بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

24 يوليو 2011

القضاء الدولي في مجال حقوق الإنسان :

المحاكم الدولية المؤقتة والمحكمة الجنائية الدولية

تمهيــد :

إن إنشاء آليات لحماية حقوق الإنسان يعد نقلة نوعية هامة شهدها المجتمع الدولي بمختلف مكوناته ، ذلك أن التوقف في مضامين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 وسائر العهود والمواثيق الدولية اللاحقة المتصلة بحقوق الإنسان لا تؤمن بالضرورة الحماية الفعلية لتلكم الحقوق وتفعيل صيانتها من كل أشكال الخرق والانتهاك .
وعليه وطالما تنزل الإعلان العالمي والعهود والمواثيق اللاحقة له في منزلة الالتزام المعنوي والأخلاقي فإن هاجس المجتمع الدولي لم يتوقف عند مزيد إثراء الكم الهائل من المبادئ والقيم المتصلة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية بل تطور نحو رصد آليات فعلية لحماية سائر الحقوق والحريات خدمة لإنسانية الإنسان وللارتقاء بتلكم الحقوق والحريات إلى حيز الإلزام القانوني .
ولاجدال في كون تأمين إلتزام الدول بمعناه القانوني حيال تلكم الحقوق والحريات الأساسية يقتضي إنشاء إتفاقيات تلزم تلكم الدول بمقتضى التوقيع والمصادقة .
ولئن تضمن ميثاق منظمة الأمم المتحدة تعهد الأعضاء بالاحترام الفعلي لحقوق الإنسان والحريات الأساسية ( الفصل 55 والفصل 56 من نص ميثاق ) فإن ذلك لم يكن كافيا لضمان حماية تلكم الحقوق والحريات كما أن ترسانة الإعلانات والعهود والمواثيق الدولية المتصلة بحقوق الإنسان واللاحقة للميثاق الأممي لم تحقق أهداف الإنسانية في هذا الباب بل ظلت المسافة الفاصلة بين المبادئ والممارسة كبيرة جدا مما إستوجب تفعيل تلكم المبادئ بآليات تتميز بالالتزام والإلزام .
وكان طبيعي جدا أن يسعى المجتمع الدولي إلى إقامة مؤتمرات على نطاق عالمي لغاية تكريس مبدأ حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية من ناحية وإرساء آليات تؤمن تفعيل تلكم الحقوق والحريات وتضمن صيانتها من الخروقات تحت أي بند من البنود .
ولئن إستعرض مؤتمر الأمم المتحدة حول حقوق الإنسان المنعقد بطهران سنة 1968 إشكالية عالمية حقوق الإنسان وأفضى إلى الإقرار بأن " الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يعد فهما مشتركا لدى كل شعوب العالم بخصوص الحقوق التي لا يمكن التنازل عنها أو إنتهاكها لكل الإنسانية .


ويشكل إلتزاما على عاتق المجتمع الدولي " فإن مؤتمر فيينا لسنة 1993 أسس لنقلة نوعية في مجال حقوق الإنسان والحريات الأساسية : مفاهيما وآليات ، ضرورة أنه إختزل مجهـودات وتجارب الإنسانية على مدى عدة عقود ( 1948 –1993 ) لرصد آليات تكرس إحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية كأولوية مطلقة بالنسبة للمجتمع الدولي .
وكان منتظرا أن يشهد المؤتمر العالمي بفيينا جدلا على أكثر من مستوى بشأن حماية وصيانة حقوق الإنسان في العالم في ضوء تنوع الخلفيات الحضارية والسياسية والثقافية لأطراف المؤتمر من الحكومات وعلى إختلاف مصالحهم من جهة وتبعا للحضور المكثف للمنظمات غير الحكومية وأداءها القيم والثمين من جهة أخرى .
على أن مؤتمر فيينا أفضى إلى حسم مسألة عالمية حقوق الإنسان وأكد من جديد " إلتزام جميع الدول رسميا بالإيفاء بإلتزاماتها المتعلقة بتعزيز إحترام الحقوق والحريات الأساسية للجميع ومراعاتها وحمايتها على الصعيد العالمي وفقا لميثاق منظمة الأمم المتحدة والمواثيق ذات الصلة ووفق القانون الدولي ولاتقبل الطبيعة العالمية لهذه الحقوق أي جدل وفي هذا الإطار يعتبر تعزيز التعاون الدولي في مجال حقوق الإنسان أساسيا لتحقيق مقاصد الأمم المتحدة تحقيقا كاملا ".
كما ورد بذات التقرير الختامي للمؤتمر إقرار بأن " جميع حقوق الإنسان عالمية وغير قابلة للتجزئة ومترابطة ويجب على المجتمع الدولي أن يتعامل بشأن حقوق الإنسان على أساس شامل وبطريقة منصفة ومتكافئة وعلى قدم المساواة وبنفس الدرجة من التركيز ولئن توضع في الاعتبار أهمية الخاصيات الوطنية والإقليمية ومختلف الخلفيات التاريخية والثقافية والدينية فإنه من واجب الدول بصرف النظر عن نظمها السياسية والاقتصادية والثقافية تعزيز وحماية جميع الحقوق .
إن قراءة مضامين التقرير الختامي لمؤتمر فيينا تؤكد الحرص الشديد على ضرورة إيفاء الدول بإلتزاماتها حيال صيانة حقوق الإنسان والحريات الأساسية من كل خرق وعليه فإن تجديد النداء للدول لتنفيذ إلتزاماتها الدولية يشكل في الواقع وضعها أمام مسؤولياتها بهدف وضع حد لكل أشكال الانتهاكات للذات البشرية .
ولئن كان مؤتمر فيينا محطة هامة في الحركة العالمية لحقوق الإنسان فإن الجدل في صفوف المجمتع الدولي ظل قائما بشأن تطوير آليات حماية حقوق الإنسان لضمان تفعيلها تباعا وتحقيق أرقى درجات النفاذ حيال تطبيقها درءا لمخاطر طمسها وخرقها بالتمادي في ممارسة الإنتهاكات .
ولئن لا يتسع المجال في هذه المداخلة لإستعراض جملة آليات حماية حقوق الإنسان والتي تم إنشاؤها بعد مؤتمر فيينا لسنة 1993 فإن إنشاء مؤسسة قضائية دولية تتعهد بالبت في جرائم حقوق الإنسان وملاحقة مرتكبيها يعد آلية أساسية أفرزتها جهود المجمتع الدولي في هذا الباب .

فحماية لحقوق الذات الإنسانية وتعزيزا لمبادى العدالة ووضع الحد لظاهرة الإفلات من العقاب أنشأ المجتمع الدولي المحكمة الجنائية الدولية .
ولا جدال في كون إنشاء هذه المحكمة يعد آلية حاسمة أفرزتها جهود نشطاء حقوق الإنسان في العالم على مدى عقود من الزمن من أجل ملاحقة مرتكبي أخطر الجرائم ضد الإنسانية ومساءلتهم قضائيا بهدف غلق مسالك التحصن بالإفلات من العقاب .
ويتعين الإشارة في هذا الباب إلى الأئتلاف من أجل إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الذي تكون منذ عام 1993 ( ونلاحظ أنه متزامن مع مؤتمر فيينا )وقد ضم الإئتلاف ما يزيد عن ألف عضو من المنظمات المعنية بحقوق الإنسان للمطالبة بإرساء آلية قضائية لتتبع الجناة في الجرائم المتصلة بحقوق الإنسان .
هذا وواصل الائتلاف عقب صدور نظام روما الأساسي المنشأ للمحكمة الجنائية الدولية حملته العالمية من أجل دعوة جميع الدول للمصادقة على النظام الأساسي للمحكمة من ناحية ومن أجل سن تشريعات تخول لها التعاون الكامل مع أجهزتها من ناحية اخرى .
هذا ، وأقر المؤتمر الديبلوماسي للمفوضين المنعقد بروما النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وذلك بتاريخ 18 جويلية 1998 وشهد المؤتمر حضور وفود عن مائة وستين ( 160 ) دولة وإحدى وثلاثين (31 ) منظمة دولية ومائة وستة وثلاثين ( 136 ) منظمة غير حكومية حضرت بصفة مراقبين هذا ويقتضي النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن تنشأ فعليا هذه المحكمة بمصادقة ستين دولة عليها وفعلا فقد تمت مصادقة الدولة الستين بتاريخ 11 أفريل 2002 على أن تدخل حيز الوجود والممارسة الفعلية بداية من اليوم الأول للشهر الموالي لستين يوم بعد مصادقة الدولة الستين على النظام للمحكمة ( المادة 126 من النظام الأساسي ) وصارت تبعا لذلك المحكمة الجنائية الدولية مؤسسة قضائية قائمة الذات مؤهلة للتعهد بالملفات الجنائية التي ترفع إليها.
وتجدر الملاحظة في هذا الباب بأن مائة وأربعة دول ( 104 ) قد صادقت على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ( إلى غاية تاريخ 01/01/2007 ) وأصبحت بالتالي هذه الدول أطرافا بنظام المحكمة على أنه لم تنظم لهذه الهيئة القضائية الدولية سوى دولتين عربيتين وهما الأردن و دجيبوتي .
إن إقرار النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بالأغلبية الساحقة للدول في المؤتمر ( مائة وعشرون دولة ) كان إستجابة فعلية لنظال أجيال متعاقبة من نشطاء حقوق الإنسان في العالم ضرورة أن إقامة جهازا قضائيا دائما لملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية يشكل آلية نوعية جديدة تضاف إلى منظومة حقوق الإنسان التي ولئن سبق أن أرست أنظمة دولية وإقليمية حمائية على مدار ما يزيد عن نصف قرن فإنها لم تتوفق في التصدي الفعلي للكم الهائل من الانتهاكات ضد الأفراد والجماعات .
ومن المفارقات أن تناشد الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1977 المجموعات الإقليمية إصدار مواثيق وإرساء آليات إقليمية لحماية حقوق الإنسان وإقامة أجهزة للمراقبة أقل تعقيدا من أجهزة إشراف على نطاق عالمي وتم فعلا إرساء المزيد من الأليات الإقليمية ثم يعود المجتمع الدولي إلى فرض آليات حمائية وردعية ذات بعد دولي على غرا إنشاء المحكمة الجنائية الدولية .
ولعل تواصل نزيف الانتهاكات والإجرام في حق الإنسانية أفضى إلى اليقين بمحدودية سائر الأليات السابقة من جهة وبضرورة دفع حشد دولي قصد إقامة آلية قضائية دائمة وشاملة من جهة أخرى .
تأسست المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة مرتكبي أخطر الجرائم ضد الإنسانية والتي يدينها القانون الدولي ، هذا وتقتضي المادة الثانية من النظام الأساسي للمحكمة بارتباطها مع منظمة الأمم المتحدة بإتفاق ، ضرورة أنها ذات شخصية قانونية وفق ما تقتضيه المادة الرابعة من نظامها الأساسي .
على أنه يتعين قبل تقديم المحكمة الجنائية الدولية ، إستعراض الرصيد التاريخي للقضاء الدولي المتصل بردع جانب هام من الجرائم الأشد خطورة التي وقعت الإنسانية تحت طائلتها في عديد بقاع العالم .

المبحث الأول :

الجذور التاريخية للقضاء الجنائي الدولي :


إن إقامة العدالة الجنائية الدولية ليس إجراءا جديدا بل تعود جذورها إلى الماضي البعيد نتيجة تواتر الحروب وما أفرزته من إنتهاكات للأعراف الدولية والقانون الدولي الأنسان .

-1- مرحلة ما قبل الحرب العالمية الأولى :

فمنذ القرن التاسع عشر وبالتحديد بعد صدور إتفاقية جنيف لعام 1864 الخاصة بمعالجة ضحايا الحرب دعى ( قوستاف منيه ) وهو أحد مِؤسسي الصليب الأحمر إلى إنشاء محكمة جنائية دولية تتولى مساءلة من يخالف أحكام الإتفاقية الشار إليها وتقدم فعلا بمشروعه هذا إلى اللجنة الدولية مقترحا تشكيل المحكمة على النحو التالي :
ممثلا عن كل طرف من الأطراف المتحاربة وثلاثة ممثلين من دول محايدة على أن مقترحه لم يرى النور رغم كل الجهود المبذولة .

-2- مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى :

وتجدد الإنشغال المجتمع الدولي بإنشاء قضاء دولي جنائي إبان الحرب العالمية الأولى التي راح ضحيتها عشرات الملايين من الأشخاص فكانت الرغبة كبيرة في إتخاذ إجراءات لردع الجناة والحيلولة دون وقوع حرب عالمية اخرى من شأنها تهديد السلم والأمن الدوليين .
هذا ويتعين الإشارة في هذا الباب إلى معاهدة فرساي الموقعة عام 1919 حيث شعر المجتمع الدولي بضرورة إرساء قواعد وإجراءات قانونية للغرض . فقد وردت بمعاهدة فرساي إشارة بتشكيل محكمة جنائية دولية لمحاكمة الأمبراطور الألماني السابق ( قليوم الثاني ) حيث إتجه المنتصورن في الحرب إلى إنشاء لجان تحقيق تحدد مخالفات الأعراف وقوانين الحرب وملاحقة مجرمي الحرب الألمان على أن المحاكمة المنتظرة لم يتم إجراءها لأن الأمبرطور الألماني قد تمتع بحق اللجوء السياسي في هولاندا ورفضت هذه الأخيرة تسليمه بدعوى أن الأباطرة والرؤساء تجب محاكمتهم أمام شعوبهم فقط .
كما يتعين الإشارة إلى أن إنشاء عصبة الأمم كان يستهدف تجنب الحروب والمأسي الناجمة عنها وقد ورد بعهد عصبة الأمم الذي أصبحت مقتضياته سارية المفعول سنة 1920 التنصيص على وجوب صيانة السلم العالمي وإلتزام الدول بطرق السليمة لحل نزاعاتها .
هذا وأثير موضوع إنشاء المحكمة الجنائية الدولية كيفما إقتضت ذلك المادة 14 من عهد صبة الأمم ، فتشكلت للغرض لجنة إستشارية عهدت إليها مهمة إعداد مشروع لتأسيس المحكمة ، ويلاحظ في هذا الباب حصول جدلا بشأن المشروع فقد رأي البعض ضرورة إنشاء محكمة مستقلة لمحاكمة الأشخاص المتهمين بإرتكاب جرائم دولية فيما إقترح البعض الأخر تأسيس شعبة جنائية بمحكمة العدل الدولية الدائمة . غير أنه لم يتم إنشاء هذه المحكمة بدعوى عدم سابقية الأتفاق بين الدول بشأن القانون الواجب تطبيقه وعليه فقد إقتصر جهد الجمعية العمومية على إنشاء محكمة العدل الدولية فحسب .

-3- مرحلة مابعد الحرب العالمية الثانية :

مع نهاية الحرب العالمية الثانية وما خلفته من صدمة للأنسانية نتيجة حجم الدمار وهول الكوارث الذي أفرزته ، تجدد إنشغال المجتمع الدولي بإنشاء جهاز قضائي دولي لملاحقة مرتكبي الجرائم الدولية الأشد خطورة . وفعلا فقد تم تشكيل محاكم جنائية دولية من قبل الحلفاء المنتصرين .
ففي عام 1940 تم تشكيل محكمة نورونبارغ في حين إنشأت محكمة طوكيو عام 1946 وذلك لمحاكمة مجرمي الحرب الألمان واليابانيين .
ونلاحظ في هذا الباب بأن هتين المحكمتين المؤقتتين قد وصفتا بمحكمتي المنتصرين ( نسبة إلى المنتصرين في الحرب العالمية الثانية ) .
ولئن لم تنجح معاهدة فرساي لسنة 1919 في إنشاء المحكمة الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب العالمية الأولى فإن المنتصرين في الحرب العالمية الثانية قد توفقوا في إقامة إجهزة قضائية لمحاكمة المنهزمين الألمان واليابانيين وذلك بعد استسلامهما .
وعليه فقد دعى الحلفاء إلى إجراء محاكمة عسكرية لمجرمي الحرب الألمان واليابانيين وتبنوا ذلك وفق إتفاقية لندن المؤرخة في 08/08/1945 والتي افضت إلى إنشاء محكمة عسكرية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب .
وتم عقد جلسات المحكمة بمدينة نورنبورغ الألمانية على خلفية أنها المركز الرئيسي للحزب النازي وقضت المحكمة بإعدام عدد من القادة النازيين الألمان بعد إدانتهم بإرتكاب المذابح والقتل الجماعي ، وبخصوص اليابان فقد اصدر القائد العام لقوات الحلفاء في اليابان قرار إنشاء محكمة عسكرية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب العالمية وذلك بتاريخ 19/01/1946 وإختصت هذه المحكمة بالنظر في الجرائم ضد السلام الدولي والجرائم ضد الأنسانية ومخالفات الأعراف والقوانين الدولية المتصلة بالنزاعات المسلحة .
وفي 12/11/1948 قضت المحكمة بإعدام ستة قادة يابانيين .

-4- مجلس الأمن الدولي وإنشاء المحاكم الجنائية الدولية المؤقتة :

شهد المجتمع الدولي لاحقا إنشاء المحكمة الدولية الجزائية الخاصة بيوغسلافيا بمقتضى قرار مجلس الأمر الدولي الصادر سنة 1993 ثم المحكمة الدولية الجزائية الخاصة برواندا وفق ذات الإجراء الأممي وذلك سنة 1994 .
إختصت كل من محكمة يوغسلافيا السابقة ورواندا بمحاكمة المتهمين بإرتكاب الجرائم التالية :
-1 – جريمة الإبادة .
-2 – الجرائم ضد الإنسانية .
-3 –خرق القوانين والأعراف الدولية المتصلة بحالات النزاع المسلح .
-4 – إنتهاكات خطيرة لإتفاقيات جنيف لسنة 1949 .
وعلى مستوى الإختصاص الترابي للمحكمتين نلاحظ بأن المحكمة الخاصة بيوغسلافيا قد تعهدت بالنظر في الجرائم المرتكبة على كامل التراب اليوغسلافي ( جمهورية يوغسلافيا الإشتراكية سابقا ) فيما تعهدت المحكمة الخاصة بروندا بملاحقة المتهمين بإرتكاب الجرائم على التراب الرواندي وكذلك الجرائم الصادرة عن روانديين والمرتكبة على تراب الدول المجاورة لرواندا .
وهذا ويتجه الملاحظة بأن المحكمة الخاصة بيوغسلافيا والمحكمة الخاصة برواندا قد تعهدا بالنظر في الجرائم قبل إنشاء المحكمتين:
-1 – الجرائم المرتكبة بداية من 1991/01/01 بالنسبة لرواندا .
-2 – الجرائم المرتكبة خلال المدة الفاصلة بين 1 جانفي و31 ديسمبر 1994 بالنسبة ليوغسلافيا السابقة .
وعليه فقد كان مجال التدخل للمحكمتين ذي مفعول رجعي بينما حدد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية مجال تدخلها بداية من تاريخ دخولها حيز التنفيذ .
وتختلف المحكمتين المذكورتين عن المحكمة الجنائية الدولية من حيث علوية كل المحكمتين حيال المحاكم الوطنية للدولتين ( إختصاص مطلق ) بينما تختص المحكمة الجنائية الدولية بالصبغة المكملة للقضاء الوطني للدول وعلى مستوى إثارة الدعوى نلاحظ الإختصاص الحصري للمدعي العام بالنسبة لمحكمة يوغسلافيا ومحكمة روندا ضرورة أنه يثير الدعوى ويباشر التحقيقات ويدون لائحة الإتهام بينما يتعهد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بإجراء التحقيقات تحت إشراف الدائرة التمهيدية للمحكمة التي يعود لها القول الفصل في إحالة المشتبه بهم على المحاكمة من عدمها .
- المبحث الثاني :
المحكمة الجنائية الدولية :

يتعين أن نركز في هذه المداخلة على إختصاصات المحكمة الجنائية الدولية ( الباب الأول ) ثم نستعرض آليات ممارسة تلكم الإختصاصات ( الباب الثاني ) .


الباب الأول :

إختـصـاصـات الـمحكمـة الجنائية الدولية :


تقتضي المادة الأولى ( 1 ) من النظام الأساسي بأن تكون المحكمة الجنائية الدولية "هيئة دائمة تمارس إختصاصها على الأشخاص إزاء أشد الجرائم خطورة موضع الاهتمام الدولي وذلك على النحو المشار إليه في هذا النظام الأساسي " .
لنستعرض طائفة الجرائم التي ترجع بالنظر إلى أجهزة المحكمة الجنائية الدولية ( 1) ثم القانون الواجب التطبيق ( 2 ) لنخلص إلى مسألة الاحتكام للمبادئ العامة للقانون الجنائي ( 3 ) .

-1- الجرائم التي تدخل في إختصاص المحكمة :


عملا بأحكام المادة ( 5 ) من النظام الأساسي فإن المحكمة الجنائية الدولية تختص بالبت في الجرائم الأشد خطورة وهي كالأتي :

-1 ) جريمة الإبادة الجماعية .
- 2 ) الجرائم ضد الإنسانية .
- 3 ) جـــرائــم الـــحــــرب .
- 4 ) جــريمــة العـــــدوان .


وقد ورد بالمواد 6 ، 7 و 8 من النظام الأساسي تعريفا مفصلا لأركان الجرائم المشار إليها أعلاه على أننا نقدم في هذه المداخلة أهم الأركان المتصلة بتلكم الجرائم :

• جريمــة الإبــــادة الجمـــاعية :


وتقوم أركانها على الأفعال والممارسات التي تستهدف إهلاك جماعة قومية ، أو إثنية أو عرفية أو دينية بصفتها تلك إهلاك كليا أو جزئيا .
لغرض هذا النظام الأساسي تعني " الإبادة الجماعية " أي فعل من الأفعال التالية :
يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه إهلاك كليا أو جزئيا .
( أ ) قتل أفراد الجماعة .
( ب ) إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة .
( ج ) إخضاع الجماعة عمدا لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كليا جزئيا .
( د ) فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة .
( ه ) نقل أطفال عنوة إلى جماعة اخرى .
• الجرائـــم ضـد الإنــسانيــة :


وتقوم أركانها على إرتكاب هجوم منهجي وواسع النطاق ضد مجموعة من السكان المدنيين وعن سابق علم بالهجوم ( الأضمار ) .
لغرض هذا النظام الأساسي يشكل أي فعل من الأفعال التالية " جريمة ضد الإنسانية " متى أرتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم .
( أ ) القتل العمد .
( ب ) الإبادة .
( ج ) الإسترقاق .
( د ) إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان .
( ه ) السجن أو الحرمان الشديد أي على نحو أخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي .
( و ) التعذيب .
( ز ) الإغتصاب أو الإستبعاد الجنسي أو الإكراه على البغاء أو الحمل القسري أو التعقيم القسري أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة .
( ح ) إضطهاد أية جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية أو متعلقة بنوع الجنس على النحو المعرف في الفقرة 3 أو لأسباب اخرى من المسلم عالميا بأن القانون الدولي لا يجيزها وذلك فيما يتصل بأي فعل مشار إليه في هذه الفقرة أو بأية جريمة تدخل في إختصاص المحكمة .
( ط ) الإختفاء القسري للأشخاص .
( ي ) جريمة الفصل العنصري .
( ك ) الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمدا في معاناة شديدة أو أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية .
لغرض الفقرة ( 1 ) ( أ ) تعني عبارة هجوم موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين نهجا سلوكيا يتضمن الارتكاب المتكرر للأفعال المشار إليها في الفقرة ( 1 ) ضد أية مجموعة من السكان المدنيين عملا بسياسة دولة أو منظما تقضي بإرتكاب هذا الهجوم أو تعزيز لهذه السياسة
( ب ) تشمل الإبادة تعمد فرض أحوال معيشية من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء بقصد إهلاك جزء من السكان .
( ج ) يعني " الإسترقاق " ممارسة أي من السلطات المترتبة على حق الملكية أو هذه السلطات جميعها على شخص ما بما في ذلك ممارسة هذا السلطات في سبيل الإتجار بالأشخاص ولا سيما النساء والأطفال .
( د) يعني إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان نقل الأشخاص المعينين قسرا من المنطقة التي يوجودن فيها بصفة مشروعة بالطرد أو بأي فعل قسري أخر دون مبررات يسمح لها القانون الدولي .
( ه ) يعني التعذيب تعمد إلحاق ألم شديد أو معاناة شديدة سواء بدنيا أو عقليا بشخص موجود تحت إشراف المتهم أو سيطرته ولكن لا يشمل التعذيب أي ألم أو معاناة ينجمان فحسب عن عقوبات قانونية أو يكونان جزءا منها نتيجة لها .
( و ) يعني " الحمل القسري " إكراه المرأة على الحمل القسري أو على الولادة غير المشروعة بقصد التأثير على التكوين العرقي لأية مجموعة من السكان أو إرتكاب إنتهاكات خطيرة اخرى للقانون الدولي ولا يجوز بأي حال تفسير هذا التعريف على نحو يمس القوانين الوطنية المتعلقة بالحمل .
( ز ) يعني الإضطهاد حرمان جماعة من السكان أو مجموعة السكان حرمانا متعمدا وشديدا من الحقوق الأساسية بما يخالف القانون الدولي وذلك بسبب هوية الجماعة أو المجموع .
( ح ) تعني جريمة الفصل العنصري أية أفعال لا إنسانية تماثل في طابعها الأفعال المشار إليها في الفقرة ( 1 ) وترتكب في سياق نظام مؤسسي قوامه الإضطهاد المنهجي والسيطرة من جانب جماعة عرقية واحدة إزاء أية جماعة أو جماعات عرقية اخرى وترتكب بنية الإبقاء على ذلك النظام .
( ط ) يعني " الإختفاء القسري للأشخاص " إلقاء القبض على أي أشخاص أو إحتجازهم أو إختطافهم من قبل دولة أو منظمة سياسية أو بإذن أو دعم منها لهذا الفعل أو بسكوتها عليه ثم رفضها الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم بهدف حرمانهم من حماية القانون لفترة زمنية طويلة .
لغرض هذا النظام الأساسي من المفهوم أو تعبير نوع الجنس يشير إلى الجنسين الذكر والأنثى في إطار المجتمع ولا يشير تعبير " نوع الجنس " إلى أي معنى أخر يخالف ذلك .

• جرائـــــم الحرب :

وتتصل أركانها بمجرد حصول إنتهاكات جسيمة لإتفاقيات جينيف المؤرخة في 12 أوت 1949 وذلك بالاعتداء على المدنيين وممتلكاتهم كما تقوم أركانها بحصول إنتهاكات خطيرة للقوانين والأعراف السارية المفعول خلال النزاعات المسلحة .
( أ ) يكون للمحكمة إختصاص فيما يتعلق بجرائم الحرب ولا سيما عندما ترتكب في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية إرتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم .
لغرض هذا النظام الأساسي تعني جرائم الحرب :
( أ ) الإنتهاكات الجسيمة لإتفاقيات جنيف المؤرخة في 12 أوت 1949 أي فعل من الأفعال التالية ضد الأشخاص أو الممتلكات الذين تحميهم أحكام إتفاقية جنيف ذات الصلة .
( 1 ) القتل العمد .
( 2 ) التعذيب أو المعاملة اللا إنسانية بما في ذلك إجراء تجارب بيولوجية .
( 3 ) تعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق لدى خطير بالجسم أو بالصحة .
( 4 ) إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والإستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة .
( 5 ) إرغام أي اسير حرب أو أي شخص أخر مشمول بالحماية على الخدمة في صفوف قوات دولة معادية .
( 6 ) تعمد حرمان أي أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية من حقه في أن يحاكم محاكة عادلة ونظامية .
( 7 ) الإبعاد أو النقل غير المشروعين أو الحبس غير المشروع أخذ رهائن .
( ب ) الإنهاكات الخطيرة الأخرى للقانونين والأعراف السارية على المنازاعات الدولية المسلحة في النطاق الثابت للقانون الدولي أي فعل من الأفعال التالية :
( 1 ) تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية .
( 2 ) تعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية أي المواقع التي لا تشكل أهدافا عسكرية .
( 3 ) تعمد شن هجمات ضد موظفين مستخدمين أو منشآت أو مواد أو إحداث أو مركبات مستخدمة في مهمة من مهام المساعدة الإنسانية أو حفظ السلام عملا بميثاق الأمم المتحدة ما داموا يستحقون الحماية التي توفر للمدنيين أو للمواقع المدنية بموجب قانون المنازعات المسلحة .
( 4 ) تعمد شن هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح أو عن إصاباب بين المدنيين أو عن إلحاق أضرار مدنية أو إحداث ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديد للبيئة الطبيعية يكون إفراطه واضحا بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية المتوقعة الملموسة المباشرة .
( 5) مهاجمة أو قصف المدن أو القرى أو المساكن أو المباني العزلاء التي لا تكون أهدافا عسكرية بأية وسيلة كانت .
( 6 ) قتل أو جرح مقاتل إستسلم مختارا يكون قد ألقى سلاحه أو لم تعد لديه وسيلة للدفاع .
( 7 ) الإمدادات الغوثية على النحو المنصوص عليه في إتفاقيات جنيف .
( 8 ) تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر إلزاميا أو طوعيا في القوات المسلحة الوطنية إو إستخدامهم للمشاركة فعليا في الأعمال الحربية .
( ج ) في حالة وقوع نزاع مسلح غير ذي طابع دولي الإنتهاكات الجسيمة للمادة ( 3) المشتركة بين إتفاقيات جنيف الأربع المؤرخة في 12 أوت 1949 وهي من الأفعال التالية المرتكبة ضد أشخاص غير مشتركون إشتراكا فعليا في الأعمال الحربية بما في ذلك افراد القوات المسلحة الذين القوا سلاحهم و أولائك الذين أصبحوا عاجزين عن القتال بسبب المرض أو الإصابة أو الإحتجاز أو لأي سبب أخر .
- إستعمال العنف ضد الحياة والأشخاص وبخاصة القتل بجميع انواعه والتشوبة والمعاملة القاسية والتعذيب .
- الإعتداء على كرامة الشخص وبخاصة المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة .
- أخذ رهائن .
- إصدار أحكام وتنفيذ إعدامات دون وجود حكم سابق صادر عن محكمة مشكلة تشكيلا نظاميا تكفل جميع الضمانات القضائية المعترف عموما بأنه لا غنى عنها .
- تنطبق الفقرة ( 2 هـ ) على المنازعات المسلحة غير ذات الطابغ الدولي وبالتالي فهي لا تنطبق على حالات الإضطرابات والتوترات الداخلية مثل أعمال الشغب أو أعمال العنف المنفردة أو المتقطعة وغيرها من الأعمال ذات الطبيعة المماثلة .
- الإنتهاكات الخطيرة الأخرى للقاوانين والأعراف السارية على المنازعو المسحلة غير ذات الطابع الدولي في النطاق الثابت للقانون الدولي أي من الأفعال التالية :
- تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أوضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية .
- تعمد توجيه هجمات ضد المباني والمواد والوحدات الطبية ووسائل النقل والأفراد من مستعملي الشعارات المميزة المبنية في إتفاقيات جنيف طبقا للقانون الدولي .
- تعمد شن هجمات ضد موظفين مستخدمين أو منشأت أو مواد أو إحداث أو مركبات مستخدمة في مهمة من مهام المساعدة الإنسانية أو حفظ السلام عملا بميثاق الأمم المتحدة ما داموا يستحقون الحماية التي توفر للمدنينين أو للمواقع المدنية بموجب القانون الدولي للمنازاعات المسلحة .
- تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية المرضى والجرحى شريطة ألا تكون أهدافا عسكرية .
- نهب أي بلدة أو مكان حتى تم الإستيلاء عليه عنوة .
- الإغتصاب أو الإستبعاد الجنسي أو الإكراه على البغاء أو الحمل القسري على النحو المعرث في الفقرة ( 2 و ) من المادة 2 أو التعقيم القسري أو أي شكل اخر من أشكال العنف الجنسي يشكل أيضا إنتهاكا خطيرا للمادة المشتركة بين إتفاقيات جنيف الأربع .
- تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر إلزاميا أو طويعيا في لاقوات المسلحة أو في جماعات مسلحة أو إستخدامهم للمشاركة فعليا في الأعمال الحربية .
- إصدار أوامر بتشريد السكان المدنيين لأسباب تتصل بالنزاع مالم يكن ذلك بداع من أمن المدنيين المعينين أو لأسباب عسكرية ملحة .
- قتل أحد المقاتلين من العدو أو إصابته غدرا .
- إعلان أنه لن يبقى أحد على قيد الحياة .
- إخضاع الأشخاص الموجودين تحت سلطة طرف آخر في النزاع البدني أو لأي نوع من التجارب الطبية أو العلمية التي لا تبررها المعالجة الطبية أو معالجة الأسنان أو المعالجة في المستشفى للشخص المعني والتي لا تجري لصالحه وتسبب في وفاة ذلك الشخص أو أولئك الأشخاص أو في تعريض صحتهم لخطر شديد .
- تدمير ممتلكات العدو أو الإستيلاء عليها ما لم يكن هذا التدمير أو الإستلاء مما تحتمه ضرورات الحرب .
تنطبق الفقرة ( 2 ج ) على المنازعة المسلحة غير ذات الطابع الدولي وبالتالي فهي لا تنطبق على حالات الإضطرابات والتوترات الداخلية مثل أعمال الشغب أو أعمال العنف المنفردة أو المتقطعة أو غيرها من الأعمال ذات الطبيعة المماثلة وتنطبق على المنازعات المسلحة التي تقع في إقليم دولة عندما يوجد صراع مسلح طويل الأجل بين السلطات الحكومية وجماعات مسلحة منظمة أو فيما بين هذه الجماعات .
ليس في الفقرتين ( ج ، د ) ما يؤثر على المسؤولية عن حفظ أو إقرار القانون والنظام في الدولة أو عن الدفاع عن وحدة الدولة وسلامتها الإقليمية بجميع الوسائل المشروعة .

• جـريمــة العــدوان :

لاتزال أركان هذه الجريمة قيد النقاش والجدل ضرورة أن النظام الأساسي للمحكمة أقر بالفقرة الأخيرة للمادة ( 5 ) بأن تعريف هذه الجريمة وتكييفها سيتم لاحقا عملا بمقتضيات المادتين ( 121 ) و ( 123 ) من النظام الأساسي والمتعلقتين بالتعديلات والمراجعة وعليه فإن إختلافات شديدة بين أطراف النظام الأساسي للمحكمة حالت دون الاتفاق النهائي بشأن تحديد أركان جريمة العدوان .
والأرجح أن تطول مدة النقاش حول تعريف أركان هذه الجريمة لأن حسم المسألة سيلقي بضلاله على المصالح السياسية الحيوية لأكثر من طرف دولي على أنه يتعين في هذا الباب الإشارة بأن القانون الدولي عامة وميثاق منظمة الأمم المتحدة خاصة تعرض إلى الممارسة العدوانية ورتب عقوبات ضد مرتكبيها من الدول وفق مقتضيات الباب السابع من الميثاق المتعلق بصلاحيات مجلس الأمن الدولي حيال تهديد السلم وممارسة العدوان .
ونشير في هذا الباب إلى أحكام المادة ( 27 ) من ميثاق منظمة الأمم المتحدة التي تقتضي إستبعاد وإزاحة الدولة الطرف في النزاع من المشاركة في عملية التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بشأن نزاع ما .وطالما أن حالة العدوان تشكل أقصى درجات إنتهاك القانون الدولي فإن آلية إستبعاد الدولة الطرف في العدوان في باب التصويت بشأن قرارات يعد في تقديرنا أمرا ضروريا وذلك على قاعدة ( من باب أولى وأحرى ) لأن القانون الدولي الذي أقر آلية إستبعاد الدولة الطرف من عملية التصويت على قرار مجلس الأمن بشأن مجرد نزاع لا يمكن في رأيينا أن يجيز تدخل دولة طرف في العدوان في عملية التصويت وهي حالة أخطر بكثير من حالة النزاع .
هذا ويجوز إقتراح تعديلات على أركان الجرائم من جانب :

• أي دولة طـــرف
• القضاة بأغلبية مطلقة
• المدعي العـــام للمحكمة الجنائية الدولية

على أن تعتمد هذه التعديلات بأغلبية ثلثي أعضاء جمعية الدول الأطراف مع الحرص على أن تكون التعديلات بشأن أركان الجرائم متناسقة مع النظام الأساسي للمحكمة .
ونلاحظ في هذا الصدد بأنه لا توجد مخاطر مبدئيا من شأنها إزاحة بعض الجرائم عن إختصاص المحكمة بموجب التعديلات المقترحة لأن أحكام المادة ( 12 ) من النظام الأساسي للمحكمة تقتضي بأن الدولة التي تصبح طرف " تقبل بذلك إختصاص المحكمة فيما يتعلق بالجرائم المشار إليها في المادة ( 5 ) " .
ولكن يتعين الملاحظة بشأن جريمة العدوان بأن القانون المنظم لمحكمة نورنبورق قد تعرض بفصله السادس إلى تحديد جريمة العدوان وذلك بعنوان " جرائم ضد السلم تستهدف إعلان حرب عدوانية في خرق تام للمعاهدات والمواثيق الدولية " .
كما سبق لمنظمة الأمم المتعهدة أن أقرت في مستوى الجمعية العامة بتاريخ 1974/12/14 تعريفا لجريمة العدوان تم إلحاقه بقرار الجمعية العامة عدد 3314 ويقتضي بأن العدوان هو " إستعمال القوة العسكرية الصادر عن دولة ضد السيادة والحرمة الترابية والإستقلال السياسي لدولة اخرى ..."
على أن القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ليست إلزامية تجاه الدول خلافا للقرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي وفق أحكام الباب السابع من الميثاق .
هذا وأعدت كذلك لجنة القانون الدولي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة مشروع قانون يحدد الجرائم ضد الإنسانية والذي تضمن إشارة للعدوان إلا أن هذا المشروع مازال بصدد الدرس من طرف الدول .
بعد عرض الجرائم التي تدخل في إختصاص المحكمة يتعين أن نتساءل بشأن القانون الواجب التطبيق خلال ممارسة المحكمة لاختصاصها :

-2- القانـون الــواجب التـطبيق :


حدد النظام الأساسي فروع القانون التي يتعين على قضاة هذه المحكمة تطبيقها وقد ورد ذلك بأحكام المادة ( 21 ) والتي إقتضت بأن يكون النظام الأساسي لهذه المحكمة قانونها كما تشكل أركان الجرائم كما وردت بالنظام الأساسي قانونا تحتكم إليه إلى جانب القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات الخاصة بالمحكمة ، هذا في المقام الأول .
وفي المقام الثاني ، تعتمد المحكمة المعاهدات الواجبة التطبيق ومبادئ القانون الدولي وقواعده بما في ذلك المبادئ المتصلة بالقانون الدولي للنزاعات المسلحة .
كما يمكن للمحكمة بأن تستند إلى المبادئ المتصلة بالنظم القانونية الوطنية خاصة القوانين الوطنية للدول التي من عادتها ممارسة ولايتها القضائية على الجريمة على ألا تتعارض تلكم المبادئ مع أحكام النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ولا مع أحكام القانون الدولي ، هذا ويجوز للمحكمة أن تحتكم إلى فقه قضاءها ( أي السوابق القضائية الصادرة عنها ) .
وهذه الإمكانية تتاح بعد أن تقطع المحكمة أشواطا في ممارسة ولايتها القضائية الدولية ويتجمع لديها كم من الأحكام والقرارات من شأنها أن تشكل لاحقا مصدرا من مصادر قانون المحكمة .
وتشدد أحكام المادة ( 21 ) من النظام الأساسي على ضرورة أن يكون تطبيق وتفسير القانون يتماشى مع معايير حقوق الإنسان المعترف بها دوليا وفي حل من أي تمييز كان مبني على الجنس أو العرف أو اللون أو اللغة أو الدين أو المعتقد أو الرأي السياسي وغيرها من أشكال التـمييز .
ويتعين الملاحظة بشأن المادة ( 21 ) من النظام الأساسي ما يلي :
إن إدراج النظام الأساسي للمحكمة في المقام الأول من حيث القانون الواجب التطبيق لايتنزل في الحقيقة في رسم سلم تفاضلي بشأن مصادر القانون المعتمد من المحكمة تماما كما هو ساري المفعول في الأنظمة القانونية الوطنية لحسم مسآلة تنازع القوانين بل يتنزل في إعتقادنا في شمولية وعمق المبادئ والأصول القانونية الورادة بالنظام الأساسي للمحكمة وبقواعد الإجراءات والإثبات وهذا يجعل إدراجها في المقام الأول كمصدر لقانون المحكمة أمرا مقبولا مبدئيا .
وتجدر الإشارة من ناحية اخرى بأن المحكمة غير مختصة بالبت في الجرائم التي تعود وقائعها إلى تاريخ سابق لتاريخ بدء نفاذ النظام الأساسي للمحكمة .
وعليه فإن الاختصاص الحكمي للمحكمة مقيد بإختصاص زمني يسري مفعوله بشأن الجرائم المرتكبة بعد دخول النظام الأساسي للمحكمة حيز النفاذ ( بتاريخ 12 جوان 2002 ) .
إن هذا التقييد الزمني لئن يبدو منطقيا وقانونيا ضرورة أنه لا يمكن أن تتعهد المحكمة بالتتبع والمقاضاة بشأن الجرائم الخطيرة المرتكبة قبل نشأة إلتزام الدول الأطراف في نظام المحكمة وهي مسألة سيادية أساسية ولكن من شأن أن يترتب عن ذلك الدفع إفلاتا من العقاب لصالح الجناة بشأن جرائم خطيرة إرتكبت ضد الإنسانية ولا يسع المحكمة التعهد بها للقيود الواردة بالمادة ( 11 ) من النظام الأساسي والمتعلقة بالاختصاص الزمني .
على أنه يمكن إرساء محاكم دولية خاصة تتعهد بمقاضاة الجناة المرتكبين للجرائم الأشد خطورة قبل دخول النظام الأساسي للمحكمة حيز النفاذ وذلك على غرار محكمة يوغسلافيا السابقة ومحكمة رواندا .

-3 - الإحتكام للمبادي العامة للقانون الجنائي :



لا جدال في كون القانون الجنائي عامة يحتكم لمبادي عامة يتعين تطبيقها لتأمين المحاكمة العادلة والمنصفة لكل شخص ولئن حددت المادة ( 21 ) من النظام الأساسي للمحكمة المراجع القانونية التي تستند إليها المحكمة في ممارسة إختصاصها فإن الاحتكام للمبادئ العامة للقانون الجنائي يعد إجراءا ضروريا لأن تلكم المبادئ تمثل دليلا إجرائيا وضعه شراح وفقهاء القانون الجنائي لضمان سير سليم للإجراءات الجزائية من ناحية وحماية الحقوق الشرعية للمتهم من ناحية اخرى .


المبدأ الأول :

لا جريمة إلا بنص سابق الوضع :


تقتضي أحكام المادة (22 ) من النظام الأساسي أن تباشر المحكمة إختصاصها في المساءلة الجزائية للأشخاص بمقتضى نص سابق الوضع وهو في صورة الحال النظام الأساسي للمحكمة وعليه فإن هذه الأخيرة لا تختص إلا بالبت في الجرائم الواردة بنظامها الأساسي .
وهذا المبدأ يفسر ما تعرضنا إليه سابقا بخصوص عدم إختصاص المحكمة بالنظر في الجرائم الواقعة قبل دخول نظامها الأساسي حيز النفاذ ولكن يتعين الملاحظة في هذا الباب بأن ذات المادة ( 22 ) تجيز مرجعية المحكمة للقانون الدولي بصفة عامة أي خارج إطار نظامها الأساسي وذلك في بعض حالات تكييف السلوك الإجرامي على أنه في حالة الغموض بشأن تعريف الجريمة أو تأويل ملابساتها لا يجوز الإحتكام للقياس بل يفسر التعريف لصالح المتهم .

المبدأ الثاني :

لا عقوبة إلا بنص سابق الوضع :



يتماشى هذا المبدأ مع المبدأ المشار أعلاه ضرورة أنه لايحق إخضاع المتهم لعقوبة جنائية غير واردة زمن إرتكابه للجريمة وهذه القاعدة القانونية تكرس مبدأ هاما وهو الأثر اللارجعي للعقاب الجزائي
على أن هذا المبدأ يخضع لاستثناء وحيد يتمثل في إنتفاع المتهم بالعقوبة الأخف إذا ما تم تعديل القانون قبل صدور حكم نهائي بشأنه .
ونبقى في باب العقوبات لنلاحظ بأن النظام الأساسي خول للمحكمة القضاء بالعقوبات الأتي بيانها :

-1- السجن المؤبد في حالة الجرائم الأشد خطورة وإعتبارا لظروف الشخص المدان (صفته خلال إرتكاب الجرائم طبيعة سلطاته ونفوذه .....) .

-2-السجن لسنوات لمدة أقصاها ثلاثين ( 30 ) سنة .


وفي حالة تعدد الجرائم تصدر المحكمة بالنسبة لكل جريمة حكما خاصا وحكما مشتركا يحدد المدة الكاملة للعقاب الصادر على ألا تتجاوز المدة الكاملة للعقاب الصادر خمسة وثلاثين ( 35) عاما أو السجن المؤبد .

ونلاحظ في باب العقوبات الواردة بأحكام المادة ( 77 ) من النظام الأساسي بأن المحكمة غير مختصة بالقضاء بعقوبة الإعدام لأن النظام الأساسي لا يجيز ذلك وهذا يرتقي لمبدأ مناهضة حكم الإعدام الذي يتبناه نشطاء حقوق الإنسان في العالم بأسره حماية للذات البشرية وحقها في الحياة .

-3- فرض الغرامات ومصادرة العائدات والممتلكات.

تختص المحكمة الجنائية بالقضاء بإلزام المتهم بأداء غرامات لفائدة الضحايا كما تختص بالقضاء بمصادرة العائدات والممتلكات المتأتية بصورة مباشرة أو غير مباشرة من الجريمة دون المساس بحقوق الغير الحسن النية .

هذا وينص النظام الأساسي للمحكمة على إنشاء صندوق إستئمان تحول إليه العائدات من الغرامات المحكوم بها والأصول والممتلكات المصادرة وتصرف لفائدة الضحايا وعائلاتهم وتأذن المحكمة بتحويل المال وغيره من الأصول إلى الصندوق على أن تحدد الدول الأطراف في نظام المحكمة معايير إدارته ( المادة 79 من النظام الأساسي ) .

ويبدو جليا أن العقاب طبق نظام المحكمة يتجاوز العقوبات السالبة للحرية ، ليمتد إلى الذمة المالية للمتهمين ويعد هذا إنصافا للضحايا من ناحية ، ووضع حد لاستفادة الجناة من عائدات جرائمهم من ناحية اخرى ، فضلا عن إقرار مبدأ أخلاقي هام وهو عدم حمل المجتمع الدولي على جبر أضرار متصلة بجرائم شديدة الخطورة صادرة عن أشخاص بصفتهم الفردية .

على أن العدد الكبير عادة لضحايا هذه الجرائم قد يجعل هذا المبدأ الأخلاقي يخضع لإستثناءات تدعو الدول الأعضاء في نظام المحكمة رصد أموال بالصندوق كفيلة بتغطية التعويضات المحكوم بها لفائدة الضحايا أو أسرهم .
وهذا في حد ذاته مبدأ أخلاقي يرتقي لقيم التضامن والتعاطف .

المبدأ الثالث :
شـخصيــة الـمسؤوليـة الــجنائيــة :


من المبادئ الرئيسية في القانون الجنائي مبدأ شخصية المسؤولية الجنائية ذلك أنه بمجرد توفر ركن الإسناد حيال الجرائم المنسوبة للمتهم تكون المسؤولية الجزائية قائمة تجاهه كفرد وبقدر ما يتعدد الجناة في القضية تكون معايير مساءلتهم الجزائية فردية كل حسب مشاركته المباشرة أو غير المباشرة في إرتكاب الجريمة ( فاعل أصلي ، مشارك ، ساهم في الإعداد والتحضير للجريمة ساعد على وقوعها ، كان له علم مسبق بالجريمة ... ) .
ويتعين الملاحظة في هذا الباب بأن مساءلة الأشخاص جزائيا وبصفة فردية لا يرفع عن الدول كذات معنوية مسؤوليتها بموجب القانون الدولي على أن ذلك يدخل في إختصاص محكمة العدل الدولية .


المبدأ الرابع :


عدم الاعتداد بالصفة الرسمية للمتهمين :


إنطلاقا من مبدأ شخصية المساءلة الجنائية وبناءا على طبيعة الجرائم المختصة بها المحكمة والتي تتصل بالسلطة والنفوذ وملكية القرار وحيازة الترسانة العسكرية وغيرها من وسائل التعذيب
والتدمير فإن النظام الأساسي للمحكمة أقر عدم إعتبار الحصانة المتصلة بالصفة الرسمية للأشخاص موضوع التتبع والمقاضاة بتهم تدخل في إختصاص المحكمة وعدم الاعتداد بالصفة الرسمية للأشخاص وهذا من شأنه أن يكرس مبدأ عدم الإفلات من العقاب تحت أي بند من البنود بما في ذلك الحصانة وينص النظام الأساسي في المادة ( 27 ) على أن الصفة الرسمية للشخص على المستويين الوطني والدولي لا تحول دون ممارسة المحكمة لاختصاصها الجزائي حياله .

وما لم يثبت القادة ( السياسيين والعسكريين ) بالحجة القاطعة عدم علمهم بإرتكاب الجرائم الصادرة عن مرؤسيهم ، وما لم يثبتوا بالحجة القاطعة سابقية إتخاذهم تدابير وإجراءات إدارية وقضائية لمنع إرتكاب تلكم الجرائم فإنهم يدخلون تحت طائلة المساءلة الجزائية أمام المحكمة بصفتهم الشخصية .

وعليه فإن أحكام المادة ( 27 ) من النظام الأساسي للمحكمة وضعت حدا للتحصن المزدوج
( السلطة / الافلات من العقاب ) الذي ظل يتمتع به بعض الحكام في العالم .
هذا وتستوجب ممارسة المحكمة لإختصاصها إقامة آليات وإجراءات يتعين إستخدامها كيفما وردت بأحكام النظام الأساسي وبمدونة القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات .

الباب الثاني :

آليات ممارسة إختصاص المحكمة الجنائية الدولية :


إن دراسة آليات المحكمة الجنائية الدولية تقتضي إستعراض عدة أجهزة تواكب سير التحقيقات والمقاضاة ، ونظرا للبعدين الدولي والجنائي للمحكمة فإن وظائفها وإجراءتها معقدة لا محالة نتيجة تدخل وتداخل عدة أطرف وأجهزة طيلة مراحل التحقيقات والمقاضاة .
وقد حدد نظام المحكمة مجالات تدخل أو تداخل كل طرف أو جهاز خلال مباشرتها لوظيفتهـا القضائية ، ونعني الأجهزة الأتي بيانها :



(الوحدة الأولى ) (الوحدة الثانية )

- المدعي العام القضاة
- المسجل GREFFE ( ضبط المحكمة) - رئاسة المحكمــة
- الدائرة التمهيدية
- الدائرة الإبتدائية
- الإستئناف



(الوحدة الثالثة ) (الوحدة الرابعة )

- الدول الأطراف - المنظمات غير الحكومية
- الدولة غير الطرف - مصادر اخرى موثوق بها
- أجهزة منظمة الأمم المتحدة
- المنظمات الحكومية



(الوحدة الخامسة ) (الوحدةالسادسة)

- المتهمون - الدفاع ( عن المتهمين ) .
- الضحايا - الممثل القانوني ( للضحايا )
- الشهود

(الوحدة السابعة )

المترجمون
الخبــــــراء



نلاحظ إذن أنه ما لايقل عن سبعة وحدات تسجل حضورها في سير التحقيقات والمقاضاة لدى المحكمة الجنائية الدولية ، وتعهد المحكمة بالبت في الدعاوى المرفوعة إليها يجري بمقتضى أحكام النظام الأساسي من جهة وعملا بالقواعد الإجرائية وقواعد الإثبات من جهة اخرى .

ويتعين الإشارة في هذا الشأن بأن مدونة القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات وهي دليل إجرائي للمحكمة تم إعتماده من طرف جميعة الدول الأطراف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية
الدولية في دورتها الأولى المنعقدة في نيويورك خلال الفترة من 3 إلى 10 سبتمبر 2002 ويشمل الدليل الإجرائي للمحكمة ما لايقل عن ( 225 ) قاعدة إجراء وإثبات .

هذا وقد ورد الدليل الإجرائي مرفق بمذكرة تفسيرية تنص على ما يلي » تعد القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات وسيلة لتطبيق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وتابعة له في جميع الحالات ويتمثل الهدف منها في تدعيم أحكام النظام وقد أوليت العناية لدى بلورة القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات إلى تفادي إعادة صياغة أحكام النظام الأساسي وعدم القيام قدر المستطاع بتكرارها .. وتضمنت القواعد حسب الإقتضاء إشارات مباشرة إلى النظام الأساسي وذلك من اجل تأكيد العلاقة القائمة بين القواعد الإجرائية والنظام الأساسي على النحو المنصوص عليه في المادة 51 وخاصة الفقرتان 4 و 5 وينبغي في جميع الأحوال قراءة القواعد وقواعد الإثبات بالإقتران مع أحكام النظام ورهنا بها .
ولاتمس القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات للمحكمة الجنائية الدولية بالقواعد الإجرائية المعدة لأي محكمة وطنية ولا بأي نظام قانوني وطني لأغراض الإجراءات الوطنية « .

وعملا إذن بأحكام النظام الأساسي للمحكمة وبمقتضى دليل القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات نستعرض إشكالية الدور المكمل للمحكمة الجنائية الدولية (1 ) ثم آليات تدخل كل من المدعي العام والدائرة التمهيدية في أطوار التحقيق والمقاضاة :( 2 ) . هذا وتسجل الدول الأطراف حضورها في آليات ممارسة الإختصاص : ( 3) . فضلا عما يقره النظام الأساسي للمحكمة ودليل قواعدها الإجرائية من تكريس معايير المحاكمة العادلة : (4 ) .
على انه يإعتبار تاريخية الحدث المتصل بتسلم أول مدعي عام بالمحكمة لمهامه بصفة رسمية بعد إنتخابه من الدول الأطراف وقد تم ذلك بتاريخ 16 جوان 2003 بلا هاي أين ادي المدعي العام التعهد الأتي بيانه " أتعهد رسميا بأن أؤدي مهامي وأمارس سلطاتي بوصفي المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية بشرف وإخلاص ونزاهة وأمانة وبأن أحترم سرية التحقيقات والمحاكمة ( تعهد منصوص عليه بدليل القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات القاعدة عدد 6 ) .

هذا ويحتفظ بالتعهد الموقع والذي يكون شاهدا عليه رئيس المحكمة أو رئيس مكتب جمعية الدول الأطراف في قلم المحكمة وفي سجلاتها .
يتعين أن نقدم نبذة من السيرة الذاتية لأول مدعي عام لدى المحكمة الجنائية الدولية وهو السيد لوي مورينو أوكامبو LUIS MARENO OCAMPO أرجنتيني الجنسية تم إنتخابه في شهر أفريل 2003 من جمعية الدول الأطراف بنظام المحكمة ( اختياره تم بوفاق الدول الأطراف بإعتباره المرشح الوحيد لهذا المنصب ) .
والسيد لوي مورينو أو كامبو أشتهر في مجال مكافحة الجرائم الأكثر خطورة بالأرجنتين ذلك أنه أثار تتبعات ضد تسعة قادة عسكريين بالأرجنيتن في الثمانينات بتهم ممارسة التعذيب والقتل ذهب ضحيتها آلاف المواطنين بالأرجنتين ( في فترة الحرب القذرة ) وقد باشر مهمة النيابة في هذه القضية طيلة ستة أشهر كاملة تلقى خلالها شهادات 835 شخص بشأن تلكم الجرائم الخطيرة معتمدا على إفادات لجان مستقلة ضرورة أن أجهزة الأمن بالأرجنتين كانت آنذاك خاضعة كليا للسلطة العسكرية .
وعليه فإن أول مدعي عام للمحكمة يملك خبرات هامة في مجال التحقيقات الجنائية المتصلة بالجرائم الخطيرة .
يبقى أن ننتظر أداءه بجهاز المحكمة الجنائية الدولية حيث سيواجه مهام جسيمة ومعقدة جدا .


-1- إشكالية الدور المكمل للمحكمة الجنائية الدولية :


أكدت ديباجة النظام الأساسي للمحكمة على " أن هدف المحكمة أن تكون مكملة للنظم القضائية الوطنية في الحالات التي قد لا تكون إجراءات المحاكمة على الصعيد الوطني متاحة أو تكون عديمة الفعالية " .
كما تضمن النظام الأساسي للمحكمة عدد من الفصول التي تكرس هذا الإجراء التكميلي للمحكمة في الحقيقة كان هذا الإشكال موضوع جدل كبير بين واضعي النظام الأساسي خلال المداولات وأعمال اللجان على أن أغلبية الدول تبنت مبدأ الإجراء المكمل للمحكمة بالنسبة للمحاكم الوطنية .
وكان طبيعيا أن تثير هذا المسألة جدلا كبيرا في صفوف واضعي النظام الأساسي للمحكمة ضرورة أن الدول تتمسك في كل الحالات بمبدأ السيادة والذي يشمل إجراءات بسط ولايتها القضائية الوطنية في مقاضاة الجناة وفي الواقع فإن تمسك الدول بمبدأ السيادة يعد دفع سياسي بالأساس على أن مبادئ مدرجة بالقانون الدولي ( الإتفاقيات والمعاهدات ) التي تشدد على إختصاص المحاكم الوطنية بالتعهد بالجرائم التي تشكل خرقا لقوانين النزاعات المسلحة أو الجرائم
ضد الأنسانية أو جرائم الإبادة وغيرها على أن تفوق الموقف المتصل بالصبغة المكملة للمحكمة الجنائية الدولية حيال المحاكم الوطنية من شأنه إثارة التساؤلات الأتية :

- لماذا تعاملت الدول خلال مناقشة مشروع النظام الأساسي للمحكمة بمنطق التصادم بين النظام القضائي الدولي والنظام القضائي الوطني ؟ .

- هل يشفع للدولة تمسكها بمبدأ السيادة لتبرر أفضلية القضاء الوطني على القضاء الدولي إلى حد التفاعل مع هذا الأخير على خلفية قضاء أجنبي وليس قضاء دولي .

على كل لقد فرضت الدول الواضعة للنظام الأساسي موقفها المتصل بالدور المكمل للمحكمة الجنائية الدولية بالنسبة للقضاء الوطني إلا أنه بالرجوع إلى مبدأ السيادة ذاته العزيز جدا على الدول نلاحظ بأن الانضمام إلى أي معاهدة دولية أو جهاز أو إقتصادي أو حتى قضائي يشكل في حد ذاته ممارسة سيادية بالأساس ضرورة أنه تلقائيا وليس قصريا ! .

إن إستخدام آليات التوقيع والمصادقة يترجم السيادة بعينها على أن تلكم الأليات تفرز بالضرورة إلتزامات دولية تقتضيها أحكام القانون الدولي ولئن أدرج القانون الدولي آلية التحفظات في الإتفاقيان الدولية لتيسير إنضمام أكثر عدد ممكن من الدول لتلكم الإتفاقيات والمعاهدات والأجهزة الدولية ، إلا أن التحفظ لا يمكن أن يترتب عنه إفراغ الإتفاقية الدولية من مض مضمونها الجوهري وأهدافها الأساسية حتى لا تعدم وهي في طور الولادة بدعوى التمسك بمبدأ السيادة وما يترتب عنه من أحقية إستخدام آلية التحفظات لا جدال في إستمرار التصادم بين مبدأي السيادة والإلتزام في العلاقات الدولية والذي ألقى بضلاله وضع الصيغة النهائية للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية .
على أنه بالرجوع إلى قانون المحكمة نلاحظ بأنه خلص إلى فرض شروط إجرائية بشأن قبول مبدأ إختضاص المحاكم الوطنية بدرجة أولى بالمقاضاة في الجرائم التي تدخل في إختصاص المحكمة الجنائية الدولية وفي حالة إنعدام هذه الشروط أو الإخلال بها تحت أي ظرف من الظروف فإنه على المحكمة الجنائية الدولية بسط ولايتها القضائية في هذا الباب .
وهذه الشروط تتمثل في الإجراءات التالية :

-1 - إجراء التحقيق أو المقاضاة بشأن ذات الدعوى من طرف دولة لها الولاية القضائية على
تلك الدعوى .
-2 - سابقية إجراء التحقيق في الدعوى من طرف دولة لها ولاية عليها وقرر جهازها القضائي محاكمة المتهمين أو براءتهم ( تكريس المبدأ القانوني المتصل بعدم محاكمة شخص مرتين بشأن ذات الجريمة ) .
-3 - إذا لم تكن الدعوى على درجة من الخطورة بها يجعلها تدخل تحت طائلة الجرائم التي تختص بها المحكمة الجنائية الدولية .

على أن هذه الشروط التي تمنح للقضاء الوطني الولاية القضائية الأصلية لا تمنع المحكمة الجنائية الدولية من ممارسة دور المراقب لسلامة الإجراءات القضائية الوطنية بما يكفل ملاحقة الجناة وإقامة العدالة وعليه فإذا ثبت بأن التحقيقات أجريت على المستوى الوطني بعرض حماية المتهمين من المساءلة الجزائية بشأن جرائم تدخل في إختصاص المحكمة الجنائية الدولية أو حدث يدل على عدم الرغبة في محاكمة المتهم ويهدف بالتالي إلى تيسير إفلاته من العقاب فإن المحكمة لجنائية الدولية تستخدم إختصاصها في التعهد بالدعوى .
ليبقى أن نلاحظ بأن عدم الرغبة مطلقا في ملاحقة مرتكبي الجرائم الخطيرة أو إنهيار النظام القضائي الوطني للدولة ، يفضي إلى بسط الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية .

-2- الدور الرئيسي للمدعي العام والدائرة التمهيدية :


تحدد أحكام النظام الأساسي الأطراف المخولة بممارسة الاختصاص أو بالأحرى بإثارة الدعوى لدى المحكمة وهي كالأتي :


-1 إحالة من دولة طرف حالة إلى المدعي العام تبدو فيها إرتكاب جريمة أو جرائم تدخل في إختصاص المحكمة المادة ( 14 ) .

2 -إحالة من طرف مجلس الأمن الدولي مستخدما أحكام الفصل السابع من
ميثاق منظمة الأمم المتحدة وتكون الإحالة كذلك إلى المدعي العام .

3 -مباشرة المدعي العام التحقيق من تلقاء نفسه على أساس معلومات واردة
بشأن حصول جرائم تدخل في إختصاص المحكمة وشروع المدعي العــام في
إجراء التحقيق يكون رهين إذن صادر عن الدائرة التمهيدية للمحكمـة يجيز
إجراء التحقيق ( المادة الخامسة عشر 15 )

إن التقييد الوارد بأحكام المادة ( 11 ) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بشأن الاختصاص الزمني يثير لا محالة إشكالا إجرائيا يخول لمرتكبي الجرائم الأشد خطورة والواقعة قبل دخول نظام المحكمة حيز النفاذ يخول لهم الإفلات من العقاب مالم يبدي مجلس الأمن الدولي رغبة في إثارة ملاحقتهم بآلية المحاكم الدولية الخاصة على أن الحل القانوني لهذا الأشكال الإجرائي قد يكمن في تقديرنا في الإحتكام لمعايير الجريمة المستمرة التي يمكن للمحكمة إستخدامها لبسط ولايتها القضائية على جرائم لا تزال ترتكب كالجرائم الصادرة عن الإحتلال الإسرائيلي بفلسطين وبلبنان والجرائم الصادرة عن المحتل الأمريكي بالعراق.
وبالرجوع إلى الأطراف المخولة بإستخدام الأليات طبق ما ورد بالنظام الأساسي للمحكمة نلاحظ دورا هاما للمدعي العام ولهئية الدائرة التمهيدية وكذلك الدول الأطراف .
فالمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية يعد الجهة الرئيسية في تفعيل إثارة الدعوى بناءا على إحدى وسائل الإحالة المشار إليها أعلاه .
فحال إشعاره بحصول جرائم مما يدخل في إختصاص المحكمة يباشر المدعي العام فتح التحقيقات بشأن تلكم الجرائم والمصادر التي يعتمدها المدعي العام تكون :


-1- الدول –2- أجهزة الأمم المتحدة –3- المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية أو
أي مصـادر مـوثـوق بهـا

نلاحظ إذن بأن إثارة الدعوى من لدن المدعي العام تكون  بطلب ( فهو مفوض ).
 أصالة (من تلقاء نفسه ) .


هذا ويجوز للمدعي العام تلقي الشهادات التحريرية أو الشفوية بمقر المحكمة ، في نطاق مباشرته لأعمال التحقيق على أن مباشرة التحقيق الفعلي بشأن الجرائم موضوع الدعوى يقتضي تدخل جهاز الدائرة التمهيدية للمحكمة وذلك حيال قبول إجراء التحقيق أو رفضه ، ونلاحظ في هذا الباب أهمية الصلاحيات المخولة للدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية ضرورة أنها تشكل هيئة تحقيق تواكب بإستمرار إجراءات المدعي العام ، وقد قضت المادة ( 57 ) من النظام الأساسي للمحكمة بأن تتخذ الدائرة التمهيدية الأوامر والقرارات المتصلة بالقضية حال مباشرة المدعي العام لمهام الملاحقة القضائية ذلك أن الدائرة التمهيدية تصدر في أي وقت بعد الشروع في التحقيق وبناءا على طلب المدعي العام أمرا بالقبض على المتهم إذا إقتنعت بعد فحص الطلب والأدلة وسائر المعلومات الأخرى المقدمة من المدعي العام بوجود :

- أسباب كافية من شأنها تجريم الشخص المعتقل بجريمة تدخل في إختصاص المحكمة .
- أن القبض على الشخص يبدو ضروريا .
- لضمان حضوره أمام المحكمة .
- لضمان عدم قيامه بعرقلة التحقيق أو إجراءات المحاكمة .

هذا ويتعين في هذا الباب على المدعي العام مد الدائرة التمهيدية ببيانات دقيقة متصلة بإسم الشخص المتهم وأي معلومات اخرى خاصة بهويته مع إشارة إلى الجرائم التي تدخل في إختصاص
المحكمة كالإدلاء بمذكرة بشأن الوقائع المتصلة بارتكابه لتلك الجرائم وتكون هذه الأخيرة موثقة بالأدلة وأي معلومات اخرى تثبت إرتكاب تلك الجرائم .
على أن تعهد المدعي العام والدائرة التمهيدية بالتحقيقات قد يتم إرجاءه بناءا على مذكــرة من مجلس الأمن الدولي توجه للمحكمة بهذا المعنى ويكون ذلك بموجب قرار صادر عن المجلس وفق الفصل السابع من منظمة الأمم المتحدة ويكون ذلك واردا في حالة تعهد المحكمة بالدعوى بموجب إحالة من مجلس الأمن .




آليات مقيدة بإذن أو إرجاء  بقبول الدائرة التمهيدية .
 بإمكانية طلب إرجاء صادر عن مجلس الأمن الدولي .


وللدائرة التمهيدية أن ترفض للمدعي العام طلب إجراء تحقيق بشأن وقائع وإنتهاكات يرى هذا الأخير أنها قد تدخل في إختصاص المحكمة على أن رفض الدائرة التمهيدية الإذن للمدعي العام بإثارة التحقيق لا يحول دون تقديم المدعي العام لطلب ثاني في ظل توافر معلومات وأدلة جديدة بشأن نفس الحالة وفي القابل يتعين الإشارة بأن البدء في إجراء التحقيقات من طرف المدعي العام لا يحسم المسألة الإجرائية نهائيا ذلك أنه للمحكمة خلال تعهدها بالملف أن تبت في مسألة الاختصاص ومقبولية الدعوى الفقرة الرابعة من المادة ( 15) من النظام الأساسي.
هذا وتقتضي القاعدة عدد ( 45 ) من دليل الإجراءات الخاص بالمحكمة أن تكون إحالة المدعي العام للملف كتابية كما تنص القاعدة عدد (10) على مسؤولية المدعي العام حيال الاحتفاظ بالمعلومات والأدلة والحفاظ على سريتها وكذلك سرية الشهـادات التي يتلقاها :
القاعدة عدد( 46 ) .


وعليه يترتب عن ذلك المبدأ الأتي : للمحكمة الكلمة الفصل في مسألة
الاختصاص ومقبولية الدعوى
( من تلقاء نفسها أو بطلب )
-3- آليات المقاضاة المخولة للدول الأطراف :


وتقتضي أحكام المادة ( 17 ) من النظام الأساسي بأن تقرر المحكمة عدم مقبولية الدعوى في الحالات التالية :


1- إجراء تحقيق أو مقاضاة بشأن ذات الدعوى من طرف دولة لها ولاية عليها ( مالم تكن الدولة حقا غير راغبة في الاضطلاع بذلك أو غير قادرة على ذلك ) .

2 - إذا تم إجراء تحقيق في الغرض وقررت الدولة عدم المقاضاة ( ما لم يكن القرار ناتجا عن عدم رغبة أو قدرة حقا في المقاضاة ) .

فبناءا على كون المقاضاة من طرف الجهاز القضائي الدولي تعد مكملة للإجراءات الوطنية فإن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أقر صلاحية تعهد الدولة بالملاحقة والمقاضاة في نطاق ولايتها القضائية ضد الأشخاص الضالعين في إرتكاب جرائم تدخل في إختصاص المحكمة الجنائية الدولية .
ذلك أنه على المدعي العام واجب إشعار الدول بإعتزامه فتح تحقيق طالما أن الدول الأطراف تشكل وحدة رئيسية في جهاز المحكمة طبق نظامها الأساسي فإن تدخلها في آليات الملاحقة وارد ضرورة أن المدعي الـعام للمحكمـة وفي نـطاق تـعهده بالتـحقيق يهدف من خلال إشعاره
للدول إلـــى :

• حمايـة الأشخــاص
• حماية الأدلة من التـلف
• لعدم فرار المتهم أو المتهمين

وحال إشعارها من طرف المدعي العام بفتح تحقيق يمكن للدولة التي يكون المشتبه فيهم من رعاياها أن تعلن فتح تحقيق ضدهم مع إعلام المدعي العام بذلك ويمنحها هذا الأخير حق البت بشرط موافقة الدائرة التمهيدية .
ويحق للدولة المعنية أن تتمسك بهذا الأجراء استنادا إلى مقتضيات النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والتي تقر بالطبيعة المكملة للجهاز القضائي الدولي ضرورة أن المبدأ هو تعهد القضاء الوطني للدولة بملاحقة الضالعين في الجرائم الخطيرة من بين مواطنيها .
إن هذا الأجراء المخول للدولة الطرف قد يثير جدلا بشأن مخاطر تهميش وظيفة المحكمة الدولـية الجنائية إختصاصا وآليات نتيجة تعهد الدولة بالملاحقة ولكن النظام الأساسي للمحكمة إستوعب هذه المخاطر فأقر أحكاما تخول للمدعي العام ممارسة حق المراقبة حيال هذه الدولة بشأن جديـة التتبعات المثارة من طرف أجهزتها الوطنية ، وذلك بمطالبتها بتقديم إفادات منتظمة بشأن التحقيقات الجارية .
كما أن تعليق التحقيق من طرف المدعي العام لا يمنعه من الاستئذان من المحكمة قصد :


1 -إتخاذ إجراءات للمحافظة على أدلة هامة قد يستهدفها الإتلاف أو يفترض ألا تتوفر .
2 -تسجيل تصريحات أو شهادة من شاهد أو إتمام عملية جمع وفحص الأدلة التي كان قد باشرها قبل إثارة الطعن بعدم الاختصاص من أحد الأطراف .

3 - ضمان عدم فرار الأشخاص موضوع طلب بإلقاء القبض عليم من طرف المدعي العام عملا بأحكام المادة ( 58 ) من النظام الأساسي ( أمر الإيقاف يكون صادر عن الدائرة التمهيدية ) .

وعليه ولئن خول النظام الأساسي للمحكمة لجنائية الدولية للدول حق التعهد أصالة بالتحقيقات والملاحقة القضائية بواسطة أجهزتها الوطنية إلا أنها تخضع لواجبات حيال الجهاز القضائي الدولي حيث يتعين عليها حماية الضحايا والمحافظة على المعلومات والاستخبارات التي تكون بحوزتها والاستجابة لطلبات إيقاف المتهمين وتسليمهم للمحكمة الدولية في صورة التعهد الرسمي للقضاء الدولي المادة ( 91 ) .
وفي حالة تلدد الدولة في التعاون مع المحكمة وتقاعسها عن تقديم الخدمة المطلوبة يتم إشعار الدول الأطراف في نظام المحكمة أو مجلس الأمن الدولي المادة ( 87 ) .
وفي الحقيقة فإن الإشكالية الأكبر تكمن في فرضية تمسك الدولة بمبدأ حماية أمنها الوطني ضرورة أن واجب المد بالمعلومات قد يترتب عنه كشف أسرار تمس من مصالحها الوطنية إلا أن واضعو النظام الأساسي أقرو بمقتضى المادة ( 72 ) بأن يتم السعي إلى حل هذه الإشكالية بمبدأ التعاون بين مختلف الأجهزة : المدعي العام ومحامو الدفاع والدائرة التمهيدية أو المحكمة من جهة والدولة المعنية من جهة اخرى ، ويتم ذلك بتعديل الطلب الصادر عن المحكمة للدولة أو توضيح ذلك
الطلب ، كما يتم بواسطة قرار صادر عن المحكمة بشأن مدى صلة تلك المعلومات أو الأدلة بمجريات القضية وما إذا كان يمكن فعلا الحصول عليها من مصادر اخرى بالإضافة إلى إمكانية
تقديم المعلومات المتصلة بالأمن الوطني للدولة في صيغة موجزة عند الاقتضاء في جلسات مغلقة .
على أن الإشكالية تتعمق أكثر في صورة تمسك الدولة المعنية بمبدأ سرية المعلومات لاتصال هذه المعلومات بعلاقة مع دولة اخرى غير طرف بنظام المحكمة ، في هذه الحالة يجوز للدولة المعنية حجب الوثيقة أو المعلومات لوجود التزام سابق من جانبها إزاء الدولة الأخرى بالحفـاظ عـلى
السرية ، وفي كل الحالات فإن الممارسة الفعلية لأليات المحكمة حال تعهدها بالدعاوى التي تدخل في اختصاصها ستفضي إلى حسم قضاة المحكمة بدرجاتها المختلفة في هذه الأشكالات الإجرائية المعقدة .
ولعل هيئات الدفاع عن الضحايا ستلعب دورا هاما في هذا الباب من أجل تكريس مبادئ العدالة والأنصاف في مواجهة كل المناورات المفترضة والتي من شأنها إعاقة تحقيق تلكم المبادئ على أن مبدأ إجراء محاكمة عادلة للمتهمين يعد هو الأخر مبدأ أساسيا يتعين إحترامه دون أي قيد أو شرط ، وفي هذا الباب أقر النظام الأساسي للمحكمة حماية الحق في الدفاع .


-4–حماية معايير المحاكمة العادلة :


تنص اللوائح التي تحكم سير عمل المحكمة على تمكين محامي الدفاع من الحصول على المساعدة الإدارية المناسبة والمعقولة من قلم المحكمة القاعدة عدد ( 14 ) .
وذلك خدمة لحقوق الدفاع و تماشيا مع معايير المحاكمة العادلة حسب التعريف الوارد في النظام الأساسي للمحكمة .
ويقتضي النظام الأساسي تقديم المساعدة والمعلومات لجميع محامي الدفاع الذين يباشرون واجبهم المهني أمام المحكمة كما تقتضي ذات الأحكام مساعدة الخبراء ليكون الدفاع فعالا ومن المعايير الأساسية للمحاكمة العادلة هو مساعدة الأشخاص الذين ألقي عليهم القبض في الحصول على المساعدة القانونية وخدمات الدفاع ، كما يتعين إبلاغ المدعي العام ودوائر المحكمة عند الاقتضاء بالمساءل والأشكالات المتعلقة بالدفاع .
هذا ويضمن قانون المحكمة للدفاع بفرعيه ( دفاع الضحايا ودفاع المتهمين ) الاطلاع على سائر الأدلة مع إمكانية استجواب الشهود الواقع سماعهم مباشرة أو بواسطة تكنولوجيا الاتصال السمعي أو المرئي ، وفي حالة سابقية تسجيل الشهادة يتعين أن تتاح الفرصة للدفاع للأطـلاع
عليها ، كما يجب على المدعي العام أن يقدم للدفاع أسماء الشهود الذين ينوي إستجوابهم كما يجب عليه تقديم نسخ من البيانات التي أدلوا بها سابقا ويتم ذلك قبل بدء المحاكمة بمدة معقولة لتمكين المحامين من إعداد وسائل الدفاع ، وعليه أن يمكن الدفاع من فحص كل الأدلة التي تكون بحوزته ( الكتائب – المستندات – الصور –وأي أشياء مادية اخرى ) القاعدة عدد ( 77 )
وفي المقابل يتيعن على الدفاع تمكين المدعي العام من فحص أي كتائب أو سندات أو صور تكون في حوزة الدفاع ويعتزم هذا الأخير إستخدامها كأدلة في جلسة إقرار التهم أو عند المحاكمة .

وتكفل ضمانات الدفاع الكشف عن سائر الأدلة بما فيها ما تم حجبه لسرية المعلومات وذلك قبل انعقاد جلسة إقرار التهم من طرف الدائرة التمهيدية للمحكمة، وللمتهم الذي تم إلقاء القبض عليه كل الضمانات بشأن إطلاعه على كل إجراءات الإيقاف ويكفل النظام الأساسي للمتهم تلقي نسخة من أمر القبض عليه الصادر عن الدائرة التمهيدية طبق أحكام المادة ( 58 ) وتتاح الوثائق بلغة يتكلمها المتهم جيدا بالإضافة إلى حقه في استخدام إجراءات الطعن في سلامة أمر الإيقاف وتبت الدائرة التمهيدية في ذلك الطعن دون تأخير وذلك بعد تلقي رأي المدعي العام وعملا بأحكام المادة ( 67 ) من النظام الأساسي يتعين سماع المتهم بجلسة عمومية وإعلامه بكل الأدلة القائمة ضده وتمتعه بمهلة زمنية معقولة لأعداد دفاعه وتمكينه من الإدلاء بأدلة إضافية متصلة ببراءته مع تمتعه مجانا بخدمة الترجمة خلال سائر إجراءات المحاكمة .
هذا وتقتضي أحكام النظام الأساسي للمحكمة حماية الضحايا والشهود مما قد يتعرضون له من مخاطر بسبب الإدلاء بتصريحاتهم أمام أجهزة المحكمة .

ويتعين الإشارة في هذا الباب إلى إنشاء وحدة لحماية هؤلاء ضمن قلم المحكمة وتوفر هذه الوحدة بالتشاور مع مكتب المدعي العام تدابير الحماية والترتيبات الأمنية والمساعدة الملائمة وتضم الوحدة موظفين من ذوي الاختصاص في مجال الصدمات النفسية كما تحمي هذه الوحدة المجني عليهم كذلك .
أما على مستوى سير المحاكمة فنلاحظ بأن الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية وهي ( هيئة تحقيقية ) تعقد جلسة لإعتماد التهم ضد المشتبه بهم وتكفل هذه الجلسة إحترام كل معايير المحاكمة العادلة ضرورة أنها تنعقد خلال أجال معقولة بعد تقديم المتهم إلى المحكمة أو حضوره من تلقاء نفسه أمام جلسة إعتماد التهم مع الملاحظة في هذا الباب بأن الدائرة التمهيدية يمكنها عقد الجلسة في غياب المشبوه فيه وذلك في حالة :

-1 – تنازله في حقه عن الحضور .
-2 – في حالة فرار المتهم أو عدم العثور عليه مع التأكد طبعا من إتخاذ كل الإجراءات القانونية لضمان حضوره أمام المحكمة ولإبلاغه بالتهم المنسوبة إليه كإبلاغه بموعد الجلسة .
كما تدقق الدائرة التمهدية في جلسة إعتماد التهم في سائر أدلة الإثبات بشان الجريمة المرتكبة والمنسوبة للمشبوه فيه تدقيقا يكفل إحترام معاير المحاكمة العادلة .

وعليه وفي حال ثبوت التهم تقرر الدائرة التمهيدية إقرار التهم المنسوبة للمشبوه فيه بجلسة إقرار التهم يحال بمقتضاها الشخص أو الأشخاص الواقع تتبعهم على المحاكمة أمام المحكمة .
على مستوى المحاكمة تنعقد المحاكمات مبدئيا بمقر المحكمة ( بلاهاي ) وذلك وفق أحكام المادة 62 من النظام الأساسي للمحكمة التي تقتضي بأن المحاكمات تجري بمقر المحكمة مالم يتقرر غير ذلك .

ويتعين على المحكمة المتعهدة بالقضية تلاوة سائر التهم المعتمدة من طرف الدائرة التمهيدية على المتهم ويتعين عليها كذلك وفق النظام الأساسي تأمين علم المتهم بطبيعة التهم المنسوبة إليه ومنحه كامل الفرصة لإعترافه بإرتكاب الجريمة أو إنكاره لأي جرم منسوب إليه على أن إقرار المتهم بالتهم المنسوبة إليه لا يكفي لوحده للقضاء بإدانته من طرف المحكمة ضرورة أنه يتعين أن يكون الإعتراف بالتهمة معززة بوقائع الدعوى وبأدلة وقرائن قاطعة .
ولا تصدر المحكمة حكمها في الدعوى إلا بعد إستكمال سائر الإجراءات التي يقتضيها النظام الأساسي ودليل قواعد الإجراءات والإثبات وخاصة بالإستماع إلى طلبات الإدعاء العام وإستدعاء شهود الإثبات وشهود النفي ثم الإستماع إلى الدفاع ، ثم تختلي المحكمة في مداولات سرية لتصدر قرارها إما بالإجماع أو بأغلبية الأعضاء ويتعين أن يكون الحكم معللا تعليلا كاملا
ويتم التصريح به بجلسة علانية .
ولتأمين كامل معايير المحاكمة العادلة أقر النظام الأساسي للمحكمة مبدأ الطعن بإستناف القرارات الصادرة عن المحكمة الإبتدائية ( تكريس مبدأ التقاضي على درجتين .
هذا ونلاحظ بهذا الصدد بأن إمكانية الإستئناف مخولة للإدعاء العام وللمتهم على حد سواء .
وفي باب العقوبات سبق وأن أشرنا لاحقا بأن المحكمة مقيدة وفق أحكام النظام الأساسي بإصدار العقوبات التالية :
- 1 – السجن لمدة أقصاها ثلاثين سنة .
- 2 - السجن المؤبد .
- 3 – فرض الغرامات .
- 4 – مصادرة عائدات ممتلكات المتهمين والمتأتية بشكل مباشر أو غير مباشر من الجرائم المنسوبة للمتهم .

بعد إستعراض جانب من المساءل المتصلة بالقضاء الدولي في مجال حقوق الإنسان وخاصة نظام المحكمة الجنائية الدولية والتي لئن أخذت الحيز الأكبر في هذه المداخلة فلأنها تشكل تحولا نوعيا هاما في مجال مقاضاة مرتكبي أشد الجرائم خطورة ، ضرورة أن إنشاء المحاكم الدولية الخاصة يكون بحوزة مجلس الأمن الدولي والحال أن طبيعته وتركيبته لا تؤمن بشكل سليم إقامة العدالة الدولية .
وفي المقابل فإن إقامة المحكمة الجنائية الدولية الدائمة كانت وليدة إتفاقية دولية شهدت إنضمام ما لايقل عن مائة دولة وهذا من شأنه أن يلزم الدول الأطراف بالسعي لإقامة العدالة الدولية على على أن فاعلية هذا الجهاز القضائي الدولي يبقى رهين مصادقة كل دول العالم على نظامه الأساسي بعنوان التزام دولي بتكريس حقوق الإنسان والحريات الأساسية وحمايتها من كل أشكال الانتهاكات ، وإن هذه الخطوة لا تمس بمبدأ سيادة الدول وسيادة ولايتها القضائية الوطنية ضرورة أن الدفع بموقف سيادي حيال تعهد جهاز قضائي دولي بالبت في الجرائم الشديدة الخطورة يعد انتهاكا في حد ذاته لحقوق الإنسان .

جويلية 2006
نزيهـة بـوذيـب
المحامية بتونس





المـــــراجـــــع



1 / النصوص القانونية :

• النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية .
• ميثاق منظمة الأمم المتحدة .
• إتفاقيات جنيف الأربعة لسنة 1949 ونصوصها اللاحقة المؤرخة في 1977/06/08 .

2 / المنشورات القانونية :
• AGNES CALLAMARD .
• BARBARA BEDNONT .
• ARINE BRUNET .
• DYAN MAZURANA .
• MADLEINE REES .


• »التحقيق في خرق حقوق الإنسان خلال النزاعات المسلحة «
منظمة العفو الدولية ( سنة 2001 الثلاثية الثانية ) .

• الدكتور أحمد قاسم الحميدي » المحكمة الجنائية الدولية «
( الجزء الثاني ) منشورات مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان
( عدد 16 ) .

3 /ANDRE DULAIT
• تقرير خاص بالمحكمة الجنائية الدولية مقدم للجنة الشؤون
الخارجية بالبرلمان الفرنسي بجلسته العادية لسنة 1998/1999 .
موقع إلكتروني : W .W SENAT تقرير عدد 313 ( لسنـــــة
98/99 ) .



المحكمة الجنائية الدولية

تدريب تطبيقي على قواعد وآليات
المحكمة الجنائية الدولية

( حالة إفتراضية عدد 1)


قامت القوات العسكرية ( البرية والبحرية والجوية ) التابعة للدولة ( أ ) بهجوم واسع النطاق على أراضي الدولة ( ب ) وذلك إثر نزاع قائم بينهما لا يزال موضوع نظر من الهيئات المتخصصة لدى منظمة الأمم المتحدة .
وأقد أسفرت هذه العمليات عن سقوط آلاف الضحايا من مواطنين الدولة ( ب ) وتدمير المنشآت السكنية والإدارية والإقتصادية والثقافية بستة ( 6 ) مدن ذلك بتعهد القوات العسكرية للدولة ( أ ) توجيه هجمات بالقصف الجوي بواسطة صواريخ " كروز " و توماهوك " والأباتشي وب 52 و " ف 16 " بتعمدها توجيه هجمات ضد مواقع مدنية مع العلم المسبق أن ذلك سيسفر عن خسائر في الأرواح وعن إصاباب فضلا عن إحداث تدمير واسع للمنشآت بمختلف أنواعها السكنية ، الإستشفائية ، التعليمية ، الدينية والتاريخية .
-بتعمدها نهب المنشآت والمتاحف .
-بتعمدها إعتقال الآلاف من مواطني الدولة ( ب ) وإخضاعهم للتعذيب .
وردا على المطالب الدولية بملاحقة قادة الدولة ( أ ) والمعادية أمام المحكمة الجنائية الدولية من أجل إرتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مرتكبة على أراضي الدولة ( ب ) تمسكت الدولة ( أ ) بكونها ليست دولة طرف بالنظام الأساسي للمحكمة ولا تخضع بالتالي لولايتها القضائية .
يرجى من المجموعة الجواب على السؤال التالي :

- 1 - الدولة ( أ ) المعادية ليست عضو بالنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بأي آليات يمكن ملاحقة قادتها قضائيا ؟

ملاحظة : مدة التمرين خمسة عشرة ( 15 ) دقيقة .


المحكمة الجنائية الدولية

تدريب تطبيقي على قواعد وآليات
المحكمة الجنائية الدولية

( حالة إفتراضية عدد 2)



قامت القوات العسكرية للدولة ( أ ) وهي دولة طرف في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بإقتحام إقليم مواقع من تراب الدولة ( ب) وذلك بواسطة قصف بالدبابات والطائرات وأكدت التقارير الموثقة أن القوات العسكرية للدولة ( أ ) قامت بالتوغل في آراضي الدولة ( ب ) بالأليات العسكرية الثقيلة وسط قصف جوي بالطائرات .
كما إقتحمت ذات القوات العسكرية المباني السكنية ووضعت مواد متفجرة في بعضها مما أدى إلى تدميرها بالكامل و عمدت إلى إعتقال عدد كبير من السكان .
وبالتوازي مع ذلك قامت وحدات عسكرية اخرى بتجريف الأراضي الزراعية التابعة للدولة ( ب ) .
وقد أسفرت تلكم العمليات عن سقوط عدد كبير من الضحايا بين قتلى وجرحى .
هذا وتعهدت المحكمة الجنائية الدولية بالدعوى بناءا على طلب دولة طرف بنظام المحكمة فطلبت المحكمة من الدولة المعادية والطرف بنظام المحكمة وتسليمها المشتبه بهم من القادة العسكريين
والمتورطين في الجرائم المشار إليها أعلاه إلا أن الدولة المعادية تمسكت بحقها في بسط ولايتها القضائية الوطنية وتعهد أجهزتها الوطنية بالدعوى دون أجهزة المحكمة الجنائية الدولية مستخدمة في دفعها المبدأ المكمل لولاية المحكمة الجنائية الدولية وإدعت الدولة المعادية بأنها فعلا باشرت التحقيقات بواسطة أجهزتها الوطنية منذ ما يزيد عن السنة وتعهدت بإشعار المحكمة بنتائج التحقيقات والمقاضاة لاحقا .

يرجى من المجموعة الجواب على الأسئلة التالية :

-1 – هل يعد دفع الدولة بمبدأ الدور المكمل للمحكمة الجنائية الدولية وجيها من الناحية القانونية وفق النظام الأساسي للمحكمة ؟ .


-2 – ماهو مجال تدخل المحكمة الجنائية الدولية إزاء هذه الحالة وفق نظامها الأساسي لضمان عدم إفلات الجناة من العقاب ؟ .


ملاحظة : مدة إنجاز التمرين خمسة عشرة ( 15 ) دقيقة .








المحكمة الجنائية الدولية

تدريب تطبيقي على قواعد وآليات
المحكمة الجنائية الدولية

( حالة إفتراضية عدد 3)



طلبت المحكمة الجنائية الدولية من دولة طرف بنظامها المحكمة إلقاء القبض على ثلاثة أشخاص من مواطينيها متهمين بإرتكاب جرائم ضد الإنسانية وتسليمهم للمحكمة إلا أن هذه الدولة الطرف إعتذرت عن الإستجابة لطلبات المحكمة بدعوى أن قوانينها الوطنية لا تخول لها إجراءات تسليم مواطنيها إلى محكمة بالخارج .


يرجى من المجموعة الجواب على الأسئلة التالية :

-1 – هل أن إمتناع الدولة عن الإستجابة لطلب المحكمة سليما من الناحية القانونية ؟ .
-2 – ما هي الآليات المخولة للمحكمة الجنائية الدولية لحمل تلك الدولة على الإستجابة لطلباتها ؟ .



ملاحظة : مدة إنجاز التمرين خمسة عشرة ( 15 ) دقيقة




المحكمة الجنائية الدولية

تدريب تطبيقي على قواعد وآليات
المحكمة الجنائية الدولية

( حالة إفتراضية عدد 4)



تعهدت المحكمة الجنائية الدولية بالدعوى بموجب إحالة من مجلس الأمن الدولي فطلبت المحكمة في نطاق إجراءات التحقيق المثارة من دولة غير طرف تعاونها مع أجهزة المحكمة وتسليم مشتبه بهم يقيمون على أراضيها إلا أن هذه الدولة أشعرت المحكمة بعدم إستعدادها للتعاون مبررة ذلك بكونها دولة غير طرف بنظام المحكمة وبالتالي غير ملزمة بالاستجابة لطلباتها .



يرجى من المجموعة الجواب على الأسئلة التالية :


-1 - هل كانت طلبات المحكمة الجنائية الدولية تجاه هذه الدولة غير الطرف وجيهة وسليمة قانونا ؟ .


-2 - كيف سيتسنى للمحكمة الجنائية الدولية أن تتجاوز هذا الإشكال لتفعيل إجراءات التحقيق والمقاضاة بشأن الدعوى المتعهدة بها ؟ .


ملاحظة : مدة إنجاز التمرين خمسة عشرة ( 15 ) دقيقة .

القضاء الدولي في مجال حقوق الإنسان :

المحاكم الدولية المؤقتة والمحكمة الجنائية الدولية

تمهيــد :

إن إنشاء آليات لحماية حقوق الإنسان يعد نقلة نوعية هامة شهدها المجتمع الدولي بمختلف مكوناته ، ذلك أن التوقف في مضامين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 وسائر العهود والمواثيق الدولية اللاحقة المتصلة بحقوق الإنسان لا تؤمن بالضرورة الحماية الفعلية لتلكم الحقوق وتفعيل صيانتها من كل أشكال الخرق والانتهاك .
وعليه وطالما تنزل الإعلان العالمي والعهود والمواثيق اللاحقة له في منزلة الالتزام المعنوي والأخلاقي فإن هاجس المجتمع الدولي لم يتوقف عند مزيد إثراء الكم الهائل من المبادئ والقيم المتصلة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية بل تطور نحو رصد آليات فعلية لحماية سائر الحقوق والحريات خدمة لإنسانية الإنسان وللارتقاء بتلكم الحقوق والحريات إلى حيز الإلزام القانوني .
ولاجدال في كون تأمين إلتزام الدول بمعناه القانوني حيال تلكم الحقوق والحريات الأساسية يقتضي إنشاء إتفاقيات تلزم تلكم الدول بمقتضى التوقيع والمصادقة .
ولئن تضمن ميثاق منظمة الأمم المتحدة تعهد الأعضاء بالاحترام الفعلي لحقوق الإنسان والحريات الأساسية ( الفصل 55 والفصل 56 من نص ميثاق ) فإن ذلك لم يكن كافيا لضمان حماية تلكم الحقوق والحريات كما أن ترسانة الإعلانات والعهود والمواثيق الدولية المتصلة بحقوق الإنسان واللاحقة للميثاق الأممي لم تحقق أهداف الإنسانية في هذا الباب بل ظلت المسافة الفاصلة بين المبادئ والممارسة كبيرة جدا مما إستوجب تفعيل تلكم المبادئ بآليات تتميز بالالتزام والإلزام .
وكان طبيعي جدا أن يسعى المجتمع الدولي إلى إقامة مؤتمرات على نطاق عالمي لغاية تكريس مبدأ حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية من ناحية وإرساء آليات تؤمن تفعيل تلكم الحقوق والحريات وتضمن صيانتها من الخروقات تحت أي بند من البنود .
ولئن إستعرض مؤتمر الأمم المتحدة حول حقوق الإنسان المنعقد بطهران سنة 1968 إشكالية عالمية حقوق الإنسان وأفضى إلى الإقرار بأن " الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يعد فهما مشتركا لدى كل شعوب العالم بخصوص الحقوق التي لا يمكن التنازل عنها أو إنتهاكها لكل الإنسانية .


ويشكل إلتزاما على عاتق المجتمع الدولي " فإن مؤتمر فيينا لسنة 1993 أسس لنقلة نوعية في مجال حقوق الإنسان والحريات الأساسية : مفاهيما وآليات ، ضرورة أنه إختزل مجهـودات وتجارب الإنسانية على مدى عدة عقود ( 1948 –1993 ) لرصد آليات تكرس إحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية كأولوية مطلقة بالنسبة للمجتمع الدولي .
وكان منتظرا أن يشهد المؤتمر العالمي بفيينا جدلا على أكثر من مستوى بشأن حماية وصيانة حقوق الإنسان في العالم في ضوء تنوع الخلفيات الحضارية والسياسية والثقافية لأطراف المؤتمر من الحكومات وعلى إختلاف مصالحهم من جهة وتبعا للحضور المكثف للمنظمات غير الحكومية وأداءها القيم والثمين من جهة أخرى .
على أن مؤتمر فيينا أفضى إلى حسم مسألة عالمية حقوق الإنسان وأكد من جديد " إلتزام جميع الدول رسميا بالإيفاء بإلتزاماتها المتعلقة بتعزيز إحترام الحقوق والحريات الأساسية للجميع ومراعاتها وحمايتها على الصعيد العالمي وفقا لميثاق منظمة الأمم المتحدة والمواثيق ذات الصلة ووفق القانون الدولي ولاتقبل الطبيعة العالمية لهذه الحقوق أي جدل وفي هذا الإطار يعتبر تعزيز التعاون الدولي في مجال حقوق الإنسان أساسيا لتحقيق مقاصد الأمم المتحدة تحقيقا كاملا ".
كما ورد بذات التقرير الختامي للمؤتمر إقرار بأن " جميع حقوق الإنسان عالمية وغير قابلة للتجزئة ومترابطة ويجب على المجتمع الدولي أن يتعامل بشأن حقوق الإنسان على أساس شامل وبطريقة منصفة ومتكافئة وعلى قدم المساواة وبنفس الدرجة من التركيز ولئن توضع في الاعتبار أهمية الخاصيات الوطنية والإقليمية ومختلف الخلفيات التاريخية والثقافية والدينية فإنه من واجب الدول بصرف النظر عن نظمها السياسية والاقتصادية والثقافية تعزيز وحماية جميع الحقوق .
إن قراءة مضامين التقرير الختامي لمؤتمر فيينا تؤكد الحرص الشديد على ضرورة إيفاء الدول بإلتزاماتها حيال صيانة حقوق الإنسان والحريات الأساسية من كل خرق وعليه فإن تجديد النداء للدول لتنفيذ إلتزاماتها الدولية يشكل في الواقع وضعها أمام مسؤولياتها بهدف وضع حد لكل أشكال الانتهاكات للذات البشرية .
ولئن كان مؤتمر فيينا محطة هامة في الحركة العالمية لحقوق الإنسان فإن الجدل في صفوف المجمتع الدولي ظل قائما بشأن تطوير آليات حماية حقوق الإنسان لضمان تفعيلها تباعا وتحقيق أرقى درجات النفاذ حيال تطبيقها درءا لمخاطر طمسها وخرقها بالتمادي في ممارسة الإنتهاكات .
ولئن لا يتسع المجال في هذه المداخلة لإستعراض جملة آليات حماية حقوق الإنسان والتي تم إنشاؤها بعد مؤتمر فيينا لسنة 1993 فإن إنشاء مؤسسة قضائية دولية تتعهد بالبت في جرائم حقوق الإنسان وملاحقة مرتكبيها يعد آلية أساسية أفرزتها جهود المجمتع الدولي في هذا الباب .

فحماية لحقوق الذات الإنسانية وتعزيزا لمبادى العدالة ووضع الحد لظاهرة الإفلات من العقاب أنشأ المجتمع الدولي المحكمة الجنائية الدولية .
ولا جدال في كون إنشاء هذه المحكمة يعد آلية حاسمة أفرزتها جهود نشطاء حقوق الإنسان في العالم على مدى عقود من الزمن من أجل ملاحقة مرتكبي أخطر الجرائم ضد الإنسانية ومساءلتهم قضائيا بهدف غلق مسالك التحصن بالإفلات من العقاب .
ويتعين الإشارة في هذا الباب إلى الأئتلاف من أجل إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الذي تكون منذ عام 1993 ( ونلاحظ أنه متزامن مع مؤتمر فيينا )وقد ضم الإئتلاف ما يزيد عن ألف عضو من المنظمات المعنية بحقوق الإنسان للمطالبة بإرساء آلية قضائية لتتبع الجناة في الجرائم المتصلة بحقوق الإنسان .
هذا وواصل الائتلاف عقب صدور نظام روما الأساسي المنشأ للمحكمة الجنائية الدولية حملته العالمية من أجل دعوة جميع الدول للمصادقة على النظام الأساسي للمحكمة من ناحية ومن أجل سن تشريعات تخول لها التعاون الكامل مع أجهزتها من ناحية اخرى .
هذا ، وأقر المؤتمر الديبلوماسي للمفوضين المنعقد بروما النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وذلك بتاريخ 18 جويلية 1998 وشهد المؤتمر حضور وفود عن مائة وستين ( 160 ) دولة وإحدى وثلاثين (31 ) منظمة دولية ومائة وستة وثلاثين ( 136 ) منظمة غير حكومية حضرت بصفة مراقبين هذا ويقتضي النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن تنشأ فعليا هذه المحكمة بمصادقة ستين دولة عليها وفعلا فقد تمت مصادقة الدولة الستين بتاريخ 11 أفريل 2002 على أن تدخل حيز الوجود والممارسة الفعلية بداية من اليوم الأول للشهر الموالي لستين يوم بعد مصادقة الدولة الستين على النظام للمحكمة ( المادة 126 من النظام الأساسي ) وصارت تبعا لذلك المحكمة الجنائية الدولية مؤسسة قضائية قائمة الذات مؤهلة للتعهد بالملفات الجنائية التي ترفع إليها.
وتجدر الملاحظة في هذا الباب بأن مائة وأربعة دول ( 104 ) قد صادقت على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ( إلى غاية تاريخ 01/01/2007 ) وأصبحت بالتالي هذه الدول أطرافا بنظام المحكمة على أنه لم تنظم لهذه الهيئة القضائية الدولية سوى دولتين عربيتين وهما الأردن و دجيبوتي .
إن إقرار النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بالأغلبية الساحقة للدول في المؤتمر ( مائة وعشرون دولة ) كان إستجابة فعلية لنظال أجيال متعاقبة من نشطاء حقوق الإنسان في العالم ضرورة أن إقامة جهازا قضائيا دائما لملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية يشكل آلية نوعية جديدة تضاف إلى منظومة حقوق الإنسان التي ولئن سبق أن أرست أنظمة دولية وإقليمية حمائية على مدار ما يزيد عن نصف قرن فإنها لم تتوفق في التصدي الفعلي للكم الهائل من الانتهاكات ضد الأفراد والجماعات .
ومن المفارقات أن تناشد الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1977 المجموعات الإقليمية إصدار مواثيق وإرساء آليات إقليمية لحماية حقوق الإنسان وإقامة أجهزة للمراقبة أقل تعقيدا من أجهزة إشراف على نطاق عالمي وتم فعلا إرساء المزيد من الأليات الإقليمية ثم يعود المجتمع الدولي إلى فرض آليات حمائية وردعية ذات بعد دولي على غرا إنشاء المحكمة الجنائية الدولية .
ولعل تواصل نزيف الانتهاكات والإجرام في حق الإنسانية أفضى إلى اليقين بمحدودية سائر الأليات السابقة من جهة وبضرورة دفع حشد دولي قصد إقامة آلية قضائية دائمة وشاملة من جهة أخرى .
تأسست المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة مرتكبي أخطر الجرائم ضد الإنسانية والتي يدينها القانون الدولي ، هذا وتقتضي المادة الثانية من النظام الأساسي للمحكمة بارتباطها مع منظمة الأمم المتحدة بإتفاق ، ضرورة أنها ذات شخصية قانونية وفق ما تقتضيه المادة الرابعة من نظامها الأساسي .
على أنه يتعين قبل تقديم المحكمة الجنائية الدولية ، إستعراض الرصيد التاريخي للقضاء الدولي المتصل بردع جانب هام من الجرائم الأشد خطورة التي وقعت الإنسانية تحت طائلتها في عديد بقاع العالم .

المبحث الأول :

الجذور التاريخية للقضاء الجنائي الدولي :


إن إقامة العدالة الجنائية الدولية ليس إجراءا جديدا بل تعود جذورها إلى الماضي البعيد نتيجة تواتر الحروب وما أفرزته من إنتهاكات للأعراف الدولية والقانون الدولي الأنسان .

-1- مرحلة ما قبل الحرب العالمية الأولى :

فمنذ القرن التاسع عشر وبالتحديد بعد صدور إتفاقية جنيف لعام 1864 الخاصة بمعالجة ضحايا الحرب دعى ( قوستاف منيه ) وهو أحد مِؤسسي الصليب الأحمر إلى إنشاء محكمة جنائية دولية تتولى مساءلة من يخالف أحكام الإتفاقية الشار إليها وتقدم فعلا بمشروعه هذا إلى اللجنة الدولية مقترحا تشكيل المحكمة على النحو التالي :
ممثلا عن كل طرف من الأطراف المتحاربة وثلاثة ممثلين من دول محايدة على أن مقترحه لم يرى النور رغم كل الجهود المبذولة .

-2- مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى :

وتجدد الإنشغال المجتمع الدولي بإنشاء قضاء دولي جنائي إبان الحرب العالمية الأولى التي راح ضحيتها عشرات الملايين من الأشخاص فكانت الرغبة كبيرة في إتخاذ إجراءات لردع الجناة والحيلولة دون وقوع حرب عالمية اخرى من شأنها تهديد السلم والأمن الدوليين .
هذا ويتعين الإشارة في هذا الباب إلى معاهدة فرساي الموقعة عام 1919 حيث شعر المجتمع الدولي بضرورة إرساء قواعد وإجراءات قانونية للغرض . فقد وردت بمعاهدة فرساي إشارة بتشكيل محكمة جنائية دولية لمحاكمة الأمبراطور الألماني السابق ( قليوم الثاني ) حيث إتجه المنتصورن في الحرب إلى إنشاء لجان تحقيق تحدد مخالفات الأعراف وقوانين الحرب وملاحقة مجرمي الحرب الألمان على أن المحاكمة المنتظرة لم يتم إجراءها لأن الأمبرطور الألماني قد تمتع بحق اللجوء السياسي في هولاندا ورفضت هذه الأخيرة تسليمه بدعوى أن الأباطرة والرؤساء تجب محاكمتهم أمام شعوبهم فقط .
كما يتعين الإشارة إلى أن إنشاء عصبة الأمم كان يستهدف تجنب الحروب والمأسي الناجمة عنها وقد ورد بعهد عصبة الأمم الذي أصبحت مقتضياته سارية المفعول سنة 1920 التنصيص على وجوب صيانة السلم العالمي وإلتزام الدول بطرق السليمة لحل نزاعاتها .
هذا وأثير موضوع إنشاء المحكمة الجنائية الدولية كيفما إقتضت ذلك المادة 14 من عهد صبة الأمم ، فتشكلت للغرض لجنة إستشارية عهدت إليها مهمة إعداد مشروع لتأسيس المحكمة ، ويلاحظ في هذا الباب حصول جدلا بشأن المشروع فقد رأي البعض ضرورة إنشاء محكمة مستقلة لمحاكمة الأشخاص المتهمين بإرتكاب جرائم دولية فيما إقترح البعض الأخر تأسيس شعبة جنائية بمحكمة العدل الدولية الدائمة . غير أنه لم يتم إنشاء هذه المحكمة بدعوى عدم سابقية الأتفاق بين الدول بشأن القانون الواجب تطبيقه وعليه فقد إقتصر جهد الجمعية العمومية على إنشاء محكمة العدل الدولية فحسب .

-3- مرحلة مابعد الحرب العالمية الثانية :

مع نهاية الحرب العالمية الثانية وما خلفته من صدمة للأنسانية نتيجة حجم الدمار وهول الكوارث الذي أفرزته ، تجدد إنشغال المجتمع الدولي بإنشاء جهاز قضائي دولي لملاحقة مرتكبي الجرائم الدولية الأشد خطورة . وفعلا فقد تم تشكيل محاكم جنائية دولية من قبل الحلفاء المنتصرين .
ففي عام 1940 تم تشكيل محكمة نورونبارغ في حين إنشأت محكمة طوكيو عام 1946 وذلك لمحاكمة مجرمي الحرب الألمان واليابانيين .
ونلاحظ في هذا الباب بأن هتين المحكمتين المؤقتتين قد وصفتا بمحكمتي المنتصرين ( نسبة إلى المنتصرين في الحرب العالمية الثانية ) .
ولئن لم تنجح معاهدة فرساي لسنة 1919 في إنشاء المحكمة الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب العالمية الأولى فإن المنتصرين في الحرب العالمية الثانية قد توفقوا في إقامة إجهزة قضائية لمحاكمة المنهزمين الألمان واليابانيين وذلك بعد استسلامهما .
وعليه فقد دعى الحلفاء إلى إجراء محاكمة عسكرية لمجرمي الحرب الألمان واليابانيين وتبنوا ذلك وفق إتفاقية لندن المؤرخة في 08/08/1945 والتي افضت إلى إنشاء محكمة عسكرية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب .
وتم عقد جلسات المحكمة بمدينة نورنبورغ الألمانية على خلفية أنها المركز الرئيسي للحزب النازي وقضت المحكمة بإعدام عدد من القادة النازيين الألمان بعد إدانتهم بإرتكاب المذابح والقتل الجماعي ، وبخصوص اليابان فقد اصدر القائد العام لقوات الحلفاء في اليابان قرار إنشاء محكمة عسكرية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب العالمية وذلك بتاريخ 19/01/1946 وإختصت هذه المحكمة بالنظر في الجرائم ضد السلام الدولي والجرائم ضد الأنسانية ومخالفات الأعراف والقوانين الدولية المتصلة بالنزاعات المسلحة .
وفي 12/11/1948 قضت المحكمة بإعدام ستة قادة يابانيين .

-4- مجلس الأمن الدولي وإنشاء المحاكم الجنائية الدولية المؤقتة :

شهد المجتمع الدولي لاحقا إنشاء المحكمة الدولية الجزائية الخاصة بيوغسلافيا بمقتضى قرار مجلس الأمر الدولي الصادر سنة 1993 ثم المحكمة الدولية الجزائية الخاصة برواندا وفق ذات الإجراء الأممي وذلك سنة 1994 .
إختصت كل من محكمة يوغسلافيا السابقة ورواندا بمحاكمة المتهمين بإرتكاب الجرائم التالية :
-1 – جريمة الإبادة .
-2 – الجرائم ضد الإنسانية .
-3 –خرق القوانين والأعراف الدولية المتصلة بحالات النزاع المسلح .
-4 – إنتهاكات خطيرة لإتفاقيات جنيف لسنة 1949 .
وعلى مستوى الإختصاص الترابي للمحكمتين نلاحظ بأن المحكمة الخاصة بيوغسلافيا قد تعهدت بالنظر في الجرائم المرتكبة على كامل التراب اليوغسلافي ( جمهورية يوغسلافيا الإشتراكية سابقا ) فيما تعهدت المحكمة الخاصة بروندا بملاحقة المتهمين بإرتكاب الجرائم على التراب الرواندي وكذلك الجرائم الصادرة عن روانديين والمرتكبة على تراب الدول المجاورة لرواندا .
وهذا ويتجه الملاحظة بأن المحكمة الخاصة بيوغسلافيا والمحكمة الخاصة برواندا قد تعهدا بالنظر في الجرائم قبل إنشاء المحكمتين:
-1 – الجرائم المرتكبة بداية من 1991/01/01 بالنسبة لرواندا .
-2 – الجرائم المرتكبة خلال المدة الفاصلة بين 1 جانفي و31 ديسمبر 1994 بالنسبة ليوغسلافيا السابقة .
وعليه فقد كان مجال التدخل للمحكمتين ذي مفعول رجعي بينما حدد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية مجال تدخلها بداية من تاريخ دخولها حيز التنفيذ .
وتختلف المحكمتين المذكورتين عن المحكمة الجنائية الدولية من حيث علوية كل المحكمتين حيال المحاكم الوطنية للدولتين ( إختصاص مطلق ) بينما تختص المحكمة الجنائية الدولية بالصبغة المكملة للقضاء الوطني للدول وعلى مستوى إثارة الدعوى نلاحظ الإختصاص الحصري للمدعي العام بالنسبة لمحكمة يوغسلافيا ومحكمة روندا ضرورة أنه يثير الدعوى ويباشر التحقيقات ويدون لائحة الإتهام بينما يتعهد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بإجراء التحقيقات تحت إشراف الدائرة التمهيدية للمحكمة التي يعود لها القول الفصل في إحالة المشتبه بهم على المحاكمة من عدمها .
- المبحث الثاني :
المحكمة الجنائية الدولية :

يتعين أن نركز في هذه المداخلة على إختصاصات المحكمة الجنائية الدولية ( الباب الأول ) ثم نستعرض آليات ممارسة تلكم الإختصاصات ( الباب الثاني ) .


الباب الأول :

إختـصـاصـات الـمحكمـة الجنائية الدولية :


تقتضي المادة الأولى ( 1 ) من النظام الأساسي بأن تكون المحكمة الجنائية الدولية "هيئة دائمة تمارس إختصاصها على الأشخاص إزاء أشد الجرائم خطورة موضع الاهتمام الدولي وذلك على النحو المشار إليه في هذا النظام الأساسي " .
لنستعرض طائفة الجرائم التي ترجع بالنظر إلى أجهزة المحكمة الجنائية الدولية ( 1) ثم القانون الواجب التطبيق ( 2 ) لنخلص إلى مسألة الاحتكام للمبادئ العامة للقانون الجنائي ( 3 ) .

-1- الجرائم التي تدخل في إختصاص المحكمة :


عملا بأحكام المادة ( 5 ) من النظام الأساسي فإن المحكمة الجنائية الدولية تختص بالبت في الجرائم الأشد خطورة وهي كالأتي :

-1 ) جريمة الإبادة الجماعية .
- 2 ) الجرائم ضد الإنسانية .
- 3 ) جـــرائــم الـــحــــرب .
- 4 ) جــريمــة العـــــدوان .


وقد ورد بالمواد 6 ، 7 و 8 من النظام الأساسي تعريفا مفصلا لأركان الجرائم المشار إليها أعلاه على أننا نقدم في هذه المداخلة أهم الأركان المتصلة بتلكم الجرائم :

• جريمــة الإبــــادة الجمـــاعية :


وتقوم أركانها على الأفعال والممارسات التي تستهدف إهلاك جماعة قومية ، أو إثنية أو عرفية أو دينية بصفتها تلك إهلاك كليا أو جزئيا .
لغرض هذا النظام الأساسي تعني " الإبادة الجماعية " أي فعل من الأفعال التالية :
يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه إهلاك كليا أو جزئيا .
( أ ) قتل أفراد الجماعة .
( ب ) إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة .
( ج ) إخضاع الجماعة عمدا لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كليا جزئيا .
( د ) فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة .
( ه ) نقل أطفال عنوة إلى جماعة اخرى .
• الجرائـــم ضـد الإنــسانيــة :


وتقوم أركانها على إرتكاب هجوم منهجي وواسع النطاق ضد مجموعة من السكان المدنيين وعن سابق علم بالهجوم ( الأضمار ) .
لغرض هذا النظام الأساسي يشكل أي فعل من الأفعال التالية " جريمة ضد الإنسانية " متى أرتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم .
( أ ) القتل العمد .
( ب ) الإبادة .
( ج ) الإسترقاق .
( د ) إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان .
( ه ) السجن أو الحرمان الشديد أي على نحو أخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي .
( و ) التعذيب .
( ز ) الإغتصاب أو الإستبعاد الجنسي أو الإكراه على البغاء أو الحمل القسري أو التعقيم القسري أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة .
( ح ) إضطهاد أية جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية أو متعلقة بنوع الجنس على النحو المعرف في الفقرة 3 أو لأسباب اخرى من المسلم عالميا بأن القانون الدولي لا يجيزها وذلك فيما يتصل بأي فعل مشار إليه في هذه الفقرة أو بأية جريمة تدخل في إختصاص المحكمة .
( ط ) الإختفاء القسري للأشخاص .
( ي ) جريمة الفصل العنصري .
( ك ) الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمدا في معاناة شديدة أو أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية .
لغرض الفقرة ( 1 ) ( أ ) تعني عبارة هجوم موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين نهجا سلوكيا يتضمن الارتكاب المتكرر للأفعال المشار إليها في الفقرة ( 1 ) ضد أية مجموعة من السكان المدنيين عملا بسياسة دولة أو منظما تقضي بإرتكاب هذا الهجوم أو تعزيز لهذه السياسة
( ب ) تشمل الإبادة تعمد فرض أحوال معيشية من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء بقصد إهلاك جزء من السكان .
( ج ) يعني " الإسترقاق " ممارسة أي من السلطات المترتبة على حق الملكية أو هذه السلطات جميعها على شخص ما بما في ذلك ممارسة هذا السلطات في سبيل الإتجار بالأشخاص ولا سيما النساء والأطفال .
( د) يعني إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان نقل الأشخاص المعينين قسرا من المنطقة التي يوجودن فيها بصفة مشروعة بالطرد أو بأي فعل قسري أخر دون مبررات يسمح لها القانون الدولي .
( ه ) يعني التعذيب تعمد إلحاق ألم شديد أو معاناة شديدة سواء بدنيا أو عقليا بشخص موجود تحت إشراف المتهم أو سيطرته ولكن لا يشمل التعذيب أي ألم أو معاناة ينجمان فحسب عن عقوبات قانونية أو يكونان جزءا منها نتيجة لها .
( و ) يعني " الحمل القسري " إكراه المرأة على الحمل القسري أو على الولادة غير المشروعة بقصد التأثير على التكوين العرقي لأية مجموعة من السكان أو إرتكاب إنتهاكات خطيرة اخرى للقانون الدولي ولا يجوز بأي حال تفسير هذا التعريف على نحو يمس القوانين الوطنية المتعلقة بالحمل .
( ز ) يعني الإضطهاد حرمان جماعة من السكان أو مجموعة السكان حرمانا متعمدا وشديدا من الحقوق الأساسية بما يخالف القانون الدولي وذلك بسبب هوية الجماعة أو المجموع .
( ح ) تعني جريمة الفصل العنصري أية أفعال لا إنسانية تماثل في طابعها الأفعال المشار إليها في الفقرة ( 1 ) وترتكب في سياق نظام مؤسسي قوامه الإضطهاد المنهجي والسيطرة من جانب جماعة عرقية واحدة إزاء أية جماعة أو جماعات عرقية اخرى وترتكب بنية الإبقاء على ذلك النظام .
( ط ) يعني " الإختفاء القسري للأشخاص " إلقاء القبض على أي أشخاص أو إحتجازهم أو إختطافهم من قبل دولة أو منظمة سياسية أو بإذن أو دعم منها لهذا الفعل أو بسكوتها عليه ثم رفضها الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم بهدف حرمانهم من حماية القانون لفترة زمنية طويلة .
لغرض هذا النظام الأساسي من المفهوم أو تعبير نوع الجنس يشير إلى الجنسين الذكر والأنثى في إطار المجتمع ولا يشير تعبير " نوع الجنس " إلى أي معنى أخر يخالف ذلك .

• جرائـــــم الحرب :

وتتصل أركانها بمجرد حصول إنتهاكات جسيمة لإتفاقيات جينيف المؤرخة في 12 أوت 1949 وذلك بالاعتداء على المدنيين وممتلكاتهم كما تقوم أركانها بحصول إنتهاكات خطيرة للقوانين والأعراف السارية المفعول خلال النزاعات المسلحة .
( أ ) يكون للمحكمة إختصاص فيما يتعلق بجرائم الحرب ولا سيما عندما ترتكب في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية إرتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم .
لغرض هذا النظام الأساسي تعني جرائم الحرب :
( أ ) الإنتهاكات الجسيمة لإتفاقيات جنيف المؤرخة في 12 أوت 1949 أي فعل من الأفعال التالية ضد الأشخاص أو الممتلكات الذين تحميهم أحكام إتفاقية جنيف ذات الصلة .
( 1 ) القتل العمد .
( 2 ) التعذيب أو المعاملة اللا إنسانية بما في ذلك إجراء تجارب بيولوجية .
( 3 ) تعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق لدى خطير بالجسم أو بالصحة .
( 4 ) إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والإستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة .
( 5 ) إرغام أي اسير حرب أو أي شخص أخر مشمول بالحماية على الخدمة في صفوف قوات دولة معادية .
( 6 ) تعمد حرمان أي أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية من حقه في أن يحاكم محاكة عادلة ونظامية .
( 7 ) الإبعاد أو النقل غير المشروعين أو الحبس غير المشروع أخذ رهائن .
( ب ) الإنهاكات الخطيرة الأخرى للقانونين والأعراف السارية على المنازاعات الدولية المسلحة في النطاق الثابت للقانون الدولي أي فعل من الأفعال التالية :
( 1 ) تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية .
( 2 ) تعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية أي المواقع التي لا تشكل أهدافا عسكرية .
( 3 ) تعمد شن هجمات ضد موظفين مستخدمين أو منشآت أو مواد أو إحداث أو مركبات مستخدمة في مهمة من مهام المساعدة الإنسانية أو حفظ السلام عملا بميثاق الأمم المتحدة ما داموا يستحقون الحماية التي توفر للمدنيين أو للمواقع المدنية بموجب قانون المنازعات المسلحة .
( 4 ) تعمد شن هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح أو عن إصاباب بين المدنيين أو عن إلحاق أضرار مدنية أو إحداث ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديد للبيئة الطبيعية يكون إفراطه واضحا بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية المتوقعة الملموسة المباشرة .
( 5) مهاجمة أو قصف المدن أو القرى أو المساكن أو المباني العزلاء التي لا تكون أهدافا عسكرية بأية وسيلة كانت .
( 6 ) قتل أو جرح مقاتل إستسلم مختارا يكون قد ألقى سلاحه أو لم تعد لديه وسيلة للدفاع .
( 7 ) الإمدادات الغوثية على النحو المنصوص عليه في إتفاقيات جنيف .
( 8 ) تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر إلزاميا أو طوعيا في القوات المسلحة الوطنية إو إستخدامهم للمشاركة فعليا في الأعمال الحربية .
( ج ) في حالة وقوع نزاع مسلح غير ذي طابع دولي الإنتهاكات الجسيمة للمادة ( 3) المشتركة بين إتفاقيات جنيف الأربع المؤرخة في 12 أوت 1949 وهي من الأفعال التالية المرتكبة ضد أشخاص غير مشتركون إشتراكا فعليا في الأعمال الحربية بما في ذلك افراد القوات المسلحة الذين القوا سلاحهم و أولائك الذين أصبحوا عاجزين عن القتال بسبب المرض أو الإصابة أو الإحتجاز أو لأي سبب أخر .
- إستعمال العنف ضد الحياة والأشخاص وبخاصة القتل بجميع انواعه والتشوبة والمعاملة القاسية والتعذيب .
- الإعتداء على كرامة الشخص وبخاصة المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة .
- أخذ رهائن .
- إصدار أحكام وتنفيذ إعدامات دون وجود حكم سابق صادر عن محكمة مشكلة تشكيلا نظاميا تكفل جميع الضمانات القضائية المعترف عموما بأنه لا غنى عنها .
- تنطبق الفقرة ( 2 هـ ) على المنازعات المسلحة غير ذات الطابغ الدولي وبالتالي فهي لا تنطبق على حالات الإضطرابات والتوترات الداخلية مثل أعمال الشغب أو أعمال العنف المنفردة أو المتقطعة وغيرها من الأعمال ذات الطبيعة المماثلة .
- الإنتهاكات الخطيرة الأخرى للقاوانين والأعراف السارية على المنازعو المسحلة غير ذات الطابع الدولي في النطاق الثابت للقانون الدولي أي من الأفعال التالية :
- تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أوضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية .
- تعمد توجيه هجمات ضد المباني والمواد والوحدات الطبية ووسائل النقل والأفراد من مستعملي الشعارات المميزة المبنية في إتفاقيات جنيف طبقا للقانون الدولي .
- تعمد شن هجمات ضد موظفين مستخدمين أو منشأت أو مواد أو إحداث أو مركبات مستخدمة في مهمة من مهام المساعدة الإنسانية أو حفظ السلام عملا بميثاق الأمم المتحدة ما داموا يستحقون الحماية التي توفر للمدنينين أو للمواقع المدنية بموجب القانون الدولي للمنازاعات المسلحة .
- تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية المرضى والجرحى شريطة ألا تكون أهدافا عسكرية .
- نهب أي بلدة أو مكان حتى تم الإستيلاء عليه عنوة .
- الإغتصاب أو الإستبعاد الجنسي أو الإكراه على البغاء أو الحمل القسري على النحو المعرث في الفقرة ( 2 و ) من المادة 2 أو التعقيم القسري أو أي شكل اخر من أشكال العنف الجنسي يشكل أيضا إنتهاكا خطيرا للمادة المشتركة بين إتفاقيات جنيف الأربع .
- تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر إلزاميا أو طويعيا في لاقوات المسلحة أو في جماعات مسلحة أو إستخدامهم للمشاركة فعليا في الأعمال الحربية .
- إصدار أوامر بتشريد السكان المدنيين لأسباب تتصل بالنزاع مالم يكن ذلك بداع من أمن المدنيين المعينين أو لأسباب عسكرية ملحة .
- قتل أحد المقاتلين من العدو أو إصابته غدرا .
- إعلان أنه لن يبقى أحد على قيد الحياة .
- إخضاع الأشخاص الموجودين تحت سلطة طرف آخر في النزاع البدني أو لأي نوع من التجارب الطبية أو العلمية التي لا تبررها المعالجة الطبية أو معالجة الأسنان أو المعالجة في المستشفى للشخص المعني والتي لا تجري لصالحه وتسبب في وفاة ذلك الشخص أو أولئك الأشخاص أو في تعريض صحتهم لخطر شديد .
- تدمير ممتلكات العدو أو الإستيلاء عليها ما لم يكن هذا التدمير أو الإستلاء مما تحتمه ضرورات الحرب .
تنطبق الفقرة ( 2 ج ) على المنازعة المسلحة غير ذات الطابع الدولي وبالتالي فهي لا تنطبق على حالات الإضطرابات والتوترات الداخلية مثل أعمال الشغب أو أعمال العنف المنفردة أو المتقطعة أو غيرها من الأعمال ذات الطبيعة المماثلة وتنطبق على المنازعات المسلحة التي تقع في إقليم دولة عندما يوجد صراع مسلح طويل الأجل بين السلطات الحكومية وجماعات مسلحة منظمة أو فيما بين هذه الجماعات .
ليس في الفقرتين ( ج ، د ) ما يؤثر على المسؤولية عن حفظ أو إقرار القانون والنظام في الدولة أو عن الدفاع عن وحدة الدولة وسلامتها الإقليمية بجميع الوسائل المشروعة .

• جـريمــة العــدوان :

لاتزال أركان هذه الجريمة قيد النقاش والجدل ضرورة أن النظام الأساسي للمحكمة أقر بالفقرة الأخيرة للمادة ( 5 ) بأن تعريف هذه الجريمة وتكييفها سيتم لاحقا عملا بمقتضيات المادتين ( 121 ) و ( 123 ) من النظام الأساسي والمتعلقتين بالتعديلات والمراجعة وعليه فإن إختلافات شديدة بين أطراف النظام الأساسي للمحكمة حالت دون الاتفاق النهائي بشأن تحديد أركان جريمة العدوان .
والأرجح أن تطول مدة النقاش حول تعريف أركان هذه الجريمة لأن حسم المسألة سيلقي بضلاله على المصالح السياسية الحيوية لأكثر من طرف دولي على أنه يتعين في هذا الباب الإشارة بأن القانون الدولي عامة وميثاق منظمة الأمم المتحدة خاصة تعرض إلى الممارسة العدوانية ورتب عقوبات ضد مرتكبيها من الدول وفق مقتضيات الباب السابع من الميثاق المتعلق بصلاحيات مجلس الأمن الدولي حيال تهديد السلم وممارسة العدوان .
ونشير في هذا الباب إلى أحكام المادة ( 27 ) من ميثاق منظمة الأمم المتحدة التي تقتضي إستبعاد وإزاحة الدولة الطرف في النزاع من المشاركة في عملية التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بشأن نزاع ما .وطالما أن حالة العدوان تشكل أقصى درجات إنتهاك القانون الدولي فإن آلية إستبعاد الدولة الطرف في العدوان في باب التصويت بشأن قرارات يعد في تقديرنا أمرا ضروريا وذلك على قاعدة ( من باب أولى وأحرى ) لأن القانون الدولي الذي أقر آلية إستبعاد الدولة الطرف من عملية التصويت على قرار مجلس الأمن بشأن مجرد نزاع لا يمكن في رأيينا أن يجيز تدخل دولة طرف في العدوان في عملية التصويت وهي حالة أخطر بكثير من حالة النزاع .
هذا ويجوز إقتراح تعديلات على أركان الجرائم من جانب :

• أي دولة طـــرف
• القضاة بأغلبية مطلقة
• المدعي العـــام للمحكمة الجنائية الدولية

على أن تعتمد هذه التعديلات بأغلبية ثلثي أعضاء جمعية الدول الأطراف مع الحرص على أن تكون التعديلات بشأن أركان الجرائم متناسقة مع النظام الأساسي للمحكمة .
ونلاحظ في هذا الصدد بأنه لا توجد مخاطر مبدئيا من شأنها إزاحة بعض الجرائم عن إختصاص المحكمة بموجب التعديلات المقترحة لأن أحكام المادة ( 12 ) من النظام الأساسي للمحكمة تقتضي بأن الدولة التي تصبح طرف " تقبل بذلك إختصاص المحكمة فيما يتعلق بالجرائم المشار إليها في المادة ( 5 ) " .
ولكن يتعين الملاحظة بشأن جريمة العدوان بأن القانون المنظم لمحكمة نورنبورق قد تعرض بفصله السادس إلى تحديد جريمة العدوان وذلك بعنوان " جرائم ضد السلم تستهدف إعلان حرب عدوانية في خرق تام للمعاهدات والمواثيق الدولية " .
كما سبق لمنظمة الأمم المتعهدة أن أقرت في مستوى الجمعية العامة بتاريخ 1974/12/14 تعريفا لجريمة العدوان تم إلحاقه بقرار الجمعية العامة عدد 3314 ويقتضي بأن العدوان هو " إستعمال القوة العسكرية الصادر عن دولة ضد السيادة والحرمة الترابية والإستقلال السياسي لدولة اخرى ..."
على أن القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ليست إلزامية تجاه الدول خلافا للقرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي وفق أحكام الباب السابع من الميثاق .
هذا وأعدت كذلك لجنة القانون الدولي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة مشروع قانون يحدد الجرائم ضد الإنسانية والذي تضمن إشارة للعدوان إلا أن هذا المشروع مازال بصدد الدرس من طرف الدول .
بعد عرض الجرائم التي تدخل في إختصاص المحكمة يتعين أن نتساءل بشأن القانون الواجب التطبيق خلال ممارسة المحكمة لاختصاصها :

-2- القانـون الــواجب التـطبيق :


حدد النظام الأساسي فروع القانون التي يتعين على قضاة هذه المحكمة تطبيقها وقد ورد ذلك بأحكام المادة ( 21 ) والتي إقتضت بأن يكون النظام الأساسي لهذه المحكمة قانونها كما تشكل أركان الجرائم كما وردت بالنظام الأساسي قانونا تحتكم إليه إلى جانب القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات الخاصة بالمحكمة ، هذا في المقام الأول .
وفي المقام الثاني ، تعتمد المحكمة المعاهدات الواجبة التطبيق ومبادئ القانون الدولي وقواعده بما في ذلك المبادئ المتصلة بالقانون الدولي للنزاعات المسلحة .
كما يمكن للمحكمة بأن تستند إلى المبادئ المتصلة بالنظم القانونية الوطنية خاصة القوانين الوطنية للدول التي من عادتها ممارسة ولايتها القضائية على الجريمة على ألا تتعارض تلكم المبادئ مع أحكام النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ولا مع أحكام القانون الدولي ، هذا ويجوز للمحكمة أن تحتكم إلى فقه قضاءها ( أي السوابق القضائية الصادرة عنها ) .
وهذه الإمكانية تتاح بعد أن تقطع المحكمة أشواطا في ممارسة ولايتها القضائية الدولية ويتجمع لديها كم من الأحكام والقرارات من شأنها أن تشكل لاحقا مصدرا من مصادر قانون المحكمة .
وتشدد أحكام المادة ( 21 ) من النظام الأساسي على ضرورة أن يكون تطبيق وتفسير القانون يتماشى مع معايير حقوق الإنسان المعترف بها دوليا وفي حل من أي تمييز كان مبني على الجنس أو العرف أو اللون أو اللغة أو الدين أو المعتقد أو الرأي السياسي وغيرها من أشكال التـمييز .
ويتعين الملاحظة بشأن المادة ( 21 ) من النظام الأساسي ما يلي :
إن إدراج النظام الأساسي للمحكمة في المقام الأول من حيث القانون الواجب التطبيق لايتنزل في الحقيقة في رسم سلم تفاضلي بشأن مصادر القانون المعتمد من المحكمة تماما كما هو ساري المفعول في الأنظمة القانونية الوطنية لحسم مسآلة تنازع القوانين بل يتنزل في إعتقادنا في شمولية وعمق المبادئ والأصول القانونية الورادة بالنظام الأساسي للمحكمة وبقواعد الإجراءات والإثبات وهذا يجعل إدراجها في المقام الأول كمصدر لقانون المحكمة أمرا مقبولا مبدئيا .
وتجدر الإشارة من ناحية اخرى بأن المحكمة غير مختصة بالبت في الجرائم التي تعود وقائعها إلى تاريخ سابق لتاريخ بدء نفاذ النظام الأساسي للمحكمة .
وعليه فإن الاختصاص الحكمي للمحكمة مقيد بإختصاص زمني يسري مفعوله بشأن الجرائم المرتكبة بعد دخول النظام الأساسي للمحكمة حيز النفاذ ( بتاريخ 12 جوان 2002 ) .
إن هذا التقييد الزمني لئن يبدو منطقيا وقانونيا ضرورة أنه لا يمكن أن تتعهد المحكمة بالتتبع والمقاضاة بشأن الجرائم الخطيرة المرتكبة قبل نشأة إلتزام الدول الأطراف في نظام المحكمة وهي مسألة سيادية أساسية ولكن من شأن أن يترتب عن ذلك الدفع إفلاتا من العقاب لصالح الجناة بشأن جرائم خطيرة إرتكبت ضد الإنسانية ولا يسع المحكمة التعهد بها للقيود الواردة بالمادة ( 11 ) من النظام الأساسي والمتعلقة بالاختصاص الزمني .
على أنه يمكن إرساء محاكم دولية خاصة تتعهد بمقاضاة الجناة المرتكبين للجرائم الأشد خطورة قبل دخول النظام الأساسي للمحكمة حيز النفاذ وذلك على غرار محكمة يوغسلافيا السابقة ومحكمة رواندا .

-3 - الإحتكام للمبادي العامة للقانون الجنائي :



لا جدال في كون القانون الجنائي عامة يحتكم لمبادي عامة يتعين تطبيقها لتأمين المحاكمة العادلة والمنصفة لكل شخص ولئن حددت المادة ( 21 ) من النظام الأساسي للمحكمة المراجع القانونية التي تستند إليها المحكمة في ممارسة إختصاصها فإن الاحتكام للمبادئ العامة للقانون الجنائي يعد إجراءا ضروريا لأن تلكم المبادئ تمثل دليلا إجرائيا وضعه شراح وفقهاء القانون الجنائي لضمان سير سليم للإجراءات الجزائية من ناحية وحماية الحقوق الشرعية للمتهم من ناحية اخرى .


المبدأ الأول :

لا جريمة إلا بنص سابق الوضع :


تقتضي أحكام المادة (22 ) من النظام الأساسي أن تباشر المحكمة إختصاصها في المساءلة الجزائية للأشخاص بمقتضى نص سابق الوضع وهو في صورة الحال النظام الأساسي للمحكمة وعليه فإن هذه الأخيرة لا تختص إلا بالبت في الجرائم الواردة بنظامها الأساسي .
وهذا المبدأ يفسر ما تعرضنا إليه سابقا بخصوص عدم إختصاص المحكمة بالنظر في الجرائم الواقعة قبل دخول نظامها الأساسي حيز النفاذ ولكن يتعين الملاحظة في هذا الباب بأن ذات المادة ( 22 ) تجيز مرجعية المحكمة للقانون الدولي بصفة عامة أي خارج إطار نظامها الأساسي وذلك في بعض حالات تكييف السلوك الإجرامي على أنه في حالة الغموض بشأن تعريف الجريمة أو تأويل ملابساتها لا يجوز الإحتكام للقياس بل يفسر التعريف لصالح المتهم .

المبدأ الثاني :

لا عقوبة إلا بنص سابق الوضع :



يتماشى هذا المبدأ مع المبدأ المشار أعلاه ضرورة أنه لايحق إخضاع المتهم لعقوبة جنائية غير واردة زمن إرتكابه للجريمة وهذه القاعدة القانونية تكرس مبدأ هاما وهو الأثر اللارجعي للعقاب الجزائي
على أن هذا المبدأ يخضع لاستثناء وحيد يتمثل في إنتفاع المتهم بالعقوبة الأخف إذا ما تم تعديل القانون قبل صدور حكم نهائي بشأنه .
ونبقى في باب العقوبات لنلاحظ بأن النظام الأساسي خول للمحكمة القضاء بالعقوبات الأتي بيانها :

-1- السجن المؤبد في حالة الجرائم الأشد خطورة وإعتبارا لظروف الشخص المدان (صفته خلال إرتكاب الجرائم طبيعة سلطاته ونفوذه .....) .

-2-السجن لسنوات لمدة أقصاها ثلاثين ( 30 ) سنة .


وفي حالة تعدد الجرائم تصدر المحكمة بالنسبة لكل جريمة حكما خاصا وحكما مشتركا يحدد المدة الكاملة للعقاب الصادر على ألا تتجاوز المدة الكاملة للعقاب الصادر خمسة وثلاثين ( 35) عاما أو السجن المؤبد .

ونلاحظ في باب العقوبات الواردة بأحكام المادة ( 77 ) من النظام الأساسي بأن المحكمة غير مختصة بالقضاء بعقوبة الإعدام لأن النظام الأساسي لا يجيز ذلك وهذا يرتقي لمبدأ مناهضة حكم الإعدام الذي يتبناه نشطاء حقوق الإنسان في العالم بأسره حماية للذات البشرية وحقها في الحياة .

-3- فرض الغرامات ومصادرة العائدات والممتلكات.

تختص المحكمة الجنائية بالقضاء بإلزام المتهم بأداء غرامات لفائدة الضحايا كما تختص بالقضاء بمصادرة العائدات والممتلكات المتأتية بصورة مباشرة أو غير مباشرة من الجريمة دون المساس بحقوق الغير الحسن النية .

هذا وينص النظام الأساسي للمحكمة على إنشاء صندوق إستئمان تحول إليه العائدات من الغرامات المحكوم بها والأصول والممتلكات المصادرة وتصرف لفائدة الضحايا وعائلاتهم وتأذن المحكمة بتحويل المال وغيره من الأصول إلى الصندوق على أن تحدد الدول الأطراف في نظام المحكمة معايير إدارته ( المادة 79 من النظام الأساسي ) .

ويبدو جليا أن العقاب طبق نظام المحكمة يتجاوز العقوبات السالبة للحرية ، ليمتد إلى الذمة المالية للمتهمين ويعد هذا إنصافا للضحايا من ناحية ، ووضع حد لاستفادة الجناة من عائدات جرائمهم من ناحية اخرى ، فضلا عن إقرار مبدأ أخلاقي هام وهو عدم حمل المجتمع الدولي على جبر أضرار متصلة بجرائم شديدة الخطورة صادرة عن أشخاص بصفتهم الفردية .

على أن العدد الكبير عادة لضحايا هذه الجرائم قد يجعل هذا المبدأ الأخلاقي يخضع لإستثناءات تدعو الدول الأعضاء في نظام المحكمة رصد أموال بالصندوق كفيلة بتغطية التعويضات المحكوم بها لفائدة الضحايا أو أسرهم .
وهذا في حد ذاته مبدأ أخلاقي يرتقي لقيم التضامن والتعاطف .

المبدأ الثالث :
شـخصيــة الـمسؤوليـة الــجنائيــة :


من المبادئ الرئيسية في القانون الجنائي مبدأ شخصية المسؤولية الجنائية ذلك أنه بمجرد توفر ركن الإسناد حيال الجرائم المنسوبة للمتهم تكون المسؤولية الجزائية قائمة تجاهه كفرد وبقدر ما يتعدد الجناة في القضية تكون معايير مساءلتهم الجزائية فردية كل حسب مشاركته المباشرة أو غير المباشرة في إرتكاب الجريمة ( فاعل أصلي ، مشارك ، ساهم في الإعداد والتحضير للجريمة ساعد على وقوعها ، كان له علم مسبق بالجريمة ... ) .
ويتعين الملاحظة في هذا الباب بأن مساءلة الأشخاص جزائيا وبصفة فردية لا يرفع عن الدول كذات معنوية مسؤوليتها بموجب القانون الدولي على أن ذلك يدخل في إختصاص محكمة العدل الدولية .


المبدأ الرابع :


عدم الاعتداد بالصفة الرسمية للمتهمين :


إنطلاقا من مبدأ شخصية المساءلة الجنائية وبناءا على طبيعة الجرائم المختصة بها المحكمة والتي تتصل بالسلطة والنفوذ وملكية القرار وحيازة الترسانة العسكرية وغيرها من وسائل التعذيب
والتدمير فإن النظام الأساسي للمحكمة أقر عدم إعتبار الحصانة المتصلة بالصفة الرسمية للأشخاص موضوع التتبع والمقاضاة بتهم تدخل في إختصاص المحكمة وعدم الاعتداد بالصفة الرسمية للأشخاص وهذا من شأنه أن يكرس مبدأ عدم الإفلات من العقاب تحت أي بند من البنود بما في ذلك الحصانة وينص النظام الأساسي في المادة ( 27 ) على أن الصفة الرسمية للشخص على المستويين الوطني والدولي لا تحول دون ممارسة المحكمة لاختصاصها الجزائي حياله .

وما لم يثبت القادة ( السياسيين والعسكريين ) بالحجة القاطعة عدم علمهم بإرتكاب الجرائم الصادرة عن مرؤسيهم ، وما لم يثبتوا بالحجة القاطعة سابقية إتخاذهم تدابير وإجراءات إدارية وقضائية لمنع إرتكاب تلكم الجرائم فإنهم يدخلون تحت طائلة المساءلة الجزائية أمام المحكمة بصفتهم الشخصية .

وعليه فإن أحكام المادة ( 27 ) من النظام الأساسي للمحكمة وضعت حدا للتحصن المزدوج
( السلطة / الافلات من العقاب ) الذي ظل يتمتع به بعض الحكام في العالم .
هذا وتستوجب ممارسة المحكمة لإختصاصها إقامة آليات وإجراءات يتعين إستخدامها كيفما وردت بأحكام النظام الأساسي وبمدونة القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات .

الباب الثاني :

آليات ممارسة إختصاص المحكمة الجنائية الدولية :


إن دراسة آليات المحكمة الجنائية الدولية تقتضي إستعراض عدة أجهزة تواكب سير التحقيقات والمقاضاة ، ونظرا للبعدين الدولي والجنائي للمحكمة فإن وظائفها وإجراءتها معقدة لا محالة نتيجة تدخل وتداخل عدة أطرف وأجهزة طيلة مراحل التحقيقات والمقاضاة .
وقد حدد نظام المحكمة مجالات تدخل أو تداخل كل طرف أو جهاز خلال مباشرتها لوظيفتهـا القضائية ، ونعني الأجهزة الأتي بيانها :



(الوحدة الأولى ) (الوحدة الثانية )

- المدعي العام القضاة
- المسجل GREFFE ( ضبط المحكمة) - رئاسة المحكمــة
- الدائرة التمهيدية
- الدائرة الإبتدائية
- الإستئناف



(الوحدة الثالثة ) (الوحدة الرابعة )

- الدول الأطراف - المنظمات غير الحكومية
- الدولة غير الطرف - مصادر اخرى موثوق بها
- أجهزة منظمة الأمم المتحدة
- المنظمات الحكومية



(الوحدة الخامسة ) (الوحدةالسادسة)

- المتهمون - الدفاع ( عن المتهمين ) .
- الضحايا - الممثل القانوني ( للضحايا )
- الشهود

(الوحدة السابعة )

المترجمون
الخبــــــراء



نلاحظ إذن أنه ما لايقل عن سبعة وحدات تسجل حضورها في سير التحقيقات والمقاضاة لدى المحكمة الجنائية الدولية ، وتعهد المحكمة بالبت في الدعاوى المرفوعة إليها يجري بمقتضى أحكام النظام الأساسي من جهة وعملا بالقواعد الإجرائية وقواعد الإثبات من جهة اخرى .

ويتعين الإشارة في هذا الشأن بأن مدونة القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات وهي دليل إجرائي للمحكمة تم إعتماده من طرف جميعة الدول الأطراف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية
الدولية في دورتها الأولى المنعقدة في نيويورك خلال الفترة من 3 إلى 10 سبتمبر 2002 ويشمل الدليل الإجرائي للمحكمة ما لايقل عن ( 225 ) قاعدة إجراء وإثبات .

هذا وقد ورد الدليل الإجرائي مرفق بمذكرة تفسيرية تنص على ما يلي » تعد القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات وسيلة لتطبيق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وتابعة له في جميع الحالات ويتمثل الهدف منها في تدعيم أحكام النظام وقد أوليت العناية لدى بلورة القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات إلى تفادي إعادة صياغة أحكام النظام الأساسي وعدم القيام قدر المستطاع بتكرارها .. وتضمنت القواعد حسب الإقتضاء إشارات مباشرة إلى النظام الأساسي وذلك من اجل تأكيد العلاقة القائمة بين القواعد الإجرائية والنظام الأساسي على النحو المنصوص عليه في المادة 51 وخاصة الفقرتان 4 و 5 وينبغي في جميع الأحوال قراءة القواعد وقواعد الإثبات بالإقتران مع أحكام النظام ورهنا بها .
ولاتمس القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات للمحكمة الجنائية الدولية بالقواعد الإجرائية المعدة لأي محكمة وطنية ولا بأي نظام قانوني وطني لأغراض الإجراءات الوطنية « .

وعملا إذن بأحكام النظام الأساسي للمحكمة وبمقتضى دليل القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات نستعرض إشكالية الدور المكمل للمحكمة الجنائية الدولية (1 ) ثم آليات تدخل كل من المدعي العام والدائرة التمهيدية في أطوار التحقيق والمقاضاة :( 2 ) . هذا وتسجل الدول الأطراف حضورها في آليات ممارسة الإختصاص : ( 3) . فضلا عما يقره النظام الأساسي للمحكمة ودليل قواعدها الإجرائية من تكريس معايير المحاكمة العادلة : (4 ) .
على انه يإعتبار تاريخية الحدث المتصل بتسلم أول مدعي عام بالمحكمة لمهامه بصفة رسمية بعد إنتخابه من الدول الأطراف وقد تم ذلك بتاريخ 16 جوان 2003 بلا هاي أين ادي المدعي العام التعهد الأتي بيانه " أتعهد رسميا بأن أؤدي مهامي وأمارس سلطاتي بوصفي المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية بشرف وإخلاص ونزاهة وأمانة وبأن أحترم سرية التحقيقات والمحاكمة ( تعهد منصوص عليه بدليل القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات القاعدة عدد 6 ) .

هذا ويحتفظ بالتعهد الموقع والذي يكون شاهدا عليه رئيس المحكمة أو رئيس مكتب جمعية الدول الأطراف في قلم المحكمة وفي سجلاتها .
يتعين أن نقدم نبذة من السيرة الذاتية لأول مدعي عام لدى المحكمة الجنائية الدولية وهو السيد لوي مورينو أوكامبو LUIS MARENO OCAMPO أرجنتيني الجنسية تم إنتخابه في شهر أفريل 2003 من جمعية الدول الأطراف بنظام المحكمة ( اختياره تم بوفاق الدول الأطراف بإعتباره المرشح الوحيد لهذا المنصب ) .
والسيد لوي مورينو أو كامبو أشتهر في مجال مكافحة الجرائم الأكثر خطورة بالأرجنتين ذلك أنه أثار تتبعات ضد تسعة قادة عسكريين بالأرجنيتن في الثمانينات بتهم ممارسة التعذيب والقتل ذهب ضحيتها آلاف المواطنين بالأرجنتين ( في فترة الحرب القذرة ) وقد باشر مهمة النيابة في هذه القضية طيلة ستة أشهر كاملة تلقى خلالها شهادات 835 شخص بشأن تلكم الجرائم الخطيرة معتمدا على إفادات لجان مستقلة ضرورة أن أجهزة الأمن بالأرجنتين كانت آنذاك خاضعة كليا للسلطة العسكرية .
وعليه فإن أول مدعي عام للمحكمة يملك خبرات هامة في مجال التحقيقات الجنائية المتصلة بالجرائم الخطيرة .
يبقى أن ننتظر أداءه بجهاز المحكمة الجنائية الدولية حيث سيواجه مهام جسيمة ومعقدة جدا .


-1- إشكالية الدور المكمل للمحكمة الجنائية الدولية :


أكدت ديباجة النظام الأساسي للمحكمة على " أن هدف المحكمة أن تكون مكملة للنظم القضائية الوطنية في الحالات التي قد لا تكون إجراءات المحاكمة على الصعيد الوطني متاحة أو تكون عديمة الفعالية " .
كما تضمن النظام الأساسي للمحكمة عدد من الفصول التي تكرس هذا الإجراء التكميلي للمحكمة في الحقيقة كان هذا الإشكال موضوع جدل كبير بين واضعي النظام الأساسي خلال المداولات وأعمال اللجان على أن أغلبية الدول تبنت مبدأ الإجراء المكمل للمحكمة بالنسبة للمحاكم الوطنية .
وكان طبيعيا أن تثير هذا المسألة جدلا كبيرا في صفوف واضعي النظام الأساسي للمحكمة ضرورة أن الدول تتمسك في كل الحالات بمبدأ السيادة والذي يشمل إجراءات بسط ولايتها القضائية الوطنية في مقاضاة الجناة وفي الواقع فإن تمسك الدول بمبدأ السيادة يعد دفع سياسي بالأساس على أن مبادئ مدرجة بالقانون الدولي ( الإتفاقيات والمعاهدات ) التي تشدد على إختصاص المحاكم الوطنية بالتعهد بالجرائم التي تشكل خرقا لقوانين النزاعات المسلحة أو الجرائم
ضد الأنسانية أو جرائم الإبادة وغيرها على أن تفوق الموقف المتصل بالصبغة المكملة للمحكمة الجنائية الدولية حيال المحاكم الوطنية من شأنه إثارة التساؤلات الأتية :

- لماذا تعاملت الدول خلال مناقشة مشروع النظام الأساسي للمحكمة بمنطق التصادم بين النظام القضائي الدولي والنظام القضائي الوطني ؟ .

- هل يشفع للدولة تمسكها بمبدأ السيادة لتبرر أفضلية القضاء الوطني على القضاء الدولي إلى حد التفاعل مع هذا الأخير على خلفية قضاء أجنبي وليس قضاء دولي .

على كل لقد فرضت الدول الواضعة للنظام الأساسي موقفها المتصل بالدور المكمل للمحكمة الجنائية الدولية بالنسبة للقضاء الوطني إلا أنه بالرجوع إلى مبدأ السيادة ذاته العزيز جدا على الدول نلاحظ بأن الانضمام إلى أي معاهدة دولية أو جهاز أو إقتصادي أو حتى قضائي يشكل في حد ذاته ممارسة سيادية بالأساس ضرورة أنه تلقائيا وليس قصريا ! .

إن إستخدام آليات التوقيع والمصادقة يترجم السيادة بعينها على أن تلكم الأليات تفرز بالضرورة إلتزامات دولية تقتضيها أحكام القانون الدولي ولئن أدرج القانون الدولي آلية التحفظات في الإتفاقيان الدولية لتيسير إنضمام أكثر عدد ممكن من الدول لتلكم الإتفاقيات والمعاهدات والأجهزة الدولية ، إلا أن التحفظ لا يمكن أن يترتب عنه إفراغ الإتفاقية الدولية من مض مضمونها الجوهري وأهدافها الأساسية حتى لا تعدم وهي في طور الولادة بدعوى التمسك بمبدأ السيادة وما يترتب عنه من أحقية إستخدام آلية التحفظات لا جدال في إستمرار التصادم بين مبدأي السيادة والإلتزام في العلاقات الدولية والذي ألقى بضلاله وضع الصيغة النهائية للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية .
على أنه بالرجوع إلى قانون المحكمة نلاحظ بأنه خلص إلى فرض شروط إجرائية بشأن قبول مبدأ إختضاص المحاكم الوطنية بدرجة أولى بالمقاضاة في الجرائم التي تدخل في إختصاص المحكمة الجنائية الدولية وفي حالة إنعدام هذه الشروط أو الإخلال بها تحت أي ظرف من الظروف فإنه على المحكمة الجنائية الدولية بسط ولايتها القضائية في هذا الباب .
وهذه الشروط تتمثل في الإجراءات التالية :

-1 - إجراء التحقيق أو المقاضاة بشأن ذات الدعوى من طرف دولة لها الولاية القضائية على
تلك الدعوى .
-2 - سابقية إجراء التحقيق في الدعوى من طرف دولة لها ولاية عليها وقرر جهازها القضائي محاكمة المتهمين أو براءتهم ( تكريس المبدأ القانوني المتصل بعدم محاكمة شخص مرتين بشأن ذات الجريمة ) .
-3 - إذا لم تكن الدعوى على درجة من الخطورة بها يجعلها تدخل تحت طائلة الجرائم التي تختص بها المحكمة الجنائية الدولية .

على أن هذه الشروط التي تمنح للقضاء الوطني الولاية القضائية الأصلية لا تمنع المحكمة الجنائية الدولية من ممارسة دور المراقب لسلامة الإجراءات القضائية الوطنية بما يكفل ملاحقة الجناة وإقامة العدالة وعليه فإذا ثبت بأن التحقيقات أجريت على المستوى الوطني بعرض حماية المتهمين من المساءلة الجزائية بشأن جرائم تدخل في إختصاص المحكمة الجنائية الدولية أو حدث يدل على عدم الرغبة في محاكمة المتهم ويهدف بالتالي إلى تيسير إفلاته من العقاب فإن المحكمة لجنائية الدولية تستخدم إختصاصها في التعهد بالدعوى .
ليبقى أن نلاحظ بأن عدم الرغبة مطلقا في ملاحقة مرتكبي الجرائم الخطيرة أو إنهيار النظام القضائي الوطني للدولة ، يفضي إلى بسط الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية .

-2- الدور الرئيسي للمدعي العام والدائرة التمهيدية :


تحدد أحكام النظام الأساسي الأطراف المخولة بممارسة الاختصاص أو بالأحرى بإثارة الدعوى لدى المحكمة وهي كالأتي :


-1 إحالة من دولة طرف حالة إلى المدعي العام تبدو فيها إرتكاب جريمة أو جرائم تدخل في إختصاص المحكمة المادة ( 14 ) .

2 -إحالة من طرف مجلس الأمن الدولي مستخدما أحكام الفصل السابع من
ميثاق منظمة الأمم المتحدة وتكون الإحالة كذلك إلى المدعي العام .

3 -مباشرة المدعي العام التحقيق من تلقاء نفسه على أساس معلومات واردة
بشأن حصول جرائم تدخل في إختصاص المحكمة وشروع المدعي العــام في
إجراء التحقيق يكون رهين إذن صادر عن الدائرة التمهيدية للمحكمـة يجيز
إجراء التحقيق ( المادة الخامسة عشر 15 )

إن التقييد الوارد بأحكام المادة ( 11 ) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بشأن الاختصاص الزمني يثير لا محالة إشكالا إجرائيا يخول لمرتكبي الجرائم الأشد خطورة والواقعة قبل دخول نظام المحكمة حيز النفاذ يخول لهم الإفلات من العقاب مالم يبدي مجلس الأمن الدولي رغبة في إثارة ملاحقتهم بآلية المحاكم الدولية الخاصة على أن الحل القانوني لهذا الأشكال الإجرائي قد يكمن في تقديرنا في الإحتكام لمعايير الجريمة المستمرة التي يمكن للمحكمة إستخدامها لبسط ولايتها القضائية على جرائم لا تزال ترتكب كالجرائم الصادرة عن الإحتلال الإسرائيلي بفلسطين وبلبنان والجرائم الصادرة عن المحتل الأمريكي بالعراق.
وبالرجوع إلى الأطراف المخولة بإستخدام الأليات طبق ما ورد بالنظام الأساسي للمحكمة نلاحظ دورا هاما للمدعي العام ولهئية الدائرة التمهيدية وكذلك الدول الأطراف .
فالمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية يعد الجهة الرئيسية في تفعيل إثارة الدعوى بناءا على إحدى وسائل الإحالة المشار إليها أعلاه .
فحال إشعاره بحصول جرائم مما يدخل في إختصاص المحكمة يباشر المدعي العام فتح التحقيقات بشأن تلكم الجرائم والمصادر التي يعتمدها المدعي العام تكون :


-1- الدول –2- أجهزة الأمم المتحدة –3- المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية أو
أي مصـادر مـوثـوق بهـا

نلاحظ إذن بأن إثارة الدعوى من لدن المدعي العام تكون  بطلب ( فهو مفوض ).
 أصالة (من تلقاء نفسه ) .


هذا ويجوز للمدعي العام تلقي الشهادات التحريرية أو الشفوية بمقر المحكمة ، في نطاق مباشرته لأعمال التحقيق على أن مباشرة التحقيق الفعلي بشأن الجرائم موضوع الدعوى يقتضي تدخل جهاز الدائرة التمهيدية للمحكمة وذلك حيال قبول إجراء التحقيق أو رفضه ، ونلاحظ في هذا الباب أهمية الصلاحيات المخولة للدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية ضرورة أنها تشكل هيئة تحقيق تواكب بإستمرار إجراءات المدعي العام ، وقد قضت المادة ( 57 ) من النظام الأساسي للمحكمة بأن تتخذ الدائرة التمهيدية الأوامر والقرارات المتصلة بالقضية حال مباشرة المدعي العام لمهام الملاحقة القضائية ذلك أن الدائرة التمهيدية تصدر في أي وقت بعد الشروع في التحقيق وبناءا على طلب المدعي العام أمرا بالقبض على المتهم إذا إقتنعت بعد فحص الطلب والأدلة وسائر المعلومات الأخرى المقدمة من المدعي العام بوجود :

- أسباب كافية من شأنها تجريم الشخص المعتقل بجريمة تدخل في إختصاص المحكمة .
- أن القبض على الشخص يبدو ضروريا .
- لضمان حضوره أمام المحكمة .
- لضمان عدم قيامه بعرقلة التحقيق أو إجراءات المحاكمة .

هذا ويتعين في هذا الباب على المدعي العام مد الدائرة التمهيدية ببيانات دقيقة متصلة بإسم الشخص المتهم وأي معلومات اخرى خاصة بهويته مع إشارة إلى الجرائم التي تدخل في إختصاص
المحكمة كالإدلاء بمذكرة بشأن الوقائع المتصلة بارتكابه لتلك الجرائم وتكون هذه الأخيرة موثقة بالأدلة وأي معلومات اخرى تثبت إرتكاب تلك الجرائم .
على أن تعهد المدعي العام والدائرة التمهيدية بالتحقيقات قد يتم إرجاءه بناءا على مذكــرة من مجلس الأمن الدولي توجه للمحكمة بهذا المعنى ويكون ذلك بموجب قرار صادر عن المجلس وفق الفصل السابع من منظمة الأمم المتحدة ويكون ذلك واردا في حالة تعهد المحكمة بالدعوى بموجب إحالة من مجلس الأمن .




آليات مقيدة بإذن أو إرجاء  بقبول الدائرة التمهيدية .
 بإمكانية طلب إرجاء صادر عن مجلس الأمن الدولي .


وللدائرة التمهيدية أن ترفض للمدعي العام طلب إجراء تحقيق بشأن وقائع وإنتهاكات يرى هذا الأخير أنها قد تدخل في إختصاص المحكمة على أن رفض الدائرة التمهيدية الإذن للمدعي العام بإثارة التحقيق لا يحول دون تقديم المدعي العام لطلب ثاني في ظل توافر معلومات وأدلة جديدة بشأن نفس الحالة وفي القابل يتعين الإشارة بأن البدء في إجراء التحقيقات من طرف المدعي العام لا يحسم المسألة الإجرائية نهائيا ذلك أنه للمحكمة خلال تعهدها بالملف أن تبت في مسألة الاختصاص ومقبولية الدعوى الفقرة الرابعة من المادة ( 15) من النظام الأساسي.
هذا وتقتضي القاعدة عدد ( 45 ) من دليل الإجراءات الخاص بالمحكمة أن تكون إحالة المدعي العام للملف كتابية كما تنص القاعدة عدد (10) على مسؤولية المدعي العام حيال الاحتفاظ بالمعلومات والأدلة والحفاظ على سريتها وكذلك سرية الشهـادات التي يتلقاها :
القاعدة عدد( 46 ) .


وعليه يترتب عن ذلك المبدأ الأتي : للمحكمة الكلمة الفصل في مسألة
الاختصاص ومقبولية الدعوى
( من تلقاء نفسها أو بطلب )
-3- آليات المقاضاة المخولة للدول الأطراف :


وتقتضي أحكام المادة ( 17 ) من النظام الأساسي بأن تقرر المحكمة عدم مقبولية الدعوى في الحالات التالية :


1- إجراء تحقيق أو مقاضاة بشأن ذات الدعوى من طرف دولة لها ولاية عليها ( مالم تكن الدولة حقا غير راغبة في الاضطلاع بذلك أو غير قادرة على ذلك ) .

2 - إذا تم إجراء تحقيق في الغرض وقررت الدولة عدم المقاضاة ( ما لم يكن القرار ناتجا عن عدم رغبة أو قدرة حقا في المقاضاة ) .

فبناءا على كون المقاضاة من طرف الجهاز القضائي الدولي تعد مكملة للإجراءات الوطنية فإن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أقر صلاحية تعهد الدولة بالملاحقة والمقاضاة في نطاق ولايتها القضائية ضد الأشخاص الضالعين في إرتكاب جرائم تدخل في إختصاص المحكمة الجنائية الدولية .
ذلك أنه على المدعي العام واجب إشعار الدول بإعتزامه فتح تحقيق طالما أن الدول الأطراف تشكل وحدة رئيسية في جهاز المحكمة طبق نظامها الأساسي فإن تدخلها في آليات الملاحقة وارد ضرورة أن المدعي الـعام للمحكمـة وفي نـطاق تـعهده بالتـحقيق يهدف من خلال إشعاره
للدول إلـــى :

• حمايـة الأشخــاص
• حماية الأدلة من التـلف
• لعدم فرار المتهم أو المتهمين

وحال إشعارها من طرف المدعي العام بفتح تحقيق يمكن للدولة التي يكون المشتبه فيهم من رعاياها أن تعلن فتح تحقيق ضدهم مع إعلام المدعي العام بذلك ويمنحها هذا الأخير حق البت بشرط موافقة الدائرة التمهيدية .
ويحق للدولة المعنية أن تتمسك بهذا الأجراء استنادا إلى مقتضيات النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والتي تقر بالطبيعة المكملة للجهاز القضائي الدولي ضرورة أن المبدأ هو تعهد القضاء الوطني للدولة بملاحقة الضالعين في الجرائم الخطيرة من بين مواطنيها .
إن هذا الأجراء المخول للدولة الطرف قد يثير جدلا بشأن مخاطر تهميش وظيفة المحكمة الدولـية الجنائية إختصاصا وآليات نتيجة تعهد الدولة بالملاحقة ولكن النظام الأساسي للمحكمة إستوعب هذه المخاطر فأقر أحكاما تخول للمدعي العام ممارسة حق المراقبة حيال هذه الدولة بشأن جديـة التتبعات المثارة من طرف أجهزتها الوطنية ، وذلك بمطالبتها بتقديم إفادات منتظمة بشأن التحقيقات الجارية .
كما أن تعليق التحقيق من طرف المدعي العام لا يمنعه من الاستئذان من المحكمة قصد :


1 -إتخاذ إجراءات للمحافظة على أدلة هامة قد يستهدفها الإتلاف أو يفترض ألا تتوفر .
2 -تسجيل تصريحات أو شهادة من شاهد أو إتمام عملية جمع وفحص الأدلة التي كان قد باشرها قبل إثارة الطعن بعدم الاختصاص من أحد الأطراف .

3 - ضمان عدم فرار الأشخاص موضوع طلب بإلقاء القبض عليم من طرف المدعي العام عملا بأحكام المادة ( 58 ) من النظام الأساسي ( أمر الإيقاف يكون صادر عن الدائرة التمهيدية ) .

وعليه ولئن خول النظام الأساسي للمحكمة لجنائية الدولية للدول حق التعهد أصالة بالتحقيقات والملاحقة القضائية بواسطة أجهزتها الوطنية إلا أنها تخضع لواجبات حيال الجهاز القضائي الدولي حيث يتعين عليها حماية الضحايا والمحافظة على المعلومات والاستخبارات التي تكون بحوزتها والاستجابة لطلبات إيقاف المتهمين وتسليمهم للمحكمة الدولية في صورة التعهد الرسمي للقضاء الدولي المادة ( 91 ) .
وفي حالة تلدد الدولة في التعاون مع المحكمة وتقاعسها عن تقديم الخدمة المطلوبة يتم إشعار الدول الأطراف في نظام المحكمة أو مجلس الأمن الدولي المادة ( 87 ) .
وفي الحقيقة فإن الإشكالية الأكبر تكمن في فرضية تمسك الدولة بمبدأ حماية أمنها الوطني ضرورة أن واجب المد بالمعلومات قد يترتب عنه كشف أسرار تمس من مصالحها الوطنية إلا أن واضعو النظام الأساسي أقرو بمقتضى المادة ( 72 ) بأن يتم السعي إلى حل هذه الإشكالية بمبدأ التعاون بين مختلف الأجهزة : المدعي العام ومحامو الدفاع والدائرة التمهيدية أو المحكمة من جهة والدولة المعنية من جهة اخرى ، ويتم ذلك بتعديل الطلب الصادر عن المحكمة للدولة أو توضيح ذلك
الطلب ، كما يتم بواسطة قرار صادر عن المحكمة بشأن مدى صلة تلك المعلومات أو الأدلة بمجريات القضية وما إذا كان يمكن فعلا الحصول عليها من مصادر اخرى بالإضافة إلى إمكانية
تقديم المعلومات المتصلة بالأمن الوطني للدولة في صيغة موجزة عند الاقتضاء في جلسات مغلقة .
على أن الإشكالية تتعمق أكثر في صورة تمسك الدولة المعنية بمبدأ سرية المعلومات لاتصال هذه المعلومات بعلاقة مع دولة اخرى غير طرف بنظام المحكمة ، في هذه الحالة يجوز للدولة المعنية حجب الوثيقة أو المعلومات لوجود التزام سابق من جانبها إزاء الدولة الأخرى بالحفـاظ عـلى
السرية ، وفي كل الحالات فإن الممارسة الفعلية لأليات المحكمة حال تعهدها بالدعاوى التي تدخل في اختصاصها ستفضي إلى حسم قضاة المحكمة بدرجاتها المختلفة في هذه الأشكالات الإجرائية المعقدة .
ولعل هيئات الدفاع عن الضحايا ستلعب دورا هاما في هذا الباب من أجل تكريس مبادئ العدالة والأنصاف في مواجهة كل المناورات المفترضة والتي من شأنها إعاقة تحقيق تلكم المبادئ على أن مبدأ إجراء محاكمة عادلة للمتهمين يعد هو الأخر مبدأ أساسيا يتعين إحترامه دون أي قيد أو شرط ، وفي هذا الباب أقر النظام الأساسي للمحكمة حماية الحق في الدفاع .


-4–حماية معايير المحاكمة العادلة :


تنص اللوائح التي تحكم سير عمل المحكمة على تمكين محامي الدفاع من الحصول على المساعدة الإدارية المناسبة والمعقولة من قلم المحكمة القاعدة عدد ( 14 ) .
وذلك خدمة لحقوق الدفاع و تماشيا مع معايير المحاكمة العادلة حسب التعريف الوارد في النظام الأساسي للمحكمة .
ويقتضي النظام الأساسي تقديم المساعدة والمعلومات لجميع محامي الدفاع الذين يباشرون واجبهم المهني أمام المحكمة كما تقتضي ذات الأحكام مساعدة الخبراء ليكون الدفاع فعالا ومن المعايير الأساسية للمحاكمة العادلة هو مساعدة الأشخاص الذين ألقي عليهم القبض في الحصول على المساعدة القانونية وخدمات الدفاع ، كما يتعين إبلاغ المدعي العام ودوائر المحكمة عند الاقتضاء بالمساءل والأشكالات المتعلقة بالدفاع .
هذا ويضمن قانون المحكمة للدفاع بفرعيه ( دفاع الضحايا ودفاع المتهمين ) الاطلاع على سائر الأدلة مع إمكانية استجواب الشهود الواقع سماعهم مباشرة أو بواسطة تكنولوجيا الاتصال السمعي أو المرئي ، وفي حالة سابقية تسجيل الشهادة يتعين أن تتاح الفرصة للدفاع للأطـلاع
عليها ، كما يجب على المدعي العام أن يقدم للدفاع أسماء الشهود الذين ينوي إستجوابهم كما يجب عليه تقديم نسخ من البيانات التي أدلوا بها سابقا ويتم ذلك قبل بدء المحاكمة بمدة معقولة لتمكين المحامين من إعداد وسائل الدفاع ، وعليه أن يمكن الدفاع من فحص كل الأدلة التي تكون بحوزته ( الكتائب – المستندات – الصور –وأي أشياء مادية اخرى ) القاعدة عدد ( 77 )
وفي المقابل يتيعن على الدفاع تمكين المدعي العام من فحص أي كتائب أو سندات أو صور تكون في حوزة الدفاع ويعتزم هذا الأخير إستخدامها كأدلة في جلسة إقرار التهم أو عند المحاكمة .

وتكفل ضمانات الدفاع الكشف عن سائر الأدلة بما فيها ما تم حجبه لسرية المعلومات وذلك قبل انعقاد جلسة إقرار التهم من طرف الدائرة التمهيدية للمحكمة، وللمتهم الذي تم إلقاء القبض عليه كل الضمانات بشأن إطلاعه على كل إجراءات الإيقاف ويكفل النظام الأساسي للمتهم تلقي نسخة من أمر القبض عليه الصادر عن الدائرة التمهيدية طبق أحكام المادة ( 58 ) وتتاح الوثائق بلغة يتكلمها المتهم جيدا بالإضافة إلى حقه في استخدام إجراءات الطعن في سلامة أمر الإيقاف وتبت الدائرة التمهيدية في ذلك الطعن دون تأخير وذلك بعد تلقي رأي المدعي العام وعملا بأحكام المادة ( 67 ) من النظام الأساسي يتعين سماع المتهم بجلسة عمومية وإعلامه بكل الأدلة القائمة ضده وتمتعه بمهلة زمنية معقولة لأعداد دفاعه وتمكينه من الإدلاء بأدلة إضافية متصلة ببراءته مع تمتعه مجانا بخدمة الترجمة خلال سائر إجراءات المحاكمة .
هذا وتقتضي أحكام النظام الأساسي للمحكمة حماية الضحايا والشهود مما قد يتعرضون له من مخاطر بسبب الإدلاء بتصريحاتهم أمام أجهزة المحكمة .

ويتعين الإشارة في هذا الباب إلى إنشاء وحدة لحماية هؤلاء ضمن قلم المحكمة وتوفر هذه الوحدة بالتشاور مع مكتب المدعي العام تدابير الحماية والترتيبات الأمنية والمساعدة الملائمة وتضم الوحدة موظفين من ذوي الاختصاص في مجال الصدمات النفسية كما تحمي هذه الوحدة المجني عليهم كذلك .
أما على مستوى سير المحاكمة فنلاحظ بأن الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية وهي ( هيئة تحقيقية ) تعقد جلسة لإعتماد التهم ضد المشتبه بهم وتكفل هذه الجلسة إحترام كل معايير المحاكمة العادلة ضرورة أنها تنعقد خلال أجال معقولة بعد تقديم المتهم إلى المحكمة أو حضوره من تلقاء نفسه أمام جلسة إعتماد التهم مع الملاحظة في هذا الباب بأن الدائرة التمهيدية يمكنها عقد الجلسة في غياب المشبوه فيه وذلك في حالة :

-1 – تنازله في حقه عن الحضور .
-2 – في حالة فرار المتهم أو عدم العثور عليه مع التأكد طبعا من إتخاذ كل الإجراءات القانونية لضمان حضوره أمام المحكمة ولإبلاغه بالتهم المنسوبة إليه كإبلاغه بموعد الجلسة .
كما تدقق الدائرة التمهدية في جلسة إعتماد التهم في سائر أدلة الإثبات بشان الجريمة المرتكبة والمنسوبة للمشبوه فيه تدقيقا يكفل إحترام معاير المحاكمة العادلة .

وعليه وفي حال ثبوت التهم تقرر الدائرة التمهيدية إقرار التهم المنسوبة للمشبوه فيه بجلسة إقرار التهم يحال بمقتضاها الشخص أو الأشخاص الواقع تتبعهم على المحاكمة أمام المحكمة .
على مستوى المحاكمة تنعقد المحاكمات مبدئيا بمقر المحكمة ( بلاهاي ) وذلك وفق أحكام المادة 62 من النظام الأساسي للمحكمة التي تقتضي بأن المحاكمات تجري بمقر المحكمة مالم يتقرر غير ذلك .

ويتعين على المحكمة المتعهدة بالقضية تلاوة سائر التهم المعتمدة من طرف الدائرة التمهيدية على المتهم ويتعين عليها كذلك وفق النظام الأساسي تأمين علم المتهم بطبيعة التهم المنسوبة إليه ومنحه كامل الفرصة لإعترافه بإرتكاب الجريمة أو إنكاره لأي جرم منسوب إليه على أن إقرار المتهم بالتهم المنسوبة إليه لا يكفي لوحده للقضاء بإدانته من طرف المحكمة ضرورة أنه يتعين أن يكون الإعتراف بالتهمة معززة بوقائع الدعوى وبأدلة وقرائن قاطعة .
ولا تصدر المحكمة حكمها في الدعوى إلا بعد إستكمال سائر الإجراءات التي يقتضيها النظام الأساسي ودليل قواعد الإجراءات والإثبات وخاصة بالإستماع إلى طلبات الإدعاء العام وإستدعاء شهود الإثبات وشهود النفي ثم الإستماع إلى الدفاع ، ثم تختلي المحكمة في مداولات سرية لتصدر قرارها إما بالإجماع أو بأغلبية الأعضاء ويتعين أن يكون الحكم معللا تعليلا كاملا
ويتم التصريح به بجلسة علانية .
ولتأمين كامل معايير المحاكمة العادلة أقر النظام الأساسي للمحكمة مبدأ الطعن بإستناف القرارات الصادرة عن المحكمة الإبتدائية ( تكريس مبدأ التقاضي على درجتين .
هذا ونلاحظ بهذا الصدد بأن إمكانية الإستئناف مخولة للإدعاء العام وللمتهم على حد سواء .
وفي باب العقوبات سبق وأن أشرنا لاحقا بأن المحكمة مقيدة وفق أحكام النظام الأساسي بإصدار العقوبات التالية :
- 1 – السجن لمدة أقصاها ثلاثين سنة .
- 2 - السجن المؤبد .
- 3 – فرض الغرامات .
- 4 – مصادرة عائدات ممتلكات المتهمين والمتأتية بشكل مباشر أو غير مباشر من الجرائم المنسوبة للمتهم .

بعد إستعراض جانب من المساءل المتصلة بالقضاء الدولي في مجال حقوق الإنسان وخاصة نظام المحكمة الجنائية الدولية والتي لئن أخذت الحيز الأكبر في هذه المداخلة فلأنها تشكل تحولا نوعيا هاما في مجال مقاضاة مرتكبي أشد الجرائم خطورة ، ضرورة أن إنشاء المحاكم الدولية الخاصة يكون بحوزة مجلس الأمن الدولي والحال أن طبيعته وتركيبته لا تؤمن بشكل سليم إقامة العدالة الدولية .
وفي المقابل فإن إقامة المحكمة الجنائية الدولية الدائمة كانت وليدة إتفاقية دولية شهدت إنضمام ما لايقل عن مائة دولة وهذا من شأنه أن يلزم الدول الأطراف بالسعي لإقامة العدالة الدولية على على أن فاعلية هذا الجهاز القضائي الدولي يبقى رهين مصادقة كل دول العالم على نظامه الأساسي بعنوان التزام دولي بتكريس حقوق الإنسان والحريات الأساسية وحمايتها من كل أشكال الانتهاكات ، وإن هذه الخطوة لا تمس بمبدأ سيادة الدول وسيادة ولايتها القضائية الوطنية ضرورة أن الدفع بموقف سيادي حيال تعهد جهاز قضائي دولي بالبت في الجرائم الشديدة الخطورة يعد انتهاكا في حد ذاته لحقوق الإنسان .

جويلية 2006
نزيهـة بـوذيـب
المحامية بتونس





المـــــراجـــــع



1 / النصوص القانونية :

• النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية .
• ميثاق منظمة الأمم المتحدة .
• إتفاقيات جنيف الأربعة لسنة 1949 ونصوصها اللاحقة المؤرخة في 1977/06/08 .

2 / المنشورات القانونية :
• AGNES CALLAMARD .
• BARBARA BEDNONT .
• ARINE BRUNET .
• DYAN MAZURANA .
• MADLEINE REES .


• »التحقيق في خرق حقوق الإنسان خلال النزاعات المسلحة «
منظمة العفو الدولية ( سنة 2001 الثلاثية الثانية ) .

• الدكتور أحمد قاسم الحميدي » المحكمة الجنائية الدولية «
( الجزء الثاني ) منشورات مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان
( عدد 16 ) .

3 /ANDRE DULAIT
• تقرير خاص بالمحكمة الجنائية الدولية مقدم للجنة الشؤون
الخارجية بالبرلمان الفرنسي بجلسته العادية لسنة 1998/1999 .
موقع إلكتروني : W .W SENAT تقرير عدد 313 ( لسنـــــة
98/99 ) .



المحكمة الجنائية الدولية

تدريب تطبيقي على قواعد وآليات
المحكمة الجنائية الدولية

( حالة إفتراضية عدد 1)


قامت القوات العسكرية ( البرية والبحرية والجوية ) التابعة للدولة ( أ ) بهجوم واسع النطاق على أراضي الدولة ( ب ) وذلك إثر نزاع قائم بينهما لا يزال موضوع نظر من الهيئات المتخصصة لدى منظمة الأمم المتحدة .
وأقد أسفرت هذه العمليات عن سقوط آلاف الضحايا من مواطنين الدولة ( ب ) وتدمير المنشآت السكنية والإدارية والإقتصادية والثقافية بستة ( 6 ) مدن ذلك بتعهد القوات العسكرية للدولة ( أ ) توجيه هجمات بالقصف الجوي بواسطة صواريخ " كروز " و توماهوك " والأباتشي وب 52 و " ف 16 " بتعمدها توجيه هجمات ضد مواقع مدنية مع العلم المسبق أن ذلك سيسفر عن خسائر في الأرواح وعن إصاباب فضلا عن إحداث تدمير واسع للمنشآت بمختلف أنواعها السكنية ، الإستشفائية ، التعليمية ، الدينية والتاريخية .
-بتعمدها نهب المنشآت والمتاحف .
-بتعمدها إعتقال الآلاف من مواطني الدولة ( ب ) وإخضاعهم للتعذيب .
وردا على المطالب الدولية بملاحقة قادة الدولة ( أ ) والمعادية أمام المحكمة الجنائية الدولية من أجل إرتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مرتكبة على أراضي الدولة ( ب ) تمسكت الدولة ( أ ) بكونها ليست دولة طرف بالنظام الأساسي للمحكمة ولا تخضع بالتالي لولايتها القضائية .
يرجى من المجموعة الجواب على السؤال التالي :

- 1 - الدولة ( أ ) المعادية ليست عضو بالنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بأي آليات يمكن ملاحقة قادتها قضائيا ؟

ملاحظة : مدة التمرين خمسة عشرة ( 15 ) دقيقة .


المحكمة الجنائية الدولية

تدريب تطبيقي على قواعد وآليات
المحكمة الجنائية الدولية

( حالة إفتراضية عدد 2)



قامت القوات العسكرية للدولة ( أ ) وهي دولة طرف في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بإقتحام إقليم مواقع من تراب الدولة ( ب) وذلك بواسطة قصف بالدبابات والطائرات وأكدت التقارير الموثقة أن القوات العسكرية للدولة ( أ ) قامت بالتوغل في آراضي الدولة ( ب ) بالأليات العسكرية الثقيلة وسط قصف جوي بالطائرات .
كما إقتحمت ذات القوات العسكرية المباني السكنية ووضعت مواد متفجرة في بعضها مما أدى إلى تدميرها بالكامل و عمدت إلى إعتقال عدد كبير من السكان .
وبالتوازي مع ذلك قامت وحدات عسكرية اخرى بتجريف الأراضي الزراعية التابعة للدولة ( ب ) .
وقد أسفرت تلكم العمليات عن سقوط عدد كبير من الضحايا بين قتلى وجرحى .
هذا وتعهدت المحكمة الجنائية الدولية بالدعوى بناءا على طلب دولة طرف بنظام المحكمة فطلبت المحكمة من الدولة المعادية والطرف بنظام المحكمة وتسليمها المشتبه بهم من القادة العسكريين
والمتورطين في الجرائم المشار إليها أعلاه إلا أن الدولة المعادية تمسكت بحقها في بسط ولايتها القضائية الوطنية وتعهد أجهزتها الوطنية بالدعوى دون أجهزة المحكمة الجنائية الدولية مستخدمة في دفعها المبدأ المكمل لولاية المحكمة الجنائية الدولية وإدعت الدولة المعادية بأنها فعلا باشرت التحقيقات بواسطة أجهزتها الوطنية منذ ما يزيد عن السنة وتعهدت بإشعار المحكمة بنتائج التحقيقات والمقاضاة لاحقا .

يرجى من المجموعة الجواب على الأسئلة التالية :

-1 – هل يعد دفع الدولة بمبدأ الدور المكمل للمحكمة الجنائية الدولية وجيها من الناحية القانونية وفق النظام الأساسي للمحكمة ؟ .


-2 – ماهو مجال تدخل المحكمة الجنائية الدولية إزاء هذه الحالة وفق نظامها الأساسي لضمان عدم إفلات الجناة من العقاب ؟ .


ملاحظة : مدة إنجاز التمرين خمسة عشرة ( 15 ) دقيقة .








المحكمة الجنائية الدولية

تدريب تطبيقي على قواعد وآليات
المحكمة الجنائية الدولية

( حالة إفتراضية عدد 3)



طلبت المحكمة الجنائية الدولية من دولة طرف بنظامها المحكمة إلقاء القبض على ثلاثة أشخاص من مواطينيها متهمين بإرتكاب جرائم ضد الإنسانية وتسليمهم للمحكمة إلا أن هذه الدولة الطرف إعتذرت عن الإستجابة لطلبات المحكمة بدعوى أن قوانينها الوطنية لا تخول لها إجراءات تسليم مواطنيها إلى محكمة بالخارج .


يرجى من المجموعة الجواب على الأسئلة التالية :

-1 – هل أن إمتناع الدولة عن الإستجابة لطلب المحكمة سليما من الناحية القانونية ؟ .
-2 – ما هي الآليات المخولة للمحكمة الجنائية الدولية لحمل تلك الدولة على الإستجابة لطلباتها ؟ .



ملاحظة : مدة إنجاز التمرين خمسة عشرة ( 15 ) دقيقة




المحكمة الجنائية الدولية

تدريب تطبيقي على قواعد وآليات
المحكمة الجنائية الدولية

( حالة إفتراضية عدد 4)



تعهدت المحكمة الجنائية الدولية بالدعوى بموجب إحالة من مجلس الأمن الدولي فطلبت المحكمة في نطاق إجراءات التحقيق المثارة من دولة غير طرف تعاونها مع أجهزة المحكمة وتسليم مشتبه بهم يقيمون على أراضيها إلا أن هذه الدولة أشعرت المحكمة بعدم إستعدادها للتعاون مبررة ذلك بكونها دولة غير طرف بنظام المحكمة وبالتالي غير ملزمة بالاستجابة لطلباتها .



يرجى من المجموعة الجواب على الأسئلة التالية :


-1 - هل كانت طلبات المحكمة الجنائية الدولية تجاه هذه الدولة غير الطرف وجيهة وسليمة قانونا ؟ .


-2 - كيف سيتسنى للمحكمة الجنائية الدولية أن تتجاوز هذا الإشكال لتفعيل إجراءات التحقيق والمقاضاة بشأن الدعوى المتعهدة بها ؟ .


ملاحظة : مدة إنجاز التمرين خمسة عشرة ( 15 ) دقيقة .

22 يوليو 2011

الجزء الأول من بحث الزواج العرفي قانوناً

بحــــث
في
الزواج العرفي قانوناً

الجزء الأول
الحمد لله رب العالمين .. به سبحانه تعالى على ما أراده منا نستعين ... جعل الرجل و المرأة في زواج مقترنين ... و جعل بينهما مودةً ورحمةً آمنين.. فكان ذلك آيةً في خلقه و في كتابه المبين .. حيث يقول لخلقه أجمعين : " وَ مِنْ آيَاتِه أنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أَزْوَاجَاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَة إنَّ فِي ذَلِك لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ " آية رقم 21 سورة الروم . و الصلاة الكاملة و السلام التام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين .. نصح الأمة و بلغ الأمانة حتى أتاه اليقين .. و كان من نصائحه و أوامره أن تزوجوا معشر الشباب و اظفروا بذات الدين .. و كان هو الأسوة الحسنة و المثل الحي في معاشرته لزوجاته أمهات المؤمنين .. فكان الزواج بذلك نعمة و أماناً لمن عرفه و قدره حق قدره من المتزوجين .. و لم يكن يوماً مجرد كلمات هيام و حب و أقسم على ذلك باليمين .... لكنه اليوم صار محلاً للشكوى و الأنين .. من الكثيرين متزوجين وغير متزوجين .. و أنا على ذلكم من الشاهدين................ أما بعد....

فوسط بحر لجي من ظلمات السلوكيات و الأخلاقيات في مجتمعنا , و ضعف الإيمان في قلوب الناس و ذبول الضمير.. و انتشار الفساد.. كان لزاماً أن ينتج عن ذلك موجات من عواقب السوء.. جزاءً وفاقاً .. فكان أن طفى على السطح ما يسمى بالزواج العرفي .. حيث أُلْبِسَ الحقُ ثوبَ الباطل .. فالزواج العرفي في حقيقته الأصيلة زواج مستوفي لأركان و شروط الزواج الشرعي , غير أنه لم يسجل أو يوثق لدي الموظف المختص بإبرام عقود الزواج، فهو بذلك حق ، و لجأ إليه البعض بوصفه هذا لأسباب لا تخل بصحته ، و بحسن نية ، فكانت علاقاتهم شرعية صحيحة .. غير أن خراب الذمم .. و ضياع القيم .. أسفر عن نفوس مريضة و خبيثة اقتلعت من الزواج العرفي مضمونه الحق .. واتخذت من اسمه ستاراً لتبث من خلاله أغراضها الجنسية الأثيمة فقط.. و تحقيق مصالح خاصة غير مشروعة .. و بغير نية حقيقية في الزواج .. و كان أمراً مقضياً أن يلازم هذه الأغراض اخفاؤه عن الأعين و الآذان .. فوُجِد زواج بغيرشهود و بغير إعلان و لا علم به إلا لطرفيه فقط .. و وُجِد زواج آخر بشهود و لكن تم استكتامهم .. و هكذا........ فكانت آثار كل ذلك ضارة بأطرافه و بالمجتمع .. بل و بثمرة هذه العلاقات و هم الأولاد ... الأمر الذي لم يجد معه المشرع الوضعي مناصاً من التدخل التشريعي للتصدي للزواج العرفي – حلاله و حرامه – منعاً لمضاره و مفاسده .

و نظراً لخطورة موضوع الزواج العرفي على الأسرة و المجتمع ، و انتشاره في الآونة الأخيرة ، و تكاثر الندوات والمؤتمرات في محاولة لمناقشته وإيجاد حلول له ، لكل ذلك آثرت أن أتناول هذا الموضوع ، و قد كانت النية متجهة إلى إخراج البحث في صورة كتاب يطرح في الوسط القانوني خاصة و الثقافي عامة ، غير أن ظروفاً قد حالت دون ذلك ، و لكني مازلت على يقين أنه وقتاً ما سيكون له من النشر نصيب بمشيئة الله تعالى ، و قد قادني الفكر إلى بثه على شبكة الانترنت ، في عدة أجزاء تباعاً ، مقتصراً على المسائل القانونية لعدم اتساع المقام ، حيث ارتأيت عدم نشر الجزء الخاص بحكم الزواج العرفي و آثاره شرعاً ، اللهم إلا إذا إقتضى الحال بيان شئ من ذلك ، فأقدمت على ذلك ، مختلعاً من قوتي و حيلتي ... ملتجئاً إلى من لا حو ل و لا قوة إلا به .. راجياً منه سبحانه و تعالى الهداية و التوفيق .. و أن يلقى هذا البحث قبولاً حسناً.. فعليه توكلت و إليه أنبت .. و هو حسبي و نعم الوكيل .

خطة البحث :
هذا ، و قد أتممت خطة البحث الراهن - في إطاره المختصر - على نحو ما يلي :
تمهيد : أتناول فيه تعريف الزواج لغة و اصطلاحاً و تشريعياً ، و توثيقه ، و الواقع الذي ألجأ المشرع إلى التدخل التشريعي ، و كذا أسباب اللجوء للزواج العرفي.
مبحث أول : أتناول فيه تحديد مدلول الزواج العرفي وما يتشابه به .
مبحث ثان : حكم الزواج العرفي وآثاره قانوناً ، و في نهاية المبحث مسائل يثيرها الزواج العرفي .
ثم أنهيت البحث ببعض الاقتراحات و الحلول من وجهة نظري المتواضعة لمشكلة الزواج العرفي ، ثم خاتمة لهذا البحث .

و ها أنا ذا أشرع في افتتاح مهد البحث مستعيناً بالله ربي ، إنه نعم المولى و نعم النصير.
تمهيـــــــــــــد
1- تعريف الزواج : لغة وا صطلاحاً و تشريعياً :

التعريف في اللغة : للزواج في اللغة العربية معان عدة متقاربة ، فهو يأتي بمعنى الإقتران ، و الإزدواج ، و الإرتباط و الإختلاط ، فهو اقتران أحد الشيئين بالآخر و ارتباطهما بعد أن كان كل منهما منفصلاً عن الآخر ، يقول العرب : زوج الشئ بالشئ أي قرنه به ، و يقال تزوجه النوم أي خالطه ، و في القرآن الكريم يقول الله تعالى في سورة الصافات آية رقم 22 : " احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَمُوا وَ أَزْوَاجَهُمْ " ، أي و قرنائهم الذين كانوا يزينون لهم الظلم ، و منه قوله تعالى في سورة الدخان آية رقم 54 : " وَ زَوَّجْنَاهُمْ بِحُوْرٍ عِيْن " ، أي و قرناهم بحور عين ، و قد اشتهر معنى الزواج في اللغة باقتران الرجل بالمرأة . ( يراجع مشكوراً في تعريف عقد الزواج : أ د / محمد كمال الدين إمام – الزواج في الفقه الإسلامي – طبعة 1998 – ص24 ، المستشار/ محمد عزمي البكري – موسوعة الفقه و القضاء في الأحوال الشخصية – الكتاب الأول – الطبعة الرابعة – ص 48 ).

و تجدر الإشارة إلى أن كلمة النكاح تستخدم بمعنى الزواج ، و لفظ النكاح يطلق على العقد و على الوطء ، و على الضم حسيياً كان أو معنوياً ، كضم الجسم إلى الجسم و القول إلى القول ، و قد ذهب الحنفية إلى أن النكاح حقيقة في الوطء و مجازاً في العقد، و ذهب الشافعية إلى العكس . ( شرح فتح القدير للكمال بن الهمام – الجزء الثالث – ص 184 ، المستشار/ عزمي البكري – المرجع السابق – ص 48 هامش رقم 4 ).

التعريف عند الفقهاء ( الإصطلاحي ) :
قيل في تعريف الزواج بمعناه الإصطلاحي أو الفقهي أنه : عقد يفيد قصداً ملك استمتاع الرجل بالمرأة التي لم يمنع من نكاحها مانع شرعي ، و حل استمتاع المرأة بالرجل ، و هذا التعريف كما قيل دقيق ، فملك الاستمتاع فيه للرجل ، لأنه لا يصح لأحد غيره الاستمتاع بالزوجة بعقد أو بغير عقد ما دام حكم العقد الأول باقياً، أما بالنسبة لاستمتاع المرأة فإنه يثبت لها الحل ، لا الإختصاص ، فقد تشاركها في زوجها زوجة أخرى أو أكثر. ( د/ محمد كمال إمام – المرجع السابق – ص 25 ). و قد عرفه بعض الفقهاء تعريفاً شاملاً ، فيقول فضيلة الشيخ الإمام الراحل محمد أبو زهرة أنه : عقد يفيد حل العشرة بين الرجل و المرأة ، و تعاونهما ، و يحدد ما لكليهما من حقوق وما عليه من واجبات . ( الإمام / محمد أبوزهرة – الأحوال الشخصية – قسم الزواج – ص 19 ).

التعريف التشريعي :
وردت في بعض التشريعات الخاصة بالأحوال الشخصية في الدول العربية تعريفات لعقد الزواج، فقد عرفته المادة الأولى من التشريع السوري بقولها : " الزواج عقد بين رجل و امرأة تحل له شرعاً، غايته انشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل " ، و قد نقل التشريع العراقي للأحوال الشخصية المادة بألفاظها ، و نصت المادة الثالثة من التشريع الليبي على أن : " الزواج ميثاق شرعي ، يقوم على أسس من المودة والرحمة و السكينة ، تحل به العلاقة بين رجل و امرأة ليس أحدهما محرماً على الآخر " ، و قريب من ذلك نص المادة الأولى من التشريع اليمني ، و نص المادة الرابعة من التشريع الجزائري .

أما مشروع القانون العربي الموحد للأحوال الشخصية فقد نص في مادته الخامسة على أن : " الزواج ميثاق شرعي ، بين رجل و امرأة ، غايته انشاء أسرة مستقرة ، يرعاها الزوج، على أسس تكفل لهما تحمل أعبائها بمودة و رحمة ".

و ميزة هذه التشريعات أنها استبعدت ما شاع بين الفقهاء المتأخرين من أن الزوجة محل للاستمتاع و الخوض في الحديث عن المتعة ، و أظهر التعريف ما للزواج من مقاصد سامية في بناء المجتمع الصالح ، و لكن يعيب هذه التعريفات أنها غفلت عن عنصر جوهري ، هو موضوع العقد و لم تعرض لآثاره الشرعية .

و قد آثر مشروع القانون المصري للأحوال الشخصية للمسلمين الذي أقره مجمع البحوث الإسلامية عدم تعريف الزواج ، و قيل بأن المشرع قد أحسن صنعاً بذلك ، لأن التعريفات عمل فقهي ، و ليس من حسن الصياغة التشريعية أن تكون في داخل متن التشريع إلا عند الضرورة ، و في أضيق الحدود.
( يراجع في التعريف التشريعي : د/ محمد كمال إمام – المرجع السابق – ص 26 و ما بعدها ).

2- أركان الزواج و شروطه : إحالة :
نكتفي في شأن أركان و شروط الزواج بالإحالة إلى كتب الفقه ، فقد ملئت بشرح و بيان لها ، و سيكون لنا بيان لبعضها أثناء تطوافنا ببعض أحكام الزواج العرفي وفقاً لما يستلزمه المقام .

3- التوثيق ليس من الشروط الشرعية لعقد الزواج :
يبين من أركان و شروط عقد الزواج أن توثيق الزواج أو تسجيله في ورقة أو وثيقة لم يكن ركناً من أركانه ، أو شرطاً من شروط انعقاده أو صحته أو نفاذه أو لزومه ، فقد كان الزواج ينعقد صحيحاً دون توقف على شئ من ذلك ، ما دامت شروط العقد قد توافرت ، و هو العقد الذي كان معهوداً عند المسلمين إلى عهد قريب نسبياً، و قد كان الضمير الإيماني كافياً عند الطرفين في الإعتراف به ، و في القيام بحقوقه الشرعية على الوجه الذي يقضي به الشرع ، و يتطلبه الإيمان ، و سوف يرد فيما بعد شرح و بيان لذلك . ( يراجع في أركان و شروط عقد الزواج : د/ محمد كمال إمام – المرجع السابق – ص 76 وما بعدها ، المستشار/ عزمي البكري – المرجع السابق – ص 55 وما بعدها ، المستشار/ حسين حسن منصور- المحيط في شرح مسائل الأحوال الشخصية – الزواج – ص 29 و ما بعدها ).

4- خطورة الواقع و تدخل المشرع :
لاحظ أولياء الأمر في العصر الماضي استغلال بعض أصحاب النفوس الضعيفة لعدم تسجيل عقد الزواج أو توثيقه في ورقة أو وثيقة ، حيث لم تشترط الشريعة الإسلامية ذلك حسبما سلف البيان ، و ذلك بإدعائهم للزوجية – حيناً – زوراً و بهتاناً ، معتمدين في ذلك على سهولة إثباتها بشهادة الشهود الذين لا يخشون في الباطل لومة لائم ، أو إنكارهم لها – حيناً آخراً – تخلصاً وتهرباً من حقوقها ، أو لغير ذلك من الأسباب ، مع عجز الطرف الآخر عن إثباتها أمام القضاء ، فأراد المشرع المصري التصدي لهذا التلاعب و العبث بأقدار الناس ، و صيانة الرجل والمرأة و الذرية من العواقب الوخيمة لذلك ، فاضطر إلى التدخل تشريعياً تحقيقاً للمصلحة العامة ، فمنع سماع دعوى الزوجية عند الإنكارإذا لم تكن الزوجية ثابتة بوثيقة زواج رسمية ، ثم تدخل مرة أخرى بعد أن استشرت ظاهرة الزواج العرفي وفاحت سوآته ، و ذلك بموجب القانون رقم 1 لسنة 2000 بتنظيم بعض إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية ، مبقياً على مبدأ المنع ، و معدلاً للنص في بعض جوانبه على ما سيرد فيما بعد .

5- أسباب اللجوء للزواج العرفي :
تتعدد أسباب اللجوء للزواج العرفي ، الذي يلجأ إليه الصغار و الكبار، إلا أنه يصعب تحديدها تحديداً جامعاً ، إذا أن ذلك يحتاج إلى كثير من الأبحاث و الإحصاءات الدقيقة والمتنوعة لحالاته التي لا يمكن حصرها ، فضلاُ عن أن هذا الزواج غالباً ما يتم سراً ، و قد أجهد الباحثون أنفسهم في ذلك و تعددت بهم السبل ، ومع ذلك فيمكن رد هذه الأسباب إلى : أسباب إجتماعية ، مادية أو اقتصادية ، ثقافية و أخلاقية ، قانونية ، و دينية . و على ذلك سنتحدث عن كل نوع من هذه الأسباب بإيجاز على النحو التالي :

أولاً : أسباب اجتماعية : منها :
أ – المكانة و المركز الأدبي للزوج ، لا سيما إذا كان متزوجاً بأخرى ، و يريد التزوج بامرأة أقل منه في المستوى الإجتماعي أو المادي ، كزواج المحامي من سكرتيرته ، أو رئيس الشركة أو مديرها من السكرتارية ، و زواج صاحب البيت من الخادمة ، و غير ذلك كثير، فلا يجد مناصاً من اتخاذ الزواج العرفي سبيلاً لذلك خشية من القيل والقال ، و حفاظاً على مركزه ومكانته أمام الناس .

ب – عدم رغبة الرجل المتزوج عند الزواج بأخرى ، في ترك أو تطليق زوجته الأولى ، حفاظاً منه عليها وعلى أولاده ، و حتى يتمكن من رعايتهم ، فيلجأ للزواج العرفي تحقيقاً لذلك .

ج - سفر الآباء إلى الخارج ، و الإكتفاء ، في رقابة ورعاية أولادهم ، بإرسال الأموال لهم ، مما أدى إلى سوء استغلال الأولاد لهذه الأموال ، عن طريق استغلالها في الزواج العرفي ، دون أن يجدوا محذراً منه أو مربياً .

د - رفض الآباء زواج الأبناء ممن يختارونها أو العكس ، لانتفاء التناسب الطبقي بين الفتى والفتاة ، الأمر الذي لا يجد معه الإبن أو الإبنة بداً من تنفيذ رغبته هو أو رغبتها هي دون علم أسرته أوأسرتها عن طريق الزواج العرفي .

هـ - اندثار كثير من الرجال بمعنى الكلمة ، الذين يدركون معنى المسئولية و مستلزماتها ، و الصواب والخطأ ، ويحسنون صنعاً ، و يسعون في الأرض صلاحاً ، و إذا أردنا أن نعرف معناً من معاني الرجولة أو الرجال ، فالنقرأ قوله تعالى في سورة النور آية 36 و 37 : " فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهً أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُه يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَ الْآصَال . رِجَالٌ لَا تُلْهِيِهِم تِجَارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْر اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَ إِيتَاءِ الزَّكاةِ ، يَخَافُونَ يَوْمَاً تَتَقَلَّبُ فِيه الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ " ، و قوله تعالى في سورة الأحزاب آية 23 : " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ِرجَالٌ صَدَقُوْا مَا عَاهَدُوْا اللهَ عَلَيْهِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرْ ، وَ مَا بَدَّلُوْا تَبْدِيْلَا " ، و في التعبير القرآني في تلك الآيات إشارة واضحة إلى الفرق بين الرجولة و الذكورة ، ذلك الفرق الذي لا يدرك معناه و يتحقق به إلامن كان له قلب أو ألقى السمع و هوشهيد .

فأين هؤلاء الرجال بحق ممن يزعمون لأنفسهم الرجولة اليوم بدون وجه حق ، و هم في الحقيقة أشباه رجال ، إن أحسنا بهم الظن ، أولئك الذين ينتحلون الرجولة ، و الرجولة منهم براء ، أولئك الذين اتخذوا من الزواج العرفي موطئاً لقضاء رغبات طارئة ، و مصالح موهومة غير مشروعة ، ليذوقوا من خلاله برداً و شراباً ، و هم في الحقيقة يمهدون لأنفسهم في جنهم مهاداً و غساقاً .

ثانياً : أسباب ثقافية و أخلاقية : منها :
أ – الحصول على المتعة و لو بطريق غير شرعي ، إذ يحدث أن يعجز الرجل عن إقامة علاقة كاملة مع فتاة بشكل غير شرعي ، و هنا يوهمها بالزواج العرفي وصولاً لما يضمره في نفسه ، و ليس بنية حقيقية في الزواج منها .

ب – ابتزاز الفتاة للفتى ، للإستيلاء على أمواله ، فتتخذ من الزواج العرفي مطية لذلك ، لا سيما مع أبناء الأغنياء .
ج – تناقص دور الثقافة الإسلامية بين الشباب ، و هو أمر واضح في مناهج التعليم بمراحلها المختلفة ، و في وسائل الإعلام المتنوعة ، و الثقافة المتواجدة على الساحة – و المأذون فيها – ليست إلا طغيان للفكر الغربي اللا أخلاقي ، عن طريق وسائل الأعلام عندنا ، سواء في صورة مسلسلات و أفلام غربية فكراً و تقاليداً ، أو مصرية عربية اسماً في حين أنها منقولة في جوهرها عن الفكر الغربي ، فنجد العلاقات الجنسية المنحلة و التي أطلقوها من عقالها و من القيود منتشرة في وسائل الإعلام ، مما ساعد على الإعتقاد بأنها الأصل في علاقة الرجل بالمرأة ، و أنها بهذه الصورة ليست سوى الوضع الطبيعي ، الأمر الذي أشعل نار الشهوة الجنسية داخل الفتى و الفتاة ، و ترتب عليه بالتبعية تسرع الشباب في إشباع هذه الرغبة بهذا الزواج الخفي .

د – و من العوامل الهامة التي ساعدت على انتشار هذا الزواج ، و في ظل غياب أو تغييب الثقافة الإسلامية الموضح سلفاً ، الإختلاط المباح دون رقابة أو حدود و لفترات طويلة و لغير حاجة بين الشباب و الشابات ، لأن الطبيعة البشرية توجد نوعاً من التجاذب الطبيعي بين الذكر و الأنثى ، هذه الجاذبية غالباً ما تتطور وتصل إلى نشأة شعور عاطفي يتحول إلى إحساس جنسي ، و هذه هي فطرة الإنسان ، و في مرحلة الشباب تكون الأحاسيس الجنسية والعاطفية في ذروتها ، و في نفس الوقت تكون غير محصنة بالقيم الأخلاقية و الإجتماعية ، و بالتالي يحدث عدم السيطرة على النفس في حالة التربية الأسرية الخاطئة التي أباحت الحرية المطلقة لكثيرمن الأبناء ، و سمحت لهم بزيارة الأصدقاء و الذهاب في رحلات طويلة تقتضي المبيت خارج منزل الأسرة لأيام عديدة ، بما يؤدي ليس فقط لمثل هذا الزواج ، بل لعواقب وخيمة نلمسها جميعاً من خلال الواقع ، و صح القول عندي أن الأسرة – ذاتها - تمهد لهذا الزواج . إن الإثارة الجنسية الناتجة عن الإختلاط الشديد غير المنضبط في مجالات التعليم والعمل و خروج المرأة بصورة سافرة – على نحو ما نعاينه يومياً رضينا أم أبينا - تؤدي إلى إثارة الرجل و استفزاز غرائزه ، فينتج عنها هذه العلاقة التي تتخذ لها ستاراً يسمى الزواج العرفي ، ولم يعد خافياً على أحد أن إثارة الغرائز الجنسية امتد إلى صغار السن ممن لم يكن يدرون – وفقاُ للمجرى العادي للأمور – عن هذه الأمور شيئاً ، و هو نذير شر ، تزداد شرارته تباعاً . إن الله تعالى حدد لنا كيف تكون العلاقة بين الذكر و الأنثى ، حتى بين الأخوة و الأخوات ، و أمرنا أن نفرق بينهم في المضاجع ، و لكننا اتبعنا الشهوات وأضعنا الصلاة ، و تناسينا أوامر الله و حدوده حتى كدنا ننساها فعلاً ، إلا من عصمه الله ، فحق علينا ما نحن فيه من بلاء ، و لولا أن قيض الله لنا في كونه و خلقه أسباباً للذكرى , لعظمت البلوى .

هـ - الإحساس النفسي للرجل و المرأة على السواء تجاه علاقتهما غير السوية ، هذا الإحساس يزيد من الصراع الداخلي لديهما و الإحساس بعقدة الذنب و عدم مصداقية هذه العلاقة و أنها مرفوضة شكلاً و موضوعاً من المجتمع ، و تخفيفاً لذلك يحاولون إيجاد مهرب و مبرر ظاهري لتقنين هذه العلاقة في صورة الزواج العرفي .
ثالثاً : أسباب مادية و اقتصادية : و منها :
أ – أعباء الزواج المادية من توفير مسكن و تجهيزه و من مهر و شبكة وخلافه، و المبالغة فيها .
ب – قلة الأجور و انتشار البطالة و غلاء المعيشة لا تمكن الشباب من استكمال مقومات الزواج المادية ، فلا يجد ملجأ له إلا الزواج العرفي ، حيث يكفيه الخلوة في مسكن أحد أصدقائه أو تأجير غرفة بسيطة في أي مكان .
ج – رغبة بعض الأسر في زواج بناتهم من أجانب استهدافاً و طلباً للمال، بتزويجهن عرفياً .
د – لجوء الزوجة التي توفي زوجها و لها منه ولد واحد لم يصل لسن التجنيد ، و ترغب في الزواج بعده إلى الزواج العرفي في محاولة منها لحصول ابنها على الإعفاء من الخدمة العسكرية لكونه العائل الوحيد لها ، و كذا في حالة رغبة الزوجة المتوفي عنها زوجها و تستحق عنه معاشاً إلى هذا الزواج للحفاظ على استمرار استحقاقها للمعاش .

رابعاً : أسباب قانونية : و منها :
أ – الحق الذي منحه القانون للزوجة في طلب الطلاق إذا تزوج عليها زوحها من أخرى و تضررت من ذلك الزواج الثاني ، و هو ما يجعل الزوج الراغب في الزواج ثانية مع تمسكه بزوجته الأولى و الحفاظ على أسرته مضطراً لأن يلجأ إلى الزواج العرفي إخفاءً للزيجة الثانية ، لاسيما و أن القانون يوجب إعلان و إخطار الزوجة الأولى بالزواج الثاني .
ب – ما منحه القانون للمطلقة الحاضنة من حق في الإستقلال بمسكن الزوجية هي و محضونها ، و نظراً للعجز الواضح عن توفيرالمسكن ، و هروباً من هذا الإلتزام إذا تحقق موجبه يلجأ الرجل إلى الزواج العرفي .
ج – إجازة تزويج المرأة البالغة العاقلة نفسها دون ولي ، عملاُ بمذهب الإمام أبي حنيفة ، مما يترتب عليه أن تتزوج الفتاة عرفياً دون رقيب و تحت تأثير الشاب و عواطفها و نزواتها ، و الناظر لحال كثيرمن فتيات اليوم و سلوكياتهن يدرك مدى خطورة منحهن هذا الحق .



خامسا : أسباب دينية :
هي أهم الأسباب المؤدية إلى هذه الظاهرة ، و يمكن حصرها في قلة الوازع الديني و اندثار القيم و المبادئ القويمة، فضلاً عن السلوكيات الدخيلة التي ليست من الدين في شئ ، و رغم أهمية هذه الأسباب الدينية – و التي تؤكد عليها أحكام المحاكم و الأبحاث التي تجري – فالتهوين من شأنها قائم و تغييب الوازع الديني حائم ، و لا حول لنا و لا قوة إلا بالله العلي العظيم .
( يراجع في تفصيلات هذه الأسباب و مزيد منها : مجلة منبر الإسلام – عدد شهر صفر سنة 1418 هـ ص 87 وما بعدها ، المستشار/ حسن حسن منصور – المرجع السابق – ص 185 وما بعدها ).





المبحث الأول
تحديد مدلول الزواج العرفي
1- معنى العرفي لغة و اصطلاحاً :
العرف لغة : كلمة العرفي المنسوب إليها الزواج العرفي من الفعل الثلاثي عرف بمعنى إدراك الشئ بإحدى الحواس ، عرفه يعرفه – بالكسر – معرفة و عرفاناً – بالكسر - ، و المعروف ضد المنكر، و العرف ضد النكر، يقال أولاه عرفاً أي معروفاً ، و هو ما تعارف عليه الناس في عاداتهم و معاملاتهم . ( مختار الصحاح لأبي بكر الرازي – طبعة 1920 – ص 426 ، المعجم الوجيز مجمع اللغة العربية – ص 415 ).

العرفي في الاصطلاح : العرفي في اصطلاح الفقهاء مأخوذ من العرف و هو ما تعارف جمهور الناس و ساروا عليه ، سواء كان قولاً أو فعلاً أو تركاً .( أ د/ الشيخ / محمد مصطفى شلبي – المدخل في التعريف بالفقه الاسلامي – ص 178 ).

و كلمة العرفي تقابلها في الاستعمال كلمة الرسمي ، و ذلك في نطاق القانون ، لا سيما قانون الإثبات ، حيث نجد عبارات : محرر أو عقد رسمي في مقابلة المحرر أو العقد العرفي . و المحرر الرسمي هو الذي يثبت فيه موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم على يديه أو ما تلقاه من ذوي الشأن ، و ذلك طبقاً للأوضاع القانونية و في حدود سلطته و اختصاصه .( المادة العاشرة من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 )، والمحررات الرسمية حجة على الناس كافة بما دون فيها من أمور قام بها محررها في حدود مهمته أو وقعت من ذوي الشأن في حضوره ، ما لم يتبين تزويرها بالطرق المقررة قانوناً .( المادة الحادية عشرة من قانون الإثبات )، أما المحرر العرفي فهوعكس ذلك ، حيث يقوم بتحريره الأفراد فيما بينهم ، و الورقة أو المحرر العرفي - وفقاً للمادة 14 من قانون الإثبات و على ما جرى به قضاء محكمة النقض – يستمد حجيته من التوقيع عليه بالإمضاء أو بصمة الأصبع أو بصمة الختم ، و هو بهذه المثابة يعتبر حجة بما ورد فيه على من وقعه ، فإذا أنكر من احتج عليه بالورقة ذات الإمضاء أو الختم أو البصمة و كان إنكاره صريحاً زالت عن الورقة قوتها في الإثبات و تعين على المتمسك بها أن يقيم الدليل على صحتها باتباع الإجراءات المنصوص عليها في المادة (30 ) من قانون الإثبات . ( الطعن رقم 2142 لسنة 58 ق – جلسة 24 / 11/1993 ).

و يمكن القول أن الإنكار كشرط لعدم سماع أو قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج هو فرع تطبيقي من أصل الإنكار الوارد في قانون الإثبات ، مع بعض الإختلافات لتعلقه بأمور الزواج و قيوده .



2- تعريف الزواج العرفي :
يجب قبل الخوض في حكم الزواج العرفي و آثاره ، سواء في الشرع أوالقانون ، أن نحدِّد و نعرِّف مدلول هذا الزواج ، حتى يتسنى ضبط أحكامه ، و لقد تلاحظ للباحث مدى مسارعة كثيرمن الناس و العوام ، بل و بعض المتخصصين ، إلى القول بعدم شرعية هذا الزواج و بطلانه ، انطلاقاً من نظرة محدودة و ضيقة لمفهومه ، و حدث الخلط في شأنه في لحظات العضب و الرفض له في كثيرمن الندوات و البرامج التي عنيت بمناقشته و بحثه ، سواء في التليفزيون أو غيره من وسائل الإعلام الأخرى ، ومن هنا كان لزاما ً علينا أن نعرج على تعريفه حتى يرفع هذا الخلاف .

من المعلوم أن الزواج ينعقد شرعاً بين طرفيه بإيجاب من أحدهما و قبول من الآخر متى استوفى هذا العقد جميع شرائطه الشرعية المبسوطة في كتب الفقه ، و في مرحلة تالية لانعقاد الزواج صحيحاً تأتي مسألة إثبات الزواج بالطرق المقررة كشهادة الشهود أو الإقرار أو الكتابة ، و مرحلة الإثبات يمكن خلالها إسباغ صفة الرسمية على عقد الزواج أو عدم إسباغها ، فإذا تحرر الزواج في ورقة رسمية كان العقد رسمياً، أما إذا لم يحرر العقد في ورقة رسمية و حرر في ورقة عرفية كان العقد عرفياً، و هو ما أُطلق عليه الزواج العرفي ، مع ملاحظة أن الزواج العرفي كما يكون مكتوباً يمكن أن يكون غير مكتوب .

و ترتيباً على ذلك ، يمكن تعريف الزواج العرفي بأنه : " الزواج الذي استوفى شرائطه الشرعية ، غير أنه لم يوثق رسمياً أمام جهة رسمية نص القانون عليها ، ويستوي في ذلك أن يكون الزواج مكتوباً أو غير مكتوب أصلاً ". ( قريب من هذا المعنى : د/ محمد كمال إمام – مرجع سابق – ص 218 ، أ/ كمال صالح البنا – موسوعة الأحوال الشخصية – 1997 – ص 14 ).

3- الزواج السّري و الزواج العرفي :
الزواج السري هو نوع قديم من الزواج افترضه الفقهاء ، و بينوا معناه ، و تكلموا في حكمه ، و قد أجمعوا على أن منه العقد الذي يتولاه الطرفان دون أن يحضره شهود، و دون أن يُعلن ، و دون أن يُكتب في وثيقة ، و يعيش الزواجان في ظله زواجاً مكتوماً ، لا يعرفه أحد من الناس سواهما، وقد يحضره الشهود و يؤخذ عليهم العهد بالكتمان ، و عدم إشاعته و الإخبار به ، و لكلٍ من هذين النوعين حكمه ، أما الزواج العرفي فهو كما سبق البيان ، الذي لا يكتب في وثيقة رسمية مع استيفائه للشروط الشرعية للزواج ، فهو ليس الزواج في السر ، غيرأنه قد تصحب الزواج العرفي توصية الشهود بالكتمان ، و بذلك يكون من زواج السر المشار إليه . ( الشيخ الإمام / محمود شلتوت – الفتاوى – ص 229 و ما بعدها ).


و يلاحظ أن الزواج العرفي المردد على ألسنة الناس و بعض المتخصصين في الوقت الحاضر ينتمي في حقيقته إلى الزواج السري ، و يتأكد ذلك إذا علمنا أن الزواج العرفي الواقع في المجتمع ينقسم إلى نوعين : الأول : عبارة عن ورقة مكتوبة بين الطرفين دون شهادة شهود ، الثاني : ورقة مكتوبة بشهادة صديقين مع توصيتهما بالكتمان ، ويفتقد إلى عنصر العلانية ، و لا شك في انتماء هذين النوعين إلى الزواج السري ، ، كما يحدث أن يتم الزواج دون حضور و لي المرأة ، و هذا غالب في الوقوع ، و سيرد فيما بعد حكم هذه الأنواع من الأنكحة . ( د/ عزة كريم – ندوة منشورة بمجلة منبر الإسلام – سابق الإشارة إليها – ص 87 و ما بعدها ).


و إلى هنا ينتهي الجزء الأول من هذا البحث ،