري البيانات المسجلة بالحاسبات الآلية بمراكز الأحوال المدنية بيانات واردة في محررات رسمية، فنص في المادة 72 من القانون السابق على أن "في تطبيق أحكام هذا القانون وقانون العقوبات تعتبر البيانات المسجلة بالحاسبات الآلية وملحقاتها بمراكز معلومات الأحوال المدنية ومحطات الإصدار الخاصة بها المستخدمة في إصدار الوثائق وبطاقات تحقيق الشخصية بياناتواردة في محررات رسمية، فإذا وقع تزوير في المحررات السابقة أو غيرها من المحررات الرسمية تكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات .

وقد نصت المادة 74 من قانون الأحوال المدنية سالف الذكر على أنه مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في قانون العقوبات أو في غيره من القوانين يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تزيد عن خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من اطلع أو شرع في الإطلاع أو حصل أو شرع في الحصول على البيانات أو المعلومات التي تحتويها السجلات أو الحاسبات الآلية أو وسائط التخزين الملحقة بها أو قام بتغييرها بالإضافة أو بالحذف أو بالإلغاء أو بالتدمير أو بالمساس بها بأي صورة من الصور أو أذاعها أو أفشاها في غير الأحوال التي نص عليها القانون وفقا للإجراءات المنصوص عليها فيه، فإذا وقعت الجريمة على البيانات أو المعلومات أو الإحصاءات المجمعة تكون العقوبة السجن.

تقدير خطة الشارع المصري: على الرغم من أن الشارع المصري قد حاول الإحاطة بصور المساس بالبيانات والسجلات الإلكترونية الخاصة بالأحوال المدنية، فإن خطته مع ذلك لا تسلم من النقد، ذلك أن الشارع قد اعتبر هذه البيانات المسجلة محررات رسمية وعاقب على تزويرها بعقوبة الجناية (المادة 72 بفقرتيها)، بينما عاد في المادة 74 ونص على تجريم "تغيير هذه البيانات بالإضافة أو الحذف أو بالإلغاء" وعاقب على هذه الأفعال بوصف الجنحة، وهو في تقديرنا تناقض ما كان يجب على الشارع أن يقع فيه، لأن النص الأول يشتمل بالضرورة على ما تضمنه النص الثاني، فتغيير هذه البيانات بالإضافة أو الحذف أو الإلغاء لا تعدو أن تكون هي صور التزوير.

ومن جهة أخرى يؤخذ على المادة 74 سالفة الذكر نصها على تجريمها "المساس" بالبيانات والمعلومات "بأي صورة من الصور"، ذلك أن تعبير "المساس" وإن كان يصلح لأن يرد في الشروح الفقهية إلا أنه لا يصلح أن يكون بذاته فعلا مجرما، والنص على تجريم "المساس بأي صورة من الصور" يعني أن السلوك الإجرامي غير محدد وأن الفعل المعاقب عليه يكتنفه الغموض ومن فإنه في تقديرنا نص غير دستوري.

ثانيا: إتلاف المستند الإلكتروني
خطة التشريعات المقارنة في تجريم إتلاف المستند الإلكتروني:

لا يوجد تجريم لإتلاف المستند الإلكتروني على نحو أصيل؛ وإنما يمكن التوصل إلى حماية هذا المستند من الأفعال التي تعد إتلافا له بصورة غير مباشرة، وذلك من ناحيتين: الأولى أن تنصب أفعال الإتلاف على نظام التشغيل الذي يحتوي المستند الإلكتروني فيؤدي بالتبعية إلى إتلاف هذا المستند. والثانية أن ينصب الإتلاف على البيانات التي يحتويها المستند وفي هذه الحالة تكون الحماية مقررة للبيانات الإلكترونية بصفة عامة، غير انها تمتد بطريق التبعية إلى المستند الإلكتروني بمعناه الدقيق.

إتلاف نظام معالجة البيانات: جرم الشارع الفرنسي جريمة تعطيل أو تغييب تشغيل نظام معالجة البيانات (المادة 323-2) وتتحقق هذ الجريمة بصورة مختلفة: فقد تكون وسيلة التعطيل مادية كما لو وقع على الأجهزة عنف أو تخريب أو قطع وسائل الإتصال مما ادى إلى تعطلها، وقد تتحقق بوسيلة معنوية مثل إدخال فيروس في نظام التشغيل . ويستوي مع التخريب ان يقوم الجاني بتشويه المعلومات المخزنة على نحو لا يجعلها غير صالحة للإستعمال . وأما التعييب فهو لا يؤدي إلى توقف الأجهزة عن العمل، وإنما يؤدي إلى جعلها لا تعمل بصورة معتادة مما يؤثر على أدائها. وتطبيقا لذلك تتوافر الجريمة إذا قام الجناة بإرسال عدد كبير من الرسائل الإلكترونية إلى أحد المواقع مما ادى إلى ارتباك العمل بها وتعطيلها . ويلاحظ أن تعطيل جهاز الحاسب المخزن به المستندات والوثائق الإلكترونية عن العمل لا يدخل في مدلول التخريب والتعييب في تطبيق نص المادة 323-2 من قانون العقوبات الفرنسي، وإنما يعتبر من قبيل الإتلاف المادي المعاقب عليه طبقا لنص المادة 322-1 من قانون العقوبات الفرنسي .

وقد جرم الشارع الألماني في المادة 270 من قانون العقوبات كل من توصل بطريق الخداع إلى إحداث تأثير يؤدي إلى الإخلال بعمل نظام البيانات الإلكترونية . ويلاحظ أن الإتلاف في هذه الصورة لا ينال البيانات التي يحويها نظام معالجة البيانات، وإنما ينال من هذا النظام نفسه، ولذلك فإن الحماية التي توفرها هذه الصورة للمستند هي في الواقع حماية غير مباشرة، ذلك أن الشارع لا يهدف إلى حماية المستند كما ذكرنا – على نحو أصيل، وإنما يهدف إلى حماية نظم معالجة البيانات وقيامها بدورها، ومن ثم تمتد الحماية إلى المستند على نحو تبعي.

المساس بالبيانات التي يحويها نظام معالجة البيانات: المساس ببينانات نظام المعالجة بإدخال بيانات أو محوها لا يعني أن نكون بصدد صورة من صور تزوير هذه البيانات، وإنما الأثر الذي يحدثه هذا المساس بتلك البيانات هو اتلاف النظام وعدم قدرته على القيام بعمله، ومثال ذلك محو بعض أوامر التشغيل الأمر الذي يترتب عليه تعطيل النظام، ولذلك فإن التكييف الصحيح لهذه الصورة هو أنها تنتمي إلى جرائم الإتلاف. وقد نص الشارع الفرنسي على معاقبة كل من "أدخل بيانات بطريق الغش في نظام معالجة البيانات أو محي أو عدل البيانات التي يحتوي عليها النظام بطريق الغش" (المادة 323-3) . ولا يحمي الشارع الفرنسي بهذا النص النظام من الناحية المادية، ولكنه يوفر بهذا النص الحماية للبيانات الموجودة بالنظام من أي نشاط إجرامي . تتضمن هذه الجريمة صورا ثلاثة: الإدخال، المحو، التعديل. ولا يشترط أن تتوافر هذه الصور جميعا، بل يكفي لتحقق الجريمة أن تتوافر إحداها، وموضوع الجريمة هو المعلومات التي تم معالجتها الكترونيا، وهو ما يعني شمولها لكافة البيانات الواردة في المستندات الإلكترونية، ويقصد بفعل الإدخال اضافة بيان جديد على النظام، ويستوي في ذلك وجود بيانات سابقة تم إضافة البيان الجديد إليها، أو ان يكون موضع الإضافة كان خاليا من البيانات قبل تحققها .

في المادة 441-1 من قانون العقوبات سالفة الذكر، فجريمة التزوير تقتضي تغييرا في الحقيقة، وهي تفترض من بين عناصرها أن ينتج ضرر من هذا التغيير، بينما جريمة المساس بالبيانات المنصوص عليها في المادة 323-3، فتتحقق بمجرد الإدخال أو التعديل أو المحو ولو لم يترتب على ذلك أي ضرر، بل ولو لم يكن هناك تغيير في الحقيقة بالمعنى الدقيق، فالشارع الفرنسي نظر إلى هذه الجريمة بإعتبارها من جرائم الخطر . وهذه الجريمة عمدية، ويستفاد ذلك من تطلب الشارع وقوعها بطريق الغش، ويعني ذلك أن هذا القصد ينتفي إذا قام الجاني بمحو أو تعديل بيانات النظام على وجه الخطأ.

تجريم الأعمال التحضيرية: عاقب الشارع الفرنسي على المساهمة في جماعة أو الاتفاق بين مجموعة من الأشخاص للتحضير بعمل أو أعمال مادية بقصد إرتكاب جريمة أو أكثر من جرائم تعطيل أو تعييب أو المساس ببيانات نظام معالجة البيانات (المادة 323-4). ويمثل هذاالنص خروجا على القواعد العامة في التجريم، إذ يعاقب الشارع الفرنسي على الأعمال التحضيرية، ويعلل ذلك الخروج هو رغبة هذا الشارع في كفالة حماية وقائية لنظم المعلومات والبيانات الإلكترونية . ويعاقب الشارع الفرنسي على هذا النشاط بعقوبة الجريمة الأصلية. ويلاحظ أنه إذا تمت الجريمة التي تم التحضير لها بالفعل وساهم الجناة فيهما، فإننا نكون بصدد تعدد مادي للجرائم لا يقبل التجزئة، على أنه يجب أن تتوافر علاقة السببية في هذه الحالة بين الأفعال التحضيرية وبين الجريمة التي إرتكبت .

وقد عاقب الشارع الفرنسي على الشروع في الجريمة بعقوبة الجريمة الأصلية (المادة 323-7).

مسؤولية الشخص المعنوي: أجاز الشارع الفرنسي مساءلة الأشخاص المعنوية عن إرتكاب صورتي الإتلاف المنصوص عليهما في المادتين 232-2، 232-3 من قانون العقوبات سالفي الذكر، وذلك طبقا للنصوص العامة التي تقرر المسؤولية الجنائية لهذه الأشخاص (المادة 323-6). وقد يسأل الشخص المعنوي عن هذه الجرائم سواء بصفته فاعلا اصليا أو شريكا أو متدخلا فيها، كما أنه يسأل عن الجريمة التامة أو الشروع فيها، غير انه يجب لتحقق هذه المسؤولية ان يثبت ان الجريمة قد ارتكبت بواسطة احد اعضاء أو ممثلي الشخص المعنوي وان تكون قد ارتكبت باسم أو لحساب هذا الشخص (المادة 122-2 من قانون العقوبات الفرنسي). وتوافر مسؤولية الشخص المعنوي لا تعني إستبعاد مسؤولية الأشخاص الطبيعيين الجنائية، سواء بصفتهم فاعلين أو شركاء أو متدخلين في نفس الجريمة (المادة 121-2 من قانون العقوبات في فقرتها الثالثة) .

المبحث الثاني
الأفعال الماسة بسرية المسند

تمهيد:

تعدد صور الأفعال الماسة بسرية المستند والتي نصت عليها التشريعات المقارنة، فقد تأخذ هذه الأفعال صورة الدخول غير المشروع على السجلات الإلكترونية، وقد تأخذ صورة نسخ محتوى المعلومات والبيانات التي يحويها المستند أو طبعها . ونشير فيما يلي إلى خطة التشريعات المقارنة في النص على هذه الأفعال، ثم نبين الأركان المشتركة لهذه الجرائم.

أولا: خطة التشريعات المقارنة في النص على الجرائم الماسة بسرية المستند الإلكتروني:

القانون المصري: لم يضع الشارع المصري نصوصا تقرر تجريم فعل الدخول غير المشروع والمساس بالبيانات الإلكترونية المحفوظة، وإنما نص الشارع في نصوص متفرقة على تقرير بعض صور هذه الحماية . من أهمها مانص عليه في قانون الأحوال المدنية رقم 143 لسنة 1994 السابق الإشارة إليه من أن البيانات والمعلومات المتعلقة بالأحوال المدنية والتي تشتمل عليها "السجلات أو الدفاتر أو الحاسبات الآلية أو وسائط التخزين الملحقة "سرية"، ولا يجوز الإطلاع عليها أو الحصول على بياناتها إلا في الأحوال التي نصت عليها (المادة 13 في فقرتها الأولى من هذا القانون).

بل إن الشارع قد اعتبر أن البيانات أو المعلومات أو الإحصائيات المجمعة التي تشتمل عليها السجلات والدفاتر الإلكترونية السابق ذكرها "سرا قوميا" لا يجوز الإطلاع عليه أو نشره إلا لمصلحة قومية أو علمية وبإذن كتابي من مدير مصلحة الأحوال المدنية أو من ينيبه (المادة 13 في فقرتها الثانية).

وإذا كان تحليل هذين النصين يؤدي إلى القول بأن الشارع لم يقصد حماية البيانات الإلكترونية في هذه الحالة، وإنما قصد حماية السر، فإن اسباغ الشارع صفة السر على كافة البيانات المخزنة تجعل من هذه الحماية – في تقديرنا – ذات طبيعة مختلطة.

وقد نصت المادة 74 من قانون الأحوال المدنية سالف الذكر على أنه مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في قانون العقوبات أو في غيره من القوانين يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تزيد عن خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من اطلع أو شرع في الإطلاع أو حصل أو شرع في الحصول على البيانات أو المعلومات التي تحتويها السجلات أو الحاسبات الآلية أو وسائط التخزين الملحقة بها... أو أذاعها أو افشاها في غير الأحوال التي نص عليها القانون وفقا للإجراءات المنصوص عليها فيه، فإذا وقعت الجريمة على البيانات أو المعلومات أو الإحصاءات المجمعة تكون العقوبة السجن".

ونصت المادة 76 من هذا القانون على أنه يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة كل من اخترق أو حاول اختراق سرية البيانات أو المعلومات أو الإحصاءات المجمعة بأية صورة من الصور، وتكون العقوبة الاشغال الشاقة المؤبدة إذا وقعت الجريمة في زمن الحرب".

القانون الفرنسي: عاقب الشارع الفرنسي بنص المادة 323-1 من قانون العقوبات على مجرد الدخول بطريق الخداع في كل أو جزء من نظام للمعلومات أو إبقاء الإتصال به على نحو غير مشروع . وقد شدد العقوبة إذا ترتب على نشاط الجاني إلغاء أو تعديل البيانات الموجودة بالنظام أو تعديل تشغيل هذا النظام .

وقد شدد الشارع الفرنسي العقاب في حالة ما إذا ترتب على الدخول في النظام أو البقاء فيه أو محو تعديل البيانات التي يحويها النظام أو ترتب عليهما تعطيل النظام عن القيام بعمله. ويجب لتوافر هذا الظرف ان تتوافر علاقة السببية بين فعل الدخول غير المشروع أو البقاء في النظام وبين محو أو تعديل البيانات أو تعطيل النظام عن القيام بعمله. اما إن كان هذا المحو أو التعديل يرجع إلى أسباب أخرى هي التي أدت إليه كالقوة القاهرة والحادث الفجائي فإن صلة السببية تعد منتفية ولا يسأل الجاني في هذه الحالة عن الظرف المشدد . ويحمي الشارع الفرنسي كذلك سرية المستند الإلكتروني من خلال المواد 226-16 إلى 226-24 من قانون العقوبات التي تجرم المساس بسرية المعلومات المخزنة. وقد كان الشارع الفرنسي ينص بموجب القانون رقم 87-17 الصادر في 6 يناير سنة 1978 الخاص بالمعلوماتية والباقات والحرية . على تجريم إستخدام المعلومات المسجلة في غير الأغراض التي وضعت من أجلها في الحاسب الألي، كما كان يجرم أيضا جريمة إفشاء هذه المعلومات. كما كان ينص بموجب قانون 19 لسنة 1988 على تجريم محو البيانات الإلكترونية كلها أو بعضها أو تعديلها . وقد ألغى الشارع الفرنسي هاتين المادتين ونقل نصهما إلى قانون العقوبات الحالي الصادر سنة 1994، ثم أضاف جرائم أخرى إلى هاتين الصورتين هي جريمة الحصول بطريق الخداع على معلومات خاصة بأحد الأشخاص أو وضع معلومات بذات الوسيلة تخص أحد الاشخاص على الرغم من اعتراضه المبنى على اسباب مشروعة (المادة 226-18). وجريمة وضع معلومات في ذاكرة الكمبيوتر عن أصول الشخص العرقية أو ارائه اسياسية أو الفلسفية أو الدينية أو إنتماءاته النقابية أو تتعلق بسلوكه (المادة 226-19). كما نص الشارع الفرنسي على تجريم اطلاع الغير ممن ليس له صفة في تلقي هذه البيانات، دون إذن من صاحب الشأن إذا كان من شأنها المساس بإعتبار صاحب الشأن أو المساس بحرمة حياته الخاصة (المادة 226-22). ومفاد خطة الشارع الفرنسي أنه جرم أفعال جميع المعلومات وحفظها ونقلها وربطها بغيرها من معلومات أو الإطلاع عليها وجرم إفشاء الأسرار المودعة في بنوك المعلومات والمأخوذة بطريقة مشروعة ممن له حق الإطلاع عليها، وذلك في الحالات التي يتم الحصول فيها على هذه المعلومات بشكل مشروع ضمانا لعدم إفلات الجاني في هذه الحالة من العقاب .

القانون الألماني: تدخل الشارع الألماني بقانون 15 مايو سنة 1986 فأضاف المادة 202 (أ) إلى قانون العقوبات، التي جرم بمقتضاها فعل التجسس على المعلومات المخزنة. ويتحقق الركن المادي لهذه الجريمة بفعل الحصول على المعلومات المحفوظة أو نقلها، وذلك بطريق الدخول غير المصرح به للجاني لهذه المعلومات . ومن المستقر عليه في نظر الفقه والقضاء الألمانيين أنه يلزم لتحقق هذه الجريمة أن تكون هذه المعلومات مخزنة بوسيلة الكترونية مثل الكمبيوتر وشبكات المعلومات والأرشفة الإلكترونية وقد اشترط الشارع الألماني ان تتوافر لهذه المعلومات حماية خاصة، ومثال ذلك استلزم توافر كلمة سر للولوج إلى هذه المعلومات أو بطاقة خاصة .

القانون الأمريكي: جرم الشارع الأمريكي الإتصال بأجهزة كمبيوتر بطريق الخداع وذلك بموجب المادة 1030 (أ) في فقرتها الثانية. ونص على "خطر الإتصال العمدي غير المأذون به لأجهزة الكمبيوتر ذات الشأن الإتحادي .

وقد أوضح الشارع الأمريكي المقصود بعبارة "أجهزة الكمبيوتر ذات الشأن الإتحادي" من أنها كل جهاز كمبيوتر مقصور إستعماله على مؤسسة مالية أو حكومة الولايات المتحدة، أو – في حالة عدم قصر إستخدامه على النحو السابق-. فإنه يكون مستخدما في أو بواسطة مؤسسة مالية أو حكومة الولايات المتحدة وأن يكون التصرف المشكل للجريمة مؤثرا في عملية لهما تجري بإستخدام هذا الكمبيوتر، أو متى تم استخدام واحد أو اكثر من أجهزة الكمبيوتر في إرتكاب الجريمة ليست جميعها موجودة في ولاية واحدة . وقد جرم الشارع الأمريكي صورا مختلفة من الافعال يجمع فيما بينها "فعل الدخول غير المشروع"، ومن أهم هذه الصور:

1. الإتصال بغير إذن بكمبيوتر، للحصول على معلومات تتعلق بالدفاع الوطني أو العلاقات الخارجية أو للحصول على معلومات في السجل المالي لمؤسسة مالية أو لمكاتب حماية المستهلك أو للتلاعب في المعلومات المخزنة على الكمبيوتر الذي من شأنه إحداث اثر ماس للعملية التي تجريها حكومة الولايات المتحدة بهذا الكمبيوتر .
2. الإتصال بكمبيوتر ذا شأن اتحادي دون أن يكون مرخصا بإجراء هذا الإتصال أو بالتجاوز لهذا الترخيص، وذلك بنية سلب أو الحصول على أي شيء ذا قيمة .
3. الدخول العمدي غير مأذون به لكمبيوتر ذو شأن إتحادي، وتمكنه بهذه الوسيلة من تغيير أو الحاق الضرر أو محو البينات المسجلة به، أو منع استخدام مشروع لهذا الكمبيوتر .

وقد تضمن قانون 1994 ثلاثة إضافات مهمة إلى التعديل الصادر بموجب قانون 1984، الأول غير بمقتضاه ما شمله من أفعال إرتكبت على كمبيوتر ذو شأن اتحاي وأثرت على هذه الأجهزة إلى الأفعال المرتكبة على أجهزة كمبيوتر في داخل إحدى الولايات في مجال التجارة أو الإتصالات وأثرت على أي جهاز أخر. والثاني لم يعد بمقتضاه " الاتصال غير المأذون به" متطلبا في كل جريمة، إذ قصد الشارع أن يوسع في نطاق المسؤولية الجنائية في الأفعال التي ترتكب من شخص له حق الإطلاع في شركة أو مستخدم مصرح له بذلك، الذين لم يكن التجريم يشملهم بموجب قانون سنة 1986 .

ثانيا: العناصر المشتركة في جرائم المساس بسرية المستند الإلكتروني:

الجاني: الجاني في جرائم الإتصال غير المشروع هو من يتصل بجهاز كمبيوتر مشمول بالحماية بدون أن يكون مأذونا له بذلك ولا يكون له التوقع المعتاد لمساس فعله بالحق في الخصوصية في حال الإتصال المجري من أو إلى جهاز مشمول بالحماية ولا تتطلب الجريمة صفة خاصة في فاعلها، إذ ترتكب من أي شخص سواء أكان له صله وظيفية في مجال أنظمة المعالجة الإلكترونية أم أنه لا تتوافر له مثل هذه الصفة ... ويخرج عن هذا المدلول من كان يرتبط بعلاقة عقدية قائمة مع مالك أو مدير جهاز كمبيوتر مشمول بالحماية تتيح له تحقيق الإتصال كليا أو جزئيا بهذا الجهاز .
فعل الدخول غير المشروع: وتتحقق الجريمة بفعل الدخول، ولم تحدد التشريعات المقارنة المقصود بفعل الدخول أو الوسيلة المتبعة في ذلك الدخول، ومن ثم تقع الجريمة بأي وسيلة من الوسائل، فقد يتم الدخول بإستعمال اجهزة خاصة تمكنه من كسر شفرة قاعدة البيانات أو أن يستخدم الشفرة الصحيحة الخاصة بشخص آخر مأذون له بالدخول . وتفترض الجريمة أن نظام الدخول على البيانات غير متاح للجمهور، وإنما يكون الإذن فيه مقصورا على عدد محدود من الأشخاص أو الهيئات .

ويستوى أن يتم الدخول إلى قواعد البيانات كلها أو إلى جزء فقط من نظام التشغيل، وتتحقق الصورة الأخيرة إذا تمكن الجاني من كسر شفرة بعض قواعد البيانات أو مواقع المعلومات دون ان يتمكن من اختراق كل مواقع النظام.

وقد يكون البقاء غير المشروع حقا لاحقا على دخول قد تم بوجه مشروع، ويتحقق ذلك بتجاوز شخص النطاق الزمني أو الغرض المصرح له في الإتصال بنظام المعلومات .

وقد ذهب رأي في الفقه إلى أن جريمة الدخول غير المشروع هي جريمة وقتية، في حين أن البقاء داخل النظام يتصف بالإستمرار . وفي تقديرنا ان هذا الرأي محل نظر، ذلك ان العبرة في تحديد طبيعة الجريمة هو بتحديد مدى قابلية ركنها المادي للاستمرار، ولا شك في ان الدخول على نظم حفظ البيانات الإلكترونية يمكن ان يستمر فترة من الوقت يتجدد أثناءها إرتكاب الركن المادي للجريمة، ولا تقف الجريمة إلا بإنهاء الجاني دخوله غير المشروع. ويلاحظ في تقديرنا أنه لا يجوز الإستناد إلى تعدد صورتي التجريم في النص الفرنسي سالف الذكر والذي يجرم فعلي الدخول والبقاء، لأن هذا التعدد كان لعلة أخرى مفادها مواجهة صورة تجاوز الشخص الذي كان دخوله قد تم بوجه مشروع لنطاق الإذن المخلول له، وهو الأمر الذي لا صلة له بطبيعة الجريمة.

وقد ذهب جانب من الفقه إلى أن الدخول قد يكون مشروعا إذا كان عن طريق الصدفة أو الخطأ أو السهو وأنه كان يجب على الشخص في هذه الحالة أن يقطع إتصاله وينسحب فورا فإن بقي سرى عليه نص العقاب . وينتقد البعض هذا الرأي بقولهم أن الدخول بطريق الصدفة أو الخطأ أو السهو يتسم بعدم المشروعية وإن كان القانون الجنائي لا يعاقب سوى على الدخول العمدي، وعندئذ يعاقب الجاني إذا بقي عمدا بالنظام .

وفي تقديرنا أن الرأيين محل نظر، ذلك أن الجريمة لا تتوافر بمجرد الدخول غير المشروع، وإنما يجب أن يتصف هذا الدخول بالخداع، ويعني ذلك أن احتمال السهو أو الخطأ قد لا تتوافر في حال وجود الخداع، ومن ناحية أخرى فإن الدخول المجرد من الخداع، لا يعد دخولا غير مشروع، ذلك أن سماح النظام بالدخول دون أن ينطوي هذا الدخول على أي غش أو خداع فإن الفعل يتجرد من صفة عدم المشروعية، حتى ولو ثبت أن هذا السماح كان بسبب خطأ في التشغيل، ذلك أنه لا ينسب في هذه الحالة للشخص إثم.

وقد يكون الدخول مشروعا في ذاته غير ان البقاء في النظام قد يتسم بعدم المشروعية، وفي هذه الحالة يكون قد شابه الغش، كما قد يكون الدخول مفتوحا للكافة غير أنه يكون مقيدا بقواعد بيانات معينة دون أن يمتد إلى ملفات النظام الأمر الذي يترتب عليه عدم جواز الدخول لهذه المواقع .

إستعمال طرق خداعية:

يجب أن يتحقق الإتصال غير المشروع بطريقة خداعية، ويفسر تعبير "طرق الخداع" تفسيرا واسعا، فهو لا يتطلب أن يستخدم الجاني وسائل تدليسية في إحداث هذا الإتصال، بل يكفي أن يتحقق دون ان يكون الجاني مأذونا له به متى كان القصد الجنائي متوافرا لديه. وقد فسر القضاء الفرنسي تعبير "الدخول بطريق الخداع" التي نص عليها الشارع الفرنسي في المادة 323-1 سالفة الذكر بأنها تشمل كل الوسائل غير المشروعة التي يتمكن بها الجاني من الدخول في نظام معالجة آلية للمعلومات . ويتحقق ذلك إذا كان حق الإطلاع على البيانات والسجلات الإلكترونية مقصورا على أشخاص أو هيئات معينة ليس من بين الجاني. وقد يحدث في بعض الأحيان أن يكون هذا الإتصال مأذونا به للعامة، غير أنه يكون مقيدا ببعض القيود. وفي هذه الحالة لا يكون حق الدخول على البيانات مشروعا إلا بعد إستيفاء هذه القيود. ومن أمثلة هذه القيود سداد مبالغ مالية معينة نظير الدخول على موقع إلكتروني معين ونسخ بعض الملفات منه .

ويترتب على عدم إستيفاء هذه القيود أن يصبح الإتصال الإلكتروني غير مشروع. ويتوافر الخداع إذا تمكن الجاني من فك الشفرة السرية للدخول، بل ويتوافر الخداع ايضا إذا تمكن الجاني من استخدام كلمة السر أو الشفرة الحقيقية في هذا الدخول متى لم يكن مأذونا له بالدخول.

ويستوي أن يكون الدخول على النظام قد تم مباشرة أو بطريق غير مباشر .

وتطبيقا لذلك قضى القضاء الأمريكي بإدانة أحد الأشخاص بتهمة الدخول غير المشروع على سجلات إحدى المحاكم الإتحادية. وتتحصل وقائع هذه القضية في أن نظام حفظ المعلومات الإلكتروني في المحاكم الإتحادية الأمريكية يجيز للعامة حق الإتصال بالسجلات الإلكترونية الخاصة بهذه المحاكم ، والتي تضم الأحكام والقرارات والمستندات المتعلقة بالدعاوى التي عرضت على المحكمة وأصدرت حكمها أو قراراتها فيها، كما تحوي أيضا تقريرا إحصائية تتصل بعمل هذه المحاكم غير أن هذا النظام قد قيد حق نسخ هذه المعلومات وإنزالها على الكمبيوتر الشخصي أو طبعها بسداد مقابل نقدي عن كل صفحة، وقد قام الجاني بالإتصال بسجلات محكمة مقاطعة كولومبيا، وتمكن من نسخ الملايين من الصفحات إلى جهازه كما أنه بإستخدام برنامج خاص استنبطه تمكن من وضع ملفات إلكترونية خفية في نظام تشغيل سجلات المحكمة الإلكتروني تسببت في عدم إحتساب أي نفقات تنتج من عملية نسخ أو طبع المستندات الإلكترونية وهو ما أدى إلى إلحاق اضرار مادية جسيمة بهذا النظام .

جريمة الإتصال غير المشروع تتوافر ولو يترتب ضرر بالمجني عليه:

لم تتطلب التشريعات التي جرمت فعل الإتصال الإلكتروني غير المشروع أن يترتب ضررا بالمجني عليه، ويعني ذلك في حقيقة الأمر أن الجريمة تتوافر بمجرد قيام الجاني بالإتصال إلكترونيا بأجهزة الكمبيوتر المخزن بها المستندات والسجلات الإلكترونية، ويعني ذلك أن هذه الجريمة من جرائم السلوك المجرد التي لا تفترض تحقق نتيجة منن أي نوع. وعلة خطة هذه التشريعات هو الحق في السرية الذي يتحقق المساس به بمجرد قيام الجاني بالاتصال غير المشروع. وتطبيقا لذلك قضى القضاء الأمريكي بتوافر جريمة الإتصال بطريق الإحتيال في حق شخص تمكن من إستخدام وصلة هاتف تليفوني في الإتصال غير المشروع بأجهزة الكمبيوتر الخاصة بإحدى الشركات التي تعمل في مجال التجهيزات الإلكترونية بالولايات المتحدة، وقام من خلال هذا الإتصال بالدخول على المواقع الخاصة بجامعة ليدز بإنجلترا وتمكن من فحص قوائم بأسماء الأشخاص في هذه الجامعة وشفراتهم الخاصة. وقد قضى بإدانة المتهم على الرغم مما دفع به دفاعه من أن لم يتحقق أي ضرر بالجهات التي إتصل بها الجاني، بل وأنه لم يحاول الحصول على مال كنتيجة لهذا الإتصال .


القصد الجنائي:

جرائم الدخول إلى نظام معالجة البيانات أو البقاء فيه هي جريمة عمدية، فيجب أن يعلم الجاني بأنه يدخل إلى موقع لا يجوز له الدخول فيه وان تتجه إرادته إلى ذلك. ومن ثم لا تتوافر إذا كان الدخول أو البقاء قد تم بطريق الخطأ، وتطبيقا لذلك ينتفي القصد الجنائي إذا ثبت أن الجاني قد دخل على قواعد البيانات مصادفة وانه كان وليد خطأ، ولم يكن فعله كاشفا عن توافر هذا القصد. ومن الأمثلة ايضا إذا كان الدخول على النظام يتم بموجب إشتراك وكان قد سبق للشخص الدخول بوجه مشروع، غير انه قد انتهت مدة إشتراكه وكان يجهل ذلك. ومن القرائن الدالة على توافر القصد هي استخدام وسائل خداعية في تحقيق الدخول أو البقاء في النظام. ويتحقق ذلك إذا كان الدخول على النظام يتطلب شفرة أو بطاقة معينة فقام الجاني بسرقة هذه البطاقة أو بكسر هذه الشفرة . وإذا توافر القصد الجنائي، فإنه لا عبرة بالبواعث التي تكون وراء قيام الجاني بفعله، فيستوي أن يكون هذا الدخول قد تم بدافع الفضول أو حب الإستطلاع أو إثبات القدرة على التغلب على قيود النظام أو ان يكون الغرض هو الإستفادة من المعلومات والبيانات التي تحتويها السجلات وقوائم البيانات الإلكترونية، أو القيام بأي عمل آخر غير مشروع.


خاتمــة الدراســة

أظهرت الدراسة مدى الحاجة إلى تحديد ماهية المستند الإلكتروني: نظرا لأن التشريعات المقارنة لا تفرد نظرية عامة للمستند الإلكتروني، ولا تحدد قواعد عامة تسري على أي مستند تتوافر له الصفة الإلكترونية، وإنما تقتصر على النص على أهم تطبيقات فكرة المستند الإلكتروني مثل التوقيع والسجلات الإلكترونية.

وقد تصدت الدراسة للرأي الموسع لمدلول المستند الذي يجمع بين المستند بمعناه التقليدي والمستند الإلكتروني وأظهرت أن هذا الرأي محل نظر ذلك أن الكتابة التي يعتد بها أي نظام قانوني يجب أن تتمتع بصفات معينة تكفل لها تحقق دورها في اثبات المعاملات، وأنه لا يجوز في تقديرنا ان نفسر النصوص التي نصت على فكرة المحرر والكتابة والتوقيع لنمدها إليها إذا تحققت بوسيلة إلكترونية والسبب في ذلك أن فكرة المستند الإلكترونية بمعناه الواسع ونظم حمايته وتأمينه لم تزل حتى الآن عرضة للتطور التقني، ولا يجوز التضحية بإستقرار التعاملات قبل التأكد من أداء المستند الإلكتوني لدوره الذي يجب أن يرسمه له القانون. وأنه حتى يفرض صحة المساواة بين الكتابة العادية والإلكترونية، الأخذ بفكرة التوقيع الإلكتروني يجب ان يقترن بتنظيم تشريعي دقيق يحدد طرق هذا التوقيع وصوره وآثاره في الإثبات وضماناته وسبل حمايته وينص على شهادات توثيق هذا التوقيع ويحدد الجهة المختصة بمنح هذه الشهادات وأوضاعها وشروطها وآثارها القانونية وجزاء الإخلال بها وغيرها من شروط. وإذا لم ينص الشارع على هذا التنظيم، فإنه يبدو من غير المنطقي – في تقديرنا – أن نعترف للتوقيع الإلكتروني بقوته في الإثبات. وأن الأخذ بمدلول متسع لفكرة المحرر والتوقيع على النحو الذي ينادي به الرأي الموسع – دون وجود تنظيم تشريعي – سوف يؤدي إلى إثارة مشكلات كبيرة في الإثبات وهو ما يهدد استقرار المعاملات بدلا من تدعيمه. وأن هذه الإعتبارات هي التي دعت التشريعات المقارنة إلى إفراد نصوص خاصة لبعض تطبيقات المستند الإلكتروني.

وقد أظهرت الدراسة أن المستند الإلكتروني يتميز بأنه ينطوي على ثلاثة عناصر الأول أن يتضمن تعبيرا عن المعاني والأفكار الإنسانية المترابطة، والثاني ان يكون هذا التعبير له قيمة قانونية، والثالث ان يتصف هذا المستند بالصفة الإلكترونية.

وقد تناولت الدراسة خطة التشريعات في النص على تطبيقات المستند الإلكتروني: فإظهرت أن بعض هذه التشريعات يفرد التوقيع الإلكتروني بتنظيم مستقل كالشارع الألماني والفرنسي بينما تذهب وجهة ثانية من التشريعات إلى النص على التوقيع والسجلات الإلكترونية معا بتنظيم مستقل ومفصل ومن أمثلة هذه الوجهة قانون التوقيع والسجلات الإلكترونية تشريعات الولايات المتحدة الأمريكية، وأن هناك اتجاها تشريعيا ينص على بعض تطبيقات المستند الإلكتروني في مسائل معينة ودون أن يكون هناك إطار تشريعي عام يحكم مسائل البيانات والمعلومات الإلكترنية، مثل التشريع المصري.

وقد تناولت الدراسة مدلول التوقيع الإلكتروني من كونه وسيلة إلكترونية يمكن بمقتضاها تحديد هوية الشخص المنسوب التوقيع إليه مع توافر النية لديه في أن ينتج آثاره القانونية على نحو يماثل التوقيع بخط اليد. وعرضت لإستخداماته وتصدت للرأي القائل بأن إستعمال بطاقات الإئتمان والسحب الممغنطة هو تطبيق للتوقيع الإلكتروني وأظهرت أن هذه البطاقات لا تعد مستندا إلكترونيا، كما ان كافة التشريعات قد تطلبت ان يرتبط التوقيع الإلكتروني، كما أن كافة التشريعات قد تطلبت أن يرتبط التوقيع الإلكتروني بسجل إلكتروني سواء كان متحدا به أو ارتبط به منطقيا، ولا يبدو هذا متحققا في شأن هذه البطاقات.

كما تناولت الدراسة المقصود بالسجل الإلكتروني ومن أنه سجل نشأ أو نتج أو اتصل أو تم تلقيه أو حفظه بوسيلة إلكترونية، وأوضحت الدراسة الضوابط الفنية التي تكفل الثقة والأمان للسجل والتوقيع الإلكتروني وأبانت المقصود بالتشفير وضوابط المضاهاة الإلكترونية وصور هذه المضاهاة.

واظهرت الدراسة أنه يترتب على المساواة بين المستند الإلكتروني والمستند العادي من حيث القوة القانونية نتائج مهمة: فلا يجوز المنازعة في صحة المستند الإلكتروني أو جحد حجية ما يتضمنة من تصرفات أو الدفع بعدم نفاذ لأن إنشائة أو صياغته أو التوقيع عليه كان بإستخدام وسائل أو شكل إلكتروني في التعامل والتسليم بقيمته القانونية، التي يلزم إثباتها قبل بحث توافر أركان الجريمة.

وقد تناولت الدراسة ايضاح عدة صور للمستند الإلكتروني مثل : العقود الإلكترونية وتصدت لتحديد القوة القانوية لها في غياب النص الذي يقر الأخذ بالمستند الإلكتروني، كما عرضت الدرسة للاعتماد المستندي الإلكتروني وحوالة الوفاء الإلكترونية والسجلات الطبية الإلكترونية.

وقد أوضحت الدراسة الصلة بين المستند الإلكتروني وبعض الأفكار الأخرى مثل والحكومة الإلكترونية: والتجارة الإلكترونية وحماية المستهلك وأوضحت أن من شأن حماية المستند الإلكتروني أن يكفل حماية هذه النظم.

وأظهرت الدراسة أن دائرة الحماية المقررة لحقوق الملكية الفكرية والذهنية قد تتداخل مع دائرة الحماية المقررة للمستند الإلكتروني غير أن الدراسة أظهرت الفارق بينهما فأوضحت أن عنصر الإبداع لا يعد عنصرا في المستند بخلاف المصنف، وأن ما يخرج من مدلول الأخير قد يدخل في مدلول المستند. وأنه بينما محل الحماية الجنائية للمصنف يرتكز على حماية حق المؤلف على أفكاره، فإن محتوى المستند وسريته هو محل حماية المستند الإلكتروني، كما ان الإعتداء على حق المؤلف قد لا ينطوي على أي مساس بجوهر المصنف ذاته وأنه إن انطوى المستند الإلكتروني على عنصر الإبداع، وفي هذه الحالة تتعدد صور الحماية المقررة له، ولا يتنافى ذلك مع المنطق القانوني، ذلك أنه من المقرر أن الحق الواحد قد يحميه عدة نصوص، وأن المحرر قد ينطوي على عدة حقوق تتعدد أوجه الحماية المقررة لها.

وأظهرت الدراسة انه يجب التفرقة بين المستند الإلكتروني من ناحية وبين المستندات المرسلة بطريقة إلكترونية من ناحية أخرى: ففي الثانية فإن المستند له أصل ورقي ويقتصر إستخدام الوسائل الإلكترونية على مجرد عملية الإرسال.

وتناولت الدراسة الصلة بين المستند الإلكتروني وسرقة الأسرار التجارية: وإنتهت إلى وجوب التمييز بين نوعي الحماية فأظهرت أن المساس بالمستند الإلكتروني يتحقق بأفعال الإطلاع أو النسخ أو النقل غير المأذون بها دون أن يتطلب تحقق أي نتيجة أخرى، أما سرقة الأسرار التجارية فتقتضي أن ينصب الفعل المرتكب على الإستيلاء على هذه الأسرار لحساب الغير، ولذلك قد تتوافر جريمة سرقة الأسرار دون جريمة الإعتداء على المستند الإلكتروني.

وأظهرت الدراسة الصلة الوثيقة بين المستند الإلكتروني والحق في السرية والخصوصية، وأوضحت أنه على رغم تداخل الحماية المقررة للمستند الإلكتروني مع الحماية الجنائية للاسرار فإنه مع ذلك فإن التفرقة بينهما ممكنة، ذلك أن فعل إفشاء السر يجب أن يتم من شخص مؤتمن على الحفاظ على هذا السر، وذلك بخلاف الإعتداء على المستند الإلكتروني، إذ يجوز أن يقع من أي شخص، وأن مدلول "السر" في جرائم إفشاء الأسرار أضيق نطاقا من مدلول سرية المستند: فالقانون قد يحمي السر أيا كان الشكل الذي حفظ فيه هذا السر، ولا يقصد الشارع حماية هذا الشكل، وإنما جاءت الحماية على نحو عرضي، وأن المستند الإلكتروني قد يكون غير متضمن لسر ما، ولكن رغم ذلك فلا يجوز الإطلاع عليه، ذلك أن الكثير من البيانات الشخصية التي تتضمنها المستندات الإلكترونية لا تنطوي على أسرار بالمعنى الدقيق لمدلول السر ومن ثم لا تشملها الحماية الجنائية الواردة بالنصوص التي تجرم إفشاء الأسرار، ولكنها مشمولة بحماية المستند.

كما تصدت الدراسة للتمييز بين الحماية المقررة للمستند الإلكتروني والحماية المقررة لنظم تشغيل الحاسب الآلي: من حيث أن محل الإعتداء في الحالتين ينصب على البيانات التي يتضمنها المستند أو برنامج التشغيل قد أظهرت الدراسة أن تماثل البيانات الإلكترونية مع برامج تشغيل النظام الذي يتم التعامل مع هذه البيانات في ظله لا يعني تماثلهما في المصلحة التي يحميها الشارع. فالشارع يحمي في الأولى ما انطوت عليه هذه البيانات من وقائع لها أهمية في الإثبات، بينما يحمي في الثانية نظم إدارة الحاسبات الآلية وهي مصلحة مختلفة عن الأولى، ولذلك كان من المتصور أن يتحقق مساس بإحدى المصلحتين دون الأخرى.

وقد أصلت الدراسة أفعال المساس بالمستند الإلكتروني بردها إلى طائفتين من الأفعال: الأولى تتضمن الأفعال الماسة بمحتوى المستند الإلكتروني، والثانية تشمل الأفعال الماسة بسرية هذا المستند. وبينت أنه يمكن تأصيل الجرائم الماسة بمحتوى المستند بردها إلى طائفتين الاولى هي أفعال تزوير المستند الإلكترونية والثانية هي إتلاف هذا المستند.

وقد أظهرت الدراسة خطة التشريعات المقارنة في النص على تجريم التزوير في المستندات الإلكترونية فأوضحت أن هناك بعض التشريعات التي أوردت في قوانينها العقابية نصوصا عامة تجرم أفعال تزوير هذه المستندات وتناولت خطة القانون الفرنسي الذي عدل نص التجريم الخاص بجريمة التزوير التقليدية على نحو شمل نطاقها معه المستند الإلكتروني، كما تناولت الدراسة خطة الشارع الألماني الذي أ ضاف إلى باب التزوير نصوصا خاصه بتزوير المستند الإلكتروني.

وأوضحت الدراسة خطة الشارع المصري الذي جرم تزوير السجلات الإلكترونية الخاصة بالأحوال المدنية، وكيف انه ساوى بين السجلات الورقية و الإلكترونية في تطبيق احكامة وأنه قد إعتبر هذه بيانات واردة في محررات رسمية، وتصدت الدراسة لتقدير خطة الشارع المصري في التجريم سالف الذكر فأوضحت أن خطته لا تسلم من النقد، ذلك أن الشارع قد اعتبر هذه البيانات المسجلة محررات رسمية وعاقب على تزويرها بعقوبة الجناية (المادة 72 بفقرتيها)، بينما عاد في المادة 74 ونص على تجريم "تغيير هذه البيانات بالإضافة أو الحذف أو بالإلغاء" وعاقب على هذه الأفعال بوصف الجنحة، كما أنه من جهة أخرى يؤخذ على المادة 74 سالفة الذكر نصها على تجريمها "المساس" بالبيانات والمعلومات "بأي صورة من الصور"، وهو ما لا يصلح أن يكون بذاته فعلا مجرما، والنص على تجريم "المساس بأي صورة من الصور"، يعني أن السلوك الإجرامي غير محدود وأن الفعل المعاقب عليه يكتنفه الغموض و في تقديرنا نص غير دستوري.

وقد أظهرت الدراسة خطة التشريعات المقارنة في تجريم إتلاف المستند الإلكتروني فأظهرت انه لا يوجد تجريم لإتلاف المستند الإلكتروني على نحو اصيل، وإنما يمكن التوصل إلى حماية هذا المستند من الأفعال التي تعد إتلافا له بصورة غير مباشرة، وذلك من ناحيتين: الأولى أن تنصب أفعال الإتلاف على نظام التشغيل الذي يحتوي المستند الإلكتروني فيؤدي بالتبعية إلى إتلاف هذه المستند. والثانية أن ينصب الإتلاف على البيانات التي يحتويها المستند وفي هذه الحالة تكون الحماية مقررة للبيانات الإلكترونية بصفة عامة، غير انها تمتد بطريق التبعية إلى المستند الإلكتروني بمعناه الدقيق.

وتناولت الدراسة الأفعال الماسة بسرية المستند الإلكتروني والتي نصت عليها التشريعات المقارنة: وأظهرت خطة القانون المصري الذي يجرم افعال الإطلاع والحصول وإذاعة وإفشاء البيانات الخاصة بالأحوال المدنية أو اختراق سريتها، كما بينت خطة الشارع الفرنسي من تجريمه مجرد الدخول بطريق الخداع في كل أو جزء من نظام للمعلومات أو إبقاء الإتصال به على نحو غير مشروع ومن تجريمة أفعال جمع المعلومات وحفظها ونقلها وربطها بغيرها من معلومات أو الإطلاع عليها وجرم إفشاء الأسرار المودعة في بنوك المعلومات والمأخوذة بطريقة مشروعة ممن له حق الإطلاع عليها، كما عرضت لخطة الشارع الألماني التي تقترب من خطة الشارع الفرنسي في هذا التجريم.

وبينت الدراسة خطة الشارع الأمريكي بتجريم فعل الإتصال بأجهزة كمبيوتر بطريق الخداع، ومن تعدد صور هذا التجريم. وبينت الدراسة العناصر المشتركة في جرائم المساس بسرية المستند الإلكتروني، سواء بالنسبة للجاني أو فعل الدخول غير المشروع على البيانات وإستعمال طرق احتيالية في إرتكاب هذه الجريمة، وعرضت لبعض التطبيقات القضائية لهذه الجرائم.


• أهم نتائج الدراسة:

في تقديرنا أن التشريعات المقارنة التي عرضت لها الدراسة لم تنجح تماما في خطتها في كفالة حماية جنائية فعالة للمستند الإلكتروني، فمن ناحية فإنه على خلاف ما هو سائد بالنسبة لفكرة المحرر التقليدية فإن هذه التشريعات لم تقم بإرساء معالم واضحة للمستند الإلكتروني، فبعضها اقتصر على إصدار قانون للتوقيع الإلكتروني، والبعض الأخر أضاف له السجل الإلكتروني، وبعض هذه التشريعات وسعت في مدلول هذا السجل على نحو قد أخرج بعض صوره من مدلول المستند بمعناه الدقيق، وبعض التشريعات المقارنة قد خلطت بين فكرة المستند الإلكتروني وبين البيانات والمعلومات الإلكترونية، على الرغم من التفرقة المهمة بينهما، بل ولقد خلط بعض هذه التشريعات بين المستند وبين نظم معالجة البيانات وتشغيل الحاسبات.

وفي تقديرنا ان الحاجة تبدو ملحة إلى إصدار قانون يرسي فيه الشارع دعائم نظرية متكاملة للمستند الإلكتروني، يتناول فيه تكوين هذا المستند وأوضاعه وشروط صحته وقوته القانونية في الإثبات وأهم تطبيقاته ويضع الإطار العام للقواعد الفنية التي يلجأ إليها المتعاملون بالمستند الإلكتروني، وأن يراعى الشارع في هذا القانون المدلول التقليدي للمحرر وأثر الأخذ بفكرة المستند الإلكتروني على هذا المدلول في مختلف التشريعات النافذة، وأن ينص على صور المساس بهذا المستند، وذلك بتأصيلها على نحو ما انتهت إليه الدراسة، وفي تقديرنا أن تجريم أفعال المساس بالمستند الإلكتروني يجب ان يسبقه الأخذ بسياسة وقائية تحاول ان تضع الضوابط التي تقي من المساس به قبل وقوعه.

المراجع

أولا : مراجع باللغة العربية:

• الدكتور أسامة أبو الحسن:
خصوصية التعاقد عبر الإنترنت، دراسة مقدمة إلى المؤتمر الذي عقدته كلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات العربية المتحدة في موضوع "القانون والكمبيوتر والإنترنت"، وذلك بفندق هيلتون العين في الفترة من 1-3 مايو سنة 2000.

• الدكتور إسماعيل عبد النبي شاهين:
أمن المعلومات في الإنترنت بين الشريعة والقانون، دراسة مقدمة إلى المؤتمر الذي عقدته كلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات العربية المتحدة في موضوع "القانون والكمبيوتر والإنترنت" وذلك بفندق هيلتون العين في الفترة من 1-3 مايو سنة 2000.

• الدكتور أشرف توفيق شمس الدين:
الصحافة والحماية الجنائية للحق في الخصوصية، دراسة مقارنة مقدمة إلى المؤتمر العلمي الثاني الذي عقدته كلية الحقوق بجامعة حلوان في موضوع الإعلام والقانون، وذلك في الفترة من 14 إلى 15 مارس 1999، بقاعة المؤتمرات بالقاهرة.

• الدكتور الشحات إبراهيم محمد منصور:
الجرائم الإلكترونية في الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية بحث فقهي مقارن، دار النهضة العربية، 2002.

• الدكتور ثروت عبد الحميد:
التوقيع الإلكتروني: ماهيته – مخاطره، وكيفية مواجهتها، مدى حجيته في الإثبات، مكتبة الجلاء الجديدة بالمنصورة، 2001.

• الدكتور جعفر عبد السلام:
الإطار التشريعي للنشاط الإعلامي، دار المنار، 1993.

• الدكتور جميل عبد الباقي الصغير:
القانون الجنائي والتكنولوجيا الحديثة، الكتاب الأول الجرائم الناشئة عن إستخدام الحاسب الآلي، دار النهضة العربية، 1992. الإنترنت والقانون الجنائي، الأحكام الموضوعية للجرائم المتعلقة بالإنترنت، دار النهضة العربية 2001.

• الدكتور حسن عبد الباسط جميعي:
إثبات التصرفات القانونية التي يتم إبرامها عن طريق الإنترنت، دار النهضة العربية، 2000.

• الدكتور حسنين إبراهيم صالح عبيد:

فكرة المصلحة في قانون العقوبات، المجلة الجنائية القومية، المجلد 17ع يوليو 1974.

• الدكتور حسين شحادة الحسين:

التوثيق الإلكتروني في الإعتماد المستندي، دراسة قدمت إلى المؤتمر العلمي الثالث للقانونيين المصريين الذي عقدته الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع عن موضع الجوانب القانونية للعمليات المصرفية، القاهرة 19-20 ديسمبر 2002.

• الدكتور طارق سرور:

ذاتية جرائم الإعلان الإلكتروني، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى 2001.

• الدكتور محمد السعيد رشدي:

حجية وسائل الإتصال الحديثة في الإثبات، بدون تاريخ أو مكان للطبعة.

• الدكتور محمد السيد عرفة:

التجارة الإلكترونية عبر الإنترنت، مفهومها، القاعدة القانونية التي تحكمها ومدى حجية المخرجات في الإثبات، دراسة مقدمة إلى المؤتمر الذي عقدته كلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات العربية المتحدة في موضوع القانون والكمبيوتر والإنترنت في الفترة من 1-3 مايو سنة 2000.

• الدكتور علي عبد القادر القهوجي:
الحماية الجنائية للبيانات المعالجة إلكترونيا، دراسة مقدمة إلى المؤتمر الذي عقدته كلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات العربية المتحدة في موضوع "القانون والكمبيوتر والإنترنت"، وذلك بفندق هيلتون العين في الفترة من 1-3 مايو سنة 2000.

• الدكتور عمر الفاروق الحسيني:
المشكلات الهامة في الجرائم المتصلة بالحاسب الآلي وأبعدها الدولية، دراسة تحليلية نقدية لنصوص التشريع المصري مقارنا بالتشريع الفرنسي، الطبعة الثانية، 1995

• الدكتور غنام محمد غنام:

عدم ملاءمة القواعد التقليدية في قانون العقوبات لمكافحة جرائم الكمبيوتر، دراسة مقدمة إلى المؤتمر الذي عقدته كلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات العربية المتحدة في موضوع "القانون والكمبيوتر والإنترنت"، وذلك بفندق هيلتون العين في الفترة من 1-3 مايو سنة 2000.
• الدكتور فياض ملفي القضاه:

مسؤولية البنوك الناتجة عن إستخدام الكمبيوتر كوسيلة وفاء، دراسة مقدمة إلى المؤتمر الذي عقدته كلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات العربية المتحدة في موضوع القانون والكمبيوتر والإنترنت والذي عقد بفندق هيلتون العين في الفترة من 1-3 مايو سنة 2000.

• الدكتور محمد أمين البشرى:

التحقيق في جرائم الحاسب الآلي: دراسة مقدمة إلى المؤتمر الذي عقدته كلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات العربية المتحدة في موضوع "القانون والكمبيوتر والإنترنت"، وذلك بفندق هيلتون العين في الفترة من 1-3 مايو سنة 2000.

• الدكتور محمد السيد عرفة:

التجارة الدولية الإلكترونية عبر الإنترنت، دراسة مقدمة إلى المؤتمر الذي عقدته كلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات العربية المتحدة في موضوع "القانون والكمبيوتر والإنترنت" بمدينة العين في الفترة من 1-3 مايو سنة 2000.

• الدكتور محمد حسام الدين لطفي:

الإطار القانوني للمعاملات الإلكترونية، دراسة في قواعد الإثبات في المواد المدنية والتجارية مع إشارة خاصة لبعض قوانين البلدان العربية، القاهرة 2002. إستخدام وسائل الإتصال الحديثة في التفاوض على العقود وإبرامها، دراسة مقدمة إلى ندوة وسائل حسم المنازعات في العمليات المصرفية، مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، يونيه 1998.

• الدكتور محمد سامي الشوا:

ثورة المعلومات وانعكاساتها على قانون العقوبات، دار النهضة العربية، 1994.

• الأستاذ محمد عقاد:

جريمة التزوير في المحررات للحاسب الآلي، دراسة مقارنة، بحث قدم إلى المؤتمر السادس للجمعية المصرية للقانون الجنائي عن الجرائم الواقعة في مجال تكنولوجيا المعلومات في الفترة من 25 إلى 28 أكتوبر سنة 1993 بالقاهرة، أبحاث المؤتمر، دار النهضة العربية، 1993 ص 319 – 409.

• الدكتور مدحت عبد الحليم رمضان:
جرائم الإعتداء على الأشخاص والإنترنت، دار النهضة العربية، 2000.
الحماية الجنائية للتجارة الإلكترونية، دار النهضة العربية، 2001.

• الدكتور ممدوح عبد الحميد عبد المطلب:
جرائم استخدام شبكة المعلومات العالمية "الجريمة عبر الإنترنت" – من منظور أمني، دراسة مقدمة إلى المؤتمر الذي عقدته كلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات العربية المتحدة في موضوع "القانون والكمبيوتر والإنترنت"، وذلك بفندق هيلتون العين في الفترة من 1-3 مايو سنة 2000.

• الدكتور نائل عبد الرحمن صالح:

واقع جرائم الحاسوب في التشريع الأردني، دراسة مقدمة إلى المؤتمر الذي عقدته كلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات العربية المتحدة في موضوع "القانون والكمبيوتر والإنترنت"، وذلك بفندق هيلتون العين في الفترة من 1-3 مايو سنة 2000.

• الدكتورة هدى حامد قشقوش:

جرائم الحاسب الآلي في التشريع المقارن، دار النهضة العربية 1992. الإتلاف العمدي لبرامج وبيانات الحاسب الإلكتروني، دراسة مقدمة إلى المؤتمر الذي عقدته كلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات العربية المتحدة في موضوع "القانون والكمبيوتر والإنترنت"، وذلك بفندق هيلتون العين في الفترة من 1-3 مايو سنة 2000.

• الدكتور هشام محمد فريد رستم :

قانون العقوبات ومخاطر تقنية المعلومات مكتبة الآلات الحديثة، أسيوط.
الحماية الجنائية لسرية السوابق الإجرامية، مكتبة الآلات الحديثة، أسيوط، 1995.

ثانيا : مراجع بلغات أجنبية:

1. باللغة الإنجليزية:

 ABA Section Creates First Digital Signature Guidelines To Aid In Security of The Internet, 1996.
http:// www.abanet.org/media/home.html.

 AN ACT CONCERNING THE CONNECTICUT UNIFORM ELECTRONIC TRANSACTIONS ACT, Raised Bill No. 561, February Session, 2002.

 Are your financial institution's computer systems impenetrable? Cyber Security by Chubb sm for Financial Institutions, 2003 http://Businesses /industrygroups/index.html.

 BLOOMBECKER (Jay).
Spectacular computer crimes, National Center for computer Crime Data, Santa Cruz.
http:// www.com/index/compcri.htm.

 Citizens Internet Empowerment Coalition, March 25, 2003.
http://www.ciec.org/ciec.shtml.

 Cummings (Matthew)
E-Sign Act Raises the Speed Limit on the Information Superhighway.
http://www.findlaw.com/computerstech...aw_1_75_1.html

 Draft of a Law on the Framework Conditions for Electronic Signatures and to Amend Other Regulations. (In the Version decided by the Cabinet on 16 August 2000).

 Unofficial Translation Ministry of Economics and Technology, September 2000, Germany.

 Electronic Patient Management, About TERP 2003:
http:/www.medrecinst.com/index.about.shtml.

 E-Government Act of 2002.
http://frwebgate.access.g[p.gov/cgi-bin/getdoc.cgi?dbname=107_cong_public_laws&docid=fub1347.107.

 GIBBS (Jffrey N.) and MAZAN (kate Duffy)
Electronic signatures: Understanding FDA's Electronic Records and Signatures Regulation, Medical Device & Diagnostic Industry Magazine, may 1999.
http://www.devicelink.com/mddi/archive/99/05/009. Html.

 Glasgow City Council: e-Government Strategy creating a 21st Century City, Issue No1 March 2002.
www.glasgow.gov.uk.

 Guide to Electronic Commerce Regulation, 2002
http://www.diffuse.org/commerce.html

2. Guidance on Legal Considerations Related to the Government Paperwork Elimination Act, memorandum for the heads of departments and agencies, office of the attorney general, Washington, November 22, 2000.
www.cybercrime.gov/eprocmemo.htm

 Hacker Into United States Courts' Information System Pleads Guilty, 2002.
www.cybercrime.gov.

 Helbling (Christian James).

 Electronic Records and Signatures in Healthcare and the Interplay of E-Sign, HIPAA and UETA, 2001.
http://www.bipc.com/consumerlaw_1_392.html Holmqvist (Hans - Eric).

 E-Government in Sweden – visions and actions Speech by State Secretary at the conference Digital Government in Finland 4 October 2001.

 Kansas Statute No. 16-1602. 2001-2002.
http://www.kslegislatures.org/curren...ngs/index.html partron, Mivhigan Law Review, 1996, Vol. 94, p.2553.

 New Law Makes E-Signatures Valid, Contracts created online are now as legal as those on paper, 2002.
http://cobrands.consumer.findlaw. Com/internet/nolo/ency/023C847E-2EFC-4913-B6DDC5849ABE81F9.html

 Man Sentenced for Theft of Trade Secrets from Fabricated Metal Products Inc. 2002.
www.cybercirme.gov/daddonaSent.htm.

 National office for formation Economy: Preliminary Findings from E-government Benefits Study, 2002.
http:// www.Egov_benefits.pdf.

 NICHOLOSON (Cynthia K.)

 Computer viruses: Information age vulnerability and the technopath, Amercan criminal Law Review, Vol. 27, 1990, P.525.

 PASKIN (Xan) / SCHALDACH-PAVIA (Jeannie).

 Computer crimes, American Criminal Law Review, 1996, Vol. 33, P3 541ff.

 The Oregon Administrative Rules contain OARs filed through January 15, 2003, DEPARTMENT OF CONSUMER AND BUSINESS SERVICES, DIVISION OF FINANCE AND CORPORATE SECURITIES DIVISION 780, and ELECTRONIC SIGNATURES ACT.

 REID (THELEN) & LLP (Priest)
California Is First State In Nation To Adopt Electronic Contracting Law 2002.
http:// articles.corporate.findlaw.com/articles/file/00053/002195/title/Subject/topic/computers20%.
20%Technology%20Law_Digital %20 Signatures/filename/computerstechnologylaw_1_72.

 RENO (JANET).

 Speech before the high technology crime investigation association, 1999 international training conference town & country resort & convention center San Diego, California, Monday, September 20, 1999.
http://www.usdoj.gov/index.html.

 Report to the Governor and Legislature on New York State's Electronic Signatures and Records Act, Prepared By New York State Office for Technology November 1,2002.
http://www.oft.state.ny.us/esra/ESRA...t_sectoin4.htm.

 Saul, Ewing, Remick.

 Governor Ridgs Signs Pennsylvania Electronic Transctions Act http://corporate.findlaw.com/governm...3_8.html-smith (Emma)

 Are there legal uncertainties relating to e-commerce in Ireland? Why is it important to remove them?
Http://temes/global/legal.htm.

 Statutory Instrument 2002 No. 318, the Electronic Signatures Regulations 2002.
http://www.legislation.hmso.gov.uk/s...2/20020318.htm.

 UNITED STATES CODE ANNOTATED TITLE 18. CRIMES AND CRIMINAL PROCEDURE PARTI-CRIMES.
Chapter 119 wire and electronic communications interception and interception of oral communications. http://usdoj.gov/wiretap2510_2.htm.

2. مراجع باللغة الألمانية:

- DREHRR (Eduard) & TR? NDLE (Herbert).

- Strafgestzbuch und Nebengestze, Verlag G.H, Becck Munchen, 1980.

- Informations – und Kommunkationsdienste-Gesetz (IuKDG), 1997.
http://www.Gesetze.xxl.de/iukdg_k.html.

- L? HNIG (Martin).

- Verbotene Schriften im Internet, Juristische Rundschau, 1997, S. 496.

- RADBRUCH (GUSTAV).

- Gesetzliches Unrecht und ubergesetzliches Recht, in Recht und Moral, Texte zur Rechtphilosphie, herausgegeben von No- BERT HOERSTER, 1977. S. 42 ff.

- SCHOLZ (RUPERT) & KONRAD (karlheinz).

- Meinungsfreiheit und allgemeines Pers? Nlichkeitsrecht, Archiv des? Ffentlichen Rechts, Band 123 (1998).

- SCH? NKE (Adolf) & SCHR? DER (H? RST).

- Strafgesetzbuch, besonderer Teil, 2001
http://www.gesetze-xxl. De/gesetze/_stgb.htm.

- Verordnung zur digitalen Signatur (Sigbaturverordung – Sig V) 1997.

- WWSSELS (Johannes) / HETTINGER (Michael).

- Strafrecht, Besonderer Teil 1, 23. Neubearbeitete Auflage, C.F. Muller Verlag, Heidelberg 1999.

3. مراجع باللغة الفرنسية:
- ATIAS (Christian)

- La protection Penale de la vie privee. XIIemees Journees de I'Association francaise de droit penal en hommage au doyen Fernard BOULAN (Aix-en-Provence, 17-19 mars 1994), Presses universitaires d'Aix-marseille, 1994, p. 87-103.

- BECOURT (Daniel).

- La personne face aux medias, Gayette du palais, no.254, 6 sept. 1994.

- FOEX (Raymound A.)

- La loi federale sur la protection de la vie privee du 23 mars 1979 revue penale suisse, no. 1, 1982, p3 47-69.

- LECLERCQ (Jean).

- Preuve et signature electroniques de la loi du 13 mars 2000 au decret du 30 mars 2001.

- PELLETIER (Herve)

- Atteinte a la vie privee, Art. 226-1 a 226-3, Juris – Classeur Penal, 1994.

- MARCO (Estelle De)

Le Droit Penal Applicable sur Internet, Memoire de D.E.A. Informatique et Droit Sous La direction de Monisieur le professeur Michel Vivant, Universite de Montpellier 1 Institut de Recherches et d'Etudes pour le Traitement de l'Information juridique, 1998.
http://www.juriscom.net/universite/memoire6/penal/html.

- PIETTE-COUDOL (Thierry) / BERTRAND (Andre).
- Internet et la loi, Dalloz, 1997

الحماية الجنائية للآثار ـ دراسة مقارنة ((سودان))







الملخص :
إن بين الآثار والحضارة تزاوج واضح، فالآثار هي عنوان الحضارة سلباً أو إيجاباً، ويستمد منها الإنسان مقومات الحاضر والمستقبل، فالآثار في أي عصر من العصور تعكس مدى التقدم الحضاري بشقيه المادي والمعنوي.
ولقد اهتم الإسلام بالآثار، وأورد القرآن الكريم قصص من قبلنا من الأخيار والأشرار وآثارهم، حتى نعتبر بهم، كما أن فقهاء المسلمين اهتموا كثيراً بالآثار، واعتبروها كنوزاً(2).
ولذلك كان العرب المسلمين في طليعة الشعوب التي تهتم بالتراث الحضاري ، وتحافظ عليه ، وصولاً إلى خدمة قضايا الأمة الثقافية والقومية والاقتصادية ، ومن ذلك ما نظمه القاضي أبو يعلى المعري عن موقف الرأي العام في البلاد العربية الإسلامية من المخلفات الحضارية ، ومفهوم الحماية لها لدى الفئة الواعية(5). وبالرغم من الاتفاق بين فقهاء الشريعة والقانون الوضعي، فيما يعد كنزاً من معادن وخلافه، إلا أن الخلاف يثور بشأن التماثيل والمعبودات القديمة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حطم الأصنام حول الكعبة، كما فعل ذلك من قبل أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام،وهي مسألة تحتاج إلى بحث موضوعي، خاصة وأن علة التحطيم للأصنام قد زالت في عصرنا الحاضر.
إن تاريخ القانون الجنائي يمثل المرآة التي يعكس عليها التاريخ الحضارة عموماً، كما أن تطوره وتغيره يتأثر بذات الأسباب التي تتطور، وتغير حالة المجتمع، ليس فقط القانون الجنائي الداخلي بل أيضاً القانون الدولي الجنائي، وخير مثال على ذلك موضوع (حماية الآثار)، إذ يعكس مدى التغير والتطور الذي لحق المجتمع الدولي والمجتمع الداخلي في ميدان الاهتمام بالآثار.
فموضوع السياسة الجنائية هو تأمين تماسك وبقاء الكيان الاجتماعي بضمان تأمين حماية الأشخاص الطبيعية والمعنوية بهدف إيجاد حل للظاهرة الإجرامية والحد منها، وانطلاقاً من مفهوم السياسة التشريعية الجنائية التي ترتبط باحتياجات المجتمع كان من المنطقي أن تتجه السياسة التشريعية في معظم دول العالم إلى حماية الآثار عن طريق تحريم الاعتداء عليها أو تشويهها.
وتنطلق فلسفة التجريم والعقاب في الفكر الجنائي المعاصر، لتشمل حماية القيم المادية والأدبية، والحفاظ على مقومات تطوره وموروثه الحضاري، وممتلكاته الثقافية، فأصبح القانون الجنائي يعني بالكثير من الأحكام المتعلقة بالآثار، وهو ما كان صدى واستجابة لتطور علم الآثار.
وبالرغم أن الدراسات والأبحاث التي عنيت بموضوع الآثار كثيرة ومتشعبة في جوانبها العلمية والفنية، إلا أن الجانب القانوني لهذا الموضوع لم يلق اهتماماً كافياً، واتسم بالسطحية وعدم الوضوح.
وقد وضع المشرع الجنائي قوانين تعني بحماية الآثار، وأنشأ هيئة أو مصلحة لها شخصية اعتبارية تختص بتنفيذ قوانين حماية الآثار، تعني بالبحث والتنقيب عنها، وإصدار التراخيص بذلك، وتحديد المواقع الأثرية وتطويرها(1) .. الخ.
وقد جاء قانون حماية الآثار السوداني الجديد(2) متوسعاً في تعريف الآثار، وسار على نهجه قانون حماية الآثار اليمني الجديد(3)، ليتناسب مع مشروع قانون الآثار العربي الموحد ، وتنص قوانين الآثار عموماً على أيلولة ملكية كل الآثار المكتشفة للدولة ، وأفردت عقوبات رادعة للمعتدين على الآثار بالسرقة أو بالتشويه أو ... الخ.
ولم يقتصر الاهتمام بحماية الآثار على القوانين الداخلية ، فبرزت اهتمامات دولية انبثقت عنها اتفاقيات دولية، منها على سبيل المثال الاتفاقية الدولية التي أجيزت من اليونسكو ، والمتعلقة بحماية الممتلكات الثقافية في العالم والتراث الطبيعي، وعقد مؤتمر لاهاي للدول الأعضاء في منظمة اليونسكو للثقافة والعلوم، كما أن القانون الجزائي الدولي في روما عام 1998م قد نص على جرائم البيئة الثقافية (الآثار والمتاحف والأوراق الثقافية).
وعندما تأسست المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، كان تأسيسها دعماً للعمل الثقافي على الصعيد القومي ، وبلورة لمنطلقاته ، ووسائله وغاياته ، وكانت مؤتمرات الآثار نفساً من الأنفاس الكريمة لهذه المؤسسة القومية، تلقتها بأمانة من الإدارة الثقافية للجامعة العربية، ورعتها بوفاء وإغناء. من هذه المؤتمرات: المؤتمر الثامن للآثار، المنعقد في مراكش بالمغرب ، سنة 1977م، والمؤتمر التاسع للآثار المنعقد في صنعاء في اليمن ، سنة 1980م ، والمؤتمر الحادي عشر في تونس، سنة 1988م.. حتى كان آخرها المؤتمر السادس عشر للآثار في دولة الكويت سنة 2002م
موضوع الدراسة وأهميتها :-
تمثل الآثار الرصيد الدائم من التجارب والخبرات والمواقف التي تعطي الإنسان القدرة على أن يواجه الحاضر، ويتصور المستقبل باعتبارها من أهم مكونات الذاكرة البشرية الممتد إلى أعمق جذور مكوناتها.
ولذلك فإن تهريب أو سرقة الآثار وسقوطها أو تدميرها يعني انقطاع جزء من تاريخنا،ومحو شيء من ذاكرتنا لن نعوضه أبداً.. فقيمة الآثار لا تقف عند متعة مشاهدة المكان فحسب ، ولكنها تعني استعادة تاريخ، فإذا سقط المكان أو توارى سقطت معه رموز التاريخ ، وضاعت ذاكرة الأمة ، ومن ثم تكمن أهمية موضوع حماية الآثار، ومن هذا المعنى تبرز أهمية دراسة هذا الموضوع من الأوجه التالية:
1- أن موضوع هذه الدراسة بغية تحديد معالم الحماية الجنائية للآثار ، سواء على مستوى القانون الداخلي أو على مستوى القانون الدولي ، له أهمية نظرية وعملية.
فمن الناحية النظرية تتركز هذه الأهمية في الآتي:
أ- بيان بعض مظاهر الصلة بين القانون الجنائي الدولي، والقانون الجنائي الداخلي، لا سيما وأن موضوع الآثار يمثل قطاعاً مشتركاً بين القانونين.
ب- الوقوف على مدى وجود اتحاد أو توافق في رد الفعل بين المشرعين الدولي والداخلي، عندما يكون الدافع أو المؤثر واحداً ، أو متشابهاً.
أما من الناحية العملية فإن أهمية هذا البحث تجمل في الآتي:
أ- إن الوقوف على مفهوم الآثار وحقيقة قدر انعكاس الاعتداء عليها يساعد في الوصول للتفسير الأقرب للصحة للنصوص التي وضعت لحمايتها، مما يساعد على تطبيق هذه النصوص على وجهها الصحيح.
ب- بيان مدى كفاية أو قصور الحماية الجنائية للآثار، فإن كانت كافية فبها ونعمت، وإن كانت الأخرى فإن هذه الدراسة تجتهد في كشف أوجه هذا القصور وفي تحديد كيفية معالجته.
2- تعالج هذه الدراسة موضوعاً لا يزال بكراً ، لم يشبعه الباحثون بعد دراسةً وتمحيصاً، ومن ثم فإن جوانب كثيرة منه لا زالت غامضة ومجهولة، تحتاج إلى من يسبر أغوارها، ويرتاد مجاهلها، حيث لوحظ ندرة الدراسات والبحوث في هذا الموضوع ، ليس على الصعيد السوداني واليمني فحسب ، وإنما على صعيد الوطن العربي والإسلامي ، إن لم نقل والعالمي ككل. وقد يكون لحداثة قوانين حماية الآثار سبب لذلك.
آملين أن تكون هذه الدراسة مساهمة في فتح الباب، وإنارة الطريق أمام دراسات قادمة، ومساهمة في تجميع النصوص الجزائية المتعلقة بحماية الآثار ، سواء على المستوى الوطني أم الدولي ، مما يجعلها مساهمة علمية لكل باحث ومهتم وكل من تربطه صلة بموضوع حماية الآثار ، في متناول يده هذه النصوص مع الشرح والتحليل.
فضلاً عن أ ن ميلاد هذه الدراسة في مرحلة تعرضت فيها الآثار العربية –عموماً- للاستنزاف والتغريب، ناهيك عما تتعرض له الآثار الفلسطينية –خصوصاً- من تهويد وطمس وتدمير.. الخ، مما يعني تزايد أهمية موضوع هذه الدراسة.
أهداف الدراسة:
1- تهدف هذه الدراسة للسبق إلى موضوع جديد لم يسبق أن تناوله شراح القانون الجنائي ، بغية التوصل إلى إيجاد نظرية عامة لجرائم الآثار، ليكون أول إسهام متواضع في هذا المجال ،يفسح الطريق للباحثين أن ييمموا وجههم شطره، ويسبروا أغواره لسد ما نقص.
2- كما أن معرفة طبيعة الآثار والأحكام العامة للحماية الجنائية للآثار والخاصة بكل جريمة على حدة لمعرفة الاستثناءات التي أفردها المشرع لإضفاء المزيد من الحماية الجنائية للآثار، خروجاً عن القواعد العامة المعمول بها في القانون العام وغير ذلك من الأحكام التي ستتناولها هذه الدراسة لما من شأنه التنبيه إلى مخاطر الاعتداء على الآثار ، والحث على أهمية صيانتها والحفاظ عليها.
3- زيادة الوعي والإدراك لمفهوم هذه الجرائم التي لا زالت غريبة، وغير مفهومة لدى الكثير من عامة الناس ، فالجانب الجنائي في مجال دراسات الآثار هو الجانب المفقود، مما أدى إلى وجود طلاق بين قانون حماية الآثار والمواطنين، فالمواطن العربي يعيش مع الآثار بعيداً عن التجريم، فيقوم بالنبش غير المشروع، ويتصرف فيها بيعاً وشراءاً وحيازة و.. الخ، كما لو كانت ملكاً خاصاً بهم ينبشون عنا كيفما يشاؤن ، وما يتلو هذا النبش من جرائم أخرى.
منهج الدراسة وتقنية جمع البيانات:
1- منهج الدراسة:-
استُخدمت في هذه الدراسة عدد من مناهج البحث العلمي الوصفي، والاستقرائي، والمقارن، والمسح الاجتماعي.. وأدوات البحث المساعدة من ملاحظة، ومقابلة وأسئلة.
فالمنهج الوصفي وهو منهج يعتني كثيراً في إعطاء وصف للمشكلة موضوع الدراسة، خصوصاً وأن جمع المادة العلمية تطلبت عند الاقتضاء أسلوب المقابلة والرجوع إلى القوانين والسوابق القضائية.
كما أن استخدام طريقة المقارنة في إيراد المعلومات، وبصفة خاصة أن القانون السوداني يحسب ضمن المجموعة الإنجلوسكسونية، في حين أن القانون اليمني يحسب ضمن القواعد اللاتينية(1).
وإن تعددت أدوات البحث المساعدة في هذه الدراسة فهي مقتصرة على استخدام ما يتلاءم ويخدم موضوع الدراسة .
2- تقنية جميع البيانات : ـ
أ- الدراسة المكتبية : وتمثلت بالاستعانة بمشاهدة بعض المراجع العلمية من بحوث ومقالات ودراسات ورسائل سابقة تحتوي على بيانات ثانوية ، متعلقة بموضوع الدراسة معتمداً في هذه الدراسة على المنهج الوصفي في عرض وجهات النظر المختلفة ، ثم مقارناً بينها ومرجحاً بحسب ما تيسر .
ب- المقابلات.
ج- السوابق القضائية.
د- الرقعة الجغرافية:
شملت قوانين السودان واليمن ودولاً أخرى ، مقارناً بالفقه الإسلامي متى كان ذلك متسقاً ويخدم الفكرة .
(2) الكنز: هو ما دفنه الناس وأودعوه في باطن الأرض –الأموال- سواء في الجاهلية أم في الإسلام . ويسمى الركاز عند الحنفية ، أما الشافعية والمالكية فالركاز عندهم دفين الجاهلية، أما دفين الإسلام فاعتبر لقطة. (يراجع في ذلك: "ملاحظات حول مشروع قانون الآثار السوداني لسنة 1998م" صادر عن معهد التدريب والإصلاح القانوني ، جمهورية السودان، رئاسة الجمهورية، النمرة: م ت إ ق / م. ت / 1-98، التاريخ :14/7/1998م.

(5) يراجع ص 2 من هذه الدراسة .

(1) حيث صدر قانون إنشاء الهيئة القومية للآثار والمتاحف السودانية سنة 1991م ، بدلاً عن مصلحة الآثار والمتاحف القومية السابقة، كما صدر قرار مجلس القيادة (في اليمن الشمالي سابقاً) بالقانون رقم (51) سنة 1977م بشأن تنظيم الهيئة العامة للآثار ودور الكتب ، يقابله القانون رقم (7) لسنة 1986م بشأن الآثار والمتاحف (في الجنوب سابقاً).

(2) قانون حماية الآثار السوداني لسنة 1999م الذي ألغى قانون الآثار لسنة 1952م.

(3) وهو القانون رقم (21) لسنة 1994م بشأن حماية الآثار اليمنية الذي ألغي بمقتضاه القانون رقم (12) لسنة 1972م بشأن حماية الآثار.

(1) في النظام اللاتيني النص الجديد يلغي النص القديم ، بينما في النظام الإنجلوسكسوني يعتبر النص القديم (الإنجليزي) هو الأصل-بمعنى المصدر المباشر لما بعده- فالنص الإنجليزي هو الأصل بالنسبة إلى القوانين السودانية السابق صدورها قبل اليوم الأول من يناير 1956م (تاريخ إعلان استقلال السودان). حيث صدر بعد ذلك القانون رقم (28) لسنة 1967م، المعدل لقانون تفسير القوانين والنصوص العامة، الذي تنص الفقرة الأولى من المادة (15) منه على أنه إذا تعارض نص عربي مع نص إنجليزي يسود العربي باعتباره الأصل. (أمين أحمد الحذيفي ، "أحكام جريمة الرشوة وبيان أسبابها ووسائل مكافحتها" ، رسالة ماجستير ، جامعة النيلين، كلية القانون ، الخرطوم ،2002م ، ص 10.) .

عذر الاستفزاز و أثره على العقوبـة - دراسة مقارنة -














ملخص

إن الأسرة تبنى في جوهرها على الثقة المتبادلة بين الزوجين، و لهذا كان من اللازم أن يحافظ كل طرف على هذه الثقة عن طريق اتقاء كل شبهة من شأنها إفساد هذه القيمة الأساسية في حياة الأسرة. و لما كانت الخيانة الزوجية تشكل أعلى مراتب إهدار هذه الثقة وجدنا معظم التشريعات العقابية، كالتشريع الجزائري، يجعل منها عذرا كافيا لتخفيف العقوبة على أحد الزوجين الذي يفاجئ شريكه في حالة تلبس بالزنا.



Résumé

La famille se **** essentiellement sur la confiance mutuelle entre les époux, et pour cela il est nécessaire pour chaque partie de garder cette confiance en empêchant tout soupçon qui porterait atteinte à cette valeur fondamentale dans la vie familial. Considérant que l'adultère est le top de la trahison de cette confiance conjugale on trouve la plupart des lois pénales, telle que la législation algérienne, en fait une excuse suffisante pour réduire la peine à l'un des conjoints qui surprend son partenaire dans l'acte d'adultère.


مقدمـة:
تنص المادة 279 من قانون العقوبات الجزائري على: " يستفيد مرتكب القتل و الجرح و الضرب من الأعذار إذا ارتكبها أحد الزوجين على الزوج الآخر أو على شريكه في اللحظة التي يفاجئه فيها في حالة تلبس بالزنا ".
من هذا النصّ يتّضح أنّ القانون الجزائري قد اتّجه إلى اعتبار التلبس بارتكاب جريمة الزنا من قبيل الأعذار المخفّفة للعقوبة لكلتا الزوجين، و هو ما يعبّر عنه عادةً بعذر الاستفزاز، نظراً لما يولّده من انجراح شعور الزوج من خيانة الزوجة له أو العكس، فعندئذٍ تكون نفس المتضرّر جياشة بالانفعال متأثرةً بعمق الإهانة و الخيانة و ما ينتابها أيضاً من ثورةٍ نفسيّة لا يقدر معها على ضبط نفسه فيفقد السيطرة على أعصابه و يقدم على فعله و هو واقع تحت تأثير هذا المشهد المؤلم ليثأر غير مقدّر مخاطره على النحو الذي كان يقدرها به لو كان في حالته العادية.
فتخفيف العقوبة على أحد الزوجين يكون وجوبياً عند قيام العذر، فتخفض العقوبة من سنة إلى خمس سنوات إذا تعلّق الأمر بجناية عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبّد، و الحبس من ستّة أشهر إلى سنتين إذا تعلّق الأمر بأيّة جناية أخرى أو الحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر إذا تعلّق الأمر بجنحة، و هذا كلّه وفق المادة 283 من قانون العقوبات الجزائري(1).
شروط قيام عذر الاستفزاز:
لقد أوجب الفقه الجنائي شروطاً ثلاثة يجب أن تتوافر لقيام عذر الاستفزاز يمكن رصدها فيما يلي:
الشرط الأوّل: صفة الزوجية في الجاني
اشترط المشرّع الجزائري في نصّ المادة 279 من قانون العقوبات أن تتوافر في الجاني صفة خاصّة حتى يمكنه أن يستفيد من هذا العذر المخفّف للعقوبة، و هذه الصفة تتمثّل في أن يكون زوجاً للمرأة الزانية أو تكون زوجةً للرجل الزاني وقت ارتكاب الجريمة، و هذا واضح من قوله: " أحد الزوجين على الزوج الآخر أو على شريكه في اللحظة التي يفاجئه فيها ". و عليه فالعذر هنا قاصر على أحد الزوجين وحده دون غيره، و على ذلك لا يستفيد من هذا العذر أيّ شخصٍ آخر مهما كانت درجة قرابته من المرأة الزانية كالأب و الأخ و الابن و مهما كانت درجة ألمه و وجيعته من الخيانة كأقارب الزوج و أصدقائه. و هنا نشير إلى أنّه كان حريّاً بالمشرّع أن يمدّ هذا العذر ليشمل الأب و الابن و الأخ كما فعل المشرع الليبي في نص المادة 375 من قانون العقوبات الليبي الذي وسّع من نطاق هذا العذر حيث مدّه إلى المحارم(2).و أعتقد أنّ المشرّع الليبي قد أحسن صنعاً لأنّ الأب و الأخ و الابن هم الأجدر بهذا التخفيف، فهم الأولى بهذا العذر من الزوج الذي تلوّث شرفه، لأنّ الزوج بإمكانه أن ينهي رابطة الزوجية بطلاق زوجته، أمّا هؤلاء فلا يملكون مثل هذا فالعار لاحق بهم لا محالة أبداً.
و هنا نشير إلى أنّ صفة الزوجيّة يجب أن تكون ثابتةَ وقت ارتكاب الجريمة، بمعنى يجب أن تكون هناك علاقة زوجيّة قائمة بين الجاني و المجني عليه بموجب عقد زواج صحيح قانوناً. و لا يهم إذا كان هذا العقد موثّقاً بورقةٍ رسميّة عن طريق موظف عام أو بورقةٍ عرفيّة، لأنّ التوثيق ليس شرط صحّة يترتّب على تخلّفه بطلان عقد الزواج، فكلّ ما للتوثيق من أثر ينحصر في دائرة الإثبات فحسب.
و عليه فإنّ عقد الزواج العرفي يعتبر عقداً صحيحاً منتجاً لجميع آثاره بين الزوجين، و لا يؤثّر فيه سماع دعوى الزّوجيّة عند الإنكار لعدم توثيقه لدى موظف عام(3). فالمهمّ إذن أن يكون هناك عقد زواج صحيح بين الزوجين، و المرجع في تحديد شروط صحّة عقد الزواج هو قوانين الأحوال الشخصيّة.
و بناءً على ما تقدّم، فإنّه إذا لم يكن هناك عقد زواج أصلاً بين الجاني و المجني عليه فإنّ حكم المادة 279 لا ينطبق، و عليه لا يستفيد من ذلك العذر الخطيب الذي يقتل خطيبته و شريكها أو أحدهما إذا فوجئ بخطيبته متلبسةً بالزنى و العكس صحيح كذلك. كما أنّه لا يستفيد من هذا العذر من كان عقده باطلاً أو من انقضت علاقة الزوجيّة قبل ارتكاب فعل القتل أو الجرح أو الضرب المترتّب عن المفاجأة بالزنا.
و من المعلوم أنّ انقضاء العلاقة الزوجيّة تكون إمّا بالطلاق البائن أو بالتطليق بحكم القاضي، لأنّ الطلاق البائن سواء كانت البينونة كبرى أو صغرى و التطليق بحكم القاضي ينهيان عقد الزواج، و بالتالي تنتهي صفة الزوج الموجبة للاستفادة من العذر قبل ارتكاب الجريمة، و يكون بذلك شخصاً أجنبياً بالنسبة للمرأة المتلبسّة بالزنى فإن قتلها عوقب وفقاً لما تقضي به القواعد العامّة(4). أمّا الطلاق الرجعي فلا ينهي عقد الزواج و لا يفصم عراه بل إنّ الزوجية تظل قائمة بين الطرفين ما دامت العدّة باقية لم تنته بعد، و بالتالي إذا فاجأ أحد الزوجين الآخر و هو متلبّس بالزنى قبل أن يبين منه فقتله وجب اعتباره معذوراً(5).
· الشرط الثاني: مفاجأة أحد الزوجين للآخر متلبساً بالزنا
تكمن علّة التخفيف عن أحد الزوجين في هذا الشرطلحالة الهياج النفسي الذي قد ينجم عن السلوك الخاطئ للمجني علية، فالمفاجأة تذهل المتضرّر و تفقده السيطرة على أعصابه فيصبح معذوراً إذا اندفع إلى ارتكاب الجريمة. و يتضمّن هذا الشرط عنصرين، الأول عنصر المفاجأة، و الثاني التلبس بالزنى.
فقد عبّر المشرّع في التشريع الجزائري بقوله: " ... في اللحظة التي يفاجئه ... "، و هنا تتحقّق هذه المفاجأة إذا كان أحد الزوجين يثق في الآخر ثقةً كاملةً لدرجة أنّه لا يساوره أدنى شك في وفائه و إخلاصه و نقائه و عفّته و طهارته، فإذا به يستبيح لنفسه معاشرة غيره فيضبطه متلبّساً بجريمة الزنى. كما أنّ المفاجأة تتحقّق أيضاً إذا كان يساور أحد الزوجين شك في سلوك الآخر، و لكنّه لم يكن واثقاً من صحّة هذا الشك فيحتال ليقطع الشك باليقين، فيراقبه عن قرب و يهبط عليه على حين غفلة فيراه غارقاً في الإثم و الرذيلة فيصح شكّه و يتيقن من خيانته(6).
فيتضح من هذا أنّ سبق الإصرار و الترصّد لا يحول في بعض الحالات دون استفادة الجاني من العذر المخفّف، فأحد الزوجين الذي يرتاب في سلوك زوجه و يقرّر قتله إذا ما تحققت له خيانته ثمّ يفاجئه بمشاهدته في حالة تلبّس بالزنى فيقتله يتحقّق له عنصر المفاجأة فيستفيد من العذر المخفّف و ذلك رغم توافر سبق الإصرار لديه، و ما يقال عن سبق الإصرار يمكن أن يقال أيضاً عن الترصّد(7).
و لكن المفاجأة تنتفي إذا كان الزوج على علم و على يقين من خيانة زوجته له و لكنّه أراد أن يضبطها متلبسّة بالزنى فترصّد لها و عقد عزمه على قتلها أو جرحها أو ضربها هي و خليلها، فإنّه لا يستفيد من العذر المخفّف الذي قررته المادة 279 لأنّه لم يفاجأ بالزنى، كلّ ما هنالك أنّ ما كان يعتقده هو الذي تحقّق، و على ذلك فإنّ دافعه إلى القتل لم يكن نتيجة الغضب أو الانفعال الطارئ و إنّما التشفي و الانتقام من الزوجة الخائنة (8).
و يجب لأجل قيام العذر و استفادة الزوج من التخفيف أنتقع المفاجأة حال تلبّس أحد الزوجين بالزنى، أي يجب أن يكون هناك تعاصر بين العنصرين، المفاجأة و التلبّس بالزنى، فإن لم يوجد هذا التعاصر بينهما فلا يستفيد الجاني من العذر إن قتل أو جرح أو ضرب الطرف الزاني و لو كان على ثقةٍ من سبق زناهما (9). و لا نعلم إن كان المشرّع الجزائري يشترط لاستفادة أحد الزوجين من العذر المخفّف أن يكون تلبس الزنى حاصل في بيت منزل الزوجيّة، عكس بعض التشريعات التي بيّنت ذلك صراحةً كالتشريع المصري، إذ أنّ الزوج يستفيد من هذا العذر المخفّف حتّى و لو ضبط فاعل الزنى متلبّساً بارتكاب جريمة الزنى خارج بيتهما، كما لو ضبط الفاعل في بيت الشريك أو في أحد الفنادق حيث استأجر هذا الشريك غرفةً في الفندق لارتكاب هذا الجرم، أو في أيّ مكان، فمتى قامت حالة التلبّس فلا عبرة بعد ذلك لمكان التلبّس (10)، أمّا المشرّع الفرنسي فقد استلزم هذا الشرط و من ثمّ فلا يتوافر العذر المخفّف إلاّ إذا ضبط الزوج زوجته حال تلبّسها بالزنا في منزل الزوجيّة (11). و إنّي أرى أنّ المشرّع المصري قد أحسن صنعاً في عدم اشتراطه هذا الشرط.
أمّا فيما يخصّ عنصر التلبّس الذي يعتبر ثاني عنصري المفاجأة لقيام عذر الاستفزاز، فمن الضروري أن نشير بأنّ الزنى لا يقع إلاّ بحصول فعل الوطء الطبيعي غير المشروع و الذي يتحقّق بالاتصال ****** الكامل. و يعتبر الفعل زنى، يقوم به العذر، و لو كان شريك الزوجة شيخاً طاعناً في السنّ أو رجلاً ليست لديه قوّة التناسل أو كانت الزوجة في سنّ لا يسمح لها بالحمل، فالجريمة تتحقّق و لو كانت الزوجة قد بلغت سنّ اليأس أو كان الزوج طاعناً في السنّ، لأنّ الغرض من التجريم ليس منع اختلاط الأنساب و إنّما صيانة حرمة الزواج و ما ينشأ عنه من حقوق أحد الزوجين تجاه الآخر(12).
فالاتصال ****** التام غير المشروع هو جوهر هذه الجريمة و به تتحقّق، بمعنى أنّ كافّة الصلات الجنسيّة الأخرى غير المشروعة و التي تصل إلى درجة هذا الاتصال تخرج عن نطاق هذه الجريمة، أي لا تعدّ زنى، مهما كانت طبيعتها و مهما بلغت درجة القبح أو الفحش الذي تنطوي عليه كالتقبيل و العناق و المضاجعة(13)، و عليه فإنّ التلبّس بهذه الأفعال لا يكفي لانطباق حكم العذر المخفّف الوارد في المادة 279 من قانون العقوبات الجزائري، و بالتالي لا يعذر أحد الزوجين إذا ثار ثائره بعد مشاهدته لهذه الأفعال على أنّ ذلك لا يمنع بطبيعة الحال من تطبيق نصّ المادة 283 من قانون العقوبات الجزائري إذا اقتنع القاضي بدواعي تطبيقها، مع الإشارة إلى أنّ محكمة النقض المصرية قضت بأنّ الزوج يستفيد من العذر – علاوةً على مشاهدة الزوج زوجته أثناء اتصالها ****** بشريكها – إذا وجد زوجته و شريكها في ظروفٍ لا تدع مجالاً للشكّ عقلاً في أنّ الجريمة قد ارتكبت فعلاً أو على وشكِ الوقوع، و تطبيقاً لذلك قضت باعتبار الزوجة متلبّسةً بالزنى: ( متى حضر الزوج لمنزله في منتصف العاشرة ليلاً، و لمّا قرع الباب فتحته زوجته و هيّ مضطربة مرتبكة، و قبل أن يدخل طلبت منه العودة إلى السوق يستحضر لها الحلوى، فاستمهلها قليلاً، فألحت عليه فاعتذر، فعادت و طلبت منه أن يستحضر لها حاجات أخرى، فارتاب في أمرها، و اقتحم غرفةً النوم فوجد رجلاً مختفياً تحت السرير و كان خالعاً حذاءه، و كانت الزوجة عند قدومه لا شيء يسترها غير جلابية النوم) (14). و يجب أن يرى الزوج حالة التلبّس بنفسه، فلا يكفي أن يبلغه الغير بأنّه شاهد زوجته في هذا الوضع المشين، ذلك أنّ الاستفزاز الذي يبرّر قيام العذر لا يتوافر إلاّ بهذا الشرط. و غني عن البيان أنّ قاضي الموضوع يتمتّع بسلطةٍ واسعةٍ في تكييف الوضع الذي فوجئت فيه الزوجة و القول بما إذا كان يعتبر تلبّساً من عدمه(15).
كما أنّه لا يكفي أيضاً لانطباق حكم الغدر السابق كون المرأة مكرهة على الفعل، لأنّ الفعل هنا يعدّ ارتكاباً لجريمة اغتصاب و هناك فرق بين كلّ جريمة الاغتصاب و جريمة الزنى، فجريمة الزنى، كما سبق القول، يتم فيها الاتصال ****** بين الزوجة و غير زوجها بكامل إرادتها و رضائها، أمّا جريمة الاغتصاب فيتمّ فيها الاتصال ****** و لكن بدون إرادتها و رضاها، و عليه فلا يعذر الزوج الذي يفاجأ بزوجته و هي ضحية اغتصاب من جانب الغير فيقتلها و هو يعلم يقيناً أنّها مغلوبة على أمرها، و لا يشفع له إشفاقه من العار و نفوره من معاشرتها بعدما كان من اغتصابها، فإن قتلها فإنّه يعاقب وفقاً لما تقتضي به القواعد العامّة(16).
· الشرط الثالث: قتل أحد الزوجين للآخر مع الشريك أو أحدهما فقط إذا ارتكب المتضرّر فعل القتل:
قد تؤدي حالة الذهول التي قد يصب بها أحد الزوجين و هو يفاجئ شريك حياته و هو متلبس بالزنى إلى ارتكاب القتل، و هنا اشترط الفقه ضرورة أن يكون القتل في الحال، أي عند حدوث المفاجأة بحالة التلبّس، و يعني ذلك أن يكون هناك تعاصر بين حدوث المفاجأة بالزنى و ما ينبعث عنها من استفزاز و بين ارتكاب القتل. و هذا الشرط منطقي و يتماشى مع الحكمة من تقريره، فالزوج يعذر حين يرتكب القتل في ثورةِ الغضب و الانفعال التي تخرجه عن وعيه و تفقده السيطرة على أعصابه، فيفلت من بين يديه زمام نفسه فيقدم على ارتكاب جريمة القتل بدون تبصر و بلا روية، مع الإشارة إلى أنّ شرط الحال لا يعني الفورية الزمنية المجرة، بمعنى أنّه لا يشترط أن يرتكب أحد الزوجين القتل في ذات لحظة مشاهدة المجني عليه متلبّساً بالزنى، فالشرط يظل متوافراً و لو مضى بين حدوث المفاجأة بالزنى و ارتكاب القتل بعض الوقت طالما أنّ نفس المتّهم ظلّت ثائرة و لم تكن قد هدأت بعد، كما لو قتل الجاني المجني عليه بعد وقتٍ استغرقه في البحث عن السلاح أو أيّ أداةٍ ينفّذ بها فعله في غرفةٍ مجاورة أو أيّ مكانٍ قريب. أمّا إذا مضى بين حدوث المفاجأة و ارتكاب القتل وقت طويل نسبياً هدأت فيه نفس الجاني و خرج عن حالة الغضب و الانفعال، أي فترة زمنيّة استردّ فيها اتّزانه و قلب فيها الأمور على وجودها أو عدل عن القتل ثمّ صمّم عليه فإنّه لا يستفيد من هذا العذر المخفّف لأنّ القتل هنا يكون بدافع الانتقام و التشفّي لا بعامل المفاجأة الذي انبعث عنه الاستفزاز(17).
و على ذلك فإنّ المناط في قيام العذر هو أن يكشف الزوج الخيانة و يرتكب القتل في جوٍّ نفسيٍ واحدٍ هو جو الصدمة المباغتة و الإحساس بالمهانة و الرغبة العارمة في إراقة الدم لغسل العار. و تقدير ما إذا كان القتل قد حصل في الحال أم لا مسألة موضوعيّة يترك أمر تقديرها لقاضي الموضوع، فهو الذي يقدّر ما إذا كلن الزوج في حالة غضب و ثورةٍ نفسيّ فيطبّق عليه العذر أم لم يكن كذلك فلا يطبّق عليه العقاب المخفّف(18).
و هناك مسألة في هذا الصدد أثارت خلافاً بين فقهاء القانون و شراحه مفادها ما هو حكم من ساهم مع أحد الزوجين في قتل شريك حياته و قد وجده متلبّساً بالزنى؟، هل يستفيد من تخفيف العقوبة بمقتضى المادة 283 قانون العقوبات الجزائري أم لا ؟.
للإجابة على هذا التساؤل ينبغي علينا أن نقوم بالتفرقة بين حالتين: أولهما، حالة ما إذا كان أحد الزوجين هو فاعل القتل، و ثانيهما، حالة ما إذا كان أحد الزوجين مجرّد شريك في القتل لفاعل آخر هو الذي قام بتنفيذ القتل.
و نتكلّم عن حكم كلِّ حالة من هاتين الحالتين على حدة:
1. إذا كان أحد الزوجين هو فاعل القتل: أجمع فقهاء القانون و شراحه على أنّه إذا كان أحد الزوجين هو الفاعل الأصلي لجريمة القتل بأن قام هو بارتكاب فعل القتل بنفسه، فإنّ العذر ينطبق عليه فيستفيد بذلك من التخفيف، و لا يستفيد بهذا العذر أيّ شخصٍ آخر من المساهمين معه.
2. إذا كان الزوج شريكاً في القتل: اختلف فقهاء القانون و شراحه في حكم أحد الزوجين إذا كان قد قام في ارتكاب جريمة القتل بعملٍ من أعمال الاشتراك كالتحريض أو الاتفاق أو المساعدة، و ذهبوا في ذلك إلى رأيين: فذهب فريق من الفقهاء إلى أنّ هذا الجاني يستفيد من العذر، و استندوا في ذلك إلى أنّ العذر سبب شخصي بحت يغير من وصف الجريمة، و عليه فإذ هذا الجاني يستفيد منه على وجه الإطلاق سواء أكان فاعلاً لجريمة القتل أم شريكاً فيها.في حين ذهب أغلب فقهاء القانون و شراحه إلى أنّ هذا الجاني لا يستفيد من هذا العذر إذا كان شريكاً لفاعلٍ قام بتنفيذ القتل، و استندوا في ذلك إلى أنّ الشريك، طبقاً لقواعد المساهمة الجنائيّة، يستمدّ إجرامه من إجرام الفاعل الأصلي و جريمة الفاعل الأصلي الذي نفذ القتل تعتبر جناية قتل عادية فيكون الزوج شريكاً في هذه الجناية و تتحدّد مسؤوليته وفقاً لذلك(19).
و إنّني أؤيد هذا الرأي الغالب في الفقه لموافقته للقواعد العامّة في النظام الجنائي و خاصّةً قواعد المساهمة الجنائيّة.
هذا هو حكم أحد الزوجين سواء أكان فاعلاً أم شريكاً في جريمة القتل، فما هو إذن حكم شريك أحد الزوجين ؟
انقسم الفقه في حكم هذا الشريك إلى رأيين: فيرى جانب من الفقه أنّ شريك أحد الزوجين لا يستفيد إطلاقاً من عذر الزوج، و تتحدّد مسؤوليته على أساس اشتراكه في جناية قتل عمد. و حجّتهم في ذلك أنّ السبب الذي من أجله وجد هذا العذر سبب شخصي بحت، لذلك تقرّر لمصلحة الزوج أو الزوجة دون غيرهما، لأنّه وحدهما هما اللذان تتوافر فيهما علّة التخفيف حيث يفاجأ أحد الزوجين الآخر متلبّساً بالزنا بحالة من الانفعال. في حين يرى جانب آخر من الفقه أنّه يجب التفرقة بين حالة الشريك الذي يعلم بأنّه يساهم مع أحد الزوجين في قتل الزوج الآخر الزاني، و بين الشريك الذي يجهل ذلك، فبالنسبة للأوّل الذي يعلم يعتبر مسؤولاً عن اشتراك في جنحة قتلٍ، أمّا بالنسبة للثاني الذي يجهل ذلك فإنّه يكون مسؤولاً عن اشتراك في جناية قتل عادية(20).
لكن ما هو حكم الفقه الجنائي الإسلامي من مسألة الاستفزاز ؟
كما سبق و أن أشرنا فإنّ فقهاء الشريعة الإسلاميّة الغرّاء لم يعرفوا لفظ الاستفزاز كعذر مخفّف للعقاب كما عرفه فقهاء القانون، و لكنّهم مع ذلك تكلّموا عن رؤية الرجل زوجته و هي تزني و أثر المفاجأة بهذا الوضع على ما قد يرتكبه من جرائم في ظلّ هذه الحالة. و قد ذهبوا في حكم هذه الحالة إلى رأيين:
- الرأي الأوّل: ذهب بعض فقهاء الشريعة الإسلاميّة الغراّء إلى أنّه لا يجوز للزوج إذا رأى زوجته و هي تزني أن يقتلها هي و من يزني بها أو أحدهما، فإن فعل ذلك وجب القصاص عليه.
و استدلّ أصحاب هذا الرأي إلى أنّ قتل الزناة المتلبسين بالزنى إمّا أن يكون إقامةً للحدّ عليهم، و إمّا أن يكون تغييراً للمنكر، و كلاهما لا يصلح سنداً لمنع القصاص عن الزوج. أمّا الأوّل فلأنّ إقامة الحدّ عليهم ثابتة للإمام أو من ولاّه الإمام، بمعنى أنّ الإمام وحده هو الذي يتولّى استيفاء الحدود، و لا يكون لغيره ذلك إلاّ إذا ولاّه الإمام و هو ما لم يتحقّق في الزوج. أمّا الثاني فلأنّ استخدام القوّة و السلاح من أجل تغيير المنكر من اختصاص الولاة دون آحاد النّاس، و يرجع ذلك إلى أنّ المفاسد التي قد تقع نتيجة تخويل الآحاد هذه السلطة تربوا عن المنكر المقصود دفعه،
و على ذلك لا يجوز للزوج قتل الزناة في هذه الحالة فإن فعل ذلك اقتصّ منه(21).
- الرأي الثاني: ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الزوج إذا رأى زوجته و هي تزني جاز له أن يقتلها هي و من يزني بها، فإن فعل ذلك فلا قصاص عليه و لا ديّة. و قد اشترط أصحاب هذا الرأي لتحقق هذا أن يثبت الزوج وقوع القتل أثناء التلبّس بالزنى سواء بالبيّنة أم بالإقرار. و على ذلك ذهب جمهور فقهاء الحنفية و المالكيّة و الشافعيّة و الإمام أحمد في رأي راجح له إلى أنّ الزنى يثبت بحضور أربعةِ شهود عدول على أنّهم رأوا الواقعة كما يرون المرود أو الميل في المكحلة(22).
كما ذهب المالكيّة و الشافعيّة إلى أنّ الزنى يثبت أيضاً بالإقرار و لو مرّةً واحدةً، في حين ذهب الأحناف و الحنابلة إلى ضرورة اشتراط أن الإقرار أربع مرّات(23).
و قد استدل أصحاب هذا الرأي إلى ما يلي:
* ما روي عن علي رضي الله عنه أنّه سئل عمّن وجد مع امرأته رجلاً فقتله، فقال: إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته، أي يقتل (24). و في هذه الرواية دلالة واضحة على أنّ المسألة متوقفة على الإثبات، فإن أثبت الزوج صحّة دعواه بأربعةِ شهداء جاز له القتل، و إن لم يثبت ذلك حقّ عليه القصاص.
* ما روي عن المغيرة بن شعبة أنّه قال: " قال سعد بن عبادة لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفحٍ، فبلغ ذلك النبيّ صلىّ الله عليه و سلّم فقال أتعجبون من غيرة سعد ؟، بهمزةِ الاستفهام الاستخباري أو الإنكاري أي لا تعجبوا من غيرة سعد، لأنا أغير منه بلام التأكيد، و الله أغير منّي، بمعنى أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلّم أغير من سعد و الله أغير منهما جميعاً(25). و وجه دلالة هذه الرواية أنّ القتل جائز للزوج، و لو لم يكن جائزاً لما قال رسول الله صلى الله عليه و سلّم ذلك.
* ما روي عن عمر رضي الله عنه أنّه كان يتغذى إذ جاءه رجل يعدو و في يده سيف ملطّخ بالدم و وراءه قوم يعدون خلفه فجاء حتّى جلس مع عمر، فجاء الآخرون فقالوا: يا أمير المؤمنين إنّ هذا صاحبنا. فقال له عمر: ما يقولون ؟ فقال: يا أمير المؤمنين إنّي ضربت فخذي امرأتي فإن كان بينهما أحد فقد قتلته. فقال عمر ؟، ما يقول ؟، قالوا: يا أمير المؤمنين إنّه ضرب بالسيف فوقع في وسط الرجل و فخذي المرأة، فأخذ عمر سيفه فهزّه ثمّ دفعه إليه و قال: إن عادوا فعد. و وجه الدلالة من هذه الرواية أنّ عمر رضي الله عنه أهدر دم المقتول بعد أن ثبت لديه ارتكابه لجريمة الزنى بإقراره أولياء الدمّ بحدوث الواقعة، و أنّ القتل قد وقع حال التلبّس بالزنى، فإقرارهم هذا كان كافياً لإسقاط حقّهم في المطالبة لأنّ الواقعة فيها معاينة و اعتراف. كما أنّه رضي الله عنه أهدر دم المرأةِ إن كانت مطاوعة للزاني و لم تكن مكرهة و لا ديّة فيها(26).
و من خلال هذين الرأيين أعتقد، و الله أعلم، أنّ الرأي الأول يستند إلى المنطق المجرّد دون أن يعتمد على الأصول الشرعيّة التي قرّرت بأن الزاني المحصن مهدور الدم و بالتالي لا قصاص على قاتله و لا ديّة و لا كفّارة. كما أنّ هذا الرأي تجاهل الغيرة التي تلحق الزوج في هذه الحالة تكاد تقتله كمداً، و الأدلة الشرعيّة التي استند إليها أصحاب الرأي الثاني و التي تتّسم بالقوّة تتضافر فيما بينها على الاعتداد بهذه الغيرة، إذ أنّ تكليف الزوج بأن يتحكّم في أعصابه و يضبط نفسه فلا يغضب و لا يثور عند رؤيته زوجته في هذا الوضع المشين أمر لا يتصوره عقل و ضرب من الخيال لأنّه تكليف بشيءٍ مستحيل، لانّ طباع البشر، كما يقول الدكتور محمد عبد الشافي إسماعيل، مجبولة على الاستئثار فيما به الاختصاص و أشد ما يكون فيه الاختصاص العلاقة الجنسيّة بين الزوجين و مشاركة الغير الزوج في هذا الأمر سبب لتغيّر القلب و جيشان النّفس بالغضب و الانفعال لما يدهمها من ألمٍ بالغ العمق و استفزاز خطير و قلّ من لا يندفع في هذه اللحظة إلى غسلها بالدم ممّا يستوجب عدم معاقبته في هذه الحالة(27). كما أنّ القاتل هنا يكون معذوراً بالغيرةِ التي صيرته كالمجنون(28).
هذا إذا كان الزوج هو القاتل، و لكن ما هو الحكم إذا كان القاتل شخصاً آخر غير الزوج كالأب أو الأخ أو الابن أو غيرهم ؟
ذهب فقهاء الحنفية إلى أنّ أيّ رجل يرى آخر يزني فعليه أن يدفع هذا المنكر بالأخفّ فالأخفّ، فإن تعيّن القتل طريقاً لتغيير هذا المنكر و كان من الحقّ عليه أن يغيّره، لقول النبي صلى الله عليه و سلّم: " من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعف الإيمان "(29)، و لأنّ الزنى جريمة مستمرّة يجب المنع من استمرارها، فإن تعيّن القتل سبيلاً للمنع فإنّه يكون قتلاً بحقّ دفعاً للمنكر، و لأنّ ذلك من قبيل التعاون على دفع الإثم و العدوان، قال ابن عابدين: " من رأى رجلاً يزني بامرأته أو بامرأة رجلٍ آخر، ... فصاح به و لم يهرب و لم يمتنع عن الزنى حلّ لهذا الرجل قتله و إن قتله فلا قصاص عليه "(30). و من هذا يتبّن أنّ حقّ تغيير المنكر مقرّر عند الحنفيّة للزوج و غير الزوج على الإطلاق، أي أنّه حقّ مقرّر لكافة المسلمين و منهم بداهةً الأب و الأخ و الابن و ذوو الأرحام الذين يتعيرون بزنى ذات الرحم المحرّم.
و يتّفق فقهاء الشافعيّة و الحنابلة مع فقهاء الحنفيّة في تقرير هذا الحقّ للزوج ز غيره على الإطلاق، أي على النحوِ السابق بيانه، حيث يقرّرون هذا الحقّ أيضاً لكلّ من الأب و الأخ و الابن و لكلّ ذوي الأرحام الذين يتعيرون بزنى ذات الرحم. جاء في مغني المحتاج: " إذا رأى يولج في أجنبية فله أن يبدأ بالقتل و إن اندفع بدونه "(31)، كما جاء في المغني: " إذا وجد رجلاً يزني بامرأته فقتله فلا قصاص و لا ديّة ... و إذا كانت المرأة مطاوعة فلا ضمان عليه فيها و إن كانت مكرهة فعليه القصاص "(32). و من الملاحظ أنّ الشافعيّة و الحنابلة يختلفون مع فقهاء الحنفية في أنّهم يقررون الدفع بالقتل ابتداءً حتّى و لو أمكن الدفع بغيره كالصياح أو الضرب بما دون السلاح و غير ذلك.






الهــوامش:

1- و التي تنص على : " إذا ثبت قيام العذر فتخفّض العقوبة على الوجه الآتي:
- الحبس من سنة إلى خمس سنوات إذا تعلّق الأمر بجناية عقوبتها الإعـدام أو السجن المؤبد.
- الحبس من ستة أشهر إلى سنتين إذا تعلّق الأمر بأيّة جناية أخرى.
- الحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر إذا تعلّق الأمر بجنحة.
في الحالات المنصوص عليها في الفقرتين 1 و 2 من هذه المادة يجوز أن يحكم أيضاً على الجاني بالمنع من الإقامة من خمس سنوات على الأقل إلى عشر سنوات على الأكثر".
2- حيث تنص المادة 375 منه على: " من فوجئ بمشاهدة زوجته أو ابنته أو أخته أو أمّه في حالة تلبّس بالزنا أو حالة جماع غير مشروع فقتلها في الحال هي أو شريكها أو هما معاً ردّاً للاعتداء الماس بشرفه أو شرف أسرته يعاقب بالحبس. و إذا نتج عن الفعل أذىً جسيم أو خطير للمذكورين في الظروف ذاتها فتكون العقوبة الحبس مدّة لا تزيد على سنتين و لا يعاقب على مجرّد الضرب أو الإيذاء البسيط في مثل هذه الظروف ".
3 - الدكتور/سامح السيّد جاد: مبادئ قانون العقوبات (القسم العام)، طبعة 1995، دار النهضة العربية، المرجع السابق، ص 55.
4 - محمد محي الدين عوض: قانون العقوبات( القسم العام)، 1985، دار المطبوعات الجامعيّة بالإسكندرية، ص 114.
5 - الدكتور/محمود نجيب حسني: شرحقانون العقوبات( القسم العام)،1977،دار النهضة العربية، ص169.
6- عبد المهيمن بكر: القسم الخاص في قانون العقوبات (جرائم الاعتداء على الأشخاص و الأموال)، )، 1976،دار النهضة العربية، ص 609.
7 - المرجع نفسه، ص 609.
8 - الدكتور/محمود نجيب حسني: شرحقانون العقوبات( القسم العام)، المرجع السابق، ص397.
9 - محمد محي الدين عوض: قانون العقوبات( القسم العام)، المرجع السابق، ص 116.
10 - عبد المهيمن بكر: القسم الخاص في قانون العقوبات (جرائم الاعتداء على الأشخاص و الأموال)، المرجع السابق، ص 610.
11 - أنظر المادة 324/3 من قانون العقوبات الفرنسي.
12 - الدكتور/عبد العزيز محمد محسن: الحماية الجنائيّة للعرض في الشريعة الإسلاميّة و القانون الوضعي، دراسة مقارنة، طبعة سنة 1989، دار النهضة العربية، ص 411.
13 - المرجع نفسه، ص 411.
14 - الدكتورة/فوزية عبد الستار: شرح قانون العقوبات (القسم الخاص)، طبعة1995، دار النهضة العربية، ص417،و قد أشارت إلى نقض 09 ديسمبر سنة 1975، مجموعة أحكام محكمة النقض س 15 رقم 409، ص 513.
15 - الدكتور/محمود نجيب حسني: شرحقانون العقوبات( القسم العام)، المرجع السابق، ص317.
16 - محمد محي الدين عوض: قانون العقوبات( القسم العام)، المرجع السابق، ص 120.
17 - الدكتورة/فوزية عبد الستار: شرح قانون العقوبات (القسم الخاص)، ص 418، و الدكتور/محمود نجيب حسني: شرحقانون العقوبات( القسم العام)، المرجع السابق، ص399.
18 - جندي عبد الملك: الموسوعة الجنائية، طبعة بدون سنة، دار العلم للجميع (بيروت)، ج 5 ص 826.
19 - محمد محي الدين عوض: قانون العقوبات( القسم العام)، المرجع السابق، ص 122.
20 - جندي عبد الملك: المرجع السابق، ج 5 ص 825.
21 -أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي: أحكام القرآن، طبعة بدون سنة، دار الفكر العربي، ج 1 ص 293، و الدكتور/محمد عبد الشافي إسماعيل: عذر الاستفزاز في القانون، طبعة سنة 1996، دار النهضة العربية، ص 161.
22 -كمال الدّين محمدبن عبد الواحد السيواسي( ابن الهمام ): شرح فتح القدير، طبعة بدون سنة، مصطفى البابي الحلبي، ج 4 ص 161، و أبو عبد الله محمّد بن عبد الله الخرشي: شرح الخرشي على مختصر سيدي خليل، طبعة بدون سنة، دار الصادر: بيروت، ج 8 ص ص 80، 81،الشربيني محمد الخطيب: مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج، 1374هـ، شركة سابي (بيروت)، ج 4 ص 150،أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامـى: المغني، طبعة بدون سنة، مطبعة الإمام،ج 10 ص 353.
23 - الخرشي: المرجع السابق، ج 8 ص ص 80، الشربيني: المرجع السابق، ج 4 ص 150، 151.
24 - ابن قدامى: المرجع السابق، ج 9 ص 336.
25 -أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري: صحيح البخاري، طبعة بدون سنة، نشر مشترك موفم للنشر (الجزائر) و دار الهدى للطباعة و النشر (عين مليلة)، كتاب الحدود، باب من رأى مع امرأته رجلاً فقتله، رقم6340.
26 - محمد أبو زهرة، العقوبة، دار الفكر العربي، 1975، ص 505.
27 - الدكتور/محمد عبد الشافي إسماعيل: المرجع السابق، ص ص 163، 164.
28 - الدسوقي: المرجع السابق، ج 4 ص 239.
29 -رواه أبي مسلم بن الحجاج النيسابوري: صحيح مسلم، الطّبعة الأولى، 1998م، دار المغني ودار ابن حزم: كتاب الإيمان، باب بيان كون النّهي عن المنكر من الإيمان، رقم 70.
30 - ابن عابدين محمد أمين: حاشية ابن عابدين، دار الكتب العربيّة الكبرى، طبعة بدون سنة، ج 5 ص 45.
31 - الشربيني: المرجع السابق، ج 4 ص ص 196، 197.
32 - ابن قدامى: المرجع السابق، ج 9 ص 336.

الاصابات الرياضية في التشريع الجنائي الاسلامي / دراسة فقهيه مقارنة)



الاصابات الرياضية في التشريع الجنائي الاسلامي / دراسة فقهيه مقارنة) الإصابات الرياضية في التشريع الجنائي الإسلامي إعداد عروبة ناصر "محمد أبو سيف" الشرفا إشراف د. مروان القدومي د. صبحي نمر الملخص تهدف هذه الدراسة في هذه الرسالة إلى توضيح معنى الإصابة وبيان أنواع الإصابات وأقسامها المتعددة وطرق الوقاية منها وتوضيح المسؤولية الجنائية المترتبة على الإصابات الرياضية وأساس هذه المسؤولية كما تهدف إلى بيان حقوق اللاعبين التي كفلها الإسلام وضمنها بشريعته الشاملة المتوازنة العادلة التي لم تفرط في أي حق من حقوق اللاعب المصاب متفوقة على القانون الرياضي لهذه الألعاب الذي حصر العقوبة في داخل أرض الملعب، دون أن يتحمل المعتدي أية تبعات نتيجة اعتدائه ومتميزة عن القانون الجنائي الدولي الذي أغفل ذلك ولم يهتم به، وأعطى الصلاحية الكاملة لقانون اللعبة ليأخذ مجراه. وقد أنبنت الرسالة من عدد من القضايا والمسائل شكل تآلفها وحدة دالة على الإصابات الرياضية في التشريع الجنائي، من ذلك أنه أرّخ بإيجاز للألعاب الرياضية القديمة، وعند المسلمين، وبين أهميتها عند هذه الأمم، ولا سيما عند المسلمين الذين أولوها رعاية خاصة وفق قيود وضوابط معينة، ليفيد منها كل فرد من أفراد المجتمع. ومن ذلك أن الرسالة تحدثت عن مشروعية الألعاب الرياضية في الإسلام واهتمامه بها وامتداحه لها، بصفتها قوة بدنية، ومعياراً مهماً، لاختيار الرجال. وناقشت الرسالة كذلك المفهوم العام للإصابات وأنواعها وأقسامها من حيث شيوع الألعاب وانتشارها وأعمار اللاعبين وأعضاء الجسم وشدة الإصابة وخطورتها وحجم تأثيرها على الإنسان، كما وضح طرق الوقاية من هذه الإصابات. ومن القضايا التي ناقشتها الرسالة أيضاً المسؤولية الجنائية؛ مفهومها، وأركانها، وأساسها الشرعي والقانوني، والأسباب الموجبة لإيقاعها على اللاعب، والحالات المؤدية لرفعها عنه. ومن هذه القضايا كذلك أن الرسالة بينت حقوق المصاب، وأركان الجريمة على ما دون النفس كما أعطى مثالاً تطبيقياً جنائياً لإحدى الألعاب المعاصرة والمشهورة مع بيان الحكم الذي صدر بهذا الخصوص،وانتهت الرسالة بخاتمة ضمنتها أهم النتائج والتوصيات

الحجر على المدين حماية لحق الغرماء ـ دراسة مقارنة (القانون المصري-الفقه المقارن)




خلاصة الرسالـة :

إن موضوع الرسالة هو: الحجر على المدين حماية لحق الغرماء – دراسة مقارنة فى القوانين المعاصرة (القانون المصرى – القانون اليمنى – الفقه الإسلامى) هو من الموضوعات الشرعية والقانونية الذى يستدعى عناية الباحثين لما له من أهمية فى الحياة والواقع العملى لأفراد المجتمع، سواءٌ من الناحية النظرية أو من الناحية العملية، فهو من أهم الموضوعات بحثاً وأخطرها أثرًا.
وبالرغم من أهميته العلمية والعملية فإنه لم يحظ بدراسة تفصيلية سابقة، فى نطاق القانون المدنى اليمنى، وفى بحث خاص يلبى متطلبات الحياة العملية للأفراد والباحثين على السواء، ويسد النقص فى المكتبة القانونية اليمنية التى تخلو من هذه الدراسة.
وتتجلى أهمية البحث وفائدته، فى كونه يستوعب فى نطاقه معظم وسائل حماية الضمان العام للدائنين، المنصوص عليها فى القانون المدنى المصرى واليمنى، ومعظم هذه الوسائل القانونية قريبة الشبه إلى حد كبير بنظام الحجر على المدين فى الفقه الإسلامى، بل إن منها ما ليس بغريب عنه كالحجر على المدين المفلس الذى أخذ به المشرع اليمنى فى قانونه المدنى، ونظام شهر الإعسار الذى أخذ به المشرع المصرى فى قانونه المدنى أيضًا.
ويُضاف إلى تلك الأهمية السابقة أن القانون المدنى اليمنى رقم (19) لسنة 1992م والمعدل بالقانون رقم (14) لسنة 2002م يعتبر من القوانين المدنية العربية الحديثة، وبسبب من ذلك لا يزال هذا القانون بكرًا يفتقر إلى كثير من الدراسات والأبحاث القانونية لإثرائه وبلورته خاصة المقارنة منها.
لهذا فإن وضع مثـل هذه الدراسة المتواضعة أمام الباحثين والقضاة يُعد فى نظرى إضافة جديدة متخصصة فى أحد مواضيع الدراسات القانونية اليمنية.
هذا وقد أتبعت فى هذه الدراسة المنهج المقارن بين الحجر على المدين بسبب الدين فى الفقه الإسلامى وبين ما يطبق من نظم قانونية مقابلة أو مشابهة له فى القوانين المدنية المعاصرة. فقد كنت أبدأُ بتناول ما جاء فى الفقه الإسلامى بمذاهبه المختلفة، وفقهه الحديث، متبعًا ذلك ما جاء فى القانون والفقه وأحكام القضاء. مبينًا موقف كل من القانون المصرى والقانون اليمنى، ومقارنة هذين الموقفين بأحكام الفقه الإسلامى، مع عرض مختلف الآراء الفقهية، مرجحًا ما يمكن ترجيحه من الأقوال. مع عدم إغفال موقف بعض التشريعات الأخرى فى الموضوع، بما يتضح معه أوجه الاتفاق والاختلاف بين الحجر على المدين فى الفقه الإسلامى وبين النظم القانونية المماثلة فى القوانين المعاصرة.
ولقد قسم هذا البحث إلى أربعة أبواب وخاتمة، تسبقها مقدمة وفصل تمهيدى. حيث تناولت فى المقدمة وسائل اكتساب الحقوق وحمايتها فى العصور التاريخية البدائية، ثم موقف الشرائع القانونية السائرة نحو الحضارة والتقدم من المدين وما سنته من وسائل تكفل للدائن استيفاء حقه وحمايته، وذلك كإطلالة تاريخية عامة.
وتناولت فى الفصل التمهيدى الذى جاء تحت عنوان، "فى الحجر بوجه عام" المفاهيم والأحكام العامة للحجر، حيث قمت بتحليل فكرة الحجر، عن طريق تعريفه، وبيان حقيقته وأقسامه وشرعيته، وحكمة تشريعه، مع الإشارة إلى الأهلية وعوارضها وما يوجب الحجر منها، مبينًا مدى صلة الدين بعوارض الأهلية، ومنتهيًا إلى عدم اعتبار المديونية من جملة عوارض الأهلية، سواءٌ فى الفقه الإسلامى أو فى القانون المدنى.
كما أوضحت الدراسة أن الحجر – بوجه عام – يتعدد بتعدد أسبابه التى تجلت من خلال بيان أسباب الحجر المختلفة فى كل من الفقه الإسلامى والقانون المدنى المصرى واليمنى.
ولقد تتبعت تلك الأسباب بصورة إجمالية. وانتهيت إلى أخر هذه الأسباب وهو "الحجر على المدين حماية لحق الغرماء" وهو عنوان هذه الرسالة وموضوعها، حيث مهدت لذلك بشرح الشطر الثانى من العنوان، وذلك ببيان معنى الحق والضمان العام للدائنين ووسائل حمايته فى كلٍ من الفقه الإسلامى والقوانين المعاصرة، وغير ذلك من المسميات والمفاهيم والمسائل الشرعية والقانونية التى تناولتها فى هذا الفصل التمهيدى.
وقد سعت هذه الدراسة فى الباب الأول إلى بيان شرعية الحجر على المدين، وشروط تحققه فى الفقه الإسلامى والقانون المدنى.
حيث تناول الفصل الأول: شرعية الحجر على المدين فى الفقه الإسلامى والقوانين الآخذة بهذا النظام، وتلك التى أخذت بنظام شهر الإعسار، كالقانون المدنى المصرى، ثم كانت نهاية البداية حول مدى أهمية وضرورة نظام الحجر وشهر الإعسار لحماية الضمان العام للدائنين.
ثم كان الحديث فى الفصل الثانى عن شروط تحقق حالة الحجر على المدين فى الفقه الإسلامى والقوانين المعاصرة.
وفى الباب الثانى: أوضحت هذه الدراسة آثار الحجر بالنسبة إلى المدين فى الفقه الإسلامى والقانون المدنى. وكان ذلك فى فصلين:تناول الفصل الأول: آثار الحجر على شخص المدين.
وتناول الفصل الثانى: آثار الحجر على تصرفات المدين.
وفى الباب الثالث: أوضحت هذه الدراسة آثار الحجر بالنسبة إلى الدائنين، وكان ذلك فى فصلين: تناول الفصل الأول منهما: آثار الحجر على جماعة الدائنين العاديين. وتناول الفصل الثانى: آثار الحجر على الدائنين أصحاب الحقوق العينية الخاصة، حيث أشارت الدراسة إلى الاستثناءات التى أوردها المشرع على مبدأ المساواة بين الدائنين وهى تلك التى تمثلت فى الحق فى الحبس والحق فى الاسترداد.
وفى الباب الرابع: عالجت هذه الدراسة أسباب انتهاء حالة الحجر وشهر الإعسار وما يترتب على ذلك من آثار، وكان ذلك فـى فصليـن: تنـاول الفصل الأول: أسباب انتهاء حالة الحجر وشهر الإعسار. وتناول الفصل الثانى: الآثار التى تترتب على هذا الانتهاء، سواءٌ ما تعلق منها بالمدين أو ما تعلق منها بدائنيه. وذلك كله فى الفقه الإسلامى والقوانين المعاصرة "القانون المصرى – القانون اليمنى – وبعض القوانين العربية".
هذا وقد توصلت فى خاتمة هذه الدراسة إلى مجموعة من النتائج والتوصيات.
أما النتائج فإنها تتعلق بالفقه الإسلامى من ناحية والفقه الإسلامى والقانون المدنى من ناحية أخرى.
أما التوصيات فإنها موجهة إلى المشرع اليمنى بهدف تلافى ومعالجة أوجه النقص والقصور فى تشريعه المدنى، وذلك فيما يتعلق بالتنظيم التشريعى للحجر على المدين المفلس.
السادة الأستاذة الأفاضل، هذا هو جهدى المتواضع أضعه بين أيديكم، لا أدعى الكمال فيه وإنما هو جهد المقل، فإن كنت قد وفقت فذلك بفضل من الله – عز وجل – الذى [ يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ).
وإن كنت قد أخطأت أو جانبت الصواب فجل من لا يخطئ وحسبى أنى قد بذلت الجهد، فأنا بشر معرض للخطأ والصواب.
وختامـًا: الشكر كل الشكر إلى من بدأت بشكرهم
وآخـر دعوانـا أن الحمـد لله رب العالميـن
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

English summary
The subject of this thesis, which is: Limiting the debtor’s legal competence to protect the creditors’ rights, is one of the religious and legal issues that concern legal researchers for its great importance in life and daily activities of the individuals in our societies, either from the theoretical or practical aspects. So it is one of the most important and affecting subjects. Though this academic and practical significance, it has not been written fully in a previous detailed study in the context of the Yemeni Law. Until the present day, we can not find a specialized research in this connection to fulfill the practical requirements of the life of individuals and researchers alike; and also, to make up for the shortage in the Yemeni juridical library which lacks such a study.
The importance and significance of this research are implied in its scope which includes most ways of protecting the general guarantee of creditors stipulated in the civil Egyptian and Yemeni laws. Most of these ways, greatly, are similar to the rule of putting the debtor under legal guardianship in the Islamic jurisprudence; but also, some of these ways are far from the Islamic jurisprudence such as the rule of confining the bankrupt debtor, a legislation stated in the Yemeni civil law and the “insolvency month” rule stated also in the Egyptian civil law.
In Addition to the previously mentioned importance, the Yemeni civil law No. 19 for the year 1992 modified by the law No. 14 for the year 2002 is one of the recent Arab civil laws; what means that it is a virgin law. No studies or legal researches –especially the comparative ones –have been conducted to enrich and crystallize it.
Thus, this humble study, present before researchers, judges and jurists, is considered a new specialized addition to one of the Yemeni legal studies.
In this study, the researcher followed the comparative method to strike a balance between putting the debtor under legal guardianship, because of his debt, in the Islamic jurisprudence and the similar statutes stated in the contemporary civil laws. The researcher illustrates the attitude of both the Egyptian and Yemeni laws, and makes a comparison between them on one hand and the rules of the Islamic jurisprudence on the other manifesting all opinions. He clarified the attitudes of some other legislations with elucidating the points of similarities and dissimilarities between limiting the debtor’s legal competence in the Islamic jurisprudence and corresponding statutes in the contemporary laws.
The researcher introduces the subject of his study in four chapters and a conclusion proceeded with an introductory chapter. In the introduction, he tackled the ways of attaining and protecting the individuals’ rights in the primitive historical eras. Then, he shed light on the advancing legal rules that moving forward to civilization and their attitudes towards the debtor and concerning legislation to guarantee and protect the creditor’s right. That all is presented in a comprehensive historical view followed by presenting the subject of the research, its importance, methodology, and plan.
After that, in the introductory chapter, the researcher tackled conceptions and general rules of placing someone under guardianship; whereas, he analyzed generally the idea of limiting someone’s legal competence (definition, facts, kinds, legitimacy, the significance of legitimacy). Also, he talked about guardianship, legal capacity, disqualifications and what necessitates to put the individual under legal guardianship. The researcher explained the link between these disqualifications and religion concluding that indebtness is not included in these disqualifications, either in the Islamic jurisprudence or in the civil law.
The study made it clear that limiting someone’s legal competence differentiates generally according to its causes that the researcher had mentioned in the Islamic jurisprudence and the Egyptian and Yemeni civil laws.
The researcher followed up these causes in general, ending up the last of these causes “Limiting the debtor’s legal competence to protect the creditors’ rights”, which is the title and subject of this thesis. He prefaced his thesis with explaining the second half of this title. He clarified what is meant by rights, general guarantee of the creditor’s rights and the different ways of protecting them. He explained the meaning of legal behavior, legal act, commitment, nullity and voidness in the Islamic jurisprudence and the civil law. The study made a quick allusion to the ways of protecting the creditor’s general guarantee in some old laws, the Islamic law, and contemporary legislation; where the researcher explained various conceptions, definitions and other legal and religious questions mentioned in the introductory chapter.
In the first section, that is subdivided into two chapters, the researcher made every effort to manifest to what extent it is legitimate to put the debtor under legal guardianship and its conditions in both the Islamic jurisprudence and the civil law.
The first chapter tackled the legitimacy of limiting the debtor’s legal competence in the Islamic jurisprudence and the laws enforcing it. And other laws that stated the (insolvency month) rule such as the Egyptian civil law. The researcher concluded by explaining the importance and necessity of the legal guardianship and (insolvency month) to protect the creditors’ general guarantee.
The second chapter was devoted for talking about the conditions of putting the creditor under legal guarantee in the Islamic jurisprudence and the contemporary laws.
Now, the researcher moves to the second section which was subdivided into two chapters to manifest the legal guardianship’s effects on the debtor. In the first chapter, he talked about the effect of legal guardianship on the debtor as a person before the law has the right of freedom and all other personal rights.
In the second chapter, he talked about the legal guardianship’s effects on his pre-and-post verdict behavior. He talked about the legal limits of the debtor’s behavior and the limits of freedom he is entitled before enforcing the verdict of legal guardianship and bankruptcy in the Islamic jurisprudence.
As for the Egyptian civil law, the researcher talked about the allegation of the debtor’s behavior illegitimacy regarding the creditors’ rights, (Policy allegation).
And in the Yemeni civil law, the researcher detailed and manifested the allegation of the creditor’s behavior voiding. In the commercial law, he talked about voiding the bankrupt individual’s behavior during the period of doubt. All these topics were entitled: “The legitimacy of the debtor’s behavior pre-and-post the verdict of legal guardianship and insolvency month or bankruptcy. Then, he talked about preventing the debtor of using his properties, its nature and limits.
In the third section, the study manifested the legal guardianship with regard to the creditors. This was illustrated in two chapters: in the first one, the researcher talked about these effects on the ordinary creditors. And in the second one, he shed light on the creditors of private rights in rem; where the study alluded to the exceptions stated by the legislator on the principle of equalization among creditors. These principles that are represented in the right of distraint and the right of retrieval.
In the fourth section, the study talked about the causes of ending the state of legal guardianship and the insolvency month; and that was conducted through two chapters: the first one talked the causes of ending the state of legal guardianship and the insolvency month. The second chapter deals with effects resulted from the act both for the debtor the and his creditors in the Islamic jurisprudence, contemporary laws, (the Egyptian law-the Yemeni-and some other Arab laws).
The researcher concluded his study with some results and recommendations:
The results concern both the Islamic jurisprudence on one hand and the Islamic jurisprudence and the civil law on the other hand.
As for the recommendations, they concern the Yemeni legislator to avoid and treat the points of shortcomings in the civil legislation, regarding the legislation rules of putting the bankrupt debtor under guardianship and the allegation of limiting his behavior.
This was a brief conclusion of the thesis subject presented by the researcher. And I ask Allah for help and support

الإعسار فقهاً وقانوناً وقضاءً((أردنى ))





مقدمـة


لمّا كان الدفع بالإعسار من الدفوع المتاحة للمدين لكي يتمّ بموجبها إطلاق سراح المدين وفقاً لمَا هو منصوص عليه في المادة 244 إجراءات مدنية لسنة 1983م ولكثرة ما تّمت إثارته من خلال تلك الدفوع عند التطبيق أمام المحاكم في مدى جواز الأخذ بالإعسار والشروط المطلوبة لذلك من حيث الفقه والقانون ما بين مؤيّد لقبول الإعسار ورافض له.

ولتبايٌن تطبيقات السوابق القضائية "غير المنشورة " كان ذلك دافعاً قوياً لي لبحث الأمر في الفقه والقانون ، ومن ثَمّ يتناول البحث الإعسار في اللغة والاصطلاح والقانون ، وآراء الفقهاء في قبول الإعسار والبيّنة عليه فقهاً وقانوناً ، وتطبيقات السوابق ، والموازنة بين الفقه والقانون ، وذلك بتقسيم البحث إلى مباحث.




المبحث الأول

تعريف العسر لغةّ:

( عسر ) الأمر عسراً مثل قرب قرباً وعسارةً بالفتح فهو عسير ، أي صعب شديد ، ومنه قيل للفقر عسر وقال الزمخشري: عسر: العٌسْرٌ ضدّ اليٌسْر ، وعسر الأمر ضاق. وعسر عليَّ فلان: خالفني ، ورجل عسر وهو نقيض السهل… ولا تعسر غريمك ولا تعسره لا تأخذه على عسرةٍ ولا تطالبه إلاّ برفق.
وجاء في محيط المحيط: ( عسر ) الغريم يعسٌره ويعسِره عسراً وعٌسراً طلب منه الدَّيْن على عسرةٍ.
ومن خلال ما ورد في المعاجم لتعريف العسر يتّضح أنّه ضدّ اليسر ، وأنّه بمعنى العسير ، وهو الصعب الشديد ، ولذا قيل للفقر عسر.
واليسر في اللغة: اليسر بالفتح ، ويٌحرَّك ؛ اللّين والانقياد .. واليسر بالضمّ وبضمّتيْن ، واليسارٌ واليسارةٌ والميسٌرة مثلّثة السين السهولة والغنى ، وأيسر يساراً صار ذا غنىً فهو موسر ، الجمع مياسير ، واليسر ضدّ العسر.
وبالنظر والموازنة بين تعريف (عسر) ولفظ (يسر).
يتّضح التبايٌن بين اليسر والعسر فهما من الأضداد ، حيث إن الأولى تأتي بمعنى الغنى والسهولة والثانية ( العسر ) بمعنى الفقر والضيق ، أي صعوبة الأمر.
ويلحظ أن هنالك ألفاظاً ذات صلة بكلمة (عسر) منها الفلس والمفلس والغريم والذي هو المدين وصاحب الدين أيضاً وهو الخصم مأخوذ من ذلك ؛ لأنه يصير بإلحاحه على خصمه ملازماً ، الجمع غرماء مثل كرماء.

العسر اصطلاحاً:

تناول الفقهاء الإعسار بالتعريف ، وقد انصبت التعريفات على أن المعسر من لا فلوس له. ولتباين ذلك أورد ما جاء فيه ضمناً في تعريف الإفلاس لتناول الفقهاء مسألة الإعسار في تصانيفهم ومؤلفاتهم في أبواب الحجر والفلس. ولبيان أن لفظ الفلس من الألفاظ ذات الصلة بلفظ عسر.
نقل ابن شهاب عن الإمام مالك قوله: الفلس شرعاً ( من قصر ما بيده عما عليه من الديون ) فيقال أفلس الرجل كأنه صار إلى حال ليس له فلوس ، كما يقال له أقهر إذا صار إلى حال يقهر عليه … والجمع مفاليس ، وحقيقة الانتقال من حالة اليسر إلى العسر.
وقال بن رشد ( الإفلاس في الشرع يطلق على معنيين : أحدهما أن يستغرق الدين مال المدين فلا يكون ماله وفاء بديونه ، الثاني أن لا يكون له مال معلوم أصلاً )
وبالنظر إلى التعاريف الواردة أعلاه نتبين أن العسر ملازم لحالة الإفلاس ومتعلق بلفظ الفلس ، فقد ذكره الفقهاء ضمن مصطلح الفلس لتبيان معنى الإعسار ، وهو لا يخرج عن حال الفقر ؛ إما بأن يستغرق الدين مال المدين كله أو لا يكون له مال معلوم أصلاً. وبالموازنة بين تعريف العسر أو الاعسار لغة وإصطلاحاً يٌلحظ اتفاقهما في بيان أن الإعسار ضد اليسر.
ونفس الأمر لبيان معنى الإعسار في اللغة والاصطلاح وافق ما جاء في كتب التفسير في بيان معنى الإعسار في قوله تعالى: [ وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌٌ إلى ميسرةٍ ] البقرة الآية (280) ، وعلى سبيل المثال ما أورده الفخر الرازي ( العسرة اسم من الإعسار ، وهو تعذر الموجود من المال ، يقال أعسر الرجل إذا صار إلى حالة العسرة ، وهى الحالة التي يتعسر فيها وجود المال ).
وبالتالي نقول : ( الإعسار هو أن لا يجد في ملكه ما يؤديه بعينه ، ولا يكون له مال لو باعه لأمكنه أداء الدين من ثمنه ).



المبحث الثاني

الإعسار فقهاً قبوله وإثباته:

تناول الفقهاء الإعسار وأحكامه على اختلاف مذاهبهم ، وبالنظر إلى ما اتبعوه في تبويباتهم لم يتطرقوا إليه منفصلاً ، وإنما أدخله البعض في باب الحجر وأحكامه ، أو في أحكام الرهن والتفليس ، وحتى اللفظ نفسه تباين ، فأطلق الغارم والمعسر والمديان والمفلس.
ومن المسائل المتعلقة بالإعسار تفرعت مسائل اتفقوا فيها ، وأخرى اختلفوا فيها ، ومنها جواز حبس المعسر من عدمه ، ومن يقبل إعساره ، وشروط قبول البينة على الإعسار ، ومن ثم يتناول البحث هذه الجزئيات من حيث الفقه والقانون ، وتطبيقات السوابق القضائية ، والموازنة بين الفقه والقانون.

أراء الفقهاء في حبس مدعي الإعسار:

الحبس لغة الحبس : المنع … حبسه يحبسه ، والحبس المنع ضد التخلية.
وعليه ، من حيث اتفاق الفقهاء ، فقد اتفق الفقهاء على جواز حبس المدين إذا جهل حاله ولم يثبت يساره أو إعساره.
جاء في البدائع : ( الحبس على نوعين : أحدهما حبس المدين بما عليه من الدين … فإن طلب صاحب الدين الحبس من القاضي ، واشتبه على القاضي حاله في يساره وإعساره ، ولم يقم عنده حجة على أحدهما ، وطلب الغرماء حبسه ، فإنه يحبس ليتعرف عن حاله أنه فقير أم غني.
وورد في الشرح الصغير : ( حبس المفلس بثبوت عسره إن جٌهِلَ حاله لا إن علم عٌسره ).
وذكر بن فرحون المالكي نقلاً عن القرافي في بيان المشروع من الحبس ما نصه ( حبس من أشكل أمره في العسر واليسر اختباراً لحاله ، فإذا ظهر حكم عليه بموجبه عسراً ويسراً ).
وقال بن قدامة من الحنابلة : ( ومن وجب عليه حق فذكر أنه معسر به حبس إلى أن يأتي ببينة بإعساره ).
ويٌستخلص مما سبق اتفاق الفقهاء على حبس مدعي الفلس الذي يدفع بالإعسار ، ويشتبه في حاله ، فيكون الحبس لمظنة أنه على الملاء فيؤدي حبسه إلى قيامه بأداء الدين ، أو يثبت إعساره بأن يأتي بالبينة على إعساره وتبعاً لذلك اختلف الفقهاء فـي جواز سماع البينة على الإعسار ، ووقت سماعها ، وقد أجاز أبو حنيفة سماعها ، وعند الإمام مالك حٌكي عنه قوله: (( لا تسمع البينة على الإعسار لأنها شهادة على النفي… وعند الحنابلة سماع البينة على الإعسار مقبول ، وتسمع كسائر البينات التي تسمع في الحال )) وعند الشافعية ( تٌسمع على الرغم من أنها شهادة للنفي قبلت للحاجة ) وبالنظر إلى آراء الفقهاء ، فالحنفية والشافعية أجازوا سماع البينة على الإعسار مطلقاً ، والإمام مالك حٌكي عنه عدم جواز ذلك ، وعلل أنها بينة على النفي لا تقبل ، والشافعية أجازوا رغم أنها بينة على النفي إلا أنها تقبل للحاجة.

وقت سماع البينة:

اختلف الفقهاء في سماع البينة على الإعسار قبل الحبس أم بعده ، وانقسموا إلى رأيين :
الأول : للإمام مالك والشافعي وأحمد ، وعندهم تٌسمع البينة قبل الحبس.
الثاني : للإمام أبو حنيفة ، وعنده لا تٌسمع إلا بعد الحبس.
وتلخيصاً للرأيين المتقدمين جاء في الميزان : ( … ومن ذلك قول مالك والشافعي وأحمد أن البينة بالإعسار تٌسمع قبل الحبس مع الظاهر من مذهب أبي حنيفة أنها لا تسمع إلا بعد الحبس ، فالأول مخفف على المفلس ، والثاني عكسه ولكن يٌحمَل الأول على أهل الورع الخائفين من حقوق الخلائق ، ويٌحمَل الثاني على من كان بالضد من ذلك ، فرجع الأمر إلى مرتبتي الميزان).
ويستخلص من ذلك أن الجمهور اعتمدوا جواز سماع البينة قبل الحبس ، وخالفهم الإمام أبو حنيفة في عدم السماع قبل الحبس ، وهو الرأي الراجح ؛ لأن الغالب أن طلب حبس المدين يكون دائماً من الدائن ، وعند عجزه عن معرفة أحوال مدينه ، فيٌطلب حبسه اختباراً لحاله.

البينة على الإعسار:

إذا حٌبس المدين ، فيدفع الحبس عنه بسماع بينته على إعساره ، ولا يشترط أن يكون إثبات الإعسار بشهادة الشهود فقط ، وإنما كل ما يبين ذلك من طرق الإثبات ، ولكن تتبع جل ما ورد في شأن الإعسار وسماع البينة على الإعسار في الفقه ، يجدها تدور حول الشهادة مما يفهم منه أن الشهادة طريق أصيل لإثبات الإعسار.
وعليه تبعاً لذلك اشترطوا نصاباً للشهود ، وشرطوا شروطاً في ذات الشهادة.
اشترط الفقهاء أن يكون الشهود على الإعسار ثلاثة شهود ، وبنوا ذلك على احتجاجهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن أصابته جائحة ، حيث طلب منه أن يأتي بثلاثة شهود.
أما في الشهادة نفسها ، اشترط في الشهود أن يكونوا من ذوي الخبرة الباطنة ، بمعنى أن لا تنصب الشهادة بمجرد الوقوف على ظاهر أحـوال المدين ، وإنما تتعداها إلى إلمام الشاهد بظاهر وباطن أحوال المدين ، ولا يتأتي ذلك إلا لمن كان ملازماً للمدين ومخالطاً له ، ويـدل على ذلك ما أورده الرافعي : ( فإن أقام البينة على إعساره سمع في الحال … ويشهد من يخبر باطن حاله).
إذا كانت الشهادة على الإعسار بتلف المال ، يجوز أن تسمع من غير ذوي الخبرة الباطنة ، بخلاف إن كانت على الإعسار ( فإن شهدت البينة بتلف ماله ، قبلت شهادتهم ، سواء كانت من أهل الخبرة الباطنة أو لم تكن ، وإن لم تشهد بالتلف ، وشهدت بالإعسار ، لم تقبل الشهادة إلا من ذي خبرة باطنة ؛ لأنه في الأمور الباطنة لا يطلع عليها في الغالب إلا أهل الخبرة والمخالطة).
وظاهر ذلك أن التلف يظهر لذوي الخبرة وغيرهم ، بخلاف الإعسار ، فهو شهادة على عدم المال ، ولا يتأتي ذلك إلا لمن كان ذا إلمام ببواطـن المدين ، وذا مخالطة له ، كأن يكون الشاهد من أهل التجارات المخالطين للمدين ، أو من شركائه ، أو من له جوار وخلطة بالمدين.
كما يستخلص مما سبق سرده إذا أقام البينة على إعساره حسب المعتبر في الشهادة والشهود ، أن يخلي سبيله بإطلاق سراحه من حبسه ، وتبعاً لذلك ، وقبل قبول إعساره ، اختلف الفقهاء في جواز إحلاف المدين.
فأجاز الإمام مالك والشافعي للغرماء طلب إحلاف المدين بتحليفه أنه لا مال له ظاهر ولا باطن ، وخلافاً لذلك منع الإمام أبو حنيفة وأحمد تحليفه بعد إثبات إعساره ، وعليه فإن أقام كلٌَ من الدائن ومدينه البينة ، فإن تكافأت بأن شهد قومٌ بالعدم ، وشهد قومٌ بالملاء ، وإذا شهدوا كلهم على ظاهر الحال ، ولم يقولوا لا نعلم مالاً أخفاه ، فقيل يقضى بأعدلهما ، فإن تكافأتا سقطتا وبقي محبوساً ، وقيل يخرج حتى يكشف حاله.
وعند الحنفية الأمر في ذلك لا يعدو عن حالين:
الأول: أن يقول الطالب هو موسر ، وقال المطلوب أنه معسر ، فإن قامت لأحدهما بينةٌ قٌبلت ، فإن أقاما البينة ، فالبينة للطالب ؛ لأنها تٌثبت زيادة ، وهو اليسار.
الثاني : أن لم تكن لهما بينة ، فذهب محمد إلـى أن الدين إن ثبت بمعاقدة ، كالبيع والنكاح ، فالقول قول الطالب ، وإن ثبت بغير ذلك ، كالقتل الذي لا يوجب القصاص ويوجب المال في مال الجاني دون الخطأ ، فالقول قول المطلوب.
ورأي الإمام محمد هـو ظاهر الرواية في مذهب الحنفية ، وهو الأصوب ؛ لأن الظاهر شاهد للطالب لما في إقدامه ( المدين ) على المعاقدة دليل القدرة ، إذ الظاهر أن الإنسان لا يقدم على ذلك إلا عند القدرة ، وكان الظاهر شاهداًَ للطالب ؛ لأنه ثبتت قدرة المطلوب لسلامة المال ، وهو رأي راجح.
واختلف الفقهاء في جواز ملازمة الغرماء للمدين إذا تمّ إحلافه بعد إثبات إعساره.
الإمام أبو حنيفة وصاحباه يرون أنه لا يمنع الغرماء من ملازمته إذا قضى القاضي بالانتظار لاحتمال أن يرزقه الله تعالى ، وعند الحنابلة وزفر لا يلازمونه.
والأرجح الملازمة بعد إثبات الإعسار ، يعني النظرة ، وهي التأخير إلى أن يتحسن حال المدين ويقدر على الأداء. اتفق الفقهاء على عدم جواز منع المدين من السفر ، ولا حق التصرف في أمواله.
فإذا كانت البينة على الإعسار رٌفضت ، فهل يبقى المدين في الحبس حتى الأداء حتى يخلد في حبسه؟ والظاهر أن نظرة الفقهاء متأرجحة في ذلك ، وغالب ما نصوا عليه أن المدين بعد حبسه يٌطلق سراحه إذا بقي فترة ثلاثة أو أربعة أشهر ، فيخرج ليكشف عن حاله ؛ لأن الحبس ليس مقصوداً في ذاته ، وإنما شرع لكي يجبر المدين على إخراج المال المشتبه في إخفائه. والحبس شرع للتوسل لقضاء الدين لا لعينه . وبالتالي هذا يتوقف على تقدير قاضي التنفيذ من حيث تقدير المدة وشروط الإفراج عن المدين.


المبحث الثالث

بينة الإعسار في القانون السوداني:

تناولت المواد 243/244 إ.ج مدنية لسنة 1983م أحكام قبض المدين وحبسه تنفيذاً للحكم ، كما بينت الأحوال التي يطلق فيها سراح المدين . تنص المادة 243/أ: ( مع مراعاة أحكام المادة 244 ، ودون المساس بأية طريقة أخرى من طرق تنفيذ الأحكام متى كان الحكم متعلقاً بالوفاء بدين أو يقضي بسداد مال ، فيجب القبض على المدين وحبسه حتى تمام الوفاء ، إلا إذا كانت المحكمة قد قضت بذلك عند النطق بالحكم) وبالتالي أوجبت المادة المذكورة إذا كان الأمر متعلقاً بتنفيذ سداد مال أو دين مالي ، القبض على المدين وحبسه حتى تمام الوفاء ، ولا حاجة لإنذار المدين أو إعذاره ، إضافة إلى أن دلالة الحرف (حتى) تفيد انتهاء الغاية ، فيحمل الأمر عند حبس المدين تنفيذاً للحكم حبسه حتى تمام الوفاء بسداده لمبلغ التنفيذ ، ولكن بالنظر إلى ما جرى عليه العمل ، فإن الذي يتم غالباً عند تصريح التنفيذ أن تبدأ المحكمة بإصدار إعلان للمدين مع إنذاره بصورة من عريضة التنفيذ للسداد ، ثم يلجأ الدائن للقبص والحبس بعد ذلك ، وإذا تمّ حبس المدين ، فقد نصت المادة 244أج مدنية لسنة 1983م على الأحوال التي يمكن فيها إطلاق سراح المدين.

إطلاق سراح المديـن :

تناولت المادة 244 الأحوال التي يتم فيها إطلاق سراح المدين إذا تمّ حبسه تنفيذاً للحكم وفقاً للمادة 243 والمادة 160 أج مدنية لسنة 1983م ، وذلك في الفقرات أ –د ويتعلق البحث بالفقرة (د) والتي تختص بإطلاق سراح المدين إذا ( ثبت إعساره ببينة كافية ) ، ويستخلص من هذه الفقرة الآتي:
أولاً: جواز حبس المدين.
ثانياً : جواز سماع البينة على إعسار المدين.
ثالثاً : لإطلاق سراح المدين ، لا بد أن يثبت إعساره ببينة كافية.
وعليه فمن ظاهر الفقرة (د) لا بد أن يتم سماع البينة على الإعسار بعد حبس المدين ، وفقاً للمادة 243 ، وبناءً على طلب الدائن للحبس ، فلا يجوز للمحكمة من تلقاء نفسها حبس المدين ، وغالباً ما يطلب الدائن الحبس حين يٌشكل عليه حال المدين ، ويكون الحبس من قبيل الإكراه البدني لإجبار المدين على السداد وإظهار أية أموال أخفاها. وقد وافق القانون السوداني مسلك بعض التشريعات الأخرى التي أبقت على فكرة الإكراه البدني مع ملاحظة أن المشرع السوداني قد أحاط تطبيق فكرة الإكراه البدني ببعض الضمانات. وقد سلك شٌراح القانون السوداني مسلكاً مؤيداً للإبقاء على فكرة الإكراه البدني ، وذلك باعتبار أنها تسهم في استقرار المعاملات عند عدم قصر العلاقة بين الدائن والمدين على ذمتهما المالية ، فقد ذهب البعض إلى الآتي:
(( إن الإبقاء على فكرة الإكراه البدني كضرورة تستلزمها استقرار المعاملات ، فالقول باقتصار العلاقة بين الدائن والمدين في نطاق حسن النية لا في سوئها ، وحسن النية يعني عدم توافر نية الإضرار بالغير )).

وعليه متى تحققت المحكمة من توافر سوء نية المدين ، فلا مجال لحمايته وذلك بدخوله في نطاق فكرة الإكراه البدني ، وإذا أوقعت المحكمة الحبس على المدين بناءً على طلب الدائن وطلب المدين قبول سماع بينته على الإعسار ، يجب أن تستجيب المحكمة لطلبه ، وطالما أن المادة 244 أج مدنية لسنة 1983م لم تبين وقتاً محدداً لسماع بينة الإعسار ، وسكت النص ، فبالتالي يجوز أن تسمع في الحال بعد الحبس ، ويجوز أن يحدث تراخٍ بعد حبس المدين لحين السداد وبين قبول سماع بينة إعساره ، وهو الأنسب في تقديري تحقيقاً لعدة مصالح ، منها أن ذلك يتيح للدائن الوقوف على أية أموال أخذها المدين وغيبها ؛ لأن الأمر في شأن الأموال من الأحوال الباطنة لا يٌطلع عليها بسهولة إلا ما كشف ظاهر الحال عنه ، كمن عرف حاله بالإقلاع إبتداءً ، ومنها أن إعمال الحبس على المدين وتقييد حريته يجبره على إخراج أي مال أخفاه ، ولكن في كل الأحوال يجب ألا يحدث التراخي في سماع بينة الإعسار ، الإضرار بالمدين ، كأن يكون في شأن ذلك إحداث مشقة عليه في إحضار الشهود بسبب السفر أو المرض الذي يخشى فيه الهلاك ، ويمكن للمحكمة في هذه الحالة سماع البينة في الحال وفقاً لسلطتها التقديرية ، ويلاحظ أن البعض يرى أنه يجوز سماع البينة على الإعسار في الحال قبل الحبس ، إن طلب المدين سماعها ، وعليه فإذا تمّ الحبس على المدين ، ودفع وفقاً للمادة 244(د) بالإعسار وسمعت بينته على إعساره ، يجوز أن يتقدم الدائن ببينة تدحض ما دفع به المدين ، ومن ثمّ ، لإثبات الإعسار اشترطت المادة 244(د) أن يتم إثباته ببينة كافية ، تاركة الأمر لمحكمة الموضوع ، ولم تشترط وصفاً معيناً للبينة ، فيجوز إثبات الإعسار بشهادة الشهود ، وهو الغالب ، ولم تحدد نصاباً معيناً لعدد الشهود ويجوز تبعاً لذلك بعد سماع أقوال المدين على إعساره الإثبات بشهادة شاهد واحد فصاعداً ، ويمكن الإثبات بأية بينة أخرى ؛ لأن لفظ البينة ، وفقاً لما عرفته المادة (4) من قانون الإثبات لسنة 1994م ( يقصد به أية وسيلة يتم بها إثبات أو نفـي أية واقعة متعلقة بدعوى أو نزاع أمام المحكمين والموفقين ) وبالتالي يمكن إثبات الإعسار بسائر طـرق الإثبات ، بخلاف الشهادة ، وطالما لم ينص النص على عدد معين للشهود ، يجوز القياس على ما جاء في الفقه الإسلامي من سماع الإعسار بشهادة ثلاثة شهود ، قياساً على حديث من أصابته جائحة ، حيث أمره الرسول الكريم بأن يحضر ثلاثة من ذوي الحجى ، وفي كل الأحوال يجب ألاّ تقف الشهادة على ظاهر أحوال المدين ، ويجب أن تكشف عن باطـن أحوال المدين ، ويمكن أن تستشف أحوال المدين ، ومدى إلمام الشاهد بها بمناقشته إن كان ذا دراية وإلمام بأحواله ، فقد يكون مخالطاً للمدين جواراً أو شراكة معه في أسواق التجارة ولما كان مدى تقدير كفاية البينة المقدمة على إعسار المدين متروكة لتقدير محكمة الموضوع ، يراعى أن لكل واقعة ظروفها.

الموازنة بين الفقه والقانون:

عند الموازنة بين الفقه والقانون فيما يتعلق بجواز حبس المدين مدعي الإعسار ، أتفق الفقه والقانون في ذلك ، فيجوز للدائن طلب حبس مدينه إذا أشكل عليه معرفة أحواله. واختلف الفقهاء في جواز سماع البينة على الإعسار قبل الحبس أم بعده. وقدمنا أن الإمام أبو حنيفة يرى عدم سماع البينة قبل الحبس ، وخالفه في ذلك جمهور الفقهاء ، وأخذ القانون برأي الإمام أبي حنيفة، كما اشترط الفقهاء في الشهادة على الإعسار أن يشهد من يعرف ظاهر وباطن المدين ، أما في القانون السوداني فقد نص المشرع في المادة 244(د) إ ج مدنية لسنة 1983م ضرورة إثبات الإعسار ببينة كافية ، وترك ذلك لتقدير محكمة الموضوع واجتهادها ، وفي تقدير مدى كفاية البينة . وفي جواز تحليف المدين بعد سماع بينة إعساره وقبولها أنه لا مال له ظاهر ولا باطن ، وأجازوا كذلك للدائن جواز ملازمة مدينه ليعرف أحواله ، أما في القانون ، فقد سكت النص ويحمل على ذلك جواز تحليف المدين على عدم المال الظاهر أو الباطن ، وجواز ملازمة الدائن لمدينه ؛ لأن الإعسار كونه يثبت ببينة كافية يدخل فيها الإثبات بالشهادة أو بتوجيه اليمين.

تطبيقات السوابق القضائية للدفع بالإعسار:

تباينت تطبيقات المحاكم لبينة الإعسار وجل السوابق التي تناولت الإعسار غير منشورة ومنها على سبيل المثال محاكمة :
مبارك محمد الأمين //ضد// الشيخ الطيب المجذوب
م ع/ط ج/774/1999م
حيث جاء فيها قرار المحكمة العليا مؤيداً لقرار محكمة الموضوع برفض الدفع بالإعسار في دعوى إعطاء الصك المردود وبينت أن لمحرر الصك المردود أن يدفع بدفوع محددة إما بسقوط المقابل أو بالغش أو بالتدليس وأن الدفع بالإعسار يرفض إذا كان المدين سيئ النية وتوافرت له نية الإضرار. ونفس ما جاء في السابقة الماضية قررته محاكمة : حامد عنتر م ع/ ط ج/ 177/1999م ومحاكمة : وليد الشيخ خوجلي حيث جاءت مؤكدة رفض الدفع بالإعسار إذا كان سلوك المدين ينم عن نية الإضرار بالدائنين لسوء النية ، ويلاحظ أن هذا المسلك مؤيد من بعض الشراح لقانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م ويعاب عليه أن سوء النية إستصحبته المحكمة في الدلالة على توافر الفعل الجنائي ولا يصلح سبباً لرفض الدفع بالإعسار لأن المعيار هو مدى غنى وفقر المدين عند سماع البينة ، ويمكن اعتبار سوء النية سبباً لرفض الإعسار إذا ثبت تصرف المدين في ممتلكاته من عقارات أو منقولات بعد إقامة الدعوى الجنائية أو الحكم فيها وفي كل الأحوال الدائن هو الذي يثبت ذلك.
أما القول برفض الدفع بالإعسار في جريمة إعطاء الصك المردود فلا يصلح سبباً لرفض الإعسار لأن المبلغ الذي تحكم به المحكمة بعد ثبوت المسئولية الجنائية يصبح مبلغاً ثابتاً في الذمة ولا يخرج عن نطاق المعاملات والديون.
وقـد جــاءت السابقــة غير المنشـورة : م ع/ ط م / 770/1999م ( علي العوض محمد علي //ضد// مجدي محمد خير ) في الرأي الأول مقررة لرفض الدفع بالإعسار وقد تلخص في أن الإعسار لا يثور في حالة الحكم بالتعويض جنائياً لاختلاف معنى الدين والمال المشار إليهما في المادة 243 إ ج مدنية لسنة 1983م عنه في حالة التعويض خاصة إذا تقرر بحكم جنائي.
والرأي المذكور يتماشى مع الآراء التي منعت الدفع بالإعسار في دعاوى إعطاء صكوك مردودة ولكن لابد من الإشارة إلى أن الحكم الجنائي وفقاً للمادة 198 أ ج جنائية لسنة 1991م ينفذ بالطريق المدني ويصير هذا الحكم باتاً ويصبح المبلغ الذي تحكم به المحكمة ثابتاً في الذمة ويدخل في نطاق الديون والمعاملات ، وبالتالي فمعيار أن الدفع بالإعسار لا يثور في حالة الحكم بالتعويض جنائياً ليس راجحاً وهذا ما قرره الرأي الثاني فـي الطعن المذكـور ووافقه صاحب الـرأي الثالث حيث ذكر : ( المحكمة الجنائية عندما أصدرت حكمها بالتعويض على الطاعن صار هذا المبلغ ديناً في ذمته كسائر الديون الأخرى وحددت استيفاءه بالطريق المدني للتنفيذ والذي تحكمه نصوص الباب العاشر من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م بما فيها نص المادتين (243/244).
أما محاكمة عبد الله علي نجدي / م ع/ ط ج/219/1999م وتتلخص في أن محكمة الموضوع استمعت إلى بينة الإعسار المقدمة من المدين وكانت المحكمة عند الحكم ألزمته بدفع مبلغ عشرة مليون جنيه للشاكي تحصل وفقاً للمادة 198 إ. ج .ج لسنة 1991م وبعد سماع البينة قضت برفض الدفع بالإعسار وبحبسه حتى السداد وقد استأنف المدين لدى محكمة الاستئناف والتي بدورها أيدت قرار محكمة الموضوع ثم كان هذا الطعن وكانت خلاصة الرأي الأول (الذي لم يخالفه صراحة كل من الرأي الثاني والثالث) كالآتي:
1- إذا ثبت الإعسار بشهادة الشهود الذين خبروا باطن أحوال المدين فيجب قبول الإعسار وإطلاق سراح المدين لأن ما اتفقت عليه المذاهب الإسلامية هو حبس المدين الموسر.
2- على القاضي التحقق من بينة إعسار المدين دون المساس بمبدأ النظرة إلى الميسرة.
3- يجوز تحليف المدين بعد سماع البينة وقبل قبول إعساره على البت بعدم المال الظاهر والباطن ويجب أن يقدم كفيلاً لاطلاق سراحه.

إن اشتراط تحليف المدين بعد سماع بينته وقبل قبول إعساره وتقديمه كفيلاً حسبما جاء في الرأي الأول ، يتعارض وصريح نص المادة 244إ ج مدنية لسنة 1983م الذي لم ينص على تحليف المدين ولا تقديم كفيل. ولا اجتهاد مع النص.
كما أنه في تقديري – لا يتماشى مع قانون أصول الأحكام القضائية سنة 1983م في المادة (3) منه. هذا من ناحية ؛ ومن ناحية أخرى فإن تقديم كفيل فيه معنى الوفاء وتنفيذ الالتزام عن المدين حسبما نصت عليه المادة 484 من قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م.
ولما كانت جل الآراء في قبول الإعسار مبنية على مبدأ ( النظرة ) المستمدة من قوله تعالى: [ وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌٌ إلى ميسرةٍ ] فلا بد من بيان ما جاء في كتب التفسير تفسيراً لهذه الآية ، وموقف الفقهـاء بناءً على ذلك حيث جـاء فــي التفسير الكبير: ( فنظرةٌٌ إلى ميسرةٍ)… واختلفوا في حكم الانظار مختص بالربا أم عام في الكل فقال ابن عباس وشريح والضحاك والسدي ، الآية في الربا وذكر عن شريح القاضي أنه أمر بحبس أحد الخصمين فقيل أنه معسـر ، فقال شريح إن ذلك في الربا ، ونفس الأمـر أورده القرطبي ( فنظرة إلى ميسرة ) عامة في جميع الناس ، فكل من أعسر أنظر ، وهذا قول أبي هريرة والحسن وعامة الفقهاء. وقال ابن عباس وشريح ذلك في الربا خاصة فأما الديون وسائر المعاملات ، فليس فيها نظرة ، بل تؤدى إلى أهلها. أو يحبس فيها حتى يوفيها.
واستدل الفريق الأول بأن الآية جاءت مثبتة النظرة في الإعسار عملاً بظاهر الآية ، وأنها لا تختص بدين الربا فقط بناء على أن القراءة وردت عن نافع في ( ميسرة ) بضم السين ، فيكون المعنى ( وإن وقع ذو عسرة من الناس أجمعين) ولو كان في الربا خاصة لكان النصب أوْجَه، فيصير حكمها حكماً لغيرها ، عملاً بالقاعدة الأصولية ( العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)، ويٌلاحظ أنّ مقتضى القراءة بضم السين في ( ميسرة ) أنها مأخوذة من اليسر وهو السهولة كما تقدم بيانه ، كما أن (كان) فعل تامّ بمعنى حصل ووقع ، و (ذو) فاعل.
أما الفريق الثاني فاستدلوا بأن الآية خاصة في الربا ولا تثبت حكم الإنظار في سائر الديون والمعاملات بموجبها ، واستدلوا بقراءة النص بفتح السين في (ميسرة) وبقوله تعالى : [ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها..] ومقتضى القراءة بالنصب أن تكون (ميسرة) مأخوذة من اليسار ، وهو الربا عند العرب ، فتقتصر النظرة على دين الربا لذلك.
وبالموازنة بين الرأيين ، فإن كل رأي له حجته في الاستدلال فيما ذهب إليه ، فالأول مخفف على مدعي الفلس ، والثاني مشـدد عليه مخفف على الدائن ، والاستدلال بالقراءة بناءً على اختلاف القراء فيها حيث جاء : (ميسرة) قرأ نافع بضم السين ، وفتح الباقون ، وهما لغتان ، إلا أن الفتح هو الأشهر. وبالفتح قرأ علي بن أبي طالب وابن عمرو الأعرج وأبو جعفر وابن جندب والحسن وقتاده ، والفتح هو الاختيار لإجماع القراء عليه ، ولأنه الأكثر في الاستعمال بالهاء وبغيرها.
ومما سبق فقراءة الفتح ترجح مسلك شريح وابن عباس ، أما الخلاف في القـراءات فقـد ثبت لعـدة اعتبارات نشـأ عنهـا اختلاف الفقهاء حتى قيل: ( اختلاف القراء من اختلاف الفقهاء ، وإن اختلاف القراء كله حق وصواب نزل من عند الله ، وهو كلامه لا شك فيه ، واختلاف الفقهاء اختلاف اجتهادي ، والحق في نفس الأمر فيه واحد ، فكل مذهب بالنسبة للآخر صواب يحتمل الخطأ وكلّ قراءة بالنسبة إلى الأخرى حق وصواب في نفس الأمر).
ووجه الدلالة في أن قراءة (ميسرة) تارةً بالرفع وتارةً بالفتح ، مما يقطع بأن القراءة سٌنّة ، فيجوز الاحتجاج بالأوجه الإعرابية بما جاء في مرسوم المصاحف في عهد أبي بكر وعمر ؛ لأنها موثقة بالرواية الصحيحة والسند المتصل ، مع أن شذوذها مخالف المصاحف العثمانية ، وقد فعل ذلك سيبويه وكان على شريعة من الأمر. ولم يقرأ القراء إلاّ بوجهٍ واحدٍ ، والاختلاف في (ميسرة) في الشكل فقط.
وتبعاً لما تقدم فإن كل قراءة حق وصواب يحتج بها ، فالأمر جوازي في وجه الاستدلال ، وفقاً لما يراه كل فريق رجاحة من جهة الدليل وقوته ، ومن ثم لا يتأتى القول بمنع الإعسار مطلقاً، ولا يصح القول بقبوله مطلقاً ، فلا بد من الموازنة والتمحيص الدقيق للبينة ، ويجب ألا تكتفي المحكمة بالشهادة التي تقف على ظاهر أحوال المدين ، وإنما تتعداها إلى التي تفصح عن ظاهر أحوال المدين وباطنه. وأرى أنه قلما تتوافر في الشهود هذه الشروط ، وبالتالي عندي مسلك بن عباس وشريح حيث إن استقرار المعاملات والحفاظ على مصالح الناس كافة تطبيقاً لقاعدة "جلب المصالح مقدم على درء المفاسد " وقبول الإعسار على إطلاقه فيه جلب لها ، ومن ناحية أخرى فبالنظر إلى جريمة إعطاء الصك المردود والتي لا يكون فيها التجريم كافياً ، ولا بد للشاكي من جبر ضرره بتعويضـه ، ومن ثم فإن جٌلّ الأحكام تكون برد قيمة الصك له ، فهو قد بذل المقابل ، وحٌرِمَ مقابل صكه من النقود ، وبالتالي يكون بذل مرتين رأس ماله المتمثل في المقابل الذي استلمه المتهم على أي نحوٍ كان ، وحرمانه من المقابل جراء إقدامه على المعاقدة ، والرأي المتقدم يتفق مع مسلك محمد بن الحنفية في أن الدين إن ثبت بمعاقدة وعن عوض ، فالقول قول الطالب ؛ لأن الظاهر شاهد له.
ويتفق مسلك بن عباس وشريح القاضي أيضاً مع ما نقل عن الإمام مالك في حبسه في الإعسار حتى الأداء ، عملاً منه بالمصلحة المرسلة . وقد يٌجاب عن ذلك بأن الفقهاء أنكروا العمل بالمصالح المرسلة ، ولكن بتتبع فقه الأئمة واجتهادهم " أبو حنيفة والشافعي وأحمد " يتبين ما يدل على أنهم جميعاً كانوا يبنون أحكامهـم الاجتهادية وفقاً للمصالح المرسلة. ولخص القرافـي ذلك بقوله " وأما المصلحة المرسلة ، فغيرنا يصرح بإنكارها ، لكن تجدهم عند التفريع يعللون بمطلق المصلحة ، ولا يطالبون أنفسهم عند الفروق والجوامع بإبداء الشواهد لها بالاعتبار ، بل يعتمدون على مجرد المناسبة ، وهذا هو المصلحة المرسلة ".
وخلاصة ذلك حبس مدعي الفلس حتى يتبين صدقه ، وفي ذلك جلب مصلحة بعدم تمكين الغرماء من أكل أموال الناس بالباطل.


الخاتمــــة

تقدم تناول البحث بالإعسار في الفقه والقانون ،والموازنة بينهما من حيث تطبيقات السوابق للدفع بالإعسار ، وتناول البحث بعض النماذج لتلك السوابق القضائية "غير المنشورة ".

وخلص البحث إلى الآتي:

أولاً: تتفق معاجم اللغة مع أراء الفقهاء في بيان ماهية الإعسار ، وأن الإعسار ضد اليسر.
ثانياً: البينة على الإعسار في الفقه بينة على النفي قبلت للحاجة ، واختلف الفقهاء في وقت سماعها.
فذهب الجمهور إلى سماعها قبل الحبس ، ويرى أبو حنيفة سماعها بعد الحبس ، واتفق القانون مع مسلك الحنفية ، ويشترط الفقهاء أن يكون الحبس بطلب الدائن.
ثالثاً: اشترط الفقهاء في شهود الإعسار أن لا تقف شهادتهم على مجرد ظاهر أحوال المدين ، واشترطوا الخبرة الباطنة ، واشترط القانون لقبول الإعسار أن يثبت ببينة كافية ، تاركاً الأمر لاجتهاد القاضي.
رابعاً: إذا قٌبلَ الإعسار يجوز في الفقه تحليف المدين على البينة أنه لا مال ظاهر له ولا باطن ، مع إحضار كفيل بالمال ليتمكن الدائن من ملازمة مدينه لمعرفة أحواله . وترك القانون ذلك أيضاً لاجتهاد القاضي في جواز إثبات الإعسار ببينة كافية فقط ، ويدخل في البينة توجيه اليمين.
خامساً: إذا ثبت الدين بمعاقدة الدين ، وادعى المدين الإعسار ، وادعى الدائن اليسار ، فعند الإمام محمد بن الحسن من الحنفية القول قول الطالب (الدائن) لأن الشاهد ظاهر له سلامة المال ، والإنسان لا يقدم على المعاقدة إلا إذا كان قادراً.
سادساً: يشترط في الفقه ثلاث شهود لإثبات الإعسار قياساً علـى حديث "من أصابته جائحة " بخلاف القانون الذي أشار إلى إثبات الإعسار ببينة كافية ، وترك كفاية البينة لتقدير قاضي الموضوع.
سابعاً: يعتمـد من يـرى جواز قبول الدفع بالإعسار على قوله تعالى : [ فَإن كَانَ ذٌو عٌسرةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ ] البقرة الآية 280
فلا يقتصر الأمر على دين الربا ، ويتعداه إلى سائر الديون ، وخالف ذلك بن عباس وشريح وجماعة من الفقهاء ، ويرون الآية خاصة بالربا.
ثامناً: اعتمد الفقهاء الذين رجحوا النظرة والتأخير عملاً بالآية 280 من سورة البقرة على وجه القراءة بالرفع في " ميسرة" وبها قرأ نافع.
واعتمد الفريق الثاني على قراءة "ميسرة" بالنصب ، وبالرجوع إلى كتب التفسير والقراءات ، فالاختلاف في ضبط الشكل ، وكل قراءة حق وصواب ، ويحتج بها ، مما يقطع بجواز الأخذ بكل رأي من الآراء المتقدمة.
تاسعاً: لا يجوز القطع بقبول الإعسار مطلقاً ، ولا رفضه ، وإنما مدار القبول والرفض على تمحيص البينة وعدم الوقوف على ظاهر البينات ، وإنما يشترط الخبرة الباطنة ، عملاً بما انتهجه الفقهاء والراجح عندي أنه عند عدم توافر البينة الكافية ، تغليب رأي بن عباس وشريح في الحبس حتى الوفاء ، وعملاً برأي الإمام مالك في العمل بالمصالح المرسلة.
عاشراً: إن تطبيقات السوابق وبالأخص سابقة عبد الله علي نجدي أبانت ما يجب اتباعه عند سماع بينة الإعسار بالركون إلى شروط الفقهاء المشترطة في قبول الإعسار والشهادة عليه ، وعدم الوقوف على ظاهر الشهادة .

المقصود بالإعسار فى القانون المدنى




: هو حالة المدين الذي تزيد ديونه على حقوقه، أي تربو ديونه على أمواله. صــور الإعسار : الإعسار له صورتان / 1.الإعسار الفعلي : هو زيادة ديون المدين جميعها الحالة والمؤجلة على قيمة أمواله مثال ذلكـ : إذا كانت ديون الدائن الحالة (10) آلاف والمؤجلة (ألفين جنيه) وأمواله (12) ألف ريال، في هذه الحالة يكون المدين معسر إعساراً فعلياً. 2. الإعسار القانوني : هو حالة قانونية تنشأ من زيادة ديون المدين المستحقة الأداء على أمواله، فتلك الديون وحدها دون الديون المؤجلة هي التي تجيز شهر الإعسار ،مثال ذلكـ : إذا كانت ديون الدائن (12) ألف جنيه وأمواله (10) آلاف كان المدين معسراً إعساراً قانونياً يبرر رفع دعوى شهر إعسار ضده.
أهمية الإعســار :
تتمثل الأهمية الرئيسية للإعسار العملية في فشل الوسائل الأخرى، وينبثق من تلك الأهمية الرئيسية بعض الأهميات منها ما هو متعلق بالمدين ومنها ما يتعلق بالدائن : أما بالنسبة للمدين : لا ينتج عن شهر الإعسار بالضرورة حلول الدين المؤجل فللقاضي سلطة تقديرية في إبقاء الأجل الخاص بالدين المؤجل، وهناك أهمية أخرى بالنسبة لإعسار المدين وهي حقه في الحصول على نفقة من المال محل الحبس. بالنسبة للدائن : كفل الإعسار له قدر كبير من الحماية فب مجرد تسجيل صحيفة دعوى إشهار الإعسار تبطل جميع تصرفات المدين على أمواله. الشروط المتطلبة لشهر الإعسار : 1. أن تكون أموا ل المدين غير كافية لوفاء ديونه المستحقة. 2. أن شهر الإعسار يكون بمقتضى حكم قضائي بناءً على طلب أحد الدائنين أو المدين نفسه، مع مراعاة القاضي لظروف المدين قبل شهر إعساره. طلب شهر الإعسار : & يتعين لشهر الإعسار أن طلبه من المحكمة المدين أو أحد دائنيه.
س / هل يجوز للقاضي إشهار إعسار شخص من تلقاء نفسه بدون تحريك دعوى شهر إعسار ؟
الجواب :
لا يجوز للقاضي أن يقضي بشهر إعسار المدين من تلقاء نفسه بل لا بد أن يطلب أحد الدائنين ذلك، والعلة : أن ذلك حق خاص وليس حق عام. & المدين قد تكون له مصلحة في طلب الإعسار ليدل على حسن نيته وليستفيد مما يوفر له نظام الإعسار من مزايا كنظرة إلى ميسرة في أداء ديونه الحالة والحصول على نفقة تقتطع من إيراده. & الغالب أن يطلب أحد الدائنين شهر إعسار المدين وتتحقق مصلحة الدائنين في ذلك إذا خشي إلى الالتجاء إلى تبديد أمواله أو إخفائها أو اصطناع ديون صورية أو إذا خشي هذا الدائن أن يسارع غيره من الدائنين إلى أخذ اختصاصات على عقارات المدين فيتقدمون بها عليه في استيفاء حقوقهم. عبء إثبات الإعسار : يقع عبء إثبات الإعسار على من يطلب شهر إعساره ويكون غالباً أحد الدائنين، ويمكن إثبات الإعسار بجميع الطرق لأن الإعسار واقعة مادية. سلطة المحكمة في شهر الإعسار : إذا توفر شرط الإعسار السابق ـ وهو بأن كانت أموال المدين لا تكفي للوفاء بديونه الحالة ـ إلا أنه ليس من الضروري مع ذلك أن تقضي المحكمة بشهر إعســار المدين بل إن لها سلطة تقديرية واسعة في ذلك.

دعوى شهر الإعسار

دعوى الإعسار : هي عبارة عن دعوى يرفعها أحد الدائنين على المدين المعسر أو يطلبها المدين نفسه وقد ينتج عن هذه الدعوى حكم بشهر الإعسار. الهدف من دعوى الإعسار : 1. غل يد المدين عن التصرف بأمواله حتى لا يضر بالدائنين. 2. منع أحد الدائنين من أخذ حق الاختصاص على عقارات المدين تمكنه من التقدم على سائر الآخرين.

أ) طرفا دعوى الإعسار.
1. المدعى عليه في دعوى الإعسار " المدين "
/ تعريفه :(( المدين )) هو الذي عليه الوفاء في مواجهة الدائن.
س / ما دليلك كدائن " المدعي " على أن المدين " المدعى عليه " في حالة إعسار قانوني ؟
الجواب :
الدليل أنني عند مطالبة المدين بالدين الحال فتوقف عن دفعه هنا أقوم بتحريك دعوى شهر إعسار، ويمكن تحريك هذه الدعوى بصورة منفردة ولا يتطلب الأمر إجماع الدائنين، كما في حالة دعوى الإفلاس.
2. المدعي في دعوى الإعسار " الدائن "
/ تعريفه :(( الدائن )) هو من له الحق مطالبة المدين بأداء التزامه وله في ذلك مصالح شتى من هذه المصالح : • الخشية من قيام المدين بتبديد أمواله أو إخفائها أو التصرف فيها للإضرار بحقوق دائنيه. • الخشية من أن يبادر الدائنون الآخرون إلى أخذ اختصاص على عقارات المدين. • قطع الطريق على المدين المعسر في شهر إعساره بسوء نية حتى يفوت على دائنيه الحصول على أمواله.

ب) إجراءات دعوى الإعسار /
1. السرعة في نظر الدعوى : مبدئياً لا بد أن نعلم أن المحكمة المختصة بدعوى الإعسار هي المحكمة الابتدائية في النظم الوضعية ويقابلها المحكمة الشرعية في النظام السعودي وذلك طبقاً لنص (م 231 / 1 من اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية) بشرط أن ترفع دعوى الإعسار في موطن المدين " وهذا يعتبر اختصاص مكاني " وذلك طبقاً لنص (م 34 م ش) ولا بد من نظر دعوى الإعسار بصفة عاجلة فتقدم على غيرها من الدعاوى العادية وذلك طبقاً لنص (م 233 م ش) ـ والهدف من السرعة : حتى لا يلجأ المدين إلى تهريب أمواله بصورة غير مشروعة وذلك طبق (م 208 م ش) ـ ومادامت الدعوى عاجلة فلا يقبل فيها طلب التأجيل إلا عند الضرورة ويكون التأجيل يسيراً والحكم في دعوى الإعسار إذا صدر غيابياً في غيبة " المدعى عليه " بالقبول أو الرفض يكون هذا الحكم قابلاً للاعتراض " التمييز " ولكن موعد التمييز (ثلاثون يوماً)وذلك طبق (م 178 م ش) من تاريخ إعلان الحكم الغيابي. 2. طبيعة الحكم الصادر بشهر الإعسار والعلانية التي نظمها : الحكم الصادر بشهر الإعسار منشئ لحالة قانونية جديدة بمعنى نقل المدين إلى حالة جديدة يرتب بموجبها القانون نتائج هامة منها أنه حجة على الكافة والمدين الذي شُهر إعساره يعتبر معسراً لا بالنسبة إلى الدائن الذي رفع دعوى شهر الإعسار فقط بل بالنسبة إلى سائر الدائنين وكذلك بالنسبة إلى الغير حسن النية الذي يتعامل معهم المدين فلا ينفذ تصرفه كما كفل القانون علانية حكم الإعسار، وهناك طريقتين لهذا الإعلان :ـ الطريقة الأولى / طريق قلم كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم بحيث يقوم كاتب المحكمة بفتح سجل خاص مرتب أبجدياً يحتوي على أسماء المعسرين الطريقة الثانية / طريقة قلم كتاب محكمة أكبر من المحكمة التي أصدرت الحكم بحيث ترسل لها صورة من الحكم لتسجيلها والتأشير عليها ويكون الغرض منها تنظيم سجل خاص مركزي وعام يستطيع الباحث إذا رجع إليه أن يعلم بحال المدين في أي موطن.

الآثار التي تترتب على حالة الإعسار

أ) بالنسبة للمدين :

1. غل يد المدين المعسر عن التصرف بأمواله. 2. تعيين حارس على هذه الأموال ويعين المدين نفسه حارساً على أمواله المحجوز عليها إلا إذا اقتضت الضرورة بغير ذلك. 3. حلول الديون المؤجلة التي في ذمة المدين. 4. عدم اعتبار إقرار المدين بدين جديد. 5. عدم جواز الوفاء لأحد الدائنين. 6. قرر المشرع حماية للدائنين توقيع عقوبة التبديد على المدين إذا ارتكب عمل من أعمال الغش أو تعمد الإعسار أو اخفى أمواله أو اصطنع ديون صورية وكان غرضه الإضرار بدائنيه. 7. تعيين نفقة للمدين المحجور عليه" المعسر ".

ب) بالنسبة للدائن :

1. حلول كل ما في ذمة المدين من ديون مؤجلة إذا حكم بشهر الإعسار عليه بحيث يستطيع الدائنون المؤجلة ديونهم من استيفاء حقوقهم في التنفيذ فوراً على أموال المدين. 2. لا يجوز الاحتجاج على الدائنين الذين لهم حقوق سابقة على تسجيل صحيفة دعوى الإعسار بأي اختصاص يقع على عقارات المدين بعد هذا التسجيل 3. لا يحول شهر الإعسار دون اتخاذ الدائنين اجراءات فردية ضد المدين عكس الإفلاس فإن الإجراء الفردي لا يحقق شهر الإفلاس الذي يتطلب إجراء جماعي من الدائنين.

انتهاء حالة الإعسار

أ) كيفية انتهاء حالة الإعسار ؟ تنتهي حالة الإعسار بطريقتين وينتج عنهما آثار واحدة وهي على النحو التالي : الطريقة الأولى : انتهاء حالة الإعسار بحكم قضائي. تنتهي حالة الإعسار بحكم قضائي تصدره المحكمة المختصة (وتكون المحكمة المختصة هي التي يتبعها موطن المدين متى زال السبب الذي شهر من أجله الإعسار ويتحقق ذلك في حالتين : 1. إذا أصبحت ديون المدين لا تزيد على أمواله. 2. إذا قام المدين بوفاء ديونه التي حلت دون أن يكون لشهر الإعسار أثر في حلولها. الطريقة الثانية : انتهاء حالة الإعسار بقوة القانون. تنتهي حالة الإعسار بعد انقضاء المدة المقررة في القانون والتي يعود بموجبها المدين للحالة التي كان عليها قبل طلب شهر الإعسار، وهنا تسقط حالة الإعسار حتى ولو كان السبب الذي أشهر الإعسار من أجله ما زال قائماً.

ب) ما يترتب على انتهاء حالة الإعسار. يترتب على انتهاء حالة الإعسار زوال آثاره التي ترتبت على شهره، وينبني على ذلك : 1. استعادة المدين حق التصرف في أمواله بما فيها حالات التصرف في مواجهة دائنيه ويترتب على ذلك انتفاء عقوبة التبديد. 2. لا يترتب على انتهاء حالة الإعسار بقوة القانون حرمان الدائنين من الطعن في تصرفات المدين بإحدى الوسائل الأخرى " وسائل حماية الضمان العام ". 3. يجوز للمدين بعد انتهاء حالة الإعسار أن يطلب تفعيل الآجال الخاصة بالديون المؤجلة بشرط أن يكون قد وفى ديونه التي حلت دون أن يكون لشهر الإعسار أثر في حلولها.