بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

21 يونيو 2010

مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




أوجه انحرا ف القرار الإداي عن قاعدة تخصيص الأهداف








أوجه انحراف القرار الإداري عن قاعدة تخصيص الأهداف





قد يقدم رجل الإدارة نتيجة لخطأ فني وقع فيه على إصدار قرار لتحقيق مصلحة عامة لم يوكل إليه أمر لتحقيقها و قد يقدم على تحقيق مصلحة عامة مكلف بتحقيقها و لكنه استخدم في ذلك وسائل غير تلك التي قررها لمشرع لتحقيق هذه المصلحة ، و في تلك الحالتين يرتكب رجل الإدارة انحرافا بالسلطة ممثلا في قاعدة مخالفة تخصيص الأهداف .



و لإيضاح ما أجملناه سوف نتناول أوجه الانحراف عن قاعدة تخصيص الأهداف و ذلك في مطلبين:



الخطأ في تحديد مدى الأهداف المنوط بالموظف تحقيقها



الخطأ في استعمال رجل الإدارة لوسائل تحقيق الاهداف









الخطأ في تحديد مدى الأهداف المنوط بالموظف تحقيقها 0





في هذه الصورة يستعمل رجل الإدارة سلطته التقديرية في تحقيق أهداف عامة غير منوط به في تحقيقها حيث إن القانون لم يجعلها من بين الأهداف التي يتعين على رجل الإدارة أن يحققها باستعمال ما بين يديه من سلطات 0



و في هذه الصورة من صور الانحراف عن قاعدة تخصيص الأهداف يتصف عيب الانحراف بالسلطة بعيب عدم الاختصاص لأن عضو الإدارة يحاول أن يحقق غرضا قد جعله القانون من اختصاص عضو إداري أخر و تظهر تطبيقات هذه الصورة بمناسبة استعمال الإدارة لسلطاتها المقررة في الاستيلاء أو في استعمالها لسلطتها بقصد فض نزاع ذي صبغة خاصة أو قيام إحدى الهيئات بمنع خدماتها عن أحد المواطنين لإجباره على القيام بتصرف معين 0، وتفصيل ذلك :-



- الانحراف في استعمال سلطة الاستيلاء



- استعمال السلطة الإدارية لفض نزاع ذي صبغة مدنية 0



- منع خدمات الإدارية عن أحد الأفراد لإجباره على إتيان تصرف معين





الانحراف في استعمال سلطة الاستيلاء



يعد الاستيلاء من الممكنات الخطيرة التي تملكها الإدارية و التي يمكن أن تهدد ملكية الأفراد و حقوقهم المالية و بالتالي فإنه من المحتم أن ينفذ تنفيذا دقيقا في حدود القانون و دواعيه و البواعث المشروعة لدى الإدارة لإعمال هذا الامتياز على خطورته يمكن أن تجد تبريرها في أن الإدارة مكلفة بإقامة و رعاية الصالح العام , و قد يكون الاستيلاء وسيلة لحصول الإدارة على بعض احتياجاتها التي أعوزتها الوسائل العادية في الحصول عليها و قد كون وسيلة لمواجهة ظروف طارئة قد تهدد الأمن الداخلي أو الخارجي لمواجهة كارثة عامة و نحو ذلك



و قد عرف بعض الفقهاء الاستيلاء بأنه عملية تقوم بها السلطة الإدارية من جانب واحد و بإرادتها المنفردة في مواجهة شخص طبيعي أو معنوي يلزم هذا الأخير بموجبها بأن يقدم لها أو للغير خدمة معينة أو عقارا معينا لاستخدامه أو منقولا لاستخدامه أو تملكه و ذلك من أجل إشباع احتياجات طارئة و مؤقتة تتعلق بالمصلحة العامة في ظل الشروط المقررة قانونا 0



و إذا كان المشرع يمنح الإدارة سلطة الاستيلاء على المواد الغذائية و الأولية و المساكن و غيرها فإن هي حادت عن تلك الأغراض مبتغية تحقيق غيرها فإنها تكون قد انحرفت بتلك السلطة عن غاياتها مما يستتبع إلغاء قرار الإدارة لانحرافها بسلطتها في إصداره و مبرر إلغاء



القرار في هذه الحالة أن الإدارة لانحرافها بسلطتها في إصداره و مبرر إلغاء القرار في هذه الحالة أن الإدارة انحرفت عن الهدف المخصص لقرارها و الذي بموجبه منحت سلطة الاستيلاء حيث إنها استعملت أحكام القانون في غير ما أعدت له 0



و قد استقر قضاء مجلس الدولة المصري و الفرنسي على إلغاء قرارات الإدارة التي تنحرف فيها عن الهدف الذي حدده لها المشرع من استعمال سلطة الاستيلاء حيث قضت المحكمة الإدارية العليا أنه " 000 حيث يستفاد من دفاع الوزارة 00 أنها تقرر بأن ذلك الاستيلاء الذي خصت به معصرة المدعي دون معاصر البلاد إنما قررته بسبب الشكاوى لم تسفر عن إدانة المدعي إذ انتهت جمعا إلى الحفظ إلا أن الوزارة لم تسلم بذلك , و قرت الاستيلاء و نفذته قبل أن يتم التحقيق نهائيا في تلك الشكاوى إذن فيكون الاستيلاء و الحالة هذه جزاء قصدت الإدارة توقيعه على المدعي بتسخير أحكام المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بالاستيلاء في غير ما أعد له و تكون الوزارة بتصرفها هذا قد أساءت استعمال سلطتها و انحرفت عن الغاية التي وضعت لها مما يعيب القرار المطعون فيه و يوجب إلغائه 0



و هذا الحكم يؤكد إن إلغاء قرار الاستيلاء على المعصرة موضوع الدعوى يجد سنده في أن قرار الاستيلاء فقد مبرره في تأمين تمويل البلاد من التلاعب و الجشع بعد ما أثبتت التحقيقات عدم صحة الشكاوى المقدمة ضد صاحب المعصرة بل إن الإدارة لم تنظر على ما سوف تسفر عنه تلك التحقيقات مما جعل المحكمة تستشف من ذلك وجود نية مسبقة لدى الإدارة في الاستيلاء بغض النظر عن توافر شروطه مسخرة في ذلك أحكام القانون في غير ما قصدت إليه و من ثم كان قرار الاستيلاء مشوبا بالانحراف بالسلطة مستوجبا الإلغاء



و الاستيلاء باعتباره قيد على حق الملكية فإنه يشترط لمشروعيته أن يكون قد تقرر لضرورة قصوى و يسقط الاستيلاء بانتهائها باعتباره إجراء مؤقت بطبيعته و يلزم هذا الإجراء أيضا تحقيق الهدف الذي تغياه المشرع منه و قد أرست هذه المبادئ المحكمة الإدارية العليا في أحدث أحكامها و الذي ذهبت فيه إلى أنه لا يجوز للجهة الإدارية المختصة اللجوء إلى الاستيلاء على عقارات الأفراد لحاجة التموين إلا في حالة الضرورة القصوى و التي يتعذر معها على الإدارة تدبير احتياجاتها بالطريق الطبيعي و من ثم يكون بهذه المثابة ذو طبيعة مؤقتة 000 كما أنه يلزم لمشروعية قرار الاستيلاء وسيلة استثنائية , تتضمن قيدا على حق الملكية عبثا عليها لا يبره إلى الصالح العام الذي يحدده المشرع صراحة في القانون و من ثم لا يجوز لوزير التموين اللجوء إليها إلا إذا استنفذت جميع الوسائل العادية المتاحة و لم يجد بعدها إلى هذه الوسيلة الاستثنائية لتحقيق الهدف الذي تغياه المشرع من ضمان تزويد البلاد بالمواد التموينية و تحقيق العدالة في توزيعها فيكون في هذه الحالة ضرورة ملحة اقتضاها الصالح العام , شريطة أن تدر هذه الضرورة بقدرها و ألا تجاوز حدودها



و قد أصدرت المحكمة الدستورية العليا في هذا الشأن حكما هاما حين قضت عدم دستورية المادة الأولى من القانون رقم 52 لسنة 1955 بتخويل وزير التعليم سلطة الاستيلاء على العقارات اللازمة للوزارة و معاهد التعليم و من بين ما استندت إليه المحكمة في حكمها أن البين من النصوص التي تضمنها القانون المطعون فيه أن الاستيلاء وفقا للأحكام التي تضمنته مادته الأولة ليس موقوتا بل متراخيا إلى غير حد و موكول انتهاؤه إلى السلطة التقديرية لوزير التعليم و تخرج بذلك الأموال من السلطة الفعلية لأصحابها 000 مما يعتبر غصبا لها يحيل أصلها عدما بل إن اغتيالها على هذا النحو يمثل أسوأ صور العدوان عليها لاتخاذه الشرعية ثوبا و إطارا و انحرافه عنها قصدا و معنى فلا تكون الملكية التي كفل الدستور صونها إلا سرابا و وهما 0



و في هذا الحكم إلهام للمحكمة الدستورية العليا اعتبرت أن الاستيلاء المؤقت يخرج عن مضمونه إذا فقد صفة التأقيت , و ذهبت إلى أن في ذلك انحرافا عن المشروعية أي انحرافا في استعمال السلطة



و قد استعملت الإدارة الفرنسية سلطة الاستيلاء مدفوعة في ذلك بظروف الحرب و ما خلفته من

مشكلات تمتد إلى نعظم نواحي الحياة لا سيما ما تعلق منها بالغذاء و المسكن إلا أن هذه السلطة باعتبارها سلطة استثنائية كانت محددة دائما بالغرض الذي من أجله منحت و قد عني المشرع الفرنسي بتحديد تلك الأغراض فإذا ما غفلت عنها الإدارة سهوا أو عمدا ألغي مجلس الدولة قراراها لذلك قضى مجلس الدولة الفرنسي بإلغاء القرار الإداري الصادر بالاستيلاء على كمية جبن مملوكة للطاعن لأنه قام بتصدير كمية جبن غير مشروعة و قد قرر مجلس الدولة في هذا الحكم " و حيث إن قرار مدير التموين بالاستيلاء على كمية جبن مملوكة للطاعن إنما من أجل توقيع جزاء عليه لقيامه بتصدير كمية جبن بطريقة غير مشروعة و بالتالي فإن الإدارة تكون قد استعملت حقها في الاستيلاء من أجل غرض أخر يختلف عن الغرض الذي تقرر هذا الحق من أجله و بناء عليه فإن قرار الاستيلاء يكون مشوبا بالانحراف بالسلطة "







استعمال الإدارة سلطتها في فض نزاع مدني



لكل سلطة من سلطات الدولة الثلاثة اختصاص ثابت يتعين عليها التزام حدوده ليكون عملها مشروع 0

و إذا كان المشرع قد خص السلطة القضائية بالفصل فيما ينشأ بين الأفراد من نزاع و حسمه بحكم قضائي تنفيذه ملزم للكافة , فإن محاولة اسلطة الإدارية الإطلاع بهذا الدور يجعل ما يصدر عنها من قرارات في هذا الشأن خارجة عن نطاق المشروعية مشوبة بالانحراف بالسلطة و ذلك بالرغم من نبل الغاية و استهدافها تحقيق صالح عام متمثل في تحقيق السلام الاجتماعي 0



و ترجع عدم مشروعة عمل الإدارة في هذه الخصوص إلا إن الإدارة استعملت سلطتها في غير ما أعهدت له بالإضافة إلى اعتدائها على السلطة القضائية الأصيل في فض ما ينشأ بين الأفراد من نزاعات كما أن الإدارة بحكم تكوينها و طبيعة أداءها لنشاطها غير مؤهلة أصلا لفض النزاعات التي ذات الصيغة المبينة التي تنشأ بين الأفراد حيث أن القضاء هو الأولى بممارسة هذا الدور لما يتمتع به من حيدة و نزاهة و استقلال 0



من أجل ذلك كان ما تصدره الإدارة من قرارات مستعملة فها سلطتها قاصدة فض نزاع ذي صبغة مدنية يكون مصيرها دوما الإلغاء القضائي 0



و هذا النوع من الانحراف كثيرا ما يرتكبه المحافظون و غيرهم من رجال الإدارة فتأتي قراراتهم مشوبة بعيب الانحراف بالسلطة حيث استعملت الإدارة الصلاحية المخولة لها قانونا من أجل تحقيق هدف يختص به القضاء العاجي 0



و بالرغم من أن هذا العمل يدخل في إطار الأعمال الخيرية الجليلة إلا أن مجلس الدولة الفرنسي رفض أن يعترف للإدارة بإجراءاته و الانحراف بسلطتها في سبيله حيث قضى بعدم مشروعيته قرار ضبط قصد به حل نزاع بين الأفراد 0



و قد سار مجلس الدولة المصري على ذات الدرب حيث أعلنت محكمة القضاء الإداري عن موقفها في هذا الشأن بوضوح في حكم لها ذهبت إلى أنه " قد بان للمحكمة أن المصلحة العامة اقتضت إنشاء خط تنظيم في الشارع الواقع عليه منزل المدعي و حيث إن هذا التنظيم قد تخلفت عنه القطعة موضوع النزاع فأصبحت من الأملاك الخاصة التي يصح التصرف فيها و يكون للمالك المجاور لها حق الشفعة العادي , المقرر في القانون المدني للجار الملاصق و من حيث إن البلدية قد صدر عنها فعلا للمدعي وعدا بالبيع بعد أنه هذا الوعد زاحمته عائلة أخرى و انتهى المر بصدور القرار المطعون فيه بإلغاء زوائد التنظيم المذكورة و إعادتها للشارع مما يحدث فيه فجوة و انبعاجا لا يتفق مع التنظيم و من حيث إن هذا التصرف قد يؤدي إلى فض المنازعة و التزاحم بين جارين بشأن شراء أرض أو الانتفاع بها إلا أنه لا يدخل ضمن وظيفة البلدية فض المنازعات الخاصة أو صيانة المن بل أن وظيفتها هي التنظيم الهندسي للمدينة " و انتهت المحكمة في حكمها بالإلغاء القرار الذي قصدت به الإدارة فض نزاع ذي صبغة خاصة 0





رفض جهة تقديم خدماتها لأحد المواطنين لإجباره على القيام بتصرف معين



على السلطات الإدارة واجب تجاه الأفراد , يتمثل في أداء ما كفله لهم القانون من خدمات شريطة أن تنطبق عليهم شروط استحقاقها فإن توافرت تلك الشروط فالإدارة ملزمة بأداء الخدمة بلا سلطة تقديرية لها في ذلك و تكون الإدارة قد ارتكبت انحرافا بالسلطة إن هي امتنعت أو تباطأت في أداء الخدمة أيا كان باعثها على ذلك نبيلا أنم كان خبيثا فسلوك الإدارة في هذه الحالة يمثل انحرافا بالسلطة حتى و لو كان دافع هذا السلوك الضغط على أداء ما عليه من أموال للدولة



,علة وصف قرار الإدارة بالانحراف في هذا الشأن , إن الإدارة استعملت سلطتها في غير ما أعدت له حين قصدت تحقيق صالح عام لم يكلفها القانون بتحقيقه لكون ذلك من اختصاص القانون بتحقيقه لكون ذلك من اختصاص سلطة إدارية أخرى و الهدف من إلغاء قرار الإدارة في هذه الحالة هو إعلاء شأن القانون حيث إن في سلامة تطبيقه تحقيق الصالح العام بصورة أكثر شمولا 0



لذلك قضى مجلس الدولة الفرنسي بإلغاء قرار الإدارة حيث استخدمت سلطة الضبط الإداري لإجبار المتعاقد معها على الوفاء بالتزاماته التعاقدية 0



و قد ألغت محكمة القضاء الإداري قرارا لقلم المرمر بالامتناع عن تسليم أحد المواطنين رخصة سيارته التي استوفى شروط استخراجها و ذلك بهدف إجباره على سداد الرسوم المتأخرة عليه لإحدى الجهات الحكومية 0



و في هذه الدعوى وضع قلم المرور في تصور خاطئ و هو أنه كجهة حكومية مكلف بالدفاع عن مصالح باقي الجهات الحكومية و في استيفاء حقوقها لدى الأفراد مستعملا في ذلك سلطته في منح أو منع استصدار تراخيص تسيير السيارات و قد دفعه هذا الاعتقاد الخاطئ إلى الحلول محل الجهة الحكومية الدائنة و التي كفل لها القانون من الوسائل ما يمكنها من استيفاء حقوقها 0



و قد أيدت المحكمة الإدارية العليا مذهب محكمة القضاء الإداري في هذا الشأن حيث قرت

إنه " لا يجوز لجهة الإدارة رفض منح الترخيص لأساب أخرى يدخل تقديرها في مجال اختصاصها



مكتب / محمد جابر عيسى المحامى


النصب بطريق الخصومة








النصب بطريق الخصومة














جنحة النصب من أدق الجنح في القانون ، فإن النصب دقة ومهارة ، وتعقيد ، وتفنن ، فكان طبيعيًا أن يتشكل بأشكال عديدة ، وكان معقولاً أن يحتاط النصاب لنفسه فلا تخنقه حبائله التي ينشرها لاصطياد الغير..، فجمع النص الذي يحيط بأعمال النصابين من الأركان والدقائق ما قد يختلف فيه الآراء وتتناقض بسببه الأحكام.

والذي جعل هذه الصعوبة دائمة، وجعل الخلاف مستمرًا أن الأركان التي نصت عليها مادة النصب كثيرة من جهة، ثم أن بعضها قد يحل محل البعض الآخر من جهة أخرى، فإذا عرضت واقعة فاتجهت وجهة النظر إلى توافر الأركان الأصلية وغاب عن الباحث ما يصح أن يكون لأحدها بديلاً، ذهبت الواقعة كأنها ناقصة الأركان فتخرج من دائرة العقوبة.

لسنا نريد أن نبحث في كل أو أكثر ما يعرض من هذا النوع فإن هذا لا يحيط به بحث محدود، ولكننا نريد فقط أن نبحث في واقعة واحدة، لم تعرض على محاكمنا قبل الآن على ما نعلم، ورأينا أن نعرضها لأول مرة على أن الإفهام متفقة على أنها ليست نصبًا، وهي الآتية:

أودع منقول عند آخر، وثبتت الوديعة بسند مكتوب، ثم طلب المودع استرداد الوديعة فردت فعلاً، وطلب المودع لديه سندها، فاعتذر مالك المنقول بأن السند ليس في متناول يده ساعة الرد، ووعد بتسلمه غدًا، فصدقه المودع لديه، ولما رجع في الموعد المضروب طلب إليه المالك الذي استلم وديعته أن يقوم بعمل معين، وهدده إذا لم ينفذ طلبه، بإنكار استلام الوديعة، وبالتبليغ ضده على اعتبار أنه مبدد، وهذه الواقعة هي محل البحث.

نحن نقول إنها نصب تام الأركان ، لا ينقصه شيء لا من الناحية الأدبية ولا من الناحية القانونية ، وأن النفس لتنزعج بمجرد استعراض الواقعة بظروفها ، على ما فيها من دلائل الاستقامة ، وحسن النية من جهة المودع لديه ، وما يقابل ذلك من فظاعة الإجرام من جهة المالك ، فإنك لا تستطيع أن تتصور ضلالاً أكثر، ولا سوادًا يملأ النفس أظلم ، ولا جرأة على الشر أشد ، فإن هذا الفاتك يقبض على فريسته بيد من حديد ، إذ في يده سند مكتوب أمَّنه عليه المودع لبضعة ساعات لعذر انتحله فأنكر الأمانة حول السند إلى مصلحته ، يريد أن يملك به رقبة المدين ، ويملك به ضمير القاضي ، فيسد عليه طريق الحق ، فأصبح المودع لديه البريء ألعوبة أثيم يهدده في شرفه ، وفي ماله !!

فأين تجد واقعة من وقائع النصب يمكن أن تكون أشد هولاً - أو أثبت ظهورًا في واقعتها - وفي توافر أركانها، وفي مبلغ أثرها ، وسعة الجرم فيها. ؟!!!

يخيل لنا وقد وضعنا الواقعة بحدودها ، أنها لا تحتمل خلافًا ، ولا تحتاج إلى بحث ، بل نراها نصبًا واضحًا لا يقبل الجدل ، فإن الركن الأول وهو الكذب ظاهر ، وواقعته هنا دعوى المالك أنه لم يستلم الوديعة وقد استلمها، والركن الثاني وهو الاحتيال لتأكيد هذا الكذب متوفر، وهو الاستدلال بسند، ترك في يده أمانة وليس عند المودع لديه دليل يثبت براءة ذمته ويدفع به عن نفسه شر هذا الاتهام الكاذب، والركن الثالث متوفر وهو قائم في أن هذا التهديد من شأنه أن يحدث في النفس جزعًا يدفعها إلى الخضوع لمطالب المهدد، أما الركن الرابع وهو الاستيلاء على المال بغير حق فإذا لم يتم فالواقعة شروع لا جنحة كاملة.

يجب أن نحدد عند أي ظرف ، من ظروف هذه الواقعة تبدأ أركان جنحة النصب في دور التكوين.

هل تبدأ عندما يطالب مالك الوديعة برد وديعته، للمرة الأولى أي قبل أن يكون استلمها ؟ بالطبع لا، لأنه إنما يستعمل حقًا ، حتى ولو كان مصممًا على أن يلعب الدور إلى آخره ، لأن التصميم النفسي لا يعتبر ركنًا لجنحة ما، اللهم إلا بعد وقوعها وعلى اعتبار أنه بحث رجعي لتكوين نية الإجرام.

هل تبدأ تلك الأركان، عند استلامه الوديعة، والتحايل لعدم رد السند، معتذرًا بأي عذر يبديه ؟!

لا شك أننا ندخل هنا في دور العمل المادي ، وفي طريق الاستعداد التنفيذي للنصب ، فكان يصح أن يكون هذا العمل بداية للجنحة وركنًا من أركانها .

قد يعرض للذهن أن المودع لديه هنا ، أيضًا ، إنما يسترد ماله الذي يملكه ومن حقه أن يسترده ، فهو في دائرة حقوقه ، فلا ينقلب عمله ركنًا لجنحة النصب .

والنظرة هنا خاطئة على ما نرى - لأنه أولاً لم يسترد وديعته فقط بل هو بدأ يتحايل لعدم رد السند لغرض الاستيلاء على مال الغير بدون حق - ولأنه ثانيًا إذا كان من حقه أن يسترد وديعته ، فإنما هذا الحق مرتبط بأن يسلم السند الذي في يده، إذ الأمران متلازمان ، بل هما في الواقع عمل واحد ، لا يتجزأ ، ولا سبيل إلى قسمته لأمرين منفصلين فاستلام الوديعة منفصلاً ، ثم رد السند منفصلاً .

بل إن المودع لديه إذا ما حضر يحمل الأمانة إلى صاحبها ، فإنما يقابل هذا في الحال ، واقعيًا، وقانونًا، وفي عقيدة حاملها ، وكذلك في عقيدة المالك الذي يريد أن يستلم ، أن هذه الوديعة يقابلها سند يمثلها تمامًا، وأن الإلزام الذي يرتب على المودع لديه واجب رد الوديعة هو بذاته الذي يرتب على صاحبها واجب رد السند في لحظة استلامه للوديعة ، فإذا ما احتال على أن لا يرد، واقتصر على استلام وديعته، فغير صحيح لا واقعيًا ، ولا قانونًا ، ولا ذمة أنه يستعمل حقًا إنما الواقع أنه يبدأ في الكيد ، ويخطو الخطوة الأولى للوصول إلى الاستيلاء على مال الغير ، ويتسلح لاغتصاب هذا المال اغتصابًا .

ومن ناحية أخرى ، فإن المالك إذا استلم وديعته فقد برئت ذمة المودع لديه قانونًا ، ويصبح سند الوديعة تحت يد المالك هو بذاته وديعة في ذمته عليه أن يرده لصاحبه ، فإذا ما رفض الرد وأراد استعمال السند لمصلحته فقد ارتكب جنحة التبديد وخيانة الأمانة ، فلا سبيل بحال من الأحوال أن يوصف هذا العمل من جهة النظر القانوني بأنه استعمال لحق .

ومهما يكن من وجهة النظر في هذه الخطوة الأولى ، فإن الظروف التالية تجمع وحدها جميع أركان جنحة النصب كاملة: ذلك - لأن مالك المنقول بعد أن استلمه - ووعد برد السند لصاحبه، نراه قد أنكر الاستلام ، ثم هدد باستعمال السند الذي بيده ، وهو سند قد أصبح باطلاً معدوم الأثر ، وقد أصبح مملوكًا للمودع لديه بحكم رد الوديعة ، وفي هذا جمع لأركان جنحة النصب كما قدمنا .

على هذا يمكنا أن نقول خذ الواقعة من حيث شئت ، فإنها جنحة مضاعفة لأن مالك المنقول احتال على المودع لديه حتى استلم منه الوديع ة، وهو يضمر له شرًا ، ثم بعد ذلك تقدم للاحتيال عليه من جديد ، للاستيلاء على مال من طريق التهديد - بتهمة التبديد - وهو أشد طرق الاحتيال، وأفعلها في نفس المهدد، فالشروع في النصب قائم مقرر.

على أن تدليلنا قد يبدو للمشتغلين بالقضاء ضعيفًا، إذ جرت العادة - مهما كان التدليل العقلي واضحًا - بالرجوع إلى آراء العلماء وفقه المحاكم فلنتمم بحثنا للواقعة من هذه الوجهة.

جاء في جارسون، شرحًا على المادة (405) التي تقابل مادة (293) عندنا، صفحة 1336:

(425): (أن سداد الديون قد يصحبها طرق احتيال متنوعة، وأشهرها أن يستلم المدين مخالصة بدينه ثم لا يدفع الدين ويدعي أنه دفعه).

وقد أثارت هذه الواقعة من جهة وصفها القانوني صعوبات عسيرة الحل ، ولكن فقه المحاكم قرر مبادئ يصح أن تعتبر ثابتة، فإنه إذا أخذ المدين إيصالاً أو مخالصة لمراجعته، ثم لا يدفع، فقد ارتكب سرقة، لأن السند لم يسلم له بصفة نهائية، ومن طريق التمليك بدون قيد، بل سلم له تسليمًا مؤقتًا، لا ينفي السرقة من طريق الاختلاس.

ويقول أيضًا:

(426): (ولكن هذه الأسباب بذاتها تزول وتسقط نتيجتها إذا لم يستلم المخالصة على شرط ردها - بل على أن تكون له بصفة نهائية، وذلك حتى إذا استلم المخالصة من طريق الحيلة لأن أركان السرقة تنعدم، وليس من الضروري دائمًا أن فقدان أركان السرقة يجعل الواقعة نصبًا إلا إذا ثبت أن المخالصة سلمت بسبب استعمال طرق احتيالية).

ونرى أن التفرقة بين حالتي تسليم المخالصة إما مؤقتًا وإما نهائيًا، إنما هو تفريق اصطناعي أكثر منه واقعي أو قانوني.

فإن المخالصة لا تسلم عادةً على شرط درها بذاتها، بل على شرط دفع الدين، فالتسليم دائمًا وقتي ومقرون بشرط: لكن هذا في رأينا لا يجعل الواقعة سرقة إذا لم يدفع المدين، لأن ركن الاختلاس مهما أجهد الباحث نفسه غير حاصل واقعيًا بل هو متوفر حكمًا على ما يقول جارسون، ولسنا ممن يقبلون القول بأن الجنايات تقع اعتبارًا.

أما أركان النصب فظاهرة بدون حاجة إلى إثبات احتيال آخر، فإن الإجماع قائم على أن طرق الاحتيال قد تكون مستفادة من ظروف الواقعة بنفسها ، أو من صفة نفس المتهم إذا كانت تلك الصفة تدعو إلى تصديقه، أو من طبيعة العمل، وواضح أن علاقة الدائن والمدين تستدعي بذاتها أن يدفع المدين دينه، فحضوره متظاهرًا بنية الدفع عمل يدعو بذاته إلى تصديقه، وطلب المخالصة يؤكد قوله أو مظهره، فلا حرج على الدائن إذا قدم له المخالصة، فإذا ما استلمها بعد ذلك وادعى أنه دفع الدين كذبًا، فقد تمت أركان النصب كلها واقعيًا وقانونًا.

وتوافر ركن النصب هنا، أقرب منه إلى توافر ركن السرقة، وهو الاختلاس، لأن الاختلاس في هذه الحالة إنما هو انتزاع فكري، محض، بل هو اجتهاد نظري، يراد به تغليب الاعتبار الفكري، على الواقع المحسوس، فيجب عليك أن تمحو من الوجود واقعة تسليم المخالصة اختيارًا، ثم تضع مكانها من طريق الاعتبار النظري أن المخالصة قد اختلست، وهذا تخريج خطر في مقام البحث في توافر أركان الجنح، فإن الجنحة واقعة مادية على الدوام، أما هنا فيراد تأليفها من فكر مجرد، واعتبار نظري، وهذا لا يجوز على ما نرى.

وعلى كل حال فإن (جارسون) ومعه الأحكام التي يشير إليها مجمعة على تأييد الرأي الذي نقول به وهو اعتبار الواقعة نصبًا إذا كان تسليم المخالصة قد سبقه عمل احتيالي، والنظر في هل وقع احتيال أو لم يقع، إنما هو أمر موضوعي، وأما النصب من جهة وصفه القانوني فلا خلاف فيه.

على أن ما نذهب إليه هو رأي محكمة النقض في باريس، وقد نقله جارسون بعد أن وضع رأيه الذي علقنا عليه بما تقدم، حيث يقول:

(432): (ولكن محكمة النقض، رأت من الطرق الاحتيالية أن يحضر المدين مظهرًا أنه مستعد لدفع الدين، فيضع كيس النقود على ترابيزة، ثم يطلب المخالصة، فإذا أخذها ولم يدفع ، فقد تمت جنحة النصب... (كاساسيون 4 سبتمبر سنة 1824)).

ويعلق جارسون على هذا الحكم بما يأتي:

(هذا القرار قديم، وواقعته في غاية الدقة، أما الفقه الأحدث فإنه يعتبر المدين الذي يضع النقود تحت تصرف الدائن بعد عدها، ثم بعد ذلك يختلسها بالحيلة أو بالمهارة يعتبر أنه قد ارتكب جنحة السرقة لأنه كان ملكها فعلاً للدائن ثم اختلسها).

ثم يقول بعد ذلك:

(أما في حادثة قرار محكمة النقض فإن المدين لم يكن قد وضع النقود تحت تصرف الدائن، إنما أظهر الكيس فقط..، وبهذا فإنه لم يكن في الإمكان اعتباره مختلسًا لنقود هي في الأصل تحت يده ولا زالت كذلك).

(ومع هذا فإننا نميل إلى اعتبار أنه سرق المخالصة). !!

وجاء فيه أيضًا، فقرة (433).

كذلك رأت محكمة النقض أن جنحة النصب متوافرة الأركان في الواقعة الآتية:

(مضارب في البورصة، طلب أن يستلم السندات التي اشتراها في نظير دفع ثمنها.. ثم استلمها من العامل المختص بذلك، ومعها فاتورة عليها مخالصة، ووضع كل هذا في مكتبه، ثم دفع جزءً من الثمن، وطلب من المستخدم أن يصحبه إلى مكتب أخيه ليدفع الباقي ثم تركه ولم يدفع).

ليس في هذه الواقعة إلا ما نذهب إليه، فقد رأت محكمة النقض كما رأينا أن في حضور المشتري إلى مكتب البائع، مظهرًا أنه مستعد لاستلام الأوراق التي اشتراها مظهرًا يدعو بذاته إلى تصديقه، لأن العملية تستلزم ذلك، وكان هذا التظاهر الكاذب حيلة ترتب عليها تسليم المخالصة فوقع النصب كاملاً.

لكن جارسون يستمر على رأيه فلا يرى أن في هذا المظهر ما يكفي لاعتبار أن الاحتيال قد تمثل، وهذا هو سبب اعتراضه الوحيد، فالمسألة ليست اختلافًا على جوهر المبدأ كما ترى، بل على تقدير الطرق الاحتيالية وكيف تكون، وهذه مسألة واقعية، فالإجماع حينئذٍ قائم على أنه نصب إذا كان من الظروف ما يدعو إلى اعتبار أن الدائن إنما سلم المخالصة معتقدًا أنه سيقبض دينه.

هذا فيما يتعلق بالمدين إذا أخذ مخالصة ولم يدفع الدين، فهل تختلف الحالة العكسية ؟ وهي إذا ما استلم الداين دينه، ثم احتفظ بسنده، ورجع إلى المطالبة مرة أخرى. !!

يقول جارسون، صفحة 1338 ما يأتي:

(433): (وقد تقع نفس الطرق الاحتيالية من الدائن ضد المدين فبعد أن يستلم دينه، يدعي أن المدين لم يدفع ثم يطالب بالدين من جديد، والمبادئ التي قررناها في شأن المدين تنطبق على هذه الحوادث الدقيقة).

نرى أن الواقعة تعتبر سرقة، إذا استولى الدائن على النقود قبل أن توضع تحت تصرفه، أو إذا استرد سند الدين أو المخالصة بعد أن أعطى أحدهما للمدين، ويعتبر نصبًا إذا كان الدائن قد استعمل الحيلة فجعل المدين يسلمه الدين - بدون تسليم سنده - ولكن النصب لا يتكون إذا لم يثبت أنه استعمل لأخذ الدين طريقًا احتياليًا، ولا يكفي لتكوين أركان النصب أن الدائن كذب على المدين فجعله يدفع الدين بدون أخذ إيصال أو بدون استرداد السند.

لهذا فقد حكمت محكمة النقض، أنه إذا كتب سند جديد بدل السند القديم الذي استحق وادعى الدائن أن السند القديم قد فُقد فإن ركن النصب غير متوفر، لأن الدائن لم تصدر منه حيلة لاستلام السند الجديد، أما دعوى فقدان السند القديم فقد صدرت بعد استلام الجديد فهي لم تكن سببًا لاستلامه. (نقض 9 يناير سنة 1885).

وهنا أيضًا يجب أن نلاحظ أن جارسون يحصر بحثه، سواء في الرأي يبديه هو، أو في نقل حكم محكمة النقض، في واقعة استلام السند الجديد، أو قبض الدين، ويريد أن يعطي لهذه الواقعة بالذات حكمها، ثم يريد أن يبسط حكمها وحدها على الوقائع التي تليها، وهو خطأ لأنها تقف عند استلام الدين، أو السند الجديد، الذي حل محل القديم، وهذا هو موضوع حكم محكمة النقض بالتحديد.

أما الواقعة التالية، وموضوعها، أن ذلك الدائن - الذي لا دين له - يدعي بعد أن قبض دينه أنه دائن، ثم يهدد برفع الدعوى ثم يرفعها فعلاً فإنها واقعة مستقلة ذات أركان خاصة بدأت بدعوى كاذبة ثم أسندت إلى وقائع احتيالية، ودليلها قائم موجود لكنه دليل باطل مسموم، وهذه الواقعة التامة الأركان، لا يتعرض لها جارسون ولا يبحث في حكمها، لا هو ولا حكم النقض. !!

بل إننا إذا أخذنا مبدأه أساسًا، ثم أردنا تطبيقه على هذه الحادثة التالية من باب الاستطراد، فإنها تكون نصبًا أيضًا، إذ هو قد أخرج واقعة استلام الدين من دائرة النصب، بناءً على أن دعوى فقدان السند القديم، جاءت بعد استلام الدين، والواقع أنه لا يستطيع أحد أن يفهم أن تأخير الحيلة يجعل تسليم الدين حاصلاً على أنه تبرع نهائي، غير مشترط فيه بحكم الحال والظروف، بل بحكم الواجبات المفروضة، أنه دفع مرتبط في واقعته، وحكمه، بتسليم سند الدين، أو تسليم مخالصة عنه، وما دام أن هذا هو شرط الدفع الذي لا نزاع فيه كان الاحتجاج بأن التحايل بفقدان السند حصل بعد استلام المبلغ لا يغير شيئًا من معاني الواقعة، ولا من ركنها الإجرامي، بل هو يزيد في بيان نية الإجرام، وفي بيان مقدار الحيلة، لأن الدائن سكت احتيالاً حيث يجب السكوت، حتى يهيء له طريق الاختلاس الذي يريده، فإنه إذا أعلن المدين قبل استلامه الدين أنه لا يريد أولاً يستطيع أن يسلم سنده، أو مخالصة عنه، فقد يثير ذلك حذر المدين، وقد يعتذر عن الدفع فمن الغريب في الصورة التي يرويها جارسون أن يكون احتياط الجاني لإتمام جنايته وإحكامه في ارتكابها سببًا لعدم تكوين أركانها وإفلاته من العقوبة. !!

ونظن أنه من أجل هذا قد تجاوزت محكمة النقض عن الأخذ بشرط جارسون، ورأت أن الواقعة نصب تام الأركان، ونجد هذا في جارسون نفسه فقرة (446) حيث يقول:

(ولكن محكمة النقض حكمت بأن النصب واقع إذا قبض محصل الأموال الذي رُفض من وظيفته ما هو مطلوب من أحد الممولين وأعطاه مخالصة).

(747): (وكذلك الدائن الذي يقبض دينه من مدين أمي وانتهز فرصة جهله فسلمه صورة من سند الدين وحفظ الأصل ثم حوله وطلب بقيمته بعد ذلك).

هنا فقط وفي هذا الحكم الأخير تجد الواقعة التي نفترضها، لأن جنحة النصب ليست مشخصة في واقعة قبض الدين في ذاتها بل تشخصها الواقعة التالية وهي المطالبة بالدين الذي أصبح غير مستحق، ثم استعمال سند الدين المحفوظ دليلاً عليه.

لكن جارسون يستمر على فكره الأول، وهو التوحيد دائمًا بين الواقعتين، قبض الدين، ثم المطالبة به مرة أخرى، فنراه يوافق على هذا الحكم، ولكنه يرجع في تعليله القضائي إلى ما أبداه فيما مضى، فيقول إن المدين هنا قد دفع بناءً على حيلة صدرت من الدائن وهي إيهامه بإعطاء مخالصة والواقع أنها ليست كذلك.

ولو تأملنا إلى هذا التعليل لجاز لنا الشك في قبوله إذ أن هذا المدين، كان له من الطرق مهما كان جهله ما يضمن به كشف حقيقة الورقة التي عرضت عليه، وحكايته لا تخرج عن أنه قد صدق الدائن لمجرد قوله أنه يعطي مخالصة، ولا فرق بينه وبين من يعرف القراءة إذا صدق الدائن في اعتذاره مثلاً بأن سند الدين ليس في متناول يده، مؤقتًا .

وليس من الواجبات المفروضة أن يعتقد الناس في بعضهم البعض أنهم لصوص خاطفة، وإذا شئت أن تجعل هذا الاعتقاد واجبًا لوجب على ذلك المدين الجاهل الأمي أن يحضر من يقرأ له الورقة، ولكن الواجبات العامة وأحكام الاجتماع تقضي باعتبار الإنسان بريئًا، فإذا ما ثبت هذا الواجب في نفس أحد المتعاملين فعمل به فلا يحرمه هذا من حماية القانون .

على أنه طبيعي أن يكون من آثار المعاملة بين اثنين أن تزيد في هذا الواجب تأكيدًا فليس للذي صدقه مدينه - في اعتذاره لعدم إمكانه رد السند - أن يتمسك عليه لماذا لم يعتقد أنه لص، وعلى هذا ينجو من العقوبة، لا لسبب آخر غير حُسن الظن به. !!

هذا نقوله - من باب المساجلة مع جارسون في رأيه - فيما يختص بالواقعة الأولى وهي تسليم الدين بدون أخذ مخالصة لكن حكم النقض واقع على الواقعة الثانية المستقلة، وهي دعوى الدائن أنه لم يقبض الدين، واستعمال سنده القديم الذي أصبح باطلاً، وطلب قبضه مرة ثانية، وفي هذه الدعوى كل أركان النصب كاملة، ولم يبدِ جارسون في شأنها شيئًا يعترض حكم النقض .

نخرج من هذا - حينئذٍ - على أن القول الشائع بأن الدائن إذا طلب دينًا قد سبق أن أخذه لا يدخل عمله في دائرة قانون العقوبات، إنما هو قول يخالف القانون، ويخالف الآداب العامة، ويخالف الأحكام، وإجماع المذاهب .

إلى هنا بحثنا الموضوع من ناحيته العامة، على اعتبار أن صاحب الوديعة دائن، وأن المودع لديه مدين، ونريد الآن أن نبحث في الوديعة بذاتها، وإذا جئنا إلى هذا البحث وجدنا الموضوع لا خلاف فيه ولا نزاع.

لم نجد في المطولات بابًا معقودًا للوديعة على وجه العموم، لكنا وجدنا بابًا عنوانه النصب في أمانات مصلحة السكة الحديد، وما تقرر في شأنها ينطبق على الودائع عامة - لأنه لا يوجد تشريع خاص لمصالح أو شركات السكة الحديد، بل الأحكام فيها راجعة إلى قواعد القانون العامة.

وردت في جارسون صفحة 1357:

(615 - أن طرق الاحتيال التي تحصل ضد شركات السكك الحديدية - كثيرة - وأن أهمها يكون جنحة النصب، لأن جميع أركانها متوفرة فيها).

ثم قال بعد ذلك في صفحة 1358، وهذا هو موضوع الوديعة.

(633 - كذلك نقل البضائع - قد يكون ظرفًا لاستعمال حيل تتكون منها جنحة النصب).

وقد تقرر أن المادة (405) تنطبق على من استلم كل أو بعض البضائع، ثم حفظ السند، وطالب بالبضائع من جديد.

اقرأ هنا ماذا يقول جارسون بعد الذي نقلناه فيما مضى، تراه قد رجع صراحةً عن رأيه وانضم إلى رأي أحكام النقض فيما تقدم، وصدق على وجهة النظر التي نبديها !! وكأنه هنا قد فطن إلى العملية الثانية، التي تقول إنها منفصلة تمام الانفصال، وهي واقعة المطالبة الجديدة، بصرف النظر عن واقعة استلام الوديعة.

يقول جارسون هنا ما يأتي:

هذه الواقعة لا يمكن اعتبارها سرقة - لأن المسافر الذي استلم بضاعته قد استلم شيئًا هو ملكه، لكن جميع أركان النصب متوافرة لأن هذا المسافر يكذب، في تأكيده أنه لم يستلم البضاعة، وهو يؤيد هذا الكذب بطرق احتيالية، هي طلبه رد البضاعة، وتمسكه بقسيمة، يستدل بها على حق وهمي لا أثر له.

- كاساسيون - 3 ديسمبر سنة 1885 - سرى سنة 1887 - 1 - 238.

- كاساسيون - 9 يونيو سنة 1888 - سرى سنة 1888 - 1 - 448.

- كاساسيون - 16 يناير سنة 1892 - سرى سنة 1892 - 1 - 216.

- ليموج - 12 نوفمبر سنة 1898.

- كورنيل - 18 مايو سنة 1900.

كذلك نجد هذا الإجماع، في كل مطول من المطولات، وفي المجموعات، والمؤلفات بدون شذوذ، وفي داللوز وفي سيرى، وفي جارو، وهكذا، فوضح أن قولنا الذي صدرنا به هذا البحث أن هذه قضية يخيل لنا أنها بديهية لا تحتاج بحثًا، إنما هو الصواب بذاته وقد أدى بنا الاستقراء إلى أن إجماع العلم وفقه المحاكم قائم على أن النصب لا خلاف في توافر أركانه. وإذا تأملت إلى هذا الإجماع في حالة ودائع مصلحة السكة الحديد، وليس بين المصلحة وبين مالك البضاعة، علاقة شخصية !!، فلا ثقة تصلح عذرًا للتساهل في استرداد سنة الوديعة !!، ولا معاملة مستديمة تخجل الموظف من طلب السند !! ولا صداقة مانعة من رفض تسليم البضاعة بدون استرداد القسيمة .

فما بالك بالواقعة إذا حصلت بين صديقين، أو زميلين في صنعة أو في تجارة، قد تعاملا كثيرًا في أموال جسيمة سنوات متواليات، سواء بإيصالات أو بغير إيصالات، مما يبعث على الثقة ؟!.

بل ما قولك إذا كانت المعاملة في نوعها، إنما كان جوهرها وموضوعها الثقة بين الفريقين كأن تكون نفس الوديعة حاصلة لمصلحتهما معًا كبيع البضاعة واقتسام الربح، إلى غير هذا من الظروف التي توحد بين الناس، وتجمع بين المتعاملين بجامعة المصلحة والتعاون، فتجعل تصديق كل اعتذار لعدم رد السند واجبًا أدبيًا للخروج عن حكمه ؟!! اللهم إلا في أخلاق اللئام والأشرار !

وإنك لتعجب وهذا هو الإجماع إذا علمت أننا لما عرضنا الواقعة على أنها نصب، كان الاعتراض علينا من كل ناحية، ومن كل مشتغل بالقضاء كأننا نبدي كفرًا بالقانون، بل شذوذًا عن مرامي العقل الإنساني، فمن قائل، ولماذا سلم المودع لديه الأمانة بغير إيصال ؟ ومن قائل، وكيف يثبت المودع لديه براءة ذمته من الوديعة بشهادة الشهود رغمًا عن وجود السند المكتوب ؟!!!

أما لماذا سلم الأمانة فهذا لا يدخل في المناقشة بوجه من الوجوه، لأن واقعة النصب ليست هي تسليم الأمانة بغير إيصال، وقد قلنا كثيرًا ونعيد أن مالك الوديعة إنما قد استلم منقولاً هو يملكه فليس في هذا الاستلام نصب، ولكن النصب يبتدئ من المطالبة بالوديعة مرة ثانية، وبدعوى أنه لم يستلم كذبًا، ثم الاستلال على هذا الكذب بالإيصال الذي بقي بيده ولكنه أصبح باطلاً، وأصبح وديعة على ذمة المودع لديه الذي برئت ذمته، ثم في تهديده للمودع لديه باتهامه بالتبديد ظلمًا، إنما لم يعطه شيئًا من المال !!!

هذا هو النصب بالإجماع وهذا هو الذي لا يستطيع أحد أن يعارضه من طريق نقل البحث فيه إلى الواقعة السابقة عليه، وهي لماذا وكيف سلم المودع لديه الأمانة بلا إيصال ؟!!

على أني لا أفهم معنى لهذا الاعتراض غير أنه جمود أمام الواقع، وعصيان لتقدير هذا الواقع وتعرف حكمه، فإنه لولا هذا التسليم بدون إيصال لما وجدت الواقعة أصلاً !!! ولما كان هناك سبيل لارتكاب الجنحة !!! ولعرض البحث مطلقًا، فكأنما الذي يضع هذا الاعتراض، يعلل الشيء بذاته، أو يقول إن الواقعة لا يعقل حصولها، أو هي لم تحصل، فهي لا تعتبر أيضًا من جهة القانون، والمفهوم بداهةً أن البحث في تكييف الواقعة من جهة القانون إنما لا يأتي إلا مع التسليم بأن الواقعة قد حصلت في ذاتها والمقصود إفراغها في قالبها القانوني، وتحديد المادة التي تنطبق عليها.

بل ويتقدم الاعتراض خطوة فيأخذ شكلاً يفهم صاحبه أنه القانون بذاته، فيقول، وكيف يثبت المودع لديه براءة ذمته بشهادة الشهود والأمانة ثابتة بسند مكتوب !!!

الاعتراض هو بذاته نفس الاعتراض الذي تقدم لكنه يأخذ شكلاً جديدًا، تتوهم فيه النفس العاصية عن البحث، أنها تتمسك بمبدأ قانوني، والواقع أن القانون ليس فيه شيء من هذا إذ هو يقضي بأن وقائع النصب تثبت بشهادة الشهود، مهما كان موضوع النزاع، وهذا هو الإجماع.

فالذي يعترض بقواعد الإثبات، إنما يخطئ الخطأ كله، إذ لا توجد قاعدة تقضي بأن للنصاب أن يتمسك بقواعد الإثبات المدنية، ليحمي به جريمته، وإذا شئت ما دمنا في عصيان مستمر أن تقدم رأي العلم لا رأينا، فخذ أي كتاب نجد هذه القاعدة مقررة، ونراها مثلاً في جارو جزء (5) - صفحة 277 فقرة (276)، وفي أي كتاب آخر غيره، ونراها في البندكت جزء 30 صفحة 307 إذ ورد فيها، ويثبت النصب دائمًا بشهادة الشهود مهما كانت أهمية الحق المتنازع عليه وكذلك البينة ضد العقود المكتوبة وضد العقود الرسمية.

على أني لست أدري كيف خفي على النفس المعترضة نتيجة هذا الاعتراض الخطر، فإنه لا يوجد من يستطيع أن ينكر أن مثل هذه الواقعة قد تحصل، والاعتراض موضوعه أنها إذا حصلت فقد أصبح الذي أدى الأمانة لصاحبها، في حكم من لم يردها، مقيدًا بالأغلال ملزمًا بالرد، وهذا محال عليه لأنه قد ردها فعلاً، وملزمًا بالتعويض، ولا تعويض عليه لأنه غير مدين في الواقع، ومعرضًا للعقوبة باعتباره مبددًا وهو بريء، ثم هو في هذا الموقف المظلم ممنوع حتى عن الدفاع عن نفسه، بإثبات براءة ذمته ليتقي توقيع عقاب لا يستحقه !!!، والواقع أن كل جنايته إنما انحصرت واقعيًا في أنه قصر في حق نفسه، أو صدق عميلاً وصديقًا لم يكن خصمًا في وقت أن صدقه، لا في أنه بدد أمانة أعطيت له فعلاً، لأنك إنما تضع هذا الفعل من باب الاستنتاج النظري بناءً على قواعد الإثبات التي تتوهمها.

أن القانون لا يحمي في أي حكم من أحكامه ولا في أية قاعدة من قواعده بما في ذلك قواعد الإثبات غير المعاملات البريئة.

أما من أجرم فإنه خارج على القانون عابث به، فلا يحميه، ولهذا تقرر أن جميع أعمال العدوان وجميع التهم، تثبت بشهادة الشهود، بل جميع أعمال الغش والاحتيال حتى في دائرة النزاع المدني تثبت بالشهود أيضًا !! وبقرائن الأحوال، فتبطل العقود بالشهود، وتثبت براءة الذمة بالشهود، ولولا هذه القاعدة الأصلية لما كان ذلك الإجماع الذي نقلناه على اعتبار الواقعة نصبًا.

والقول الصريح إن هذا الجدل بذاته، بما فيه من الإعراض عن الواقع، والعصيان عن تحري الحقيقة وترتيب المسؤوليات الحقة عليها، إنما هو مساعدة للنصاب في أن يتم عمله، وفي أن ينجو من المسؤولية، بناءً على وهم يراد إسناده إلى القانون وهو في موضوعه تأثيم بريء، بتهمة أنه بدد الأمانة نظريًا، لا واقعيًا.

وأنها لمسؤولية كبرى أن يريد المسيطرون على العدالة أن يصموا الآذان عن معرفة الواقع !!! وأن، فإنك إذا قضيت على من صدق فسلم الوديعة على وعد أن يستلم السند غدًا، فإنما تقضي عليه لأنك ترى محالاً أن يحصل مثل هذا التصديق، فأنت حينئذٍ تقول إن القانون وضع لحماية الكذابين والمكذبين، لا لحماية الرجل الطيب المصدق، وإذا كان ذلك ما تريده القوانين بين الناس فاللهم رفقًا بهذه النجمة السوداء ومن عليها، وأنه لعبث أن يقال إن القوانين وضعت لحماية الصالحين !!











مكتب / محمد جابر عيسى المحامى



أثر الحكم بالبراءة على دعوى التعويض
























حكم البراءة في تهمة القتل أو الجرح بلا عمد على دعوى التعويض أمام المحكمة المدنية إذا بنى الحكم على نفي الخطأ





1 - أثر القضاء الجنائي على المدني وحكمته وأساسه القانوني:

قد يبدو غريبًا أن يقال إن الحكم الجنائي يحوز قوة الشيء المحكوم به أمام المحكمة المدنية في موضوع مدني بحت مع اختلاف الموضوع والسبب والأخصام في كلتا الدعويين الجنائية والمدنية ففي الأولى يكون الموضوع والسبب هو الفعل الجنائي أو الجريمة المسندة إلى المتهم وخصمه النيابة العمومية وليس الأمر كذلك في الدعوى المدنية وعلى الأخص في دعوى مطالبة المجني عليه وورثته بالتعويضات المدنية من المتهم.

ولهذا لا يمكن الاستناد إلى نص المادة (232) من القانون المدني التي تنص على حجية الأحكام وقوتها على شرط اتحاد الموضوع والخصوم والسبب.

ولكن مصلحة اجتماعية هامة تقضي بأن يحترم القاضي المدني ما يحكم به القاضي الجنائي حتى لا تتضارب الأحكام المدنية مع الجنائية وحتى لا يخامر الجمهور الشك في عدالة الأحكام الجنائية التي ترمي إلى توطيد الأمن والطمأنينة بين الناس وكما يقول ميرلان أنه مما يبعث على الاضطراب وهياج الأهالي أن تقضي المحكمة برفض دعوى التعويض استنادًا إلى أن من نسب إليه التهمة لم يرتكب جريمة القتل بعد أن صدر الحكم من محكمة الجنايات بإعدامه وبعد أن نفذ الحكم فعلاً.

لذلك تحتم الضرورة الاجتماعية على القاضي المدني أن يحترم الأساس الذي قام عليه الحكم الجنائي (انظر كتاب كولان وكابتان طبعة أخيرة جزء (2) بند (493) صفحة (459)).

أما الأساس القانوني فإن الشارع الفرنسي نص في الفقرة الثانية من المادة الثالثة من قانون تحقيق الجنايات الفرنسي على أن نظر الدعوى جنائيًا يوقف سير الدعوى المدنية وبنى الشراح على هذا الأساس وجوب احترام الحكم الجنائي حتى لا يتخاذل معه الحكم المدني ولا ينفي ما أقره.

ولو أن القانون المصري لم ينقل نص المادة (3) من قانون تحقيق الجنايات الفرنسي إلا أنه قد أصبح هذا المبدأ أوليًا في القضاء المصري الحديث (تراجع الأحكام العديدة الصادرة من محكمة النقض في المواد الجنائية ومحكمة الاستئناف التي تقرر هذا المبدأ في كتاب مرجع القضاء في القانون المدني تحت رقم (5825) وما بعده).

وهذا بعد أن ترددت المحاكم المصرية في الأخذ بهذا المبدأ (انظر حكم محكمة الاستئناف الصادر في 31 أكتوبر سنة 1901 الذي يقول بإنه لا يوجد نص في القانون يقضي بأن ترتبط المحاكم المدنية بالأحكام الصادرة من المحاكم الجنائية وانظر عكس ذلك حكم محكمة النقض الصادر في أول يونيو سنة 1926 والمنشور في مجلة المحاماة سنة 7 صفحة (355)).

ويقول دوهلس في كتابه شرح القانون المدني المصري جزء أول صفحة (305) بند (130) تحت عنوان (قوة الشيء المحكوم به) أن هذه القاعدة يجب العمل بها في مصر طالما أن هذا هو روح التشريع الفرنسي الذي يعتبر التشريع المصري وليده ولأنه لم يرد أي نص في القوانين المصرية يناقض هذا المبدأ (انظر عكس هذا الرأي في مقالة الأستاذ مرقص بك فهمي الواردة في مجلة المحاماة سنة 3 صفحة (315)).

هذا وقد سنحت الفرصة أخيرًا للشارع المصري ليفصح عن هذا المبدأ فورد النص في القانون رقم (57) سنة 1937 الخاص بإصدار قانون تحقيق الجنايات المختلط في المادة (19) ما يأتي:

(إذا استلزم الفصل في دعوى مرفوعة أمام محكمة مدنية أو تجارية معرفة ما إذا كانت هناك جريمة قد ارتكبت أو إذا كانت قد وقعت من شخص معين يجب على تلك المحكمة أن تفصل في المنازعات المتعلقة بذلك طبقًا لما قضى به نهائيًا من المحكمة الجنائية التي فصلت في الدعوى ولو كانت قد طبقت قواعد الإثبات الخاصة بالمواد الجنائية - ويوقف الفصل في الدعوى المدنية إذا رفعت الدعوى الجنائية قبل الفصل فيها نهائيًا).

ويلاحظ أن البحث في هذا المقام مقصور على نوع واحد من الأحكام الجنائية وفي موضوع مخصص وهي أحكام البراءة الصادرة من المحاكم الجنائية في تهمة القتل أو الجرح بلا عمد استنادًا إلى أن المتهم لم يرتكب خطأ أو إهمالاً وأثرها على دعاوى التعويض التي يرفعها المجني عليه أمام المحكمة المدنية لذلك يجب أن تضيق دائرة بحثنا في نطاق هذه الدائرة فلا يتناول غير ذلك من الأحكام الجنائية كأحكام الإدانة أو أحكام البراءة لعدم ثبوت التهمة أو لأن الفعل لا يعد جريمة أو غير ذلك فهي تخرج عن هذا البحث.

2 - رأي الفقه في فرنسا وبلجيكا:

قد ذهب المؤلفون في فرنسا في هذا الموضوع إلى رأيين فالرأي الأول الذي قال به معظم الأقدمين وبعض المحدثين من الشراح - مؤداه أن حكم البراءة إذا بنى على نفي الخطأ عن المتهم فلا يقيد القاضي المدني في الفصل في دعوى التعويض الناشئ عن هذا الفعل ويعللون ذلك بأن وظيفة المحكمة الجنائية البحث في الجريمة فقط فإذا قضت بالبراءة فتكون قد استبعدت الخطأ الجنائي دون سواه وليس لها أن تتعرض إلى الخطأ المدني لأنه ليس من اختصاصها ثم إن كل فعل إذا تجرد من الخطأ الجنائي يبقى فيه بقية من الخطأ المدني لأن الخطأ الجنائي فاحش وجسيم والثاني قد يكون تافهًا ويسيرًا ويقول أوبرى ورو تأييدًا لهذا الرأي أن الإهمال في حوادث القتل خطأ يجوز أن يكون كافيًا لاعتبار خطأ مدنيًا وأساسًا للحكم بالتعويض المدني ومع ذلك يجوز أن لا يعتبر خطأ جنائيًا ولا يستأهل هذا الخطأ اليسير عقابًا.

ومن أنصار هذا الرأي أوبري ورو في كتابهما جزء (2) صفحة (470) بند (769) مكرر ومرلان تحت عنوان تعويض مدني بند (2) ودورانتون جزء ( بند (486) وما بعده وماتيجان تحت عنوان دعوى عمومية جزء (2) بند (423) وما بعده ولارومبير جزء (5) تعليقات على المادة (351) بند (177) وأيضًا جريو لييه في تعليقه على دالوز سنة 1869 جزء أول صفحة (170) وانظر تعليق ربير في دالوز سنة 1925 جزء أول ص (6) وشوفو تحقيق جنايات صفحة (947) وديمولومب جزء (30) بند (427) وهيك جزء ( بند (340) وانظر أيضًا لاكوست بند 1124.

3 - الرأي الثاني:

مؤداه أن الحكم الذي يصدر من محكمة الجنح ببراءة المتهم في تهمة القتل أو الجرح خطأ إذا بنى على أنه لا إهمال ولا رعونة من جانب المتهم في الفعل المسند إليه فإنه مانع من سماع دعوى التعويض المدني التي تقام على أساس هذا الفعل بالذات ويعلل كولان وكابيتان هذا الرأي في كتابهما القانون المدني جزء (2) طبعة أخيرة صفحة (460) بند (496) بأن جميع صور الخطأ والإهمال مندرجة في عموم النص الوارد في قانون العقوبات مادة (319) في فرنسا ومادتي (202) و (208) قانون عقوبات أهلي قديم ومادة (238) و (244) من قانون العقوبات الجديد فإذا قال القاضي الجنائي أن المتهم لم يرتكب إهمالاً ما فلا يسوغ للقاضي المدني أن يحكم بالتعويض على أساس أنه ارتكب خطأ وإلا فإنه يكون متناقضًا مع حكم المحكمة الجنائية الذي يجب احترامه والأخذ بما حكم به.

ويقول هنري وليون مازو في كتابهما المسؤولية المدنية جزء (2) صفحة (625) بند (1823) وبند 1856 أن النص الوارد في المادتين (319) و (320) عقوبات فرنسي المقابلتين للمادتين (238) و (244) من قانون العقوبات الأهلي الجديد شامل لكل أنواع الخطأ فالإهمال الجنائي يجب كل صورة من صور الإهمال أو الخطأ المدني مهما كان يسيرًا englobe toute faute personnelle ونص قانون العقوبات عام بحيث لا يدع مجالاً لافتراض أي إهمال آخر ولو كان يسيرًا فإذا نفاه الحكم الجنائي فلا يسوغ للمحكمة المدنية أن تسمع دعوى التعويض على أساس الإهمال الذي كان موضوع التهمة - ويقول سافاتييه في مجلة دالوز سنة 1930 جزء (51) صفحة 40 أن اندماج الخطأ المدني في الخطأ الجنائي الذي هو أساس جريمة القتل أو الجرح بلا تعمد أصبح الآن مبدأ مستقرًا ومضطردًا ويقول جارسون في شرح المادتين (319) و (320) من قانون العقوبات الفرنسي بند (16) بأن نص هاتين المادتين عام وشامل بحيث لا يوجد أي نوع من أنواع الإهمال أو الخطأ لا يستطيع القاضي أن يدمجه فيه وأن الشارع لم يدع مجالاً لأن يستثني من النص سوى حوادث العوارض فقط.

(انظر هذا الرأي في كتاب بلانيول وربير واسمين بند (679) وبند (673) وفي تعليق اسمين في سيرى سنة 1930 جزء أول صفحة (177) - وجارو شرح قانون العقوبات طبعة ثالثة جزء (6) صفحة 346 بند (2350) - وجارسون تعليق على المادتين (319) و (320) بند (16) وانظر أيضًا جلاسون وتسييه مرافعات عدد (3) بند (777)).

وجاء في الموسوعات البلجيكية تحت عنوان قوة الشيء المحكوم به بند (319) أن الرأي المجمع عليه تقريبًا في الفقه والقضاء هو أنه لا يمكن تصور أي فارق في درجة الجسامة بين الإهمال الذي هو عنصر لجريمة القتل أو الجرح خطأ والإهمال الذي يتكون منه الخطأ المدني.

4 - أحكام محكمة النقض الفرنسية وترددها بين الرأيين والمبدأ الذي استقرت عليه أخيرًا:

ليس هناك مسألة قانونية تناقضت فيها أحكام محكمة النقض الفرنسية مثل تناقضها في هذا الموضوع ويمكن بيان الأطوار التي عرجت فيها تلك المحكمة بين الرأيين المشار إليهما آنفًا كما يأتي:

أولاً: قضت محكمة النقض الفرنسية في بعض أحكامها القديمة بأنه لا يمكن قيام أية مسؤولية مدنية بعد الحكم بالبراءة جنائيًا وهذا المبدأ وارد في الحكم الصادر في 7 مارس سنة 1857 والمنشور في دالوز سنة 1855 جزء أول صفحة (81).

ثانيًا: وفي حكمها الصادر في 17 مارس سنة 1874 والمنشور في دالوز سنة 1874 جزء أول صفحة (399) قالت محكمة النقض الفرنسية بأنه يجوز أن يتخلف خطأ يسير يترتب عليه مسؤولية مدنية بعد الحكم بالبراءة وبعد أن تنفي المحكمة الجنائية الخطأ عن المتهم.

وهذا المبدأ ورد أيضًا في الحكمين الصادرين من دائرة العرائض في 31 مايو سنة 1892 والمنشور في دالوز سنة 1892 جزء أول صفحة (381) والصادر في 7 نوفمبر سنة 1894 والمنشور في سيرى سنة 1895 جزء أول صفحة (46).

ثالثًا: ومنذ سنة 1912 عدلت محكمة النقض الفرنسية عن ذلك المبدأ وقالت بأنه لا محل لافتراض أي خطأ مدني بعد أن تقضي المحكمة الجنائية بالبراءة إذا استند حكم البراءة إلى أن المتهم لم يرتكب أي إهمال - وجاء في حكمها الصادر في 18 ديسمبر سنة 1912 والمنشور في دالوز سنة 1915 جزء أول صفحة (17) الأسباب الآتية:



Attendu que les arts/ 319 & 320 Code Pénal puinissent de peines correctionnelles qui conque, par maladresse, imprudence, inattention, negligence ou inobservation des reglements, a commis involontairement un homicide ou causé des blessures sans que la legerté de ta laule commis, puisse avoir d’autre effet que d’attenuer la peine incourue.



وجاء أيضًا في الحكم الصادر من تلك المحكمة في 10 يونيو سنة 1914 والمنشور في سيرى سنة 1915 جزء أول صفحة 70 ما يأتي:



Attendu que les arts, 319 et 320 Code Penal punissent de peines correctionnelles (qui - conque) par maladresse, imprudence, inattention, negligence, inobservation des reglements, a causé involontairement des blessures, sans distinguer suivant la gravité de la faute commise; d ‘où il suit que lorsque la juridiction correctionnelle a acquitté un prevenu de blessures involontaires, le juge civil ne peut, sans contredire la chose jugée, le condamner à des dommages - intèrêt envers la partie qui prétend lésée si celle - ei ne relève contre lui en dehors de l’imprudence et de l’inobservation des reglements aucune autre circonstance de nature à engager sa responsabilité.



وهذا المبدأ قد ورد أيضًا في الأحكام الصادرة من محكمة النقض الفرنسية الآتي بيانها:

- حكم محكمة النقض في 28 مارس سنة 1916 والمنشور في دالوز سنة 1920 جزء أول صفحة (25).

- حكم دائرة العرائض في 12 يناير ستة 1917 والمنشور في دالوز سنة 1922 جزء أول صفحة (52).

- حكم دائرة العرائض في 12 يوليو سنة 1917 والمنشور في سيرى سنة 1918 جزء أول صفحة (212).

- حكم محكمة النقض في 10 يونيو سنة 1918 والمنشور في سيرى سنة 1922 جزء أول صفحة (52) حكم محكمة النقض في 20 نوفمبر سنة 1920 والمنشور في دالوز سنة 1924.

رابعًا: حادت محكمة النقض الفرنسية عن هذا المبدأ في بعض الأحكام في حوادث اصطدام السفن إذ جاء في الحكم الصادر في مايو سنة 1924 والمنشور في دالوز سنة 1925 جزء أول صفحة (12) أن الحكم الصادر من المحكمة التجارية بالبراءة في تهمة الاصطدام لانتفاء الخطأ لا يمنع من أن تحقق المحكمة المدنية في شبه الجنحة المدنية التي يترتب عليها المسؤولية المدنية.

وكذلك في الأحكام الصادرة من مجلس الجيش بفرنسا ببراءة بعض رجال الجيش من تهمة القتل خطأ قضت محكمة النقض في حكمها الصادر في 29 يوليو سنة 1922 والمنشور في سيرى سنة 1925 جزء أول صفحة (321) بجواز سماع الدعوى المدنية بالتعويض رغمًا عن هذه الأحكام (انظر أيضًا الحكم الصادر في 14 يناير سنة 1925 والمنشور في دالوز سنة 1926 جزء أول صفحة (189) والحكم الصادر في 8 فبراير سنة 1926 والمنشور في الجازيت سنة 1926 جزء ول صفحة (628)).

ولكن يظهر أن الذي حمل محكمة النقض الفرنسية على الشذوذ عن القاعدة العامة هو أن هذه الأحكام لم تشتمل على أسباب البراءة وبعضها اقتصر على ذكر عبارة أن المتهم غير مذنب فقط فلم تتبين المحكمة السبب الذي بنى عليه حكم البراءة لذلك أجازت للمحكمة المدنية أن تحقق وقائع الإهمال من جديد.

خامسًا: أخيرًا استقر قضاء محكمة النقض الفرنسية على المبدأ الثاني القائل بأن لا يمكن تصور أي خطأ مدني بعد نفي الخطأ الجنائي عن المتهم ولذلك لا يجوز سماع الدعوى المدنية بعد الحكم بالبراءة إذا بنى الحكم على أنه لم يكن هناك خطأ أو إهمال في الفعل المسند إلي المتهم.

وهذا المبدأ اضطرد في الأحكام الآتية:

- حكم النقض الصادر في 16 يوليو سنة 1928 والمنشور في دالوز سنة 1929 جزء أول صفحة (33).

- حكم النقض الصادر في 15 يناير سنة 1929 دالوز أسبوعي سنة 1929 صفحة (116).

- حكم النقض الصادر في أول ديسمبر سنة 1930 جازيت المحاكم سنة 1931 جزء أول صفحة (80).

- حكم النقض الصادر في 17 إبريل سنة 1931 جازيت المحاكم سنة 1921 صفحة (37).

- حكم النقض الصادر في 10 مايو سنة 1932 دالوز أسبوعي سنة 1932 صفحة (380).

- حكم دائرة العرائض في 24 أكتوبر سنة 1932 جازيت المحاكم سنة 1932 جزء (2) صفحة (936).

- حكم دائرة العرائض في 14 نوفمبر سنة 1933 جازيت المحاكم سنة 1934 جزء أول صفحة (176) وجاء في بعض هذه الأحكام العبارة الآتية:



La faute pènale des articles 319 et 320 du Code pènal contient tous les elements de la faute civile.



ويقول هنري وليون مازو في صفحة (625) من المرجع المشار إليه آنفًا إن هذا المبدأ قد ساد في القضاء الفرنسي بعد أن ترددت المحاكم فيه ردحًا من الزمن.

5 - مذهب القضاء البلجيكي:

أما الرأي الذي ساد في الأحكام البلجيكية فهو ما استقرت عليه محكمة النقض الفرنسية أي عدم جواز سماع دعوى التعويض بعد الحكم ببراءة المتهم بالقتل أو الجرح بغير عمد إذا كان الحكم الجنائي قد نفى وقوع الخطأ

(انظر حكم محكمة بروكسل الصادر في 27 فبراير سنة 1932 والمنشور في سيري سنة 1932 جزء (4) صفحة (210) وكذلك الأحكام العديدة الواردة في الموسوعة البلجيكية تحت عنوان (قوة الشيء المحكوم به).

وانظر أيضًا حكم محكمة بروكسل الصادر في 12 إبريل سنة 1929 - المنشور في البازكريزى سنة 1930 جزء (3) صفحة (76).

والحكم الصادر في 18 يونيو سنة 1929 والمنشور في مجلة البازكريزى سنة 1930 جزء (2) صفحة (13).

والحكم الصادر في 16 أكتوبر سنة 1929 والمنشور في مجلة البازكريزى سنة 1930 جزء (2) صفحة (52).

والحكم الصادر في 11 إبريل سنة 1933 والمنشور في مجلة البازكريزى سنة 1933 جزء (3) صفحة (197).

وجاء في هذه الأحكام أن الحكم بالبراءة في حوادث الإصابة بغير عمد يمنع من رفع الدعوى المدنية عن هذه الحوادث لأن الخطأ الجنائي المنصوص عليه في المادتين (418) و (426) من قانون العقوبات البلجيكي يجب كل خطأ آخر.

6 - رأي الشارحين للقانون المصري:

يقول جرانمولان في كتاب تحقيق الجنايات المصري جزء (2) صفحة (279) بند (1044) أن الحكم الصادر بالبراءة في تهمة القتل أو الجرح بلا عمد لا يحول دون سماع دعوى المجني عليه التي يرفعها أمام المحكمة المدنية مطالبًا بالتعويض الذي نشأ عن الأفعال التي كانت موضوع الاتهام ذلك لأنه إذا كان الإهمال غير كافٍ لتكوين الجريمة وتوقيع العقاب على المتهم إلا أنه يجوز أن يكفي لترتب مسؤوليته المدنية.

وجاء في رسالة الإثبات لأحمد بك نشأت صفحة (347) بند (594) أنه إذا حكم بالبراءة لعدم وجود خطأ جنائي بالمرة كالمبين في المواد (202) و (208) و (315) عقوبات فإن هذا الحكم يمنع من وقوع خطأ مدني مما نص عليه في المواد (151) و (152) و (153) مدني الخ.

وورد رأي يخالف هذا الرأي في كتاب الالتزامات لعبد السلام بك ذهني جزء (2) صفحة (474) ومؤداه ما يأتي:

أنه إذا قضى الحكم الجنائي ببراءة متهم منسوب إليه القتل خطأ واستند الحكم إلى أنه لم يثبت إهمال أو خطأ من المتهم فلا يجوز رفع دعوى تعويض عليه فيما بعد بشأن هذا الوصف الذي فصل فيه الحكم الجنائي (انظر مقال الأستاذ سامي مازن في مجلة القانون والاقتصاد جزء (2) صفحة (330)).

7 - رأي القضاء المصري:

أخذت المحاكم المصرية تعرج بين المذهبين فالبعض قضى بأحد الرأيين والبعض الآخر بالمذهب الثاني كما يأتي مع ملاحظة أنه لا يمكن القول بأن المحاكم اتخذت مبدأ ثابتًا مستقرًا في هذه المسألة.

أولاً: قضت محكمة استئناف مصر في حكمها الصادر في 23 ديسمبر سنة 1930 والمنشور في المجموعة الرسمية سنة 32 عدد (192) صفحة (394) أن الحكم الصادر من محكمة الجنح بالبراءة في حوادث القتل الخطأ لا يمنع المحكمة المدنية من البحث في المسؤولية إلا إذا كان حكم البراءة مبنيًا على انتفاء الإهمال وعدم وجود مسؤولية جنائية.

وفي الحكم الصادر من تلك المحكمة في 17 نوفمبر سنة 1931 المنشور في المجموعة الرسمية سنة 33 عدد (116) صفحة (222) تقول محكمة الاستئناف أن المحاكم المدنية مقيدة بالأحكام الجنائية النهائية فيما ورد بها خاصًا بترتيب المسؤولية قبل المتهم فلا يقبل منه المناقشة فيها إذا ما رفعت عليه دعوى التعويض.

ثانيًا: وصدرت أحكام أخرى قائلة بالرأي المخالف ومن هذا:

الحكم الصادر من محكمة استئناف مصر بتاريخ 10 إبريل سنة 1927 – والمنشور في المجموعة الرسمية سنة 28 عدد (59) صفحة (95) والذي جاء فيه أنه لا يكفي للسائق أن يبين أنه لم يقع منه خطأ مطلقًا أو أن سبب الحادثة بقى مجهولاً للتخلي عن المسؤولية المدنية بل تبقى مسؤوليته قائمة في الحالتين حتى ولو قضى جنائيًا بالبراءة لعدم قيام الدليل على وجود خطأ معين أو إهمال.

وفي الحكم الصادر من محكمة طنطا الابتدائية في تاريخ 13 يناير سنة 1926 والمنشور في المجموعة الرسمية سنة 28 عدد (11) صفحة (14).

ورد أن للمحكمة المدنية أن تبحث فيما إذا كانت الوقائع المنسوبة للمتهم تعتبر شبه جنحة يترتب عليها مسؤولية مدنية بالرغم من حكم البراءة.

وورد في الحكم الصادر في 14 ديسمبر سنة 1929 والمنشور في مجلة المحاماة سنة 10 صفحة (598) أن حكم البراءة لا يرتبط به القاضي المدني إذا حكم في جريمة قتل خطأ أو المتهم لم يرتكب إهمالاً أو خطأ لاختلاف ماهية الخطأ أو الإهمال من الوجهة الجنائية عنها من الوجهة المدنية في حالة القتل خطأ.

أما المحاكم المختلطة فإنها لم تسلم بحجية الأحكام الجنائية الصادرة من المحاكم القنصلية أو المحاكم الأهلية إطلاقًا لاختلاف ولاية القضاء.

(حكم محكمة الاستئناف المختلطة الصادر في 4 مايو سنة 1921 مجموعة مختلطة سنة 33 صفحة (305)) لذلك لم تتح الفرصة لتلك المحاكم لإبداء رأيها في هذا الموضوع.



رأينا في هذا الموضوع



من القواعد الأولية أن الأحكام الجنائية تصدر ضد الكافة erge omnes بمعنى أن لها الحجية المطلقة على المتهم ولدى جميع الناس وقبل المجني عليه أيضًا حتى ولو لم يعلن أو لم يتدخل في الدعوى العمومية.

ووجه هذا ظاهر لأن الجرائم ماسة بالنظام والأمن في الدولة فاحترام الملأ للأحكام الصادرة فيها تقتضيه المصلحة العامة حتى تكون رادعة وعبرة للغير وفضلاً عن ذلك فإن النيابة العمومية التي يتحتم حضورها في الجلسة تمثل الهيئة الاجتماعية وتمثل جميع الحقوق على السواء سواء حضر المتهم والمجني عليه أو لم يحضرا وناهيكم عن أنه من المستحيل عقلاً ومادة إدخال كافة الناس في الدعوى العمومية لتكون الأحكام حجة على الجميع.

ومتى بان هذا كان الحكم الجنائي واجب الاحترام من القاضي المدني إذا ما رفعت الدعوى المدنية إما من المتهم أو المجني عليه أو ورثتهما وتكون حجة على الخصوم وله قوة الشيء المحكوم به بحيث لا يسوغ إصدار حكم مدني يتناقض معه وإلا أهدرت حجته.

وإذا كان بعض أئمة القانون في فرنسا يسندون هذه الحجية إلى نص المادة (3) من قانون تحقيق الجنايات الفرنسي الذي ينص على أن الدعوى الجنائية توقف سير الدعوى المدنية - هذا النص الذي لم ينقله الشارع المصري فإنه يكفي لتبرير هذه الحجية ويعللها في مصر أن تنهض على الأساس الذي أوضحناه أي أن الأحكام الجنائية أحكام ضد الكافة ولها حجة مطلقة لا نسبية وعلى القاضي المدني احترامها لهذا السبب.

ويتفرع على هذه الكلية الجزئيات الآتية:

أولاً: أن المنطق السليم يقضي بأن حجية أية مبدأ أو مسألة تتناول حتمًا الأساس الذي تنهض عليه فإذا كانت الأحكام الجنائية واجبة الاحترام فيجب قانونًا وعقلاً احترام الأساس الذي بنيت عليه وتفريعًا على هذا إذا صدر الحكم بالبراءة في تهمة القتل أو الجرح العمد استنادًا إلي أن المتهم لا يمكن أن يعزي إليه إهمال في الواقعة المسندة إليه بالذات فيكون سند الحكم هذا واجب الاحترام حتمًا وعلى القاضي المدني أن يتخذه قضية مسلمة لا تقبل فيه النقاش وعلى هذا يجب أن يمتنع عن سماع الدعوى المدنية إذا أقامها المجني عليه على ما يهدر هذا الأساس.

ولو أن العبرة في الحجية لمنطوق الأحكام إلا أن الأسباب التي تتصل بالمنطوق صلة المقدمة بالنتيجة والسبب بالمسبب تحوز أيضًا قوة الشيء المحكوم به فلا حرج إذن في تلمس سند حكم البراءة من أسبابه.

ثانيًا: يجب أن يضع القاضي المدني نفسه موضع القاضي الجنائي نفسه عند بيان مدى احترام الأحكام الجنائية والاستمساك بحجيتها لأنه ليس من الطبيعي أن يكون القاضي الجنائي أقل احترامًا لقضائه من القاضي المدني ولذلك لا يطلب من القاضي المدني أن يغالي في الاحترام حتى يفوق في ذلك من أصدر هذه الأحكام ويتفرع على هذا أن ما يلتزم القاضي الجنائي باحترامه يلزم القاضي المدني به عند نظر الدعوى المدنية وإلا فلا.

ومن الأوليات القانونية أن قوة الشيء المحكوم به في الأحكام الجنائية لا تتعدى الأفعال المسندة إلى المتهم والواردة في وصف التهمة والتي طرحت أمام المحكمة والتي أتيح للمتهم حق الدفاع عن نفسه فيها - أما الأفعال والوقائع الأخرى فتخرج عن هذه الحجية بمعنى أنه يجوز رفع الدعوى العمومية مرة أخرى على أساس هذه الأفعال الجديدة (انظر هذا المبدأ الذي اضطرد في قضاء محكمة النقض والإبرام المصرية الدائرة الجنائية في قضية الطعن رقم (894) سنة 4 قضائية في الحكم الصادر في 29 أكتوبر سنة 1934 وفي الحكم الصادر في قضية الطعن رقم (1625) سنة 4 قضائية بتاريخ 28 يناير سنة 1935 الذي قرر مبدأ جواز رفع دعوى إخفاء أشياء مسروقة بعد الحكم بالبراءة من تهمة السرقة في نفس الحادثة).

ومتى ثبت هذا ساغ للقاضي المدني أن يسمع دعوى التعويض عن حادثة الجرح أو القتل خطأ بعد الحكم بالبراءة إذا كان الخطأ الذي يسنده المجني عليه للمتهم يقوم على وقائع أخرى غير التي وردت وفي وصف التهمة أو غير التي قضى الحكم الجنائي بانتفاء الخطأ عن المتهم في فعلها.

ثالثًا: قد نص قانون تحقيق الجنايات في المادتين (147) و (172) وفي المادة (50) من قانون تشكيل محكمة الجنايات أنه إذا كانت الواقعة غير ثابتة أولاً يعاقب عليها القانون أو سقط الحق في إقامة الدعوى فيها بمضي المدة يحكم القاضي الجنائي ببراءة المتهم ويجوز له أن يحكم أيضًا بالتعويضات التي يطلبها بعض الخصوم من بعض.

وهذه النصوص تميط اللثام عن رأي الشارع المصري وهو أنه يجوز الحكم بالتعويضات المدنية بالرغم من حكم البراءة إنما هذه الأحوال واردة على سبيل الحصر في هذه النصوص أما الحكم بالتعويض في حالة عدم ثبوت التهمة فالمراد منه أن المتهم هو الذي يطلب الحكم بالتضمينات ضد المجني عليه لأنه لا يقبل عقلاً أن يحكم القاضي بالتضمينات للمجني عليه مع عدم ثبوت الفعل الذي يدعي به ولذلك ورد في النص عبارة (التعويضات التي يطلبها بعض الخصوم من بعض).

وإذا حدثت الواقعة ضررًا للمجني عليه ولكن عناصر الجريمة لم تتوفر فيها كانعدام توفير الطرق الاحتيالية في جريمة النصب فإن الحكم بالبراءة لا يمنع من الحكم بالتعويض وكذلك إذا سقط الحق في إقامة الدعوى العمومية فيجوز الحكم بالتعويضات المدنية مع مراعاة القيد الوارد في المادة (282) من قانون تحقيق الجنايات.

هذه هي الأحوال التي أباح فيها القانون للقاضي الجنائي أن يحكم بالتعويض مع الحكم بالبراءة ولذلك لا حرج على القاضي المدني أن يسمع الدعوى المدنية بالتعويض في هذه الصور أو في جميع الأحوال التي لا يكون فيها تقادم أو تناقض ما مع الحكم الجنائي وما قضى به في منطوقه أو في أسبابه المرتبطة بالمنطوق.

ولكن الشارع لم ينص على حالة الحكم بالبراءة استنادًا على أنه لم يقع الخطأ إطلاقًا من جانب المتهم ويستفاد من عدم النص على هذه الصورة عدم إباحتها ولهذا يحرم على القاضي الجنائي أو المدني سماع دعوى التعويض بعد الحكم بالبراءة الذي يقوم على هذا الأساس.

والعقل والمنطق يقضيان بهذا التفسير وإلا كان القاضي الجنائي متناقضًا ومتخاذلاً مع نفسه إذا قضى من ناحية بالبراءة استنادًا على أنه لا إهمال ولا خطأ من جانب المتهم في الفعل المسند إليه وحكم من ناحية أخرى بالتعويض لهذا الفعل.

ولما كانت الأحكام الجنائية واجبة الاحترام على الكافة وكان محتمًا على القاضي المدني أن لا يعدو حجيتها ولا يتعارض حكمه معها لذلك أصبح لزامًا على القاضي المدني أن يمتنع عن سماع دعوى التعويض التي تقوم على أساس الفعل الذي قال عنه القاضي الجنائي أن المتهم لم يرتكب أي خطأ أو إهمال فيه.

رابعًا: بقيت نقطة واحدة وهي هل يشتمل الخطأ الذي هو ركن لجريمة القتل أو الجرح خطأ والمنصوص عليهما في المادتين (238) و (244) من قانون العقوبات الجديد المقابلتين للمادتين (202) و (208) من القانون القديم هل يشتمل على عناصر الخطأ المدني المنصوص علي في المادة (151) من القانون المدني.

جاء في النص الوارد في هاتين المادتين أن القتل أو الجرح يجب أن يكون ناشئًا (عن رعونة أو عدم احتياط وتحرز أو عن إهمال وتفريط أو عن عدم انتباه وتوق أو عن عدم مراعاة واتباع اللوائح).

والواقع أن هذه العبارات تشمل كل فرض أو صورة من صور الخطأ بحيث إنه يصعب تصور أن هناك أي نوع من الخطأ غير مندرج في هذا النص.

ولا شك أن هناك فرقًا بين الخطأ الجنائي والخطأ المدني فالأول يستلزم عناصر لا بد من توفرها لتكوين الجريمة كالقصد الجنائي أو سوء النية أو نية الإضرار إلى غير ذلك أما الخطأ المدني فلا يشترط فيه شيء من هذا بل مناطه الضرر والإهمال مهما تضاءلت جسامته.

وإذا كان هذا هو الحال في الجرائم الأخرى إلا أنه لا ينطبق على جريمة القتل أو الجرح بلا عمد لأن الشارع المصري الذي سار وراء الشارع الفرنسي والبلجيكي احتاط أشد الاحتياط للأمر فسرد جميع أنواع الخطأ من إهمال ورعونة وعدم تحرز أو توق إلى غير ذلك حتى لا يفلت من العقاب أي شخص لا يسلك مسلك المتيقظ أو الساهر على سلامة الناس من أفعاله فالخطأ المنصوص عليه في المادة (151) مدني مندرج لا محالة في العبارات الشاملة التي جاءت في نص المادتين (238) و (244) من قانون العقوبات الجديد.

ويتفرع على هذا أنه إذا وجب على القاضي المدني احترام الحكم الجنائي كما سبق البيان فيتحتم عليه إذن أن يقضي بعدم جواز سماع دعوى التعويض إذا رفعها المجني عليه أمامه مستندًا إلى نفس الفعل الذي قال الحكم الجنائي عنه بأنه لا خطأ فيه من جانب المتهم لأن نفي الخطأ جنائيًا معناه انتفاء كل إهمال وتفريط أو رعونة وعدم تحرز أو عدم توق الخ.. وبالتالي يبعد كل خطأ مهما كان نوعه أو مهما بلغت درجته.

والخلاصة: أنه لا محل لافتراض الجنحة المدنية أو شبهها بعد الحكم بالبراءة في تهمة القتل أو الجرح خطأ إذا بني الحكم على أساس نفي الخطأ عن المتهم إنما مناط هذا أن حجية الأحكام الصادرة بالبراءة مقصورة على الوقائع الواردة في وصف التهمة بحيث يجوز أن تترتب المسؤولية المدنية على وقائع أو أفعال أخرى.















مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




أثر الحكم بالبراءة على دعوى التعويض
























حكم البراءة في تهمة القتل أو الجرح بلا عمد على دعوى التعويض أمام المحكمة المدنية إذا بنى الحكم على نفي الخطأ





1 - أثر القضاء الجنائي على المدني وحكمته وأساسه القانوني:

قد يبدو غريبًا أن يقال إن الحكم الجنائي يحوز قوة الشيء المحكوم به أمام المحكمة المدنية في موضوع مدني بحت مع اختلاف الموضوع والسبب والأخصام في كلتا الدعويين الجنائية والمدنية ففي الأولى يكون الموضوع والسبب هو الفعل الجنائي أو الجريمة المسندة إلى المتهم وخصمه النيابة العمومية وليس الأمر كذلك في الدعوى المدنية وعلى الأخص في دعوى مطالبة المجني عليه وورثته بالتعويضات المدنية من المتهم.

ولهذا لا يمكن الاستناد إلى نص المادة (232) من القانون المدني التي تنص على حجية الأحكام وقوتها على شرط اتحاد الموضوع والخصوم والسبب.

ولكن مصلحة اجتماعية هامة تقضي بأن يحترم القاضي المدني ما يحكم به القاضي الجنائي حتى لا تتضارب الأحكام المدنية مع الجنائية وحتى لا يخامر الجمهور الشك في عدالة الأحكام الجنائية التي ترمي إلى توطيد الأمن والطمأنينة بين الناس وكما يقول ميرلان أنه مما يبعث على الاضطراب وهياج الأهالي أن تقضي المحكمة برفض دعوى التعويض استنادًا إلى أن من نسب إليه التهمة لم يرتكب جريمة القتل بعد أن صدر الحكم من محكمة الجنايات بإعدامه وبعد أن نفذ الحكم فعلاً.

لذلك تحتم الضرورة الاجتماعية على القاضي المدني أن يحترم الأساس الذي قام عليه الحكم الجنائي (انظر كتاب كولان وكابتان طبعة أخيرة جزء (2) بند (493) صفحة (459)).

أما الأساس القانوني فإن الشارع الفرنسي نص في الفقرة الثانية من المادة الثالثة من قانون تحقيق الجنايات الفرنسي على أن نظر الدعوى جنائيًا يوقف سير الدعوى المدنية وبنى الشراح على هذا الأساس وجوب احترام الحكم الجنائي حتى لا يتخاذل معه الحكم المدني ولا ينفي ما أقره.

ولو أن القانون المصري لم ينقل نص المادة (3) من قانون تحقيق الجنايات الفرنسي إلا أنه قد أصبح هذا المبدأ أوليًا في القضاء المصري الحديث (تراجع الأحكام العديدة الصادرة من محكمة النقض في المواد الجنائية ومحكمة الاستئناف التي تقرر هذا المبدأ في كتاب مرجع القضاء في القانون المدني تحت رقم (5825) وما بعده).

وهذا بعد أن ترددت المحاكم المصرية في الأخذ بهذا المبدأ (انظر حكم محكمة الاستئناف الصادر في 31 أكتوبر سنة 1901 الذي يقول بإنه لا يوجد نص في القانون يقضي بأن ترتبط المحاكم المدنية بالأحكام الصادرة من المحاكم الجنائية وانظر عكس ذلك حكم محكمة النقض الصادر في أول يونيو سنة 1926 والمنشور في مجلة المحاماة سنة 7 صفحة (355)).

ويقول دوهلس في كتابه شرح القانون المدني المصري جزء أول صفحة (305) بند (130) تحت عنوان (قوة الشيء المحكوم به) أن هذه القاعدة يجب العمل بها في مصر طالما أن هذا هو روح التشريع الفرنسي الذي يعتبر التشريع المصري وليده ولأنه لم يرد أي نص في القوانين المصرية يناقض هذا المبدأ (انظر عكس هذا الرأي في مقالة الأستاذ مرقص بك فهمي الواردة في مجلة المحاماة سنة 3 صفحة (315)).

هذا وقد سنحت الفرصة أخيرًا للشارع المصري ليفصح عن هذا المبدأ فورد النص في القانون رقم (57) سنة 1937 الخاص بإصدار قانون تحقيق الجنايات المختلط في المادة (19) ما يأتي:

(إذا استلزم الفصل في دعوى مرفوعة أمام محكمة مدنية أو تجارية معرفة ما إذا كانت هناك جريمة قد ارتكبت أو إذا كانت قد وقعت من شخص معين يجب على تلك المحكمة أن تفصل في المنازعات المتعلقة بذلك طبقًا لما قضى به نهائيًا من المحكمة الجنائية التي فصلت في الدعوى ولو كانت قد طبقت قواعد الإثبات الخاصة بالمواد الجنائية - ويوقف الفصل في الدعوى المدنية إذا رفعت الدعوى الجنائية قبل الفصل فيها نهائيًا).

ويلاحظ أن البحث في هذا المقام مقصور على نوع واحد من الأحكام الجنائية وفي موضوع مخصص وهي أحكام البراءة الصادرة من المحاكم الجنائية في تهمة القتل أو الجرح بلا عمد استنادًا إلى أن المتهم لم يرتكب خطأ أو إهمالاً وأثرها على دعاوى التعويض التي يرفعها المجني عليه أمام المحكمة المدنية لذلك يجب أن تضيق دائرة بحثنا في نطاق هذه الدائرة فلا يتناول غير ذلك من الأحكام الجنائية كأحكام الإدانة أو أحكام البراءة لعدم ثبوت التهمة أو لأن الفعل لا يعد جريمة أو غير ذلك فهي تخرج عن هذا البحث.

2 - رأي الفقه في فرنسا وبلجيكا:

قد ذهب المؤلفون في فرنسا في هذا الموضوع إلى رأيين فالرأي الأول الذي قال به معظم الأقدمين وبعض المحدثين من الشراح - مؤداه أن حكم البراءة إذا بنى على نفي الخطأ عن المتهم فلا يقيد القاضي المدني في الفصل في دعوى التعويض الناشئ عن هذا الفعل ويعللون ذلك بأن وظيفة المحكمة الجنائية البحث في الجريمة فقط فإذا قضت بالبراءة فتكون قد استبعدت الخطأ الجنائي دون سواه وليس لها أن تتعرض إلى الخطأ المدني لأنه ليس من اختصاصها ثم إن كل فعل إذا تجرد من الخطأ الجنائي يبقى فيه بقية من الخطأ المدني لأن الخطأ الجنائي فاحش وجسيم والثاني قد يكون تافهًا ويسيرًا ويقول أوبرى ورو تأييدًا لهذا الرأي أن الإهمال في حوادث القتل خطأ يجوز أن يكون كافيًا لاعتبار خطأ مدنيًا وأساسًا للحكم بالتعويض المدني ومع ذلك يجوز أن لا يعتبر خطأ جنائيًا ولا يستأهل هذا الخطأ اليسير عقابًا.

ومن أنصار هذا الرأي أوبري ورو في كتابهما جزء (2) صفحة (470) بند (769) مكرر ومرلان تحت عنوان تعويض مدني بند (2) ودورانتون جزء ( بند (486) وما بعده وماتيجان تحت عنوان دعوى عمومية جزء (2) بند (423) وما بعده ولارومبير جزء (5) تعليقات على المادة (351) بند (177) وأيضًا جريو لييه في تعليقه على دالوز سنة 1869 جزء أول صفحة (170) وانظر تعليق ربير في دالوز سنة 1925 جزء أول ص (6) وشوفو تحقيق جنايات صفحة (947) وديمولومب جزء (30) بند (427) وهيك جزء ( بند (340) وانظر أيضًا لاكوست بند 1124.

3 - الرأي الثاني:

مؤداه أن الحكم الذي يصدر من محكمة الجنح ببراءة المتهم في تهمة القتل أو الجرح خطأ إذا بنى على أنه لا إهمال ولا رعونة من جانب المتهم في الفعل المسند إليه فإنه مانع من سماع دعوى التعويض المدني التي تقام على أساس هذا الفعل بالذات ويعلل كولان وكابيتان هذا الرأي في كتابهما القانون المدني جزء (2) طبعة أخيرة صفحة (460) بند (496) بأن جميع صور الخطأ والإهمال مندرجة في عموم النص الوارد في قانون العقوبات مادة (319) في فرنسا ومادتي (202) و (208) قانون عقوبات أهلي قديم ومادة (238) و (244) من قانون العقوبات الجديد فإذا قال القاضي الجنائي أن المتهم لم يرتكب إهمالاً ما فلا يسوغ للقاضي المدني أن يحكم بالتعويض على أساس أنه ارتكب خطأ وإلا فإنه يكون متناقضًا مع حكم المحكمة الجنائية الذي يجب احترامه والأخذ بما حكم به.

ويقول هنري وليون مازو في كتابهما المسؤولية المدنية جزء (2) صفحة (625) بند (1823) وبند 1856 أن النص الوارد في المادتين (319) و (320) عقوبات فرنسي المقابلتين للمادتين (238) و (244) من قانون العقوبات الأهلي الجديد شامل لكل أنواع الخطأ فالإهمال الجنائي يجب كل صورة من صور الإهمال أو الخطأ المدني مهما كان يسيرًا englobe toute faute personnelle ونص قانون العقوبات عام بحيث لا يدع مجالاً لافتراض أي إهمال آخر ولو كان يسيرًا فإذا نفاه الحكم الجنائي فلا يسوغ للمحكمة المدنية أن تسمع دعوى التعويض على أساس الإهمال الذي كان موضوع التهمة - ويقول سافاتييه في مجلة دالوز سنة 1930 جزء (51) صفحة 40 أن اندماج الخطأ المدني في الخطأ الجنائي الذي هو أساس جريمة القتل أو الجرح بلا تعمد أصبح الآن مبدأ مستقرًا ومضطردًا ويقول جارسون في شرح المادتين (319) و (320) من قانون العقوبات الفرنسي بند (16) بأن نص هاتين المادتين عام وشامل بحيث لا يوجد أي نوع من أنواع الإهمال أو الخطأ لا يستطيع القاضي أن يدمجه فيه وأن الشارع لم يدع مجالاً لأن يستثني من النص سوى حوادث العوارض فقط.

(انظر هذا الرأي في كتاب بلانيول وربير واسمين بند (679) وبند (673) وفي تعليق اسمين في سيرى سنة 1930 جزء أول صفحة (177) - وجارو شرح قانون العقوبات طبعة ثالثة جزء (6) صفحة 346 بند (2350) - وجارسون تعليق على المادتين (319) و (320) بند (16) وانظر أيضًا جلاسون وتسييه مرافعات عدد (3) بند (777)).

وجاء في الموسوعات البلجيكية تحت عنوان قوة الشيء المحكوم به بند (319) أن الرأي المجمع عليه تقريبًا في الفقه والقضاء هو أنه لا يمكن تصور أي فارق في درجة الجسامة بين الإهمال الذي هو عنصر لجريمة القتل أو الجرح خطأ والإهمال الذي يتكون منه الخطأ المدني.

4 - أحكام محكمة النقض الفرنسية وترددها بين الرأيين والمبدأ الذي استقرت عليه أخيرًا:

ليس هناك مسألة قانونية تناقضت فيها أحكام محكمة النقض الفرنسية مثل تناقضها في هذا الموضوع ويمكن بيان الأطوار التي عرجت فيها تلك المحكمة بين الرأيين المشار إليهما آنفًا كما يأتي:

أولاً: قضت محكمة النقض الفرنسية في بعض أحكامها القديمة بأنه لا يمكن قيام أية مسؤولية مدنية بعد الحكم بالبراءة جنائيًا وهذا المبدأ وارد في الحكم الصادر في 7 مارس سنة 1857 والمنشور في دالوز سنة 1855 جزء أول صفحة (81).

ثانيًا: وفي حكمها الصادر في 17 مارس سنة 1874 والمنشور في دالوز سنة 1874 جزء أول صفحة (399) قالت محكمة النقض الفرنسية بأنه يجوز أن يتخلف خطأ يسير يترتب عليه مسؤولية مدنية بعد الحكم بالبراءة وبعد أن تنفي المحكمة الجنائية الخطأ عن المتهم.

وهذا المبدأ ورد أيضًا في الحكمين الصادرين من دائرة العرائض في 31 مايو سنة 1892 والمنشور في دالوز سنة 1892 جزء أول صفحة (381) والصادر في 7 نوفمبر سنة 1894 والمنشور في سيرى سنة 1895 جزء أول صفحة (46).

ثالثًا: ومنذ سنة 1912 عدلت محكمة النقض الفرنسية عن ذلك المبدأ وقالت بأنه لا محل لافتراض أي خطأ مدني بعد أن تقضي المحكمة الجنائية بالبراءة إذا استند حكم البراءة إلى أن المتهم لم يرتكب أي إهمال - وجاء في حكمها الصادر في 18 ديسمبر سنة 1912 والمنشور في دالوز سنة 1915 جزء أول صفحة (17) الأسباب الآتية:



Attendu que les arts/ 319 & 320 Code Pénal puinissent de peines correctionnelles qui conque, par maladresse, imprudence, inattention, negligence ou inobservation des reglements, a commis involontairement un homicide ou causé des blessures sans que la legerté de ta laule commis, puisse avoir d’autre effet que d’attenuer la peine incourue.



وجاء أيضًا في الحكم الصادر من تلك المحكمة في 10 يونيو سنة 1914 والمنشور في سيرى سنة 1915 جزء أول صفحة 70 ما يأتي:



Attendu que les arts, 319 et 320 Code Penal punissent de peines correctionnelles (qui - conque) par maladresse, imprudence, inattention, negligence, inobservation des reglements, a causé involontairement des blessures, sans distinguer suivant la gravité de la faute commise; d ‘où il suit que lorsque la juridiction correctionnelle a acquitté un prevenu de blessures involontaires, le juge civil ne peut, sans contredire la chose jugée, le condamner à des dommages - intèrêt envers la partie qui prétend lésée si celle - ei ne relève contre lui en dehors de l’imprudence et de l’inobservation des reglements aucune autre circonstance de nature à engager sa responsabilité.



وهذا المبدأ قد ورد أيضًا في الأحكام الصادرة من محكمة النقض الفرنسية الآتي بيانها:

- حكم محكمة النقض في 28 مارس سنة 1916 والمنشور في دالوز سنة 1920 جزء أول صفحة (25).

- حكم دائرة العرائض في 12 يناير ستة 1917 والمنشور في دالوز سنة 1922 جزء أول صفحة (52).

- حكم دائرة العرائض في 12 يوليو سنة 1917 والمنشور في سيرى سنة 1918 جزء أول صفحة (212).

- حكم محكمة النقض في 10 يونيو سنة 1918 والمنشور في سيرى سنة 1922 جزء أول صفحة (52) حكم محكمة النقض في 20 نوفمبر سنة 1920 والمنشور في دالوز سنة 1924.

رابعًا: حادت محكمة النقض الفرنسية عن هذا المبدأ في بعض الأحكام في حوادث اصطدام السفن إذ جاء في الحكم الصادر في مايو سنة 1924 والمنشور في دالوز سنة 1925 جزء أول صفحة (12) أن الحكم الصادر من المحكمة التجارية بالبراءة في تهمة الاصطدام لانتفاء الخطأ لا يمنع من أن تحقق المحكمة المدنية في شبه الجنحة المدنية التي يترتب عليها المسؤولية المدنية.

وكذلك في الأحكام الصادرة من مجلس الجيش بفرنسا ببراءة بعض رجال الجيش من تهمة القتل خطأ قضت محكمة النقض في حكمها الصادر في 29 يوليو سنة 1922 والمنشور في سيرى سنة 1925 جزء أول صفحة (321) بجواز سماع الدعوى المدنية بالتعويض رغمًا عن هذه الأحكام (انظر أيضًا الحكم الصادر في 14 يناير سنة 1925 والمنشور في دالوز سنة 1926 جزء أول صفحة (189) والحكم الصادر في 8 فبراير سنة 1926 والمنشور في الجازيت سنة 1926 جزء ول صفحة (628)).

ولكن يظهر أن الذي حمل محكمة النقض الفرنسية على الشذوذ عن القاعدة العامة هو أن هذه الأحكام لم تشتمل على أسباب البراءة وبعضها اقتصر على ذكر عبارة أن المتهم غير مذنب فقط فلم تتبين المحكمة السبب الذي بنى عليه حكم البراءة لذلك أجازت للمحكمة المدنية أن تحقق وقائع الإهمال من جديد.

خامسًا: أخيرًا استقر قضاء محكمة النقض الفرنسية على المبدأ الثاني القائل بأن لا يمكن تصور أي خطأ مدني بعد نفي الخطأ الجنائي عن المتهم ولذلك لا يجوز سماع الدعوى المدنية بعد الحكم بالبراءة إذا بنى الحكم على أنه لم يكن هناك خطأ أو إهمال في الفعل المسند إلي المتهم.

وهذا المبدأ اضطرد في الأحكام الآتية:

- حكم النقض الصادر في 16 يوليو سنة 1928 والمنشور في دالوز سنة 1929 جزء أول صفحة (33).

- حكم النقض الصادر في 15 يناير سنة 1929 دالوز أسبوعي سنة 1929 صفحة (116).

- حكم النقض الصادر في أول ديسمبر سنة 1930 جازيت المحاكم سنة 1931 جزء أول صفحة (80).

- حكم النقض الصادر في 17 إبريل سنة 1931 جازيت المحاكم سنة 1921 صفحة (37).

- حكم النقض الصادر في 10 مايو سنة 1932 دالوز أسبوعي سنة 1932 صفحة (380).

- حكم دائرة العرائض في 24 أكتوبر سنة 1932 جازيت المحاكم سنة 1932 جزء (2) صفحة (936).

- حكم دائرة العرائض في 14 نوفمبر سنة 1933 جازيت المحاكم سنة 1934 جزء أول صفحة (176) وجاء في بعض هذه الأحكام العبارة الآتية:



La faute pènale des articles 319 et 320 du Code pènal contient tous les elements de la faute civile.



ويقول هنري وليون مازو في صفحة (625) من المرجع المشار إليه آنفًا إن هذا المبدأ قد ساد في القضاء الفرنسي بعد أن ترددت المحاكم فيه ردحًا من الزمن.

5 - مذهب القضاء البلجيكي:

أما الرأي الذي ساد في الأحكام البلجيكية فهو ما استقرت عليه محكمة النقض الفرنسية أي عدم جواز سماع دعوى التعويض بعد الحكم ببراءة المتهم بالقتل أو الجرح بغير عمد إذا كان الحكم الجنائي قد نفى وقوع الخطأ

(انظر حكم محكمة بروكسل الصادر في 27 فبراير سنة 1932 والمنشور في سيري سنة 1932 جزء (4) صفحة (210) وكذلك الأحكام العديدة الواردة في الموسوعة البلجيكية تحت عنوان (قوة الشيء المحكوم به).

وانظر أيضًا حكم محكمة بروكسل الصادر في 12 إبريل سنة 1929 - المنشور في البازكريزى سنة 1930 جزء (3) صفحة (76).

والحكم الصادر في 18 يونيو سنة 1929 والمنشور في مجلة البازكريزى سنة 1930 جزء (2) صفحة (13).

والحكم الصادر في 16 أكتوبر سنة 1929 والمنشور في مجلة البازكريزى سنة 1930 جزء (2) صفحة (52).

والحكم الصادر في 11 إبريل سنة 1933 والمنشور في مجلة البازكريزى سنة 1933 جزء (3) صفحة (197).

وجاء في هذه الأحكام أن الحكم بالبراءة في حوادث الإصابة بغير عمد يمنع من رفع الدعوى المدنية عن هذه الحوادث لأن الخطأ الجنائي المنصوص عليه في المادتين (418) و (426) من قانون العقوبات البلجيكي يجب كل خطأ آخر.

6 - رأي الشارحين للقانون المصري:

يقول جرانمولان في كتاب تحقيق الجنايات المصري جزء (2) صفحة (279) بند (1044) أن الحكم الصادر بالبراءة في تهمة القتل أو الجرح بلا عمد لا يحول دون سماع دعوى المجني عليه التي يرفعها أمام المحكمة المدنية مطالبًا بالتعويض الذي نشأ عن الأفعال التي كانت موضوع الاتهام ذلك لأنه إذا كان الإهمال غير كافٍ لتكوين الجريمة وتوقيع العقاب على المتهم إلا أنه يجوز أن يكفي لترتب مسؤوليته المدنية.

وجاء في رسالة الإثبات لأحمد بك نشأت صفحة (347) بند (594) أنه إذا حكم بالبراءة لعدم وجود خطأ جنائي بالمرة كالمبين في المواد (202) و (208) و (315) عقوبات فإن هذا الحكم يمنع من وقوع خطأ مدني مما نص عليه في المواد (151) و (152) و (153) مدني الخ.

وورد رأي يخالف هذا الرأي في كتاب الالتزامات لعبد السلام بك ذهني جزء (2) صفحة (474) ومؤداه ما يأتي:

أنه إذا قضى الحكم الجنائي ببراءة متهم منسوب إليه القتل خطأ واستند الحكم إلى أنه لم يثبت إهمال أو خطأ من المتهم فلا يجوز رفع دعوى تعويض عليه فيما بعد بشأن هذا الوصف الذي فصل فيه الحكم الجنائي (انظر مقال الأستاذ سامي مازن في مجلة القانون والاقتصاد جزء (2) صفحة (330)).

7 - رأي القضاء المصري:

أخذت المحاكم المصرية تعرج بين المذهبين فالبعض قضى بأحد الرأيين والبعض الآخر بالمذهب الثاني كما يأتي مع ملاحظة أنه لا يمكن القول بأن المحاكم اتخذت مبدأ ثابتًا مستقرًا في هذه المسألة.

أولاً: قضت محكمة استئناف مصر في حكمها الصادر في 23 ديسمبر سنة 1930 والمنشور في المجموعة الرسمية سنة 32 عدد (192) صفحة (394) أن الحكم الصادر من محكمة الجنح بالبراءة في حوادث القتل الخطأ لا يمنع المحكمة المدنية من البحث في المسؤولية إلا إذا كان حكم البراءة مبنيًا على انتفاء الإهمال وعدم وجود مسؤولية جنائية.

وفي الحكم الصادر من تلك المحكمة في 17 نوفمبر سنة 1931 المنشور في المجموعة الرسمية سنة 33 عدد (116) صفحة (222) تقول محكمة الاستئناف أن المحاكم المدنية مقيدة بالأحكام الجنائية النهائية فيما ورد بها خاصًا بترتيب المسؤولية قبل المتهم فلا يقبل منه المناقشة فيها إذا ما رفعت عليه دعوى التعويض.

ثانيًا: وصدرت أحكام أخرى قائلة بالرأي المخالف ومن هذا:

الحكم الصادر من محكمة استئناف مصر بتاريخ 10 إبريل سنة 1927 – والمنشور في المجموعة الرسمية سنة 28 عدد (59) صفحة (95) والذي جاء فيه أنه لا يكفي للسائق أن يبين أنه لم يقع منه خطأ مطلقًا أو أن سبب الحادثة بقى مجهولاً للتخلي عن المسؤولية المدنية بل تبقى مسؤوليته قائمة في الحالتين حتى ولو قضى جنائيًا بالبراءة لعدم قيام الدليل على وجود خطأ معين أو إهمال.

وفي الحكم الصادر من محكمة طنطا الابتدائية في تاريخ 13 يناير سنة 1926 والمنشور في المجموعة الرسمية سنة 28 عدد (11) صفحة (14).

ورد أن للمحكمة المدنية أن تبحث فيما إذا كانت الوقائع المنسوبة للمتهم تعتبر شبه جنحة يترتب عليها مسؤولية مدنية بالرغم من حكم البراءة.

وورد في الحكم الصادر في 14 ديسمبر سنة 1929 والمنشور في مجلة المحاماة سنة 10 صفحة (598) أن حكم البراءة لا يرتبط به القاضي المدني إذا حكم في جريمة قتل خطأ أو المتهم لم يرتكب إهمالاً أو خطأ لاختلاف ماهية الخطأ أو الإهمال من الوجهة الجنائية عنها من الوجهة المدنية في حالة القتل خطأ.

أما المحاكم المختلطة فإنها لم تسلم بحجية الأحكام الجنائية الصادرة من المحاكم القنصلية أو المحاكم الأهلية إطلاقًا لاختلاف ولاية القضاء.

(حكم محكمة الاستئناف المختلطة الصادر في 4 مايو سنة 1921 مجموعة مختلطة سنة 33 صفحة (305)) لذلك لم تتح الفرصة لتلك المحاكم لإبداء رأيها في هذا الموضوع.



رأينا في هذا الموضوع



من القواعد الأولية أن الأحكام الجنائية تصدر ضد الكافة erge omnes بمعنى أن لها الحجية المطلقة على المتهم ولدى جميع الناس وقبل المجني عليه أيضًا حتى ولو لم يعلن أو لم يتدخل في الدعوى العمومية.

ووجه هذا ظاهر لأن الجرائم ماسة بالنظام والأمن في الدولة فاحترام الملأ للأحكام الصادرة فيها تقتضيه المصلحة العامة حتى تكون رادعة وعبرة للغير وفضلاً عن ذلك فإن النيابة العمومية التي يتحتم حضورها في الجلسة تمثل الهيئة الاجتماعية وتمثل جميع الحقوق على السواء سواء حضر المتهم والمجني عليه أو لم يحضرا وناهيكم عن أنه من المستحيل عقلاً ومادة إدخال كافة الناس في الدعوى العمومية لتكون الأحكام حجة على الجميع.

ومتى بان هذا كان الحكم الجنائي واجب الاحترام من القاضي المدني إذا ما رفعت الدعوى المدنية إما من المتهم أو المجني عليه أو ورثتهما وتكون حجة على الخصوم وله قوة الشيء المحكوم به بحيث لا يسوغ إصدار حكم مدني يتناقض معه وإلا أهدرت حجته.

وإذا كان بعض أئمة القانون في فرنسا يسندون هذه الحجية إلى نص المادة (3) من قانون تحقيق الجنايات الفرنسي الذي ينص على أن الدعوى الجنائية توقف سير الدعوى المدنية - هذا النص الذي لم ينقله الشارع المصري فإنه يكفي لتبرير هذه الحجية ويعللها في مصر أن تنهض على الأساس الذي أوضحناه أي أن الأحكام الجنائية أحكام ضد الكافة ولها حجة مطلقة لا نسبية وعلى القاضي المدني احترامها لهذا السبب.

ويتفرع على هذه الكلية الجزئيات الآتية:

أولاً: أن المنطق السليم يقضي بأن حجية أية مبدأ أو مسألة تتناول حتمًا الأساس الذي تنهض عليه فإذا كانت الأحكام الجنائية واجبة الاحترام فيجب قانونًا وعقلاً احترام الأساس الذي بنيت عليه وتفريعًا على هذا إذا صدر الحكم بالبراءة في تهمة القتل أو الجرح العمد استنادًا إلي أن المتهم لا يمكن أن يعزي إليه إهمال في الواقعة المسندة إليه بالذات فيكون سند الحكم هذا واجب الاحترام حتمًا وعلى القاضي المدني أن يتخذه قضية مسلمة لا تقبل فيه النقاش وعلى هذا يجب أن يمتنع عن سماع الدعوى المدنية إذا أقامها المجني عليه على ما يهدر هذا الأساس.

ولو أن العبرة في الحجية لمنطوق الأحكام إلا أن الأسباب التي تتصل بالمنطوق صلة المقدمة بالنتيجة والسبب بالمسبب تحوز أيضًا قوة الشيء المحكوم به فلا حرج إذن في تلمس سند حكم البراءة من أسبابه.

ثانيًا: يجب أن يضع القاضي المدني نفسه موضع القاضي الجنائي نفسه عند بيان مدى احترام الأحكام الجنائية والاستمساك بحجيتها لأنه ليس من الطبيعي أن يكون القاضي الجنائي أقل احترامًا لقضائه من القاضي المدني ولذلك لا يطلب من القاضي المدني أن يغالي في الاحترام حتى يفوق في ذلك من أصدر هذه الأحكام ويتفرع على هذا أن ما يلتزم القاضي الجنائي باحترامه يلزم القاضي المدني به عند نظر الدعوى المدنية وإلا فلا.

ومن الأوليات القانونية أن قوة الشيء المحكوم به في الأحكام الجنائية لا تتعدى الأفعال المسندة إلى المتهم والواردة في وصف التهمة والتي طرحت أمام المحكمة والتي أتيح للمتهم حق الدفاع عن نفسه فيها - أما الأفعال والوقائع الأخرى فتخرج عن هذه الحجية بمعنى أنه يجوز رفع الدعوى العمومية مرة أخرى على أساس هذه الأفعال الجديدة (انظر هذا المبدأ الذي اضطرد في قضاء محكمة النقض والإبرام المصرية الدائرة الجنائية في قضية الطعن رقم (894) سنة 4 قضائية في الحكم الصادر في 29 أكتوبر سنة 1934 وفي الحكم الصادر في قضية الطعن رقم (1625) سنة 4 قضائية بتاريخ 28 يناير سنة 1935 الذي قرر مبدأ جواز رفع دعوى إخفاء أشياء مسروقة بعد الحكم بالبراءة من تهمة السرقة في نفس الحادثة).

ومتى ثبت هذا ساغ للقاضي المدني أن يسمع دعوى التعويض عن حادثة الجرح أو القتل خطأ بعد الحكم بالبراءة إذا كان الخطأ الذي يسنده المجني عليه للمتهم يقوم على وقائع أخرى غير التي وردت وفي وصف التهمة أو غير التي قضى الحكم الجنائي بانتفاء الخطأ عن المتهم في فعلها.

ثالثًا: قد نص قانون تحقيق الجنايات في المادتين (147) و (172) وفي المادة (50) من قانون تشكيل محكمة الجنايات أنه إذا كانت الواقعة غير ثابتة أولاً يعاقب عليها القانون أو سقط الحق في إقامة الدعوى فيها بمضي المدة يحكم القاضي الجنائي ببراءة المتهم ويجوز له أن يحكم أيضًا بالتعويضات التي يطلبها بعض الخصوم من بعض.

وهذه النصوص تميط اللثام عن رأي الشارع المصري وهو أنه يجوز الحكم بالتعويضات المدنية بالرغم من حكم البراءة إنما هذه الأحوال واردة على سبيل الحصر في هذه النصوص أما الحكم بالتعويض في حالة عدم ثبوت التهمة فالمراد منه أن المتهم هو الذي يطلب الحكم بالتضمينات ضد المجني عليه لأنه لا يقبل عقلاً أن يحكم القاضي بالتضمينات للمجني عليه مع عدم ثبوت الفعل الذي يدعي به ولذلك ورد في النص عبارة (التعويضات التي يطلبها بعض الخصوم من بعض).

وإذا حدثت الواقعة ضررًا للمجني عليه ولكن عناصر الجريمة لم تتوفر فيها كانعدام توفير الطرق الاحتيالية في جريمة النصب فإن الحكم بالبراءة لا يمنع من الحكم بالتعويض وكذلك إذا سقط الحق في إقامة الدعوى العمومية فيجوز الحكم بالتعويضات المدنية مع مراعاة القيد الوارد في المادة (282) من قانون تحقيق الجنايات.

هذه هي الأحوال التي أباح فيها القانون للقاضي الجنائي أن يحكم بالتعويض مع الحكم بالبراءة ولذلك لا حرج على القاضي المدني أن يسمع الدعوى المدنية بالتعويض في هذه الصور أو في جميع الأحوال التي لا يكون فيها تقادم أو تناقض ما مع الحكم الجنائي وما قضى به في منطوقه أو في أسبابه المرتبطة بالمنطوق.

ولكن الشارع لم ينص على حالة الحكم بالبراءة استنادًا على أنه لم يقع الخطأ إطلاقًا من جانب المتهم ويستفاد من عدم النص على هذه الصورة عدم إباحتها ولهذا يحرم على القاضي الجنائي أو المدني سماع دعوى التعويض بعد الحكم بالبراءة الذي يقوم على هذا الأساس.

والعقل والمنطق يقضيان بهذا التفسير وإلا كان القاضي الجنائي متناقضًا ومتخاذلاً مع نفسه إذا قضى من ناحية بالبراءة استنادًا على أنه لا إهمال ولا خطأ من جانب المتهم في الفعل المسند إليه وحكم من ناحية أخرى بالتعويض لهذا الفعل.

ولما كانت الأحكام الجنائية واجبة الاحترام على الكافة وكان محتمًا على القاضي المدني أن لا يعدو حجيتها ولا يتعارض حكمه معها لذلك أصبح لزامًا على القاضي المدني أن يمتنع عن سماع دعوى التعويض التي تقوم على أساس الفعل الذي قال عنه القاضي الجنائي أن المتهم لم يرتكب أي خطأ أو إهمال فيه.

رابعًا: بقيت نقطة واحدة وهي هل يشتمل الخطأ الذي هو ركن لجريمة القتل أو الجرح خطأ والمنصوص عليهما في المادتين (238) و (244) من قانون العقوبات الجديد المقابلتين للمادتين (202) و (208) من القانون القديم هل يشتمل على عناصر الخطأ المدني المنصوص علي في المادة (151) من القانون المدني.

جاء في النص الوارد في هاتين المادتين أن القتل أو الجرح يجب أن يكون ناشئًا (عن رعونة أو عدم احتياط وتحرز أو عن إهمال وتفريط أو عن عدم انتباه وتوق أو عن عدم مراعاة واتباع اللوائح).

والواقع أن هذه العبارات تشمل كل فرض أو صورة من صور الخطأ بحيث إنه يصعب تصور أن هناك أي نوع من الخطأ غير مندرج في هذا النص.

ولا شك أن هناك فرقًا بين الخطأ الجنائي والخطأ المدني فالأول يستلزم عناصر لا بد من توفرها لتكوين الجريمة كالقصد الجنائي أو سوء النية أو نية الإضرار إلى غير ذلك أما الخطأ المدني فلا يشترط فيه شيء من هذا بل مناطه الضرر والإهمال مهما تضاءلت جسامته.

وإذا كان هذا هو الحال في الجرائم الأخرى إلا أنه لا ينطبق على جريمة القتل أو الجرح بلا عمد لأن الشارع المصري الذي سار وراء الشارع الفرنسي والبلجيكي احتاط أشد الاحتياط للأمر فسرد جميع أنواع الخطأ من إهمال ورعونة وعدم تحرز أو توق إلى غير ذلك حتى لا يفلت من العقاب أي شخص لا يسلك مسلك المتيقظ أو الساهر على سلامة الناس من أفعاله فالخطأ المنصوص عليه في المادة (151) مدني مندرج لا محالة في العبارات الشاملة التي جاءت في نص المادتين (238) و (244) من قانون العقوبات الجديد.

ويتفرع على هذا أنه إذا وجب على القاضي المدني احترام الحكم الجنائي كما سبق البيان فيتحتم عليه إذن أن يقضي بعدم جواز سماع دعوى التعويض إذا رفعها المجني عليه أمامه مستندًا إلى نفس الفعل الذي قال الحكم الجنائي عنه بأنه لا خطأ فيه من جانب المتهم لأن نفي الخطأ جنائيًا معناه انتفاء كل إهمال وتفريط أو رعونة وعدم تحرز أو عدم توق الخ.. وبالتالي يبعد كل خطأ مهما كان نوعه أو مهما بلغت درجته.

والخلاصة: أنه لا محل لافتراض الجنحة المدنية أو شبهها بعد الحكم بالبراءة في تهمة القتل أو الجرح خطأ إذا بني الحكم على أساس نفي الخطأ عن المتهم إنما مناط هذا أن حجية الأحكام الصادرة بالبراءة مقصورة على الوقائع الواردة في وصف التهمة بحيث يجوز أن تترتب المسؤولية المدنية على وقائع أو أفعال أخرى.
















مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




بطلان التفتيش بغير إذن النيابة أو قاضي التحقيق








بطلان محضر التفتيش الحاصل بغير إذن النيابة



وبطلان شهادة الضابط الذي أجرى التفتيش
















بحث في بطلان محضر التفتيش الحاصل بغير إذن النيابة وبطلان شهادة الضابط الذي أجرى التفتيش

التفتيش بغير إذن النيابة العمومية عمل إجرامي فيه اعتداء على نص من نصوص الدستور وفيه مخالفة لواجب أوجبه نص أساسي في تحقيق الجنايات وهو أخيرًا جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات فهو عمل باطل ولا يمكن أن يكون أساسًا لأي إثبات وإليك البيان:

مخالفة الدستور ولتحقيق الجنايات

1 - نصت المادة (8) من الدستور على أن (للمنازل حرمة فلا يجوز دخولها إلا في الأحوال المبينة في القانون وبالكيفية المنصوص عليها فيه).

أما النص الخاص بهذه الكيفية وهذه الأحوال فهو المادة (5) من قانون تحقيق الجنايات حيث تقول (لا يجوز لأحد بغير أمر من المحكمة أن يدخل في بيت مسكون لم يكن مفتوحًا للعامة ولا مخصصًا لصناعة أو تجارة يكون عملها تحت ملاحظة الضبطية إلا في الأحوال المبينة بالقانون أو في حالة تلبس الجاني بالجناية أو في حالة الاستغاثة أو طلب المساعدة من الداخل أو في حالة الحريق أو الغرق) وفي هذه المادة عيبان في الترجمة أو لهما عبارة (بغير أمر من المحكمة) فإن حقيقتها في الأصل الفرنسي Mandat de Justice وثانيهما عبارة (لا يجوز لأحد) فإنها في الفرنسية nul ne peut pénéétrer.

فأما عن العيب الأول فإن من المتفق عليه من قديم أن النيابة هي السلطة المعنية بهذه العبارة، أما عن الثاني فإن العبارة العربية ليست من القوة في التحريم والمنع في درجة تستوي والنص الفرنسي فإن أصح ترجمة له هي (محظور على أي فرد أن يدخل nul ne peut أو ليس في إمكان أي فرد أن يدخل...) والحظر والتحريم هما الغرض من تشريع هذه المادة ذلك لأن الدخول في غير الأحوال المقررة جريمة كما سيجيء، وذلك لأنها هي والمادة (112 ع) المادتان المنفذتان للمادة (8) من الدستور، التي وردت في باب حقوق المصريين وواجباتهم وقررت أن لمنازلهم حرمة فهي بهذا تنظم الإجراءات الخاصة بحق من أقدس الحقوق التي تفاخر بها المدنية في هذا الجيل ولذلك حظرت اقتحام المنازل إلا في الأحوال المذكورة فإذا انعدمت تلك الأحوال أوجبت إذنًا من العدالة Mandate de Justice – النيابة - حتى تجعل لها الرقابة السابقة الفعلية على كل ما من شأنه أن يمس حرمة هذا الحق المقدس وعلى ذلك

أولاً: ما دامت هذه المادة تنظم حقًا من الحقوق الأساسية في الدستور.

وثانيًا: ما دامت تحذيرًا واردًا في قانون التحقيق من الوقوع في جريمة منصوص عليها في قانون العقوبات.

وثالثًا: ما دامت تتعلق بأهم عناصر سلطة النيابة على التحقيق ومسؤوليتها في حماية حقوق الناس وحرمات المنازل.

ورابعًا: وهو من البداهة المصطلح عليها في قواعد التفسير ما دامت صيغتها بلهجة التحريم والمنع والإلزام خصوصًا وهذه المخالفة لنص المادة قد انتهكت من جرائها حرمة واجبة الصيانة وضاع بها حق فقد وجب بطلان الإجراءات كما هي القاعدة في قانون المرافعات حتى عند الرأي الذي يقول (لا بطلان إلا بضرر) Nullité sans grief n'opère pas وإذن فهذه المخالفة تستتبع البطلان المطلق حتمًا ويجب استبعاد كل ما يقوم عليها من الآثار من ضبط أو من تفتيش وما إلى ذلك لأن ما يبني على الباطل باطل.

2 - وقد طبقت المحاكم هذا المبدأ في فرنسا وفي مصر في كل مناسبة عرضت لها كما انعقد عليه إجماع شراح القوانين

جاء في الجزء الأول من شرح لبواتفان على المادة (87) في الفقرة (10) ما يأتي:

Lorsqu’une visite domiciliaire a été effectué illégalement, le procès - verbal de constat et les saisies opéreés sont radicalement nulles, et il ne peut en être fait état devant le tribunal de repression.

ثم يقول وهذه حالتنا

Il y’a donc nullité de perquisition quand le procureur de la republique ou un officier de police judiciaire sans être muni d’une delegation du juge d’instruction.

ويلاحظ أن السلطة التي تعطي الإذن في فرنسا هي قاضي التحقيق لا النيابة، وفي الفقرة الحادية عشرة يقول:

Les perquisitions opéreés contrairement à ces règles sont nulles et les resultats doivent en être cartes dés debats.

وترجمة ذلك (إذا كان الدخول في المنزل بطريقة غير قانونية فإن محضر التفتيش وعملية الضبط نفسها يكونان من الأعمال الباطلة بطلانًا مطلقًا ولا يصح الاستناد عليها أمام المحكمة، فإذا حصل التفتيش بمعرفة النيابة أو بمعرفة ضابط من ضباط البوليس ولكن من دون إذن قاضي التحقيق - فإنه يكون تفتيشًا باطلاً........ والتفتيش الحاصل مخالفًا لهذه القواعد باطل ويجب استبعاد ما يترتب عليه من النتائج) كما يقرر ذلك العلامة جارسون في البند (72) من تعليقاته على المادة (184) من قانون العقوبات الفرنسي وكما يقرره ذلك أيضًا فستان هيلي في الجزء الثالث من مؤلفه في تحقيق الجنايات في البند (1305) وما بعده في بحث تفصيلي نجتزئ عنه بما نقلناه من لبواتفان

3 - أما القضاء فهو مطرد في تطبيق هذا المبدأ ومع التشدد فيه، فالمحاكم الاستئنافية جميعها ومحكمة النقض دائمًا تقضي بهذا، وإليك بعض فقرات من بعض هذه الأحكام - جاء في حكم محكمة الاستئناف Carpentras بفرنسا المنشور بدالوز الدوري سنة 1909 الجزء الثاني صفحة 281 ما يأتي:

Attendu que....... M.le Commissairc de police porteur de deux plaintes en adultère... s’est transportè..; attendu qu’il est constant qu... n’était point porteur d’un mandat de perquisition par le Juge d’instruction; attendu que dès lors il ne peut être fait état des constations don’t il s’agit et que la poursuite manque de base.

Par ces matifs....... déclare.......et annulle le procès verbal de constat qui en est la suite.

ومعناه (وحيث إنه بناءً على شكويين بالزنا قد انتقل ضابط البوليس م(.....) – وحيث أنه من الثابت أن هذا الضابط المحرر للمحضر لم يكن لديه إذن بالتفتيش من قاضي التحقيق – وحيث إنه بناءً على ذلك لا يمكن اعتبار البيانات الواردة به ويصبح الاتهام قائمًا على غير أساس - بناءً عليه: حكمت المحكمة ببطلان محضر التفتيش الذي ترتب عليه).

وبهذا المعنى حكمت محكمة النقض الفرنسية في الطعن الذي قدمته النيابة ضد ذلك الحكم وحكم النقض منشور في نفس الموضع في نفس المرجع وقد جاء فيه ما ترجمته (وأخيرًا... – من حيث أن المحضر المشار إليه قد عمل بطريقة غير قانونية فإنه من المؤكد الذي لا جدال فيه أنه لا يجوز الاستناد إلى ما ورد فيه من التوضيحات...) كما حكمت بهذا محكمة النقض الفرنسية في حكمها المنشور في دالوز الدوري سنة 1866 الجزء الأول صفحة 238 و 239 – كما حكمت بهذا أيضًا محكمة النقض الفرنسية في الحكم الصادر في 18 فبراير سنة 1910 المنشور في Journal de parquet والمذكور في البند الحادي عشر من تعليقات لبواتفان سابقة الذكر.

جريمة

4 - نصت المادة (112) عقوبات على أنه (إذا دخل أحد الموظفين أو المستخدمين العموميين أو أي شخص مكلف بخدمة عمومية اعتمادًا على وظيفته منزل شخص من آحاد الناس بغير رضاه فيما عدا الأحوال المبينة في القانون أو بدون مراعاة القواعد المقررة فيه يعاقب بالحبس أو بغرامة لا تزيد عن 20 جنيهًا مصريًا).

والمفروض أنه لا توجد حالة من الأحوال المبينة في القوانين وأنه لم تتبع القواعد المقررة فيما عداها وهي استئذان النيابة.

فدخول الضابط المنزل اعتمادًا على وظيفته عنوة أو انسلاله إليه خلسة وعدم رضاء المتهم بدخوله لا صراحة ولا ضمنًا تتوفر معه أركان الجريمة فتكون العقوبة عليها واجبة ذلك بأن الدخول عنوة أو الدخول خلسة أو بعد خدعة مفاجأة فيها يتحقق الإكراه وتنتفي معها الإرادة أو الرضا فمن يوهم امرأة بأنه زوجها فيواقعها كمثل من يغتصبها إكراهًا وقسرًا كلاهما يرتكب الفعل بالإكراه، ومن القواعد الأولية أن (الرضا لا يمكن أن يفترض) ذلك لأنه تنازل عن الحق في البطلان، وإباحة خطرة للحرمات التي اعتدى عليها، والتنازل يجب أن يكون صريحًا أو واضحًا ولا يفترض La renonciation ne se presume pas وفوق ذلك فيجب أن يكون الرضاء طليقًا أي في حالة اختيارية مطلقة ويجب أن تدل دلائل قاطعة على هذا الرضاء إن لم يكن صريحًا بل إن عدم الاعتراض لا يعتبر إقرارًا أي أن (السكوت هنا ليس رضا) راجع لبواتفان في تعليقاته على المادة (87) بنود (15) إلى (19)، ولن يشفع للضابط أن يكون دخوله لما دخل له فإن القصد الجنائي يتوفر في هذه الجريمة (متى كان الموظف عالمًا بأنه يدخل منزل شخص رغم إرادته وفي غير الأحوال التي يبيح له القانون الدخول فيه وليس له أن يدفع أنه كان يعتقد أن القانون يبيح له ذلك إذ لا يجوز الاحتجاج بجهل القانون أو الخطأ في تفسيره ومن باب أولى لا يمكن أن يكون للباعث الذي حمله على الدخول أي اعتبار في إباحة الفعل فلا يهم أن يكون قد دخل المنزل مبالغة في الحرص على مصلحة الحكومة ومراعاة للمصلحة العامة، أو بقصد التجسس أو حب الاستطلاع أو غير ذلك) كما جاء بالموسوعة الجنائية لجندي بك عبد الملك ص (179) جزء ثانٍ نقلاً عن جارسون في تعليقاته على المادة (184 ع) المقابلة للمادة (112 ع) مصري بند (40) وما بعده.

ولقد حكمت محكمة النقض المصرية حكمًا منشورًا بالمجموعة الرسمية السنة الثامنة عشرة عدد (76) بصحة الحكم بعقوبة صراف دخل منزل واحد من أفراد الناس ليحجز على منقولاته دون أن يعلنه طبقًا للقانون الصادر في 25 مارس سنة 1880 وطبقت المحكمة في ذلك المادة (112 ع).

وإذن فما دام هذا الفعل عملاً من أعمال القوة وإجراميًا فإنه لن يصلح أساسًا لأي إثبات

أولاً: لأن العدالة لا تقوم على الجرائم، ولأن الحقيقة في أي نظام مشروع لا تكتشف بالجرائم

وثانيًا: لأن السلطة التي في يدها الاتهام لا يمكن أن تقيم اتهامًا على جريمة اقترفها أحد عمالها

وثالثًا - فإن أحكام القضاء لا يمكن أن تكون الجرائم سببًا من أسبابها وعلى ذلك فإن ثبتت الجريمة فتحق العقوبة على مرتكبها ويحق البطلان على عمله وعلى كل ما ترتب على ذلك العمل.

جاء في تعليقات جارسون على المادة (184) في البند (72) ما ترجمته (والجزاء على هذا يوجد.

أولاً: في المادة (184) كما يوجد أيضًا في بطلان المحاضر المحررة نتيجة لدخول غير مشروع والمحاكم تقضي دائمًا بالنتيجة الأخيرة) ويقول في البند (73)

Les procès verbaux redigés en contravention de cette prohibition, étant le resultat d’un délti ne peuvent servir de base à une poursuite.

وتعريب ذلك (والمحاضر التي تعمل مخالفة لهذا التحريم لا تصلح أساسًا للمحاكمة لأنها نتيجة لجريمة).

بطلان شهادة محرر المحضر ومن معه

5 - فشهادة الضابط ليست أقوى من محضره، فإذا حكم ببطلان محضره فقد بطلت معه شهادته، ذلك لأن محضر الضابط منشؤه ومرجعه وفحواه معلومات هذا الضابط فهو شهادة مكتوبة إذا ردت أو أبطلت بطلت الشهادة الشفوية تبعًا لها وما دامت المعلومات التي يدلي بها الضابط لم يصل إليها إلا عن طريق الجريمة أو العمل الباطل فإنها لن تكتسب من الإدلاء بها قوة تطهرها من الجريمة التي اتخذت في سبيلها أو البطلان الذي انبعثت في أحضانه.

قال لبواتفان في البند (12) من تعليقاته في الجزء الأول على المادة (87) ما تعريبه (وفوق هذا فإن ضابط البوليس القضائي ومن رافقوه في هذه العملية غير المشروعة لا يمكن قبول شهادتهم على الوقائع التي لم يعلموها إلا بناءً على هذا الدخول غير المشروع، ففي الحق أن العيب الأساسي الذي يلحق بالمحضر يصيب الشهادة بنفس المقدار الذي يصاب المحضر به).

وترى من ذلك أن اللوثة التي عيب بها هذا الإجراء ينسحب أثرها حتى على الأشخاص الذين يرافقون الضابط في مخالفته فلا تصح شهادتهم وهو ما قررته محكمة النقض الفرنسية في جلاء في الحكم المنشور في Dalloz Periodique سنة 1909 الجزء الثاني صفحة 283 حيث تقول:

Attendu que... que partant le Commissaire de Police ne saurait être admis à déposer comme témoin devant la juridiction criminelle de faits qui ne sont parvenus à sa connaissance qu’en raison de son introduction sans mandat regulier dans le domicile de M.P.; qu’il en est de même de ceux qui l’accompagnaient

ومعنى ذلك (وحيث... وإنه بناءً على ذلك لا يمكن أن يسمح لضابط البوليس بالحضور كشاهد أمام القضاء الجنائي على الوقائع التي لم تصل إلى علمه إلا بناءً على دخوله المنزل بلا تصريح قانوني في منزل المسيو ب، وحيث إن هذه هي الحالة أيضًا بشأن الأشخاص الذين رافقوه).

وبهذا أيضًا حكمت محكمة النقض الفرنسية في 21 إبريل سنة 1864 حكمًا منشورًا في دالوز الدوري سنة 1866 في الجزء الأول صفحة 238 وقررت بطلان المحضر وعدم سماع شهادة محرره وسبب لذلك بأسباب مسهبة اكتفينا عنها بما نقلناه من حكم النقض السابق.

وقد ذكر لنا لبواتفان في البند الثالث عشر في الموضع الذي أسلفنا الإشارة إليه قضيتين قررت فيهما محكمة النقض بعدم سماع شهادة محرر المحضر الباطل

أولاهما: الحراس الذين يدخلون بدون إذن منزلاً لضبط الآلات التي استعملت في جريمة الصيد

وثانيتهما: ضابط البوليس الذي يدخل بدون إذن منزل شخص من أفراد الناس متهم بالاشتراك في الزنا لضبط تلك الجريمة.

في مصر

6 - جاء في الموسوعة الجنائية للأستاذ جندي بك عبد الملك. الجزء الثاني ص (267) في باب تحقيق ابتدائي بند (90).

(إذا حصل التفتيش بصفة غير قانونية فيكون محضر التفتيش وما نتج عنه من ضبط أشياء باطلاً ولا يجوز الاستناد عليه أمام المحكمة بل أنه لا يجوز أيضًا الاستشهاد عليه بمحرر المحضر على الوقائع التي يكون قد دونها في محضره فإن البطلان الذي يلحق محضره يلحق أيضًا شهادته).

وقد عرض الدفع ببطلان التفتيش أمام محكمة النقض في القضية نمرة (607) سنة 47 قضائية فلم تخض فيه ولكنها أخذت به إذ رأت أن التمسك ببطلان التفتيش لا يجدي رافع النقض - ما دام هناك أدلة إثبات أخرى وهي شهادة اثنين من الشهود على وجود المادة المخدرة بدار المتهم.

وقد رجعت إلى هذه القضية في دفتر خانة محكمة النقض فوجدت أن المحكمة الجزئية في بندر بني سويف برأت المتهم لبطلان محضر التفتيش لعدم استئذان النيابة، أما محكمة جنح بني سويف الاستئنافية فحكمت على المتهم لوجود شاهدين شهدا بإحرازه للمادة المخدرة، ولما رفع الأمر لمحكمة النقض قضت بأن الطعن لا يفيد المتهم ما دام قد شهد شاهدان عليه بغض النظر عن قيمة التفتيش من الوجهة القانونية.

وقد لخص ذلك الحكم نفسه الأستاذ جندي بك عبد الملك رئيس النيابة بمحكمة النقض في البند (91) في المؤلف والموضع المشار إليهما فقال بعد العبارة التي نقلناها من قبل بند (91) (وفوق ذلك فإنه لا بطلان ما دام الحكم قائمًا على أدلة أخرى غير ما يؤخذ من محضر التفتيش فلا يجوز للمتهم الطعن بأن التفتيش الذي أجرى في منزله وترتب عليه ضبط المواد المخدرة كان غير قانوني متى كانت نتيجة البحث إن وجدت مادة مخدرة في حيازة المتهم وشهد شاهدان بإحرازه لها فإن في هذا القرار ما يكفي لتبرير الحكم الصادر عليه بغض النظر عن قيمة التفتيش من الوجهة القانونية.. (نقض 13 فبراير سنة 1930 رقم (601) سنة 47 قضائية).

عرضت هذه الدفوع على محكمة ميت غمر الجزئية الأهلية فحكمت حكمها المنشور في العدد الثالث من السنة الثالثة عشرة من المحاماة ص (343) قاضية باستبعاد محضر التفتيش وشهادة الموظف كاملة من حيث ثبوت التهمة.

وقد تأيد هذا الحكم لهذه الأسباب من محكمة المنصورة الاستئنافية في 4 يناير سنة 1933.

يقول خصوم هذا الرأي كيف يؤخذ به ويبرأ المتهم مع أن المادة مضبوطة والإحراز ثابت، وهو قول غير صحيح فالمادة لا دليل على ضبطها والإحراز إذن غير ثابت، أما استغرابهم صدور حكم بالبراءة فأولى منه أن يستغربوا حصول هذه الجرائم على حرمة المساكن، وعلى حق النيابة وسلطانها في التحقيق وأن عدم القول بهذا الرأي ليبيح للبوليس الذي لا تعرف له حدود حرمات كم قدستها الشرائع وكم سالت من أجلها النفوس بل أنه ليجعل التحقيقات فوضى وينتزع زمامها من يد النيابة ويسلبها الهيمنة على الحرمات والحريات.