بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

23 سبتمبر 2011

التوازن في عناصر الكيان الوجودي وفي الحقوق العامة والخاصة

مجلة محاماة - العدد التاسع والعاشر
السنة الخامسة والعشرون1945

نص المحاضرة التي ألقيت بدار نقابة المحامين الوطنيين في شهر ديسمبر سنة 1945

التوازن في عناصر الكيان الوجودي وفي الحقوق العامة والخاصة
جزاء الاختلال التوازني والتعسفي الخاص عمليًا وقضائيًا للدكتور عبد السلام ذهني بك المستشار بمحكمة الاستئناف المختلطة

التوازن آية من آيات العمران وهو أساسه وعماده وسنده الحيوي، وهذه السماوات والكواكب في الفضاء بما نعلمه وبما لا نعلمه إن هي قائمة إلا على التوازن والتعادل والتناسب فيما بينها بالقدر الذي أراده الخالق جل وعلا، وإذا اختل ذلك التناسب واختل معه التوازن انهار الفضاء الكوني على بعضه البعض وتلاشى العالم الوجودي لذلك الاضطراب التوازني الذي يسوده إذ ذاك.
ولهذا التوازن العالمي السماوي في القبة الزرقاء أثره في عمران الكوكب الأرضي، والأرض لا تحيي ولا تعيش إلا إذا حكمها التوازن في عناصرها، وإلا إذا طغى عنصر على عنصر طغيانًا مس التوازن في صميمه لأصبحت الأرض غير الأرض والسماء غير السماء.
ولهذا التوازن في العالم الأرضي أثره أيضًا في الحياة الكونية الإنسانية، والناس فيما بينهم وبين حاكمهم إنما يعيشون تحت سلطان التوازن، فإذا طغت الطائفة الحاكمة كما حصل بروما في القرن السادس قبل الميلاد بين عوام الشعب وإشراف الأمة ونزلت بالطائفة المحكومة أنواع من الأذى، قفز الدهماء وجعلوا من ضعفهم قوة جاءتهم من الإيذاء ومن الاستهتار بحقوقهم الطبيعية وقاموا في وجه الأرستقراطية ونادوا بما أسبغت عليهم الطبيعة من حقوق ومزايا لاصقة بالفرد وحيوية الفرد وكيان الفرد، وما عتم إن تم الاتفاق بالوفاق بين الدهماء والإشراف ووضعت قوانين الاثنتي عشرة لوحة.
وهذه فرنسا وثورتها سنة 1789 وقد قام شعبها ونادى بسقوط حملة الاستبداد فاستقرت له حقوقه بما نشر على الكافة في نشرة حقوق الإنسان والمواطن سنة 1792، ووضع القانون المدني سنة 1804 وعرف كل فرد ما له وما عليه وأصبح لا يسوده إلا ما أراده بمحض رغبته فلا يقيده إلا ما تعاقد عليه وارتضاه لنفسه وبنفسه وتقررت قاعدة (العقد قانون المتعاقدين) المادة (1134) مدني فرنسي، وفازت بما نالته من التوفيق في مجالات التقاضي، وتعينت حقوق السلطة الحاكمة ورسمت لها مناهج ووضع الدستور على خير ما تبغيه طبيعة العمران الصحيح وتوازنت الأمور واستقرت في مواطنها.
ولهذا التوازن العمراني والكوني صداه في العالم الدولي وما للدول مع بعضها البعض من شؤون وأمور مختلفة متباينة، ولم تلبث الدول من عهد بعيد مترامي الأطراف في بطون التاريخ الدولي العام أن تعمل من جانبها على حفظ ذلك التوازن العالمي الدولي حتى تضمن لها هدوءًا وطمأنينة وأمنًا يسود أرجاء العالم فتعمل ما من شأنه رفع شأنها ورفع شأن الإنسانية.
وما الحروب إلا إمارة من إمارات فقدان التوازن الصحيح السليم، فإذا ما اختل التوازن الدولي لسبب من الأسباب السياسية وغيرها بانت إذ ذاك مظاهر ذلك الاختلال وقامت الحرب وفكر زعماء الدول في ردء الصدع ولم الشعث وجمع العشائر والتفاهم في رد المياه إلى مجاريها وفي محاولة إزالة الأسباب وتخيل ما شاءت لهم مقاديرهم الفكرية من النظم والمشاريع طلبًا في سيادة الهدوء وشمول الطمأنينة نحو الكافة.
والتوازن هو لازم في الحياة الكونية والدولية فهو كذلك لازم في حياة الأفراد وفي معاملاتهم مع بعضهم البعض، والفرد وقد حمل حقه وأصبح صاحبه وحده لا يزاحمه مزاحم ولا يعتدي عليه معتدٍ، فإنه يتعين عليه أن يقف في الاستمتاع بحقه بما ينطوي مع طبيعة الحق وبما للحق في يده من رسالة عمرانية لازمة في الحياة والوجود، فإذا شاء التمتع بحق وجب عليه ألا يرهق الغير فيه وأن لا يصيبه بأذى غير مشروع وأن لا يخرج فيه عما رسم له اجتماعيًا وعمرانيًا وأن لا يبتغي منه سوى القدر اللازم واللازم له في مصلحته وأن لا يصرفه في سبل النيل من خصيم له وإلحاق الأذى به لا يقصد إلا الأذى، وإلا إذا بان بأن صاحب الحق إنما أراد الأذى والأذى وحده يخصم له وجب حينئذٍ الضرب على يده وإيقافه عند حده.
وإذا كان الحق متعة في يد صاحبه ينفرد بها وحده لا يشاركه فيها أحد، وجب أن تقف المتعة لديه عند حد المنفعة الخاصة فحسب، وأما والتطوح بالحق في سبيل الأذى وإلحاق الضرر بالغير دون ابتغاء المصلحة الجدية، فهو أمر لا يبيحه القانون الصحيح ولا يقره العمران وتمقته الأخلاق وتزدريه الآداب.
والحق في روما وقد رسمت له مناهج وتعينت له طقوس ووضعت له رموز وعرقت له عبارات مألوفة، والحق وقد وضعت هذه القيود الشكلية التي استمدت كيانها مما أودع في خلق الروماني من صفات بارزة تولدت عنده بحكم أنه كان جنديًا جبل على الطاعة ومزارعًا طافت به الوساوس فمال للقساوسة وما لهؤلاء فيها من شأن وشؤون دينية، ومالوا إليه بما قام في نفسه من نزعة تقديس أرواح الآباء والأجداد: هذا الحق الروماني وقد أحاطت به الدقة في الشكل والمعنى حيث يتعين الحق تعينًا لا يقبل طعنًا، ما دام قد أفرغ في القالب التشريعي المعدلة: هذا الحق على شدته، ومع سد أوجه الطعن فيه فيما نزل إلى الغش والتواطؤ وسوء النية، قد انتهى الأمر فيه أن عالج عنده كل من البريتور الروماني والفقيه المفسر تفسيرًا رسميًا أو عرفيًا، عالجوه بأن احترموا لحق في ذاته وما حفه من قيود شكلية ورمزية وقداسة خارجية، عالجوه بذلك الاحترام الشكلي، وبأن قرروا في وجه صاحبه دفوعًا فرعية [(1)] إن هو قام بالمطالبة في وجه من مسه بسوء وأراد الإيذاء له والإصرار عليه، أجاز له البريتور الروماني حق اللجوء إلى دفع فرعي يبطل الحق لدى صاحبه فيبطله إبطالاً، ومع التطور في الدفوع، قامت بجانبها حقوق لأصحابها يصح لهم مباشرتها دون تربص صاحب الحق الأول في المطالبة به، وبذا ظهرت الدعوى البوليسية [(2)] تحمل اسم المشتري التي قال بها بولص [(3)]، والدعوى البوليسية [(4)] بما قاله فيها صاحبها بوبلوسيوس [(5)].
وصاحب الحق وهو في طريق الاستفادة منه إنما يعول على ماله فيه من منفعة مطلقة غير عابئ بما يمكن أن يلحق حقه من عيب عاصره وقت إنشائه، أو عيب لحقه فيما بعد إذا ما تعسف في استعماله وأراد أن يمس ما يجب أن يكون بينه وبين غيره من التوازن الوجوبي بين الأفراد.
وجاء قانون نابليون سنة 1804 وقد تميز بطابع الفردية [(6)] وما لها من قداسة تقررت له بحكم الثورة الفرنسية سنة 1789 وبحكم نشرة حقوق الإنسان سنة 1792 [(7)]، جاء وبرغم تميزه بذلك الطابع فإنه لم يشأ أن يجعل لسوء النية وتبييت الإيذاء أثرًا في تكوين الحقوق، ومد أصحابها بسلاح القوة وأداة الحماية، فأبطل الغش والاعتداء بالقوة وأبطل التعاقد مع مفقودي الأهلية ولم يجز الغبن في صور معينة [(8)]، وكره أن يتجرد العقد في كثير من صوره من الطابع الأخلاقي والميزة الأدبية.
وبرغم ما للعقد من قداسة وما للحق فيه من قوة وما لسلطان الفردية فيه من أثر، فإنه كلما هم صاحب حق في الانتفاع بحقه، وهو لا يلوي إلا على إلحاق الأذى بالغير دون أن ينشد مصلحة مادية معينة، ولم يرد من الاستفادة من حقه سوى السوء والنزول بالضرر لدى خصم له بيت الشركة: كلما حصل ذلك أبى القضاء الفرنسي أن يقيم لهذا العمل وزنًا وعمل على الضرب على يد صاحبه، وبذا تقررت نظرية الاعتساف في استعمال الحق [(9)] حفظًا لميزة التوازن بين الحقوق حيث لا يعبث بها عابث، وتقررت في مناحٍ عدة من القانون وتوزعت على أشكال متباينة من صوره وتقرت للحق ميزة أخلاقية لا يفتر عنها ولا تفتر عنه.
ولما بانت نظرية الاعتساف بالحق وانطلقت في ميادين العمل القضائي وأقرها القضاء الفرنسي، ظهر صداها بالتشريع المصري المختلط سنة 1875 [(10)] وبالتشريع الوطني الأهلي سنة 1883 [(11)]، ولا يزال التشريع المصري بنوعيه يؤيدها في كثير من تشريعاته، من طريق الحد من حرية صاحب الحق وتقييده بقيود عدة حفظًا للتوازن بما فيه حفظ للعدالة وضمانًا لحياة بعض المنكودين ممن افترستهم ملابسات الحاجة وتنمرت لهم ظروف اليأس والبؤس.
وانطلقت نظرية الاعتساف في القضاء الفرنسي والمصري المختلط والوطني انطلاقًا بعيد المدى وقامت في وجهها ثورة من خصومها أرادوا الوقوف دون نموها وهم يكيدون لها كيدًا بحجة أن الأساس فيها إثبات سوء النية وهم عمل نفساني سيكولوجي، وهو من الوهن والضعف بما يجعل طريق الإثبات فيه محفوفًا بالمخاوف والمخاطر والخطأ والغلط، وبما يعرض الحقوق لخطر الزوال والانهيار، وفي هذا ما فيه من المساس بذات الحق وكيانه وأصله.
ولكن نظرية الاعتساف أو نظرية التوازن أبت إلا أن تنطلق فيما أعد لها بطبيعة الحال في ميادين الحياة القضائية وأخذت بها تشريعات عدة وأقرتها أمم في نصوص قوانينها وأخذت الحملة عليها عندئذٍ تخف من وطأتها وأبوا خصومها إلا أن يسيروا بها في طريق المسؤولية بنوعيها المسؤولية التقصيرية [(12)] والمسؤولية الشيئية أو اللاتقصيرية [(13)] على اعتبار أن ما وقع في نظرهم لم يقع من طريق استعمال الحق لأن استعمال الحق لا يمكن أن يترتب عليه مسؤولية ما، إنما وقع من طريق إلحاق الضرر بالغير ضررًا يرجع السبب فيه إما إلى خطأ [(14)] أو إلى ضرورة الأخذ بقاعدة المخاطر [(15)] أي قاعدة الغرم بالغنم [(16)].
وسواء اتصلت نظرية الاعتساف بنظرية المسؤولية في شطريها التقصير والشيئي كما ذهب خصومها، أو قامت على أسس خاصة بها من حيث الطابع الأخلاقي اللازم للحق بحيث لا يجوز بحال أن يتجرد الحق في ذاته عن العناصر الأخلاقية، وبحيث الحيلولة بين صاحب الحق وبين تمتعه بحقه من طريق الإخلال بالتواني ومن طريق رغبته في الوصول بالأذى إلى من يريد إيزاءه: سواء كان هذا أو ذاك فقد تقررت النظرية (نظرية الاعتساف في استعمال الحق) وشقت لها طريقًا بعيد المدى في القضاء الفرنسي والقضاء المصري المختلط والوطني، وأخذ بها كثير من الشرائع الأجنبية التي أيدتها بنصوص لم تخشَ فيها الجانب البسيكولوجي وما يقوله فيه خصومها من خطرة على الحقوق والمعاملات، ما دام أن الشرائع جميعها من عهد الرومان حتى اليوم لا تقيم وزنًا لسوء النية والغش والتدليس، وهي عيوب إن دلت عليها أحيانًا بعض الدلائل المادية كالأرقام وغيرها، فإنها في ذاتها تتكون من عنصر نفساني أخلاقي لا بد فيه من الدخول في قرارة النفس للوقوف على ما عبثت به تلك النفس من رغبة الإيذاء بالغير ومن نية إيصال الأذى به.
وأما وقد استقرت النظرية نظرية الاعتساف أو التوازن فيها نحن أولاء نقوم بعملية الاستعراض لها في ميادينها الحيوية وفي مساقطها التشريعية وفي منابتها القضائية العملية، وإنا لنعني على الأخص بما لها من مظاهر حيوية مادية وما استجلاه القضاء لها وما أفاده منها مما كشف عنه الكثير من الأقضية بين الأفراد، والقاضي إنما هو الملجأ الذي يهرع إليه الفرد ويطلب إليه أن يرفع عنه ما نزل من أذى لا مبرر له، وأن يقف به دون المعتدي وعلى الأخص ذلك المعتدي الذي جرد في اعتدائه سلاحًا انتزعه من حقه فشوه الحق ومسخه مسخًا وذهب فيه مذهبًا لا يتفق والحياة والعمران، إنما هو مذهب مشبع بالسوء مغمور بسوء النية، لم يرد به نفعًا بل أراد به سوء وسوء.
وللاعتساف والإخلال بالتوازن مظاهر بين الحاكم والمحكوم وبين السلطة والفرد.
والذي يجب أن يحمي ويعنى بأمره هو الفرد والجماعة: الفرد من حيث حقوقه الفردية، والجماعة من حيث أن لها كينونة هي ملاذها الأكبر وتتركز فيها حيويتها.
وقانون الجماعة والفرد والحاكم والمحكوم هو الدستور، وواضع الدستور مأخوذ بالحق الأسمى [(17)].
والحق الأعلى فإن هو خالفه كان دستوره معيبًا، وواجب القاضي أن يحمي الفرد من غصب الغاصب مهما كان الغاصب، فإذا التوى القانون وخالف الدستور أخذ القاضي بيد الفرد المضار وقضى له بعدم دستورية القانون لأن في التواء القانون ومخالفته للدستور وللحق الأعلى مساسًا بقاعدة التوازن لاعتساف أصاب القانون، فإذا قضى القانون بإبطال حرفة تركزت فيها حقوق لبعض الأفراد ونالهم ضرر بسبب إلغائها وجب على القانون القضاء بتعويض في مقابل الضرر الذي وقع من طريق حماية الجماعة التي استفادت من نزع ملكية الحقوق لدى الأفراد المضارين، فإن لم يفعل القانون على القاضي القضاء بالتعويض، لأن في الإلغاء نزع ملكية للمصلحة العامة، ولا بد من تعويض الفرد فيما ذهب للمصلحة العامة والمنفعة العامة.
والحاكم في توزيعه سلطان الحكم على الأفراد إنما يقوم بأعمال إدارية [(18)] يجب أن تتصرف وأن لا تتصرف إلا إلى المنفعة العامة، فإذا أريد بالعمل الإداري نية الأضرار بفرد معين زالت عن العمل الإداري مسحته الإدارية وتولت عنه حصانته القضائية، وزوال الحصانة يتعين إما في إبطال العمل الإداري وعدم نفاذه وفي التعويض الكلي أو التهديدي [(19)] أو بالتعويض فقط بشأن الموظف المفصول، ولمجلس الدولة [(20)] الضمان للموظف باعتباره دستوره وسنده الأساسي.
وللحق في ذاته قوة تشد أزره وتحمي حماه، ولا يفهم الحق إلا إذا أمدته القوة بسلطان الحماية، وقوة الحق العقيدة فيه وبصحته لصاحبه، والالتجاء إلى القاضي بالدعوى، والدعوى سلاح الحق، وهي ترفع في جميع الأحوال ولا يحول دونها حائل ولا يوقفها موقف ويجب أن تقبل في شكلها أمام القضاء، فإذا تعسف فيها رافعها ورفعها مدفوعًا بغرض التنكيل بخصيمه وتبييت الإيذاء له، نظرت وقتئذٍ وقضى فيها بالرفض، وجاز لمن قضى له برفع دعوى التعويض على رافع الدعوى الأول.
ولقد عمل الإنكليزي على تعطيل الدعوى في ناحية مبينة بقانونهم الصادر في 14 أغسطس سنة 1896 بتقرير قاعدة مانعة [(21)] برغم ما عرف به التشريع عندهم من طابع الفردية [(22)] وطابع الإطلاق [(23)] والنزوع إلى غير روح التضامن وإلى النبو عنه، والأخذ بقدر وافر من التشدد في أمور الحياة [(24)].
ذلك أنه قرر الحجر على المدعي في رفع الدعوى إذا أكثر من رفعها بلا طائل وكان خاسرًا لها، ويصدر الحجر من محكمة الاستئناف وبناءً على طلب النائب العام [(25)]، وانتهت بأن لانت شرائعها وانسابت في طريق الضرب على أيدي كل من يعبث بالحقوق من طريق الإيذاء والمضايقة [(26)] أو من التعسف المؤذي في القضايا [(27)].
والدعوى إذا رفعت تعين فتح الأبواب فيها في المعارضة والاستئناف وإعادة النظر والنقض، وفي إعادة النظر والنقض يقول القانون بالغرامة لمن فشل، ويجيز التعويض أيضًا (المادة 387/ 431 مرافعات، و500 فرنسي، و(16) و(30) من قانون إنشاء محكمة النقض الصادر في 2 مايو سنة 1932، والمعدل بالقانون رقم (78) سنة 1933، إذ أجاز مصادرة الأمانة والحكم بالتعويض)، وخاسر الدعوى يتحمل مصاريفها، على أنه يجوز الحكم بالمقاصة فيها وتوزيعها على طرفيها (المادة 113/ 118 مرافعات) [(28)].
والحكم بالتعويض على رافع الدعوى إذا خسرها وكان ينوي الكيد بها لخصيمه منصوص عنه بالقانون (المادة 114/ 119 مرافعات).
ومصاريف الدعوى على من خسرها، ويتحمل بها حتى من كسب الدعوى إذا تبين أنه هو الذي تسبب فيها كغيابه وصدور الحكم غيابيًا ورفع معارضة من جانبه (المادة (118) مرافعات مختلط ومعدلة بالقانون في أول ديسمبر سنة 1913).
وإذا رفع الاستئناف وتبين أنه كيدي جاز للمستأنف عليه أن يطلب أمام الاستئناف الحكم له بتعويض عن ذلك الاستئناف الكيدي.
وكان الرومان في عهودهم الأولى في عصر نظام الدعاوى القانونية [(29)] يقررون قبل البدء في الدعوى والمرافعة فيها على شرط اليمين والمراهنة [(30)] تكليف كل من الخصمين على رصد مبلغ معين في التراهن يتراوح بين 50 آس (عملية رومانية)، و500 آس يضيع على من يخسر، ويأخذه القساوسة مضافًا إلى الأملاك العامة [(31)] وكانوا يقررون عقوبة خاصة [(32)] تقضي بمعاقبة البائع بضعف قيمة ما قرره على غير صحة بقائمة شروط البيع، الأمر الذي من أجله اضطر المشتري إلى رفع الدعوى عليه [(33)] وقرروا عقوبة العار والتشهير [(34)] على من يلجأ للغش والتدليس ويعبث بأحكام الرهن والوصاية والقوامة والوديعة.
واليمين في الدعوى جائزة في صورتيها المتممة والحاسمة، ولكل طرف من طرفي الدعوى أن يوجه اليمين الحاسمة إلى الطرف الآخر (المواد 163 - 176 مرافعات)، ولا يجوز رفضها ويجوز ردها على طالب الحلف، وإذا تبين للقاضي أن اليمين طلبت حاسمة وكان طلبها يرمي إلى التنكيل بخصمه حتى إذا ما حلفها أخذ يشنع عليه في مجالات التعامل بالتحدث بالسوء فيه وأنه حلف يمينًا كاذبة، عند ذاك وجب عدم توجيه اليمين الحاسمة باعتبارها في هذه الحالة حقًا تعسف فيه صاحبه وأراد به خرق التوازن بين الحقوق.
والإنكار بالتوقيع والطعن بالتزوير جائز وعلى من فشل فيه دفع الغرامة القانونية (المواد 251 - 272 مرافعات، و273 - 292 مرافعات).
ويلزمه التعويض إذا كان الإنكار أو الطعن بالتزوير كيديًا غير جدي، والتعويض في ذلك كله على أساس المادة (151) مدني وطني المنقولة حرفًا بحرف عن المادة (1382) مدني فرنسي، والمادة تقرر قاعدة لعل المكان اللائق بها هو الدستور لأنها تقرر مبدأ له مساس بالحرية العامة.
وقد يقف في وجه التوازن في الحقوق الدفع بقوة الشيء المحكوم فيه فيحول دون استقرار التوازن ويقف منه موقف حجر عثرة، وذلك أنه لا بد في سبيل الهدوء العام والطمأنينة الشاملة أن ينتهي النزاع بحكم يضع حدًا لما يشتجر بين الفردين بحيث لا تجوز العودة إلى النزاع من جديد إذا ما أثاره أحدهما، وقد يكون الحكم قد حصل عليه صاحبه بما لا يلائم مع الحقيقة المستورة ثم وفق خصيمه إلى سند قاطع في هدم ما حكم به، وإذا كان سبب اختفاء السند إهمال من صاحبه فلا سبيل له في العودة إلى النزاع، أما إذا كان الاختفاء يرجع لسبب قهري خارج عن إرادته ربما جاز النظر من جديد والمسألة شائكة في حاجة إلى عناية خاصة.
وقد ثار الجدل طويلاً فقهًا وقضاءً بشأن عناصر قوة الشيء المحكوم فيه بشأن الوحدة في كل من العناصر الثلاثة الشخصية والموضوع والسبب وعلى الأخص في الأخيرين، وربما جنحت الآراء إلى التوسع فيهما كلما كان محل العدالة صارخًا واختلال التوازن في الحقوق داعيًا إلى الأخذ بالعدالة في سبيل الأخذ بيد من كان الحكم في غير مصلحته، وقد تعددت المناهج وتواردت الآراء بشأن المادة الفرنسية (1351) مدني فرنسي الموضوعة سنة 1804 والتي أخذ عنها الشارع المختلط سنة 1875 المادة (297) مدني، وقد وضع الشارع الوطني مادته (232) في سنة 1883 بحيث يتسع لها ميدان فسيح في تبرير العودة إلى النزاع بالجوع إلى اختلاف في السبب أو الموضوع أي السند القانوني والتكأة العلمية، وذلك في سبيل الإصلاح من خطأ وإزالة ما قد يقع من الضرر.
ولعل من الأمثلة البارزة حديثًا في هذا الشأن ذلك الحكم الصادر من محكمة الاستئناف المختلطة في 19 يونيو سنة 1945 في القضية رقم (175) للسنة القضائية 70 [(35)] إذ صدر الحكم بإلزام شركة تأمين بدفع قيمة مبلغ التأمين إلى ورثة الشخص المؤمن له ولم يأخذ بما قالت به الشركة في أن المؤمن له، وكانت امرأة هي من مواليد سنة 1875 وتدعي أنها من مواليد سنة 1885 واستند الحكم إلى ظروف وقرائن، بينما قد صدر حكم في قضية شركة تأمين أخرى يرفض دعوى الورثة إذ تبين أن المؤمن لها من مواليد سنة 1875 بينما كانت تدعى هي وورثتها من بعدها أنها من مواليد سنة 1885 أي أنها غشت الشركة في عشر سنوات من عمرها وهو تقدير لا يصح التجاوز فيه، وأصبح الحكمان نهائيين وصدرا في مواجهة الورثة، والحكم الأول ضد الشركة الأولى، والثاني في مصلحة الشركة الثانية وهو القائل بأن المؤمن لها من مواليد سنة 1875، وأودعت الشركة المحكوم ضدها المبلغ بخزانة المحكمة لتوزيعه على الدائنين أصحاب الحقوق فيه وقالت بأنها هي منهم على اعتبار أنها أصبحت تداين الورثة الآن بالفرق بين المبلغ المحكوم به وبين المبلغ الذي يستحق لهم على أساس مواليد سنة 1875، وصدر حكم قاضي التوزيع برفض طلبها عند عمل قائمة التوزيع المؤقتة، فعملت مناقضة نظرت أمام المحكمة الابتدائية الكلية وقضى برفضها، فرفعت استئنافًا قضت فيه محكمة الاستئناف المختلطة بإلغاء الحكم واعتبار الشركة دائنة بالفرق الذي تدعيه، وقد لاحظ الحكم الاستئنافي أنه لا محل للقول بقوة الشيء المحكوم فيه بين الحكم السابق صدوره ضد الشركة وبين النزاع الحاضر لاختلاف الموضوع والسند القانوني أي السبب لأن المطالبة بالفرق هي غير المطالبة بالأصل وأن السن الحقيقية هي السن التي تعينت بالحكم الثاني في مواجهة نفس الورثة ذلك الحكم الذي بني على أدلة مادية محسوسة على خلاف الحكم الأول الذي بني على قرائن ظنية، واستند الحكم الاستئنافي إلى حكمين للنقض الفرنسي أحدهما سنة 1909 قرر بأنه إذا حكم على مؤمن له بدفع قيمة القسط المقرر، دون التعرض لمسألة فسخ التأمين بسبب خطاب مرسل من المؤمن له للشركة، فإنه ليس لذلك الحكم قوة الشيء المحكوم به في دعوى الفسخ التي ترفع فيما بعد، وثاني الحكمين سنة 1911 بأنه إذا كان هناك حكمان حائزان لقوة الشيء المحكوم به بين شخصين مع الاتحاد في الموضوع والسبب فإنه يجب التعويل على الحكم الأخير.
ولقوة الشيء المحكوم به أثر بليغ ظاهر في نظرية التوازن في الحقوق، لأنه وإن كان لا بد في أن تستقر الحقوق بين أيدي أصحابها استقرارًا نهائيًا لا عودة فيه رغبةً في الطمأنينة وتهدئة للنفوس، فإن للعدالة أيضًا شأنًا ظاهرًا في هذا الاستقرار وللأخلاق أثرًا فيها أيضًا فإذا تعارضت العدالة مع الواقع تعارضًا شدت أزرها فيه الناحية الخلقية بما يضطرب له الحق اضطرابًا أصبح التمسك بقوة الشئ المحكوم به غير مجد إذا ما تلمس الباحث أسبابًا ترجع حتى ولو من بعيد إلى اختلاف في الموضوع والسند القانوني أي السبب القانوني، ولعل من أظهر الحالات في هذا المنحى ذلك الحكم الاستئنافي المختلط الذي لمس فيه الخرق للعدالة بين الحكمين فيما إذا أخذ بالتمسك بالدفع بقوة الشئ المحكوم به بينما الورثة في الدعويين هم هم وبينما قد اتضح وضوحًا بينًا بأن السن الحقيقية هي على اعتبار مواليد سنة 1875 لا سنة 1885، وأصبح من الثابت الذي لا جدال فيه بأن الورثة يستولون بالحكم الأول على مبلغ هو ملك الشركة فكأنهم يثرون بلا سبب قانوني على حساب الغير وإضرارًا بالشركة، وأنه من العدل والقانون معًا رد الفرق إلى الشركة المغبونة أخذًا بنظرية الاختلاف في الموضوع والسند القانوني أي السبب وأخذًا بنظرية الإثراء بلا سبب، والأخذ بهما معًا حتى يتضافرا مع بعضهما البعض في سبيل التوازن بين الحقوق [(36)].
وللقاضي عند نظر الدعوى أن يقرر بوجه عام تقسيط الدين على المدين أو تقرير مهلة قضائية للوفاء (168/ 231 مدني) أو مهلة قضائية لدفع باقي ثمن الصفقة (333/ 414 مدني)، ولما انتهت الحرب العالمية الأولى عالج الشارع الفرنسي بعض الأمور الصارخة فأباح بقانون 5 مارس سنة 1936 لقاضي الأمور المستعجلة تقرير المهلة القضائية، وأزال بقانون 20 أغسطس سنة 1936 كل قيد لها بما يطلق يد التقدير عند القاضي المانح لها، وذلك كله أمام ما أثارته وتثيره حوادث الأيام والساعة من الإشكالات ومن النعي على شدة القانون وقسوته في بعض الظروف [(37)]، وكل ذلك في ضوء ما تمخضت به الحوادث العالمية من وجوب التدخل في العقود تخفيفًا لعبئها وما تحمله من وزن ثقيل [(38)] وضرورة التوجه فيها توجهًا يخفف من ثقلها.
وحق الحبس وقد أقره القانون في الرهن الحيازي الخاص بالمنقول أو العقار (540 وما بعدها مدني)، وفي الأحوال الأخرى الخاصة بالتحسينات وغيرها (المادة (605) مدني)، فإنه لا يجوز الأخذ فيه أيضًا بالعنت والاعتساف وتصريفه إلى غير ما وجد له، فلا يجوز استخدامه في حالة تخرج عن التعامل بين الأفراد، وعلى ذلك لا يجوز للشخص القائم بعملية الجنازة والصرف على المشهد حتى دفن الجثة أن يدعي بحبس الجثة لديه حتى يستوفى الدين المطلوب له، وادعاؤه غير قانوني [(39)].
وللمحتبس للعقار أو المنقول حق الاحتفاظ بالحبس حتى يستوفي دينه المضمون بالشيء المرهون حتى ولو بيع جبرًا عليه، وليس له حق نتبعه في يد من حازه حيازة قانونية.
وحق الحبس خاضع لأصول التعسف، فلا يجوز التعويل عليه إذا ما كان الدين المضمون قد أصبح زهيدًا لا يتناسب مع قيمة الرهن وكان المدين مليئًا تظهر عليه أمارات اليسر.
وليس للمحتبس حق الاستفادة من حق الحبس إذا ما دخل في نزاع مع مدينه وعرض هذا الأخير الدين عرضًا قانونيًا صحيحًا مصحوبًا بالإيداع في خزانة المحكمة، وقد رفعت دعوى من هذا النوع وقضى فيه قضاء النقض الفرنسي في 5 نوفمبر سنة 1923 (د، 924، 1، 11)، وذلك أن (شركة تعاون طالبي التعويض بسبب الحرب) كلفت مهندسًا بدرس ملفات الطالبين وتقديم تقرير عن كل حالة وبيان ما يجب القيام به من الأعمال لكل طالب، وقدرت له الشركة أتعابًا بنسبة المبالغ المخصصة للطالبين، ثم صدر بعد ذلك قانون يقضي باختيار المهندسين للقيام بالعمل المتقدم من بين الذين ترد أسماؤهم بقائمة تضعها المديرية، ولما كان المهندس السابق الذي حصل معه الاتفاق ابتداءً لم يكن اسمه واردًا بالقائمة الموضوعة، فقد اضطرت الحال إلى طلب الملفات من تحت يده، وهنا أبى المهندس إفلات الملفات من يده، على اعتبارها محبوسة عنده وفاءً بما له عند شركة التعاون المذكورة، وعلى ذلك قامت الشركة برفع دعوى طلبت فيها:
أولاً: تعيين المهندس الجديد طبقًا للقانون المشار إليه للقيام بالأعمال المتقدمة من درس كل حالة وتقدير التعويض فيها.
ثانيًا: تقدير أتعاب المهندس السابق.
ثالثًا: إلزام المهندس القديم بتسليم الشركة والمهندس الجديد ملفات الطلبات لدرسها، وقد عرضت الشركة مبلغًا على المهندس السابق أتعابًا له تبريرًا للتخلي عن حق الحبس، فلم يقبله، فكلفتها المحكمة بإيداعه بخزانتها فأودع وقضت محكمة استئناف (إيميان) بطلبات الشركة على اعتبار أن حق الحبس هو ككل حق يجب أن يخضع لقاعدة الاعتساف وأصولها وأحكامها، فإذا ما شابه الاعتساف بقصد الإيذاء من طريق العنت والعناد وكان حق الدائن المحتبس في غير خطر ومأمون الوفاء به وجب سلخ حق الحبس ممن ادعاه وسحب الشيء المحبوس من تحت يده، وقد أقرت محكمة النقض الفرنسية الحكم الاستئنافي المذكور على طول الخط.
والاختصاص ضمان يرجوه الدائن بناءً على حكم بيده وفاءً لدينه (599/ 600/ 721 726 مدني، و681 - 684/ 769 - 272 مرافعات)، وطالب الاختصاص يقدم طلبًا به لرئيس المحكمة فيأمر به في حدود المبلغ وبالقدر الذي يفي به العقار، ولرئيس المحكمة تحميل عقار واحد بالاختصاص بدلاً من اثنين وللطالب حق المعارضة، ولم يذكر القانون شيئًا بشأن المدين وحق معارضته في الأمر الصادر ضده على خلاف ما رسمه القانون في مكان العرائض بالمواد (127 - 132)، (130 - 133) مرافعات، ولكن إذا لم يذكر شيئًا فإن حق المدين في طلب تنقيص العقارين إلى عقار واحد مثلاً لم يزل فله حق المطالبة به بدعوى مستقلة أخذًا بالقياس مع جواز رفع دعوى شطب الرهن (571/ 695 مدني)، وباعتبار الاختصاص كالرهن (599/ 725 مدني).
وإذا فرض وارتفعت أسعار العقارات لمناسبات اقتصادية عامة لها بعض الدوام فإنا لا نرى ما يحول من رفع دعوى بطلب تنقيص العقارات المحملة بحق الاختصاص من عقارين إلى عقار مثلاً ما دام الوفاء بدين الدائن مضمونًا، ذلك لأن القانون أباح في ناحية أخرى بأن للدائن حق إلزام مدينه بتقديم عقار أو الوفاء بالدين حالاً إذا أصاب العقار المرهون عطب أو تلف قهري أو بسبب فعل المدين (562/ 686 مدني)، إذا علم ذلك فلماذا لا تكون الحالة العكسية في حق المدين في طلب التنقيص العقاري عند ارتفاع الأثمان ؟ وإذا كان الرهن لا يقبل التجزئة، ولذا قرر القانون بنفاذه مع ما يصيب العقار المرهون من إصلاح وزيادة إلا إذا اتفق على خلاف ذلك (564/ 688 مدني) فإن عدم القابلية للتجزئة وقد أريد بها مبالغة الحيطة بدين الدائن، لا تضير الدائن ما دام العقار الواحد مثلاً يفي ثمنه بالدين وأكثر، ويجب أن يلاحظ في هذا الشأن ما قد يقع من ملابسات لها بعض الأثر في دعوى التنقيص: قرب تاريخ الوفاء بالدين، استمرار الزيادة القيمية في العقارات بطريقة شبه مطردة، بقاء الأسباب العامة في زيادة قيمة العقارات، وإذا كان القانون أباح المطالبة بزيادة العقارات المرهونة عند نزول قيمتها بخلل أو هلاك حماية للدائن، فإنه يتعين عدالة أن يتقرر الحق العكسي للمدين في طلب تنقيص عدد العقارات المرهونة عند زيادة قيمتها زيادة محسوسة، والقانون أباح للدائن الحق في طلب زيادة العقارات المرهونة عند الخلل أو الهلاك، ولم يقل شيئًا إذا ما نزل سعر العقار لمناسبات اقتصادية مفاجئة وفي حالة شبه استمرار، ولم يقرر حق الزيادة للدائن، فهل يجوز له طلب الزيادة ما دام للمدين حق التنقيص ؟ نظن أن القاعدة القانونية العلمية واحدة، ولا يصح معاملة أحد الاثنين بمقياس ومعيار يخالف الآخر، وعلى الأخص إذا لوحظ بأن المدين وهو ملتزم بالدين في جميع الأحوال فإنه لا يضيره أن يقدم عقارًا زيادة ضمانًا لدين بعيد الأجل، وكان مليئًا لا عسر لديه لضآلته، على أن الأمر في الواقع من الدقة بما هو في حاجة إلى زيادة في التمحيص وكفاية في الدرس لمن شاء التوغل في بحث صنوف وأشكال متعددة، وذلك على أساس أن الدائن وهو مجازف في رهنه فإنه يجوز أن يتحمل ما يصيبه من مجازفته عند نزول قيمة العقار.
ووسائل التنفيذ شرعت للحصول على الديون المطلوبة لجماعات الدائنين من جماعات المدينين، ويجب أن يؤخذ فيها يرفق وبغير اعتساف، فإذا اختار الدائن عقارًا للتنفيذ عليه من حيث بيعه بالمزاد بعد الإجراءات المطولة، وكان العقار مسكنًا خاصًا للمدين يضم أسرته وأفراده، وكان هناك عقار آخر يفي بالدين أو منقولات تفي أثمانها به وجب وقف الدائن في عمله التعسفي حتى ولول كان لا يبغي ابتداء السوء بمدينه، ومن باب أولى ما إذا كان مدفوعًا بدافع النية السيئة حتى تجاوز بذلك حقه من حيث ضرورة الأخذ بالوسيلة الأقل ضررًا.
والأمثلة في هذا الشأن كثيرة في الميادين القضائية، إذ الاختيار في ذاته وهو اختيار الدائن للتنفيذ على عقار دون عقار بما فيه ضرر حتمي على دائن آخر، هذا الاختيار خاضع أيضًا لأحكام نظرية الاعتساف في الحق.
فإذا كان للمدين عقاران مرهونان لدائن واحد وثاني العقارين مرهون أيضًا لدائن آخر بمبلغ صغير أقل كثيرًا عن دين الدائن الأول، وجاء هذا الأخير وبدلاً أن ينفذ على العقار الأول الذي يفي ثمنه بالدين، جاء هذه المرة ونفذ على العقار الثاني، وعند التوزيع الترتيب أو التوزيع بالدور يفوز الدائن الأول نازع الملكية بدينه الذي يكون استغرق دينه كله جميع الثمن فيخرج بدينه مدفوعًا على أتمه ويخرج الدائن الثاني صاحب الدين الأصغر صفر اليدين، وفي هذا ما فيه من الإجحاف والضرر بالدائن الثاني الذي كان يستطيع الحصول على دينه لو قام الدائن الأول بالتنفيذ على العقار الأول فيأخذ دينه من ثمنه دون المساس بالعقار الثاني الذي يفي ثمنه وزيادة بدين الدائن الثاني صاحب الدين الصغير [(40)].
ولحق الاختيار بصفة عدم جواز التجزئة والانقسام في الرهن صلة كبرى، فالاختيار يخضع لقواعد الاعتساف، وكذلك عدم التجزئة، ويجب أن ينصرف كل منهما في الطريق الذي يتفق مع المصلحة الجدية المنشودة وأن لا يؤخذ فيه بالعنت أو العناد أو تبييت سوء النية وانتواء الغدر بالآخرين [(41)].
وإذا كان لدائن رهن على عقارين وباع المدين الراهن أحدهما إلى مشترٍ، فهل يجوز أخذًا بعدم جواز تجزئة الرهن، للدائن أن ينفذ على العقار المبيع دون غير المبيع، الأمر الذي يترتب عليه أن يلتزم المدين البائع بأن يرد ثمن الصفقة إلى المشتري المنزوعة ملكيته باعتباره حائزًا للعقار، أو أن يتعين على الدائن أن ينفذ على العقار الأول غير المبيع وفي ثمنه كفاية الوفاء بالدين ؟ نظن أن تصرف الدائن نازع الملكية يكون سليمًا فيما إذا لم ينتوِ ضررًا، وأما إذا تعمد الضرر وأراد إحراج المدين حتى يلزمه برد ثمن الصفقة وقد يكون غير موجود لديه، إذا تعمد الضرر وجب اعتبار عمله تعسفًا وتقرر له الجزاء.
وما القول فيما يأتي: لدائن رهن على عقارات مدينه، وباع المدين أحد عقاراته المرهونة إلى مشترٍ ورهن رهنًا ثانيًا أحد العقارات المرهونة أولاً إلى دائن ثانٍ، وهنا ثلاثة أشخاص يتنازعون: الدائن المرتهن الأول للعقارات جميعها، المشتري لعقار مرهون، الدائن برهن ثانٍ لعقار مرهون من قبل للدائن الأول.
فهل للدائن الأول صاحب الرهن على العقارات كلها أن ينفذ على المشتري باعتباره حائزًا ؟ وهل للمشتري أن يحتج عليه ويكلفه أن ينفذ على العقار غير المباع ليحصل على دينه من ثمنه ؟
وهل للدائن الثاني صاحب الرهن الثاني إكراه الدائن المرتهن الأول على أن ينفذ على العقار المبيع والمحمل بالرهن الأول وغير محمل بالرهن الثاني ؟
أجاب القضاء المختلط بالسلب وأن للدائن الأول صاحب الرهن على جميع العقارات حق التنفيذ على ما يشاء وفاءً لدينه.[(42)]
وقد تعددت أوجه البحث في تخير أسلم الطرق للخلوص برأي يوفق بين الحقوق المتنافرة والعدالة، وللفقه في ذلك آراء وللقضاء آراء، وهي مبسوطة في كتب التفسير بسطًا وافيًا [(43)].
وتصاب الوكالة بالاعتساف أيضًا، والوكالة باعتبارها عقدًا بين موكل ووكيل لا بد فيها من إيجاب وقوبل (512 مدني)، وهي في الأصل بلا مقابل إلا إذا اشترط فيها الأجر المعين أو النسبي أو كان شرط الأجر مستفادًا من حالة أعمال الوكيل (513 مدني)، وللقاضي حق التدخل في التقديران زيادة أو نقصًا وباعتبار التقصير في أعمال الوكالة ودرجاته (521 مدني)، وللموكل حق عزل وكيله ولهذا الأخير حق عدم الاستمرار في الوكالة (529 مدني)، وإلا أصبح مسؤولاً.
وإذا كان للموكل الحق في عزل وكيله فإنه لا يجوز له أن يعتسف في استعماله لهذا الحق إذا ثبت أن هناك مصلحة ظاهرة للوكيل في البقاء في الوكالة، كما إذا تقررت الوكالة لإدارة الشركة لأحد أعضاء الشركة وبعقد الشركة، أو كما إذا تقررت الوكالة على اعتبارها شرطًا لعقد تبادلي، أو حصل تحويل للوكيل بجزء من الدين المكلف بتحصيله [(44)].
والإصلاح التعويضي عيني في بعض الأحوال ومالي في البعض الآخر، وذلك وراء ما تجري به الظروف وتنادي به الملابسات ويحتمله القانون وتجيزه أصوله.
والشركة كائن معنوي لغرض معين لها أجل يحين بإحدى الأحوال المبينة قانونًا، ومنها رغبة أحد أعضائها في الانفصال إذا كانت مدتها غير معينة وعلى شرط أن لا يكون الانفصال مبنيًا على غش أو كان في وقت غير لائق (المادة 445 مدني). وهذا الانفصال من الشركة وتعريضها للخطر وسوء النهاية أمر يخضع لأصول الاعتساف، فإذا عابه الاعتساف وأراد العضو المنفصل الإيذاء بالشركة وبأعضائها في سبيل قضاء لبانات خاصة به أصبح عمله تعسفيًا وحق عليه جزاء الاعتساف وهو رفض انفصاله وضرورة بقائه، كما إذا جاء وطلب الانفصال وهو يرمي بذلك إلى محاولة الإفلات من الوفاء بحصته في رأس مال الشركة وهي الحصة التي أصبح هو مدينًا بالذات بها للشركة باعتبار هذه الأخيرة كائنًا معنويًا [(45)].
وللشركة وهي كائن معنوي حقوق يجب أن تجري فيها طبقًا لأصول القانون في غير تعسف وفي غير تعمد الإيذاء ولو كان عملها مطابقًا مع ذلك لأصول دستورها ومواد قانونها الأساسي، كما إذا صدر قرارها برغبة إلحاق الأذى ببعض أعضائها، أو صدر لأغراض ملتوية ضارة [(46)] وفي الجزاء العيني على الأخص حماية للشركة في ذاتها ولأعضائها جميعًا بما فيهم الحاملون والمحمول عليهم وحماية الأقلية بينهم [(47)].
وحق الإفصاح عما يجول بالخاطر ونقد ما تكشف عنه الحياة حق طبيعي مقرر أقرته الدساتير بقدر ما توحي به بداهة الحياة وطبيعة الوجود وكرامة الفرد في نفسه وفي جماعات الأفراد، بالقدر الذي تبيحه القوانين الموضوعة فيما يتعلق بالنشر والاجتماعات، وهذا الحق خاضع أيضًا لأصول الاعتساف، فإذا شابه الاعتساف وعابه القصد السيئ تقرر له الجزاء، الجزاء الجنائي باعتبار ما وقع سبًا أو قذفًا أو إهانة [(48)]، ويجوز الطعن في أعمال الموظف وبشرط إثبات أوجه الطعن (المادة 302 عقوبات)، وأن يكون الطعن في الوقت المناسب من أجل المصلحة العامة.
فإذا عاب الطعن تعسف وتوارت وراءه نية الإيذاء بذات الموظف وفات أوان الطعن وتبينت وجهة السوء، أوخذ الطاعن على عمله مؤاخذة جنائية ومدنية [(49)]، ويجوز نقد أعمال المتوفين في حدود النفع التاريخي والمصلحة العامة، وإلا إذا عاب النقد تعسف جاز للورثة حق المطالبة بما يجيزه القانون.
ولجماعات أنصار الفضيلة والأخلاق الكريمة حق نقد ما يتبينوه من سوء المغبة وخطر النتيجة على الأخلاق العامة، كنقد فلم من أفلام السينما قبل عرضه وترغيب الناس عن مشاهدته لما فيه من خطر أخلاقي عام، ولا جزاء على الأنصار ما دام القصد حسنًا والظروف مؤيدة لما يقولون.
والنشر في أساليبه المختلفة أمر لازم من لوازم الحياة، والنقد أكبر مظهر له، والصحف السيارة إدانة، وتقول المادة (24) من قانون الصحافة رقم (20)، والصادر في 20 فبراير سنة 1936 بأنه:
(يجب على رئيس التحرير أو المحرر المسؤول أن يدرج بناءً على طلب ذوي الشأن تصحيح ما ورد من الوقائع…)، وتقول المادة (25) منه (لا يجوز الامتناع عن نشر التصحيح في غير الأحوال..)، وحق النقد مقيد وكذا حق نشر التصحيح مقيد أيضًا، ويجب في كل منهما عدم الاعتساف.
وعقد إيجار الأشياء هو كالعقود الأخرى خاضع أيضًا لنظرية الاعتساف في استعمال الحق في مواضع غير قليلة مما كشفت عنه الحياة العملية والقضائية، وذلك:
فيما يتعلق بالتأجير من الباطن: جرى التآجر التقليدي بين الأفراد في عقودهم الخاصة أن يشترط المؤجر عدم جواز التأجير من الباطن اشتراطًا عامًا بلا قيد، أو اشتراطًا بقيد خاص وهو جواز التأجير الباطني بشرط رضاء المالك، ويقع ذلك في عقود الإيجار الزراعي، وهذا الشرط باعتباره شرطًا واردًا بالعقد له قيمته القانونية فهو نافذ على الطرفين، والشرط هو على تلك الحالة حق للمؤجر، وهو ككل الحقوق يخضع أيضًا لأصول الاعتساف في استعمال الحقوق فلا يجوز الأخذ فيه بما يتعارض مع كرامة الحق في ذاته وماله من غرض جدي يسمو به عن التهاتر الخلقي والإيذاء الكيدي.
وعلى ذلك إذا تبين أن الشرط الخاص بقبول المالك قد استخدمه المالك لغير غرض جدي بل أراد الانتفاع به من طريق الأذى بالمستأجر، وجب اعتبار موقف المؤجر في رفض الموافقة على التأجير الباطني موقفًا تعسفيًا جزاؤه عدم إقراره عليه والقول بصحة التأجير الباطني.
وقد يرد شرط عدم جواز التأجير من الباطن بعقد صدر لمصلحة مستأجر ليس مزارعًا ويستحيل عليه أن يزرع بنفسه وبرجال له، ويعلم المؤجر بحالة المستأجر ويلم بتلك الاستحالة، فإذا جاء المستأجر وأجر من الباطن فإن المالك المؤجر يمنع من الانتفاع بشرط الحظر الذي يعتبر لغوًا ولا محالة ولا يجوز للمالك طلب الفسخ بتاتًا [(50)].
وفي عقود البيع الإيجاري أو الإيجار البيعي [(51)] وما يرد فيها من دفع الثمن منجمعًا مقسطًا واحتفاظ البائع بالملكية [(52)] حتى تمام الوفاء بالثمن جميعه وورود الشرط الجزائي بالعقد باعتبار الأقساط المدفوعة ملكًا حرًا للبائع كتعويض له عند عدم دفع الثمن كله (المادة 123 مدني والشرط الجزائي وعدم جواز مساسه بالتعديل نقصًا أو زيادة)، فإن الحياة القضائية أسفرت عن تعسف في هذه العقود عابها في صميمها: ذلك لأنه وإن كان شرط الاحتفاظ بالملكية صحيحًا قانونًا إلا أن الشرط الجزائي في تملك البائع للأقساط المدفوعة يجب أن يخضع لقاعدة التوازن في الحقوق وأن يقف التعويض عند الضرر فقط بالقدر الذي عاد على البائع من رد السيارة إليه وفسخ العقد ومدة استعمالها، وأما عكس ذلك فهو تعسف تأباه طبيعة الحقوق، وإن كان الشرط الجزائي لا يقبل بالقانون تعديلاً في إيجابه أو في سلبه إلا أن ذلك مشروط بعدم الاعتساف وإذا بانت بوادر الاعتساف جاز القول قضاءً بالزيادة أو النقص للشرط الجزائي، إذ لا يؤخذ به كما هو إلا إذا كان نقيًا لم يعبه تعسف ما [(53)].
ويرد في عقود البيع الإيجاري للسيارات أو غيرها أن للبائع الحق في الفسخ قبل تسليم السيارة المبيعة ورد ما قبضه من العربون أو من قيمة الثمن مقدمًا، وقد يرمي البائع في ذلك إلى غرض بيته في نفسه في أن يرد ما قبضه ويفسخ العقد عليه إذا ما لاحظ ارتفاعًا مفاجئًا في الثمن يستفيد من ورائه عند الفسخ ورد ما قبضه، إذن فعل ذلك وتبينت ظروف ارتفاع الثمن ولوحظ أن في استخدام حق الاختيار هذا تعسفًا وجب قضاء تفويت الغرض الممقوت على صاحبه، ووجب القضاء بالتعويض العيني وهو تسليم السيارة، أو التعويض المالي، والمشتري في ذلك بالخيار إن شاء ذلك أو ذاك [(54)].
وفي عقد إيجار الأشخاص لغير مدة معينة يجوز في أي وقت فسخ العقد بشرط أن يكون الفسخ في وقت مناسب (المادة 404 مدني)، وحتى يستطيع الشخص المستأجر إعداد العدة لنفسه في تهيأة عمل جديد آخر، وإلا جاز التعويض المالي دون العيني إذا ما تبين بأن هناك خطأ أو تعسفًا أو عنادًا أو عنتًا.
وللموظف الحكومي اعتبارات خاصة ترجع لطبيعة العقد الذي ارتبط فيه مع الحكومة على أساس قوانين التوظف المقررة، وله أيضًا الاحتجاج بما يشوب قرار فصله من عيوب التعسف ومن تصريف الأمر الحكومي القائل بفصله تصريفًا تعسفيًا معيبًا لم تلاحظ فيه المصلحة العامة، مع ضرورة ملاحظة ما لمجلس الوزراء من حق الفصل إذا لم يتلمس المعونة له من الموظف وعلى شرط عدم الاعتساف [(55)]، على أنه إذا صح القول بالفصل بسبب عدم الالتئام في المنهج السياسي، فقد يكون مع ذلك للتعويض المالي أثر ظاهر أخذًا بنظرية المخاطر الاجتماعية [(56)] واعتبار خزانة الدولة مسؤولة عن ذلك لا من طريق الخطأ بل من طريق أن الفصل إنما جاء للمصلحة العامة التي تستفيد وحدها منه فكأنه بمثابة نزع ملكية للمنفعة العامة لا بد فيه من التعويض، إلا إذا كان الفصل للمصلحة العامة بمعنى آخر وكان الموظف المفصول محل مؤاخذة معينة في عهد سابق بما لا تقره الوطنية الصحيحة والقومية السليمة، ولا يخفي ما في ذلك كله من دقة في التقدير ووزن الاعتبارات لدى القضاء العادي، بما يجعل الأمر أقل دقة وأبعد خطورة فيما لو كان هناك مجلس دولة يفصل في أمر الموظف طبقًا لأصول مرسومة هي دستور الموظف ودستور الوظيفة وهو ما ترجوه الأمة وتلحف في المسارعة بإنجاز مشروعه.
وللحرية التجارية اتصال بحرية الشخص، وفيها يتقرر حق إنشاء المحل التجاري وحق الاصطناع والإنتاج وحق التصريف لبضائعه ومنتجاته، ويتصل بالحرية التجارية المزاحمة التجارية ويجب أن تكون مشروعة ومباحة في حدود القانون وأن لا يعتدي عليها بالمزاحمة اللامشروعة، والاختراع لمن اخترع وحده لا يزاحمه أحد فيه، والمزاحمة اللامشروعة فيه مؤاخذ عليها جنائيًا (المواد 348 - 351 عقوبات)، ومدنيًا (المادة 151 مدني)، وتجوز فيها المصادرة في حالة التقليد.
وللمزاحمة اللامشروعة صور مختلفة وألوان متباينة: منها تسمية التاجر لمحله باسم سابق لمحل موجود من قبل، ومنها الترويج لبضاعته بالأكاذيب والتشهير بالافتراء لبضائع تاجر آخر.
والمزاحمة المشروعة جائزة مهما أصاب الغير من الضرر ما أصابه، ويجوز الاتفاق بين تاجر ومصنع على أن يورد هذا الأخير منتجاته إلى التاجر وحده دون غيره، وعلى أن يستورد التاجر صنفًا معينًا إلا من ذلك المصنع وحده، وكذلك يصح الاتفاق بين تاجرين على أن لا ينشئ أحدهما محلاً تجاريًا في منطقة معينة أو في وقت معين، ولا يصح هذا الاتفاق إذا أطلق الحظر إطلاقًا مكانيًا وزمانيًا، والجزاء في المزاحمة اللامشروعة عيني بالمصادرة ومدني بالتعويض المالي الفعلي والتهديدي، والتهديدي جائز في حالة فتح محل مخالف للمزاحمة المشروعة، والتعويض التهديدي قابل للزيادة بإصرار المتسبب في الضرر، وإن أغرق في الإصرار جاز التنفيذ الفعلي بالغلق.
وإذا كان الضرر ناشئًا عن عمل عدائي في ذاته أي مؤاخذ عليه جنائيًا فلا بد من إزالته مهما صغر الضرر كما لا بد من إزالة العمل العدائي لأنه إجرامي لا مبرر له مطلقًا،. ويقع أن يكون العمل العدائي بسيطًا يكفي فيه التعويض إذا وقع بحسن نية، كما يحصل عندما يبتدئ المالك عند بنائه الجد الفاصل بينه وبين جاره [(57)].
وإذا كان العمل في ذاته مشروعًا ومرخصًا كإنشاء مصنع أو تكوين شركة قطارات حديدية فيجوز تحمل الضرر البسيط، أما الكبير فلا بد من التعويض ولا محل للإزالة لأن فيها ضررًا عامًا شاملاً، ولا بد لصاحب المصنع أو للشركة من تتبع خطوات العلم والعمل بما يترتب عليه أقل الأضرار، والرخصة الإدارية من الحكومة لا تحول دون المطالبة بالتعويض، لأن أساس التعويض قاعدة (الغرم بالغنم).
أما إذا كان العمل في ذاته صحيحًا ولكن شابه الاعتساف وقت الاستغلال والاستعمال فإن الجزاء عيني ومالي، وبناء الحائط التعسفية باطل ويجوز هدمها، كما يجوز إزالة العوائق التي يحدثها صاحب أرض لمضايقة الجار في مطاره ولأجل إكراهه على شراء أرضه المجاورة للمطار، وإذا أجرى مالك حفريات بأرضه حتى ينضب الماء عند جاره جاز ردم الحفريات.
وفي الجزاء العيني لا بد مع ذلك من احترام الحرية الشخصية، فمن تعهد بتمثيل دور أو وضع صورة فلا يكره على العمل فيهما، والجزاء هنا مالي فقط، وإذا تعهد ممثل بعدم تمثيل دور أو رواية وخالف عهده جاز التعويض وجاز الجزاء العيني إذا كان للأمر المحظور اتفاقًا مساس بالآداب العامة، وهذا الجزاء العيني يسمى أيضًا بالجزاء الواقي.
وفي نظرية الالتزامات ميادين فسيحة لقاعدة اختلال التوازن في الحقوق ولقاعدة الاستعمال التعسفي للحقوق.
وفي الوفاء بالالتزام يجوز للغير أن يفي بالدين للدائن الذي يستلم قيمة دينه برغم إرادة مدينه ورغم معارضته (المادة 160 مدني) إلا إذا كان للمدين سبب معقول في المعارضة، فإن امتنع السبب ولم يحصل وفاءً للدائن وأصابه ضرر أصبح المدين مسؤولاً عن ذلك الضرر أخذًا بنظرية التعسف في استعمال الحق، وللاعتساف ثمنه، فمن عمل به دفع فيه جزاءه، ومن اعتسف دفع، ومن آذى جوزي.
ويقع أن تكون لذلك الغير مصلحة في الوفاء بالدين للدائن، كما إذا كان مشتريًا لعقار من المدين وفي ذمته بقية من الثمن بقدر يفي بدين البائع للدائن، فإذا تعرض المدين البائع بغير عذر مقبول أصبحت معارضته غير مشروعة ويجب أن يتحمل جزاءها فيما إذا أصاب المشتري ضرر، وإذا اتفق المدين البائع مع الدائن على عدم أخذ الدين من المشتري أصبح المتواطئان ملزمين بتعويض الضرر للمشتري، ولهذا الأخير حق العرض القانوني مع الإيداع، وحق رفع دعوى مستعجلة بإيقاف البيع حتى يتم الفصل في صحة العرض.
وإن كان الوفاء يحصل في محل المدين وهو الأصل إلا أنه يجوز أن يحصل في محل الدائن وبالبريد، وإذا أراد المدين الوفاء بالشيك على البنك جاز للدائن الرفض للفروق الظاهرة بين البريد والبنك إذ للشيك ظروف قد تحول دون اعتباره أداة وفاء صحيح لاحتمال أن لا يكون هناك رصيد أو أن هناك حجزًا، إلا إذا كان الشيك من البنك على البنك.
وإذا كان للمدين الواحد جملة دائنين فله أن يختار الوفاء لأحدهم كما تهديه إليه مصلحته، وكما يريد حتى ولو أراد أن يفي بدين لم يحصل بعد مع أن هناك ديونًا عليه قد حلت، ولا يقع تصرفه تحت طائلة التصرف البوليصي ودعوى الإبطال لأن عمله ليس من شأنه إلقاءه في العوز والضيق، وحق الاختيار هنا حق له حصانة الحق المطلق، إلا في حالة الإفلاس إذا ما أشرف التاجر عليه ففضل دائنًا على آخر وخالف بذلك قاعدة المساواة في حالات الإفلاس (المواد (227) و(228) تجاري).
وإذا ثقل كاهل المدين بجملة ديون فله حق الخيرة في الوفاء بما يريد هو لا دائنه (المادة 272 مدني)، وله حق تعيين محل الوفاء بالدين الذي يرضاه، وإن كان حق الاختيار هذا مطلقًا إلا أنه قد يقع أن يشوبه الاعتساف فيسري عليه جزاء التعسف في استعمال الحقوق إذا ما انتوى المدين المدني بالدين إيذاء مبيتًا ضد آخر ونية مقصودة ترمي وترمي إلى الإضرار ضد الغير: ويقع ذلك فيما إذا كان هناك مدين بجملة ديون أحدها مضمون من آخر ضمانًا تضامنيًا وجاء المدين ودفع دينًا عاديًا ولم يدفع الدين المشمول بالتضامن مع أن المصلحة هي في الوفاء بهذا الدين الأخير لما فيه من خلاص الاثنين المدين وضامنه، وقد فعل ذلك حتى يلجأ الدائن إلى التوجه في الوفاء إلى الضامن فينفذ عليه بما فيه المساس به وبسمعته بسبب إجراءات التنفيذ العقاري وإعلاناته وما إلى ذلك كله، وقد قضى القضاء في ذلك بأن حق الاختيار هذا قد شابه التعسف في الاستعمال وجاز عليه الإصلاح العيني أو المالي [(58)]، كما أنه قضى في مسائل عدة بسريان التعسف على حق الاختيار في حالة الملكية وفي حالة الإجراءات، كما إذا جاء الوارث وقد حكم ضده في معارضة رفعها هو ضد تنبيه نزع الملكية ولم يشأ أن يرفع استئنافًا عن ذلك الحكم بل جاء ورفع دعوى مستقلة بتثبيت الملكية وفيها كثير من العراقيل والمضايقة بخصيمه [(59)].
وقد تدق مهمة القاضي في تنقية العقد من الأدران والشوائب الأخلاقية وفي توجيه العقد توجيهًا سليمًا [(60)] بحيث يصبح وقد انساق وراء البحث عن أصح المثل العليا دقة واتساعًا وهو يهدف إلى ما يجعلها تتفق مع العدالة في المعاملات بين الناس اتفاقًا صحيحًا [(61)].
وقد وقع أن شركة سكة الحديد اتفقت مع شركة صناعية تجارية على أن تمدها بفرع من سككها الحديدية وأن تجهز الفرع الحديدي بعربات للنقل في مدة معينة تعيينًا واسعًا، وجاءت شركة سكة الحديد وأضمرت السوء والإيذاء للشركة الصناعية وأرادت التنكيل بها وبعثت بعرباتها وبالكمية المطلوبة جميعها في الوقت الواسع المضروب بحيث قد شعرت الشركة الصناعية أن العربات وإن كانت قد وصلتها في الميعاد إلا أنها وصلت بكمية تتعدى الحد المألوف لنقل البضائع بحيث أصبحت تشعر بضرر يلحق بها من جراء تراكم العربات لديها ترى كما لا يتسع له الوقت الموجود، وأصبحت تشعر بالحاجة إلى العربات فيما بعد وفيما لو وردتها شركة سكة الحديد في أوقات مختلفة في حدود المواعيد المضروبة، وأما وقد زادت كمية العربات عن القدر المألوف عادةً وأرادت شركة سكة الجديد من هذا التراكم إحراج الشركة الصناعية لتنزل بها ضررًا مبيتًا ضدها، فقد تقرر لها الجزاء التعويضي القضائي المالي ضد الشركة الحديدية نظرًا لذلك الاعتساف الظالم في الحقوق، برغم ما لتعريفات السكك الحديدية من دقة ملحوظة في التفسير اللفظي والشكلي، وهنا لعبت الحكم الرومانية دورها من الأثر وهي القائلة بأن الغش يفسد كل شيء [(62)] ولا يجوز التسامح مع المدلسين [(63)] والمبالغة في الحق ظلم فادح [(64)].
وفي تحويل الديون من الدائن لآخر باعتباره بيعًا للدين (المادة 348 و349 مدني)، يلاحظ ضرورة رضاء المدين بالتحويل كتابة للرابطة الشخصية بينه ودائنه (المادة 349 مدني)، فإذا تعدد المشترون لدين واحد كان أولاهم بالوفاء إليه أسبقهم بإخبار المدين بالتحويل.
وإذا تحول الدين إلى محتال واحد ولم يزاحمه محتال آخر ولم يقم بإخطار المدين ثم جاءه وطالبه بالوفاء، وأبى المدين الوفاء إليه جاز للمحتال مقاضاته وطلب الحكم عليه على أساس أن المدين تعسف معه من حيث جهله بالتحويل وعدم علمه به لأن الضرر بعيد كل البعد ولا محل عندئذٍ للامتناع عن الوفاء.
وللمدين المحول عليه الحق في حالة بيع الدين المتنازع عليه [(65)] أن يدفع للمحتال ما دفعه هذا الأخير بالفعل إلى البائع له (المادة 354 مدني)، وذلك فرارًا من رجال اعتادوا شراء الديون المتنازع عليها ليصيبوا من ورائها مكاسب بما اعتادوه من انتهاز الفرص والوقوف بالكيد في وجوه الضعفاء من المدينين المنكوبين [(66)]، وذلك تأسيسًا لما قاله سيلسوس [(67)] حكيم الرومان في أن القانون هو فن الحق والعدل [(68)].
وللملكية لدى صاحبها حرية يتملكها المالك، فإن شاء تصرف وإن شاء لا، وترد على حرية التصرف قيود، فلا يجوز أن يتصرف إضرارًا بدائنيه وإلا جاز الطعن في تصرفه بدعوى الإبطال أي الدعوى البوليصية (المواد (143) و(556) و(53) و(206) مدني [(69)])، ولا يجوز له التصرف إضرارًا بورثته مهما كانت صيغة التصرف الذي يرمي في حقيقته إلى الوصية حيث لا وصية لوارث، ولمحكمة النقض آراء معروفة في هذا الصدد.
ويبطل الوقف إذا حصل بنية الإضرار بدائني الوقف (المادة 53 مدني وطني)، ولا بد حينئذٍ من النية، ولكن القضاء المختلط يقول بالبطلان لمجرد وقوع الضرر اعتمادًا على المادة (76) مدني مختلط التي لم تشترط النية ولأنها وردت عقب المادة (74) مدني التي قالت ببطلان الهبة الحاصلة إضرارًا بالدائنين دون شرط نية الإيذاء، وأصر القضاء المختلط على رأيه برغم وضع المادة (38) من لائحة التنظيم القضائي وضعًا أشير فيه إلى نية الإضرار وهي اللائحة التي وضعت بمؤتمر مونترو بسويسرا سنة 1937 وهذا الإصرار في غير محله لأن نية الإيذاء عنصر أساسي لدعوى الإبطال ولأن المادة (74) مدني مختلط الخاصة ببطلان الهبة الضارة بالدائنين إنما تقرر قاعدة عامة الأمر الذي لم يرَ الشارع المصري الوطني سنة 1883 محلاً لنقلها بالقانون المدني، ولا يمكن أن يكون الشارع الوطني أراد سنة 1883 غير ما أراده زميله الشارع المختلط سنة 1875 وكان يجتزئ المواد ولا ينقل بعضها اكتفاءً بما هو موجود منها.
ولا بد في دعوى الإبطال لنفاذها ضد المشتري، أو المتعامل تعامل عينيًا عقاريًا مع المدين بوجه عام، أن يكون ذلك المشتري شريكًا في الإيذاء أو متواطئًا مع المدين، وإلا إذا كان حسن النية فلا محل للقول وقتئذٍ باختلال التوازن في الحقوق لأنه عند الأخذ بنظرية المفاضلة بين مشترٍ حسن النية معنى بأمره ولم يخطئ وبين دائن عادي لم يحتط في أخذ ضمان يجب تفضيل الأول على الثاني.
وهل تنفذ دعوى الإبطال على التصرف في الشروط العشرة المعروفة في الوقف إذا أراد الواقف إخراج نفسه من الاستحقاق وأدخل آخر مكانه فأصاب دائنيه ضرر من ذلك ؟ أجاب القضاء المختلط بالإيجاب [(70)]، ولعل الرأي السلبي هو الأصح لأن التصرف في الشروط العشرة لا يعتبر تصرفًا بالمعنى الصحيح إنما هو انتفاع بحق ذي لون وطبيعة خاصة ولأن الغالب فيها النزعة الشخصية ولا تعتريها النزعة المالية إلا عرضًا ولأن الوقف غير الهبة، ولأن الوقف المصحوب بالشروط العشرة فقد حصل قبل الاستدانة ويعلم الدائن به وبشروطه العشرة، ولأن الشروط العشرة قد اتصلت بالواقف أو نائبه اتصالاً وثيقًا لا يجوز النزول عن الحق في استخدامها وإلا كان النزول باطلاً وجاز الرجوع فيه [(71)]، ولأن علماء الشريعة الإسلامية يقولون بشأن الشروط العشرة (يملك العمل بمقتضاها كل من شرطت من واقف وناظر وغيرهما سواء كان صحيحًا معافى أم مريضًا مرض الموت إذ المريض مرض الموت ممنوع فقط من التصرفات الإنشائية التي تضر بدائنيه أو ورثته، وفيما عدا ذلك هو وغيره سواء) [(72)].
ولمناسبة الوقف هل يجوز لشخص يتعين فيما بعد مستحقًا في وقفية عند نزول المستحق الآخر هل يجوز له قبل أن يصبح مستحقًا بالفعل حق التنازل لدائن له عن استحقاقه الذي لم يقع بعد ؟ وهل ذلك التنازل يثمر ثمرة فيما إذا جاء الدائن المتنازل إليه وأعلن ناظر الوقف بالتنازل، ثم جاء وقت الاستحقاق الفعلي وزاحمه دائنون آخرون، فهل يفوز عليهم بالأولوية في الاستيلاء على الاستحقاق أم أنه يتزاحم سهم فيه كل بقدر النسبة في دينه ؟ قضى القضاء المختلط بالجواز، ولكن الصحيح عدم الجواز لأن الاستحقاق قبل وقوعه هو أمل كالأمل عند الوارث في الإرث عن مورثه، إذ قد يحصل أن لا يتحقق الأمل فيموت المستحق القادم قبل أن يكون مستحقًا بالفعل أو يموت الوارث قبل مورثه [(73)].
والشفيع وقد تقرر له حق الشفعة لمجرد توافر شروطها وعند حصول البيع للغير، إنما يتقرر له الحق تقريرًا موقوفًا نفاذه على رغبته في الأخذ بالشفعة، فإذا قرر الأخذ قضى له بها من وقت إظهار الرغبة وله الغلة من ذلك التاريخ، وإذا تحايل المشتري على تفويت حق الشفعة إضرارًا بالشفيع كان في ذلك إخلال بالحقوق المتوازنة فيما بينها وتعين القضاء بالشفعة واعتبار الحيلة وسيلة غير مشروعة قانونًا وإنها تخل بالتوازن بين الحقوق وبين بعضها البعض، والحيلة في الشفعة إن هي إلا تدليس بالقانون أو اعتساف في استعمال الحق حق الشراء من الغير، أو أنها عمل باطل لأن السبب فيه معيب ولحقه الغش والتدليس فأصابه البطلان بعلة بطلان السبب.
والملك وهو على صاحبه يصبح في يده حرًا يفعل فيه المالك كما يشاء، ولكنه إذا تصرف مرة فإنه لا يجوز التصرف مرة أخرى وعلى الأخص إذا تواطـأ مع المشتري الثاني على التسجيل قبل المشتري الأول إضرارًا بهذا الأخير إذ يعتبر ذلك العمل اعتسافًا في التسجيل [(74)].
وهل يختل التوازن في الحقوق بين بعضها البعض في حالة ما إذا باع المورث لمشترٍ لم يسجل عقده ثم جاء الوارث وباع لمشترٍ آخر وسجل ؟ وهل يختل التوازن فيما إذا تنازع المشتري من الوارث هذه المرة مع دائن عادي للمورث ؟ أن الأمر في ذلك يرجع لنظرية التفاضل، ولا شك في أن الفوز للمشتري الذي سجل واشترى بعد زمن حصل فيه التأكيد بأنه لم يكن للمورث دائنون أو أن المشتري سجل وهو لم يعلم مطلقًا بالبيع الحاصل من المورث [(75)].
والمالك حر في أن يتصرف في ملكه ببيعه إلى الغير، ولا يكره على البيع للغير مهما عرض هذا الأخير من الثمن، ومن غرائب الأقضية في هذه الحالة أن مالكًا لأرض بناء متسعة لا نفع من ورائها تغمرها الأوساخ وتشيع فيها الأحجار، وكان يجاوره مالك لمصنع أراد ضم الأرض إلى مصنعه رغبةً منه في توسعه وسدًا لحاجاته الملحة وعرض على مالك الأرض ثمنًا عاليًا ثلاثة أضعاف ثمنها الحقيقي فلم يرد عليه المالك فرفع صاحب المصنع الدعوى على المالك فقضى برفض الدعوى [(76)]، وقضاء النقض صحيح لأن القول بالاعتساف لا يكون إلا إذا كان هناك رباط قانوني بين طرفين جمعهما ظرف من الظروف فربط الواحد منهما بالآخر وإذا فرض وقام صاحب المصنع بأعمال ضارة بصاحب الأرض ليحرجه وليزيد من التنكيل به حتى يضطره إلى البيع وجب إيقاف تلك الأعمال وهدم ما تم منها ما دام لم يكن هناك غرض جدي منها [(77)].
والانتفاع بالحق يجب أن يكون متفقًا مع رسالة الحق في ذاتها، والخروج عن حدود الرسالة موجب للمسؤولية متى كان الخروج مشوبًا بالغل والحقد، ويقول في ذلك (سافاتييه) [(78)] بأن صاحب الحق يرتكب في هذه الحالة خطأ، والخطأ في نظره مخالفة الواجب الأدبي [(79)]، وإن الخطأ يفيد بأن هناك واجبًا عامًا يسبق وقوع الخطأ وأنه لا يجوز لأحد أن يسيء إلى الغير [(80)]، ويقول (جوسران) بأن الخطأ هو الإضرار بحق مقرر للغير [(81)].
ويقول (سافاتييه) إن أصول الأخلاق ومبادئ الأدب إنما تقضي على الإنسان بأن يبقى مخلصًا أمينًا في عقوده والتزاماته وأن يعمل طبقًا للقانون وفي حدود العوائد الحسنة وأن لا يؤذي الغير [(82)].
ويقول (سافاتييه) في تعليل الالتزامات الناشئة عن حسن الجوار في المساكن وفي غيرها في مقاعد قطارات السكة الحديدية والمسارح والملاهي والترام والسيارات، يقول بأن المسوغ العلمي لتلك الالتزامات هو الخطأ، والمضايقة حق مقرر للأفراد في الحياة على أساس العدالة التي ترجع للضرورات الاجتماعية، والخروج عن حدودها يعتبر خطأ، وأن الجار يعتبر مخطئًا في كل حالة لم يأخذ فيها ما يلزم من الحيطة حتى يجنب جيرانه مضايقات بليغة [(83)].
والتغابن في العقود جائز بما يرجع فيه إلى مهارة المتعاقدين وما اكتسبوه من مرانٍ في مزاولة الأعمال الحيوية، على أن لا يكون هناك عيب الغش والتدليس (133) و(136) و(251) مدني، ويبطل العقد بسبب الغبن في حالة معينة، وهي حالة البيع لعقار مملوك للقاصر وكان الغبن يزيد عن خمس الثمن (336 مدني) ويزيد القانون الفرنسي على ذلك حصول الغبن في البيع بوجه عام إذا زاد الغبن عن (المادة 1674 مدني)، وحصوله في القسمة إذا زاد عن مقدار 0.25 ويزول عيب العقد بدفع الفرق وإلا كان الإبطال، والتقادم فيه سنتان من وقت البلوغ أو الوفاة (337 مدني)، ويعاقب القانون من انتهز فرصة احتياج أو ضعف أو هوى شخص لم يبلغ سن الرشد وتحصل منه إضرارًا به على كتابه سنديه أو تخالصيه (338 عقوبات) أو انتهز فرصة الضعف والهوى وأقرض نقودًا بأي طريقة كانت بفائدة تزيد عن الحد الأقصى أو اعتاد الربا (338 عقوبات).
والغبن في ذاته ليس مبطلاً للعقود إلا في حالات خاصة، وفي غيرها لا يبطلها، إلا أن بعض الشرائع أجازت البطلان بسبب الغبن الفاحش، أجازه القانون الألماني سنة 1900 بالمادة (138)، ومشروع قانون الالتزامات الفرنسي الإيطالي سنة 1928 بالمادة (112)، والقانون اللبناني بالمادة (213)، والقانون السوفييتي بالمادة (33) و(972)، وفي ذلك تقول المادة (112) من المشروع الفرنسي الإيطالي (إذا عقد شخص وهو تحت سلطان الضيق والضرورة الملحة عقدًا ضارًا به ضررًا ظاهرًا جاز للقاضي، بناءً على طلب الشخص المضار أو النائبين والممثلين له تمثيلاً اجتماعيًا وأصحاب الاختصاص في ذلك، له الحكم ببطلان العقد أو الحكم بوقف سريانه ومفعوله في المستقبل) [(84)] وتقول المادة الألمانية (138): (يبطل العمل القانوني الذي يمس العوائد الحسنة ويبطل أيضًا العمل القانوني الذي يعمل فيه الشخص على استغلال الحاجة الملحة عند البعض أو ضعفه وعدم تجاربه ويرمي فيه في مقابل التزام من جانبه إلى الحصول على وعد من الوعود أو على أن يقوم هذا البعض ببعض المزايا من ماله، وهي وعود ومزايا تزيد كثيرًا في قيمتها عن قيمة الالتزام من جانب الشخص المستغل زيادة صارخة إذا ما لوحظت ظروف التعاقد وملابساته) [(85)].
وليس أدل على أثر الأخلاق والآداب في العقود من اشتغال الشارع نفسه به ورغبته في أن تصطغ العقود به بين الأفراد، وهذا كله إنما يدور حول مبدأ الإغراء [(86)] سواء روعي في سببه الإكراه الأدبي أو الغلط، إذ قد شوهت الحرية في التعاقد وانتقصت [(87)]، وقد كشف القضاء عن مثل كان فيه الاستغلال قد بلغ شأوًا كبيرًا عن زوج اتفق مع زوجته على تطليقها على شرط دفع مبلغ معين دفع بعضه والبعض منجمًا، فرفعت الزوجة دعوى على الزوج برد ما دفع وبراءة ذمتها من الباقي وعقب الزوج على الدعوى بدعوى فرعية بطلب ما تبقى له، وقد حكم برفض رد المدفوع وبراءة ذمة الزوجة من الباقي ورفض الدعوى الفرعية [(88)]، وذلك على أساس أن هناك اتفاقًا على الخلع في مقابل مبلغ، وأنه يجوز شرعًا وقانونًا النظر في المقابل والنزول به إلى الحد المناسب لظروف الدعوى وملابساتها.
ولا تقف مسؤولية المغري أمام من أغراه، بل قد نقذف به المسؤولية إلى أن يكون مسؤولاً أمام الغير الذي أراده بالسوء، فإذا أغرى صاحب مسرح ممثلاً على التمثيل عنده بمبلغ كبير جدًا وهو يريد بذلك تفويت المنفعة على صاحب مسرح آخر يشتغل فيه ذلك الممثل، أصبح الشخص المغري مسؤولاً أمام صاحب المسرح الذي أصابه الضرر، وكذلك إذا أغرى ترزي مستخدمًا في محل ترزي آخر على ترك محله في مقابل أجر كبير وفي مقابل تعهده التعويض [(89)].
ويدخل في الإغراء ما إذا جاء تاجر وهو في طريق المزاحمة التجارية وأراد إدخال الإغراء على جماعات المشترين في سبيل إلحاق الضرر بتاجر آخر يزاحمه، وذلك أن يجيء التاجر وقد انتوى السوء بالآخر ويأخذ في بيع بضاعته بأسعار منخفضة انخفاضًا ظاهرًا [(90)] وهو بذلك يسيء إلى التاجر الآخر ويستفيد أيضًا من تلك الإساءة.
وحق الملكية حق مطلق (المادة 11 مدني)، ولكنه مقيد بأن لا يعيبه الاعتساف وليس للجار أن يجبر جاره على إقإقامة حائط بملكه ولا أن يعطيه جزءًا من حائطه أو من أرضه وليس لصاحب الحائط أن يهدمه لمجرد إرادته إذا ترتب عليه ضرر للجار، إلا إذا كان هناك باعث قوى على الهدم ومع الحيطة (37 مدني)، وهناك واجبات في الجوار يرجع في تسويغها القانوني إلى التزامات الجوار وما يتكون في عنق كل جار من واجب رعاية جاره وعدم المساس به، وفي الاعتساف بالملكية شيء كثير فاضت به الأمثلة القضائية بما هو وارد بالمؤلفات القانونية في غزارة وسعة [(91)].
والاعتساف في الحق إنما يرجع إلى اعتبار الحق متعة يندمج فيها الالتزام العمراني بعدم إيذاء الغير لاستحالة العزلة الاجتماعية [(92)].
والأعمال الضارة بوجه عام على ثلاثة أنواع:
1 - الأعمال المخالفة للقانون وهي واجبة الإزالة ولو لم يترتب عليها ضرر ما.
2 - الأعمال الخاطئة وهي المشوبة بالاعتساف والشهوة الجامحة.
3 - والأعمال الخطيرة أو المتعدية وهي ما تستند إلى قاعدة الغرم بالغنم.
الاعتساف في الحق والانصراف فيه بقصد الإيذاء على ما يخالف رسالته العمرانية، عمل غير مقبول.
وفي ذلك تقول القوانين الأجنبية شيئًا غير قليل المادة (226) مدني ألماني (لا يعتبر استعمال الحق مقبولاً إذا انصرف ذلك الاستعمال إلى مجرد الإضرار بالغير) [(93)] وقالت المادة (826) منه ما يأتي (إذا أصر الشخص النية على الإضرار بالغير وقام نحوه بأعمال تخالف العادات الحسنة، وجب عليه التعويض [(94)])، وقالت المادة (903) مدني ألماني بشأن الملكية، (يجوز لمالك الشيء في غير الأحوال المحظورة بحكم القانون أو فيما يمس حقوق الغير، أن يتصرف في ذلك الشيء كما يشاء وأن يمنع الأشخاص الآخرين من القيام فيه بأي عمل ما [(95)])، وفي القانون النمساوي تقول المادة (1305)، (لا يسأل الإنسان عن الضرر الذي يتسبب فيه للغير إذا ما استعمل حقوقه [(96)])، وقررت المادة (1295) فقرة (2) من القانون النمساوي المعدل سنة 1916 (بأنه يلزم بالتعويض كل من استعمل حقه بطريقة مخالفة للعوائد الحسنة ومع تبييت النية على الإيذاء بالغير)، وورد بالمادة (148) من القانون الصيني المعمول به من سنة 1926 ما يأتي (لا يجوز أن يكون الفرض الأصلي من استعمال الحق مجرد إيذاءً للغير)، وجاء بالقانون المدني السويسري الموضوع سنة 1927 والمعمول به سنة 1912 بالمادة (كل إنسان ملزم باستعمال حقوقه وتنفيذ التزاماته طبقًا للأصول المقررة في حسن النية [(97)]، وورد بالقانون السوفييتي الموضوع سنة 1923 تلك القاعدة التي تزعمت القوانين السوفيتية.
(الحقوق المدنية يحميها القانون إلا في الأحوال التي تستعمل فيها تلك الحقوق استعمالاً يتجه في طريق معارض للغرض المرجو منها اقتصاديًا واجتماعيًا).
وقال مشروع القانون البولوني بمادته (10)، (يعتبر باطلاً وليس له أي أثر قانوني كل التزام مخالف للغرض الاجتماعي والاقتصادي المعين بالقانون).
أما القانون البولوني نفسه فقد ورد به بالمادة (135) ما يأتي (كل من استعمل حقه فأضر الغير بقصد أو إهمال وجب عليه تعويض الضرر وذلك فيما إذا كان قد تعدى الحدود التي يقضي بها حسن النية أو يعينها الغرض الذي من أجله تقرر له ذلك الحق).
وورد بالمادة (124) من القانون اللبناني (يلزم أيضًا بالتعويض كل من تسبب في إلحاق ضرر بالغير إذا ما تعدى وهو في طريق استعمال الحق الحدود المعينة في حسن النية أو الحدود التي تعينت للغرض الذي من أجله تقرر له ذلك الحق).
ويقول قانون العقوبات الإيطالي بالمادة (641) (كل من أخفى حالته الشخصية الخاصة بإعساره أو تعاقد عن التزام بنية عدم القيام به يعاقب بناءً على شكوى الشخص المضاد بالحبس لمدة لا تزيد عن سنتين أو بغرامة لا تزيد عن خمسين ألف ليرة، وإذا حصل القيام بالالتزام قبل صدور الحكم بالعقوبة سقطت الجنحة).
هذا ما قطعته نظرية التوازني في الحقوق أو نظرية الاعتساف في استعمال الحق، في ميادين الفقه والقضاء والتشريع، ولقد أصبحت الآن وقد اندمجت في الأصول القانونية العامة ولها ما لها وعليه ما عليها، والعبرة بها في مجال العمل وما تكشف عنه القضايا مما تسفر ملابساتها عن نية مبيتة لسوء وغدر بالغير، وهنا يأتي دور الجزاء فيلعب دوره ليضع كل واحد عند حده حتى لا يصبح القانون لعبة في يد الفرد، وإنا قد أردنا الاجتزاء فيما أخرجناه لما للنظرية من سعة المجال واتساع الميدان ولما يدور حولها من مختلف وجهات النظر من حيث التقدير العملي والوزن العلمي أيضًا، والله الموفق.
________________________________________
[(1)] exceptio
[(2)] action paulienne
[(3)] Paul أو Paulus
[(4)] la publicienne
[(5)] Publicius
[(6)] individualisme
[(7)] déclaration des droits de l’homme
[(8)] البيع بوجه عام والقسمة
[(9)] abus des droits
[(10)] التشريع الذي وضعه المحامي الفرنسي موفوري Maunoury
[(11)] وضعه القاضي الإيطالي موريوندو Moriondo
[(12)] responsabilite delictuelle
[(13)] responsabilite objective
[(14)] faute
[(15)] risque
[(16)] قاعدة الغرم بالغنم قال بها الرومان:
أي: là où est l’avantage, là doit être la charge
أي: حيث يكون النفع يجب أن يكون العبء.
أي: من اختص بالمنافع وجبت عليه التكاليف، انظر حكمًا هامًا لمحكمة استئناف مصر الوطنية في 17 أكتوبر سنة 1940 المحاماة 21 رقم (376) صـ 891 - جوسران في الاعتساف صـ 33 ن 25 - كتابنا في الحقوق صـ 138 وما بعدها.
[(17)] droit supérieur
[(18)] actes administrattf
[(19)] astreintes
[(20)] Conseil d’Elat
[(21)] systeme préventif
[(22)] indidualisme
[(23)] absolutisme
[(24)] struggle for life
[(25)] انظر كتابنا في الحقوق ن 294 صـ 278 و288.
[(26)] malicious prosecution
[(27)] malicious abus of psocess
[(28)] وفيما يتعلق بالدعوى عند الرومان انظر كتابنا في الحقوق.
[(29)] legis actiones
[(30)] sacramentum
[(31)] الحقوق لنا صـ 391 وما بعدها.
[(32)] infiliatio
[(33)] plus petitio
[(34)] poted’infamie
[(35)] منشور بالمحاماة العدد (9) و(10) السنة 25.
[(36)] والحكم كتب في أصله باللغة العربية ثم أخرج بعد ذلك إلى اللغة الفرنسية، وعلقت عليه جريدة (جورنال المحاكم المختلطة) بالعدد 26 و27 أكتوبر سنة 1945 رقم (3530) بما يفيد إقرار وجهة النظر التي اتجه إليها الحكم.
[(37)] انظر كتاب: Morin: la révolte des faits contre le code
[(38)] interventionnisme
[(39)] حكم استئنافي فرنسي س 1932، 2، 44، جوسران في الاعتساف في استعمال الحق، الطبعة الثانية سنة 1939 صـ 56 الهامش 2.
[(40)] الحقوق لنا ص 378
[(41)] فرونن ج 2 صـ 127 ن 63 مكررًا؛ استئناف مختلط 26 مايو سنة 1936 المجلة 48، 282.
[(42)] استئناف م 16 مارس سنة 1915 المجلة 27، 220: انظر مناقشة ذلك المثل بكتابنا في الحقوق صـ 281 وما بعدها.
[(43)] أوبري ورو الطبعة الخامسة ج 3 النبذة 284 - جوسران في الاعتساف صـ 50 ن 33.
[(44)] فرونن ج 2 صـ 324 ن 162، و ن 163.
[(45)] د، 1893، 2، 21.
[(46)] الحقوق لنا صـ 309 والهامش 2.
وكما إذا صدر قرار الشركة بتغيير محل إقامتها فرارًا من مضايقة بعض الأعضاء لها في محل إقامتها الحاضر: جوسران في الاعتساف صـ 183 ن 132.
[(47)] جوسران في الاعتساف صـ 181 - 183 ن 132 والهوامش.
[(48)] المواد (302) و(303) و(308) عقوبات، (306) عقوبات، أو نشر أقوال كاذبة: المادة (68) من قانون الانتخاب رقم (148) سنة 1935.
[(49)] الحقوق لنا صـ 364 ما بعدها نبذة 271.
[(50)] استئناف مصر في 22 ديسمبر سنة 1937 المحاماة 18 رقم 357 صـ 723.
[(51)] location - vente
[(52)] clause reservati domini
[(53)] قضت الدوائر المجتمعة لمحكمة الاستئناف المختلطة في 9 فبراير سنة 1922، المجلة 34، 195، جازيت 12، 71، 116، بأنه لا يجوز القضاء بالشرط الجزائي للدائن لمجرد ادعاء هذا الأخير بأن المدين لم يفِ بتعهداته، بل يجب على الدائن أن يقيم الدليل على أن هناك ضررًا وقع بالفعل.
[(54)] الحقوق لنا صـ 245 وما بعدها.
[(55)] الحقوق لنا صـ 297 وما بعدها.
[(56)] الحقوق لنا صـ 322 والهامش، وصـ 123، استئناف مختلط في 21 مايو سنة 1906 المجلة 18 صـ 314.
[(57)] المادة (912) مدني ألماني تقول: (إذا جاء المالك للعقار وأجرى بناءه وقد تعدى الحدود المقررة لعقار دون أن يحصل منه الاعتداء بنية وقصد منه أو حصل الاعتداء بناءً على خطأ وتقصير كبير من جانبه فإنه يتعين على الجار أن يتحمل وجود تلك الزيادة الحاصلة بالبناء في أرضه إلا إذا سبق له أن عارض في التعدي على ملكه عند وقوعه أو بعد وقوعه، ويجب أن يدفع التعويض للجار بتقرير مبلغ كمرتب يدفع له في أوقات معينة، ويقدر ذلك المرتب بالرجوع إلى الوقت الذي حصل فيه التعدي.
[(58)] النقض الفرنسي 14 نوفمبر سنة 1922، د، 1925، 1، 145 ومقال جوسران تعليقًا على ذلك الحكم جوسران في الاعتساف صـ 171 - 173 ن والهامش 2 من صـ 172 - كتابنا في الحقوق صـ 262 وما بعدها ن 184.
[(59)] استئناف م 11 ديسمبر سنة 1930، المجلة، 43، 78 - الجدول العشري الخامس المختلط صـ 10 ن 5 - كتابنا في التدليس بالقانون صـ 204 ن 1 في آخرها - كتابنا في الحقوق صـ 264.
[(60)] dirigisme contractuel أو contrat dirigé
[(61)] يقول جوسران في هذا الشأن ما يأتي:
le juge est devenu le champion d’un idéal plus vaste, genérique: celui d’un équitable commerce juridique.
أي (لقد أصبح القاضي في مهمته زعيم الدفاع عن مثل عال عام بعيد المدى، إلا وهو العناية بوضع أسس عادلة في تعامل الناس مع بعضهم البعض).
كتابه في الاعتساف صـ 167 وما بعدها وما قبلها، كتابنا في الحقوق صـ 253.
[(62)] fraus omnia corrumpit
[(63)] malitus non est indulgendum
[(64)] summum jus sunma injuria
[(65)] retrait litigieux
[(66)] الحقوق لنا صـ 226 وما بعدها.
[(67)] Celsus أو Celse
[(68)]jus est ars boni et acqui le droit est l’art de ce qui est bon et équitable
[(69)] انظر تفصيل ذلك بكتابنا في الحقوق صـ 189 وما بعدها وعلى الأخص فيما يتعلق بنية الإضرار لدى المتصرف أو مجرد الإحساس لديه بالضرر، وأصل ذلك بالقانون الروماني وما جرى عليه الفقه الفرنسي والقضاء الفرنسي في الأخذ بالإحساس بالضرر، صـ 193 من كتابنا الحقوق ن131 و132، وانظر تعليقات الدكتور كامل باشا مرسي وزير العدل على القانون المدني تعليقًا على المادة (38) الخاصة بتفسير العقود والمشارطات طبعة نوفمبر سنة 1942 صـ 114 وما بعدها.
[(70)] استئناف مختلط 17 نوفمبر سنة 1943 المجلة 55، 6.
[(71)] محكمة استئناف مصر الوطنية في 25 مارس سنة 1916 المجموعة الرسمية للمحاكم الوطنية المجلد 17 صـ 190 رقم 112.
[(72)] كتاب أحكام الوقت والمواريث للشيخ أحمد إبراهيم بك الوكيل السابق لكلية الحقوق بجامعة فؤاد مصر صـ 64 تحت كلمة تنبيه - وفي شرح ذلك كله انظر كتابنا في الحقوق صـ 303 وما بعدها في الملاحظات من 1 إلى 9 وهذا ومما لاحظناه عند البحث أنه هل يجوز للدائن الطعن على مدينه فيما إذا كان هذا الأخير ناظرًا ومستحقًا في استحقاق بسيط وبيده الشروط العشرة ولم يعمل بها في إخراج الآخرين وإدخال نفسه مكانهم ليستطيع الوفاء بدينه ؟ نظن لا لأن حق الاستفادة من الشروط العشرة حق شخصي خاص بصاحبها وله اتصال بالوقف الذي ينتهي فيه الأمر إلى جهة بر لا تنقطع.
[(73)] راجع في ذلك مقالنا في مجلة الحقوق لكلية الحقوق بجامعة فاروق بالإسكندرية للعدد الأول من السنة الثانية صـ 157 - 186 تحت العنوان الآتي: (الحوالة والإسقاط في حصة المستحق في وقف).
[(74)] abus de transcription
[(75)] راجع تفصيل ذلك بكتابنا الحقوق صـ 217 - 224 ن 146 - 148.
[(76)] النقض الفرنسي س، 1925، 1، 217 ومقال بريت Brethe - جوسران في الاعتساف صـ 132 ن 92، ويلاحظ جوسران أن محكمة النقض عالجت الأمر على أساس قاعدة الاعتساف في استعمال الملكية، ويرى أنه كان يجدر معالجة الحال تأسيسًا على قاعدة الاعتساف في استعمال حق السكوت.
[(77)] كتابنا في الحقوق صـ 98 وما بعدها، وصـ 185 وما بعدها.
[(78)]Savatier: traité de la responsabilité civile en droit francais, Paris, 1939, t, I, n. 95, No. 73.
[(79)] toute faute se ramène à la violation d’un devoir moral
صـ 9 ن 6 من كتاب سابق الذكر.
[(80)] expliquer la faute par l’existence d’un devoir genéral de ne pas nuire à autri
صـ 9 ن6.
[(81)] la faute est la lésion d’un droit chez autrui جوسران في القانون المدني ج (2) ن 426.
[(82)] La morale oblige à rester fidèle à ses contrats, à observer la loi, des bonnes, moeurs, et à ne pas nuire à autrui
كتابه المذكور صـ 40 ن 30.
[(83)] كتابه صـ 91 ن 71 والهامش 1 - صـ 50 ن 36 وما بعدها وذلك فيما يتعلق بحق مضايقة الغير، أي الأعمال التي يبررها القانون ولا يؤاخذ عليها.
[(84)] art. 112: (lorsque, sous l’influence de la gêne ou de l’extrème nécessité, une personne à stipulé un contrat manifestement préjudiciel pour elle, le juge, peut à la requête de la partie lésée ou de ses orgganes sociaux compétents, peut déclarer ecet acte nul ou en faire cesser les effets pour l’avenir
[(85)] وقد لوحظ وقت مناقشة تلك المادة بمجلس الرشتاغ أنه يخشى من صيغتها العامة أن تستحيل إلى خطر محدق بالمعاملات إذ قد يظن القاضي أنه ربما كان على حق فيما إذا لجأ في التقدير والوزن إلى اعتبارات فلسفية أو سياسية أو دينية (القانون الألماني ترجمة مولينير Meulenaere صـ 112 تعليقًا عن المادة الألمانية).
وبهذا المعنى أيضًا المادة (179) من مشروع القانون المدني المصري.
[(86)] principe d’exploitation
[(87)] كتابنا في الحقوق صـ 236 وما بعدها.
[(88)] محكمة استئناف مصر في 11 يناير سنة 1936 المحاماة 16 رقم (339) صـ 723.
[(89)] الحقوق لنا صـ 242 الهامش
1 - وانظر أيضًا:
Hugney: de la responsabilié du tiers complice de la violation de l’obligadiou contractuelle, thése, Dijon, 1910
[(90)] وهو ما يسمى dumping
[(91)] الحقوق لنا صـ 119 - 151 ن 60 - 88 وفيما يتعلق الملكية الشائعة انظر الحقوق لنا صـ 163 وملكية المراسلات صـ 165.
[(92)] الحقوق لنا صـ 156 وما بعدها.
[(93)] art. 2261, exercice d’un droit n’est pas admissible, lorsqu’il a seulement pour but de nuire à autrui
[(94)]art. 826: celui qui a à dessein nui à autrui par des agissements contraires aux bonnes moeurs est tenu de réparer le dommage.
[(95)] art. 903: le propriétaire d’une chose peut, sauf l’effet des prescriptions de la loi ou les droits des tiers, disposer de cette chose à son gré, et exclure toutes les autres personnes
[(96)] art. 1305 …….ou nne repond pas du dommage que l’on cause à autri en usant de ses droits
[(97)] art. 2: chacun est tenu d’exercer ses droits et d’exécuter ses obligations selon les règles de la bonne foi. L’abus manifeste d’un droit n’est pas protégé par la lo

سلطة عمل اللوائح

مجلة المحاماة - العدد الثامن والتاسع والعاشر
السنة الثانية والعشرون1942

بحث في سلطة عمل اللوائح
للدكتور السيد صبري الأستاذ بكلية الحقوق بجامعة فاروق الأول

مقدمة:
قبل أن نبدأ البحث في سلطة عمل اللوائح يبدو من الضروري أن نمهد له بهذه المقدمة التي تشتمل على أمرين:
الأول: مقارنة اللائحة بالقانون.
الثاني: بيان أنواع اللوائح المختلفة.
( أ ) اللائحة والقانون:
اللائحة بحسب تعريف يكاد الإجماع ينعقد عليه هي (قرار بقاعدة عامة تصدر من عضو أو هيئة غير الهيئة التشريعية في البلاد) [(1)].
ولما كان القانون هو قاعدة عامة تطبق على الجميع وصادرة من السلطة التشريعية فاللائحة لا تختلف عنه من حيث الموضوع لأن كلاً منهما يملي قاعدة عامة تطبق على جميع السكان، ومع أن اللائحة هي كالقانون من هذه الناحية إلا أنها تختلف عنه ويبدو هذا الاختلاف في النواحي الآتية:
أولاً: اللائحة تختلف عن القانون من حيث الشكل فاللائحة تصدر من السلطة التنفيذية أو عضو إداري تابع لها وهي تصدر في شكل مرسوم أو قرار (قرار مجلس وزراء، قرار وزاري، قرار مدير، قرار مجلس مديرية، قرار مجلس بلدي) أما القانون فيصدر من السلطة التشريعية أي بعد إقرار البرلمان وتصديق الملك.
ثانيًا: وإن كانت اللائحة تشبه القانون من حيث إنها تملي قاعدة عامة إلا أنها ليست متساوية معه في القوة فالقانون من عنصر أقوى لأنه ينشئ القواعد التي تسري على السلطات الحكومية نفسها وتهيمن على سلطة عمل اللوائح، أما اللائحة فخاضعة للقانون الذي يستطيع أن يلغيها دون قيد أو شرط كما لا تسري على السلطات الإدارية رغمًا عنها فهي التي أنشأتها وهي في حل من تغييرها أو تعديلها.
ثالثًا: ما دامت اللائحة خاضعة للقانون فهي لاحقة له ولا تصدر إلا في الشكل الذي يحدده لها وهي لا يمكن أن تكون مخالفة له بأي حال ولا أن تخرج عن الموضوع الذي شرعه لها.
رابعًا: بما أن اللائحة خاضعة للقانون ولا يمكن أن تتعارض معه فهي كذلك خاضعة لرقابة السلطة القضائية فإذا لم تكن متفقة معه بأن خالفته أو خرجت عن حدوده حكمت المحاكم ببطلانها.
(ب) أنواع اللوائح:
تنقسم اللوائح إلى أربعة أنواع:
الأول: اللوائح التنفيذية règlements en execution des lois وقد نص عليها الدستور المصري في المادة (37) (الملك يضع اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها).
الثاني: اللوائح المستقلة أو القائمة بذاتها règlements autonomes وقد نصت عليها المادة (44) من الدستور (الملك ينظم المصالح العامة).
الثالث: اللوائح ذات الصبغة التشريعية أو لوائح الضرورة règlements de nècessitè وقد نصت عليها المادة (41) من الدستور (إذا حدث فيما بين أدوار انعقاد البرلمان ما يوجب الإسراع إلى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير فللملك أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون بشرط أن لا تكون مخالفة للدستور وتجب دعوة البرلمان إلى اجتماع غير عادي وعرض هذه المراسيم في أول اجتماع له فإذا لم تعرض أو لم يقرها أحد المجلسين زال ما كان لها من قوة القانون).
الرابع: اللوائح التفويضية regsur délégation législatives وهي لوائح تصدرها السلطة التنفيذية في شكل مراسيم بقوانين لا بناءً على المادة (41) سالفة الذكر بل بناءً على تفويض صادر لها من البرلمان في حدود معينة.
وسنتناول فيما يلي شرح كل نوع من أنواع هذه اللوائح ما عدا اللوائح التشريعية التي تصدر طبقًا للمادة (41) من الدستور إذ لها حكمًا خاصًا سنفرد له بحثًا قائمًا بذاته في فرصة أخرى.

المبحث الأول: اللوائح التنفيذية

أولاً: أساسها الدستوري ومداها:
اللوائح التنفيذية وهي النوع الأول من أنواع اللوائح هي من اختصاص الملك في مصر باعتباره رئيسًا للسلطة التنفيذية وقد ذكرنا أنها مستمدة من المادة (37) من الدستور التي تنص (الملك يضع اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها).
1 - مصدر هذه السلطة: اقتبس المشرع المصري المادة (37) المذكورة من المادة (67) من الدستور البلجيكي التي تنص على أن الملك يضع اللوائح والقرارات الضرورية لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها

(Le Roi fait les règlements et arrêtés necessaires pour l’exécution des lois, sans pouvoirs Jamais ni suspendre les lois elles - même, ni dispenser de leur execution).

ويقول الشراح أن الدستور البلجيكي أخذ هذا المبدأ من دستوري فرنسا الصادرين في السنة الثالثة والسنة الثامنة إذ نصت المادة (144) من دستور السنة الثالثة على أن (الحكومة لها أن تصدر تنبيهات proclamations مطابقة للقانون وبقصد تنفيذه)، كما نصت المادة (44) من دستور السنة الثامنة على أنه (ليس للسلطة التنفيذية أن تضع أي قانون ولكن لها أن تصدر تنبيهات متفقة مع القانون وبقصد تنفيذه [(2)].
ومع ذلك فقد لاحظ الشراح أن هناك اختلافًا واضحًا بين حق إصدار التنبيهات الواردة ذكره في هذين الدستورين وبين حق إصدار اللوائح التنفيذية التي هي عبارة عن قواعد عامة كالقانون تمامًا لأنه حتى مع التسليم بأن هذه اللوائح لا تخرج عن حدود القانون فإنها كثيرًا ما تتمه.
على أن دساتير الثورة الفرنسية وإن لم تعطِ رئيس الجمهورية حق إصدار اللوائح التنفيذية على الوضع الذي جاءت عليه الدساتير الحديثة فإن الضرورات العملية هي التي أعطته ذلك الحق الذي أصبح مسلمًا به لدى الفقهاء جميعًا رغم أن الدستور الفرنسي الحالي لم ينص عليه صراحةً كذلك إذا اكتفت المادة الثالثة منه على القول بأن رئيس الجمهورية يراقب القوانين ويسهر على تنفيذها.

(Le President de la Republique surveille et assure l’exécution des lois).

2 - تعليل هذه السلطة ومداها:
( أ ) يرى رجال الفقه أن سلطة إصدار اللوائح التنفيذية تدخل بطبيعتها في الاختصاص التنفيذي لأن السلطة التنفيذية هي المكلفة بتنفيذ القانون، وفي فرنسا رغم عدم صراحة المادة الثالثة من الدستور سالفة الذكر يذهب أغلب الفقهاء إلى أنها الأساس الدستوري لسلطة رئيس الدولة في إصدار اللوائح التنفيذية لأن السهر على تنفيذ القوانين الذي نصت عليه هذه المادة يقتضي إصدار اللوائح التنفيذية بلا جدال.
بل لقد ذهب رجال الفقه إلى أن للسلطة التنفيذية أن تصدر لوائح متممة للقوانين نفسها طالما أن المقصود من هذه اللوائح هو تنظيم تفاصيل القوانين العديدة المتشعبة التي لا يمكن أن يتضمنها القانون نفسه لكثرتها، على أنه يشترط في هذه اللوائح التكميلية أن لا تخرج عن حدود القانون الأصلية [(3)].
ويرى أزمان أن في عمل اللوائح المتممة للقوانين على هذا الوضع تخليصًا للنصوص القانونية من التفاصيل الصغيرة التي لا يفيد وجودها في تلك النصوص؛ كما أن تركها للسلطة التنفيذية هو أكثر انطباقًا على مبدأ فصل السلطات لأنها السلطة الأكثر اختصاصًا وهي بمركزها أقدر على هذا التنظيم، وزيادة على ذلك فإنه يكاد يكون من المستحيل أن ينظم المشرع كل تفاصيل القانون المعقدة الكثيرة التشعب، وقد أصبح هذا الرأي الفقهي معمولاً به في جميع البلاد الديمقراطية:
ففي فرنسا أصبح من المسلم به أن على الحكومة - دون أن يدعوها البرلمان - القيام بإصدار اللوائح المنفذة والمكملة للقانون حتى يسهل تطبيقه على النحو الذي أراده المشرع.
وفي الولايات المتحدة وإنجلترا حيث يحتفظ البرلمان بحقه الكامل في وضع القوانين تقوم السلطة التنفيذية بإصدار هذه اللوائح [(4)].
وعلى ذلك يجب تفسير المادة (37) من الدستور المصري على الوضع السالف الذكر أي أن من حق السلطة التنفيذية إصدار اللوائح المنفذة والمكملة للقوانين، وقد جرى العمل على ذلك فعلاً فلا يكاد يصدر قانون من البرلمان إلا ويصدر الوزير المختص لائحته التنفيذية، ومن أمثلة اللوائح التنفيذية اللائحة الصادرة في 13 مايو سنة 1939 من وزير المالية تنفيذًا لقانون الدمغة الصادر في 11 مايو سنة 1939.
(ب) على أن السلطة التنفيذية وإن كانت تملك إصدار لوائح متممة للقوانين فإنها لا تملك أن تضيف قواعد خارجة أو مخالفة لغرض المشرع عن طريق هذه اللوائح لأن ذلك يكون خروجًا عن حدود السلطة التنفيذية ويعتبر تشريعًا لا شك فيه أو بعبارة أخرى تعد على سلطة البرلمان لا يتفق والمبادئ الدستورية ويكون على المحاكم واجب اعتبار هذه اللوائح باطلة والامتناع عن تطبيقها.
والمحاكم المصرية متفقة لحسن الحظ على حقها في رقابة اللوائح وبذلك تمشت مع محاكم البلاد الأخرى التي يقوم نظام الحكم فيها على مبدأ فصل السلطات.
ومن الأمثلة على ذلك ما حكمت به محكمة مصر الكلية في 22 فبراير سنة 1934 إذ رفضت تطبيق المادة العاشرة من لائحة التنظيم الصادرة في 8 سبتمبر سنة 1889 تنفيذًا لقانون التنظيم الصادر في 26 أغسطس من السنة نفسها لأن هذه اللائحة قد تجاوزت السلطة التي منحتها المادة (19) من هذا القانون لوزير الأشغال في إصدار اللائحة التنفيذية، والواقع أن المادة الأولى من قانون التنظيم نصت على منع البناء أو الترميم أو الهدم إلخ على جانبي الطريق العام في البلاد التي بها مصلحة تنظيم إلا بعد الحصول على رخصة من المصلحة المذكورة، كما نصت المادة الحادية عشرة على أن القيام بهذه الأعمال خارج خط التنظيم معاقب عليه بالغرامة فضلاً عن الإزالة، ولكن المادة العاشرة من اللائحة التنفيذية سالفة الذكر نصت على أنه لا يجوز للملاك إقامة أي بناء على أراضيهم المزمع إدخالها في حدود طرق لم تنشأ بعد ولكن مزمع إنشائها وذلك بمجرد صدور اعتماد خط تنظيم هذه الطرق المزمع إنشائها.
وواضح أن القيد الواردة بالمادة الأولى من قانون التنظيم إنما هو خاص فقط بالطرق القائمة فعلاً بينما أضافت المادة العاشرة من اللائحة التنفيذية الطرق المزمع إنشائها التي لا وجود لها إلا على أوراق مصلحة التنظيم وبذلك تكون اللائحة التنفيذية قد أوجدت حالة جديدة لم ينص عليها القانون أو بعبارة أخرى تكون قد خرجت من القانون، لذلك كانت المحكمة على حق عند ما رفضت تطبيق المادة العاشرة من اللائحة لخروجها عن المادة الأولى من القانون وعن المادة (19) منه التي أجازت للوزير عمل لائحة تنفيذية لا إضافة قواعد جديدة [(5)].
كذلك حكمت محكمة النقض في 6 يناير سنة 1936 بأن قرار وزير العدل الصادر في 16 فبراير سنة 1924 تنفيذًا لقانون التشرد الصادر في 29 يونيه سنة 1923 باطل لخروجه عن القواعد العامة الخاصة بالتنفيذ إذ نص ذلك القرار على أن المعارضة في إنذار التشرد الذي يسلمه البوليس للمشتبه فيه لا يوقف سريان مدة العشرين يومًا التي نص عليها القانون كمهلة لتمكين الشخص المشتبه فيه من تغيير أحوال معيشته، واللائحة بهذا النص قد خرجت عن القواعد العامة للتنفيذ التي تجعل المعارضة توقف التنفيذ، هذا إلى أن قانون التشرد نفسه لم ينص على الخروج عن هذه القواعد ولم يخول لوزير العدل إضافة أحكام جديدة [(6)].
يتضح من كل ما تقدم أن سلطة إصدار اللوائح التنفيذية مستمدة من المادة (37) من الدستور وأن هذه اللوائح تصدر في حدود القانون المنفذة له ويصح أن تتمم هذه اللوائح ذاك القانون بشرط أن لا تخرج عن حدوده فإذا تعدت تلك الحدود أمكن الطعن فيها فإذا ثبت ذلك للمحكمة امتنعت عن تطبيقها لبطلانها.
وقد جرى العمل على أن تعين القوانين الوزير أو الوزراء المختصين بإصدار اللوائح المنفذة لها، ولذلك تصدر هذه اللوائح دائمًا مدبجة بالعبارة الآتية (وزير…. بعد الاطلاع على المادة…… من القانون رقم……. قرر ما هو آتٍ………..).
على أنه يجب العلم أن سلطة إصدار اللوائح التنفيذية لا تستمد قانونيتها من هذه النصوص الواردة بالقوانين بل من المادة (37) من الدستور، فإذا أغفل القانون ذكر الوزير أو الوزراء المختصين بالتنفيذ فإن ذلك لا يؤثر مطلقًا على حق السلطة التنفيذية في إصدار لائحة القانون التنفيذية لأن حقها مستمد من الدستور لا من القانون الصادر من البرلمان.
ويتضح من ذلك أن تعيين القانون للوزير المختص بإصدار اللائحة التنفيذية لا يعتبر تفويضًا من البرلمان للسلطة التنفيذية إنما هو دعوة لهذه السلطة باستعمال حقها الذي تملكه بمقتضى المادة (37) من الدستور، وعلى ذلك لا يصح اعتبار أي لائحة صادرة بناءً على دعوة كهذه أنها لائحة تفويضية وبالتالي جزءًا من التشريع نفسه بل تظل لائحة تنفيذية في حدود القانون نفسه ومن اختصاص السلطة التنفيذية بحسب مبدأ فصل السلطات.
وعلى ذلك تكون محكمة مصر الكلية قد أخطأت - كما أوضح ذلك الدكتور وحيد رأفت [(7)] في حكمها الصادر في 30 مارس سنة 1933 عندما اعتبرت لائحة الجبانات الصادرة في 24 مارس سنة 1926 تنفيذًا لقانون الجبانات الصادر في 6 مارس سنة 1922 لائحة تشريعية صادرة عن تفويض من البرلمان وأنها بذلك تكتسب قوة التشريع، ولا داعي لتكرار ما سبق ذكره من أن مثل هذه اللوائح هي لوائح تنفيذية من اختصاص السلطة التنفيذية ولا يمكن أن يكون لها صفة التشريع ويجب على المحاكم أن ترفض تطبيق ما اشتملت عليه من القواعد المخالفة للقانون ذاته أو الخارجة عن حدوده.
أما اللوائح التي تصدر بناءً على تفويض صادر من البرلمان فهي النوع الرابع من اللوائح أي اللوائح التفويضية وسنتكلم عليه فيما بعد.
ثانيًا: الهيئات التي تملك إصدار اللوائح التنفيذية:
( أ ) الهيئات المركزية:
رأينا أن اللوائح التنفيذية يصدرها رئيس الدولة لأنها من حقه طبقًا للمادة (37) من الدستور أي أنها تصدر في شكل مراسيم ما لم ينص القانون نفسه على الوزير المختص الذي يملك هذا الحق إذ في هذه الحالة تصدر اللائحة في شكل قرار وزاري، على أنه إذا لم ينص القانون على الوزير أو الوزراء المختصين بإصدار اللائحة التنفيذية فإننا نرى أنه لا بد من صدورها في شكل مرسوم طبقًا لنص المادة (37) سالفة الذكر أي لا بد من تذييلها بإمضاء رئيس الدولة لتكون صحيحة من الناحية القانونية.
ويرى الدكتور وحيد رأفت - وهو الذي يرجع إليه الفضل الأكبر في دراسة القانون الإداري في مصر على الوجه الحديث - أن العمل ما زال جاريًا على خلاف ذلك وأن الوزراء يصدرون لوائح تنفيذية وتكميلية من تلقاء أنفسهم وأورد عدة أمثلة لذلك منها قرار وزير الداخلية الصادر في 31 مايو سنة 1931 الخاص بالأسبلة والأحواض والحنفيات….، وقرار وزير الصحة الصادر في 12 ديسمبر سنة 1937 بشأن حظر جمع فضلات التمباك وأعقاب السجاير وقراره الصادر في 25 أكتوبر سنة 1924 الخاص باتخاذ الإجراءات اللازمة ضد نقل بعض الحيوانات والموبوءة [(8)].
ولكن يبدو لنا أن الواقع لا يؤيد ذلك فالوزراء لم يصدروا لوائح تنفيذية أو تكميلية إلا في الأحوال التي أباح لهم القانون نفسه ذلك، أما الأمثلة المذكورة فبعضها خاص باللوائح المستقلة كالمثلين الأولين أما المثال الأخير فهو فعلاً للائحة تنفيذية ولكنها صادرة في حدود الأمر العالي الصادر في أول فبراير سنة 1883، والمعدل بقوانين أخرى وقد أعطى الوزير هذا الاختصاص.
وقد سرى هذا الالتباس في حكم أصدرته محكمة الإسكندرية الكلية بتاريخ 28 إبريل سنة 1932 خاصًا بقرار وزير الزراعة الصادر في 2 يناير سنة 1928 بتعديل لائحة السلخانات السابق صدورها في سنة 1893، وقد حكمت المحكمة بأن الوزير لم تعدله سلطة إصدار مثل هذه اللوائح بعد صدور الدستور إذ انتقل هذا الحق الذي كان للوزراء قبل صدور الدستور إلى الملك بنص المادة (37) من الدستور.
وعلى ذلك أصبح من المحتم صدور مثل هذه اللوائح في شكل مراسيم وبذلك يكون القرار الوزاري الصادر في 2 يناير سنة 1928 والمعدل للائحة السلخانات جاء مخالفًا للنظام الأساسي للدولة المصرية وقد تجاوز الوزير في إصداره سلطته الإدارية وأنه لهذا وقع باطلاً قانونًا ويجب على المحكمة عدم تطبيقه (انظر بهذا المعنى أيضًا الدكتور متولي القانون الإداري صـ 139 وما بعدها) [(9)].
ولا شك أن المحكمة أخطأت في هذا التخريج إذ خلطت بين اللائحة التنفيذية واللائحة القائمة بذاتها فلائحة السلخانات الصادرة في 2 يناير سنة 1928 هي لائحة قائمة بذاتها، وعلى ذلك لا تنطبق عليها المادة (37) من الدستور الخاصة باللوائح التنفيذية، إن اللائحة المذكورة صدرت معدلة للائحة السلخانات الصادرة عام 1893 وللقرارات اللاحقة بها فهي لائحة صادرة بتعديل لائحة صادرة لتنفيذ قانون ولائحة السلخانات الصادرة عام 1893 هي لائحة قائمة بذاتها أيضًا أي لا تتصل بأي قانون، وعلى ذلك تكون اللائحة التي رفضت المحكمة تطبيقها هي لائحة قائمة بذاتها أي لائحة مستقلة لا يسري عليها حكم المادة (37) من الدستور.
حقيقة من رأينا أن تصدر هذه اللوائح المستقلة في شكل مراسيم ولكن لأنها تقع تحت حكم المادة (37) من الدستور بل لأسباب أخرى سنذكرها عند بحث اللوائح المستقلة.
(ب) الهيئات المحلية:
ولكن بجانب الهيئات الإدارية المركزية التي لها حق إصدار لوائح تنفيذية على الوضع السالف الذكر توجد هيئات إدارية محلية كالمحافظين والمديرين والعمد والمجالس البلدية والمحلية ومجالس المديريات، ولا شك في أن لبعض هذه الهيئات سلطة إصدار لوائح جاء ذكرها في المادة (395) من قانون العقوبات التي نصت (كل من خالف أحكام اللوائح العمومية أو المحلية الصادرة من جهات الإدارة العمومية أو البلدية أو المحلية يجازى بالعقوبات المقررة في تلك اللوائح……).
فهل لهذه الهيئات الإدارية المحلية حق إصدار لوائح تنفيذية ؟ لم يتعرض رجال القانون العام في مصر لهذا البحث بالوضوح الكافي وإن كان يبدو لنا أن الدكتور وحيد رأفت يجيز لبعض هذه الهيئات المديرون والمحافظون ومجلس بلدي الإسكندرية إصدار اللوائح بصفة عامة مما قد يدعو للاعتقاد بأنه يجيز لها ضمنًا إصدار لوائح تنفيذية [(10)].
ونحن لا نشك مطلقًا في أن هذه الهيئات المحلية ليس لها أي حق في هذه اللوائح لأن القوانين هي قواعد عامة تطبق على جميع السكان واللوائح المنفذة لها يجب أن تكون لها بطبيعة الحال هذه الصفة العامة لاتصالها بتلك القوانين، وعلى ذلك لا بد من صدور لوائح التنفيذ من الحكومة المركزية على الوضع السالف الشرح.
ومما يؤيد رأينا ما جرى عليه العمل فعلاً من حصر مهمة المحافظين والمديرين على تطبيق اللوائح التنفيذية الصادرة من الحكومة المركزية والملحقة بالقوانين كما هي دون إضافة فإذا ما بدت لهم عقبات أو كانت لهم ملاحظات فعليهم إبداؤها للحكومة المركزية التي لها وحدها تعديل هذه اللوائح العامة إذا رأت ذلك.
وزيادة على ذلك فليس من المقبول أن يقوم كل محافظ أو مدير بوضع لائحة تنفيذية لقانون صادر من البرلمان لأن معنى ذلك اختلاف طرق التنفيذ باختلاف المحافظات والمديريات الأمر الذي يتنافى مع صفة القانون العامة الموحدة، لذلك لا نجد قانونًا ينفذ إلا ومعه لائحته التنفيذية الصادرة من الحكومة المركزية لتطبق على جميع السكان كالقانون نفسه لا سيما وقد رأينا أن اللائحة كثيرًا ما تشتمل على تفاصيل متممة للقانون وبداهة أنه لا يمكن ترك مثل هذه التفاصيل لتنظيمها بواسطة الهيئات الإدارية المحلية.
أما مجلس بلدي الإسكندرية فلا أدل على أنه لا يملك سلطة إصدار اللوائح التنفيذية من الرجوع إلى المادة (33) من الأمر العالي الصادر بإنشائه التي تنص (لا يجوز للقومسيون البلدي أن يتداول في القوانين أو الأوامر العالية أو اللوائح أو الإجراءات المقررة بالقوانين أو الأوامر أو اللوائح وكذلك الإجراءات الصادر بشأنها قرارات وزارية يجب تنفيذها بتمامها كما هي).
وهذه المادة قاطعة في أن اللوائح التنفيذية خارجة عن اختصاص المجلس البلدي كما أنها تلزم البلدية بتطبيق القوانين واللوائح التنفيذية المركزية كما هي دون إضافة أو نقص.
وهذه المادة بنفسها فيها الدليل على صحة ما قلناه بالنسبة للمديرين والمحافظين لأنها تدل على حرص الحكومة المركزية على الاحتفاظ لنفسها بحق إصدار اللوائح التنفيذية للقوانين فليس لأي هيئة محلية أن تضيف أو تنقص منها بل تنحصر وظيفتها في تنفيذها كما هي.
أما ما جاء بالمادة (395) من قانون العقوبات وغيره من القوانين عن اللوائح المحلية فهو خاص بلوائح البوليس كما سترى في المبحث التالي.
والخلاصة من كان ما تقدم أن اللوائح التنفيذية توضع لتنفيذ القانون وتكميله بما لا يخرج عن حدوده وهي من اختصاص الملك باعتباره رئيس السلطة التنفيذية فلا بد من صدورها في شكل مراسيم ما لم ينص القانون على الوزير أو الوزراء المختصين بالتنفيذ إذ في هذه الحالة فقط يصح أن تصدر في شكل قرارات وزارية، هذا واللوائح التنفيذية هي لوائح عامة لا تصدر إلا من الحكومة المركزية فلا توجد أي هيئة محلية لها حق إصدارها.

المبحث الثاني: اللوائح المستقلة أو القائمة بذاتها

اللوائح المستقلة هي لوائح لا تتصل بأي قانون قائم، لذلك سميت باللوائح القائمة بذاتها أو المستقلة.
وينقسم هذا النوع من اللوائح إلى قسمين:
الأول: لوائح المصالح العامة règlements de services publics
الثاني: لوائح البوليس règlements de police
1 - لوائح المصالح العامة:
هذه اللوائح منصوص عنها في المادة (44) من الدستور (الملك يرتب المصالح العامة…)، فترتيب المصالح العامة هو اختصاص تنفيذي أعطاه الدستور لرئيس الدولة باعتباره رئيسًا للسلطة التنفيذية ونحن لا نتعرض هنا لدراسة هذا الاختصاص إذ قلما يهم المشتغلين بالقانون من الناحية العملية.
2 - لوائح البوليس:
1 - تعريفها: لائحة البوليس هي نص عام يحد من الحريات الفردية بقصد حفظ الأمن والصحة السكينة la sécurité, la tranquilété et la salabrité publique [(11)] فالغرض إذن من لوائح البوليس هو المحافظة على أمن وصحة الجمهور كاللوائح التي تصدر بتنظيم سير السيارات أو مراقبة الأغذية.
وجميع هذه اللوائح تضع قواعد عامة تطبق على جميع السكان وتحد من الحريات العامة فهي قوانين من حيث الموضوع وإن لم تكن قوانين من حيث الشكل لصدورها عن طريق السلطة التنفيذية في شكل مراسيم بدلاً عن طريق البرلمان في شكل قوانين.
2 - أساسها الدستوري:
( أ ) في فرنسا: اختلف رجال الفقه الفرنسي في الأساس الدستوري للوائح البوليس فأقرها البعض بينما اعتبرها البعض الآخر مخالفة للقواعد الدستورية فيري هوريو [(12)] أن هذه اللوائح من واجبات السلطة التنفيذية لأن الغرض منها حفظ الأمن والنظام وحق إصدار اللوائح ليس قاصرًا على اللوائح التنفيذية بل يتضمن بلا شك لوائح البوليس.
كذلك يرى مورو [(13)] أن رئيس السلطة التنفيذية يملك بجانب سلطة إصدار اللوائح التنفيذية سلطة إصدار لوائح قائمة بذاتها وليس هذا الحق مستمدًا من القانون بل من وظيفة الحكومة ما دام عبء حفظ النظام يقع على عاتقها.
أما العلامة دوجي فيرى أن لوائح البوليس لا تستند إلى أي نص من نصوص الدستور لأنها مستقلة ولا تتصل بأي قانون لتنفيذه أو تكميله وهو يعرف لوائح البوليس بأنها قواعد إجبارية - كالقانون تمامًا - تطبق في جميع البلاد، ولكن بالرغم من عموميتها وعدم ارتكازها على أساس دستوري فإنها لم تبعث على الشكوى وأعطى العميد دوجي أمثلة لهذه اللوائح منها المرسوم الصادر في 2 أكتوبر سنة 1988 الخاص بإقامة الجانب في فرنسا والمرسوم الصادر في 31 ديسمبر سنة 1922 الخاص بالقواعد العامة لنظام الطرق code de la route والمرسوم الصادر في 24 مارس سنة 1914 الخاص بتنظيم الملاحة الداخلية وما شابه ذلك من المراسيم العديدة [(14)].
ولا شك في أن جميع هذه المراسيم لم تصدر تنفيذًا لقوانين سابقة فهي لا تتصل بأي قانون إذ لم يقر البرلمان أي تشريع خاص بهذه المسائل.
وقد قام العميد دوجي ببحث سلطة إصدار لوائح البوليس على ضوء التطورات التاريخية من بدء ظهور الدساتير الفرنسية المختلفة وانتهى إلى أن أساس هذه اللوائح هو العادة والعرف إذ التجأت الحكومة رويدًا رويدًا إلى إصدار هذه اللوائح تحت ضغط الضرورات العملية وعلى ذلك يكون أساسها القانوني هو قاعدة دستورية نشأت وتدرجت ببطء خلال القرن التاسع عشر [(15)].
ولكن بينما يبرز هؤلاء الفقهاء لوائح البوليس التي تصدرها السلطة التنفيذية بأسباب مختلفة يرى البعض - ونخص منهم بالذكر العلامة كاريه دي مليبرج - أنه ليس لرئيس الدولة حق إصدار مثل هذه اللوائح لأن الدستور الفرنسي لم ينص على مثل هذا الحق، وعلى ذلك فلوائح البوليس هي مخالفة لقواعد الدستور ولا يصح للسلطة التنفيذية إصدارها ما لم يكن صدورها متصلاً بقوانين سبق أن أقرها البرلمان [(16)].
(ب) في بلجيكا: رأينا أن الدستور البلجيكي نص في المادة (76) على حق رئيس الدولة في إصدار اللوائح التنفيذية وإن هذه المادة هي الأساس الذي أخذ منه المشرع المصري المادة (37) من الدستور.
ولكن الدستور البلجيكي - كالدستور الفرنسي - لم ينص على حق السلطة التنفيذية في إصدار لوائح مستقلة خاصة بتنظيم مسائل البوليس، وعلى ذلك يرى رجال الفقه في بلجيكا أن ليس لرئيس الدولة حق إصدار لوائح البوليس وأن اختصاصه قاصر على إصدار اللوائح التنفيذية ومن ثم تكون لوائح البوليس التي تصدرها السلطة التنفيذية في بلجيكا ليس لها أي أساس دستوري بل هي باطلة ولا يجوز للمحاكم تطبيقها [(17)].
على أن محكمة النقض البلجيكية أصدرت في 16 يناير سنة 1922 حكمًا مخالفًا لرأي الفقه إذ اعترفت بحق رئيس السلطة التنفيذية في إصدار لوائح البوليس الضرورية لحفظ الأمن والصحة والسكينة استنادًا على أن ذلك من وظيفته لأنه يملك سلطة بوليس عامة [(18)].
(ج) في مصر: تكلمنا فيما سبق على إصدار لوائح البوليس في كل من فرنسا وبلجيكا تمهيدًا لاستعراض نظام إصدار هذه اللوائح في مصر على أن ذلك يستدعي أن نشرح هذا النظام في مرحلتين مختلفتين:
الأولى: قبل صدور الدستور.
والثانية: بعد صدور الدستور.
أولاً: قبل صدور الدستور: جرى العمل قبل صدور الدستور على أن تقوم السلطة التنفيذية بإصدار لوائح البوليس دون أن تكون هذه اللوائح منفذة أو متممة لقوانين سابقة.
ومن أمثلة هذه اللوائح المرسوم الصادر في 7 مايو سنة 1899 الخاص بالمحافظة على الصحة العمومية عند ظهور الطاعون أو الكوليرا وقرار وزير الداخلية الصادر في 12 يوليو سنة 1911 الخاص بلائحة التياترات وقراره الصادر في 16 مايو سنة 1913 الخاص بلائحة السيارات، ولا يجد الباحث أي صعوبة في تعليل تنظيم مسائل البوليس عن طريق إصدار اللوائح إذ جميع السلطة قبل صدور الدستور كانت مركزة في يد الحاكم ومجلس النظار وجرت العادة على أن يكون تنظيم مسائل الأمن والصحة والسكينة عن طريق إصدار اللوائح أي عن طريق السلطة التنفيذية أما السلطة التشريعية في ذلك العهد فهي وإن كانت هي نفسها الحاكم ومجلس النظار إلا أن عملها كان يبدو في شكل أوامر عالية أو قوانين فالمميز بين عمل السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في ذلك العهد كان يرجع إلى الشكل فقط.
ثانيًا: بعد صدور الدستور عندما صدر الدستور عام 1923 أصبح البرلمان هو الهيئة المختصة بوضع القواعد العامة بطريق التعميم لأنه غدا السلطة التشريعية في النظام الجديد إلا أن الدستور لم ينص على لوائح البوليس رغم أهميتها نظرًا لأنها قوانين من حيث الموضوع كما سبق أن أوضحنا.
على أن اللوائح التي صدرت قبل صدور الدستور أصبحت تستمد قانونيتها من المادة (167) من الدستور التي تنص (كل ما قررته القوانين والمراسيم والأوامر والأوضاع المتبعة يبقى نافذًا بشرط أن يكون نفاذها متفقًا مع مبادئ الحرية والمساواة التي يكفلها هذا الدستور).
وكل ذلك بدون الإخلال بما للسلطة التشريعية من حق إلغائها أو تعديلها في حدود سلطتها على أن لا يمس ذلك بالمبدأ المقرر بالمادة السابعة والعشرين بشأن عدم سريان القوانين على الماضي.
ولما كان البرلمان المصري لم يلغِ لوائح البوليس الصادرة قبل صدوره فقد ظلت قائمة وظل تطبيقها مستمرًا.
على أن السلطة التنفيذية استمرت بعد العمل بالنظام الدستوري على تنظيم مسائل البوليس عن طريق إصدار اللوائح مثال ذلك المرسوم الصادر في 21 مارس سنة 1925 بتعديل بعض أحكام لائحة المحلات العمومية وقرار وزير الداخلية الصادر في 18 مايو سنة 1925 الخاص بمراقبة وبيع نقل اللبن الحليب والرايب وقراره الصادر في 20 يوليه سنة 1927 الخاص بلائحة الدراجات وغير ذلك.
ولا شك في أن إصدار هذه اللوائح لا يستند إلى أي نص دستوري كما أنه خارج عن نطاق المادة (37) من الدستور الخاصة باللوائح التنفيذية لأن لوائح البوليس لا تتصل بأي قانون فهي مستقلة والدستور لم ينص إلا على النوع الأول من اللوائح المستقلة أي لوائح ترتيب المصالح العامة.
وفي رأينا أنه لا مانع من أن تستمر السلطة التنفيذية في تنظيم مسائل البوليس عن طريق إصدار اللوائح المستقلة مبررين ذلك بحجج رجال الفقه فسلطة إصدار اللوائح تستمد دستوريتها من وظيفة رئيس الدولة ومن التقاليد القديمة التي جرى عليها العرف قبل الدستور ومن صمت الدستور عن تنظيمها، وعلى ذلك يمكن القول بأن لوائح البوليس في مصر تستمد قانونيتها من قاعدة دستورية نشأت بالعرف والعادة كما هو الحال في فرنسا.
ولما كنا أول من بحث السلطة اللائحية في مصر وأدلينا بهذا الرأي فقد انقسم الفقه في تقديره فرأى الدكتور وحيد رأفت الأخذ به [(19)] ورأي الدكتور عبد الحميد متولي أستاذ القانون العام بكلية البوليس فساده لسببين [(20)]:
الأول: أن الدستور لم يمنح السلطة التنفيذية في مصر سوى سلطة إصدار لوائح تنفيذية فليس لها إذن أن تصدر لوائح مستقلة لا تتصل بالقانون لتنظيم مسائل البوليس.
الثاني: لأن لوائح البوليس تقيد الحريات العامة التي كفلها الدستور للأفراد وهذه الحريات العامة لا يجب أن تصدر بشأنها قيود عامة إلا بناءً على قانون فلا يصح إذن تقييدها بلائحة ما لم تكن هذه اللائحة قد صدرت بناءً على تفويض من قانون.
ونحن بالرغم من ذلك النقد وبالرغم من اعترافنا بما له قيمة ما زلنا عند رأينا الأول لأننا أخذنا به ونحن نعلم أن لوائح البوليس لا تستند إلى أي نص دستوري وأنها تقيد من الحريات العامة الأمر الواضح من التعريف الذي أوردناه لهذه اللوائح.
لقد رأينا كيف أن هذه الاعتراضات لم تمنع رجال الفقه في فرنسا من السماح للسلطة التنفيذية بإصدار لوائح البوليس سواء لأن البعض اعتبرها مستمدة من قاعدة دستورية نشأت بالعرف والعادة كدوجي أو لأن البعض اعتبرها من وظيفة السلطة التنفيذية لأنها القائمة بمهمة البوليس، ولقد أيد دوجي هذه الفكرة الأخيرة كذلك إذ اعتبر رئيس الدولة الحاكم الإداري للبلاد فيدخل في اختصاصه بهذا الاعتبار اتخاذ الإجراءات الضرورية لحفظ الأمن والصحة والسكينة أو بعبارة أخرى له إصدار لوائح البوليس.
كذلك رأينا أن محكمة النقض النقض البلجيكية قررت - رغمًا عن رأي الفقه هناك - أن عمل هذه اللوائح يدخل في اختصاص رئيس الدولة لأنه يملك سلطة البوليس العامة، وعلى هذا الأساس القانوني يمكننا أن نعلل سلطة إصدار لوائح البوليس التي تملكها السلطة التنفيذية في مصر.
على أن هذا الحل من ناحية أخرى أكثر ملاءمة لمقتضيات العمل لدقة مسائل البوليس وتشعبها واحتياجها إلى سرعة التنفيذ كما أنها من الكثرة بحيث لو عرضت على البرلمان لعطلت أعماله الهامة وقضت على السرعة المطلوبة في اتخاذ الإجراءات نحوها.
وزيادة على ذلك فجزاء مخالفة هذه اللوائح لا يعدو عقوبة المخالفة فأمرها قليل الخطر من هذه الناحية، وسنرى فيما بعد كيف يمكن الرد على ما وجه من النقد خاصًا بما تنص عليه هذه اللوائح من العقوبات نظرًا لأن الدستور قد نص على أن لا عقوبة إلا بناءً على قانون.
ومهما يكن من الأمر فلا يجب أن يغيب عن البال أن البرلمان يستطيع في أي وقت التدخل لوضع قواعد عامة مقيدة للسلطة التنفيذية في مسائل البوليس وفي اليوم الذي ينظم فيه البرلمان هذه المسائل بقوانين فإن لوائح البوليس قد تدخل جميعها بعد ذلك في صف اللوائح المنفذة للقوانين أو المتممة لها.
3 - السلطات التي تملك إصدار هذه اللوائح:
لوائح البوليس إما أن تكون عامة أي تطبق على جميع السكان في عموم أنحاء البلاد وإما أن تكون محلية أي لا تطبق إلا في إقليم أو بلد معين.
( أ ) اللوائح العامة: رأينا أننا نستطيع أن نترك سلطة إصدار لوائح البوليس العامة إلى السلطة التنفيذية للأسباب التي ذكرناها سابقًا والتي تتلخص أهمها في أن هذه اللوائح يمكن إدخالها في وظيفة رئيس الدولة باعتباره حاكم البلاد الإداري الذي يملك سلطة البوليس العامة كما جاء في حكم النقض البلجيكي.
فإذا الأساس القانوني لهذه اللوائح هو وظيفة رئيس الدولة كان الواجب أن تصدر هذه اللوائح في شكل مراسيم ممضاة من ذلك الرئيس لا في شكل قرارات وزارية: ممضاة من الوزير المختص ولكن جرى العمل في مصر على تنظيم مسائل البوليس بمراسيم في بعض الأحوال وبقرارات وزارية في بعض الأحوال الأخرى بل أن القرارات الوزارية هي الطريقة الغالبة التي تلجأ إليها السلطة التنفيذية وهذا ما لا نوافق عليه: إن سلطة إصدار لوائح البوليس لا تستمد قانونيتها من العرف والعادة فقط بل تستمدها على الأخص من وظيفة رئيس الدولة كما رأينا وعلى ذلك لا يصح تنظيم مسائل البوليس عن طريق إصدار القرارات الوزارية إذ ليس الوزير حاكمًا إداريًا كما أنه لا يملك سلطة البوليس العامة التي يملكها رئيس الدولة.
ونحن عندما أقررنا العرف في مصر إنما أقررناه من حيث حق السلطة التنفيذية في إصدار هذه اللوائح بدلاً عن البرلمان ولكن ليس معنى ذلك أننا نوافق على صدورها في شكل قرارات وزارية مهما جرى العرف على ذلك لأن العرف وحده لا يمكن أن يولد حقًا إذا كان مخالفًا مخالفة صريحة للمبادئ القانونية المسلم بها.
ولما كنا أول من وافق على إبقاء سلطة إصدار لوائح البوليس للسلطة التنفيذية فقد اكتفينا في ذلك الوقت ببيان قانونيتها دون أن نشير بالوضوح الكافي إلى وجوب إصدار هذه اللوائح عن طريق المراسيم.
وقد فهم البعض أننا نقر إصدار اللوائح عن طريق القرارات الوزارية وعلى هذا الأساس جاء حكم محكمة الإسكندرية الكلية الصادر في 18 مارس سنة 1939 [(21)] مقرًا لدستورية لائحة حظر جمع فضلات التمباك وأعقاب السجاير الصادرة بقرار وزاري تاريخه 12 ديسمبر سنة 1937، وقد استند الحكم المذكور في ذلك إلى رأينا - أخذًا عن مذكرات الدكتور وحيد رأفت في القانون الإداري - من أن العرف والعادة كافيان لتبرير هذه السلطة، لذلك اضطررنا في دراستنا اللاحقة لهذا الحكم إلى زيادة الإيضاح لنبين أننا وإن كنا نرى سلطة عمل لوائح البوليس يمكن إدخالها في الاختصاص التنفيذي إلا أننا لا نوافق على صدور لوائح البوليس في شكل قرارات وزارية للأسباب التي ذكرناها آنفًا، وعلى ذلك فنحن لا نوافق المحكمة إلي ما ذهبت إليه وإن كانت قد استندت إلى رأينا في ذلك الحكم.
على أن ذلك لا يمنع أن يكون للوزير حق إصدار لائحة بوليس إذا كان حقه في إصدار مثل هذه اللائحة مستمدًا من أمر عال أو ديكريتو صادر قبل صدور الدستور أو من مرسوم صادر بعد صدور الدستور إذ يكون قد استمد هذا الحق عن طريق التفويض.
(ب) اللوائح المحلية:
بجانب لوائح البوليس العامة التي تطبق على جميع سكان البلاد يوجد في نظامنا الحالي لوائح بوليس محلية تطبق في إقليم أو بلد معين والهيئات التي تصدر هذه اللوائح هي:
1 - المحافظون والمديرون.
2 - مجلس بلدي الإسكندرية.
أولاً: المحافظون والمديرون:
نرى أن المحافظين والمديرين يستمدون هذا الحق من طبيعة وظائفهم فالمدير أو المحافظ هو الحاكم الإداري للإقليم ووظيفته على هذا الوضع تشبه وظيفة رئيس الدولة فهو المسؤول عن حفظ الأمن والنظام والسكينة في الإقليم ولا يستطيع القيام بهذه الوظيفة إلا إذا كان من حقه إصدار أوامر للجمهور أو بعبارة أخرى لا يستطيع القيام بمهمته ما لم يكن له حق إصدار لوائح بوليس، وقد رأينا أن الأمر العالي الصادر في 31 ديسمبر سنة 1883 نص على أن (المديرين والمحافظين يكونون مسؤولين أمام الحكومة عن حفظ الأمن والراحة في الدائرة التابعة لهم)، وهذا بلا شك يقتضي منحهم سلطة إصدار لوائح البوليس.
على أن اللوائح المحلية التي تصدر في المديريات يجب أن يوافق عليها مقدمًا مجلس المديرية إذ نصت المادة (24) من قانون مجالس المديريات الصادر في 11 يونيه سنة 1934 على أن موافقة مجلس المديرية مقدمًا ضرورية عند إصدار لائحة محلية أو تعديلها بالنسبة للمديرية أو لبعض المدن، أما إذا كانت اللائحة خاصة بمدينة أو بندر فلا بد من موافقة المجلس البلدي أو المحلي إذا كانت بهذه المدينة أو البندر مجلس وذلك لأن القرارات التي أنشأت هذه المجالس قد نصت جميعها على اختصاصها بكل ما يهم المدينة أو البندر، ولا شك أن لائحة بوليس محلية تطبق على مدينة أو بندر هي مما يهمها.
أما إذا لم يكن بالمدينة أو البندر مجلسًا محليًا أو بلديًا فتكون موافقة مجلس المديرية ضرورية حيث نصت المادة (27) من قانون مجالس المديريات السالف الذكر على أن المسائل التي تخرج عن اختصاص هذه المجالس هي المسائل الداخلة في اختصاص المجالس البلدية الموجودة في المديرية، وعلى ذلك فإذا لم يكن بالمدينة أو البندر مجلس فيكون مجلس المديرية هو المختص بالموافقة على لائحة البوليس التي ستطبق عليه.
ثانيًا: مجلس بلدي الإسكندرية:
لمجلس بلدي الإسكندرية حق إصدار لوائح بوليس تطبق في المدينة وهذا الحق مستمد من المادة (23) من الأمر العالي الصادر بإنشائه في 5 يناير سنة 1890، والتي تنص (كل مخالفة أو تقصير في تنفيذ القرارات الصادرة من الرئيس بمقتضى مداولات القومسيون البلدي ومصدقًا عليها من ناظر الداخلية يعاقب مرتكبها بالعقوبات المقررة للمخالفات المنصوص عليها بقانون العقوبات الأهلي وقانون العقوبات المختلط).
والواقع أن هذه اللوائح لا تختلف عن اللوائح التي يصدرها المحافظون والمديرون والخاصة بتنظيم مسائل البوليس فهي تصدر باسم المحافظ ولكن بعد إقرار القومسيون لها، ولا شك أن مجلس بلدي الإسكندرية يتمتع من هذه الناحية بسلطة أوسع نظرًا لطريقة إنشائه التي تمت بموافقة الدول فيبدو سلطانه في ممارسة اختصاصه أوسع من مجالس المديريات التي لم ينص قانونها صراحةً على حق أعضائها في اقتراح هذه اللوائح وإنما اكتفى بوجوب موافقتهم عليها فقط.
وواضح من نص المادة (23) السالفة الذكر أنه يجب توافر شرطين في هذه اللوائح:
الأول: إقرار القومسيون.
الثاني: تصديق وزير الداخلية، ومن رأينا أنه يجب على المحاكم أن تتأكد من توافر هذين الشرطين في هذا النوع من اللوائح فإن انعدم أحدهما أو كلاهما فيجب على المحاكم الامتناع عن تطبيق اللائحة.
الاعتراض الممكن إثارته والرد عليه.
قد يبدو أن هناك تعارضًا ملموسًا عندما نبيح إصدار لوائح البوليس للمحافظين والمديرين في الإقاليم في الوقت الذي نحرم الوزراء فيه من هذا الحق فكيف يكون للمدير حق إصدار لائحة بوليس بينما لا نعطي مثل هذا الحق لوزير الداخلية مثلاً وهو رئيس المديرين جميعًا في حين أن تصديقه على لوائح الجهات المحلية ضروريًا كما رأينا عند الكلام على مجلس بلدي الإسكندرية والواقع أنه يمكن تبرير ذلك بالأسباب الآتية:
الأول: يعتبر المدير هو الحاكم الإداري للإقليم ووظيفته تشبه بذلك وظيفة رئيس الدولة بينما ليست للوزير هذه الصفة.
الثاني: هذه اللوائح محلية فخطورتها أقل من اللوائح العامة.
الثالث: لا يمكن أن تنفذ هذه القرارات ما لم يوافق عليها مجلس المديرية وهو الهيئة التي تعبر عن رغبة الأهالي في الإقليم وهذا يكفي لتبرير هذه السلطة لا سيما، ونحن نعمل على التوسع في اللامركزية ومنح الأهالي في الأقاليم والمدن قسطًا متزايدًا من القيام بتنظيم شؤونهم المحلية.
الرابع: نص الأمر العالي الصادر في 31 ديسمبر سنة 1883 السالف الذكر على أن المديرين والمحافظين مسؤولين عن حفظ الأمن وهذا يدعو عقلاً إلى وجوب تمتعهم بإصدار أوامر البوليس.
ملاحظة هامة:
وقبل أن نختتم هذا البحث نلاحظ أن هناك أمرًا جديرًا بالعناية ذلك أن لوائح البوليس تشتمل على عقوبات والمحاكم في مصر جارية على تطبيق العقوبات الواردة بها دون اعتراض وقد انتقد البعض ذلك لأن المادة السادسة من الدستور تنص على أنه (لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون)، ولكن لوائح البوليس ليست قوانين وعلى ذلك فلا يصح أن تشتمل على عقوبات وإلا كانت غير دستورية ويجب على المحاكم رفض تطبيقها.
ويرى أغلب الشراح لا سيما شراح القانون الجنائي كما رأت محكمة الإسكندرية في حكمها الصادر في 18 مارس سنة 1939 سالف الذكر أن تطبيق العقوبات الواردة في لوائح البوليس قانوني لأن المادة (395) من قانون العقوبات نصت (من خالف أحكام اللوائح العمومية أو المحلية الصادرة من جهات الإدارة البلدية أو المحلية يجازى بالعقوبات المقررة في تلك اللوائح بشرط أن لا تزيد عن العقوبات المقررة للمخالفات فإن كانت العقوبات المقررة في اللوائح زائدة عن هذه الحدود وجب حتمًا إنزالها إليها، فإذا كانت اللائحة لا تنص على عقوبة ما يجازى من يخالف أحكامها بدفع غرامة لا تزيد عن خمسة وعشرين قرشًا).
والواضح من أقوال الشراح والمحاكم في هذا الشأن أن البرلمان بإقراره المادة (395) عقوبات قد فوض السلطة التنفيذية في تحديد جرائم ووضع عقوبات لمن يخالف لوائحها بشرط أن لا تزيد عن العقوبات المقررة للمخالفات.
ونحن لا يمكنا الأخذ بهذا التعليل القائم على نظرية التفويض لأن رجال الفقه يكاد ينعقد إجماعهم على رفض هذه النظرية إذ ليس للبرلمان وهو سلطة مؤسسة Pouvoir constitué أن يتنازل للسلطة التنفيذية وهي سلطة مؤسسة مثله pouvoir constituant عن اختصاصه لأنه لا يملك هذا الحق سوى السلطة المؤسسة نفسها أي السلطة التي وضعت الدستور.
على أن بعض الفقهاء الذين يبيحون التفويض لضرورات عملية كدوجي لا يوافقون على إمكان التفويض في وضع العقوبات لأن الدساتير تنص عادةً على أن تقريرها يكون بقوانين أي من اختصاص السلطة التشريعية نفسها.
ولقد كتب القاضي المجتهد الأستاذ محمد بك رشدي مقالاً في مجلة المحاماة عام 1940 عن السلطة اللائحية جاء فيه أن تقرير العقوبات في اللوائح مخالف للمادة السادسة من الدستور، ولذلك اقترح اتباع ما اتبعه الشارع الفرنسي إذ نص قانون العقوبات في المادة (471) على عقوبة معينة لجميع المخالفات التي تحدث من عدم احترام اللوائح التي تصدرها الهيئات المختصة، ولا شك أن هناك فرقًا كبيرًا بين أن تكون العقوبة من وضع السلطة التنفيذية وبين أن تكون من وضع السلطة التشريعية صاحبة الحق وحدها في ذلك [(22)].
ورغمًا عن وجاهة هذا الاعتراض فإننا نرى أن العقوبات المنصوص عنها في اللوائح المختلفة لا تتعارض مع المادة السادسة من الدستور كما يقول الأستاذ رشدي بك والدكتور عبد الحميد متولي وهي في نظرنا دستورية ولا غبار عليها.
على أن دستورية هذه العقوبات لا تستمد من المادة (395) عقوبات كما يرى الفقه الجنائي وأحكام المحاكم لأن معنى ذلك أننا نوافق على نظرية التفويض التي لا تتفق والمبادئ القانونية السليمة لأن البرلمان صاحب وظيفة لا صاحب حق ولا يستطيع أن يتنازل عن وظيفته لغيره.
ونحن نرى أن دستورية هذه العقوبات الواردة في اللوائح مستمدة من المادة السادسة من الدستور أي مستمدة من المادة التي يقولون أن هذه العقوبات متعارضة معها.
ولبيان ذلك نعود إلى المادة السادسة من الدستور في أدوار وضعها بواسطة المشرع التأسيسي، كانت المادة السادسة بحسب نص لجنة الدستور كما يأتي:
(لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لصدور القانون).
ولو أن نص المادة ظل على هذا الوضع لما ترددنا في القول بعدم دستورية العقوبات الواردة في اللوائح جميعًا ولوافقنا فورًا على ما اقترحه الأستاذ رشدي بك من وجوب تعديل المادة (395) عقوبات على النحو الوارد بالمادة (471) عقوبات فرنسي.
ولكن اللجنة الاستشارية التشريعية التي نقحت الدستور بعد لجنة الدستور عدلت هذه المادة على الوضع الآتي:
(لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لصدور القانون الذي ينص عليها).
وواضح من النص الحالي للمادة السادسة أن اللجنة الاستشارية التشريعية استبدلت عبارة (إلا بقانون) بعبارة (إلا بناءً على قانون)، وقد يبدو أن لا أهمية لهذا التعديل ولكن الواقع بخلاف ذلك فقد جاء في تقرير اللجنة المذكورة تفسيرًا لذلك ما يأتي (لا يصح وضع مبدأ يقرر أن لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون ذلك لأن العمل جرى في التشريع على أن يتضمن القانون نفسه تفويضًا إلى السلطة المكلفة بسن لوائح التنفيذ في تحديد الجرائم وتقرير العقوبات فالأصوب إذن أن يقال (إن لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون)، ومن أمثلة ذلك المادة (348) من قانون العقوبات الأهلي).
ومن ذلك يتضح أن المشرع الدستوري نفسه بتعديله المادة قد سمح للبرلمان بأن يفوض السلطة التنفيذية في تحديد الجرائم وتقرير العقوبات في لوائحها، فالمادة (395) عقوبات جديدة (أي 318 عقوبات قديم) أصبحت تستمد دستوريتها من هذا التعديل الذي أدخلته اللجنة الاستشارية التشريعية، وعلى ذلك فالمادة (395) عقوبات لا تكفي وحدها لجعل العقوبات الواردة قانونية لأن هذه المادة نفسها في حاجة إلى ما يثبت دستوريتها لقيامها على نظرية التفويض المخالفة للمبادئ الدستورية.
أما وقد سمح المشرع الدستوري نفسه - لا البرلمان - بهذا التفويض الوارد بالمادة (395) عقوبات فإن العقوبات الواردة بتلك المادة تغدو قانونية وتستمد دستوريتها من المادة السادسة من الدستور، وعلى هذا الوضع فقط يمكن تبرير العقوبات الواردة في اللوائح المختلفة.
وأخيرًا لنا ملاحظة على ما ورد في تقرير اللجنة الاستشارية التشريعية إذ جاء فيه (ذلك لأن العمل جرى في التشريع على أن يتضمن القانون نفسه تفويضًا إلى السلطة المكلفة بسن لوائح التنفيذ في تحديد الجرائم وتقرير العقوبات…)، والواضح من هذه العبارة أن اللجنة نفسها تخلط بين اللوائح التنفيذية واللوائح القائمة بذاتها إذ اعتبرت أن السلطة التي تسن لوائح التنفيذ هي التي تضع في هذه اللوائح العقوبات مع أننا رأينا أن لوائح التنفيذ ليست هي التي تحدد الجرائم وتقرر العقوبات لأنها خاصة بتنفيذ القانون فقط أي صادرة في حدود المادة (37) من الدستور أما اللوائح التي تحدد الجرائم وتقرر العقوبات فهي عادةً لوائح البوليس وهي لا تتصل بأي قانون لأنها قائمة بذاتها كما رأينا، ولعلنا لا نجد في المستقبل مثل هذا الخلط لا في أحكام المحاكم ولا في أقوال رجال الفقه ولا في تقارير اللجان التي تضم أكبر رجال القانون والتي تعتبر سلطة مؤسسة بالنسبة للدستور.
انتهينا الآن من بحث النوعين الأولين من أنواع اللوائح وهما اللوائح التنفيذية ولوائح البوليس المستقلة وفي البحث القادم سنتناول دراسة باقي أنواع اللوائح.

السيد صبري
الأستاذ بكلية الحقوق

[(1)] Duguit Traité de droit constitutionnel طبعة 1928 جزء (5) صـ 209.
[(2)] Van Their: Précis de droit adminstratif de la Belgique طبعة 1937 صـ 26 وما بعدها.
[(3)] Esmein: Le droit Constitutionnal طبعة 1927 جزء (2) صـ 86 وما بعدها.
[(4)] Esmein المرجع السابق جزء (2) صـ 91 وما بعدها.
[(5)] المجموعة الرسمية سنة 1934 حكم رقم (193) صـ 483.
[(6)] المجموعة الرسمية سنة 1937 تحت رقم (79) صـ 220 وراجع في التعليق على هذين الحكمين الدكتور وحيد رأفت القانون الإداري 1938 صـ 591 وما بعدها.
[(7)] الدكتور وحيد رأفت المرجع السابق صـ 600 وما بعدها والحكم المذكور منشور بالمحاماة السنة 14 رقم (98) صـ 189.
[(8)] الدكتور وحيد رأفت المرجع السابق صـ 677، وصـ 586 وما بعدها.
[(9)] المحاماة مايو 1937 صـ 1071.
[(10)] الدكتور وحيد رأفت المرجع السابق صـ 580.
[(11)] Duguit, Taité de droit Constitutionnel جزء 1924 جزء (4) صـ 728.
[(12)] Hauricu: driot administratif طبعة السادسة صـ 298.
[(13)] Moreau: droit administratif صـ 164 وما بعدها.
[(14)] Duguit المرجع السابق جزء (4) صـ 727 وما بعدها.
[(15)] Duguit المرجع السابق جزء (4) صـ 727 وراجع كذلك صـ 611 وما بعدها.
[(16)] Carré de Malberg: Contribution a la théorie générale de l’Etat جزء (1) صـ 652 وما بعدها.
[(17)] Vau Their: Précis droit administratif de la Belgique طبعة 1937 صـ 24 وما بعدها.
[(18)] نفس المرجع طبعة 19378 صـ 27 هامش.
[(19)] الدكتور وحيد رأفت المرجع السابق صـ 607 وما بعدها.
[(20)] الدكتور عبد الحميد متولي القانون الإداري طبعة 1938 صـ 53 و54.
[(21)] المحاماة مارس سنة 1940 العدد السابع من السنة العشرين صـ 956 وما بعدها.
[(22)] المحاماة ديسمبر سنة 1940 العدد الرابع من السنة الحادية والعشرين صـ 53 وما بعدها.

الرجوع على محيل الكمبيالة لسدادها

مجلة المحاماة - العدد الثالث
السنة السابعة - ديسمبر 1926

الرجوع على محيل الكمبيالة لسدادها

إميل توتونجي المحامي

لما كانت المعاملات التجارية تقتضي ضمانًا أكثر من الضمان العادي في المسائل المدنية فقد ارتأى الشارع في المسائل التجارية أن يكون محيل الكمبيالة مسؤولاً عن عدم دفعها في الاستحقاق وضامنًا لسدادها بغير أن ينص عن ذلك صراحةً في تحويله كما هو الأمر في الديون المدنية والتنازل عنها وفقًا للمواد (351)، وما يليها من القانون المدني الأهلي، و(439)، وما يليها من القانون المدني المختلط، و(1693) وما يليها من القانون المدني الفرنسي حيث يجب للاحتفاظ بحق الرجوع على المتنازل أو ضمانه ما تنازل عنه أن يذكر ذلك صراحةً في عقد التنازل وعلى ذلك افترض الشارع في المسائل التجارية ضمان محيل الكمبيالة ضمانًا ضمنيًا لا ضرورة للنص عنه.
على أن الشارع رأى من الجهة الأخرى.
أن لا يمكث المحيل مسؤولاً عن سداد قيمة الكمبيالة مدة طويلة والتجارة تقتضي أمورها الإسراع لكثرة ما يعتورها من تطورات دائمة، فحتّم من الجهة الأخرى على حامل الكمبيالة واجبات ألزمه مراعاتها حتى لا يضيع ماله من حق في الرجوع على محيل الكمبيالة أو محيليها منفردين أو متحدين.
وأول فرض فرضه الشارع على حامل الكمبيالة أن يعرضها عند استحقاقها على ساحبها فإذا امتنع عن دفع قيمتها أن يحتج باحتجاج عدم الدفع (برتستو).
تلك أول خطوة فرضها الشارع على حامل الكمبيالة لاحتفاظه بحقوقه قبل المحيلين.
على أنه لم يشأ بعد ذلك أن يترك حامل الكمبيالة ساحبها وشأنه تتخبط به حال السوق التجارية الكثيرة التغيير ما دام على اعتقاد بحق الرجوع على المحيلين بل حتّم عليه إعلان المحيل أو المحيلين الذين يود الرجوع عليهم بصفة كونهم ضامنين سداد الكمبيالة في الميعاد وذلك ليكونوا على بينة من أمر مدينهم ساحب الكمبيالة وحالته المالية وتوقفه عن السداد ليتخذوا الحيطة لأنفسهم قبل هذا التصرف المعيب منه.
ولكن أيجوز لحامل الكمبيالة أن يترك الوقت يمضي ما شاء ثم يعود على المحيل أو المحيلين ؟ كلا فتلك نظرة أخرى نظر إليها الشارع بعين الروية والإمعان ورأى أن أكثر مهلة يمكن إمهالها لحامل الكمبيالة هي خمسة عشر يومًا يحق له فيها رفع الدعوى ضد المحيل الذي أعلنه باحتجاج عدم الدفع المعلن ضد الساحب الممتنع في الاستحقاق فإن مضت تلك المدة بإهمال هذا الحامل في اتخاذ الإجراءات التي نص عنها الشارع كان من العدل اعتباره مقصرًا في حقوقه وفي عين الوقت عاملاً على الضرر بحقوق أولئك المحيلين الذين ليس من العدل تركهم مدة أطول من تلك تحت خطر ضمان ساحب امتنع عن الدفع وما زال في السوق التجارية العظيمة الحركة والتقلب ذلك ما ارتآه الشارع فيما يجب أن تقام عليه العلاقة بين هؤلاء الثلاثة: الحامل للكمبيالة والمحيل والساحب.
وهي كما ترى علاقات اقتضى فيها الشارع في المسائل التجارية كثيرًا من الاختلاف مع المبادئ المقررة في القانون المدني ولكنه من الناحية الأخرى اقتضى فيها سرعة فائقة لقيام تلك العلاقة قانونًا، أجل فإن في المسائل المدنية لا يكاد يشعر أولو القانون بطول مدة كهذه، خمسة عشر يومًا، ولكنهم على النقيض من ذلك يعلمون طول هذه المدة جيدًا في المسائل التجارية.
ولما كانت المواد التجارية تكاد تكون معدومة الحيز في قضايا المحاكم الأهلية المصرية اللهم إلا في بعض مسائل عادية تجري كل يوم فيمكن القول بأن هذا البحث لم يعرض لها إلا مؤخرًا في قضيتين نظرتا أمام إحدى دوائر محكمة مصر الكلية الأهلية المكونة تحت رئاسة حضرة محمد بك توفيق سري رئيسًا، وبعضوية صاحبي العزة إبراهيم بك عارف، وجمال الدين بك أباظة القاضيين.
وقد أصدرت حكميها بتاريخ 23 يناير سنة 1926 في القضيتين نمره (167) و(1671) سنة 1925 مؤيدة هذا البحث.
وهاتان القضيتان رفعتا من إسكندر جبلي ضد ميشيل لكح مدعى عليه أول الذي حضرنا عنه والفريد جبور مدعى عليه ثانٍ، وموضوع هاتين القضيتين هو:
أن إسكندر جبلي التاجر حولت إليه كمبيالتان كل واحدة منهما بمبلغ 400 جنيه من ميشيل لكح التاجر مسحوبتان من الفريد جبور.
وسارت القضيتان جنبًا إلى جنب واستند ميشيل لكح في دفاعه على أن القانون الواجب تطبيقه هو القانون التجاري بما أن المادة تجارية أي كمبيالات بين تجار وأن ورقة الكمبيالة في حد ذاتها ورقة تجارية، وذلك وفقًا للفقرة السادسة من المادة الثانية من القانون التجاري الأهلي والمختلط والمادة (632) من القانون التجاري الفرنسي.
وحيث إن القانون الواجب تطبيقه هو القانون التجاري فيجب مراعاة ما جاء بالباب العاشر من القسم السادس من قانون التجارة الأهلي فيما اختص بحقوق وواجبات حامل الكمبيالة وهذه الحقوق والواجبات بالنسبة للمحيلين مبينة بالمواد (165) و(167) و(169) من القانون التجاري الأهلي، وهي المواد (172) و(174) و(176) من القانون التجاري المختلط، وهي هي المواد (165) و(167) و(168) من القانون الفرنسي، والمادة (165) من القانون التجاري الأهلي نقول:
(إذا طالب حامل الكمبيالة من حولها إليه وكانت مطالبته له بالانفراد وجب عليه أن يعلن إليه البروتستو المعمول وإن لم يوفِه بقيمة الكمبيالة يكلفه في ظرف الخمسة عشر يومًا التالية لتاريخ البروتستو المذكور بالحضور أمام المحكمة ويزاد على هذا الميعاد مدة المسافة التي بين محل المسحوب عليه ومحل المحيل المذكور).
والمادة (167) من القانون المذكور تقول:
(إذا طالب حامل الكمبيالة جميع المحيلين والساحب معًا كان له بالنسبة لكل واحد منهم الميعاد المبين في المواد السابقة).
والمادة (169) من القانون نفسه تقول:
(يسقط ما لحامل الكمبيالة من الحقوق على المحيلين بمضي المواعيد السالف ذكرها المقررة لتقديم الكمبيالات المستحقة الدفع بمجرد الاطلاع عليها أو بعده بيوم أو أكثر أو شهر أو أكثر ولعمل بروتستو عدم الدفع وللمطالبة بالضمان على وجه الرجوع).
وبتطبيق هذه المواد يجب على حامل الكمبيالة لرجوعه على المحيل أن يقوم بالإجراءات الآتية:
1 - أن يعمل احتجاج عدم الدفع (البروتستو) عند الاستحقاق ضد ساحب الكمبيالة المدين الأصلي.
2 - أن يعلن هذا الاحتجاج للمحيل الذي يريد مطالبته بقيمة الكمبيالة.
3 - أن يكلف هذا المحيل في حالة عدم دفعه بالحضور أمام المحكمة لسماع الحكم عليه بذلك وإعلان الدعوى هذا يجب أن يكون في بحر الخمسة عشر يومًا التالية للبروتستو المعلن لساحب الكمبيالة.
وإلا فيسقط حق حامل الكمبيالة قبل المحيل إذا لم يراعِ هذه الإجراءات وهذه المواعيد وقد أتى ميشيل لكح تدليلاً على ذلك بآراء التشريع الفرنسي الحديث كما وردت بربتوارابرتيك دالوز طبعة 1910 وهي:
أولاً: على حامل الكمبيالة بمقتضى المادة (165) من القانون التجاري (الفرنسي) إعلان البروتستو لكل من الموقعين على الكمبيالة الذين يود السير ضدهم وعند عدم الدفع مطالبتهم في الخمسة عشر يومًا من البروتستو.
(راجع ربرتوار براتيك دالوز الجزء السابع صحيفة 637 رقم 337).
ثانيًا: المدد المبينة في المادة (166) تجاري فرنسي يجب أن تراعي على حدة قبل كل من الموقعين المطالبين في حالة مطالبتهم معًا أو على انفراد.
(راجع ربربرتواربراتيك دالوز الجزء السابع صحيفة 637 رقم 340).
ثالثًا: في حالة تقصير حامل الكمبيالة في اتباع الإجراءات المنصوص عنها في المواد (160)، وما بعدها (تجاري فرنسي) يعتبر مهملاً ويسقط حقه في الرجوع على المحيلين وضمانهم مادة (168) تجاري فرنسي.
(راجع ربرتواربراتيك دالوز الجزء السابع صحيفة 637 رقم 341).
رابعًا: سقوط حق حامل الكمبيالة يمكن الدفع به في أي دور من أدوار القضية حتى في الاستئناف.
(راجع ربرتوار براتيك دالوز الجزء السابع صحيفة 638 رقم 345).
وقد أخذت الدائرة المشار إليها بهذا وحكمت حكميها مؤيدة هذا الرأي.
ولما كان هذان الحكمان يكادان يكونان الأولين في موضوعهما كنا نود أن لو ورد في حيثياتهما ما يشير إلى هذا الموضوع القانوني بشكل أكثر جلاء ولكننا نحسب أن المواد في ذاتها صريحة جلية فاكتفت المحكمة بالإشارة إليها.
ويحسن بنا أن نذكر فيما يلي حيثيات هذين الحكمين وهي:
(وحيث أن المدعى عليه الأول (ميشيل أفندي لكح) دفع بسقوط الدعوى لعدم إعلانه بالبروتستو وعدم الدفع من المدين ورفع الدعوى عليه في الميعاد القانوني.
وحيث أن المدعي أعلن البروتستو للمدعى عليه الثاني (الفريد جبور) في أول أغسطس سنة 1925، ولم يقدم ما يثبت أن المدعي أعلنه للمدعى عليه الأول (ميشيل لكح) في بحر الخمسة عشرة يومًا التالية لتاريخ البروتستو ولم يرفع عليه الدعوى إلا بعد مضي هذا الميعاد وأنه أعلنه بها بتاريخ 25 أغسطس سنة 1925، ومن ثم يكون حق الرجوع على المدعى عليه الأول (ميشيل أفندي لكح) قد سقط عملاً بالمادة (169) تجاري.

بحث في المادة (134) جنايات

ب



مجلة المحاماة - العدد الأول
السنة السابعة - عدد أكتوبر سنة 1926

(1)
بحث
في المادة (134) جنايات

دعاني إلى البحث في هذا الموضوع وجود غموض ظاهري في مدلول المادة (134) من قانون تحقيق الجنايات ووجود تناقض في الوقت ذاته بينها وبين نص المادة (137) من هذا القانون.
وسأتناول في بحثي النقط الآتية:
1 - مأخذ هذه المادة.
2 - النظرية عند من أخذنا عنهم النص.
3 - فساد هذه النظرية في القانون المصري.
4 - التوفيق بين مأخذ النص وروح التشريع عندنا.
5 - حقيقة النص وغرض الشارع المصري منه.
1 - نص المادة (134) ومأخذها:
نصت المادة (134 ق ت جـ) في باب محاكم المخالفات على أن الكاتب يتلو أوراق التحقيق…. إلخ ثم يسأل القاضي المتهم عما إذا كان معترفًا بارتكاب الفعل المسند إليه أم لا (فإن أجاب بالإيجاب يحكم بغير مناقشة ولا مرافعة)، وإن أجاب بالسلب شرح عضو النيابة التهمة ويقدم المدعي بالحقوق المدنية طلباته…. إلخ، وأحالت على هذه المادة في حكمها المادتان (166 ق ت جـ)، و(44) من قانون تشكيل محاكم الجنايات، فمن قول المادة (يسأل القاضي المتهم - فإن اعترف حكم بغير مناقشة ولا مرافعة)، ومن إحالة المادتين (166 ق ت جـ)، و(44 ق ت م جـ) يفهم أن الشارع المصري ربما قصد بالاعتراف أن يجعله دليلاً قانونيًا - فعل هذا ما قصده الشارع المصري حقيقة ؟
أخذ الشارع المصري هذا النص عن الشارع الإنكليزي - فوجب والحالة هذه - البحث في قوة الاعتراف من حيث هو دليل قانوني أو إقناعي عند من استقينا منهم تشريعنا، ثم نقارن ذلك بروح التشريع عندنا وما هو جار عليه العمل في محاكمنا، فإن وافق الفرع أصله فالأمر ظاهر وإن خالفه عالجنا سبب هذا الخلاف بشيء من الإيضاح، وإليك البيان:
2 - نظرية القانون الإنكليزي في هذا الموضوع:
يفترض القانون الإنكليزي أن الدعوى الجنائية نزاع خاص بين مدعٍ ومدعى عليه، وبناءً على ذلك يلزم المدعي بالإثبات - أما أن اعترف المدعى عليه لم يبقَ هناك أمام القضاء إلا إصدار الحكم - فلم يفرق القانون الإنكليزي والحالة هذه بين الدعويين الجنائية والمدنية وكان بناءً على ذلك أنه اعتبر الاعتراف في الدعويين واحدًا وبعبارة أوضح (أنه اعتبر الاعتراف دليلاً قانونيًا في الدعاوى المدنية والجنائية على السواء).

سبب اعتباره الاعتراف دليلاً قانونيًا

إن الاعتراف في القانون الإنكليزي حجة متى صدر عن المتهم اختيارًا وعن رغبة دون رهبة وتوفرت فيه شروطه القانونية، فهو لا يجيز تجزئته ولا العدول عنه بل يشترط أن يؤخذ اعتراف المتهم جميعه ويجيز للمحاكم أن تبني عليه حكمها، وقد وضح ذلك (Hanis) في كتابه مبادئ القانون الجنائي فقال:

(A free & voluntary confession by the defendant before the magistrate, if duly made & satisfactorily proved is sufficient to warrant a conirction without further corroboration.
The whole of the confession must be taken into account, the part favourable to the prisoner as well as that against him [(1)])

من هذا نرى أن اعتراف المتهم أمام التحقيق الابتدائي كافٍ لإدانته من غير افتقار لأي دليل آخر، وكذلك الحال في المحاكمة يقضي القانون الإنكليزي بأن الاعتراف يكفي أساسًا للإدانة، ولم يجعل القانون المذكور الاعتراف حجة في المسائل الجنائية اعتباطًا لأن المبادئ التي أخذ بها الشارع الإنكليزي تقضي بذلك - إذ ما دام القانون الإنكليزي يعتبر الدعوى الجنائية نزاعًا خاصًا بين شخصين أو أكثر فالمنطق يقضي بتمشي القواعد الخاصة بالدعوى المدنية على الدعوى الجنائية - ومن المعلوم أن الدعوى المدنية نزاع خاص بين شخصين أو أكثر - واعتراف المدعى عليه يعتبر دليلاً قانونيًا يلزم القاضي الحكم على مقتضاه - ولا تجوز تجزئته ولا العدول عنه - لهذا لم يتردد الشارع الإنكليزي في تطبيق تلك القواعد على الدعوى الجنائية وكان من جراء ذلك أن اعتبر الاعتراف دليلاً قانونيًا في المسائل الجنائية.
3 - فساد هذه النظرية وعدم موافقتها لمبدأ الشارع المصري:
معلوم عندنا أن القاضي الجنائي له مطلق الحرية في تقدير كل دليل يقدم إليه ما دام أن مهمته تنحصر في الوصول إلى الحقيقة - التي هي بيت القصيد في نظير العدالة - ولا يتسنى له حسن التقدير وجودة الاستنتاج أن قيده الشارع بقيود وأوجب عليه الالتزام بها، لأن التقييد أقل ما فيه أنه يقف بالفكر عن الاستنتاج الصحيح ولا يمكن القاضي من حرية البحث إذ يرى هذا نفسه وقد أصبح ملزمًا بالحكم بناءً على دليل معين.
اعتبر الشارع الإنكليزي كما سبق بينا ذلك أن الدعوى الجنائية نزاع خاص بين شخصين - وكان هذا الاعتبار أساس افتراضه أن الاعتراف دليل قانوني، فهل صحيح أن الدعوى الجنائية نزاع خاص بين شخصين ؟
إذا بحثنا في معنى العقاب وبيان أسبابه رأينا أن ذلك يكون عادةً باسم الهيئة الاجتماعية وللصالح العام، تخشى الهيئة الاجتماعية تكرار الجرائم فتوقع بالمجرم عقوبة من شأنها ردعه وتأمين الناس، وما كان المجرم إلا شخصًا استهان بالرباط الاجتماعي الذي يربطه بباقي أفراد الأمة وخالف القواعد المرعية فيها فأثار بذلك ضد نفسه سخط باقي الأفراد وكراهيتهم له، أفبعد هذا نسلم بأن الدعوى الجنائية نزاع خاص بين شخصين أو أكثر ؟ أن التسليم بذلك معناه أن مشروعية العقاب ومرجعه في المسائل الجنائية تعد حدث لشخص من آخر يريد تعويضًا عنه وبعبارة أوضح مشابهة بالمسائل المدنية في استرداد دائن دينه، وأن مرجع العقاب ومشروعيته في المسائل الجنائية لأبلغ من ذلك وأسمى، وأن مرجعه إلى حقوق الهيئة الاجتماعية ودفع الأذى عنها بعزلها المجرم عن باقي الأفراد مؤبدًا أو مؤقتًا حسب ظروف الأحوال لنصمه بعار يكون حائلاً بينه وبين باقي الأفراد، غريب إذن أن نرى بعض الشرائع تعتبر الدعوى الجنائية ملكًا خاصًا للمدعي والمدعى عليه - وأغرب من ذلك أن نرى الشارع الإنكليزي يقرر ذلك أيضًا وقد كان من محبذي فكرة التمثيل من غير محاكمة بالمجرم الذي يرتكب فعلاً يمجه الجمهور ويستقبحه

(lynching lynch v. i. to judge & punish without the usual forms of law).

وذلك تخفيفًا لتأثير الجمهور وإشفاءً لعاطفة حب الانتقام من قلوب الشعب، الحقيقة أن الشارع الإنكليزي أخطأ في هذا الفرض وكان واجبًا أن يعتبر الدعوى الجنائية ملكًا للهيئة الاجتماعية المهيمنة على الأفراد المعبرة عن شعورهم جميعًا لا ملكًا خاصًا لفردين مدعٍ ومدعى عليه - وأن قياسه تلك الدعوى على الدعوى المدنية لقياس مع الفارق، فالجرم في الأولى وقع على الجميع وتأذى منه الجميع، وبعبارة أخرى قد أصاب الهيئة الاجتماعية أثره، فكان من حقها القصاص من مرتكبه وتوقيع العقاب عليه - عكس الدعوى المدنية فالتعدي فيها لم يقع إلا على حق المدعي أي على حق شخص لم يتعدَ تأثيره غيره.
لهذا نرى أن الأساس الذي بني عليه الشارع الإنكليزي نظريته أساس واهٍ وفاسد كانت نتيجته أن اعتبر الاعتراف دليلاً قانونيًا ومتى كان الأساس خطأ فالفرع لا محالة خطأ كذلك، وإذا عرفنا ذلك وجب أن نقف على ما هو جارٍ عليه العمل في القانون المصري، نعم أخذ الشارع المصري نظريته من القانون الإنكليزي ولكنه خالفه في اعتباره الدعوى العمومية ملكًا خاصًا بين متنازعين وأخذ بالرأي القائل بأنها ملك للهيئة الاجتماعية، ولهذا أعطى القاضي من سلطة البحث والتقدير ما يمكنه من الوصول إلى الحقيقة ولم يقيده بالأخذ بدليل معين وكان بناءً على ذلك أن جعل أمر تقدير الاعتراف موكولاً لعهدته، له أن يأخذ به إن شاء ولو إن شاء أن يرفضه - أي أنه (نظر إلى الاعتراف كدليل إقناعي فقط).
عرف الشارع المصري أن الاعتراف قد يكون الغرض منه مجاملة لقريب أو فخرًا بارتكاب جرم أو عطاء من عظيم أو جعلاً من راشٍ أو خوفًا من سطوة ذي بأس - عرف ذلك كله فلم يتردد في اعتبار الاعتراف دليلاً إقناعيًا ولم يحذو الشارع الإنكليزي في قياسه على المسائل المدنية في ذلك، إذ رأى أن هذه الأخيرة ما هي إلا مصالح شخصية مبنية على اتفاقات من عمل الخصوم، فإذا اعترف أحدهما بدعوى الآخر فالاعتراف دليل قانوني يلزم القاضي بالتمسك به وبناء الحكم على مقتضاه، عكس المسائل الجنائية - فهي مسائل نظامية تملكها الهيئة الاجتماعية دون سواها - وليس من العدل في شيء أن توقع العقوبة على متهم دون أن يرتكب جرمًا وإنما اعترف خوفًا من خطر يحدق به أو رهبة من عظيم أو تحت تأثير عامل ما لهذا أصاب القانون المصري في اعتباره الاعتراف كغيره من الأدلة - دليلاً إقناعيًا - يأخذ به القاضي إن اتضح له صدقه ويتركه إن ظهر له فساده ويجزئه إن رأى أن العدالة تقضي بذلك.
4 - التوفيق بين هذا المبدأ ونص المادة وبين الأخيرة ومأخذها:
إذا قرأنا نص المادة (134 ق ت جـ) - وعرفنا هذا المبدأ الذي قرره الشارع المصري وأيده فيه القضاء لا شك أننا نتساءل عن سبب هذا التناقض وهل خرج الشارع عن مبدئه وهو (أن الاعتراف دليل إقناعي) - إلى التقرير ثانيةً بأنه قانوني حسب نص هذه المادة ؟ أجاب الشراح على ذلك بالسلب وقالوا إن الاعتراف الذي يحصل بناءً على استجواب القاضي للمتهم - هذا الاعتراف - لا يخرج عن كونه دليلاً إقناعيًا وإليك رأي جرانمولان في ذلك [(2)].

(l’aveu judiciaire, qu’il ait êté spontané ou provoqué par un interrogatoire, ne fait pas necéssairement foi contre le prevenu ou l’accusé; il reste soumis, comme toute autre preuve, à l’appreciation du juge qui ne doit suivre que son intime conviction.

ومن هذا يتضح لنا أن الاعتراف دليل إقناعي خاضع لتقدير المحكمة حتى الاعتراف المنصوص عنه في المادة (134 ق ت جـ)، فهو لم يخرج عن كونه دليلاً إقناعيًا، ولم تتردد المحاكم مطلقًا في الأخذ بهذا الاعتبار، ونظرت إليه كأحد الأركان الخاصة بتقدير الوقائع - لا يرتبط القاضي به - ويراقب صحته بواسطة الشهادة وغيرها من الأركان التي بين يديه، إذا عرفنا هذا وعرفنا أيضًا أن مأخذ نص المادة (134) هو القانون الإنكليزي فكيف نوفق إذن بين مأخذ النص وغرض الشارع منه ؟
والجواب على ذلك بسيط، فحقيقة أن الشارع الإنكليزي قصد بالاعتراف جعله دليلاً قانونيًا وهو رأي يتفق مع مبادئه التي جرى عليها ولا شك أن تلك المبادئ تخالف مبادئ التشريع المصري، وإذا صح أن كل نص غامض يجب أن يفسر في ظل باقي النصوص - نرى أن نص المادة (134) لا يستقيم إن هو فُهِم على ظاهره مع مبادئ القانون المصري، إذ روح التشريع عندنا تدل دلالة لا شك فيها على عكس ظاهر النص، فكما سبق أن بينا أن القانون المصري يعتبر الاعتراف دليلاً إقناعيًا وقول المادة (134) - (يحكم القاضي إن اعترف المتهم من غير مناقشة ولا مرافعة) - قول المادة هذا يُفهم منه أن الاعتراف دليل قانوني.
من هذا نجزم بأنه لا بد أن يكون المشرع المصري قد قصد بالمادة شيئًا آخر خلاف الظاهر من نصها، هذا الغرض الذي رضى به الشارع هو ساعة وضع هذه المادة - هو ترتيب الإجراءات فقط - ولم يدر بخلده مطلقًا أن يجعل الاعتراف دليلاً قانونيًا يحكم القاضي بناءً عليه دون مناقشة ولا مرافعة.
قد يقال من جهة أخرى ولكن كيف التوفيق بين النص ومأخذه ؟ والرد بسيط، نعم أن الشارع المصري نقل هذه النظرية أو هذه المادة عن الشارع الإنكليزي، لكن ذلك المبدأ الذي نقلنا عنه لا يلتئم ومبادئنا - لهذا خالفناه، وليس في ذلك أي تناقض، فالمبدأ الإنكليزي، وإن أخذ برمته في القانون المصري إلا أنه قد تغير معناه بتفسيره مع باقي النصوص المصرية فاستوى معها وترك صبغته الأولى فلا غرابة بعد ذلك إذا اعتبرنا الاعتراف دليلاً إقناعيًا رغم مخالفة المأخذ وظاهر النص.
5 - حقيقة النص وغرض الشارع منه:
وإذ قد عرفنا أن النص المصري المادة (134) قد خالف أصله وهو القانون الإنكليزي وتغيرت جنسية الإنكليزية باستوائه مع نصوص القانون المصري يصح أن نخرج بنتيجة لهذه المادة بل لهذا البحث وهي:
إن الشارع المصري لم يقصد بالنص ما قد يُفهم من ظاهره أي أنه يريد أن يجعل الاعتراف دليلاً قانونيًا بل بالعكس من ذلك فإنه يعتبر الاعتراف دليلاً إقناعيًا، وأما النص فالقصد منه (بيان الإجراءات التي يجب أن تتبع في الجلسة فقط)، وبهذا الحل نرى أن النصوص تستقيم وأن التناقض الذي يظهر بين المادتين (134) و(137) ق ت جـ بزول.

عبد المجيد السيد نصر


[(1)] هاري صـ 373 - وقارن ذلك بأرشيوليه صـ 325، 328.
[(2)] جرانمولان جـ 1 صـ 300 ن 494 ق

المراقبة الخاصة

مجلة المحاماة - العدد الثاني
السنة السابعة عشرة - سبتمبر سنة 1936

بحث في المراقبة الخاصة

نصت المادة التاسعة من قانون المتشردين والمشتبه فيهم الصادر في 29 يونيه 1923 على أنه (إذا حدث بعد إنذار البوليس أن حكم مرة أخرى بالإدانة على الشخص المشتبه فيه أو قدم ضده بلاغ جديد على ارتكابه جريمة من الجرائم المنصوص عليها في الفقرتين أولاً وثانيًا من المادة الثانية أو عن شروعه في ارتكاب إحدى تلك الجرائم أو إذا وجد مرة أخرى في الأحوال المنصوص عليها في الفقرة رابعًا من تلك المادة أو إذا كان لدى البوليس من الأسباب الجدية ما يؤيد ظنونه عن أميال المشتبه فيه وأعماله الجنائية يطلب تطبيق المراقبة الخاصة عليه طبقًا لأحكام الباب الثالث).
جرى قضاء محكمة النقض المصرية على أن المراقبة الخاصة المقصودة بهذه المادة هي المراقبة التي يحدد مكانها وزير الداخلية وأصدرت بهذا المعنى أحكامًا في 21 نوفمبر 1929 و26 ديسمبر 1932، و30 مارس 1936 [(1)] وفي الحكم الأخير استعرضت نواحي الموضوع وتناولته بالبحث حتى خرجت إلى تلك النتيجة وهى تقول في سياق الحكم (من حيث إن عبارة (المراقبة الخاصة) الواردة في المادة التاسعة من قانون المتشردين والمشتبه فيهم قد أثارت كثيرًا من اللبس فيما يتعلق بمدلولها وذلك لانفراد المادة التاسعة بذكرها دون سائر مواد ذلك القانون ولما يشوبها من غموض لم يساعد على جلاء الباب الثالث من القانون الذي أحالت عليه المادة التاسعة في ختامها بما قد يفيد أن ذلك الباب قد تكفل بتوضيح معنى المراقبة الخاصة وتحديد مدلولها على حين أن أحكام هذا الباب جاءت خلوًا من كل ما يمكن أن يساعد على جلاء غامضة لكن محكمة النقض قد استقر رأيها على تفسير هذه العبارات بأنها يراد بها ما أرادته المادة السادسة من القانون في فقرتها الرابعة أي المراقبة التي يوضع فيها الشخص المراقب في جهة يعينها وزير الداخلية ويكون الغرض من وصف هذه المراقبة بكلمة الخاصة هو تمييزها عن المراقبة العادية التي يترك فيها للمحكوم عليه اختيار الجهة التي ينوي الإقامة فيها مدة المراقبة)، ثم استطردت إلى القول بأن المراقبة مفروضة في هذه المادة كعقوبة أصلية أسوةً بالحالة المنصوص عليها في الفقرة الرابعة من المادة السادسة بالنسبة للمتشردين وذكرت (أنه لوحظ أن المشرع المصري في جميع أدوار تشريعاته المختلفة الخاصة بالمتشردين والمشتبه فيهم كان كلما اختار أن يقضي بالمراقبة كعقوبة أصلية تخير لذلك المراقبة التي يقضيها المحكوم عليه في جهة تعينها له الحكومة وأنه لم ينص مطلقًا على المراقبة العادية كعقوبة أصلية) تراجع الفقرة الثانية من المادة الثانية من الأمر العالي الصادر في 13 يوليه سنة 1891 المعدل بالأمر العالي الصادر في 13 فبراير سنة 1894 وكذا الفقرة الثالثة من المادة الرابعة من الأمر المذكور تعين القول بأن المراقبة المنصوص عليها في المادة التاسعة من القانون رقم (24) سنة 1923 كعقوبة أصلية لا يمكن أن تكون إلا من نوع المراقبة التي تختار الحكومة فيها للمحكوم عليه جهة خاصة يقضي فيها هذه المراقبة ومن أجل ذلك عبر عنها القانون في المادة المذكورة بالمراقبة الخاصة وأن الشك الذي قام حول المعنى المراد بهذه العبارة إنما كان منشأه أن القانون اختار للتعبير عن هذا المعنى بعينه في نصوص أخرى منه عبارات أوضح دلالة من العبارة التي تخيرها في المادة التاسعة.
وأضافت محكمة النقض إلى الحجتين السابقتين حجة ثالثة حيث قالت:
(ومن حيث إن لاختيار المراقبة الخاصة كعقوبة أصلية دون المراقبة العادية حكمة ظاهرة لأنها تؤدي غرضين في آنٍ واحد ففيها معنى اعتقال الشخص وإبعاد عن مسكنه وذويه وهو المعنى المستفاد من الحبس كما أن فيها معنى وضع المحكوم عليه تحت ملاحظة البوليس ففي الحكم بالمراقبة الخاصة الغناء عن الحكم بالحبس كعقوبة أصلية ثم الحكم بالمراقبة كعقوبة تكميلية لذلك كان من المعقول أن يقضي بها باعتبارها عقوبة أصلية أما المراقبة العادية فلا غناء فيها عن العقوبة الأصلية).
وقد أثار هذا الموضوع الجدل الكبير بين المحاكم حتى أن بعضها رفض الأحد برأي محكمة النقض في حكميها الصادرين قبل الحكم الأخير وذلك رغم منشور من لجنة المراقبة القضائية بلفت نظر المحاكم إلى ضرورة العمل برأي محكمة النقض وليس من شك في أن الموضوع غامض ويثير كثيرًا من الشبهات وجدير بأن يطرح المشتغلون بالقضاء آراءهم لتمحصها محكمة النقض ولكي يسترشدوا بوفير حكمتها وعظيم خبرتها - وما حدا بي للكتابة في هذا الموضوع إلا رغبة ملحقة في الوصول إلى الحقيقة وإن كنت أعلم أن الحقيقة القانونية ليست كالحسابية قابلة للتحديد النافي لكل تجهيل.
فأما عن التفسير اللفظي لعبارة (الخاصة) التي حددت بها المراقبة فأميل إلى القول بأنه قصد بها المراقبة التي هي من نوع خاص لأنها ليست عقوبة تبعية كعهد الشارع بها وإنما هي عقوبة أصلية والشارع في قانون العقوبات الصادر سنة 1904 لا يعرف المراقبة إلا كعقوبة تبعية وقد نصت المادة (28) من قانون العقوبات على الحالات التي يجب فيها وضع المحكوم عليه تحت المراقبة بعد قضائه العقوبة الأصلية التي حكم عليه بها كما نصت المادة (24) في الفقرة الثالثة منها على اعتبار مراقبة البوليس من العقوبات التبعية أي العقوبات التي لا يحكم بها مستقلة وإنما يحكم بها تبعًا لعقوبة أصلية ترتبط بها.
فلمت جاء المشروع سنة 1923 وجمع شتات القوانين واللوائح المعمول بها خاصةً بالمتشردين والمشتبه فيهم وكانت موزعة قبل ذلك في الأمر العالي الصادر في 13 يوليه سنة 1891، و13 فبراير سنة 1894، و29 يونيه سنة 1900 والقوانين نمرة (15)، ونمرة (16)، ونمرة (17) لسنة 1909 أدمج هذه الأحكام الواردة في تلك القوانين ونظمها وجعلها متفقة نوعًا مع روح التشريع حينذاك وخرج منها بالقانون نمرة (24)، واستبقى من بين أحكام هذا القانون عقوبة المراقبة كعقوبة أصلية ينص عليها في بعض الحالات وبديهي أنها وإن سميت مراقبة إلا أنها مخالفة تمام المخالفة للمراقبة التي يعرفها القانون العام تلك المراقبة التي يجب أن تكون تبعية وهذا هو المعنى حسب اعتقادي الذي قصده الشارع.
ولو أن الشارع قصد بالمراقبة الخاصة المراقبة التي يحدد مكانها وزير الداخلية لنص على ذلك صراحةً كما سبق أن نص عليه في الفقرة الرابعة من المادة السادسة وهى سابقة للمادة التاسعة وليس من سبب يدعوه إلى التصريح بها أو بحكمها في المادة السادسة ثم هو بعد ذلك في المادة التاسعة يتركها مجهلة كما أنه ليس من سبب يدعو إلى هذا التفسير الذي لا يحتمه اللفظ من جهة ولا يتفق مع بقية نصوص القانون من جهة أخرى ولا مع سوابقه التشريعية وهذا ما يتعين معه بحث الحجة التاريخية التي لجأت إليها محكمة النقض لتعزيز رأيها فإذا رجعنا إلى الأمر العالي الصادر لسنة 1891 وجدنا أنه يتكلم في الباب الأول منه عن المتشردين، وينص في المادة الثانية على عقوبة التشرد بالحبسي من 15 يومًا إلى 45 يومًا عقب الإنذار ويضيف إلى ذلك ملاحظة البوليس لمدة قدرها من ستة شهور إلى سنة واحدة ويسوغ للقاضي أن يستبدل هاتين العقوبتين بالإبعاد في جهة تعينها الحكومة داخل القطر لمدة سنة واحدة هذا فيما يختص بالمتشردين أما الباب الثاني من الأمر العالي المذكور فيتكلم عن الأشخاص المشتبه في أحوالهم ويحيل العقوبة التي توقع عليهم إلى العقوبة التي توقع على المتشردين في بعض الحالات ويتكلم في الباب الثالث عن تنظيم أمر ملاحظة البوليس فيما يختص بالمحكوم عليهم بها وبجهة البوليس التي تباشرها.
وقد أضاف الشارع بالأمر العالي الصادر سنة 1894 حكمًا خاصًا بالأشخاص المشتبه فيهم الذين مع كونهم أقوياء البنية لا يمارسون في العادي حرفة مقررة ثم في 29 يونيه سنة 1900 أصدر دكريتو بتعديل بعض مواد من قانون العقوبات خاصةً بملاحظة البوليس وذكر في ديباجة الدكريتو أن الغرض منه تجديد مدة الملاحظة وحصر الأحوال التي يحكم فيها بهذا العقاب في دائرة لا تتعدى الحدود اللازمة رعايةً للصالح العام وفي نفس هذا الدكريتو عدل الطريقة المتبعة في ملاحظة البوليس وذلك (لضرورة تعديل طريقة هذه الملاحظة يجعل أحكامها قاصرة على ما لا يقيد حرية الإنسان إلا فيما يكون لازمًا حتمًا وكافلاً للأمن العام وفي هذا السبيل ألغي عدة مواد من الأمر الصادر في 13 يوليه سنة 1891 وهى المواد من (9) إلى (16)).
وفي سنة 1909 صدر القانون نمرة (15) الخاص بوضع بعض الأشخاص تحت ملاحظة البوليس وأنشئت لجنة خاصة للفصل في الأشخاص الذين اشتهر عنهم الاعتياد على الاعتداء على النفس والمال فذكر في المادة الأولى أنه يجوز وضعهم تحت مراقبة البوليس وحددت الملاحظة بالمادة السادسة يجعلها في محل إقامة المتهم ثم نظمت إجراءات خاصة لضمان شخص يجوز أن يقدمه المتهم لضمان حسن سيره مستقبلاً ونص في المادة الحادية عشرة على أنه إذا عجز المحكوم عليه عن تقديم الضمان أو قدم ضمانًا لم يقبل أو قبل ثم أخلى من الضمان ولم يستبدل في الميعاد المحدد في المادة التاسعة فيحدد له محل إقامة في جهة من القطر يعينها وزير الداخلية لتمضية مدة الملاحظة فيها - كذلك نص في المادة الثانية عشرة على أنه إذا حكم على الشخص الموضوع تحت المراقبة لارتكابه جناية ما أو جنحة سرقة أو شروع في سرقة إلخ يعين له بعد انتهاء مدة العقوبة محل إقامته بالجهة بادية الذكر، وفي القانون نمرة (16) عدلت بعض مواد الأمر العالي الصادر سنة 1900 كما أنه في قانون نمرة (17) نظمت أحكام المتشردين في ثلاث مواد وألغيت الأوامر الصادرة في سنة 1891 وسنة 1894 وسنة 1906 وقد ورد في المادة الثالثة من هذا القانون بأنه في حالة العود للتشرد يجوز للجنة أن تصدر قرارًا بتمضية المحكوم عليه مدة الملاحظة في جهة معينة طبقًا للمادة (11) من قانون سنة 1909.
نخرج من هذا الاستعراض التاريخي إلى أنه في جميع الحالات وحينما أراد الشارع النص على أن تكون المراقبة في جهة خاصة ذكر ذلك صراحةً بل إنه في بعض الأحيان عبر عنها بلفظة الأبعاد كما سبق بيانه ولم يستبقِ حكم هذه المراقبة إلا للمتشردين العائدين أما بخصوص المشبوهين فلم يستبقها إلا في حالة الضمان الشخصي كما سبق بيانه، وفي حالة أخرى هي خليط من المراقبة التبعية والمراقبة الأصلية وهى الحالة المنصوص عنها في المادة الثانية عشرة من القانون نمرة (5) لسنة 1909 إذا حكم على الشخص الموضوع تحت المراقبة أصلاً أو لارتكابه جناية أو جنحة خاصة نص عليها في تلك المادة فقد ذكر أنه بعد انتهاء مدة العقوبة يعين له محل إقامة في جهة يعينها وزير الداخلية وتقرر له اللجنة مدة الملاحظة فيها.
جاء بعد ذلك الشارع في القانون رقم (24) لسنة 1923 فأراد أن يضمنه جميع الأحكام الخاصة بالمتشردين والأشخاص المشتبه فيهم فحدد حالات التشرد وحالات الاشتباه ونظم الإجراءات التي تتخذ في حق المتشردين أو المشتبه في أمرهم واستلزم الإنذار في الحالتين ثم تكلم على مراقبة البوليس واستبقى في العقوبة الخاصة بالمتشردين عقوبة المراقبة في جهة خاصة، وفيما يختص بالمشبوهين ألغى حالة الضمان الشخصي فسقطت تبعًا لذلك عقوبة إبعاد المشتبه فيهم إلى مكان خاص ولم يحدد للمشتبه فيهم إلا عقوبة المراقبة بدون ذكر مكانها.
فمن العسير بعد ذلك القول بأن الشارع يقصد بصفة عامة أن تكون المراقبة في مكان يحدده وزير الداخلية هذا الشارع الذي حرص في جميع الحالات على النص صراحةً على هذا الحكم عند وجود مقتضياته والذي اتجه في سنة 1891 إلى (أن يجعل تقييد حرية الإنسان قاصرًا على ما يكون لازمًا حتمًا وكافلاً للأمن العام)، فلا يمكن بعد ذلك أن يقال إنه قصد عقوبة خاصة لم ينص عليها صراحةً وإذن فالشارع لا يقضي بالمراقبة كعقوبة أصلية في الجهة التي تعينها الحكومة للمحكوم عليه فقط بل قد تكون المراقبة كما في الحالة المنوه عنها آنفًا - حالة المادة (12) قانون نمرة (15) سنة 1909 - عقوبة تبعية ومع ذلك تكون في المكان الذي تحدده الحكومة وإذا أرادت محكمة النقض أن ندلها على حالة تكون فيها المراقبة عقوبة أصلية ولكن لا يحدد مكانها وزير الداخلية فهذه الحالة هي المنصوص عنها في المادتين الأولى والسادسة من قانون رقم (15) سنة 1909 إذ ذكر أنه إذا ثبت للجنة أن المتهم من ضمن الأشخاص الذين اشتهر عنهم الاعتداء على النفس أو المال تقرر بوضعه تحت الملاحظة لمدة خمس سنوات في محل إقامته لا في المكان الذي يحدده وزير الداخلية ولهذا تسقط الحجة التاريخية التي اعتمدتها محكمة النقض.
وهل أدل على نية الشارع واتجاهه هذا من أنه في المادة الرابعة عشرة من قانون رقم (24) سنة 1923 ذكر بأن المحكوم عليه تحت مراقبة البوليس باعتبار مشتبهًا فيه أو متشردًا يجب أن يتقدم في ظرف 24 ساعة لمكتب البوليس ليحدد مكان إقامته فلو كان جميع الأشخاص المشتبه في أمرهم يراقبون في مكان خاص لما كانت هناك فائدة من هذا النص ولذلك نرى محكمة النقض تواجه هذه الحجة بالاعتراض عليها بأنها تشمل أيضًا حالة المتشردين العائدين قائلة في هذا الصدد (إنه لو أخذ بعموم نص المادة لوجب أن يترك لجميع من يحكم عليهم بالمراقبة للتشرد حق اختيار الجهة التي ينوون اتخاذها محلاً لإقامتهم وهو أمر ظاهر بطلانه) وبديهي أن القياس بين حالة المتشردين وحالة المشتبه فيهم قياس مع الفارق لأن حالة المتشردين العائدين منصوص عنها في صلب القانون فليس من سبيل إلى تشبيهها بحالة المشبوهين، ومتى كان الحق ممنوحًا للمشبوهين لتحديد محل مراقبتهم فيجب ألا يحرموا منه إلا بنص صريح خاص كما هو شأن المتشردين وكما كان دأب الشارع في التنويه به في جميع أدوار التشريعات التي صدرت بهذا الخصوص.
وهذا ما يجعلنا نعتقد بضرورة تدخل المشرع عاجلاً للحسم في هذا النزاع بنصوص جلية صريحة لا يحوطها اللبس والغموض وإلى أن يأتي ذلك الوقت فعسى أن تعدل محكمة النقض عن رأيها تحت ضوء الحجج التاريخية التي سقناها فيما سلف به القول وقد سبق أن غيرت قضاءها في مسائل هامة لا تخفي على المشتغلين بالقضاء.

محمد مختار عبد الله
وكيل نيابة الإسكندرية الكلية الأهلية

هل يقطع الحكم الصادر بوقف تنفيذ العقوبة المدة اللازمة لرد الاعتبار بقوة القانون

مجلة المحاماة - العدد الخامس
السنة الرابعة والثلاثون1954

بحث
هل يقطع الحكم الصادر بوقف تنفيذ العقوبة الذي انقضت فترة تجربته، المدة اللازمة لرد الاعتبار بقوة القانون
طبقًا للمادة (550) من قانون الإجراءات
للسيد الأستاذ محمد عبد العزيز فهمي مفتش قضائي النيابات

تمهيد:
صدر حكم على شخص بالحبس شهر لسرقة في سنة 1940، ثم صدر عليه حكم آخر بالحبس شهر مع وقف التنفيذ في سنة 1949 فهل يرد إليه اعتباره بقوة القانون في سنة 1953 بعد انقضاء فترة التجربة وهي ثلاث سنوات، وبعد انقضاء اثني عشر عامًا على الحكم موضوع رد الاعتبار.
أم أن الحكم الثاني، رغم مضي فترة تجربته يقطع مدة رد الاعتبار القانوني، وبالتالي لا يرد اعتباره إليه عملاً بظاهر نص المادة (550) من قانون الإجراءات والتي تستلزم أن لا يصدر على المحكوم عليه خلال المدة المقررة لرد الاعتبار حكم بعقوبة جناية أو جنحة، وهو الرأي الذي تجري عليه إدارة تحقيق الشخصية فيما يتعلق بسحب صحف السوابق.
وسنعرض في هذا البحث لبيان وجه الخطأ في هذا الرأي الأخير.
يجب أن يكون مفهومًا بادئ ذي بدء أن رد الاعتبار بقوة القانون يتعدد، بمعنى أنه يجوز أن يرد اعتبار الشخص بقوة القانون أكثر من مرة بعكس رد الاعتبار القضائي (المادة 547 من قانون الإجراءات الجنائية) كما أن تفهم الآثار القانونية التي تترتب على انقضاء فترة التجربة على الحكم الموقوف تنفيذه أمر لازم لمعرفة المقصود بالحكم القاطع للمدة في معنى المادة (550) من قانون الإجراءات.
أثر مضي فترة التجربة على الحكم الموقوف تنفيذه:
نصت المادة (59) من قانون العقوبات على أنه إذا انقضت مدة الإيقاف ولم يكن صدر خلالها حكم بإلغائه، فلا يمكن تنفيذ العقوبة المحكوم بها ويعتبر الحكم بها كأن لم يكن No Avenue والإجماع فقهًا وقضاءً في مصر وفرنسا، على أن انقضاء فترة التجربة يعتبر بمثابة رد اعتبار بقوة القانون، فيزول كل ما يترتب على الحكم من وجوه انعدام الأهلية والحرمان من الحقوق سواء في ذلك ما كان مقررًا في قانون العقوبات، وما نص عليه في قوانين خاصة فلا يعتبر الحكم سابقة في العود ولا يذكر في الشهادات التي تصدر من قلم السوابق.
فيقول جارو (طبعة 14 مختصر صـ 581).
إن مضي فترة التجربة يمحو الحكم،

(Effacer la condamnation elle - meme qui sera dèsormais comme non avenue,… produit ainsi les effets d’une rèhabilitation de plein droit).

وبهذا المعنى داللوز تحت كلمة Reh بند (72)….
يعتبر ولا شك رد اعتبار بقوة القانون،

(comme non avenue cette formule implique à n’en pas douter, une réhabilitation de plein droit.)

وجاء في مجموعة الأحكام (Juris Classeur) بند (120)
إن الحكم يُمحى أو يُفنى ويزول،

…il résulte que celle - ci est anéantie de sorte qu elle ne peut plus servir de premier terme pour la récidive ni compter dans la calcul en vue de la relégation, et que si le réhabilité commet par la suite une nouvelle infraction il peut, pour celle - ci bénéficier du sursis.

وبهذا المعنى (دوندييه دي فابر المطول طبعة ثالثة سنة 1947) صـ 562 بند (998) وصـ 529 بند (931).
وفي نهاية مدة التجربة يرد إلى المحكوم عليه اعتباره بقوة القانون دون حاجة إلى أية إجراءات قضائية، فالحكم يُمحى ويعتبر كأن لم يكن non avenue.
كما يراجع رو Roux في القانون الجنائي طبعة ثانية جزء (1) صـ 503.
ويقول الدكتور القللي، إن الحكم يعتبر فيما يتعلق بالمستقبل لا وجود له (القسم العام طبعة 938 صـ 434).
وبهذا المعنى الدكتور السعيد، كتاب الأحكام العامة طبعة سنة 952 صـ 715.
والعالمان علي بدوي وشبرون (… يُمحى الحكم، ليس فقط بالنسبة للماضي، بل يكون بمثابة رد اعتبار قانوني بالنسبة للمستقبل فلا يذكر الحكم في الشهادات التي تصدر من قلم السوابق).
تعليقات على المادة (59) عقوبات طبعة سنة 1939 صـ 286.
ويقول بذلك أيضًا فيدال ومانيول (طبعة تاسعة سنة 1947 صـ 851 بند (602) مكررًا).
وبديهي أن هذا الأثر لا يترتب إلا بالنسبة للعقوبة الموقوف تنفيذها، فإذا اقتصر الحكم على وقف تنفيذ عقوبة الحبس دون الغرامة فإن الحكم فيما يتعلق بالغرامة تظل آثاره قائمة رغم مضي فترة التجربة، وكذلك لا يؤثر انقضاء فترة التجربة على ما للغير من الحقوق بمقتضى الحكم كالتعويضات والرد والمصاريف.
وإذن فالحكم الموقوف تنفيذه، الذي انقضت فترة تجربته لا ينتج آثارًا بالنسبة للمستقبل، فلا يحتسب في العود ويعتبر المحكوم عليه بالنسبة للمستقبل وكأنه لم يرتكب جرمًا، وإذا ما ارتكب جريمة في المستقبل يعتبر أنه أجرم لأول مرة - فيمكنه أن يستفيد من أحكام وقف التنفيذ مرة أخرى (حيث لا يجوز في فرنسا وقف التنفيذ بالنسبة لمن سبق الحكم عليه بالحبس في جناية أو جنحة) دون أن يؤثر عليه الحكم السابق الذي اعتبر كأن لم يكن بانقضاء فترة التجربة.
دوندييه دي فابر المرجع السابق صـ 529 بند (931)

Le bénéficiaire est considéré à nouveau comme un délinquant primaire.

وإذن فالإجماع فقهًا وقضاءً في فرنسا ومصر منعقد على أن انقضاء فترة التجربة على الحكم الموقوف تنفيذه يعتبر رد اعتبار بقوة القانون، كما صرحت بذلك المذكرة الإيضاحية للقانون رقم (435) سنة 1953 المعدل للمادة (56) عقوبات والذي خفض مدة التجربة إلى ثلاث سنوات.
ورد الاعتبار كما هو معروف، يمحو الحكم القاضي بالإدانة بالنسبة للمستقبل ويزول كل ما يترتب عليه من انعدام الأهلية والحرمان من الحقوق وسائر الآثار الجنائية (المادة 552 من قانون الإجراءات الجنائية).
وإجماع الشراح أيضًا على أن الحكم (بعد انقضاء فترة التجربة) لا يترتب عليه أي أثر جنائي ولا يظهر في صحف السوابق التي تعطى للأفراد ولا يحتسب في العود ولا يعتد به في فرنسا في حالة تعدد العقوبات بالنسبة للأبعاد relégation ولا يمنع في فرنسا من وقف التنفيذ مرة أخرى (فيدال ومانيول المرجع السابق صـ 851 بند (602) مكررًا وصـ 848 بند (602)).
ففي فرنسا يشترط للحكم بوقف تنفيذ العقوبة أن لا يكون قد سبق الحكم على المحكوم عليه بالحبس أو بعقوبة أشد في جناية أو جنحة ومع ذلك فإن المحكوم عليه بالحبس مع وقف التنفيذ الذي انقضت فترة تجربته يستفيد من أحكام وقف التنفيذ مرة أخرى، لأن الأصل أن لا تحتسب الأحكام التي مُحيت أو زالت بالعفو الشامل أو برد الاعتبار.

..On ne tient pas compte non plus de condamnations affacées par I, amnistie ou réhabilitation

(فيدال ومانيول المرجع السابق صـ 737 بند 528 - 1) وصـ 851 بند (602) مكررًا حيث يقول:
(إن الأحكام التي مُحيت بمضي فترة التجربة أو برد الاعتبار القانوني لا تنتج أي أثر فلا يمكن أن تظهر في صحيفة السوابق رقم 3 التي تعطى للأفراد.

.. elles ne produisent aucun effet aucune incapacité quelle que soit la condui te ultérieure bu condamné.

وقد استقر قضاء محكمة النقض على هذا الرأي.
فقضت بتاريخ 5/ 2/ 1934 في الطعن رقم (55) سنة 4 قضائية:
(بأن الحكم الموقوف تنفيذه الذي انقضت فترة تجربته يعتبر كأن لم يكن، والمتفق عليه أن هذا يعتبر بمثابة رد اعتبار بقوة القانون لا يحتاج الشخص بعده إلى طلب رد اعتباره إليه، شأنه في ذلك شأن من لم يحكم عليه أصلاً، وكذلك لا يعتبر الحكم المذكور سابقة في العود ولا يذكر في الشهادات التي تصدر من قلم السوابق).
وقضت بتاريخ 22/ 6/ 1942 في الطعن (1467) سنة 12 قضائية:
(بأنه بمجرد مضي المدة القانونية المعلق تنفيذها، مع عدم وقوع جريمة من المحكوم عليه يعتبر الحكم بقوة القانون كأن لم يكن، كما هي الحال تمامًا في رد الاعتبار، ولكن إذا طلب المحكوم عليه رد اعتباره بالنسبة لحكم صادر عليه بعقوبة واجب تنفيذها مع وجود أحكام أخرى صادرة عليه بوقف التنفيذ لا تزال قائمة لعدم انقضاء مدة التجربة فإنه لا تصح إجابته إلى طلبه ولو كان جميع الشروط التي يتطلبها قانون إعادة الاعتبار متوافرة بالنسبة للحكم الذي هو موضوع الطلب بل يجب في هذه الحالة الانتظار حتى تمضي تلك المدة فعندئذٍ تعتبر الأحكام الصادرة بوقف التنفيذ كأنها لم تكن ولا يبقى سوى الحكم المطلوب رد الاعتبار عنه ويصح إذن قبول الطلب.
وإذن فالإجماع فقهًا وقضاءً في مصر وفرنسا منعقد على أن المشرع حينما يرتب أثرًا على تعدد الأحكام إنما يعتد بالأحكام القائمة فعلاً ولا ينظر إلى الأحكام التي مُحيت برد الاعتبار أو بمضي فترة التجربة على الحكم الموقوف تنفيذه والتي اعتبرت كأن لم تكن لأنها بحكم القانون لا تنتج أي أثر جنائي كما قدمنا.
وقد قضت المحاكم الفرنسية بأن الحكم الموقوف تنفيذه الذي انقضت فترة تجربته لا يقطع المدة اللازمة لرد الاعتبار بقوة القانون.
(محكمة جرينويل في 19/ 6/ 1908).

L’individu qui après avoir subi une peine d’empri sonnement d’un mois a été condamné une seconde fois avec sursis est réhabilité de plein droit au bout de dix ans s’il a satisfait aux conditions prescrites par la loi pour que cette condamnation soit réputée non avenue.

والحكم المنشور بداللوز تحت كلمة Reh بند (78).
وإذن فالمادة (550) من قانون الإجراءات إذ تشترط أن لا يكون قد صدر حكم خلال المدة - إنما تفترض بداهةً في ذلك الحكم أن يكون قائمًا منتجًا لآثاره الجنائية، أما الحكم الذي مُحي برد الاعتبار أو بانقضاء فترة التجربة واعتبر بذلك كأن لم يكن بالنسبة للمستقبل، فلا ينتج أثرًا ولا يعتبر بالتالي قاطعًا لمدة رد الاعتبار بقوة القانون لأن الأحكام التي مُحيت برد الاعتبار لا يعتد بها ولا تنتج أثرًا (فيدال ومانيول المرجع السابق صـ 737 بند 528 - 1).
وإذن يكون من الخطأ الظاهر أن يعتبر الحكم الموقوف تنفيذه الذي انقضت فترة تجربته، قاطعًا لمدة رد الاعتبار بقوة القانون، لأن القول بذلك معناه إننا رتبنا للحكم المذكور أثرًا قانونيًا بالنسبة للمستقبل، وهو بإجماع الفقه والقضاء في فرنسا ومصر غير جائز بل وفيه مخالفة صارخة لنص المادتين (59) عقوبات و(552) إجراءات وهذا الرأي المخالف سوف لا يقطع مدة رد الاعتبار القانوني فحسب، بل سيؤدي إلى نتيجة حتمية غاية في الغرابة وهي أن الحكم الصادر في سنة 1940 في المثال الذي قدمناه في صدر البحث سيظل قائمًا ويعتبر سابقة في العود إذا ما توافرت شروط المادة (51) عقوبات، لأنه طبقًا للرأي المخالف يظل الحكم الصادر في سنة 1940 قائمًا لأن حكم سنة 1949 قد قطع مدة رد الاعتبار القانوني رغم انقضاء فترة تجربته واعتباره كأن لم يكن.
وتستند إدارة تحقيق الشخصية في تمسكها بالرأي المخالف للقانون إلى قرار صادر من وزير العدل بتاريخ 4/ 5/ 1931، وهذا القرار صدر لتنظيم سحب صحف السوابق بمناسبة صدور القانون رقم (41) سنة 1931، بشأن إعادة الاعتبار القضائي، ويقضي القرار بأن لا يشار في صحف السوابق التي تعطى للأفراد إلى الحكم الذي محاه رد الاعتبار أو الذي أوقف تنفيذه وانقضت فترة تجربته بشرط أن لا يصدر حكم آخر بعقوبة بعد ذلك فإذا صدر أشير في صحيفة السوابق إلى الأحكام السابقة واللاحقة.
ونرى أن هذا القرار كان متمشيًا مع أحكام القانون القائم وقت صدوره حيث لم يكن من الجائز أن يوقف تنفيذ الحكم أكثر من مرة (مادة 53 عقوبات قديم) كما أنه من غير الجائز رد الاعتبار القضائي أكثر من مرة فكان من الضروري أن يشار في صحيفة السوابق إلى الحكم السابق الموقوف تنفيذه والذي انقضت فترة تجربته وإلى الحكم اللاحق حتى لا يتمتع الشخص بأحكام وقف التنفيذ أكثر من مرة، أما الآن، وبعد أن تعدل القانون في سنة 1937 فأصبح من الجائز وقف التنفيذ أكثر من مرة، كما استحدثت في سنة 1951 أحكام رد الاعتبار القانوني، فإن القرار الوزاري سالف الذكر يصبح بالنسبة للأحكام الموقوف تنفيذها مخالفًا للقانون ومتعارضًا مع الأثر القانوني لمضي فترة التجربة ومخالفًا مخالفة ظاهرة لأحكام المادتين (59) عقوبات (552) من قانون الإجراءات الجنائية.
ويرى العالمان علي بدوي وشيرون أن الحكم الموقوف تنفيذه بعد انقضاء فترة تجربته لا ينتج أي أثر قانوني فيجب أن لا يشار إليه في صحيفة السوابق ولو تعددت الأحكام ولذلك فهما ينتقدان قرار وزير العدل سالف الذكر (المرجع السابق صـ 286 بند 4) ويقولان إن هذا القرار كان متمشيًا مع نص المادة (53) عقوبات قديم حيث لم يكن من الجائز وقف التنفيذ أكثر من مرة، أما الآن فقد أصبح وقف التنفيذ أكثر من مرة جائزًا قانونًا (علي بدوي التعليقات المرجع السابق صـ 341 بند 11).
ويجب إذن تعديل هذا القرار بحيث يصبح قاصرًا على أحكام رد الاعتبار القضائي والذي لا يجوز منحه أكثر من مرة، ونرى أن القرار الوزاري أصبح منسوخًا بالأحكام المستحدثة من قانون العقوبات الصادر سنة 1937 بالنسبة لوقف تنفيذ العقوبة وبأحكام رد الاعتبار القانوني التي استحدثها قانون الإجراءات الجنائية.
فلا يجوز إذن لإدارة تحقيق الشخصية أن تثبت الأحكام الموقوف تنفيذها والتي انقضت فترة تجربتها في صحف السوابق التي تعطى للأفراد ولو تعددت وللأفراد أن يجبروها على إصدار صحف السوابق خالية بالالتجاء إلى القضاء إذا ما أصرت على التمسك بأحكام القرار الوزاري الذي غدا مخالفًا للقانون ومنسوخًا بأحكامه.
أما بالنسبة للصحف التي تُستخرج بناءً على طلب النيابة والقضاء فليس للأفراد سلطان عليها، فيجوز أن تثبت بها الأحكام الموقوف تنفيذها ولو انقضت فترة تجربتها أو رد الاعتبار عنها بقوة القانون لأن صحف السوابق من أهم العناصر التي يتمكن بها القاضي من معرفة أخلاق المحكوم عليه وماضيه ويستعين بها على تكوين رأيه سواء في تقدير العقوبة أو تقدير موجبات وقف تنفيذها، شأنها في ذلك شأن الاتهامات التي لم تنتهِ إلى أحكام بالإدانة، ومع ذلك فللقاضي أن يستعين بها كعنصر من عناصر تقدير سلوك المتهم - وهذا النظام هو المتبع في فرنسا والذي عُدل بمقتضى القانون الصادر في 13/ 8/ 1945 بحيث أصبح إثبات السوابق في الصحف التي تعطى للأفراد متمشيًا مع أحكام رد الاعتبار.
وقد أصدر وزير العدل قرارًا بتاريخ 6/ 12/ 1951 بمناسبة تنفيذ قانون الإجراءات الجنائية الجديد الذي استحدث أحكام رد الاعتبار القانوني.
فنظم بهذا القرار سحب صحف سوابق الشخص الذي رد إليه اعتباره بقوة القانون فجعل سحب تلك الصحف متمشيًا مع أحكام رد الاعتبار القانوني.
ومفهوم هذا القرار أن صحف السوابق تسحب لمن رد إليه اعتباره بقوة القانون حتى لو استفاد من أحكامه أكثر من مرة (بعكس رد الاعتبار القضائي الذي لا يُمنح إلا مرة واحدة).
إلا أن هذا القرار لم يتعرض صراحةً للأحكام الموقوف تنفيذها التي انقضت فترة تجربتها بالرغم من أن المادة (55) عقوبات الخاصة بأحكام وقف التنفيذ قد ذكرت في صدر القرار، إذ كان المفروض أن يصرح القرار بالتسوية بين الأحكام الموقوف تنفيذها التي انقضت فترة تجربتها والأحكام التي رد اعتبار الشخص عنها بقوة القانون فينص صراحةً على سحب صحف السوابق الخاصة بها ولو تعددت.
والاستنتاج المنطقي السليم يؤدي حتمًا إلى بسط أحكام هذا القرار على الأحكام الموقوف تنفيذها والتي انقضت فترة تجربتها، لأنها كما قدمنا صورة بارزة من صور رد الاعتبار بقوة القانون، فكان الأجدر أن يشير القرار إليها صراحةً سيما وأن إدارة تحقيق الشخصية لم تتفهم هذا الحكم ولم تبسط أحكام القرار على الأحكام الموقوف تنفيذها التي انقضت فترة تجربتها وظلت متمسكة بالقرار الصادر في 4/ 5/ 1931 والذي غدا كما قدمنا منسوخًا ضمنًا وبحكم اللزوم العقلي (فيما يتعلق بالأحكام الموقوف تنفيذها) بنصوص قانون العقوبات وبأحكام رد الاعتبار القانوني وبالقرار الصادر في 6/ 12/ 1951).