بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

09 أغسطس 2011

قضية رقم 48 لسنة 18 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"


باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأثنين 15 سبتمبر سنة 1997 الموافق 13 جمادى الأولى 1418 ه
برئاسة السيد المستشار الدكتور عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف •
وحضور السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / حمدى أنور صابر أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 48 لسنة 18 قضائية "دستورية"
المقامة من
السيد الدكتور/ يحيى محمد أحمد قطرية
ضد
1 - السيد / رئيس الجمهورية
2 - السيد / رئيس مجلس الوزراء
3 - السيد / وزير العدل
4 - السيد المستسشار/ النائب العام

الإجراءات
بتاريخ 26 مايو سنة 1996، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبا الحكم بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 23 من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى •
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها •
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم •

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة •
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أن النيابة العامة كانت قد قدمت المدعى للمحاكمة الجنائية فى القضية رقم 1 لسنة 1992 جنح أمن دولة الدخيلة، متهمة إياه بأنه فى غضون شهر يونيه 1989 بدائرة قسم الدخيلة قد تخلف - بصفته مالكا - ودون مقتض عن تسليم الوحدة السكنية التى ابتاعها منه السيد / محمد العريف إبراهيم، مخالفا بذلك أحكام المواد 1 و 13/5 و 71 و 8/1 من القانون رقم 49 لسنة 1977 فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وكذلك الفقرة الثانية من المادة 23 من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فضلا عن المادة 336 من قانون العقوبات • وإذ قضى غيابيا بحبس المتهم ستة أشهر، فقد عارض فى هذا الحكم، وقضى فى معارضته بقبولها شكلا ورفضها موضوعا، مما دعاه إلى الطعن استئنافيا فى الحكم الصادر فيها، فقضى غيابيا فى استئنافه بقبوله كذلك شكلا ورفضه موضوعا وتأييد الحكم المستأنف، وإذ عارض فى هذا الحكم ودفع بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 23 من القانون 136 لسنة 1981 المشار إليه، وكانت محكمة الموضوع قد قدرت جدية هذا الدفع، وصرحت برفع الدعوى الدستورية، فقد أقامها •

وحيث إن الفقرة الأولى من المادة 23 من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تقضى بأن <<يعاقب بعقوبة جريمة النصب المنصوص عليها فى قانون العقوبات المالك الذى يتقاضى بأية صورة من الصور • بذاته أو بالوساطة أكثر من مقدم عن ذات الوحدة أو يؤجرها لأكثر من مستأجر، أو يبيعها لغير من تعاقد معه على شرائها ويبطل كل تصرف بالبيع لاحق لهذا التاريخ ولو كان مسجلا >> •

وتنص فقرتها الثانية على أن << ويعاقب بذات العقوبة المالك الذى يتخلف دون مقتض عن تسليم الوحدة فى الموعد المحدد فضلا عن إلزامه بأن يؤدى إلى الطرف الآخر مثلى مقدار المقدم وذلك دون إخلال بالتعاقد وبحق المستأجر فى استكمال الأعمال الناقصة وفقا لحكم الفقرة الأخيرة من المادة 13 من القانون رقم 49 لسنة 1977>> •
وتقضى فقرتها الثالثة بأن << ويكون ممثل الشخص الاعتبارى مسئولا عما يقع من مخالفات لأحكام هذه المادة >> •

وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن تتوافر ثمة علاقة منطقية بينها وبين المصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى، وذلك بأن يكون الفصل فى المسائل الدستورية لازما للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، وكان النزاع الموضوعى يتعلق بوحدة سكنية تخلف المدعى - وبصفته مالكا -عن تسليمها إلى من ابتاعها منه، فإن مصلحته - وعلى ضوء الدعوى الجنائية التى اتهم فيها تنحصر فى الفصل فى دستورية الفقرة الثانية من المادة 23 من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، وذلك فى مجال تطبيقها بالنسبة إلى من يبيعون وحدة سكنية، ويخلون - دون مقتض - بالتزامهم بتسليمها لأصحابها فى الموعد المحدد •

وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه - محددا نطاقا على النحو المتقدم - مخالفته لنص المادة 66 من الدستور، وذلك تأسيسا على عدة وجوه :

أولها : أن المشرع وإن جاز أن يحدد بالنصوص القانونية ماهية الأفعال التى يعتبر إتيانها أو تركها جريمة معاقبا عليها قانونا؛ إلا أن ذلك لايعنى إطلاق يده بعيدا عن إطار الشرعية الدستورية، ذلك أن مايعتبر جريمة أسبق تاريخيا من كل الدساتير الوضعية، هذا فضلا عن أن الجريمة فى الشريعة الإسلامية تمثلها تلك الأفعال التى زجر الله تعالى عنها بحد أو تعزير، وهى كذلك أفعال لاينهى المشرع عنها، إلا على ضوء تقديره لإضرارها بمصالح الجماعة سواء فى عقائدها أو حياة أفرادها أو أموالهم أو أعراضهم، ويتعين بالتالى أن يكون تجريم إتيان الأفعال أو الامتناع عنها، مرتبطا بعلة تأثيمها، وهو مايعنى انتفاء الجريمة التى لاتبررها علة شرعية •

ثانيها : أن الأصل فى النصوص العقابية - وعلى ماجرى به قضاء المحكمة الدستورية العليا - أن تصاغ فى حدود ضيقة تعريفا بالأفعال التى جرمها المشرع وتحديدا لمضمونها، فلايكون التجهيل بها موطئا للإخلال بحقوق كفلها الدستور لكل مواطن •

والنص المطعون فيه لايجرم سلوكا محددا أتاه المدعى عن عمد وإرادة واعية، وإنما أثم واقعة مادية هى تخلفه عن تسليم وحدة سكنية باعها إلى آخر أيا كان سبب ذلك، بل ولوكان عدم تسليمها ليس مترتبا على نتيجة قصد إليها • ولايزيل هذا العوار، أن يكون النص المطعون فيه قد شرط لقيام الجريمة التى حددها، أن يكون تخلفه عن تسليم تلك الوحدة <<دون مقتض>>، ذلك أن هذه العبارة أكثر غموضا من تعبير << التخلف عن التسليم>> •

ثالثها : أن النص المطعون فيه ينقض افتراض البراءة، إذ يُحَمِّل المتهم عبء إثبات توافر المقتضى المسوغ للتخلف عن التسليم، وإلا حقت عليه العقوبة المقررة قانونا •

رابعها : أن النص المطعون فيه استعمل تعبير المالك ليدل به على كل من المؤجر والبائع، وهو مايعنى أن يؤخذ النص مطلقا ليشمل التجريم كليهما • كذلك فإن عبارة << مثلى المقدم >> يمكن حملها على عقدى البيع والإجارة، مما يؤكد غموض النص العقابى •

خامسها : أن النص المطعون فيه اصطنع التجريم فى مسألة تحكمها قواعد المسئولية المدنية • بل إن العقوبة التى فرضها لهذه الجريمة، تزيد عما يعتبر معقولا لتناسبها مع الأفعال التى أثمها، ومن ثم يكون توقيعها إيلاما غير مبرر وقسوة لا ضرورة لها، خاصة وأن هذه العقوبة هى ذاتها التى فرضها قانون العقوبات لجريمة النصب التى تمس مرتكبها فى شرفه واعتباره •

وحيث إن الأصل فى العقود - وباعتبارها شريعة المتعاقدين تقوم نصوصها مقام القانون فى الدائرة التى يجيزها - هو ضرورة تنفيذها فى كل ماتشمل عليه، فلايجوز نقضها أو تعديلها إلا باتفاق الطرفين أو وفقا للقانون • وكلما نشأ العقد صحيحا ملزما، كان تنفيذه واجبا، فقد التزم المدين بالعقد، فإذا لم يقم بتنفيذه، كان ذلك خطأ عقديا سواء نشأ هذا الخطأ عن عمد أو إهمال أو عن مجرد فعل لايقترن بأيهما •

ومن ثم تظهر المسئولية العقدية باعتبارها جزاء إخفاق المدين فى تنفيذ عقد نشأ صحيحا ملزما، وهى تتحقق بتوافر أركانها؛ وليس ثمة مايحول بين المشرع وبين أن يقيم مسئولية جنائية إلى جانبها، فلايكون اجتماعهما أمرا عصيا أومستبعدا، بل متصورا فى إطار دائرة بذاتها، هى تلك التى يكون الإخلال بالالتزام العقدى فيها قد أضر بمصلحة اجتماعية لها وزنها • وهو مايعنى أن الدستور لايتضمن قاعدة كلية أو فرعية يمكن ردها إلى النصوص التى انتظمها أو ربطها بها، تحول دون تدخل المشرع لتأثيم واقعة النكول عن تنفيذ التزام لم ينشأ مباشرة عن نص القانون، وإنما كان العقد مصدره المباشر، وبشرط أن يكون هذا التأثيم مٌحدِّدا بصورة واضحة لعناصر الجريمة التى أحدثها المشرع •

وهذه القاعدة ذاتها هى التى صاغها المجلس الدستورى الفرنسى وذلك على النحو الآتى:
Aucun principe ou régle de valeur constitutionnelle n"interdit au législateur d"+eriger en infraction le manquement à des obligations qui ne résultent pas directement de la loi elle- même . la méconnaissance par une personne d"obligations contractuelles ayant force obligatoire à son égard peut donc faire l"objet d"une répression pénale des lors que le législateur définit de facon précise et compléte les éléments constitutifs des infractions qu"il vise . (DC, 10 november 1982 , Rec . p . 64 145 - 82)

يؤيد ماتقدم، أن الحرية الشخصية التى يكفلها الدستور، لاتخول أى فرد حقا مطلقا فى أن يتحرر نهائيا فى كل وقت، وتحت كل الظروف، من القيود عليها، بل يجوز كبحها بقيود تتعدد جوانبها تقتضيها أوضاع الجماعة وضرورة صون مصالحها، وتتطلبها كذلك أسس تنظيمها، دون اخلال بأمن أعضائها • " The liberty secured to every preson does not import an absolute right in each person to be, at all times and in all circumstances, wholly free from restraint. There are manifold restraints to which every person is necessarily subject for the common good . On any other basis organized society could not exist with safety to its members " Jacobson V . Massachusetts, 197 U . S 11, 26 (1950). )

وحيث إن الأصل فى سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية مالم يقيدها الدستور بضوابط ترسم تخومها وتحد منها، فلايكون الإخلال بها إلا عدوانا على هذه الحقوق سواء عن طريق تهميشها أوبإهدار مجالاتها الحيوية التى لاتتنفس إلا من خلالها •

وحيث إن مانص عليه الدستور فى المادة 7 من قيام المجتمع على أساس من التضامن الاجتماعى، يعنى وحدة الجماعة فى بنيانها، وتداخل مصالحها لاتصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، واتصال أفرادها وترابطهم ليكون بعضهم لبعض ظهيراً، فلا يتفرقَون بدداً أو يتناحرون طمعا، أو يتنابذون بغياً، وهم بذلك شركاء فى مسئوليتهم قبلها، لايملكون التنصل منها أو التخلى عنها، وليس لفريق منهم بالتالى أن يتقدم على غيره انتهازاً، ولا أن ينال من الحقوق قدراً منها يكون به عدوانا أكثر علواً• بل يتعين أن تتضافر جهودهم لتكون لهم الفرص ذاتها، التى تقيم لمجتمعاتهم بنيانها الحق، وتتهيأ معها تلك الحماية التى ينبغى أن يلوذ بها ضعفاؤهم، ليجدوا فى كنفها الأمن والاستقرار •

وحيث إن القانون الجنائى وإن اتفق مع غيره من القوانين فى سعيها لتنظيم علائق الأفراد سواء فيما بينهم، أو من خلال روابطهم مع مجتمعهم، إلا أن القانون الجنائى يفارقها فى اتخاذه العقوبة أداة لتقويم ما يصدر عنهم من أفعال نهاهم عن إتيانها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد -ومن منظور اجتماعى- مالايجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها اجتماعيا ممكنا، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لايكون مبرراً إلا إذا كان مفيداً من وجهة اجتماعية، فإن كان مجاوزاً تلك الحدود التى لايكون معها ضروريا، غدا مخالفاً للدستور.

وحيث إن الفصل فى دستورية الفقرة المطعون عليها، يتحدد على ضوء اتصال عقوبتها بالأغراض التى يتوخاها الجزاء الجنائى باعتباره عقاباً واقعا بالضرورة فى إطار اجتماعى، منطويا غالبا من خلال قوة الردع على تقييد للحرية الشخصية، ومستنداً إلى قيم ومصالح اجتماعية تبرره، كتلك التى تتعلق بضمان جريان التعامل فى الأموال بما يرد عنها أشكالا من التحايل تقوض الحماية المقررة لها.

وحيث إن من المقرر قانونا - وعلى ماتقضى به المادة 206 من القانون المدنى - أن الالتزام بنقل حق عينى يتضمن الالتزام بتسليم الشئ والمحافظة عليه حتى التسليم؛ وكان ذلك مؤداه أن التزامين يتفرعان عن الالتزام الأصلى بنقل الملكية، أولهما : محافظة بائع العين عليها إلى حين تسليمها، وثانيهما : تسليمها فعلا إلى من ابتاعها، وإن كان أولهما لايعدو أن يكون التزاما ببذل عناية، وثانيهما بتحقيق غاية بذاتها، فلايعتبر تسليمها قد تم صحيحا إلا إذا تمكن مشتريها من حيازتها والانتفاع بها دون عائق، ولولم يستول عليها استيلاء ماديا.

وحيث إن المشرع قدر بالفقرة المطعون عليها أن بعض من يبيعون وحدات سكنية لايسلمونها لأصحابها فى الموعد المحدد، مما يخل بالحقوق الناشئة عن ملكيتهم لها، ويهدر كذلك الثقة المشروعة التى ينبغى أن تسود تعاملهم فيها، فلايكون امتناعهم دون مقتض عن تسليمها إلا صورة من صور التدليس فى الأعم من الأحوال يقارنها انتفاعهم بالأعيان التى باعوها واحتفاظهم بثمنها دون مقابل يعود على أصحابها منها، وإعادة بيعها أحيانا سعيا لنقض ماتم من جهتهم عدوانا، فلايكون التزامهم بالتسليم ناجزا محققا، بل معلقا متراخيا • ومن ثم تدخل المشرع بالجزاءالجنائى لحمل البائعين على إيفاء تعهداتهم مااستطاعوا، فلاينغلق الطريق إلي إنفاذها، ولاينال الجمود مسراها، وعلى الأخص كلما كان شراء العين بقصد استغلالها أو استعمالها فى أغراض الإسكان.

وحيث إن ماتقدم مؤداه، أن التجريم المقرر بالفقرة المطعون عليها مرده إلى الضرورة الاجتماعية التى يمثلها أن صور التعامل فى تلك الأعيان من خلال بيعها، ينبغى أن يحيطها مايكون كافلا لصدقها ويبعد بها عن الالتواء، فلايكون هذا التعامل زيفا أو تربحا غير مشروع بل حقا وإنصافا، لتعايش البيوع الأغراض التى يرتجيها المتبايعون منها، فلايتوهمها أطرافها على غير حقيقتها •

وحيث إن ماينعاه المدعى من أن الفقرة المطعون عليها لاتتضمن تعريفا واضحا بماهية الأفعال التى جرمتها، مردود أولا : بأن الجزاء الجنائى المقرر بها يفترض أن مالكا قد اختار ألايقوم بتسليم الوحدة التى باعها فى الموعد المحدد • وليس التسليم بواقعة مجردة من ملامحها، بل يتم أصلا - ومالم يتفق المتبايعان على غير ذلك - على ضوء الحالة التى كان عليها المبيع عند التعاقد، وبافتراض أن الشئ المبيع كان معينا وقت العقد تعيينا كافيا، وبمراعاة أن تسليمه يمتد إلى ملحقاته وإلى كل ما أعد بصفة دائمة لاستعماله، وبما يتفق وطبيعة المبيع • ولاتجهيل فى ذلك كله بمادية الأفعال التى أثمها المشرع •

ومردود ثانيا : بأن الفقرة المطعون عليها لاتؤثم واقعة التخلف عن التسليم فى ذاتها، بل سلوكا اتصل بها، وكان مؤديا إليها .

ومردود ثالثا : بأن الفقرة المطعون عليها تفترض اتجاه إرادة الجانى إلى الأفعال التى أثمتها، مع قصده إلى تحقيق نتيجتها بعد العلم بدلالتها الإجرامية، وهو مادلت عليه بنصها على انتفاء التجريم كلما وجد المقتضى المانع من التسليم •

ومردود رابعا : بأن الجريمة التى عينتها الفقرة المطعون عليها، وقد توافر ركناها - ماكان منهما ماديا أو معنويا - فإن القول بالتباسها بغيرها، أو أن خفاء قد غشيها وجهل بمضمونها، يكون لغوا •

وحيث إن ماينعاه المدعى على الفقرة المطعون عليها من اتساعها لكل من يؤجر وحدة سكنية أو يمٌلكها للغير، ولايقوم - فى الموعد المحدد - بتسليمها بعد تأجيرها أو بيعها، مما يجهل بدائرة المخاطبين بحكمها، مردود أولا : بأن الفقرة المشار إليها تضمنها قانون ينظم مسائل متعددة، من بينها تلك الأحكام التى تتعلق بمن يعرضون وحدة سكنية على الغير لتمليكها أو استئجارها، وكان منطقيا بالتالى أن يكون تسليمها بعد بيعها أو إجارتها لازما، وأن يمتد التنظيم التشريعى للفقرة المطعون عليها إلى هاتين الصورتين معا •

ومردود ثانيا : بأن غموض النصوص العقابية يعنى انفلاتها من ضوابطها وتعدد تأويلاتها، فلاتكون الأفعال التى منعها المشرع أو طلبها محددة بصورة يقينية، بل شباكا أو شراكا يلقيها المشرع متصيدا باتساعها أو خفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها • ولاكذلك الفقرة المطعون عليها التى صاغها المشرع مؤثما بحكمها من يبيعون أو يؤجرون أعيانا، ولايقومون اختيارا - فى الموعد المحدد - بتسليمها لمشتريها أو مستأجريها •

ومردود ثالثا : بأن الفقرة المطعون عليها تتعلق - فى بعض جوانبها - بمن يعرضون على الغير وحدة سكنية لتمليكها أو تأجيرها، ولايخل الجزاء المقرر بها بوجود عقد بيعها أو إجارتها، ولاينال كذلك من الآثار التى يرتبها •

وحيث إن ماينعاه المدعى على الفقرة المطعون عليها من فرضها لعقوبة لاتتسم بمعقوليتها، فلايكون توقيعها إلا تعبيرا عن قسوتها فى غير ضرورة، ومنافاتها بالتالى للحدود المنطقية التى ينبغى أن تكون إطارا لها، مردود أولا : بأن قضاء هذه المحكمة وإن جرى على أن الشخص لايزر غير سوء عمله، وأن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها يقتضى أن تتوازن خصائصها مع وطأة عقوبتها؛ وكان ذلك مؤداه أن يفرد المشرع لكل جريمة العقوبة التى تناسبها، إلا أن مايكون من الجزاء ملائما لجريمة بذاتها، ينبغى أن يتحدد على ضوء درجة خطورتها ونوع المصالح التى ترتبط بها، وبمراعاة أن الجزاءالجنائى لايكون مخالفا للدستور إلا إذا اختل التعادل بصورة ظاهرة la disproportion manifeste بين مداه وطبيعة الجريمة التى تعلق بها • ودون ذلك يعنى إحلال هذه المحكمة لإرادتها محل تقدير متوازن من السلطة التشريعية للعقوبة التى فرضتها •

ومردود ثانيا : بأن الضرورة الاجتماعية التى تقرر الجزاء المنصوص عليه بالفقرة المطعون عليها لصونها، تبلور تلك الضوابط التى لايتصور أن يتم التعامل فى الأعيان بعيدا عنها، وإلا كان هذا التعامل انتهازا وضربا من التحايل، فلايطمئن من كان طرفا فيه للحقوق التى تتولد عنه إذا صار أمرها نهبا، وكان لازما بالتالى أن يقرن المشرع العقوبة التى فرضتها الفقرة المطعون عليها فى شأن الجريمة التى حددتها، بجزاء مالى يردع من يرتكبونها عن العودة إليها، وينذر غيرهم بأثقالها، فلايقدمون عليها •

ومردود ثالثا : بأن الجزاء المالى المقرر بالفقرة المطعون عليها، وإن تمثل فى التزام بائع الوحدة السكنية بأن يؤدى لمن ابتاعها مثلى مقدار المقدم المدفوع، إلا أن جزاءً على هذا النحو ليس أمرا فجا، ولايتمحض كذلك غلوا، بل إن لهذا الجزاء نظائره كلما كان لازما لردع من ينكثون بعهودهم، مثلما فعل المشرع بنص المادة 103 من القانون المدنى التى أوردها فى شأن العربون.

ومردود رابعا : بأن المشرع ماكان ليخول المستأجر بالفقرة المطعون عليها استكمال الأعمال الناقصة فى العين المؤجرة، إلا لضمان صلاحيتها للاستعمال، والانتفاع بها بالتالى فى الأغراض التى عقدت الإجارة من أجلها، ذلك أن أجرة العين تقابل منفعتها، وينبغى من ثم استيفاؤها بتمامها •

وحيث إن ماينعاه المدعى من أن عبارة << دون مقتض >> التى تضمنها النص المطعون فيه لاتقل فى غموضها عن عبارة << التخلف عن تسليم الوحدة السكنية >>، مردود بأن هاتين العبارتين متكاملتان فى تحديدهما لعناصر الجريمة التى حددتها الفقرة المطعون عليها، ذلك أنهما تواجهان امتناع بائع العين عن تسليمها أو تراخيه فى ذلك عن الموعد المحدد، وتقرران لذلك جزاء جنائيا مشروطا بألايكون الإخلال بهذا الالتزام ناشئا عن سبب أجنبى، بما لامخالفة فيه للدستور.
وبذلك تفارق هذه المسئولية، تلك التى تنشأ وفقا لأحكام القانون المدنى عن الإخلال بالإلتزام بالتسليم،باعتباره متفرعا عن الالتزام بنقل ملكية شئ، ومنصرفا كذلك إلى تحقيق غاية، لا إلى مجرد بذل عناية • فإذا لم يتم التسليم كاملا - ولو بسبب أجنبى كقوة قاهرة هلك بها المبيع أو تلف قبل تسليمه - ظل البائع مسئولا • وماذلك إلا لأن المشرع تغيا بالمسئولية الجنائية التى قررتها الفقرة المطعون عليها، أن يرد عن التعامل المشروع فى الأعيان التى عناها، أبوابا ينفذ التحايل منها، فإذا انقطع دابره، لعذر قام ببائعها وحال دون تسليمه العين لمشتريها، فإن اعتباره مسئولا جنائيا عن عدم تسليمها، يكون أمرا منهيا عنه دستوريا، على تقدير أن وقوع جريمة ما يفترض إرادة ارتكابها.
وحيث إن المدعى ينعى على الفقرة المطعون عليها إلقاؤها على المتهم عبء التدليل على توافر المقتضى سبيلا وحيدا للتخلص من مسئوليته الجنائية، مما يناقض افتراض البراءة المقرر بنص المادة 67 من الدستور.
وحيث إن هذا النعى مردود بأن الجريمة التى أحدثتها الفقرة المطعون عليها قوامها أن شخصا باع وحدة سكنية يملكها، ولم يقم مختارا بتسليمها فى الموعد المحدد، وهى جريمة لايتم إثباتها بعيدا عن تدخل سلطة الاتهام للتدليل على توافر أركانها هذه بأوصافها التى حددها المشرع • وإثباتها لها مؤداه نقضها لبراءة ذمة متهمها مما يثقلها، حال أن هذه البراءة هى الأصل فى الحقوق الشخصية جميعها • وبنفيها لهذا الأصل، يكون للمتهم بالجريمة محل النزاع الموضوعى - وفى إطار وسائل الدفاع التى يملكها - أن يقيم الدليل على توافر مقتض حال دون تسليمه الوحدة التى باعها فى موعدها • ولامخالفة فى ذلك للقواعد التى يقوم عليها النظام الاختصامى للعدالة الجنائية • ولا لافتراض البراءة المقرر بنص المادة 67 من الدستور.

وحيث إن الفقرة المطعون عليها - فى مجال تطبيقها بالنسبة إلى الاتهام الجنائى المنسوب إلى المدعى - لاتناقض حكما آخر ورد فى الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة •

قضية رقم 48 لسنة 18 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"


باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأثنين 15 سبتمبر سنة 1997 الموافق 13 جمادى الأولى 1418 ه
برئاسة السيد المستشار الدكتور عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف •
وحضور السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / حمدى أنور صابر أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 48 لسنة 18 قضائية "دستورية"
المقامة من
السيد الدكتور/ يحيى محمد أحمد قطرية
ضد
1 - السيد / رئيس الجمهورية
2 - السيد / رئيس مجلس الوزراء
3 - السيد / وزير العدل
4 - السيد المستسشار/ النائب العام

الإجراءات
بتاريخ 26 مايو سنة 1996، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبا الحكم بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 23 من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى •
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها •
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم •

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة •
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أن النيابة العامة كانت قد قدمت المدعى للمحاكمة الجنائية فى القضية رقم 1 لسنة 1992 جنح أمن دولة الدخيلة، متهمة إياه بأنه فى غضون شهر يونيه 1989 بدائرة قسم الدخيلة قد تخلف - بصفته مالكا - ودون مقتض عن تسليم الوحدة السكنية التى ابتاعها منه السيد / محمد العريف إبراهيم، مخالفا بذلك أحكام المواد 1 و 13/5 و 71 و 8/1 من القانون رقم 49 لسنة 1977 فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وكذلك الفقرة الثانية من المادة 23 من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فضلا عن المادة 336 من قانون العقوبات • وإذ قضى غيابيا بحبس المتهم ستة أشهر، فقد عارض فى هذا الحكم، وقضى فى معارضته بقبولها شكلا ورفضها موضوعا، مما دعاه إلى الطعن استئنافيا فى الحكم الصادر فيها، فقضى غيابيا فى استئنافه بقبوله كذلك شكلا ورفضه موضوعا وتأييد الحكم المستأنف، وإذ عارض فى هذا الحكم ودفع بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 23 من القانون 136 لسنة 1981 المشار إليه، وكانت محكمة الموضوع قد قدرت جدية هذا الدفع، وصرحت برفع الدعوى الدستورية، فقد أقامها •

وحيث إن الفقرة الأولى من المادة 23 من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تقضى بأن <<يعاقب بعقوبة جريمة النصب المنصوص عليها فى قانون العقوبات المالك الذى يتقاضى بأية صورة من الصور • بذاته أو بالوساطة أكثر من مقدم عن ذات الوحدة أو يؤجرها لأكثر من مستأجر، أو يبيعها لغير من تعاقد معه على شرائها ويبطل كل تصرف بالبيع لاحق لهذا التاريخ ولو كان مسجلا >> •

وتنص فقرتها الثانية على أن << ويعاقب بذات العقوبة المالك الذى يتخلف دون مقتض عن تسليم الوحدة فى الموعد المحدد فضلا عن إلزامه بأن يؤدى إلى الطرف الآخر مثلى مقدار المقدم وذلك دون إخلال بالتعاقد وبحق المستأجر فى استكمال الأعمال الناقصة وفقا لحكم الفقرة الأخيرة من المادة 13 من القانون رقم 49 لسنة 1977>> •
وتقضى فقرتها الثالثة بأن << ويكون ممثل الشخص الاعتبارى مسئولا عما يقع من مخالفات لأحكام هذه المادة >> •

وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن تتوافر ثمة علاقة منطقية بينها وبين المصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى، وذلك بأن يكون الفصل فى المسائل الدستورية لازما للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، وكان النزاع الموضوعى يتعلق بوحدة سكنية تخلف المدعى - وبصفته مالكا -عن تسليمها إلى من ابتاعها منه، فإن مصلحته - وعلى ضوء الدعوى الجنائية التى اتهم فيها تنحصر فى الفصل فى دستورية الفقرة الثانية من المادة 23 من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، وذلك فى مجال تطبيقها بالنسبة إلى من يبيعون وحدة سكنية، ويخلون - دون مقتض - بالتزامهم بتسليمها لأصحابها فى الموعد المحدد •

وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه - محددا نطاقا على النحو المتقدم - مخالفته لنص المادة 66 من الدستور، وذلك تأسيسا على عدة وجوه :

أولها : أن المشرع وإن جاز أن يحدد بالنصوص القانونية ماهية الأفعال التى يعتبر إتيانها أو تركها جريمة معاقبا عليها قانونا؛ إلا أن ذلك لايعنى إطلاق يده بعيدا عن إطار الشرعية الدستورية، ذلك أن مايعتبر جريمة أسبق تاريخيا من كل الدساتير الوضعية، هذا فضلا عن أن الجريمة فى الشريعة الإسلامية تمثلها تلك الأفعال التى زجر الله تعالى عنها بحد أو تعزير، وهى كذلك أفعال لاينهى المشرع عنها، إلا على ضوء تقديره لإضرارها بمصالح الجماعة سواء فى عقائدها أو حياة أفرادها أو أموالهم أو أعراضهم، ويتعين بالتالى أن يكون تجريم إتيان الأفعال أو الامتناع عنها، مرتبطا بعلة تأثيمها، وهو مايعنى انتفاء الجريمة التى لاتبررها علة شرعية •

ثانيها : أن الأصل فى النصوص العقابية - وعلى ماجرى به قضاء المحكمة الدستورية العليا - أن تصاغ فى حدود ضيقة تعريفا بالأفعال التى جرمها المشرع وتحديدا لمضمونها، فلايكون التجهيل بها موطئا للإخلال بحقوق كفلها الدستور لكل مواطن •

والنص المطعون فيه لايجرم سلوكا محددا أتاه المدعى عن عمد وإرادة واعية، وإنما أثم واقعة مادية هى تخلفه عن تسليم وحدة سكنية باعها إلى آخر أيا كان سبب ذلك، بل ولوكان عدم تسليمها ليس مترتبا على نتيجة قصد إليها • ولايزيل هذا العوار، أن يكون النص المطعون فيه قد شرط لقيام الجريمة التى حددها، أن يكون تخلفه عن تسليم تلك الوحدة <<دون مقتض>>، ذلك أن هذه العبارة أكثر غموضا من تعبير << التخلف عن التسليم>> •

ثالثها : أن النص المطعون فيه ينقض افتراض البراءة، إذ يُحَمِّل المتهم عبء إثبات توافر المقتضى المسوغ للتخلف عن التسليم، وإلا حقت عليه العقوبة المقررة قانونا •

رابعها : أن النص المطعون فيه استعمل تعبير المالك ليدل به على كل من المؤجر والبائع، وهو مايعنى أن يؤخذ النص مطلقا ليشمل التجريم كليهما • كذلك فإن عبارة << مثلى المقدم >> يمكن حملها على عقدى البيع والإجارة، مما يؤكد غموض النص العقابى •

خامسها : أن النص المطعون فيه اصطنع التجريم فى مسألة تحكمها قواعد المسئولية المدنية • بل إن العقوبة التى فرضها لهذه الجريمة، تزيد عما يعتبر معقولا لتناسبها مع الأفعال التى أثمها، ومن ثم يكون توقيعها إيلاما غير مبرر وقسوة لا ضرورة لها، خاصة وأن هذه العقوبة هى ذاتها التى فرضها قانون العقوبات لجريمة النصب التى تمس مرتكبها فى شرفه واعتباره •

وحيث إن الأصل فى العقود - وباعتبارها شريعة المتعاقدين تقوم نصوصها مقام القانون فى الدائرة التى يجيزها - هو ضرورة تنفيذها فى كل ماتشمل عليه، فلايجوز نقضها أو تعديلها إلا باتفاق الطرفين أو وفقا للقانون • وكلما نشأ العقد صحيحا ملزما، كان تنفيذه واجبا، فقد التزم المدين بالعقد، فإذا لم يقم بتنفيذه، كان ذلك خطأ عقديا سواء نشأ هذا الخطأ عن عمد أو إهمال أو عن مجرد فعل لايقترن بأيهما •

ومن ثم تظهر المسئولية العقدية باعتبارها جزاء إخفاق المدين فى تنفيذ عقد نشأ صحيحا ملزما، وهى تتحقق بتوافر أركانها؛ وليس ثمة مايحول بين المشرع وبين أن يقيم مسئولية جنائية إلى جانبها، فلايكون اجتماعهما أمرا عصيا أومستبعدا، بل متصورا فى إطار دائرة بذاتها، هى تلك التى يكون الإخلال بالالتزام العقدى فيها قد أضر بمصلحة اجتماعية لها وزنها • وهو مايعنى أن الدستور لايتضمن قاعدة كلية أو فرعية يمكن ردها إلى النصوص التى انتظمها أو ربطها بها، تحول دون تدخل المشرع لتأثيم واقعة النكول عن تنفيذ التزام لم ينشأ مباشرة عن نص القانون، وإنما كان العقد مصدره المباشر، وبشرط أن يكون هذا التأثيم مٌحدِّدا بصورة واضحة لعناصر الجريمة التى أحدثها المشرع •

وهذه القاعدة ذاتها هى التى صاغها المجلس الدستورى الفرنسى وذلك على النحو الآتى:
Aucun principe ou régle de valeur constitutionnelle n"interdit au législateur d"+eriger en infraction le manquement à des obligations qui ne résultent pas directement de la loi elle- même . la méconnaissance par une personne d"obligations contractuelles ayant force obligatoire à son égard peut donc faire l"objet d"une répression pénale des lors que le législateur définit de facon précise et compléte les éléments constitutifs des infractions qu"il vise . (DC, 10 november 1982 , Rec . p . 64 145 - 82)

يؤيد ماتقدم، أن الحرية الشخصية التى يكفلها الدستور، لاتخول أى فرد حقا مطلقا فى أن يتحرر نهائيا فى كل وقت، وتحت كل الظروف، من القيود عليها، بل يجوز كبحها بقيود تتعدد جوانبها تقتضيها أوضاع الجماعة وضرورة صون مصالحها، وتتطلبها كذلك أسس تنظيمها، دون اخلال بأمن أعضائها • " The liberty secured to every preson does not import an absolute right in each person to be, at all times and in all circumstances, wholly free from restraint. There are manifold restraints to which every person is necessarily subject for the common good . On any other basis organized society could not exist with safety to its members " Jacobson V . Massachusetts, 197 U . S 11, 26 (1950). )

وحيث إن الأصل فى سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية مالم يقيدها الدستور بضوابط ترسم تخومها وتحد منها، فلايكون الإخلال بها إلا عدوانا على هذه الحقوق سواء عن طريق تهميشها أوبإهدار مجالاتها الحيوية التى لاتتنفس إلا من خلالها •

وحيث إن مانص عليه الدستور فى المادة 7 من قيام المجتمع على أساس من التضامن الاجتماعى، يعنى وحدة الجماعة فى بنيانها، وتداخل مصالحها لاتصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، واتصال أفرادها وترابطهم ليكون بعضهم لبعض ظهيراً، فلا يتفرقَون بدداً أو يتناحرون طمعا، أو يتنابذون بغياً، وهم بذلك شركاء فى مسئوليتهم قبلها، لايملكون التنصل منها أو التخلى عنها، وليس لفريق منهم بالتالى أن يتقدم على غيره انتهازاً، ولا أن ينال من الحقوق قدراً منها يكون به عدوانا أكثر علواً• بل يتعين أن تتضافر جهودهم لتكون لهم الفرص ذاتها، التى تقيم لمجتمعاتهم بنيانها الحق، وتتهيأ معها تلك الحماية التى ينبغى أن يلوذ بها ضعفاؤهم، ليجدوا فى كنفها الأمن والاستقرار •

وحيث إن القانون الجنائى وإن اتفق مع غيره من القوانين فى سعيها لتنظيم علائق الأفراد سواء فيما بينهم، أو من خلال روابطهم مع مجتمعهم، إلا أن القانون الجنائى يفارقها فى اتخاذه العقوبة أداة لتقويم ما يصدر عنهم من أفعال نهاهم عن إتيانها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد -ومن منظور اجتماعى- مالايجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها اجتماعيا ممكنا، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لايكون مبرراً إلا إذا كان مفيداً من وجهة اجتماعية، فإن كان مجاوزاً تلك الحدود التى لايكون معها ضروريا، غدا مخالفاً للدستور.

وحيث إن الفصل فى دستورية الفقرة المطعون عليها، يتحدد على ضوء اتصال عقوبتها بالأغراض التى يتوخاها الجزاء الجنائى باعتباره عقاباً واقعا بالضرورة فى إطار اجتماعى، منطويا غالبا من خلال قوة الردع على تقييد للحرية الشخصية، ومستنداً إلى قيم ومصالح اجتماعية تبرره، كتلك التى تتعلق بضمان جريان التعامل فى الأموال بما يرد عنها أشكالا من التحايل تقوض الحماية المقررة لها.

وحيث إن من المقرر قانونا - وعلى ماتقضى به المادة 206 من القانون المدنى - أن الالتزام بنقل حق عينى يتضمن الالتزام بتسليم الشئ والمحافظة عليه حتى التسليم؛ وكان ذلك مؤداه أن التزامين يتفرعان عن الالتزام الأصلى بنقل الملكية، أولهما : محافظة بائع العين عليها إلى حين تسليمها، وثانيهما : تسليمها فعلا إلى من ابتاعها، وإن كان أولهما لايعدو أن يكون التزاما ببذل عناية، وثانيهما بتحقيق غاية بذاتها، فلايعتبر تسليمها قد تم صحيحا إلا إذا تمكن مشتريها من حيازتها والانتفاع بها دون عائق، ولولم يستول عليها استيلاء ماديا.

وحيث إن المشرع قدر بالفقرة المطعون عليها أن بعض من يبيعون وحدات سكنية لايسلمونها لأصحابها فى الموعد المحدد، مما يخل بالحقوق الناشئة عن ملكيتهم لها، ويهدر كذلك الثقة المشروعة التى ينبغى أن تسود تعاملهم فيها، فلايكون امتناعهم دون مقتض عن تسليمها إلا صورة من صور التدليس فى الأعم من الأحوال يقارنها انتفاعهم بالأعيان التى باعوها واحتفاظهم بثمنها دون مقابل يعود على أصحابها منها، وإعادة بيعها أحيانا سعيا لنقض ماتم من جهتهم عدوانا، فلايكون التزامهم بالتسليم ناجزا محققا، بل معلقا متراخيا • ومن ثم تدخل المشرع بالجزاءالجنائى لحمل البائعين على إيفاء تعهداتهم مااستطاعوا، فلاينغلق الطريق إلي إنفاذها، ولاينال الجمود مسراها، وعلى الأخص كلما كان شراء العين بقصد استغلالها أو استعمالها فى أغراض الإسكان.

وحيث إن ماتقدم مؤداه، أن التجريم المقرر بالفقرة المطعون عليها مرده إلى الضرورة الاجتماعية التى يمثلها أن صور التعامل فى تلك الأعيان من خلال بيعها، ينبغى أن يحيطها مايكون كافلا لصدقها ويبعد بها عن الالتواء، فلايكون هذا التعامل زيفا أو تربحا غير مشروع بل حقا وإنصافا، لتعايش البيوع الأغراض التى يرتجيها المتبايعون منها، فلايتوهمها أطرافها على غير حقيقتها •

وحيث إن ماينعاه المدعى من أن الفقرة المطعون عليها لاتتضمن تعريفا واضحا بماهية الأفعال التى جرمتها، مردود أولا : بأن الجزاء الجنائى المقرر بها يفترض أن مالكا قد اختار ألايقوم بتسليم الوحدة التى باعها فى الموعد المحدد • وليس التسليم بواقعة مجردة من ملامحها، بل يتم أصلا - ومالم يتفق المتبايعان على غير ذلك - على ضوء الحالة التى كان عليها المبيع عند التعاقد، وبافتراض أن الشئ المبيع كان معينا وقت العقد تعيينا كافيا، وبمراعاة أن تسليمه يمتد إلى ملحقاته وإلى كل ما أعد بصفة دائمة لاستعماله، وبما يتفق وطبيعة المبيع • ولاتجهيل فى ذلك كله بمادية الأفعال التى أثمها المشرع •

ومردود ثانيا : بأن الفقرة المطعون عليها لاتؤثم واقعة التخلف عن التسليم فى ذاتها، بل سلوكا اتصل بها، وكان مؤديا إليها .

ومردود ثالثا : بأن الفقرة المطعون عليها تفترض اتجاه إرادة الجانى إلى الأفعال التى أثمتها، مع قصده إلى تحقيق نتيجتها بعد العلم بدلالتها الإجرامية، وهو مادلت عليه بنصها على انتفاء التجريم كلما وجد المقتضى المانع من التسليم •

ومردود رابعا : بأن الجريمة التى عينتها الفقرة المطعون عليها، وقد توافر ركناها - ماكان منهما ماديا أو معنويا - فإن القول بالتباسها بغيرها، أو أن خفاء قد غشيها وجهل بمضمونها، يكون لغوا •

وحيث إن ماينعاه المدعى على الفقرة المطعون عليها من اتساعها لكل من يؤجر وحدة سكنية أو يمٌلكها للغير، ولايقوم - فى الموعد المحدد - بتسليمها بعد تأجيرها أو بيعها، مما يجهل بدائرة المخاطبين بحكمها، مردود أولا : بأن الفقرة المشار إليها تضمنها قانون ينظم مسائل متعددة، من بينها تلك الأحكام التى تتعلق بمن يعرضون وحدة سكنية على الغير لتمليكها أو استئجارها، وكان منطقيا بالتالى أن يكون تسليمها بعد بيعها أو إجارتها لازما، وأن يمتد التنظيم التشريعى للفقرة المطعون عليها إلى هاتين الصورتين معا •

ومردود ثانيا : بأن غموض النصوص العقابية يعنى انفلاتها من ضوابطها وتعدد تأويلاتها، فلاتكون الأفعال التى منعها المشرع أو طلبها محددة بصورة يقينية، بل شباكا أو شراكا يلقيها المشرع متصيدا باتساعها أو خفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها • ولاكذلك الفقرة المطعون عليها التى صاغها المشرع مؤثما بحكمها من يبيعون أو يؤجرون أعيانا، ولايقومون اختيارا - فى الموعد المحدد - بتسليمها لمشتريها أو مستأجريها •

ومردود ثالثا : بأن الفقرة المطعون عليها تتعلق - فى بعض جوانبها - بمن يعرضون على الغير وحدة سكنية لتمليكها أو تأجيرها، ولايخل الجزاء المقرر بها بوجود عقد بيعها أو إجارتها، ولاينال كذلك من الآثار التى يرتبها •

وحيث إن ماينعاه المدعى على الفقرة المطعون عليها من فرضها لعقوبة لاتتسم بمعقوليتها، فلايكون توقيعها إلا تعبيرا عن قسوتها فى غير ضرورة، ومنافاتها بالتالى للحدود المنطقية التى ينبغى أن تكون إطارا لها، مردود أولا : بأن قضاء هذه المحكمة وإن جرى على أن الشخص لايزر غير سوء عمله، وأن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها يقتضى أن تتوازن خصائصها مع وطأة عقوبتها؛ وكان ذلك مؤداه أن يفرد المشرع لكل جريمة العقوبة التى تناسبها، إلا أن مايكون من الجزاء ملائما لجريمة بذاتها، ينبغى أن يتحدد على ضوء درجة خطورتها ونوع المصالح التى ترتبط بها، وبمراعاة أن الجزاءالجنائى لايكون مخالفا للدستور إلا إذا اختل التعادل بصورة ظاهرة la disproportion manifeste بين مداه وطبيعة الجريمة التى تعلق بها • ودون ذلك يعنى إحلال هذه المحكمة لإرادتها محل تقدير متوازن من السلطة التشريعية للعقوبة التى فرضتها •

ومردود ثانيا : بأن الضرورة الاجتماعية التى تقرر الجزاء المنصوص عليه بالفقرة المطعون عليها لصونها، تبلور تلك الضوابط التى لايتصور أن يتم التعامل فى الأعيان بعيدا عنها، وإلا كان هذا التعامل انتهازا وضربا من التحايل، فلايطمئن من كان طرفا فيه للحقوق التى تتولد عنه إذا صار أمرها نهبا، وكان لازما بالتالى أن يقرن المشرع العقوبة التى فرضتها الفقرة المطعون عليها فى شأن الجريمة التى حددتها، بجزاء مالى يردع من يرتكبونها عن العودة إليها، وينذر غيرهم بأثقالها، فلايقدمون عليها •

ومردود ثالثا : بأن الجزاء المالى المقرر بالفقرة المطعون عليها، وإن تمثل فى التزام بائع الوحدة السكنية بأن يؤدى لمن ابتاعها مثلى مقدار المقدم المدفوع، إلا أن جزاءً على هذا النحو ليس أمرا فجا، ولايتمحض كذلك غلوا، بل إن لهذا الجزاء نظائره كلما كان لازما لردع من ينكثون بعهودهم، مثلما فعل المشرع بنص المادة 103 من القانون المدنى التى أوردها فى شأن العربون.

ومردود رابعا : بأن المشرع ماكان ليخول المستأجر بالفقرة المطعون عليها استكمال الأعمال الناقصة فى العين المؤجرة، إلا لضمان صلاحيتها للاستعمال، والانتفاع بها بالتالى فى الأغراض التى عقدت الإجارة من أجلها، ذلك أن أجرة العين تقابل منفعتها، وينبغى من ثم استيفاؤها بتمامها •

وحيث إن ماينعاه المدعى من أن عبارة << دون مقتض >> التى تضمنها النص المطعون فيه لاتقل فى غموضها عن عبارة << التخلف عن تسليم الوحدة السكنية >>، مردود بأن هاتين العبارتين متكاملتان فى تحديدهما لعناصر الجريمة التى حددتها الفقرة المطعون عليها، ذلك أنهما تواجهان امتناع بائع العين عن تسليمها أو تراخيه فى ذلك عن الموعد المحدد، وتقرران لذلك جزاء جنائيا مشروطا بألايكون الإخلال بهذا الالتزام ناشئا عن سبب أجنبى، بما لامخالفة فيه للدستور.
وبذلك تفارق هذه المسئولية، تلك التى تنشأ وفقا لأحكام القانون المدنى عن الإخلال بالإلتزام بالتسليم،باعتباره متفرعا عن الالتزام بنقل ملكية شئ، ومنصرفا كذلك إلى تحقيق غاية، لا إلى مجرد بذل عناية • فإذا لم يتم التسليم كاملا - ولو بسبب أجنبى كقوة قاهرة هلك بها المبيع أو تلف قبل تسليمه - ظل البائع مسئولا • وماذلك إلا لأن المشرع تغيا بالمسئولية الجنائية التى قررتها الفقرة المطعون عليها، أن يرد عن التعامل المشروع فى الأعيان التى عناها، أبوابا ينفذ التحايل منها، فإذا انقطع دابره، لعذر قام ببائعها وحال دون تسليمه العين لمشتريها، فإن اعتباره مسئولا جنائيا عن عدم تسليمها، يكون أمرا منهيا عنه دستوريا، على تقدير أن وقوع جريمة ما يفترض إرادة ارتكابها.
وحيث إن المدعى ينعى على الفقرة المطعون عليها إلقاؤها على المتهم عبء التدليل على توافر المقتضى سبيلا وحيدا للتخلص من مسئوليته الجنائية، مما يناقض افتراض البراءة المقرر بنص المادة 67 من الدستور.
وحيث إن هذا النعى مردود بأن الجريمة التى أحدثتها الفقرة المطعون عليها قوامها أن شخصا باع وحدة سكنية يملكها، ولم يقم مختارا بتسليمها فى الموعد المحدد، وهى جريمة لايتم إثباتها بعيدا عن تدخل سلطة الاتهام للتدليل على توافر أركانها هذه بأوصافها التى حددها المشرع • وإثباتها لها مؤداه نقضها لبراءة ذمة متهمها مما يثقلها، حال أن هذه البراءة هى الأصل فى الحقوق الشخصية جميعها • وبنفيها لهذا الأصل، يكون للمتهم بالجريمة محل النزاع الموضوعى - وفى إطار وسائل الدفاع التى يملكها - أن يقيم الدليل على توافر مقتض حال دون تسليمه الوحدة التى باعها فى موعدها • ولامخالفة فى ذلك للقواعد التى يقوم عليها النظام الاختصامى للعدالة الجنائية • ولا لافتراض البراءة المقرر بنص المادة 67 من الدستور.

وحيث إن الفقرة المطعون عليها - فى مجال تطبيقها بالنسبة إلى الاتهام الجنائى المنسوب إلى المدعى - لاتناقض حكما آخر ورد فى الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة •

قضية رقم 84 لسنة 17 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية

"
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت 15 مارس سنة 1997 الموافق 6 ذو القعدة سنة 1417 ه
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وحضور السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير والدكتور عبد المجيد فياض
وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ حمدى أنور صابر أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 84 لسنة 17 قضائية "دستورية"•

المقامة من
السيدة/ حليمة عبدالعال أحمد
ضد
السيد/ رئيس الجمهورية
السيد الاستاذ/ النائب العام
السيد الاستاذ/ رئيس مجلس الوزراء
السيد الاستاذ/ رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب
السيدة/ ميرفت رمضان رفاعى
الإجراءات
فى الثامن عشر من شهر ديسمبر سنة 1995، أودعت المدعية قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة، طالبة الحكم بعدم دستورية المادتين 26 و77 من القانون رقم 49 لسنة 1977 فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، وكذلك المادتين 6 و23 من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر•
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها أصلياً عدم قبول الدعوى، واحتياطياً برفضها•
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها•
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم•
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة•
حيث إن الوقائع -على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل فى أن السيدة ميرفت رمضان رفاعى -المدعى عليها الأخيرة- كانت قد استأجرت من المدعية شقة بالعقار رقم 39 شارع مكة قسم الهرم، ثم نسبت إلى المدعية تقاضيها منها مبلغ 14000 جنيه خارج نطاق عقد الإيجار [خلو رجل]، فأقيمت الدعوى رقم 6575 لسنة 1994 جنح الهرم التى قضى فيها ابتدائياً بحبس المدعية ستة أشهر وكفالة خمسين جنيهاً لوقف التنفيذ، وتغريمها مبلغ 32640 جنيه، ومثلها لصالح صندوق الإسكان الاقتصادى بمحافظة الجيزة، ورد مبلغ 61023 جنيه للمجنى عليها، فطعنت المحكوم عليها فى هذا الحكم استئنافياً تحت رقم 5585 لسنة 1995 مستأنف الهرم حيث قضى غيابياً بتأييد الحكم المطعون فيه• وقد عارضت المحكوم ضدها فى هذا الحكم، ثم دفعت أثناء نظر معارضتها بعدم دستورية نص المادة 26 من القانون رقم 49 لسنة 1977 فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر• وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وخولتها اللجوء إلى طريق الطعن بعدم الدستورية، فقد أقامت دعواها الماثلة•
وحيث إن المدعية تطلب الحكم بعدم دستورية نصوص المواد الآتية: أولاً: القانون رقم 49 لسنة 1977 فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر•
مادة 26: لايجوز للمؤجر، مالكا كان أو مستأجرا بالذات أو بالوساطة، اقتضاء أى مقابل أو أتعاب بسبب تحرير العقد أو أى مبلغ إضافى خارج نطاق عقد الإيجار زيادة على التأمين والأجرة المنصوص عليها فى العقد •
كما لايجوز بأية صورة من الصور للمؤجر أن يتقاضى أى مقدم إيجار • مادة 77: يعاقب كل من يخالف حكم المادة 26 من هذا القانون، سواء كان مؤجراً أو مستأجراً أو وسيطا بالحبس مدة لاتقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة تعادل مثلى المبلغ الذى تقاضاه بالمخالفة لأحكام هذه المادة • ويعفى من العقوبة كل من المستأجر والوسيط إذا أبلغ أو بادر بالاعتراف بالجريمة •
وفى جميع الأحوال يجب الحكم على المخالف بأن يرد إلى صاحب الشأن ماتقاضاه على خلاف أحكام المادة المشار إليها • ثانياً: القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر•
مادة 6: يجوز لمالك المبنى المنشأ اعتباراً من تاريخ العمل بهذا القانون، أن يتقاضى من المستأجر مقدم إيجار لايجاوزأجرة سنتين، وذلك بالشروط الآتية: 1 - أن تكون الأعمال الأساسية للبناء قد تمت ولم يتبق إلا مرحلة التشطيب • 2 - أن يتم الاتفاق كتابة على مقدار مقدم الإيجار وكيفية خصمه من الأجرة المستحقة فى مدة لاتجاوز ضعف المدة المدفوع عنها المقدم وموعد إتمام البناء وتسليم الوحدة صالحة للاستعمال •
ويصدر قرار من الوزير المختص بالإسكان بتنظيم تقاضى مقدم الإيجار، والحد الأقصى لمقدار المقدم بالنسبة لكل مستوى من مستويات البناء •
ولايسرى حكم الفقرة الأخيرة من المادة 26 من القانون رقم 49 لسنة 1977 على مقدم الإيجار الذى يتقاضاه المالك وفقا لأحكام هذه المادة •
مادة 23: يعاقب بعقوبة جريمة النصب المنصوص عليها فى قانون العقوبات، المالك الذى يتقاضى بأية صورة من الصور، بذاته أو بالوساطة أكثر من مقدم عن ذات الوحدة أو يؤجرها لأكثر من مستأجر، أو يبيعها لغير من تعاقد معه على شرائها، ويبطل كل تصرف بالبيع لاحق لهذا التاريخ، ولوكان مسجلاً •
ويعاقب بذات العقوبة المالك الذى يتخلف دون مقتض عن تسليم الوحدة فى الموعد المحدد، فضلاً عن إلزامه بأن يؤدى إلى الطرف الآخر مثلى مقدار المقدم، وذلك دون إخلال بالتعاقد، وبحق المستأجر فى استكمال الأعمال الناقصة وفقا لحكم الفقرة الأخيرة من المادة 13 من القانون رقم 49 لسنة 1977• ويكون ممثل الشخص الاعتبارى مسئولا عما يقع منه من مخالفات لأحكام هذه المادة •
وحيث إن من المقرر أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا فى الخصومة الدستورية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية • وهو كذلك يقيد تدخلها فى هذه الخصومة، فلاتفصل فى غير المسائل الدستورية التى يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعى• ويتحدد مفهوم هذا الشرط باجتماع عنصرين: أولهما: أن يقيم المدعى -وفى حدود الصفة التى اختصم بها النص المطعون فيه- الدليل على أن ضررا واقعيا -اقتصاديا أو غيره- قد لحق به، سواء أكان مهدداً بهذا الضرر، أم كان قد وقع فعلا• ويتعين دوما أن يكون الضررالمدعى به مباشرا، منفصلا عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور، مستقلا بالعناصر التى يقوم عليها، ممكنا تصوره ومواجهته بالترضية القضائية، تسوية لآثاره• ثانيهما: أن يكون هذا الضرر عائدا إلى النص المطعون فيه، وليس ضررا متوهما أو منتحلا أو مجهلا، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلا على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لايعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية، عما كان عليه قبلها•
وحيث إن نطاق الدعوى الدستورية -وعلى ماجرى به قضاء هذه المحكمة- وإن تحدد أصلا بالنصوص القانونية التى تعلق بها الدفع بعدم الدستورية المثار أمام محكمة الموضوع، إلا أن هذا النطاق يتسع كذلك لتلك النصوص التى أضير المدعى من جراء تطبيقها عليه - ولولم يتضمنها هذا الدفع - إذا كان فصلها عن النصوص التى اشتمل الدفع عليها متعذرا، وكان ضمها إليها كافلا الأغراض التى توخاها المدعى بدعواه الدستورية، فلا تحمل إلا على مقاصده، ولاتتحقق مصلحته الشخصية والمباشرة بعيدا عنها •

وحيث إن المدعية كانت متهمة جنائياً فى جريمة تقاضى مبالغ خارج نطاق عقد الايجار [خلو رجل]؛ وكانت المادتان 26 و 77 من القانون رقم 49 لسنة 1977 فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، قد نظمتا هذه الجريمة ذاتها: أولاهما بحظرها تقاضى هذا الخلو، وثانيتهما بتقريرها لجزاء جنائى على مخالفة هذا الحظر، فإن التنظيم التشريعي لهذه الجريمة -وباعتبارها تمثل مبالغ تقاضاها المؤجر خارج نطاق عقد الإيجار- يشتمل على هذين الأمرين معا• لاينال من ذلك أن يكون الدفع المثار من المدعية أمام محكمة الموضوع، قد اقتصر على نص المادة 26 من هذا القانون، ذلك أن الاتهام تعلق باقتضائها لخلو الرجل، وغايتها من الطعن بعدم دستورية مواده، ألا تلاحقها سلطة الاتهام بعقوبة هذه الجريمة المنصوص عليها في المادة 77 من هذا القانون، ومن ثم تعتبر مادتاه 26 و77، محددتين لنطاق دعواها الدستورية، ومرتبطتين بالنزاع الموضوعى •
ولاشأن لدعواها هذه -وبالتالى- بجريمة تقاضى المؤجر مقدم إيجار لأكثر من سنتين المنصوص عليها فى المادتين 6 و 23 من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر•
وحيث إن المدعية تنعى على النصوص المطعون عليها، مخالفتها لمبدأ أن العقد شريعة المتعاقدين، وخروجها على الأحكام المنصوص عليها فى المواد 34 و35 و36 من الدستور التى كفل بها صون الملكية الخاصة•
وحيث إن اقتضاء المؤجر لخلو رجل، ظل معاقبا عليه بمقتضى المادة 77 من القانون رقم 49 لسنة 1977 والمادة 24 من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليهما، أولاهما بالعقوبة التي فرضتها على اقتضاء مبالغ خارج نطاق عقد الإيجار زيادة على التأمين والأجرة المنصوص عليها فى العقد، وثانيتهما بما نصت عليه من أنه "فيما عدا العقوبة المقررة لجريمة خلو الرجل، تلغى جميع العقوبات المقيدة للحرية المنصوص عليها فى القوانين المنظمة لتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجروالمستأجر،وذلك دون إخلال بأحكام المادة السابقة"•
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن القيود الاستثنائية التى نظم بها المشرع العلائق الإيجارية، لايجوز اعتبارها حلاً دائماً ونهائياً لمشكلاتها، فلا يتحول المشرع عنها، بل عليه أن يعيد النظر فيها على ضوء ما ينبغى أن يقوم فى شأنها من توازن بين حقوق كل من المؤجر والمستأجر، فلا يختل التضامن بينهما اجتماعيا، ولايكون صراعهما بديلا عن التعاون بينهما، بل تتوافق مصالحهما اقتصاديا، وعلى تقدير أن الأصل فى عقود القانون الخاص هو انبناؤها على علائق تتكافأ بشأنها مصالح أطرافها، فلايميل ميزانها فى اتجاه مناقض لطبيعتها، إلا بقدر الضرورة التى يتعين أن تخلى مكانها -عند فواتها- لحرية التعاقد•
وحيث إنه استصحابا لحرية التعاقد التى تعتبر أصلاً يهيمن على عقود القانون الخاص، وضماناً لئلا يظل شاغل العين المؤجرة باقيا فيها بعد انتهاء مدة إجارتها، وإلا كان غاصباً لها، أصدر المشرع القانون رقم 4 لسنة 1996 ليعيد العلائق الإيجارية -فى الأماكن التى يشملها- إلى الأصل فيها، وذلك بما نصت عليه مادته الأولى من عدم سريان أحكام القانونين رقمى 49 لسنة 1977، 136 لسنة 1981 المشار إليهما، وكذلك القوانين الخاصة بإيجار الأماكن الصادرة قبلهما، فى شأن الأماكن التى لم يسبق تأجيرها، ولا الأماكن التى انتهت عقود إيجارها قبل العمل بهذا القانون، أو انتهت بعده دون أن يكون لأحد حق البقاء فيها قانوناً؛ وكان هذا القانون قد ألغى كذلك بمادته الثانية كل النصوص القانونية المعمول بها قبل نفاذه، بقدر تعارضها مع أحكامه؛ فإنه بذلك يكون ناسخاً لجريمة خلو الرجل التى قررتها القوانين السابقة عليه، وهى جريمة ظل وجودها مرتبطاً بالقوانين الاستثنائية التى أحاط بها المشرع العلائق الايجارية، مخالفا فى ذلك قواعد القانون المدنى التى لامكان فيها لجريمة اقتضاء مبالغ خارج نطاق عقد الإيجار•
وحيث إن استقرار مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات فى مفاهيم الدول المتحضرة، دعا إلى توكيده بينها• ومن ثم وجد صداه فى عديد من المواثيق الدولية، من بينها الفقرة الأخيرة من المادة 11 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، والفقرة الأولى من المادة 15 من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، والمادة 7 من الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان• وتردد هذا المبدأ كذلك فى دساتير عديدة، يندرج تحتها ماتنص عليه المادة 66 من دستور جمهورية مصر العربية من أنه لاعقاب إلا على الأفعال اللاحقة لنفاذ القانون الذى ينص عليها، وماتقرره كذلك المادة 187 من هذا الدستور التى تقضى بأن الأصل فى أحكام القوانين هو سريانها اعتبارا من تاريخ العمل بها، ولا أثر لها فيما وقع قبلها إلا بنص خاص تقره أغلبية أعضاء السلطة التشريعية فى مجموعهم•
وحيث إن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، وإن اتخذ من ضمان الحرية الشخصية بنيانا لإقراره وتوكيده، إلا أن هذه الحرية ذاتها هى التى تقيد من محتواه، فلا يكون إنفاذ هذا المبدأ لازما إلا بالقدر وفى الحدود التى تكفل صونها In Favorem • ولايجوز بالتالى إعمال نصوص عقابية يسئ تطبيقها إلى مركز قائم لمتهم، ولاتفسيرها بما يخرجها عن معناها أو مقاصدها، ولامد نطاق التجريم -وبطريق القياس- إلى أفعال لم يؤثمها المشرع، بل يتعين دوما -وكلما كان مضمونها يحتمل أكثر من تفسير- أن يرجح القاضى من بينها ما يكون أكثر ضمانا للحرية الشخصية فى إطار علاقة منطقية La ratio Legis يقيمها بين هذه النصوص وإرادة المشرع، سواء فى ذلك تلك التى أعلنها، أو التى يمكن افتراضها عقلا•
وحيث إن النطاق الحقيقى لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، إنما يتحدد على ضوء ضمانتين تكفلان الأغراض التى توخاها: أولاهما: أن تصاغ النصوص العقابية بطريقة واضحة محددة لاخفاء فيها أو غموض، فلا تكون هذه النصوص شباكا أو شراكا يلقيها المشرع متصيدا باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها • وهى بعد ضمانة غايتها أن يكون المخاطبون بالنصوص العقابية على بينة من حقيقتها، فلايكون سلوكهم مجافيا لها، بل اتساقا معها ونزولا عليها • ثانيتهما: ومفترضها أن المرحلة الزمنية التى تقع بين دخول القانون الجنائى حيز التنفيذ وإلغاء هذا القانون، إنما تمثل الفترة التى كان يحيا خلالها، فلا يطبق على أفعال أتاها جناتها قبل نفاذه، بل يتعين أن يكون هذا القانون سابقا عليها La loi préalable • فلا يكون رجعيا، على أن يكون مفهوما أن القوانين الجنائية وإن كان سريانها على وقائع اكتمل تكوينها قبل نفاذها، غير جائز أصلا، إلا أن إطلاق هذه القاعدة يُفقدها معناها، ذلك أن الحرية الشخصية وإن كان يهددها القانون الجنائى الأسوأ، إلا أن هذا القانون يرعاها ويحميها إذا كان أكثر رفقا بالمتهم، سواء من خلال إنهاء تجريم أفعال أثمها قانون جنائى سابق، أو عن طريق تعديل تكييفها أو بنيان بعض العناصر التى تقوم عليها، بما يمحو عقوباتها كلية أو يجعلها أقل بأسا، وبمراعاة أن غلو العقوبة أو هوانها إنما يتحدد على ضوء مركز المتهم فى مجال تطبيقها بالنسبة إليه•
وحيث إن ماتقدم مؤداه، أن إنكار الأثر الرجعى للقوانين الجزائية، يفترض أن يكون تطبيقها فى شأن المتهم مسيئا إليه، فإن كانت أكثر فائدة لمركزه القانونى فى مواجهة سلطة الاتهام، فإن رجعيتها تكون أمراً محتوما• ومن ثم نكون أمام قاعدتين تجريان معا وتتكاملان: أولاهما: أن مجال سريان القانون الجنائى ينحصر أصلاً فى الأفعال اللاحقة لنفاذه، فلا يكون رجعيا كلما كان أشد وقعا على المتهم• وثانيتهما: سريان القانون اللاحق على وقائع كان يؤثمها قانون سابق، كلما كان القانون الجديد أكثر يسراً• وتكامل هاتين القاعدتين مؤداه، أن ثانيتهما لاتعتبر استثناء من أولاهما، ولا هى قيد عليها، بل فرع منها ونتيجة حتمية لها • وكلتاهما معا تعتبران امتدادا لازما لقاعدة شرعية الجرائم والعقوبات Le prolongement nécessaire، ولهما معا القيمة الدستورية ذاتها •
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن القانون الجنائى، وإن اتفق مع غيره من القوانين فى تنظيم علائق الأفراد بمجتمعهم وفيما بين بعضهم البعض، إلا أن هذا القانون يفارقها فى اتخاذه العقوبة أداة لتقويم الأفعال التى يأتونها أو يدعونها بما يناقض أوامره أو نواهيه • وهو بذلك يتغيا أن يحدد - ومن منظور اجتماعى - مالايجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، وأن يسيطر عليها بوسائل يكون قبولها اجتماعيا ممكنا، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لايكون مبررا، إلا إذا كان مفيدا من وجهة اجتماعية، فإذا كان مجاوزا تلك الحدود التى لايكون معها ضروريا، غدا مخالفا للدستور•
وحيث إن هذا القضاء -وباعتباره معيارا للشرعية الدستورية للنصوص العقابية- مردد كذلك فيما بين الأمم المتحضرة، ومن بينها فرنسا التى أقر مجلسها الدستورى مبدأين فى هذا الشأن•
أولهما: أنه كلما نص القانون الجديد على عقوبة أقل قسوة من تلك التى قررها القديم، تعين أن تعامل النصوص القانونية التى تتغيا الحد من آثار تطبيق القانون الجديد فى شأن الجرائم التى تم ارتكابها قبل نفاذه، والتى لم يصدر فيها بعد حكم حائز لقوة الأمر المقضى، باعتبارها متضمنة إخلالا بالقاعدة التى صاغتها المادة 8 من إعلان 1789 فى شأن حقوق الإنسان والمواطن، والتى لايجوز للمشرع على ضوئها أن يقرر للأفعال التى يؤثمها، غير عقوباتها التى تضبطها الضرورة بوضوح، فلا تجاوز متطلباتها La loi ne doit établir que des peines strictement et évidemment nécessaires ذلك أن عدم تطبيق القانون الجديد على الجرائم التى ارتكبها جناتها في ظل القانون القديم، مؤداه أن ينطق القاضى بالعقوبات التي قررها هذا القانون، والتى لم يعد لها - فى تقدير السلطة التشريعية التى أنشأتها - من ضرورة • (DC, 19 et 20 janvier 1981, cons. 75, Rec . p 15 80 - 127) ثانيهما : أن تأثيم المشرع لأفعال بذواتها، لاينفصل عن عقوباتها التى يجب أن يكون فرضها مرتبطا بمشروعيتها، وبضرورتها، وبامتناع رجعية النصوص العقابية التى قررتها كلما كان مضمونها أكثر قسوة، ودون ماإخلال بحقوق الدفاع التى تقارنها • ولاتتعلق هذه الضوابط جميعها بالعقوبات التى توقعها السلطة القضائية فقط، ولكنها تمتد لكل جزاء يتمحض عقابا، ولوكان المشرع قد عهد بالنطق به إلى جهة غير قضائية • ْUne peine ne peut etre infligée qu" a la condition que soient respectés le principe de légalité des délits et des peines, le principe de nécessité des peines, le princpe de non -rétroactivité de la loi pénale d"incrimination plus sévere ainsi que le respect du principe des droits de la défense . Ces exigences concernent non seulement les peines prononcées par les juridictions répressives mais aussi toute sanction ayant le caractére d"une punition meme si le législateur a Laissé Le soin de La prononcer a une autorité de nature non judiciaire . (DC , 17 Janvier 1989, cons. 53 a 42 , p . 18 248- 88)
وحيث إن قضاء هذه المحكمة فى شأن كل قانون أصلح للمتهم يصدر بعد وقوع الفعل -وقبل الفصل فيه نهائيا- مؤداه أن سريان القانون اللاحق فى شأن الأفعال التى أثمها قانون سابق، وإن اتخذ من نص المادة 5 من قانون العقوبات موطئا وسندا، إلا أن صون الحرية الشخصية التى كفلها الدستور بنص المادة 41 منه، هى التى تقيم هذه القاعدة وترسيها بما يحول بين المشرع وتعديلها أو العدول عنها• ذلك أن مايعتبر قانونا أصلح للمتهم، وإن كان لايندرج تحت القوانين التفسيرية التى تندمج أحكامها فى القانون المفسر، وترتد إلى تاريخ نفاذه باعتبارها جزءا منه يبلور إرادة المشرع التى قصد إليها ابتداء عند إقراره لهذا القانون، إلا أن كل قانون جديد يمحو التجريم عن الأفعال التى أثمها القانون القديم، إنما ينشئ للمتهم مركزا قانونيا جديدا، ويقوض -من خلال رد هذه الأفعال إلى دائرة المشروعية - مركزا سابقا • ومن ثم يحل القانون الجديد - وقد صار أكثر رفقا بالمتهم وأعون على صون الحرية الشخصية التى اعتبرها الدستور حقا طبيعيا لايمس - محل القانون القديم، فلا يتزاحمان أو يتداخلان، بل ينحى ألحقهما أسبقهما•
وغدا لازما بالتالى -وفى مجال إعمال القوانين الجنائية الموضوعية Les lois pénales de fond الأكثر رفقا بالمتهم- توكيد أن صون الحرية الشخصية من جهه، وضرورة الدفاع عن مصالح الجماعة والتحوط لنظامها العام من جهة أخرى، مصلحتان متوازيتان، فلاتتهادمان• وصار أمراً مقضيا - وكلما صدر قانون جديد يعيد الأوضاع إلى حالها قبل التجريم - أن ترد لأصحابها تلك الحرية التى كان القانون القديم ينال منها، وأن يرتد هذا القانون على عقبيه، إعلاء للقيم التى انحاز إليها القانون الجديد، وعلى تقدير أن صونها لايخل بالنظام العام باعتباره مفهوما مرنا متطورا على ضوء مقاييس العقل الجمعى التى لاينفصل القانون الأصلح عنها، بل يوافقها ويعمل على ضوئها، فلا يكون إنفاذه منذ صدوره إلا تثبيتا للنظام العام بما يحول دون انفراط عقده، بعد أن صار هذا القانون أكفل لحقوق المخاطبين بالقانون القديم وأصون لحرياتهم•
وحيث إن القوانين الجزائية التى نقارنها ببعض تحديدا لأصلحها للمتهم، تفترض اتفاقها جميعا مع الدستور، وتزاحمها على محل واحد، وتفاوتها فيما بينها فى عقوباتها، فلانغلب من صور الجزاء التى تتعامد على المحل الواحد، إلا تلك التي تكون فى محتواها أو شرائطها أو مبلغها Le contenu, Les modalités et Le quantum des peines أقل بأسا من غيرها، وأهون أثراً•
وحيث إن البين من النصوص التى أثم بها المشرع جريمة خلو الرجل فى نطاق العلائق الإيجارية -وبقدر اتصالها بالنزاع الراهن- أن إتيان الأفعال التى تقوم بها هذه الجريمة، ظل مشمولا بالجزاء الجنائى حتى بعد العمل بالقانون رفم 136 لسنة 1981 الذى صدر منظما بعض الأحكام الخاصة بالعلائق الإيجارية، ذلك أن هذا القانون، وإن نص على إلغاء العقوبات المقيدة للحرية التي فرضتها قوانين إيجار الأماكن السابقة على العمل بأحكامه، اتساقا مع اتجاهه إلى الحد من القيود التى أرهق بها المشرع مصالح المؤجر، إلا أنه استثنى من ذلك جريمة خلو الرجل، والجرائم المنصوص عليها فى المادة 23 منه، مبقيا بذلك على عقوباتها•
وحيث إن القانون اللاحق -وهو القانون رقم 4 لسنة 1996- أعاد من جديد تنظيم جريمة خلو الرجل فى شأن الأماكن التى حددتها مادته الأولى، مقررا سريان قواعد القانون المدنى -دون غيرها- عند تأجيرها واستغلالها، وملغيا كل قاعدة على خلافها، مؤكدا بذلك استئثار أصحابها بها، لتخرج هذه الأماكن بذلك من نطاق التدابير الاستثنائية التى درج المشرع على فرضها فى مجال العلائق الإيجارية، فلايكون تأجيرها إلا وفق الشروط التى تتطابق بشأنها إرادة مؤجريها مع من يتقدمون لطلبها، ولو كان من بينها تقاضى المؤجر لمبالغ خارج نطاق عقد الإيجار، أيا كان وصفها أو مقدارها أو سببها • وهو مايعني أن الضرورة الاجتماعية التى انطلق منها الجزاء المقرر بالقوانين السابقة فى شأن هذه الجريمة، قد أسقطتها فلسفة جديدة تبنتها الجماعة فى واحد من أطوار تقدمها، قوامها حرية التعاقد، فلا يكون الجزاء الجنائى -وقد لابس القيود التى فرضتها هذه القوانين على تلك الحرية- إلا منهدما بعد العمل بالقانون الجديد•
وحيث إن القول بأن لكل من قوانين إيجار الأماكن الصادرة قبل العمل بالقانون رقم 4 لسنة 1996، مجالا ينحصر فيه تطبيقها، وأنها جميعا تعتبر من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها، فلايقيدها هذا القانون باعتباره تشريعا عاما مردود أولا: بأن القانون اللاحق تغيا أن يعيد العلائق الإيجارية إلى الأصل فيها، فلا تحكمها إلا حرية التعاقد التى يلازمها بالضرورة أن يكون المتعاقدان على شروطهما التى يناقضها أن يكون الاتفاق على مبالغ خارج نطاق عقد الإيجار -وهو جائز قانونا فى شأن الأماكن التى ينظمها القانون الجديد- سببا لتجريم اقتضائها• والأفعال التى أثمها القانون السابق بالشروط التى فرضها، هى ذاتها التي أطلق القانون الجديد الحق فيها، فلايكون امتداده إليها إلا ضمانا لصون الحرية الشخصية التى منحها الدستور الرعاية الأوفى والأشمل توكيدا لقيمتها • بل إن هذا القانون -وباعتباره أصلح للمتهم- يعتبر متمتعا بالقوة ذاتها التى كفلها الدستور لهذه الحرية، فلا يكون القانون السابق حائلا دون جريانها، بل منجرفا بها• ومردود ثانيا: بأن التجريم المقرر بالقانون السابق، ارتبط بتدابير استثنائية قدر المشرع ضرورة اتخاذها خلال الفترة التى ظل فيها هذا القانون نافذا • فإذا دل القانون اللاحق على انتفاء الضرورة الاجتماعية التى لايكون الجزاء الجنائى مبررا مع فواتها، فإن هذا القانون يكون أكثر ضمانا للحرية الشخصية التى كفل الدستور صونها• ومردود ثالثا : بأن تأثيم المشرع لأفعال بعينها، قد يكون مشروطا بوقوعها فى مكان معين، كتجريم الأفعال التي يأتيها شخص داخل النطاق المكانى لمحمية طبيعية إضرارا بخصائصها أو بمواردها• وقد يؤثم المشرع أفعالا بذواتها، جاعلا من ارتكابها فى مكان محدد، ظرفا مشددا لعقوبتها، كالسرقة فى مكان مسكون أو معد للسكنى أو ملحقاتهما أو فى محل للعبادة عدوانا على حرمتها• ولاكذلك جريمة تقاضى المؤجر لمبالغ خارج نطاق عقد الإيجار، ذلك أن وقوعها فى الأماكن التى أخضعها هذا القانون لحكمه، ليس شرطا لاكتمال أركانها، ولاظرفا لازما لتغليظ عقوبتها، ولكنها تتحقق اتصالا بواقعة تأجيرها وبمناسبتها، ولمجرد أن المكان المؤجر لم يكن -عند العمل بالقانون الجديد- خاليا• ومردود رابعا: بأن من غير المتصور أن يظل قائما، التجريم المقرر بالقانون السابق فى شأن تقاضى مبالغ خارج نطاق عقد الإيجار، إذا كانت الأماكن التى يشملها هذا القانون مؤجرة قبل نفاذ القانون الجديد، فإذا خلا مكان منها وقت سريان هذا القانون، تحرر المؤجر جنائيا من كل قيد يتعلق باقتضاء المؤجر لمبالغ خارج نطاق عقد الإيجار• وليس مفهوما أن يكون للفعل الواحد معنيان مختلفان، ولا أن تحتفظ الجريمة التى أنشاها القانون القديم بذاتيتها، وبوطأة عقوبتها، بعد أن جرد القانون الجديد الفعل الذى يكونها من الآثام التى احتضنها • ومردود خامسا: بأن القانون الجديد صرح بإلغاء كل قانون يتضمن أحكاما تناقض تلك التى أتى بها، بما مؤداه اطراح النصوص المخالفة للقانون الجديد - فى شأن يتعلق بالتجريم - سواء تضمنها تنظيم عام أو خاص• ذلك أن القوانين لاتتنازع إلا بقدر تعارضها، ولكنها تتوافق من خلال وسائل متعددة يتصدرها - فى المجال الجنائى - القانون الأصلح للمتهم، فلا يكون نسيجها إلا واحدا• والجريمة التى أنشأها القانون السابق هى ذاتها التى هدمها القانون الجديد • ووجودها وانعدامها متصادمان، فلا يستقيم اجتماعهما • ومردود سادسا: بأن إعمال الأثر الرجعى للقانون الأصلح للمتهم يعتبر انحيازا من القاضى لضمانة جوهرية للحرية الشخصية، تبلورها السياسة العقابية الجديدة للسلطة التشريعية التى تتحدد على ضوء فهمها للحقائق المتغيرة للضرورة الاجتماعية• وهى بعد ضرورة ينبغى أن يحمل عليها كل جزاء جنائى، وإلا فقد علة وجوده•
وحيث إنه متى كان ماتقدم، وكانت الواقعة محل الاتهام الجنائى لم تعد معاقباً عليها، فقد تعين الحكم بانتفاء مصلحة المدعى فى الدعوى الماثلة، بعد أن غض المشرع بصره عن بعض التدابير الاستثنائية للعلائق الإيجارية التى انبنى التجريم عليها، وخرج من صلبها•
وحيث إن قضاء هذه المحكمة باعتبار القانون رقم 4 لسنة 1996 أصلح للمتهم -وقد انبنى على التطبيق المباشر للقواعد الدستورية التى تناولتها على النحو المتقدم - فإن حكمها باعتبار هذا القانون كذلك، يكون متمتعاً بالحجية المطلقة التى أسبغها المشرع على أحكامها الصادرة فى المسائل الدستورية، وملزماً بالتالى الناس كافة وكل سلطة فى الدولة، بما فى ذلك جهات القضاء على اختلافها •

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعىة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة•

قضية رقم 78 لسنة 17 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"


باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت أول فبراير سنة 1997 الموافق 23 رمضان سنة 1417 هـ·
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف ·
وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفى على جبالى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ حمدى أنور صابر أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 78 لسنة 17 قضائية "دستورية".

المقامة من
السيد / أيمن زكريا حسن المحامى

ضد
1 - السيد / رئيس الوزراء
2 - السيد المستشار/ وزير العدل
3 - السيد / مخلص على فكرى

الإجراءات
بتاريخ 3 دسمبر 1995، أودع المدعى هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبا الحكم بعدم دستورية نص المادة الأولى من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر·
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى·
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها·
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم·

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة·
حيث إن الوقائع -على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أن المدعى كان قد استأجر من المدعى عليه الثالث عينا لاستعمالها مكتبا للمحاماة بأجرة شهرية قدرها مائة جنيه وعشرة تؤدى مقدما أول كل شهر· وإزاء تأخره فى إيفائها، فقد أنذره المؤجر بدفعها، ثم أقام ضده الدعوى رقم 10608 لسنة 1993 أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بإخلائه من العين· وأثناء نظر هذه الدعوى، أقام المستأجر دعواه الفرعية رقم 49 لسنة 1994 أمام المحكمة ذاتها طالبا الحكم بخفض الأجرة المقدرة عن المكان المؤجر إلى عشرين جنيها إلى أن تحدد لجان التقدير أجرتها، مستندا فى ذلك إلى أن العقار منشأ قبل عام 1954 ويعامل بالتالى -فى مجال تحديد الأجرة- وفقا لأحكام القانون 49 لسنة 1977 دون أحكام القانون رقم 136 لسنة 1981 الصادرين كليهما فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، إذ يعمل بهذا القانون الأخير في شأن الأماكن المرخص فى إقامتها اعتبارا من تاريخ نفاذه فى 31/7/1981·

وبجلستها المقعودة فى 16/2/1994، قررت محكمة جنوب القاهرة الابتدائية ضم الدعوى الثانية إلى الأولى للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد، ثم قضت بجلستها المعقودة فى 30/3/1994 -وقبل الفصل فى الدعوى الفرعية- بندب خبير لتحديد الأجرة القانونية للعين والقانون الواجب التطبيق فى شأنها · وإذ أودع الخبير تقريره منتهيا فيه إلى أن المكان المؤجر أقيم فى ظل العمل بالقانون رقم 136 لسنة 1981المشار إليه، فقد دفع المدعى فى الدعوى الفرعية - المستأجر - بعدم دستورية هذا القانون، فأرجأت محكمة الموضوع الفصل فى النزاع الموضوعى إلى أن يقدم مايدل على رفع دعواه الدستورية، فأقامها·

وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت الدعوى الدستورية بعدم قبولها، مستندة فى ذلك إلى وجهين، أولهما: أن تأجيل الفصل فى النزاع الموضوعى إلى أن يقدم المدعى مايفيد الطعن بعدم الدستورية، لايعتبر تصريحا منها برفعها · ثانيهما : أن المدعى لم يبين ما إذا كانت الوحدة المؤجرة إليه من الإسكان الفاخر أو من غيره، ولم يحدد كذلك موضوع الدعويين الأصلية والفرعية والطلبات فيهما، بل جاء مجهلا بكل ذلك، وبالتالى بنطاق المسألة الدستورية التى تُدعى هذه المحكمة للفصل فيها·

وحيث إن هذا الدفع بوجهيه مردود، أولاً: بأنه ليس لازما -فى مجال تقدير جدية الدفع المثار أمام محكمة الموضوع- أن تتخذ فيه قرارا صريحا يكون قاطعا بما اتجهت إليه عقيدتها، بل يكفيها أن يكون قرارها فى هذا الشأن ضمنيا مستفادا من عيون الأوراق، ومن ذلك تعليقها الفصل فى النزاع الموضوعى على مايفيد رفع الدعوى الدستورية فى شأن النصوص القانونية المدفوع أمامها بعدم دستوريتها، إذ لو كان ماطرح عليها فى شأن مناعيها لايستقيم عندها عقلا، لكان قرارها إرجاء النزاع الموضوعى حتى الفصل فيها من المحكمة الدستورية العليا، لغوا·

ومردود ثانيا: بأن المدعي أبان في صحيفة دعواه الدستورية - وبما لاتجهيل فيه - عن أن القانون رقم 136 لسنة 1981 قد مايز -فى مجال تحديد الأجرة- بين الأماكن المهيأه للسكني من غير الإسكان الفاخر، وغيرها من الأماكن المؤجرة التى يشملها هذا القانون، مخالفا فى ذلك نص المادتين 40 و 68 من الدستور· والدعويان - الأصلية والفرعية - محددتان كذلك نطاقا، باعتبار أن أولاهما تتعلق بطلب إخلاء المدعى من العين التى يشغلها بعد أن تراخى فى أجرتها، وثانيتهما: بطلب رد مازاد من الأجرة التى دفعها عن حدودها المقررة قانونا · وهما معا مرتبطتان، والحكم فى المسائل الدستورية التى دعيت هذه المحكمة للفصل فيها، يؤثر عليهما معا·

وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة -وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية- مناطها أن يتوافر ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة التى يقوم بها النزاع الموضوعى، وذلك بأن يكون الحكم فى المسائل الدستورية لازما للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ وكان القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، قد مايز -فى مجال تحديد الأجرة- بين الأماكن المؤجرة لأغراض السكنى، وغيرها من الأماكن التى ألحق المشرع الإسكان الفاخر بها؛ وكانت المصلحة الشخصية والمباشرة للمدعى تنحصر فى إبطال هذا التمييز، لإخضاع الأماكن المؤجرة جميعها -التى يتعلق بها مجال تطبيق هذا القانون- لقواعد موحدة تطبقها لجان تحديد الأجرة، وتقرر على ضوئها أجرة أقل للعين التى يشغلها، فإن دعواه الدستورية تتقيد بهذا النطاق، وبه يتحدد موضوعها·

وحيث إن الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تنص على أنه "فيما عدا الإسكان الفاخر، لايجوز أن تزيد الأجرة السنوية للأماكن المرخص فى إقامتها لأغراض السكنى اعتبارا من تاريخ العمل بهذا القانون على 7% من قيمة الأرض والمبانى وعلى ألاتقل المساحة المؤجرة لهذه الأغراض عن ثلثى مساحة العقار ····"

وحيث إن المدعى فى الدعوى الدستورية، نعى على هذه الفقرة مخالفتها للدستور، وذلك تأسيسا على أن المشرع مايز بمقتضاها بين الأماكن تبعا لنوع استخداماتها، فبينما جعل الإسكان الفاخر والأماكن المؤجرة لغير أغراض السكنى بمنأى عن الخصوع لقواعد تحديد الأجرة من خلال اللجان التى نص عليها، أخضع ماعداها لهذا التحديد، كافلا بذلك أن يكون عمل هذه اللجان مقصورا على الأماكن المهيأه للسكنى من غير الإسكان الفاخر، فلا تمتد قواعد تحديد الأجرة لسواها، مما يخل بمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، وكذلك بحق التقاضى المنصوص عليهما فى المادتين 40 و 68 من الدستور·

وحيث إن القيود التى يفرضها المشرع على حق الملكية، كثيرا ماتتناول الانتفاع بالأعيان المؤجرة التى قدر أن تزايد الطلب عليها مع قلة المعروض منها يقتضى إحاطتها بتدابير استثنائية خرج فيها على القواعد العامة فى عقد الإجارة، مستهدفا بها علي الأخص الحد من حرية المؤجر فى تقدير الأجرة، واعتبار العقد ممتدا بقوة القانون بذات شروطه الأصلية عدا المدة والأجرة · ولئن جاز القول بأن هذه التدابير الاستثنائية التى فرضها المشرع لمواجهة أزمة الإسكان والحد من غلوائها، قد آل أمرها إلى اعتبار أحكامها من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها، مع تعلقها بالنظام العام لإبطال كل اتفاق على خلافها، ولضمان سريانها بأثر مباشر على عقود الإجارة القائمة عند العمل بها ولوكانت مبرمة قبلها، إلا أن تطبيقها ظل مرتبطا بالضرورة التي أملتها بوصفها باعثها وإطارها · وما كان لسريانها بالتالى أن ينفصل عن مبرراتها، ولاأن يجاوز مداها قدر هذه الضرورة، وإلا اعتبر إقرارها فيما وراءها منافيا لنص المادتين 32 و34 من الدستور اللتين تكفلان صون الملكية الخاصة - لاتدمير أصلها أو بعض عناصرها -ولاتتسامحان فيما يفرض عليها من القيود عدا تلك التى تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وبافتراض نأيها عن الاستغلال·

وحيث إن ما تقدم مؤداه -وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أن الأصل فى النصوص القانونية التى اقتضتها الضررة أن يكون إعمالها مشروطا بتوافر موجباتها، وبقدرها· ولايجوز بالتالى أن تعتبر التدابير الاستثنائية التى تدخل بها المشرع فى مجال العلائق الإيجارية -من أجل ضبطها- حلا نهائيا ودائما لمشكلاتها، فلايتحول المشرع عنها، بل عليه أن يعيد النظر فيها، وأن يَعْدِل عنها عند زوال مبرراتها، وأن تُخْلى هذه التدابير عندئذ مكانها لحرية التعاقد بوصفها الحرية الأصل فى العقود جميعها ·وكلما قدر المشرع إنهاء التدابير الاستثنائية التى كان قد فرضها فى شأن الأعيان المؤجرة، دل ذلك على أن شروط التعاقد لتأجيرها أضحت عملا اتفاقيا يكفى لانعقاده أن يتبادل طرفاه التعبير عن إرادتيهما مع تطابقهما·

وحيث إن القوانين الاستثنائية التى درج المشرع على التدخل بها لتقدير أجرة الأماكن التى حددتها، غايتها أن يكون هذا التقدير محددا وفق ضوابط ومعايير لاتجوز مخالفتها، بل يكون تطبيقها لازما فى مجال سريان القانون الذى أوجبها ؛ وكان الأصل المقرر بمقتضى المادة الأولى من القانون رقم 136 لسنة 1981 السابق الإشارة إليه، هو ألا تزيد الأجرة السنوية للأماكن المرخص فى إقامتها لأغراض السكنى -واعتبارا من تاريخ العمل بأحكامه- على 7% من قيمة الأرض والبناء؛ وكان ذلك مؤداه أن تتولى لجان تقدير الأجرة المنصوص عليها فى المادة الثالثة من هذا القانون، اختصاصها فى مجال تحديد مبلغها، وفقا للأسس والمعايير التى ضبطها المشرع بها ؛ وكان لااختصاص لهذه اللجان بتقدير أجرة أماكن أعدها أصحابها لغير أغراض السكنى، ولا أجرة مساكن يعتبر مستواها فاخراً بالنظر إلى موقعها ومكوناتها وأعمال تشطيبها، وغير ذلك من مواصفاتها التى حددتها اللائحة التنفيذية لهذا القانون الصادر بها قرار وزير التعمير رقم 766 لسنة 1981، وإلا وقع قرارها بتقدير الأجرة باطلا بطلانا مطلقا لخروجها عن حدود ولايتها ؛ وكان المدعى قد توخى بدعواه، إرجاع قيود استثنائية قدر المشرع فى نطاق تطبيق هذا القانون، إنهاءها لمجاوزتها قدر الضرورة الاجتماعية التى تطلبتها ؛ وكان لايتصور أن يكون استلاب الناس أموالهم حقا لأحد، ولا أن تقدر الضرورة بعيدا عن حقائقها ؛ وكان النص المطعون فيه يعيد العلائق الإيجارية إلى الأصل فيها بعد أن اختل التوازن بين أطرافها اختلالا جسيما، وغدا تنظيمها منافيا لطبيعتها، متغولا حدود التضامن الاجتماعى التى كفلتها المادة 7 من الدستور، وقوامها وحدة الجماعة فى بنيانها، وتداخل مصالحها لاتصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، واتصال روابط أفرادها ليكون بعضهم لبعض ظهيرا، فلايتفرقون بددا ؛ وكان النص المطعون فيه - وفيما يتعلق بالأماكن التى أخرجها من نطاق تطبيق القواعد الآمرة لتحديد الأجرة وجواز الطعن فى الأحكام الصادرة بشأنها - إنما يَرُد الحقوق لأصحابها، ويقيم ميزانها عدلا وإنصافا، فإن ادعاء مخالفته للدستور - وقد تغيا هذه الأغراض، وانتظم المخاطبين بأحكامه بقواعد موحدة لاتمييز فيها بين فئاتهم - يكون لغوا ·

وحيث إن ماينعاه المدعى من أن القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، قد أخل بحق التقاضى المنصوص عليه فى المادة 68 من الدستور، بعد أن قصر عمل لجان تحديد الأجرة على الأماكن المهيأه للسكنى من غير الإسكان الفاخر دون غيرها، ولم يجز الطعن فى مقدار الأجرة بعد تحديدها، مردود بأنه اعتبارا من تاريخ العمل بهذا القانون - وفى مجال تطبيق أحكامه - لم يعد الحق فى تقدير أجرة الأماكن التى خصصها أصحابها لغير أغراض السكنى، مقيدا بقواعد آمرة لاتجوز مخالفتها، بل صار أمر تحديد مبلغها عائدا إلى طرفى العلاقة الإيجارية يدخلان فيها بإرادتيهما، ويقرران معا شروطها ومن بينها مقدار الأجرة · ويعتبر هذا الاتفاق بالتالى شريعتهما التى لايجوز أصلا نقضها أو تعديلها - وعملا بنص المادة 147 من القانون المدنى - إلا بتراضيهما · ويظل هذا الاتفاق منتجا لآثاره إلى أن يزول وجوده قانونا سواء بالانقضاء أو الانحلال أو الإبطال · ولكل ذى شأن فيه حق التداعى فيما نشأ عنه من الحقوق، دون قيود ماليه أو عوائق إجرائية تنال من محتواه ·
وحيث إنه متى كان ماتقدم، وكان النص المطعون فيه لايتعارض مع أى حكم فى الدستور من أوجه أخرى ·
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة ·

قضية رقم 22 لسنة 12 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"



باسم الشعـب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة فى يوم السبت أول يناير1994 الموافق 19رجب سنة 1414هـ ·
برئاسة السيد المستشار الدكتور عوض محمد عوض المر رئيس المحكمـة
وعضوية السادة المستشارين : الدكتور محمد ابراهيم ابو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتورعبد المجيد فياض ومحمد عبد القادر عبدالله
وحضور السيد المستشار نجيب جمال الدين علما المفوض
وحضور السيد /رأفت محمد عبد الواحد أمين السر

أصدرت الحكم الآتــــــــى :
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 22 لسنة 12 قضائية "دستورية"

المقامة من
رفعت زغلول مصطفى
ضــــــد
1- السيد/ رئيس الجمهورية
- السيد/ رئيس مجلس الوزراء
3- السيد/ وزير المالية
4- السيد/ وزير العـدل
5- السيدة/ كريمة سيد أحمد
6- ورثة المرحومة/تحية بيومى حسانين وهم:
بدر وسيد وإبتسام وفتحية وعلية عبدالسيد عبدالله
وابراهيم محمد حمدى

الإجراءات
بتاريخ 14 أبريل 1990 أودع المدعى قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة ، طالبا الحكم بعدم دستورية نص المادة 23/1 من القانون رقم 136 لسنة 1981 ، فيما تضمنه من اعتبار التصرفات التالية للتصرف الأول بالبيع ، باطلة ولو كانت مسجلة ، مع إلزام المدعى عليهما الخامس والسادس بالمصروفات ومقابل الأتعاب ·
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فى ختامها الحكم : أصليا بعدم قبول الدعوى ، واحتياطيا برفضها ·
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها ، ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدارالحكم فيها بجلسة اليوم ·

المحكمــة
بعد الإطلاع على الأوراق ، والمداولة
وحيث إن الوقائع -على مايبين من صحيفة الدعـوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أن المدعى عليها الخامسة كانت قد اشترت من مورثة المدعى عليهم فى الدعوى الماثلة ، العقار المبين الحدود والمعالم بالأوراق ، بموجب عقد البيع الابتدائى المؤرخ 20/7/1978 ، كما قام الورثة أنفسهم - بعد وفاة مورثتهم المذكورة وبوصفهم خلفا عاما لها - ببيع العقار ذاته مرة ثانية ، الى المدعى فى الدعوى الماثلة بموجب عقد البيع المشهر برقم 620 لسنة 1988توثيق شمال القاهرة بتاريخ 28/2/1988 ، مما حمل المشترى الأول على أن يقيم أمام محكمة الزيتون الجزئية الدعوى المقيدة برقم 193 لسنة 1989 التى قضى فيها ببطلان عقد البيع المشهر المشار إليه آنفا ، ومحو التسجيلات الخاصة به وبصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 20/7/1978 وبرفض طلب فسخه ، وإذ طعن على هذا الحكم استئنافيا أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية (مدنى مستأنف شمال القاهرة ) ، وكان الحاضر عن المدعى فى الدعوى الماثلة ، قد دفع بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من الماده 23 من القانون رقم 136 لسنة 1981، فى شأن بعض الاحكام الخاصة بتأجير وبيع الاماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وكانت محكمة الموضوع قد قدرت جدية دفعه ، فقد أقام الدعوى الراهنة ، وحصر فى صحيفتها المسألة الدستورية فى الجملة الأخيرة الواردة فى الفقرة الاولى من المادة 23 المشار اليها ونصها " ويبطل كل تصرف بالبيع لاحق لهذا التاريخ ولوكان مسجلا " ·

وحيث إن الفقرة الأولى من المادة 23 من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر ، تنص على أن يعاقب بعقوبة جريمة النصب المنصوص عليها فى قانون العقوبات ، المالك الذى يتقاضى بأية صورة من الصور ، بذاته أو بالوساطة ، أكثر من مقدم عن ذات الوحدة أو يؤجرها لأكثر من مستأجر أو يبيعها لغير من تعاقد معه على شرائها ، ويبطل كل تصرف بالبيع لاحق لهذا التاريخ ولو كان مسجلا " ·

وحيث إن المدعى ينعى على الفقرة المشار اليها أن ماتضمنته من بطلان البيع اللاحق ولو كان مسجلا ، ينطوى على إهدار لأحكام القانون المدنى وقانون التسجيل خاصة بعد أن صار الشهر العقارى الدعامة الاساسية التى يقوم عليها الائتمان · وإهدار اجراءاته التى توخى بها المشرع حماية الملكية الخاصة ، يعتبراخلالا بها بالمخالفة للدستور الذى كفل صونها من العدوان بنص المادة 4 3 منه ·

وحيث إن الدستور حرص على صون الملكية الخاصة ، وكفل عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء ، وفى الحدود وبالقيود التى أوردها باعتبارها مترتبة - فى الأصل - على الجهد الخاص الذى بذله الفرد بكده وعرقه ، وبوصفها حافزه إلى الانطلاق والتقدم ، إذ يختص دون غيره بالأموال التى يملكها وتهيئة الإنتفاع المفيد بها لتعود إليه ثمارها ومنتجاتها وملحقاتها ، وكانت الأموال التى يرد عليها حق الملكية ، تعد كذلك من مصادر الثروة القومية التى لايجوز التفريط فيها أو استخدامها على وجه يعوق التنمية أو يعطل مصالح الجماعة ، وكانت الملكية فى إطار النظم الوضعية التى تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة ، لم تعد حقا مطلقا ، ولاهى عصية على التنظيم التشريعى ، وإنما يجوز تحميلها بالقيود التى تقتضيها وظيفتها الاجتماعية ، وهى وظيفة يتحدد نطاقها ومرماها على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية ، والأغراض التى ينبغى توجيهها إليها ، وبمراعاة الموازنة التى يجريها المشرع ويرجح من خلالها مايراه من المصالح أولى بالرعاية وأجدر بالحماية على ضوء أحكام الدستور، متى كان ذلك ، تعين أن ينظم القانون أداء هذه الوظيفة مهتدياً بوجه خاص بالقيم التى تنحاز إليها الجماعة فى مرحلة معينة من مراحل تطورها ، وبمراعاة أن القيود التى تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقها ، لاتعتبر مقصودة لذاتها ، بل غايتها خير الفرد والجماعة ·

وحيث إنه متى كان ماتقدم ، وكان الدستور قد كفل فى مادته الثانية والثلاثين حماية الملكية الخاصة التى لاتقوم فى جوهرها على الاستغلال ، وهو يرد انحرافها كلما كان إستخدامها متعارضا مع الخير العام للجماعة ، مؤكدا دعمها بشرط قيامها على الوظيفة الاجتماعية التى يبين المشرع حدودها ، مراعيا فى ذلك أن تعمل فى خدمة الاقتصاد القومى وفى إطار خطة التنمية ، وكان البين من الأحكام التى اختص بها الدستور الملكية الخاصة أن صونها من العدوان رهن بتوافر الشرائط التى تطلبها فيها ويندرج تحتها نأيها عن الإستغلال، والتزامها مصالح الجماعة والعمل على تحقيقها ودون مناهضتها بالاتفاق على خلافها ، وكان المشرع فى نطاق سلطته التقديرية فى مجال تنظيم الحقوق ، قد سن النص المطعون فيه ، مقررا العمل به من تاريخ نشره ، ودالا بمقتضاه على أن الأسبق إلى شراء وحدة من مالكها -ولو كان ذلك قبل تسجيل عقده وبقاؤها بالتالى من الناحية القانونية على ذمة من ابتاعها منه – هو الأجدر بالحماية ضمانا للثقة المشروعة فى التعامل ، فإذا باع مالكها الوحدة ذاتها لغير من تعاقد معه على شرائها أولا ، كان ذلك نوع من التعامل فيها يقوم على التحايل والانتهاز ، وهو مادعا المشرع إلى أن يبطل البيوع اللاحقة لتصرفه الأول فيها باعتبار أن محلها قد غدا من الأموال التى لايجوزالتعامل فيها - لابناء على طبيعتها ، ولا لأن بيعها يعتبر منافيا للغرض الذى خصص لها ورصدت عليه - وإنما لأن هذا التعامل يعتبر منهيا عنه بنص فى القانون ، وغير مشروع بالتالى ·

وحيث إن النص المطعون فيه - فيما تضمنه من قاعدة آمرة ناهية - قد تقررعلى ضوء أسس موضوعية بعد أن شاع التعامل فى الوحدة الواحدة أكثر من مرة ، انحرافا عن الحق وتماديا فى الباطل ، واستمراء للزور والبهتان ، وجلبا للمال الحرام إيثارا واثراءً ، وضمانا لموارد متجدده اهتبالا وانتهابا ، وإفتئاتا على الحقوق الثابتة إنكارا ، وسعيا من مالكها لنقض ماتم من جهته عدوانا ، فقد كان أمراً محتوما ان يرده المشرع على اعقابه باهدار سوء قصده جزاءً وفاقا ، وان يقرر بالتالى - وزجرا لتلاعبه -بطلان البيوع اللاحقة جميعها - وقوامها الانتهاز والتحايل على ماسلف البيان - بطلانا مطلقا لضمان انعدامها ، باعتبار أن العدم لايصير وجوداً ولو أجيز ، ولأن بطلان هذه البيوع مؤداه أن لكل ذى مصلحة أن يتمسك ببطلانها ، وللمحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها · ولايعدو بطلان العقد أن يكون جزاءً على عدم استجماعه لأركانه كاملة مستوفية لشروطها ، وهو مانحاه النص المطعون عليه بناء على اعتبارات موضوعية ، ولحماية مصلحة عامة لايجوز أن تختل ، ضمانا لتعامل يتوخى رعاية الحقوق لا إهدارها أو الانتقاص منها ، وبثًا للثقة المشروعة التى ينبغى أن يكون محاطا بها ، ملتزما إطارها ، وقمعا لكل صور الانحراف التى تفسده المعاملات وتنال منها ، ولو كان محل الالتزام قد أضحى غير مشروع حكما - لاطبيعة - بناء على نص ناه فى القانون ولا مخالفة فى ذلك كله للدستور ذلك ان النص المطعون فيه قد سرى بأثر مباشر اعتباراَ من تاريخ العمل به ، وتحدد مجال البطلان - وفقا لاحكامه - بالعقود اللاحقه التي تم بها بيع الوحده ذاتها لغير من تعاقد مالكها علي شرائها منه أولا ، وارتد هذا البطلان إلي قاعدة آمره لا يجوز التحلل منها أو اهدارها باعتبارها أصون للمصالح الاجتماعية والاقتصادية المرتبطه بها وادعى إلى تنحية المصلحة الفردية التي تناقضها ، وبوصفها واقعه في المجال الطبيعى للنظام العام ، وهو يتحدد دائرة ومفهوماَ ، تخوما ونطاقاً ، علي ضوء العوامل الاجتماعية والإقتصادية الغالبة في بيئهة بذاتها خلال زمن معين - متى كان ذلك وكان القانون المدنى قد نص في المادة 135 منه علي انه إذا كان محل الالتزام مخالفا للنظام العام ، كان العقد باطلاَ ، وكان النص المطعون فيه دامغا لمشروعية المحل في عقود البيع اللاحقه ، مقرراَ بطلانها ، مجرداَ إياها من الأثار المترتبه عليها كأعمال قانونية ، فإن تسجيلها يكون معدوم الأثر لوروده علي غير محل ، ذلك أن العقد الباطل منعدم وجوداَ من الناحية القانونية ، وهو انعدام لاتتعدد مراتبه أو يتدرج ، بل هو درجة واحدة لاتفاوت فيها ، وبه يعود المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها عندالتعاقد ما لم يكن ذلك مستحيلا ، فيجوز عندئذ الحكم بتعويض عادل 0

وحيث إن المدعى دلل على مخالفة النص المطعون عليه للدستور قائلا بأن الفرض فى العقد الأسبق أنه غير مسجل ومن ثم تظل الوحده محل النزاع بيد مالكها وجواز تصرفه فيها وذلك خلافا للعقد اللاحق المسجل ذلك أن الأسبق إلى تسجيل العقد هو الأحق والأجدر بان يعتبر مالكا بإعتباران التسجيل يفيد لزوما جواز الاحتجاج بأثره الناقل للملك ، سواء فيما بين المتعاقدين أو فى مواجهة الأغيار، وكان ماقرره المدعى على النحو المتقدم مردودا أولا بأن المفاضلة بين عقدين تغليبا لأحدهما وترجيحاً لأحد المركزين القانونيين على الآخر ، يفترض أن هذين العقدين مستوفيان لأركانهما ولشروط صحتهما ، وهوماتخلف فى تطبيق أحكام النص التشريعى المطعون عليه، ذلك أن عقد البيع اللاحق - وقد اعتبر باطلا بطلانا مطلقا بناء على نص ناه فى القانون - قد أضحى منعدما لامجال لانفاذه ، بما مؤداه زوال كافة الآثار التى رتبها وعودة الأوضاع إلى حالها قبل إبرامه كلما كان ذلك ممكنا ، وذلك خلافا للعقد الأول إذ لاشبهة فى صحته ونفاذه وترتيبه التزاما شخصياً على البائع بالعمل على اتخاذ الإجراءات اللازمة لنقل ملكية المبيع · ومردودا ثانيا بأن تسجيل عقد ما ، لايدل بالضرورة على صحته ونفاذه ، ذلك أن العقد المسجل قد يكون صوريا أوباطلا أو مستحيل التنفيذ أو منفسخا ·

وحيث إنه لامحل كذلك للقول بأن تدخل المحكمة الجنائية يعتبر لازماً لتقرير بطلان عقد البيع اللاحق فى شأن الوحدة ذاتها إعمالا للنص المطعون فيه الذى اعتبر مالكها متصرفا فيها بهذا العقد مخاتلة أو تواطؤاً ، ومرتكباً بالتالى لجريمة محدد عقوبتها لامحل لذلك ، ذلك أن البيع اللاحق أبرم بالمخالفة لقاعدة آمرة تعد بذاتها مصدراً مباشراً لبطلانه ، ومجرد إعمالها يعتبر كافيا لإيقاع الجزاء المقترن بها ·

وحيث إن ماينعاه المدعى من تعارض بين النص المطعون فيه وبين كل من القانون المدنى وقانون تنظيم الشهر العقارى ، مردود ا - وبفرض صحة هذا الإدعاء - بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن اختصاصها بالفصل فى المسائل الدستورية مبناه مخالفة نص فى قانون أو لائحة لقاعدة فى الدستور ، فلا يمتد لحالات التعارض بين القوانين واللوائح أوبين التشريعات ذات المرتبة الواحدة 0

وحيث إنه لما كان ماتقدم ، فإن قالة مخالفة النص المطعون فيه للحماية التى كفلها الدستور لحق الملكية ، تكون مفتقرة إلى دعامتها مجردة منها ، حرية بالإعراض عنها · متى كان ذلك ، وكان النص المطعون فيه لايتعارض مع أى حكم آخر فى الدستور من أوجه أخرى ·

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماه ·

قضية رقم 22 لسنة 12 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"



باسم الشعـب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة فى يوم السبت أول يناير1994 الموافق 19رجب سنة 1414هـ ·
برئاسة السيد المستشار الدكتور عوض محمد عوض المر رئيس المحكمـة
وعضوية السادة المستشارين : الدكتور محمد ابراهيم ابو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتورعبد المجيد فياض ومحمد عبد القادر عبدالله
وحضور السيد المستشار نجيب جمال الدين علما المفوض
وحضور السيد /رأفت محمد عبد الواحد أمين السر

أصدرت الحكم الآتــــــــى :
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 22 لسنة 12 قضائية "دستورية"

المقامة من
رفعت زغلول مصطفى
ضــــــد
1- السيد/ رئيس الجمهورية
- السيد/ رئيس مجلس الوزراء
3- السيد/ وزير المالية
4- السيد/ وزير العـدل
5- السيدة/ كريمة سيد أحمد
6- ورثة المرحومة/تحية بيومى حسانين وهم:
بدر وسيد وإبتسام وفتحية وعلية عبدالسيد عبدالله
وابراهيم محمد حمدى

الإجراءات
بتاريخ 14 أبريل 1990 أودع المدعى قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة ، طالبا الحكم بعدم دستورية نص المادة 23/1 من القانون رقم 136 لسنة 1981 ، فيما تضمنه من اعتبار التصرفات التالية للتصرف الأول بالبيع ، باطلة ولو كانت مسجلة ، مع إلزام المدعى عليهما الخامس والسادس بالمصروفات ومقابل الأتعاب ·
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فى ختامها الحكم : أصليا بعدم قبول الدعوى ، واحتياطيا برفضها ·
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها ، ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدارالحكم فيها بجلسة اليوم ·

المحكمــة
بعد الإطلاع على الأوراق ، والمداولة
وحيث إن الوقائع -على مايبين من صحيفة الدعـوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أن المدعى عليها الخامسة كانت قد اشترت من مورثة المدعى عليهم فى الدعوى الماثلة ، العقار المبين الحدود والمعالم بالأوراق ، بموجب عقد البيع الابتدائى المؤرخ 20/7/1978 ، كما قام الورثة أنفسهم - بعد وفاة مورثتهم المذكورة وبوصفهم خلفا عاما لها - ببيع العقار ذاته مرة ثانية ، الى المدعى فى الدعوى الماثلة بموجب عقد البيع المشهر برقم 620 لسنة 1988توثيق شمال القاهرة بتاريخ 28/2/1988 ، مما حمل المشترى الأول على أن يقيم أمام محكمة الزيتون الجزئية الدعوى المقيدة برقم 193 لسنة 1989 التى قضى فيها ببطلان عقد البيع المشهر المشار إليه آنفا ، ومحو التسجيلات الخاصة به وبصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 20/7/1978 وبرفض طلب فسخه ، وإذ طعن على هذا الحكم استئنافيا أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية (مدنى مستأنف شمال القاهرة ) ، وكان الحاضر عن المدعى فى الدعوى الماثلة ، قد دفع بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من الماده 23 من القانون رقم 136 لسنة 1981، فى شأن بعض الاحكام الخاصة بتأجير وبيع الاماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وكانت محكمة الموضوع قد قدرت جدية دفعه ، فقد أقام الدعوى الراهنة ، وحصر فى صحيفتها المسألة الدستورية فى الجملة الأخيرة الواردة فى الفقرة الاولى من المادة 23 المشار اليها ونصها " ويبطل كل تصرف بالبيع لاحق لهذا التاريخ ولوكان مسجلا " ·

وحيث إن الفقرة الأولى من المادة 23 من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر ، تنص على أن يعاقب بعقوبة جريمة النصب المنصوص عليها فى قانون العقوبات ، المالك الذى يتقاضى بأية صورة من الصور ، بذاته أو بالوساطة ، أكثر من مقدم عن ذات الوحدة أو يؤجرها لأكثر من مستأجر أو يبيعها لغير من تعاقد معه على شرائها ، ويبطل كل تصرف بالبيع لاحق لهذا التاريخ ولو كان مسجلا " ·

وحيث إن المدعى ينعى على الفقرة المشار اليها أن ماتضمنته من بطلان البيع اللاحق ولو كان مسجلا ، ينطوى على إهدار لأحكام القانون المدنى وقانون التسجيل خاصة بعد أن صار الشهر العقارى الدعامة الاساسية التى يقوم عليها الائتمان · وإهدار اجراءاته التى توخى بها المشرع حماية الملكية الخاصة ، يعتبراخلالا بها بالمخالفة للدستور الذى كفل صونها من العدوان بنص المادة 4 3 منه ·

وحيث إن الدستور حرص على صون الملكية الخاصة ، وكفل عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء ، وفى الحدود وبالقيود التى أوردها باعتبارها مترتبة - فى الأصل - على الجهد الخاص الذى بذله الفرد بكده وعرقه ، وبوصفها حافزه إلى الانطلاق والتقدم ، إذ يختص دون غيره بالأموال التى يملكها وتهيئة الإنتفاع المفيد بها لتعود إليه ثمارها ومنتجاتها وملحقاتها ، وكانت الأموال التى يرد عليها حق الملكية ، تعد كذلك من مصادر الثروة القومية التى لايجوز التفريط فيها أو استخدامها على وجه يعوق التنمية أو يعطل مصالح الجماعة ، وكانت الملكية فى إطار النظم الوضعية التى تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة ، لم تعد حقا مطلقا ، ولاهى عصية على التنظيم التشريعى ، وإنما يجوز تحميلها بالقيود التى تقتضيها وظيفتها الاجتماعية ، وهى وظيفة يتحدد نطاقها ومرماها على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية ، والأغراض التى ينبغى توجيهها إليها ، وبمراعاة الموازنة التى يجريها المشرع ويرجح من خلالها مايراه من المصالح أولى بالرعاية وأجدر بالحماية على ضوء أحكام الدستور، متى كان ذلك ، تعين أن ينظم القانون أداء هذه الوظيفة مهتدياً بوجه خاص بالقيم التى تنحاز إليها الجماعة فى مرحلة معينة من مراحل تطورها ، وبمراعاة أن القيود التى تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقها ، لاتعتبر مقصودة لذاتها ، بل غايتها خير الفرد والجماعة ·

وحيث إنه متى كان ماتقدم ، وكان الدستور قد كفل فى مادته الثانية والثلاثين حماية الملكية الخاصة التى لاتقوم فى جوهرها على الاستغلال ، وهو يرد انحرافها كلما كان إستخدامها متعارضا مع الخير العام للجماعة ، مؤكدا دعمها بشرط قيامها على الوظيفة الاجتماعية التى يبين المشرع حدودها ، مراعيا فى ذلك أن تعمل فى خدمة الاقتصاد القومى وفى إطار خطة التنمية ، وكان البين من الأحكام التى اختص بها الدستور الملكية الخاصة أن صونها من العدوان رهن بتوافر الشرائط التى تطلبها فيها ويندرج تحتها نأيها عن الإستغلال، والتزامها مصالح الجماعة والعمل على تحقيقها ودون مناهضتها بالاتفاق على خلافها ، وكان المشرع فى نطاق سلطته التقديرية فى مجال تنظيم الحقوق ، قد سن النص المطعون فيه ، مقررا العمل به من تاريخ نشره ، ودالا بمقتضاه على أن الأسبق إلى شراء وحدة من مالكها -ولو كان ذلك قبل تسجيل عقده وبقاؤها بالتالى من الناحية القانونية على ذمة من ابتاعها منه – هو الأجدر بالحماية ضمانا للثقة المشروعة فى التعامل ، فإذا باع مالكها الوحدة ذاتها لغير من تعاقد معه على شرائها أولا ، كان ذلك نوع من التعامل فيها يقوم على التحايل والانتهاز ، وهو مادعا المشرع إلى أن يبطل البيوع اللاحقة لتصرفه الأول فيها باعتبار أن محلها قد غدا من الأموال التى لايجوزالتعامل فيها - لابناء على طبيعتها ، ولا لأن بيعها يعتبر منافيا للغرض الذى خصص لها ورصدت عليه - وإنما لأن هذا التعامل يعتبر منهيا عنه بنص فى القانون ، وغير مشروع بالتالى ·

وحيث إن النص المطعون فيه - فيما تضمنه من قاعدة آمرة ناهية - قد تقررعلى ضوء أسس موضوعية بعد أن شاع التعامل فى الوحدة الواحدة أكثر من مرة ، انحرافا عن الحق وتماديا فى الباطل ، واستمراء للزور والبهتان ، وجلبا للمال الحرام إيثارا واثراءً ، وضمانا لموارد متجدده اهتبالا وانتهابا ، وإفتئاتا على الحقوق الثابتة إنكارا ، وسعيا من مالكها لنقض ماتم من جهته عدوانا ، فقد كان أمراً محتوما ان يرده المشرع على اعقابه باهدار سوء قصده جزاءً وفاقا ، وان يقرر بالتالى - وزجرا لتلاعبه -بطلان البيوع اللاحقة جميعها - وقوامها الانتهاز والتحايل على ماسلف البيان - بطلانا مطلقا لضمان انعدامها ، باعتبار أن العدم لايصير وجوداً ولو أجيز ، ولأن بطلان هذه البيوع مؤداه أن لكل ذى مصلحة أن يتمسك ببطلانها ، وللمحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها · ولايعدو بطلان العقد أن يكون جزاءً على عدم استجماعه لأركانه كاملة مستوفية لشروطها ، وهو مانحاه النص المطعون عليه بناء على اعتبارات موضوعية ، ولحماية مصلحة عامة لايجوز أن تختل ، ضمانا لتعامل يتوخى رعاية الحقوق لا إهدارها أو الانتقاص منها ، وبثًا للثقة المشروعة التى ينبغى أن يكون محاطا بها ، ملتزما إطارها ، وقمعا لكل صور الانحراف التى تفسده المعاملات وتنال منها ، ولو كان محل الالتزام قد أضحى غير مشروع حكما - لاطبيعة - بناء على نص ناه فى القانون ولا مخالفة فى ذلك كله للدستور ذلك ان النص المطعون فيه قد سرى بأثر مباشر اعتباراَ من تاريخ العمل به ، وتحدد مجال البطلان - وفقا لاحكامه - بالعقود اللاحقه التي تم بها بيع الوحده ذاتها لغير من تعاقد مالكها علي شرائها منه أولا ، وارتد هذا البطلان إلي قاعدة آمره لا يجوز التحلل منها أو اهدارها باعتبارها أصون للمصالح الاجتماعية والاقتصادية المرتبطه بها وادعى إلى تنحية المصلحة الفردية التي تناقضها ، وبوصفها واقعه في المجال الطبيعى للنظام العام ، وهو يتحدد دائرة ومفهوماَ ، تخوما ونطاقاً ، علي ضوء العوامل الاجتماعية والإقتصادية الغالبة في بيئهة بذاتها خلال زمن معين - متى كان ذلك وكان القانون المدنى قد نص في المادة 135 منه علي انه إذا كان محل الالتزام مخالفا للنظام العام ، كان العقد باطلاَ ، وكان النص المطعون فيه دامغا لمشروعية المحل في عقود البيع اللاحقه ، مقرراَ بطلانها ، مجرداَ إياها من الأثار المترتبه عليها كأعمال قانونية ، فإن تسجيلها يكون معدوم الأثر لوروده علي غير محل ، ذلك أن العقد الباطل منعدم وجوداَ من الناحية القانونية ، وهو انعدام لاتتعدد مراتبه أو يتدرج ، بل هو درجة واحدة لاتفاوت فيها ، وبه يعود المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها عندالتعاقد ما لم يكن ذلك مستحيلا ، فيجوز عندئذ الحكم بتعويض عادل 0

وحيث إن المدعى دلل على مخالفة النص المطعون عليه للدستور قائلا بأن الفرض فى العقد الأسبق أنه غير مسجل ومن ثم تظل الوحده محل النزاع بيد مالكها وجواز تصرفه فيها وذلك خلافا للعقد اللاحق المسجل ذلك أن الأسبق إلى تسجيل العقد هو الأحق والأجدر بان يعتبر مالكا بإعتباران التسجيل يفيد لزوما جواز الاحتجاج بأثره الناقل للملك ، سواء فيما بين المتعاقدين أو فى مواجهة الأغيار، وكان ماقرره المدعى على النحو المتقدم مردودا أولا بأن المفاضلة بين عقدين تغليبا لأحدهما وترجيحاً لأحد المركزين القانونيين على الآخر ، يفترض أن هذين العقدين مستوفيان لأركانهما ولشروط صحتهما ، وهوماتخلف فى تطبيق أحكام النص التشريعى المطعون عليه، ذلك أن عقد البيع اللاحق - وقد اعتبر باطلا بطلانا مطلقا بناء على نص ناه فى القانون - قد أضحى منعدما لامجال لانفاذه ، بما مؤداه زوال كافة الآثار التى رتبها وعودة الأوضاع إلى حالها قبل إبرامه كلما كان ذلك ممكنا ، وذلك خلافا للعقد الأول إذ لاشبهة فى صحته ونفاذه وترتيبه التزاما شخصياً على البائع بالعمل على اتخاذ الإجراءات اللازمة لنقل ملكية المبيع · ومردودا ثانيا بأن تسجيل عقد ما ، لايدل بالضرورة على صحته ونفاذه ، ذلك أن العقد المسجل قد يكون صوريا أوباطلا أو مستحيل التنفيذ أو منفسخا ·

وحيث إنه لامحل كذلك للقول بأن تدخل المحكمة الجنائية يعتبر لازماً لتقرير بطلان عقد البيع اللاحق فى شأن الوحدة ذاتها إعمالا للنص المطعون فيه الذى اعتبر مالكها متصرفا فيها بهذا العقد مخاتلة أو تواطؤاً ، ومرتكباً بالتالى لجريمة محدد عقوبتها لامحل لذلك ، ذلك أن البيع اللاحق أبرم بالمخالفة لقاعدة آمرة تعد بذاتها مصدراً مباشراً لبطلانه ، ومجرد إعمالها يعتبر كافيا لإيقاع الجزاء المقترن بها ·

وحيث إن ماينعاه المدعى من تعارض بين النص المطعون فيه وبين كل من القانون المدنى وقانون تنظيم الشهر العقارى ، مردود ا - وبفرض صحة هذا الإدعاء - بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن اختصاصها بالفصل فى المسائل الدستورية مبناه مخالفة نص فى قانون أو لائحة لقاعدة فى الدستور ، فلا يمتد لحالات التعارض بين القوانين واللوائح أوبين التشريعات ذات المرتبة الواحدة 0

وحيث إنه لما كان ماتقدم ، فإن قالة مخالفة النص المطعون فيه للحماية التى كفلها الدستور لحق الملكية ، تكون مفتقرة إلى دعامتها مجردة منها ، حرية بالإعراض عنها · متى كان ذلك ، وكان النص المطعون فيه لايتعارض مع أى حكم آخر فى الدستور من أوجه أخرى ·

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماه ·

قضية رقم 22 لسنة 12 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"



باسم الشعـب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة فى يوم السبت أول يناير1994 الموافق 19رجب سنة 1414هـ ·
برئاسة السيد المستشار الدكتور عوض محمد عوض المر رئيس المحكمـة
وعضوية السادة المستشارين : الدكتور محمد ابراهيم ابو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتورعبد المجيد فياض ومحمد عبد القادر عبدالله
وحضور السيد المستشار نجيب جمال الدين علما المفوض
وحضور السيد /رأفت محمد عبد الواحد أمين السر

أصدرت الحكم الآتــــــــى :
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 22 لسنة 12 قضائية "دستورية"

المقامة من
رفعت زغلول مصطفى
ضــــــد
1- السيد/ رئيس الجمهورية
- السيد/ رئيس مجلس الوزراء
3- السيد/ وزير المالية
4- السيد/ وزير العـدل
5- السيدة/ كريمة سيد أحمد
6- ورثة المرحومة/تحية بيومى حسانين وهم:
بدر وسيد وإبتسام وفتحية وعلية عبدالسيد عبدالله
وابراهيم محمد حمدى

الإجراءات
بتاريخ 14 أبريل 1990 أودع المدعى قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة ، طالبا الحكم بعدم دستورية نص المادة 23/1 من القانون رقم 136 لسنة 1981 ، فيما تضمنه من اعتبار التصرفات التالية للتصرف الأول بالبيع ، باطلة ولو كانت مسجلة ، مع إلزام المدعى عليهما الخامس والسادس بالمصروفات ومقابل الأتعاب ·
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فى ختامها الحكم : أصليا بعدم قبول الدعوى ، واحتياطيا برفضها ·
وبعد تحضير الدعوى ، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها ، ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، وقررت المحكمة إصدارالحكم فيها بجلسة اليوم ·

المحكمــة
بعد الإطلاع على الأوراق ، والمداولة
وحيث إن الوقائع -على مايبين من صحيفة الدعـوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أن المدعى عليها الخامسة كانت قد اشترت من مورثة المدعى عليهم فى الدعوى الماثلة ، العقار المبين الحدود والمعالم بالأوراق ، بموجب عقد البيع الابتدائى المؤرخ 20/7/1978 ، كما قام الورثة أنفسهم - بعد وفاة مورثتهم المذكورة وبوصفهم خلفا عاما لها - ببيع العقار ذاته مرة ثانية ، الى المدعى فى الدعوى الماثلة بموجب عقد البيع المشهر برقم 620 لسنة 1988توثيق شمال القاهرة بتاريخ 28/2/1988 ، مما حمل المشترى الأول على أن يقيم أمام محكمة الزيتون الجزئية الدعوى المقيدة برقم 193 لسنة 1989 التى قضى فيها ببطلان عقد البيع المشهر المشار إليه آنفا ، ومحو التسجيلات الخاصة به وبصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 20/7/1978 وبرفض طلب فسخه ، وإذ طعن على هذا الحكم استئنافيا أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية (مدنى مستأنف شمال القاهرة ) ، وكان الحاضر عن المدعى فى الدعوى الماثلة ، قد دفع بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من الماده 23 من القانون رقم 136 لسنة 1981، فى شأن بعض الاحكام الخاصة بتأجير وبيع الاماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وكانت محكمة الموضوع قد قدرت جدية دفعه ، فقد أقام الدعوى الراهنة ، وحصر فى صحيفتها المسألة الدستورية فى الجملة الأخيرة الواردة فى الفقرة الاولى من المادة 23 المشار اليها ونصها " ويبطل كل تصرف بالبيع لاحق لهذا التاريخ ولوكان مسجلا " ·

وحيث إن الفقرة الأولى من المادة 23 من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر ، تنص على أن يعاقب بعقوبة جريمة النصب المنصوص عليها فى قانون العقوبات ، المالك الذى يتقاضى بأية صورة من الصور ، بذاته أو بالوساطة ، أكثر من مقدم عن ذات الوحدة أو يؤجرها لأكثر من مستأجر أو يبيعها لغير من تعاقد معه على شرائها ، ويبطل كل تصرف بالبيع لاحق لهذا التاريخ ولو كان مسجلا " ·

وحيث إن المدعى ينعى على الفقرة المشار اليها أن ماتضمنته من بطلان البيع اللاحق ولو كان مسجلا ، ينطوى على إهدار لأحكام القانون المدنى وقانون التسجيل خاصة بعد أن صار الشهر العقارى الدعامة الاساسية التى يقوم عليها الائتمان · وإهدار اجراءاته التى توخى بها المشرع حماية الملكية الخاصة ، يعتبراخلالا بها بالمخالفة للدستور الذى كفل صونها من العدوان بنص المادة 4 3 منه ·

وحيث إن الدستور حرص على صون الملكية الخاصة ، وكفل عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء ، وفى الحدود وبالقيود التى أوردها باعتبارها مترتبة - فى الأصل - على الجهد الخاص الذى بذله الفرد بكده وعرقه ، وبوصفها حافزه إلى الانطلاق والتقدم ، إذ يختص دون غيره بالأموال التى يملكها وتهيئة الإنتفاع المفيد بها لتعود إليه ثمارها ومنتجاتها وملحقاتها ، وكانت الأموال التى يرد عليها حق الملكية ، تعد كذلك من مصادر الثروة القومية التى لايجوز التفريط فيها أو استخدامها على وجه يعوق التنمية أو يعطل مصالح الجماعة ، وكانت الملكية فى إطار النظم الوضعية التى تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة ، لم تعد حقا مطلقا ، ولاهى عصية على التنظيم التشريعى ، وإنما يجوز تحميلها بالقيود التى تقتضيها وظيفتها الاجتماعية ، وهى وظيفة يتحدد نطاقها ومرماها على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية ، والأغراض التى ينبغى توجيهها إليها ، وبمراعاة الموازنة التى يجريها المشرع ويرجح من خلالها مايراه من المصالح أولى بالرعاية وأجدر بالحماية على ضوء أحكام الدستور، متى كان ذلك ، تعين أن ينظم القانون أداء هذه الوظيفة مهتدياً بوجه خاص بالقيم التى تنحاز إليها الجماعة فى مرحلة معينة من مراحل تطورها ، وبمراعاة أن القيود التى تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقها ، لاتعتبر مقصودة لذاتها ، بل غايتها خير الفرد والجماعة ·

وحيث إنه متى كان ماتقدم ، وكان الدستور قد كفل فى مادته الثانية والثلاثين حماية الملكية الخاصة التى لاتقوم فى جوهرها على الاستغلال ، وهو يرد انحرافها كلما كان إستخدامها متعارضا مع الخير العام للجماعة ، مؤكدا دعمها بشرط قيامها على الوظيفة الاجتماعية التى يبين المشرع حدودها ، مراعيا فى ذلك أن تعمل فى خدمة الاقتصاد القومى وفى إطار خطة التنمية ، وكان البين من الأحكام التى اختص بها الدستور الملكية الخاصة أن صونها من العدوان رهن بتوافر الشرائط التى تطلبها فيها ويندرج تحتها نأيها عن الإستغلال، والتزامها مصالح الجماعة والعمل على تحقيقها ودون مناهضتها بالاتفاق على خلافها ، وكان المشرع فى نطاق سلطته التقديرية فى مجال تنظيم الحقوق ، قد سن النص المطعون فيه ، مقررا العمل به من تاريخ نشره ، ودالا بمقتضاه على أن الأسبق إلى شراء وحدة من مالكها -ولو كان ذلك قبل تسجيل عقده وبقاؤها بالتالى من الناحية القانونية على ذمة من ابتاعها منه – هو الأجدر بالحماية ضمانا للثقة المشروعة فى التعامل ، فإذا باع مالكها الوحدة ذاتها لغير من تعاقد معه على شرائها أولا ، كان ذلك نوع من التعامل فيها يقوم على التحايل والانتهاز ، وهو مادعا المشرع إلى أن يبطل البيوع اللاحقة لتصرفه الأول فيها باعتبار أن محلها قد غدا من الأموال التى لايجوزالتعامل فيها - لابناء على طبيعتها ، ولا لأن بيعها يعتبر منافيا للغرض الذى خصص لها ورصدت عليه - وإنما لأن هذا التعامل يعتبر منهيا عنه بنص فى القانون ، وغير مشروع بالتالى ·

وحيث إن النص المطعون فيه - فيما تضمنه من قاعدة آمرة ناهية - قد تقررعلى ضوء أسس موضوعية بعد أن شاع التعامل فى الوحدة الواحدة أكثر من مرة ، انحرافا عن الحق وتماديا فى الباطل ، واستمراء للزور والبهتان ، وجلبا للمال الحرام إيثارا واثراءً ، وضمانا لموارد متجدده اهتبالا وانتهابا ، وإفتئاتا على الحقوق الثابتة إنكارا ، وسعيا من مالكها لنقض ماتم من جهته عدوانا ، فقد كان أمراً محتوما ان يرده المشرع على اعقابه باهدار سوء قصده جزاءً وفاقا ، وان يقرر بالتالى - وزجرا لتلاعبه -بطلان البيوع اللاحقة جميعها - وقوامها الانتهاز والتحايل على ماسلف البيان - بطلانا مطلقا لضمان انعدامها ، باعتبار أن العدم لايصير وجوداً ولو أجيز ، ولأن بطلان هذه البيوع مؤداه أن لكل ذى مصلحة أن يتمسك ببطلانها ، وللمحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها · ولايعدو بطلان العقد أن يكون جزاءً على عدم استجماعه لأركانه كاملة مستوفية لشروطها ، وهو مانحاه النص المطعون عليه بناء على اعتبارات موضوعية ، ولحماية مصلحة عامة لايجوز أن تختل ، ضمانا لتعامل يتوخى رعاية الحقوق لا إهدارها أو الانتقاص منها ، وبثًا للثقة المشروعة التى ينبغى أن يكون محاطا بها ، ملتزما إطارها ، وقمعا لكل صور الانحراف التى تفسده المعاملات وتنال منها ، ولو كان محل الالتزام قد أضحى غير مشروع حكما - لاطبيعة - بناء على نص ناه فى القانون ولا مخالفة فى ذلك كله للدستور ذلك ان النص المطعون فيه قد سرى بأثر مباشر اعتباراَ من تاريخ العمل به ، وتحدد مجال البطلان - وفقا لاحكامه - بالعقود اللاحقه التي تم بها بيع الوحده ذاتها لغير من تعاقد مالكها علي شرائها منه أولا ، وارتد هذا البطلان إلي قاعدة آمره لا يجوز التحلل منها أو اهدارها باعتبارها أصون للمصالح الاجتماعية والاقتصادية المرتبطه بها وادعى إلى تنحية المصلحة الفردية التي تناقضها ، وبوصفها واقعه في المجال الطبيعى للنظام العام ، وهو يتحدد دائرة ومفهوماَ ، تخوما ونطاقاً ، علي ضوء العوامل الاجتماعية والإقتصادية الغالبة في بيئهة بذاتها خلال زمن معين - متى كان ذلك وكان القانون المدنى قد نص في المادة 135 منه علي انه إذا كان محل الالتزام مخالفا للنظام العام ، كان العقد باطلاَ ، وكان النص المطعون فيه دامغا لمشروعية المحل في عقود البيع اللاحقه ، مقرراَ بطلانها ، مجرداَ إياها من الأثار المترتبه عليها كأعمال قانونية ، فإن تسجيلها يكون معدوم الأثر لوروده علي غير محل ، ذلك أن العقد الباطل منعدم وجوداَ من الناحية القانونية ، وهو انعدام لاتتعدد مراتبه أو يتدرج ، بل هو درجة واحدة لاتفاوت فيها ، وبه يعود المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها عندالتعاقد ما لم يكن ذلك مستحيلا ، فيجوز عندئذ الحكم بتعويض عادل 0

وحيث إن المدعى دلل على مخالفة النص المطعون عليه للدستور قائلا بأن الفرض فى العقد الأسبق أنه غير مسجل ومن ثم تظل الوحده محل النزاع بيد مالكها وجواز تصرفه فيها وذلك خلافا للعقد اللاحق المسجل ذلك أن الأسبق إلى تسجيل العقد هو الأحق والأجدر بان يعتبر مالكا بإعتباران التسجيل يفيد لزوما جواز الاحتجاج بأثره الناقل للملك ، سواء فيما بين المتعاقدين أو فى مواجهة الأغيار، وكان ماقرره المدعى على النحو المتقدم مردودا أولا بأن المفاضلة بين عقدين تغليبا لأحدهما وترجيحاً لأحد المركزين القانونيين على الآخر ، يفترض أن هذين العقدين مستوفيان لأركانهما ولشروط صحتهما ، وهوماتخلف فى تطبيق أحكام النص التشريعى المطعون عليه، ذلك أن عقد البيع اللاحق - وقد اعتبر باطلا بطلانا مطلقا بناء على نص ناه فى القانون - قد أضحى منعدما لامجال لانفاذه ، بما مؤداه زوال كافة الآثار التى رتبها وعودة الأوضاع إلى حالها قبل إبرامه كلما كان ذلك ممكنا ، وذلك خلافا للعقد الأول إذ لاشبهة فى صحته ونفاذه وترتيبه التزاما شخصياً على البائع بالعمل على اتخاذ الإجراءات اللازمة لنقل ملكية المبيع · ومردودا ثانيا بأن تسجيل عقد ما ، لايدل بالضرورة على صحته ونفاذه ، ذلك أن العقد المسجل قد يكون صوريا أوباطلا أو مستحيل التنفيذ أو منفسخا ·

وحيث إنه لامحل كذلك للقول بأن تدخل المحكمة الجنائية يعتبر لازماً لتقرير بطلان عقد البيع اللاحق فى شأن الوحدة ذاتها إعمالا للنص المطعون فيه الذى اعتبر مالكها متصرفا فيها بهذا العقد مخاتلة أو تواطؤاً ، ومرتكباً بالتالى لجريمة محدد عقوبتها لامحل لذلك ، ذلك أن البيع اللاحق أبرم بالمخالفة لقاعدة آمرة تعد بذاتها مصدراً مباشراً لبطلانه ، ومجرد إعمالها يعتبر كافيا لإيقاع الجزاء المقترن بها ·

وحيث إن ماينعاه المدعى من تعارض بين النص المطعون فيه وبين كل من القانون المدنى وقانون تنظيم الشهر العقارى ، مردود ا - وبفرض صحة هذا الإدعاء - بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن اختصاصها بالفصل فى المسائل الدستورية مبناه مخالفة نص فى قانون أو لائحة لقاعدة فى الدستور ، فلا يمتد لحالات التعارض بين القوانين واللوائح أوبين التشريعات ذات المرتبة الواحدة 0

وحيث إنه لما كان ماتقدم ، فإن قالة مخالفة النص المطعون فيه للحماية التى كفلها الدستور لحق الملكية ، تكون مفتقرة إلى دعامتها مجردة منها ، حرية بالإعراض عنها · متى كان ذلك ، وكان النص المطعون فيه لايتعارض مع أى حكم آخر فى الدستور من أوجه أخرى ·

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماه ·