بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

21 يونيو 2010


مكتب / محمد جابر عيسى المحامى



خطاب الضماني البنكي من الوجهة الشرعية








خطاب الضمان







الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله ... وبعد



فإن من نوازل العصر و قضاياه جريان المعاملة بخطابات الضمان لدى البنوك الأهلية مع المستفيد شخص اعتباري أو طبيعي و تجلية موقعها من الشريعة المطهرة يقتضي إعطاء التصور الكامل لطبيعة خطابات الضمان و خطواتها الإجرائية و أنواعها و ما جرى مجرى ذلك من القوالب التي تسير عليها .



فاقتضى الحال إدارة التقييد فيها في مبحثين :



المبحث الأول : خطاب الضمان .



تعريفه.. نوع الطرف المستفيد .. الغرض منه .. خطواته الإجرائية .. أنواعه.



المبحث الثاني : الفقه الشرعي لخطاب الضمان



وبيان كل منها على ما يلي :



المبحث الأول



خطاب الضمان



و فيه الفروع الآتية :



1- طبيعته :



خطاب الضمان المصرفي : هو تعهد قطعي مقيد بزمن محدد غير قابل للرجوع يصدر من البنك بناء على طلب طرف آخر ( عميل له ) – بدفع مبلغ معين لأمر جهة أخرى مستفيدة من هذا العميل لقاء قيام العميل بالدخول في مناقصة أو تنفيذ مشروع بأداء حسن ليكون استيفاء المستفيد من هذا التعهد ( خطاب الضمان ) متى تأخر أو قصر العميل في تنفيذ ما ألتزم به للمستفيد في مناقصة أو تنفيذ مشروع و نحوهما، و يرجع البنك بعد على العميل بما دفعه للمستفيد.



2- أركانه :



من هذا يتضح أن أركان خطاب الضمان أربعة و هي :



أ- البنك : وهو الطرف الضامن. و الضامن هو من التزم ما على غيره.



ب- العميل : و هو الطرف المضمون عنه.



ج – المستفيد : و هو الطرف المضمون له. و هو رب الحق الذي التزم به الضامن.



د – قيمة الضمان : و هو المبلغ المضمون. و المضمون به هو الحق الذي التزم الضامن . فإذا أطلق خطاب الضمان حوى هذه الأركان .



3- الشخص العميل ( المضمون عنه ):



يكون شخصية حكمية ( اعتبارية ) كالشركة أو المؤسسة ممثلة في ( مديرها المسؤول ) ويكون شخصاً طبيعياً.



4- المستفيد ( المضمون له ):











عادة لا يكون إلا شخصية اعتبارية كمصلحة حكومية أو مؤسسة أو شركة معروفة. و من النادر أن يكون شخصاً طبيعياً.



5- أهدافه :



لخطاب الضمان أهمية كبيرة في حماية المستفيد ( المضمون له ) حكومة أو شركة لضمان تنفيذ المشاريع أو تأمين المشتريات و فق شروطها و مواصفاتها و في أوقاتها المحددة . و بالتالي توفير الضمانة للمستفيد عن أي تقصير تنفيذي أو زمني من الطرف العميل إضافة إلى أن البنك لا يقبل في استقبال خطاب الضمان و أن يكون طرفاً مع العميل لصالح المستفيد إلا إذا توفرت لديه القناعة بكفاءة العميل المالية و المعنوية . و بالتالي ففي هذا ضمان إضافي إلى سابقه أن لا يدخل في المشاريع و المناقصات إلا شخص قادر على الوفاء بما التزم به.



6- طريقة إصدار خطاب الضمان :



يقدم طالب خطاب الضمان طلباً للبنك يحدد فيه مبلغ الضمان و مدته و الجهة المستفيدة و الغرض من الضمان. ويجب أن تكون لدى البنك قبل إصداره الضمان المذكور القناعة بأن كفاءة العميل المالية و المعنية كفيلة بالوفاء بالتزامه فيما إذا طلب منه دفع قيمة الضمان أو تمديده و إذا كان مبلغ الضمان كبيراً فإن البنك يطلب عادة تأمينات لقاء ذلك إما أن تكون رهناً عقارياً مسجلاً أو رهن أسهم في شركات أو بإيداع أوراق مالية لدى البنك يسهل تحويلها على نقد فيما لو طلب من البنك دفع قيمة مبلغ الكفالة – مع خطاب من مودعها بالتنازل عنها إذا اقتضى الأمر أو كفالة بنك خارجي معروف و إضافة إلى كل ذلك فإن البنك يحتفظ عادة بتأمينات نقدية يودعها العميل بنسبة 25 % من قيمة الضمان و قد تزيد هذه النسبة أو تقل تبعاً لمركز العميل المالي و المعنوي و لطبيعة المشروع الذي قدم الضمان من أجله ، و بعد كل هذه الإجراءات يقوم البنك بإصدار الضمان.



7- أنواع خطابات الضمان :



تجري العاقدة عليها على أنواع:



أولاً – خطاب الضمان الابتدائي :



و يكون مقابل الدخول في مناقصات أو مشاريع و يكون مبلغ الضمان مساوياً لــ 1% من قيمة المناقصة أو أكثر و ساري المفعول لمدة معينة و عادة تكون لثلاثة أشهر و هذا التعهد البنكي ( خطاب الضمان ) يقدمه العميل للمستفيد من مصلحة حكومية أو غيرها ليسوغ له الدخول في المناقصة مثلاً فهو بمثابة تأمين ابتدائي يعطي المستفيد الاطمئنان على قدرة العميل على الدخول في المناقصة ولا يسوغ إلغاء هذا الخطاب إلا بإعادته بصفة رسمية من الجهة المقدم إليها ( المستفيد )



ثانياً – خطاب الضمان النهائي :



و هذا يكون مقابل حسن التنفيذ و سلامة الأداء في العملية من مناقصة أو مشروع و نحو ذلك و يكون مبلغه بنــسبة 5 % من قيمة المشروع أو المناقصة و هو معينة بمدة لعام كامل مثلاً قابل للزيادة .



و هذا التعهد البنكي ( خطاب الضمان النهائي ) يقدمه العميل للمستفيد من مصلحة حكومية أو غيرها ليستحق المستفيد الاستيفاء منه عند تخلف العميل عن الوفاء بما التزم به فهو بمثابة تأمين نهائي عند الحاجة إليه .. و لا يكون إلغاؤه إلا بخطاب رسمي من الطرف المستفيد .



ثالثاً – خطاب الضمان مقابل غطاء كامل لنفقات المشروع أو الناقصة :



( أي مقابل سُلفه يقدمها العميل إلى البنك على حساب المشروع مثلاً لصالح الطرف المستفيد و الغية منه كما في سابقه) – ثانياً : الخطاب النهائي- .



رابعاً – خطاب الضمان ( ضمان المستندات ) :



و هناك نوع رابع من خطابات الضمان يقدمه البنك لصالح شركات الشحن أو وكالات البواخر في حالة وصول البضاعة المستوردة إلى الميناء المحدد في المملكة و تأخر وصول مستندات الشحن الخاصة بالبضاعة إلى ذلك البنك الذي جرى الاستيراد عن طريقه فخشية من أن يلحق بالبضاعة تلف من جرّاء تأخر بقائها في الجمرك يكون الضمان المذكور تعهداً من البنك من تسليم مستندات الشحن الخاصة بالبضاعة إلى وكلاء البواخر فور وصولها و استناداً إلى هذا الضمان يتم فسح البضاعة للمستورد.و لإصدار مثل هذا الضمان يقدم العميل المستورد طلباً بذلك إلى البنك و يسدد قيمة اعتماد الاستيراد بالكامل ( وهي قيمة البضاعة المستوردة ) و من ثم يصدر البنك خطاب الضمان و يسلمه للعميل فيقوم العميل بتسليمه إلى وكلاء الباخرة المعنيين.



8- مدى استفادة البنك من خطاب الضمان:



هذا التعهد الذي ألزم البنك به نفسه مع العميل له بأن يدفع للطرف المستفيد من عملية المبلغ الصادر بموجبه خطاب الضمان و وفق ما فيه من شروط و إجراءات للبنك من وراء هذا مصلحة مادية و هي ما تسمى بالعمولة بمعنى أن البنك يستحق بالشرط على العميل نسبة مئوية معينة مقابل هذا التعهد و هذه الخدمة نحو 2 % حسبما يتم الاتفاق عليه.



( وبهذا ينتهي المبحث الأول الذي يعطي التصور الكامل لخطابات الضمان الجارية في المصارف و البنوك مع عملائها أمام المستفيدين منهم )



المبحث الثاني



الفقه الشرعي لخطاب الضمان



قد علم بأصل الشرع جواز الضمان و هو : ضم ذمّــة الضامن إلى ذمة المضمون في التزام الحقوق المستحقة بمعنى التزام دين على دين آخر ، وهو عقد إرفاق و إحسان جاء به الشرع مع ما فيه من توثيق للحقوق و حفظ لها.



و خلاصة ما تقدم في المبحث الأول لطبيعة خطاب الضمان تنحصر في الفقرتين الأخيرتين منه وهما :-



1- أنواعه .



2- عمولة البنك لقاءه.



أما أنواعه الأربعة المتقدمة فلم يظهر في ماهيتها ما يخرج عن المنصوص عليه في أحكام الضمان شرعاً و توفر شروطه فالضامن البنك مما يصح تبرعه و لوجود رضا الضامن و كون الحق معلوماً حالاً أو مالاً و أن أجله معلوم غير مجهول . سوى ما جاء في النوع الأول و هو خطاب الضمان الابتدائي فغنه من باب ضمان ما سيجب و ضمان ما لم يجب عقد معلق و قد علم أن الضمان عقد الالتزام لازم فلا يعلق كغيره من العقود اللازمة، و لأن الضامن التزم ما يلزم الأصيل المضمون عنه و هو ( العميل ) بعد . لكن الجمهور من أهل العلم على جوازه وهو مذهب الأئمة الثلاث- أبو حنيفة ، و مالك ،و أحمد و الشافعي – في القديم و الخلاف المذكور للشافعي في الجديد و ما ذهب إليه الجمهور ألص بأصول الشرع لاسيما إباحة التعامل في الأصل ما لم يعتوه مانع من غرر ونحوه .



و لا يظهر في ضمان ما لم يجب بعد ما يمنع فيبقى على الأصل و الله أعلم و لهذا قال الحنابلة : في تعريف الضمان هو : التزام ما وجب أو يحب على غيره مع بقائه عليه أو ضم الإنسان ذمته إلى ذمة غيره قيما يلزمه حالاً أو مالاً.



و قالوا في ضمان ما يؤو إلى الوجوب ( يصح الضمان بالحق الذي يؤول إلى الوجوب فيصح الضمان بما يثبت على فلان أو بما يقر به أو بما يخرج بعد الحساب عليه أو بما يداينه فلان ).



أخذ العمولة عليه :



أي أخذ ( الأجرة ) لا ( الجعالة ) فإن الجعالة : أن يجعل جائز التصرف شيئاً معلوماً لمن يعمل له عملاً معلوماً أو مجهولاً من مدّة معلومة أو مجهولة – فلا يشترط العلم بالعمل و لا المدة و تعيين العامل للحاجة .



فهي إذاً : التزام مال في مقابلة عمل لا على وجه الإجارة فليس ما هنا مما هنالك إضافة إلى أن الجعالة : عقد جائز من الطرفين لكل من العاقدين فسخها بخلاف الإجارة فهي عقد لازم ابتداء.



و إن كان وقع في عبارات بعضهم باسم الجعل على الضمان ففي هذا تسامح في التعبير أو على سبيل النزول بمعنى : أنه إذا لم يجز الجعل فالإجارة من باب أولى و إن كانت الجعالة في معنى الإجارة لكن الجعالة أوسع من باب الإجارة فالجعالة كما علمت في تعريفها فلا يشترط العلم بالعمل و لا المدة و يجوز فسخها من الطرفين بخلاف الإجارة فهي عقد على منفعة أو عين لازم من الطرفين لا يملك أحدهما فسخها .



و عليه فإن جمهور أهل العلم على تقرير عدم الجواز لأخذ العوض على الضمان كما في مجمع الضمانات على مذهب الإمام أبي حنيفة للبغدادي ص / 282. و الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي 3/404 . و الشرح الصغير 3/ 242. و الفروع لابن مفلح الحنبلي 4 / 207 ، و كشاف القناع 3/262 .



و غيرها مصرحة بالمنع وعدم الجواز، وجماع تعليلهم بالمنع فيما يلي :-



1- أنه يؤول إلى قرض جر نفعاً وجه ذلك : أنه في حال أداء الضامن للمضمون له يكون العوض مقابل هذا الدفع الذي هو بمثابة قرض في ذمة المضمون عنه.و في خطاب الضمان : أقوى في بعض أحواله لأن المستفيد يستوفي عادة من البنك لا من العميل.



2- إن هذا العقد مبناه على الإرفاق و التوسعة و الإحسان ففي أخذ العوض لقاءه دفع لمقصد الشارع منه ؟



3- أنه في بعض حالات الضمان ستوفى المضمون له من المضمون عنه فيكون أخذ الضامن للعوض بلا حق وهذا باطل لأنه من أكل المال بالباطل . وفي خطاب الضمان الابتدائي أو المستندي مثلاً يستوفى المضمون له المستفيد من العميل لا من البنك.



و ها هنا تنبيهان:-



الأول : جرى في القواعد الفقهية قوله : الأجر والضمان لا يجتمعان. وهذه القاعدة ليست مما نحن فيه من أحكام الضمان لأن الضمان هنا يقصد به ( ضمان المتلفات) .



الثاني : جرى في القواعد الفقهية لهم قولهم :( ليس كل ما جاز فعله جاز إعطاء العوض عليه) بل فيه ما يجوز كالجعالة على رد الآبق . وما يمتنع كالعوض على الضمان و اللهو المباح و نحو ذلك. كما جاء في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 30 /215 -216.



النتيجــة







أن خطاب الضمان من حيث العطاء له من قبل العميل ثلاثة أحوال :



1- خطاب ضمان ليس له عطاء البتة:



فهذا ينسحب عليه ما قرره جمهور العلماء من منع العوض على الضمان فهكذا في هذه الحال من خطابات الضمان.



2- خطاب ضمان له عطاء كامل من العميل :



فهذه الحالة و الله أعلم لا يظهر في العوض عليها ما يمنع في حق الضامن أو المضمون عنه لأن هذا العوض ( العمولة ) مقابل الخدمات الإجرائية ففي حال دفع البنك للمستفيد فهو من مال المضمون عنه و في حال عدم دفعه فهو مقابل حفظه لماله و خدماته لذلك.



3- خطاب ضمان قد صار الغطاء لنسبة منه :



فهذه تنسحب عليها أحكام الحالتين قبلها فيجوز فيما قابل المغطى لا فيما لم يقابله – و الله أعلم -.



و أختم هذا المبحث برأي رشيد للعلامة الشيخ / عمر بن عبد العزيز المترك في كتابه ( الربا و المعاملات المصرفية)إذ قال رحمة الله عليه – ص / 309 : ( والذي أرى أنه إذا كان الضمان مسبوقاً بتسليم جميع المبلغ المضمون للمصرف أو كان له غطاء كامل فلا يظهر في أخذ الجعالة عليه شيء لأن العمولة التي يأخذها المصرف في هذه الحالة مقابل خدماته كالعمولة التي تأخذ من قبله في عملية التحويل بالشيكات لأن هذه العملية ليست مقابل فرض و لا ما يؤول إلى قرض لأن المصرف لا يدفع من ماله شيئاً و إنما يدفع ما التزمه بموجب الضمان من مال المضمون عنه الموجود لديه أما إذا كان خطاب الضمان غير مغطى فلا أرى جواز أخذ الجعالة عليه لأن هذا الضمان قد يؤدي إلى قرض فيكون قرضاً جر فائدة و الربا أحق ما حميت مراتعه و سدت الطرائق المفضية إليه.



لــذا فإني أرى على طالب الضمان أن يضع لدى الجهة الضامنة له مبلغاً يساوي المبلغ المضمون و هذا إجراء متفق مع الأصول الائتمانية المتبعة في بعض المصارف حيث تطلب من العميل المضمون أن يحجز لديها مبلغاً مساوياً لقيمة خطاب الضمان و هو ما يسمى بالغطاء الكامل يكون رهناً لكي يسدد منه فيما لو اضطر إلى تنفيذ التزامه ويفرح عنه عندما يتحرر المصرف من ضمانه.



و في هذا الإجراء من الفوائد مما لا يخفى منها :



1- عدم إفساح المجال لمن ليس لهم المقدرة على الوفاء بالتزامهم في الدخول في المناقصات و العطاءات.



2- أنه فيه حداً من التعامل الجشع و التوسع في الأعمال بما ليس في استطاعة الإنسان القيام به مما يعود عليه بالضرر و تنعكس عليه آثاره السيئة ذلك أن المناقص قد يقدم ضمتناً مصرفياً بمبلغ ليس في استطاعته الوفاء به مما قد يضطره في النهاية إلى الخضوع لما تفرضه عليه المصارف من فوائد ربويـّـة لقاء تسديده بمقتضى الضمان الذي التزمته.












مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




الشـــــــــــــرط في الفقه الإسلامي








الشرط في الفقه الإسلامي



التّعريف :



الشّرط بسكون الرّاء لغةً : إلزام الشّيء والتزامه ، ويجمع على شروط ، وبمعنى الشّرط الشّريطة وجمعها الشّرائط . والشّرَط بفتح الرّاء معناه العلامة ويجمع على أشراط ومنه أشراط السّاعة أي علاماتها .



وهو في الاصطلاح : ما يلزم من عدمه العدم ، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته . وعرّفه البيضاويّ في المنهاج بأنّه : ما يتوقّف عليه تأثير المؤثّر لا وجوده ، ومثّل له بالإحصان، فإنّ تأثير الزّنا في الرّجم متوقّف عليه كما ذكر الإسنويّ ، وأمّا نفس الزّنا فلا ، لأنّ البكر قد تزني .



الألفاظ ذات الصّلة :



أ - الرّكن :



ركن الشّيء في الاصطلاح : ما لا وجود لذلك الشّيء إلاّ به ، وهو الجزء الذّاتيّ الّذي تتركّب الماهيّة منه ومن غيره بحيث يتوقّف قيامها عليه .



والفرق بينه وبين الشّرط : هو أنّ الشّرط يكون خارجاً عن الماهيّة ، والرّكن يكون داخلاً فيها فهما متباينان .



ب - السّبب :



السّبب في الاصطلاح : ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته .



فالسّبب والشّرط يلزم من عدمهما العدم . ولكنّ السّبب يلزم من وجوده الوجود ولا يلزم من وجود الشّرط الوجود ، كصلاة الظّهر سببها زوال الشّمس وشرطها الطّهارة .



ج - المانع :



ومعناه في الاصطلاح كما ذكر القرافيّ في الفروق : هو ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته ، فهو بهذا المعنى عكس الشّرط لأنّ الشّرط ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته .



وقال ابن السّبكيّ : المانع : هو الوصف الوجوديّ الظّاهر المنضبط المعرّف نقيض الحكم كالأبوّة في القصاص .



تقسيمات الشّرط :



ينقسم الشّرط إلى ما يلي :



الأوّل - الشّرط المحض :



وهو ما يمتنع بتخلّفه وجود العلّة فإذا وجد وجدت العلّة فيصير الوجود مضافاً إلى الشّرط دون الوجوب ، مثاله اشتراط الطّهارة للصّلاة واشتراط الرّهن في البيع .



ثمّ ينقسم الشّرط المحض إلى قسمين : شروط شرعيّة ، وشروط جعليّة .



فالشّروط الشّرعيّة هي الّتي اشترطها الشّارع إمّا للوجوب كالبلوغ لوجوب الصّلاة وغيرها من الأمور التّكليفيّة ، وإمّا للصّحّة كاشتراط الطّهارة للصّلاة . وإمّا للانعقاد كاشتراط الأهليّة لانعقاد التّصرّف وصلاحيّة المحلّ ولورود العقد عليه . وإمّا للّزوم كاشتراط عدم الخيار في لزوم البيع ، وإمّا لنفاذ اشتراط الولاية وما في معناها لنفاذ التّصرّف .



ويلزم من عدم أيّ شرط من هذه الشّروط عدم الحكم المشروط له فإذا فقد شرط من شروط الوجوب لزم عدم وجوب الفعل على المكلّف ويلزم من عدم شرط من شروط الصّحّة عدم صحّة الفعل وهكذا ، ويلزم من عدم شرط من شروط الانعقاد بطلان التّصرّف بحيث لا يترتّب عليه أي حكم .



وأمّا الشّروط الجعليّة فهي الشّروط الّتي يشترطها المكلّف في العقود وغيرها كالطّلاق والعتاق والوصيّة وهو نوعان شرط تعليقيّ مثل إن دخلت الدّار فأنت طالق ، وينظر تفصيله في ( تعليق ) ، وشرط تقييديّ مثل وقفت على أولادي من كان منهم طالباً للعلم .



وهذه الشّروط الجعليّة تنقسم من حيث اعتبارها إلى ثلاثة أنواع :



أ - شرط لا ينافي الشّرع : بل هو مكمّل للشّروط وذلك كما لو اشترط المقرض على المقترض رهناً أو كفيلاً .



ب - شرط غير ملائم للمشروط : بل هو مناف لمقتضاه ، كما لو اشترط الزّوج في عقد الزّواج أن لا ينفق على الزّوجة .



ج - شرط لا ينافي الشّرع ما شرط فيه وفيه مصلحة لأحد العاقدين أو كليهما أو لغيرهما ولكنّ العقد لا يقتضيه فلا تعرف ملاءمته أو عدم ملاءمته للعقد وذلك كما لو باع منزلاً على أن يسكنه البائع مثلاً فترةً معلومةً أو يسكنه فلان الأجنبيّ .



القسم الثّاني : شرط هو في حكم العلل :



وهو شرط لا تعارضه علّة تصلح أن يضاف الحكم إليها فيضاف الحكم إليه ، لأنّ الشّرط يتعلّق به الوجود دون الوجوب فصار شبيهاً بالعلل ، والعلل أصول لكنّها لمّا لم تكن عللاً بذواتها استقام أن تخلفها الشّروط ، ومثاله حفر البئر ، فعلّة السّقوط هي الثّقل لكنّ الأرض مانع من السّقوط فإزالة المانع بالحفر صار شرطاً وهذه العلّة لا تصلح لإضافة الحكم إليها " وهو الضّمان" لأنّ الثّقل أمر طبيعيّ والمشي مباح فلا يصلحان لإضافة الضّمان إليهما ، فيضاف إلى الشّرط لأنّ صاحبه متعدّ لأنّ الضّمان فيما إذا حفر في غير ملكه بخلاف ما إذا أوقع نفسه .



القسم الثّالث : شرط له حكم الأسباب :



وهو شرط حصل بعد حصوله فعل فاعل مختار غير منسوب ذلك الفعل إلى الشّرط كما إذا حلّ قيد صيد حتّى نفر لا يضمن عند الحنفيّة خلافاً لمحمّد ، فإنّ الحلّ لمّا سبق النّفور الّذي هو علّة التّلف صار كالسّبب فإنّه يتقدّم على صورة العلّة والشّرط يتأخّر عنها .



القسم الرّابع : شرط اسماً لا حكماً :



وهو ما يفتقر الحكم إلى وجوده ولا يوجد عند وجوده ، فمن حيث التّوقّف عليه سمّي شرطاً ، ومن حيث عدم وجود الحكم عنده لا يكون شرطاً حكماً .



ويفهم ممّا ذكره فخر الإسلام أنّه عبارة عن أوّل الشّرطين اللّذين يضاف إلى آخرهما الحكم فإنّ كلّ حكم تعلّق بشرطين فإنّ أوّلهما شرط اسماً لا حكماً ، لأنّ حكم الشّرط أن يضاف الوجود إليه وذلك مضاف إلى آخرهما فلم يكن الأوّل شرطاً حكماً بل اسماً .



القسم الخامس : شرط هو بمعنى العلامة الخالصة :



وذلك كالإحصان في باب الزّنا وإنّما كان الإحصان علامةً لأنّ حكم الشّرط أن يمنع انعقاد العلّة إلى أن يوجد الشّرط وهذا لا يكون في الزّنا بحال .



لأنّ الزّنا إذا وجد لم يتوقّف حكمه على إحصان يحدث بعده ، لكنّ الإحصان إذا ثبت كان معرّفاً لحكم الزّنا فأمّا أن يوجد الزّنا بصورته فيتوقّف انعقاد علّة على وجود الإحصان فلا يثبت أنّه علامة وليس بشرط فلم يصلح علّةً للوجود ولا للوجوب ولذلك لم يجعل له حكم العلل بحال .



ولذلك لا يضمن شهود الإحصان إذا رجعوا على حال أي سواء رجعوا وحدهم أم رجعوا مع شهود الزّنا .



ما يختصّ به الشّرط الجعليّ بقسميه المعلّق والمقيّد :



يشترط لصحّة التّعليق أمور منها :



أن يكون المعلّق عليه أمراً معدوماً على خطر الوجود أي متردّداً بين أن يكون وأن لا يكون، وأن يكون أمراً يرجى الوقوف على وجوده ، وأن لا يوجد فاصل أجنبيّ بين الشّرط والجزاء. وأن يكون المعلّق عليه أمراً مستقبلاً بخلاف الماضي فإنّه لا مدخل له في التّعليق. وأن لا يقصد بالتّعليق المجازاة فلو سبّته بما يؤذيه فقال إن كنت كما قلت فأنت طالق تنجّز الطّلاق سواء كان الزّوج كما قالت أو لم يكن لأنّ الزّوج في الغالب لا يريد إلاّ إيذاءها بالطّلاق ، وأن يوجد رابط حيث كان الجزاء مؤخّراً وإلاّ تنجّز ، وأن يكون الّذي يصدر منه التّعليق مالكاً للتّنجيز أي قادراً على التّنجيز وهذا الأمر فيه خلاف .



ما يختصّ به الشّرط المقيّد :



يختصّ الشّرط المقيّد بأمرين :



الأوّل : كونه أمراً زائداً على أصل التّصرّف . فقد صرّح الزّركشيّ في قواعده بأنّ الشّرط ما جزم فيه بالأصل - أي أصل الفعل - وشرط فيه أمراً آخر .



الثّاني : كونه أمراً مستقبلاً ويظهر ذلك ممّا قاله الحمويّ في حاشيته على ابن نجيم : أنّ الشّرط التزام أمر لم يوجد في أمر وجد بصيغة مخصوصة .



هذا والفرق بين شرط التّعليق وشرط التّقييد كما ذكر الزّركشيّ أنّ التّعليق ما دخل على أصل الفعل بأداته كإن وإذا ، والشّرط ما جزم فيه بالأصل وشرط فيه أمراً آخر .



وقال الحمويّ : وإن شئت فقل في الفرق إنّ التّعليق ترتيب أمر لم يوجد على أمر يوجد بإن أوإحدى أخواتها والشّرط التزام أمر لم يوجد في أمر وجد بصيغة مخصوصة .



ما يعرف به الشّرط :



يعرف الشّرط بصيغته بأن دخل في الكلام حرف من حروف الشّرط فكان الفعل الّذي دخل عليه شرطاً ، وصيغه كما ذكر الآمديّ في الإحكام كثيرة وهي إن الخفيفة ، وإذا ، ومن، وما ، ومهما ، وحيثما ، وأينما ، وإذ ما ، وأمّ هذه الصّيغ " إن " الشّرطيّة .



ويعرف الشّرط أيضاً بدلالته أي بالمعنى بأن يكون الأوّل أي من الكلام سبباً للثّاني كقوله : المرأة الّتي أتزوّج طالق ثلاثاً ، فإنّه مبتدأ متضمّن لمعنى الشّرط . والأوّل يستلزم الثّاني ألبتّة دون العكس ، لوقوع الوصف - وهو وصف التّزوّج - في النّكرة فيعمّ .



ولو وقع الوصف في المعيّن كما في قوله : هذه المرأة الّتي أتزوّجها طالق لما صلح دلالةً على الشّرط ، لأنّ الوصف في المعيّن لغو فبقي قوله : هذه المرأة طالق فيلغو في الأجنبيّة ، ونصّ الشّرط يجمع المعيّن وغيره حتّى لو قال إن تزوّجت هذه المرأة أو امرأةً طلقت إذا تزوّج بها .



الأثر المترتّب على تعليق الحكم بالشّرط :



يذكر الأصوليّون مسألةً هامةً وهي أنّ تعليق الحكم بالشّرط هل يمنع السّبب عن السّببيّة أو يمنع الحكم عن الثّبوت فقط لا السّبب عن الانعقاد ، ولا يقع شيء عند وجود الشّرط .



التّخصيص بالشّرط :



الشّرط من المخصّصات المتّصلة ومن أحكامه أنّه يخرج من الكلام ، ما لولاه لدخل فيه ، وتفصيله في الملحق الأصوليّ .



الاستدلال بمفهوم الشّرط :



تعليق الحكم على الشّرط بكلمة " إن " أو غيرها من الشّروط اللّغويّة كما في قوله تعالى : { وَإِن كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } .



فيه أربعة أمور :



الأوّل : ثبوت المشروط عند ثبوت الشّرط .



الثّاني : دلالة " إن " عليه .



الثّالث : عدم المشروط عند عدم الشّرط .



الرّابع : دلالة " إن " عليه .



فالثّلاثة الأول لا خلاف فيها ، وأمّا الأمر الرّابع وهو دلالة " إن " على عدم المشروط عند عدم الشّرط فهو محلّ الخلاف وتفصيله في الملحق الأصوليّ .



والأمر المعلّق بالشّرط يقتضي التّكرار كما في قوله تعالى : { وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ } يقتضي تكرّر المأمور به عند تكرّر شرطه بناءً على القول بأنّ الأمر المطلق يقتضي التّكرار.



وأمّا على القول بأنّ الأمر المطلق لا يقتضي التّكرار ولا يدفعه ففي كونه يقتضي التّكرار هنا من جهة اللّفظ لا من جهة القياس أو لا يقتضيه لا من جهة اللّفظ ولا من جهة القياس أو لا يقتضيه من جهة اللّفظ ويقتضيه من جهة القياس خلاف وينظر في الملحق الأصوليّ .



أثر الشّرط الجعليّ التّعليقيّ على التّصرّفات :



يظهر أثر الشّرط الجعليّ التّعليقيّ في التّصرّفات مثل الإجارة والبيع والخلع والصّلح والقسمة والمزارعة والمساقاة ، والمضاربة والنّكاح ، والإبراء والوقف ، والحجر والرّجعة



أثر الشّرط التّقييديّ على التّصرّفات :



إذا قيّد التّصرّف بشرط فلا يخلو هذا الشّرط إمّا أن يكون صحيحا وإمّا أن يكون فاسداً أو باطلاً .



فإن كان الشّرط صحيحًا كما لو اشترط في البقرة كونها حلوباً فالعقد جائز لأنّ المشروط صفة للمعقود عليه أو الثّمن ، وهي صفة محضة لا يتصوّر انقلابها أصلاً ولا يكون لها حصّة من الثّمن بحال . وإن كان الشّرط باطلاً أو فاسداً كما لو اشترى ناقةً على أن تضع حملها بعد شهرين كان البيع فاسداً .



قال في الفتاوى الهنديّة : وجملة ما لا يصحّ تعليقه بالشّرط ويبطل بالشّروط الفاسدة ثلاثة عشر: البيع والقسمة والإجارة والرّجعة والصّلح عن مال والإبراء عن الدّين والحجر عن المأذون وعزل الوكيل في رواية شرح الطّحاويّ وتعليق إيجاب الاعتكاف بالشّروط والمزارعة والمعاملة والإقرار والوقف في رواية .



هذا وقد ذهب الحنفيّة وهم الّذين يفرّقون بين الفساد والبطلان إلى أنّ الشّرط التّقييديّ ثلاثة أقسام : صحيح وفاسد وباطل .



وذهب غيرهم من الفقهاء وهم الّذين لا يفرّقون بين الفساد والبطلان ويقولون : إنّهما واحد إلى أنّه قسمان : صحيح وباطل أو صحيح وفاسد .



الشّرط الصّحيح :



أ - ضابطه :



ضابطه عند الحنفيّة : اشتراط صفة قائمة بمحلّ العقد وقت صدوره أو اشتراط ما يقتضيه العقد أو ما يلائم مقتضاه أو اشتراط ما ورد في الشّرع دليل بجواز اشتراطه أو اشتراط ما جرى عليه التّعامل .



وضابطه عند المالكيّة : اشتراط صفة قائمة بمحلّ العقد وقت صدوره أو اشتراط ما يقتضيه العقد أو اشتراط ما لا يقتضيه العقد ولا ينافيه .



وضابطه عند الشّافعيّة : اشتراط صفة قائمة بمحلّ العقد وقت صدوره أو اشتراط ما يقتضيه العقد أو اشتراط ما يحقّق مصلحةً مشروعةً للعاقد أو اشتراط العتق لتشوّف الشّارع إليه . وضابطه عند الحنابلة : اشتراط صفة قائمة بمحلّ العقد وقت صدوره أو اشتراط ما يقتضيه العقد أو يؤكّد مقتضاه أو اشتراط ما أجاز الشّارع اشتراطه أو اشتراط ما يحقّق مصلحةً للعاقد ، وفيما يلي تفصيل ذلك :



ب - أنواعه :



النّوع الأوّل : اشتراط صفة قائمة بمحلّ التّصرّف وقت صدوره وهذا النّوع متّفق على جوازه عند الفقهاء ، فإن فات هذا الشّرط يكون للمشتري الخيار لفوات وصف مرغوب فيه كاشتراط كون البقرة المشتراة حلوباً .



النّوع الثّاني : اشتراط ما يقتضيه العقد وجوازه أيضاً محلّ اتّفاق عند الفقهاء لأنّه بمثابة تأكيد ، ومن أمثلته ما لو اشترط في الشّراء التّسليم إلى المشتري فإنّ البيع يصحّ لأنّ هذا الشّرط من مقتضيات العقد ، ومنها أيضاً اشتراط الرّدّ بالعيب وردّ العوض فإنّها أمور لازمة لا تنافي العقد بل هي من مقتضياته .



النّوع الثّالث : اشتراط ما يلائم مقتضى العقد وهذه عبارة الحنفيّة .



قال صاحب البدائع فهذا لا يقتضيه العقد ولكنّه يلائم مقتضاه فهو لا يفسد العقد وإنّما هو مقرّر لحكم العقد من حيث المعنى مؤكّد إيّاه فيلحق بالشّرط الّذي هو من مقتضيات العقد .



وعبارة المالكيّة اشتراط ما يلائم مقتضى العقد ولا ينافيه .



وعبارة الشّافعيّة والحنابلة اشتراط ما لا يقتضيه إطلاق العقد لكنّه يلائمه ومحقّق مصلحةً للعاقد ومثاله ما لو باع على أن يعطيه المشتري بالثّمن رهناً أو كفيلاً والرّهن معلوم والكفيل حاضر جاز ذلك استحساناً عند الحنفيّة وهو جائز أيضاً عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة .



النّوع الرّابع : اشتراط ما ورد في الشّرع دليل بجوازه .



النّوع الخامس : اشتراط ما جرى عليه التّعامل بين النّاس وقد ذكر هذا النّوع الحنفيّة سوى زفر، وهو ممّا لا يقتضيه العقد ولا يلائم مقتضاه لكن للنّاس فيه تعامل .



ومثاله إذا اشترى نعلاً على أن يحذوها البائع أو جراباً على أن يخرزه له خفّاً فإنّ هذا الشّرط جائز لأنّ النّاس تعاملوا به في البيع كما تعاملوا بالاستصناع فسقط القياس بعدم الجواز بتعامل النّاس .



النّوع السّادس : اشتراط البائع نفعاً مباحاً معلوماً ، وهذا عند الحنابلة ومن أمثلته ما لو باع داراً واشترط على المشتري أن يسكنها شهراً .



الشّرط الفاسد أو الباطل :



هو ضربان : أحدهما : ما يفسد العقد ويبطله ، وثانيهما : ما يبقى التّصرّف معه صحيحاً. الضّرب الأوّل : ما يفسد العقد ويبطله .



أ - ضابطه :



ضابط هذا الضّرب عند الحنفيّة : اشتراط أمر يؤدّي إلى غرر غير يسير أو اشتراط أمر محظور أو اشتراط ما لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين أو للمعقود عليه ولا يلائم مقتضى العقد ولا ممّا جرى عليه التّعامل بين النّاس ولا ممّا ورد في الشّرع دليل بجوازه . وضابطه عند المالكيّة : اشتراط أمر محظور أو أمر يؤدّي إلى غرر أو اشتراط ما ينافي مقتضى العقد .



وضابطه عند الشّافعيّة : اشتراط أمر لم يرد في الشّرع أو اشتراط أمر يخالف مقتضى العقد أو اشتراط أمر يؤدّي إلى جهالة .



وضابطه عند الحنابلة : اشتراط عقدين في عقد أو اشتراط شرطين في عقد واحد أو اشتراط ما يخالف المقصود من العقد .



ب - أنواعه :



لهذا الضّرب سبعة أنواع تؤخذ من ضوابطه :



النّوع الأوّل : اشتراط أمر يؤدّي إلى غرر غير يسير ، وهذا النّوع ذكره الحنفيّة والمالكيّة . ومثاله عند الحنفيّة ما لو اشترى ناقةً على أنّها حامل لأنّه يحتمل الوجود والعدم ولا يمكن الوقوف عليه للحال فكان في وجوده غرر فيوجب فساد البيع .



ومثّل له المالكيّة بعسب فحل يستأجر على إعقاق الأنثى حتّى تحمل فلا يصحّ لما فيه من الجهالة ولأنّه يؤدّي إلى غبن صاحب الأنثى إن تعجّل حملها وإلى غبن صاحب الفحل إن تأخّر الحمل . النّوع الثّاني : اشتراط أمر محظور .



النّوع الثّالث : اشتراط أمر يخالف الشّرع .



النّوع الرّابع : اشتراط ما يخالف أو يناقض مقتضى العقد أو ينافي المقصود منه ومثاله ما لو باع داراً بشرط أن يسكنها مدّةً بطل البيع ، أو شرط أن لا يبيعها . لم يصحّ ، أو تزوّج امرأةً على أن لا تحلّ له لم يصحّ النّكاح لاشتراط ما ينافيه .



النّوع الخامس : اشتراط ما يؤدّي إلى جهالة ، ومن أمثلة هذا النّوع ما لو باع شيئاً بثمن إلى نتاج النّتاج فهذا البيع لا يصحّ لما فيه من الجهالة في الأجل .



النّوع السّادس : اشتراط أحد المتعاقدين على صاحبه عقداً آخر أو اشتراط البائع شرطاً يعلّق عليه البيع ومثاله كما في كشّاف القناع ما لو اشترط عليه سلفاً أي سلماً أو قرضاً بيعاً أو إجارةً أو شركةً أو صرف الثّمن أو صرف غيره أو غير الثّمن فاشتراط هذا الشّرط يبطل البيع كما صرّح الحنابلة لكونه من قبيل بيعتين في بيعة المنهيّ عنه .



والنّهي يقتضي الفساد وكقوله بعتك إن جئتني بكذا أو بعتك إن رضي فلان فلا يصحّ البيع لأنّ مقتضى البيع نقل الملك حال التّبايع والشّرط هنا يمنعه .



النّوع السّابع : اشتراط ما لا يقتضيه العقد وفيه منفعة للبائع أو للمشتري وليس ممّا جرى به التّعامل بين النّاس نحو ما إذا باع داراً على أن يسكنها البائع شهراً ثمّ يسلّمها إليه أو أرضاً على أن يزرعها سنةً أو دابّةً على أن يركبها شهراً أو ثوباً على أن يلبسه أسبوعاً أو على أن يقرضه المشتري قرضاً أو على أن يهب له هبةً أو يزوّج ابنته منه أو يبيع منه كذا ونحو ذلك أو اشترى ثوباً على أن يخيطه البائع قميصاً أو حنطةً على أن يطحنها ونحو ذلك .



فالبيع في هذا كلّه فاسد كما صرّح الحنفيّة لأنّ زيادة منفعة مشروطة في البيع تكون رباً لأنّها زيادة لا يقابلها عوض في عقد البيع وهو تفسير الرّبا والبيع الّذي فيه الرّبا أو الّذي فيه شبهة الرّبا فاسد .



الضّرب الثّاني من ضربي الشّرط الفاسد :



هو ما يبقى التّصرّف معه صحيحاً إمّا لأنّ المشترط أسقطه أو يبقى التّصرّف معه صحيحاً سواء أسقطه المشترط أو لم يسقطه .



وبهذا يتبيّن أنّ هذا الضّرب قسمان :



أحدهما : ما يحكم معه بصحّة التّصرّف إذا أسقطه المشترط ، وقد ذكره المالكيّة في أقسام الشّرط الباطل . وضابطه عندهم اشتراط أمر يناقض المقصود من البيع أو يخلّ بالثّمن فيه أو يؤدّي إلى غرر في الهبة ، فأنواعه على هذا ثلاثة :



النّوع الأوّل : اشتراط أمر ينافي المقصود من البيع كأن يشترط البائع على المشتري أن لا يبيع أو لا يهب ، ونحو ذلك فإنّ هذا الشّرط إذا أسقطه المشترط فإنّ البيع يصحّ .



النّوع الثّاني : اشتراط أمر يخلّ بالثّمن بأن يؤدّي إلى جهالة فيه بزيادة إن كان شرط السّلف من المشتري أو نقص إن كان من البائع كبيع وشرط سلف من أحدهما لأنّ الانتفاع بالسّلف من جملة الثّمن أو المثمّن وهو مجهول فهذا الشّرط إن حذفه المشترط صحّ العقد .



النّوع الثّالث : اشتراط أمر يؤدّي إلى غرر ومثاله في الهبة ما لو دفع إلى آخر فرساً ليغزو عليه سنين وشرط الواهب أن ينفق الموهوب له عليه أي الفرس في تلك السّنين ثمّ تكون الفرس ملكاً للمدفوع له فلا يجوز ذلك للغرر .



القسم الثّاني : ما يحكم معه بصحّة التّصرّف سواء أسقطه المشترط أو لم يسقطه .



وهذا القسم يتناول الشّروط الباطلة الّتي تسقط ويصحّ معها التّصرّف عند الحنفيّة والشّروط الباطلة الّتي يصحّ معها التّصرّف عند المالكيّة والشّروط الفاسدة الّتي يصحّ معها التّصرّف عند الشّافعيّة والحنابلة ، وقد سبقت ضوابط ذلك .



وأنواعه ما يأتي :



النّوع الأوّل : ذكره الحنفيّة وهو اشتراط ما لا يقتضيه العقد ولا يلائم مقتضاه ولم يرد شرع ولا عرف بجوازه وليس فيه منفعة لأحد المتعاقدين أو للمعقود عليه من أهل الاستحقاق . ومثاله كما في البدائع لو شرط أحد المزارعين في المزارعة على أن لا يبيع الآخر نصيبه ولا يهبه فالمزارعة جائزة والشّرط باطل . لأنّ هذا الشّرط لا منفعة فيه لأحد فلا يوجب الفساد وهذا لأنّ فساد البيع في مثل هذه الشّروط لتضمّنها الرّبا وذلك بزيادة منفعة مشروطة في العقد لا يقابلها عوض ولم يوجد في هذا الشّرط لأنّه لا منفعة فيه لأحد إلاّ أنّه شرط فاسد في نفسه لكنّه لا يؤثّر في العقد فالعقد جائز والشّرط باطل .



النّوع الثّاني : ذكره المالكيّة وهو اشتراط البراءة من العيوب أو من الاستحقاق ، فإذا باع عرضاً أو حيواناً على البراءة من العيوب ثمّ اطّلع المشتري على عيب قديم فيه كان له ردّه ولا عبرة بشرط البراءة .



النّوع الثّالث : اشتراط ما يخالف أو ينافي مقتضى العقد دون الإخلال بمقصوده وهذا النّوع ذكره المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة .



ومن أمثلته عند المالكيّة ما لو اشترط ربّ الوديعة على المودع ضمانها فلا ضمان عليه إذا تلفت في محلّ لا ضمان عليه فيه ، لأنّ يد المودع يد أمانة فلا يضمن إلاّ بالتّعدّي الوديعة من الأمانات فلا يضمن إذا تلفت في هذه الحالة فيلغى الشّرط وتصحّ الوديعة .



ومن أمثلته عند الشّافعيّة ما لو قال : أعمرتك هذه الدّار سنةً فعلى الجديد لو قال مع قوله : أعمرتكها فإذا متّ عادت إليّ أو إلى وارثي فكذا هي هبة وإعمار صحيح في الأصحّ وبه قطع الأكثرون كما في الرّوضة فيلغو ذكر الشّرط .



ومن أمثلته عند الحنابلة ما لو اشترط أن لا خسارة عليه أو شرط أنّه متى نفق المبيع وإلاّ ردّه فهذا الشّرط لا يبطل البيع .



النّوع الرّابع : اشتراط أمر يؤدّي إلى جهالة أو أمر غير مشروع كما لو باع بقرةً وشرط أن تدرّ كلّ يوم صاعًا فإنّ ذلك لا يصحّ لعدم القدرة عليه ولعدم انضباطه .













مكتب / محمد جابر عيسى المحامى


النظام القانوني للمنافسة غير المشروعة في الاتفاقيات الدولية








النظام القانوني للمنافسة غير المشروعة



في الاتفاقيات الدولية







أين تقع مسائل المنافسة غير المشروعة من النظام الدولي لحماية الملكية الفكرية ؟؟







ان اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية تنص في في الفقرة الثانية من المادة الاولى على انه :-



( تشمل حماية الملكية الصناعية براءات الاختراع ونماذج المنفعة والرسوم والنماذج الصناعية والعلامات الصناعية أو التجارية وعلامات الخدمة والاسم التجاري وبيانات المصدر أو تسميات المنشأ وكذلك قمع المنافسة غير المشروعة and the repression of unfair competition. ).



كما تنص المادة 10 (مكررة - ثانيا) تحت عنوان المنافسة غير المشروعة على أنه:-



(( 1 - تلتزم دول الاتحاد بأن تكفل لرعايا دول الاتحاد الأخرى حماية فعالة ضد المنافسة غير المشروعة.



2 - يعتبر من أعمال المنافسة غير المشروعة كل منافسة تتعارض مع العادات الشريفة في الشؤون الصناعية أوالتجارية.



3 - ويكون محظورا بصفة خاصة ما يلي :



أ- كافة الأعمال التي من طبيعتها أن توجد بأية وسيلة كانت لبسا مع منشأة أحد المنافسين أو منتجاته أو نشاطه الصناعي أو التجاري.



ب- الادعاءات المخالفة للحقيقة في مزاولة التجارة والتي من طبيعتها نزع الثقة عن منشأة أحد المنافسين أو منتجاته أو نشاطه الصناعي أو التجاري.



ج- البيانات أو الادعاءات التي يكون استعمالها في التجارة من شأنه تضليل الجمهور بالنسبة لطبيعة السلع أو طريقة تصنيعها أو خصائصها أو صلاحيتها للاستعمال أو كميتها. )))



ويعد نص المادة (10- مكررة /ثانيا) من اتفاقية باريس الأساس التشريعي لنظام المنافسة غير المشروعة القانوني والمصدر للنصوص الوطنية المقررة لدى النظم القانونية التي تضمنت تشريعاتها تنظيما للحماية من المنافسة غير المشروعة ، وتجدر الإشارة أيضا أن المادة 9 والمادة 10 (مكررة -اولا) من اتفاقية باريس نظمتا حظر استيراد وأوجبت مصادرة المنتجات التي تحمل علامات تجارية واسماء تجارية غير مشروعة أو تحمل بيانات المصدر او بيانات الانتاج على نحو غير صحيح ، كما ان المادة 10 (مكررة- ثالثا) من ذات الاتفاقية أوجبت على الدولة العضو في الاتفاقية ان تكفل للدول الاعضاء فيها وسائل الطعن القانونية التي من شانها حمايتهم من المنافسة غير المشروعة ومن الاعمال المحظورة بموجب المواد 9 و10 و10(ثانيا) من الاتفاقية .







1. تنظيم قواعد المنافسة غير المشروعة ضمن اتفاقيات التجارة الدولية



لا تعود جذور حماية حقوق الملكية الفكرية إلى منظمة التجارة العالمية التي تأسست عام 1995 بل وكما أسلفنا - إلى اتفاقية باريس عام 1883 الخاصة بحقوق الملكية الصناعية واتفاقية بيرن لعام 1886 التي تتناول حقوق المؤلف ، لكن إطار هاتين الاتفاقيتين والمنظمة التي ترعاهما وترعى بقية الاتفاقيات (منظمة الوايبو) لم يتح تفعيل حماية تلك الحقوق بالقدر الذي تريده الدول المتقدمة التي تسعى للسيطرة على مقدراتها الابداعية والفكرية ومنع كل ما يعيق فعالية تجارتها عالميا ، وطبيعي ان لا يحقق نظام الوايبو مثل هذا الهدف لأنه يركز بالأساس على الجوانب الفنية البحتة وعلى الحقوق القانونية ، ولا يشمل علاقة هذه الحقوق بالتجارة العالمية . وتحت ضغط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ورغم معارضة غالبية البلدان النامية انتقلت أحكام الاتفاقيتين مع بعض التعديلات إلى جولة أوروغواي فظهر الاتفاق متعدد الأطراف حول حقوق الملكية الفكرية ذات العلاقة بالتجارة (اتفاقية تربس) .







وتقرر هذه الاتفاقية في المادتين الثالثة والرابعة المبادئ العامة المطبقة على تجارة السلع والخدمات، الاول : مبدأ الدولة الأولى بالرعاية ، والثاني : مبدأ المعاملة الوطنية . وتضع الحدود الدنيا للحماية التي يتعين على الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية إدراجها في قوانينهم الداخلية ، ومن بين هذه الحدود مدة الحماية ، اذ ينبغي - على سبيل المثال - ألا تقل مدة حماية براءات الاختراع عن 20 سنة وحقوق الطبع عن 50 سنة ، وعلى القوانين الداخلية وضع الأحكام الكفيلة باحترام تلك الحقوق. ويجب أن تتضمن عقوبات مالية أو بدنية فاعلة ضد من يخالفها ، شريطة أن توقع من قبل سلطات قضائية . وحسب الاتفاقية يتعين اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لحماية الملكية الفكرية خلال سنة واحدة في الدول الصناعية وخمس سنوات في البلدان النامية و11 سنة في الدول الأقل نموا اعتبارا من بداية عام 1995.







ولا بد من الاشارة هنا وبكل حيادية وموضوعية ، ان إصرار الدول الصناعية أثناء جولة ألاورغواي على إدراج هذه الحقوق ضمن الاتفاقيات متعددة الأطراف كان نتيجة لضغوط مارستها شركات الأدوية والملابس الجاهزة التابعة لهذه الدول منطلقة من مبدا معلن قد لا يختلف عليه احد وهو عدالة حماية هذه الحقوق ووجوب احترامها ، لكن ذلك الاحترام يعرض صناعة وتجارة الدول النامية للتردي والخطر ، ونذكر على سبيل المثال صناعة الأدوية في العالم العربي التي هي في حقيقتها تعتمد على تكنولوجيا ومنتجات الدول الاجنبية ، ففي ظل التنظيم الجديد للمبادلات العالمية ستكون الدول العربية الأعضاء في منظمة التجارة العالمية أمام احد خيارين ، إما أن تدفع تعويضات مستمرة للشركات صاحبة براءة الاختراع أو تتوقف عن الإنتاج ، ويقود الحل الأول إلى ارتفاع أسعار الأدوية عند الاستهلاك ، ويفضي الحل الثاني إلى تبعية العالم العربي شبه الكلية للسوق الخارجية.







ولهذا ، وبحق ، فان اتفاقية تربس من حيث اثرها تعد الاتفاقية الأكثر خطورة من بين اتفاقيات التجارة الدولية من زاوية تاثيرها على اقتصاديات الدول النامية ومنها الدول العربية ، ومن وجهة نظرنا ، والتي قد يختلف الاخرون معنا بشانها او يتفقون ، فاننا نرى انه يمكن وضع الاتفاق متعدد الأطراف حول حقوق الملكية الفكرية في مقدمة الاتفاقات التي ستكون سلبياتها على الاقتصاديات العربية أكبر بكثير من إيجابياتها.

ان اتفاقية تربس تعد اطارا شاملا لموضوعات الملكية الفكرية فهي تنظم حقوق المؤلف (وفي نطاقها نظمت حماية برامج الحاسوب وقواعد البيانات (م 10) وبذلك اضيفت هذه المصنفات الى مصنفات الملكية الادبية وتكون اتفاقية تربس قد استخدمت طريقة الاحالة المقررة في اتفاقية جنيف للمعاهدات بحيث اجرت تعديلا فعليا على المصنفات محل الحماية المقررة في اتفاقية بيرن) ونظمت الحقوق المجاورة لحق المؤلف والعلامات التجارية والمؤشرات الجغرافية والتصميمات الصناعية وبراءات الاختراع والدوائر المتكاملة والاسرار التجارية والممارسات غير التنافسية في الرخص .



والى جانب هذا التنظيم تضمنت الاتفاقية قواعد عامة بشان الملكية الفكرية وتعامل الدول معها ومعاملتها فيما بينها كما تضمنت التزامات الدول تجاه الملكية الفكرية والتدابير الوقائية والتشريعية وآليات فض منازعات الملكية الفكرية . وقد احالت اتفاقية تربس الى عدد من اتفاقيات الملكية الفكرية مقررة سريان احكام مخصوصة منها على العناصر محل التنظيم التي تناولتها الاتفاقية ، واذا كان ثمة جديد في حقل الملكية الفكرية عالميا فيتمثل باتفاقية تربس ، لا لانها اطار شامل لموضوعات الملكية الفكرية كما قدمنا ، وليس لانها ايضا اضافت قواعد جديدة في حقل الملكية الفكرية (كالقواعد الخاصة بحماية برامج الحاسوب مثلا) ، بل لانها ولاول مرة اوجدت مركزا آخر لادارة نظام الملكية الفكرية عالميا ، الا وهو منظمة التجارة العالمية ، التي خصصت اتفاقية انشائها من بين هيئاتها مجلسا خاصا باتفاقية تربس ، وايجاد مركز جديد كان يوجب تنبه المجتمع الدولي لاحتمالات التناقض بين مركزي ادارة الملكية الفكرية ، الوايبو ومنظمة التجارة ، لهذا ابرم بروتوكول او اتفاق تعاون بين المنظمتين عام 1996 لتنظيم العلاقة بينهما وتعاونهما بشان ادارة نظام الملكية الفكرية دوليا .



وفي تنظيم اتفاقية تربس لمسائل المنافسة غير المشروعة المرتبطة بالملكية الفكرية اعتمدت بشكل اساسي على ما هو مقرر في المادة 10 (مكررا - ثانيا) من اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية السابق عرضها ، وباستقراء نصوص اتفاقية تربس يظهر ان النصوص المنظمة للمنافسة غير المشروعة تتمثل بما يلي :-



- تنص الفقرة 2 من المادة الاولى من اتفاقية تربس على انه (( في هذه الاتفاقية يشير اصطلاح الملكية الفكرية الى جميع فئات الملكية الفكرية المنصوص عليها في الاقسام 1-7 من الجزء الثاني)) وبالرجوع الى الاقسام المذكورة نجدها تنظم حقوق المؤلف والحقوق المجاورة لحقوق المؤلف (القسم 1) والعلامات التجارية (القسم 2) والمؤشرات الجغرافية (القسم 3) والتصميمات الصناعية (القسم 4) وبراءات الاختراع (القسم 5) وتصميمات الدوائر المتكاملة (القسم 6) وحماية المعلومات السرية (القسم 7) ، وجرى في هذه الاقسام الاحالة للمادة 10 (مكررة) المنظمة لاحكام المنافسة غير المشروعة في اتفاقية باريس ، واهم احالة تلك الواردة في قسمي المؤشرات الجغرافية وقسم حماية المعلومات السرية – كما سنرى - وبهذا المفهوم فان المعلومات المتصلة بالمنتجات والخدمات والاسرار التجارية وما يتصل بالتعامل معها وما ترتبه من حقوق هي مسائل تدخل في مفهوم الملكية الفكرية وفق هذه الاتفاقية .



- تنص الفقرة (1) من المادة الثانية من اتفاقية تربس على انه :- (( فيما يتعلق بالاجزاء الثاني والثالث والرابع من الاتفاق الحالي تلتزم الدول الاعضاء بمراعاة احكام المواد 1-12 و19 من معاهدة باريس ( 1967 ) )) ، وبالتالي فان اتفاقية تربس احالت من ضمن ما احالت الى احكام المواد المنظمة للمنافسة غير المشروعة في اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية ومنها المادة 10 (مكررة-ثانيا) السابق بيانها ، واما المقصود بمعاهدة باريس 1967 ، وثيقة معاهدة باريس لحماية الملكية الصناعية بصيغتها المقررة عام 1967 بموجب وثيقة استوكهولم الصادرة بتاريخ 14 تموز 1967 .



- وتنص الفقرة 2 من المادة الثامنة المتضمنة للمباديء العامة على انه :- (( قد تكون هناك حاجة لاتخاذ تدابير يشترط اتساقها مع احكام الاتفاق الحالي لمنع حائزي حقوق الملكية الفكرية من اساءة استخدامها او منع اللجوء الى ممارسات تسفر عن تقييد غير معقول للتجارة او تؤثر سلبا على النقل الدولي للتكنولوجيا )) وبهذا المبدأ تكرس الاتفاقية وجوب عدم اساءة استخدام حقوق الملكية الفكرية الاستئثارية على نحو يعرقل جهود نقل وتبادل التكنولوجيا.



- وتنص الفقرة 1 من المادة 16 (وتتعلق بالعلامات التجارية) على انه :- (( يتمتع صاحب العلامة التجارية المسجلة بالحق المطلق في منع جميع الاطراف الثالثة التي لم تحصل على موافقة صاحب العلامة من استخدام العلامة ذاتها او علامة مماثلة في اعمالها التجارية بالنسبة للسلع والخدمات ذاتها او المماثلة لتلك التي سجلت بشانها العلامة التجارية حين يمكن ان يسفر ذلك الاستخدام عن احتمال حدوث لبس . ويفترض احتمال حدوث لبس في حالة استخدام علامة تجارية مطابقة بالنسبة لسلع او خدمات مطابقة . ويحظر ان تضر الحقوق الموصوفة اعلاه باية حقوق سابقة قائمة حاليا ، او ان تؤثر في امكانية منح البلدان الاعضاء حقوقا في العلامات التجارية على اساس الاستخدام )). وهذه المادة تنظم واحدا من اهم صور وحالات المنافسة غير المشروعة والمتصلة باساءة استخدام العلامات التجارية ، وهي بحق الصورة الاكثر شيوعا في منازعات المنافسة غير المشروعة من ناحية التطبيق العملي.



- وتنص الفقرة الثانية من المادة 22 (وتتعلق بالمؤشرات الجغرافية) على انه :- (( فيما يتعلق بالمؤشرات الجغرافية ، تلتزم البلدان الاعضاء بتوفير الوسائل القانونية للاطراف المعنية لمنع:- (أ) استخدام اية وسيلة في تسمية او عرض سلعة ما توحي بان السلعة المعنية نشأت في منطقة جغرافية غير المنشأ الحقيقي باسلوب يضلل الجمهور بشان المنشأ الجغرافي للسلعة. (ب) اي استخدام يشكل عملا من اعمال المنافسة غير المنصفة حسبما يتحدد معناها في المادة 10 مكررة من معاهدة باريس 1967. )) وهذه المادة تقر بشكل واضح ان مفهوم المنافسة غير المشروعة المعتمد في تطبيقات واحكام الحماية هو المفهوم المقرر في اتفاقية باريس ، كما ان هذه المادة تورد احدى الصور الشائعة من صور المنافسة غير المشروعة المتعلقة ببيانات المصدر او المنشأ .



- وتنص المادة 39 من اتفاقية تربس (وهي المتعلقة بحماية المعلومات السرية) على انه :- (( (1) اثناء ضمان الحماية الفعالة للمنافسة غير المنصفة حسب ما تنص عليه المادة 10 مكررة من معاهدة باريس 1967 ، تلتزم البلدان الاعضاء بحماية المعلومات السرية وفق الفقرة 2 والبيانات المقدمة للحكومات او الهيئات الحكومية وفقا لاحكام الفقرة 3 . (2) للاشخاص الطبيعيين والاعتباريين حق منع الافصاح عن المعلومات التي تحت رقابتهم بصورة قانونية لآخرين او حصولهم عليها او استخدامهم لها دون الحصول على موافقة منهم باسلوب يخالف الممارسات التجارية النزيهة طالما كانت تلك المعلومات :- أ- سرية من حيث انها ليست بمجموعها او في الشكل والتجميع الدقيقين لمكوناتها معروفة عادة او سهلة الحصول عليها من قبل اشخاص في اوساط المتعاملين عادة في النوع المعني من المعلومات . ب- ذات قيمة تجارية نظرا لكونها سرية . ج- اخضعت لاجراءات معقولة في اطار الاوضاع الراهنة من قبل الشخص الذي يقوم بالرقابة عليها من الناحية القانونية بغية الحفاظ على سريتها . (3) تلتزم البلدان الاعضاء حين تشترط للموافقة على تسويق الادوية او المنتجات الكيماوية الزراعية التي تستخدم مواد كيماوية جديدة تقديم بيانات عن اختبارات سرية او بيانات اخرى ينطوي انتاجها اصلا على بذل جهود كبيرة بحماية هذه البيانات من الاستخدام التجاري غير المنصف . كما تلتزم البلدان الاعضاء بحماية هذه البيانات من الافصاح عنها الا عند الضرورة من اجل حماية الجمهور او ما لم تتخذ اجراءات لضمان عدم الاستخدام التجاري غير المنصف .)) وقد ورد ضمن المحاضر الارشادية والتوضيحية لنصوص الاتفاقية ان المقصود بالاسلوب المخالف للممارسات التجارية النزيهة "على الاقل ممارسات كالاخلال بالعقود والاخلال بسرية المعلومات المؤتمنة والحض على ذلك ، وتشمل الحصول على معلومات سرية من جانب اطراف ثالثة كانت تعرف او اهملت اهمالا جسيما في عدم معرفة ان حصولها على هذه المعلومات انطوى على استخدام هذه الممارسات " وتنظم هذه المادة بشكل رئيس الاسرار التجارية والمعلومات السرية المتعلقة ببعض تطبيقات الملكية الفكرية واتصال ذلك بالمنافسة التجارية غير المشروعة ، ولعل هذا احد مبررات تنظيم المشرع الاردني لموضوعي الاسرار التجارية والمنافسة غير المشروعة ضمن تشريع واحد ، طبعا الى جانب الشروط التنافسية في التراخيص وعقود نقل التكنولوجيا.



- وتنص المادة 40 من اتفاقية تربس تحت عنوان ( الرقابة على الممارسات غير التنافسية في التراخيص التعاقدية ) على انه :- (( (1) توافق البلدان الاعضاء على انه قد يكون لبعض ممارسات او شروط منح التراخيص للغير فيما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية المقيدة للمنافسة آثار سلبية على التجارة ، وقد تعرقل نقل التكنولوجيا ونشرها . (2) لا يمنع اي من احكام هذا الاتفاق البلدان الاعضاء من ان تحدد في تشريعاتها ممارسات او شروط الترخيص للغير التي يمكن ان تشكل في حالات معينة اساءة لاستخدام حقوق الملكية الفكرية او التي لها اثر سلبي على المنافسة في السوق ذات الصلة . وحسبما تنص عليه الاحكام الواردة اعلاه ، يجوز لاي من البلدان الاعضاء اتخاذ تدابير ملائمة تتسق مع الاحكام الاخرى المنصوص عليها في هذا الاتفاق لمنع هذه الممارسات او مراقبتها ، ويجوز ان تشمل هذه التدابير مثلا منع اشتراط عودة الحق في براءات اختراع ناجمة عن التراخيص الى المرخص وليس المرخص له ، ومنع الطعن في قانونية الترخيص او منع اشتراط الترخيص القسري بمجموعة من الحقوق بدلا من حق واحد ، في اطار القوانين واللوائح التنظيمية المتصلة بذلك في اي من الدول الاعضاء .)) وهذه المادة تنظم موضوع الشروط العقدية التنافسية في اتفاقيات التراخيص ونقل التكنولوجيا والتي ستكون محل بحث في الفصل الثالث فيما يأتي .



- وينظم الجزء الثالث من اتفاقية تربس انفاذ حقوق الملكية الفكرية من حيث اقرار القواعد اللازمة لضمان هذه الحقوق ومسؤوليات الدول الاعضاء في توفير واتخاذ تدابير ادارية وقضائية تكفل الحماية الادارية والجزائية والمدنية لحقوق الملكية الفكرية وتكفل وتنظم الاجراءات الوقتية والمستعجلة التحفظية وطبيعة العقوبات والجزاءات وقواعد التعويض التي تتصل بالمسؤوليات الناجمة عن الاعتداء على اي من حقوق الملكية الفكرية المنصوص عليها في الاتفاقية .



من هذه النصوص وما يتصل بها من نصوص جرت الاحالة عليها في اتفاقية باريس ، يظهر ان احكام المنافسة غير المشروعة تجد موقعها في اتفاقيات التجارة الدولية من خلال الاحكام المتصلة بها في اتفاقية تربس ، وهذا بالطبع لا يعني ان احكام المنافسة التجارية والممارسات التجارية لا تجد موقعها الا في هذه الاتفاقية من بين الاتفاقيات التي تمثل بمجموعها حزمة اتفاقيات التجارة الدولية ، فثمة عديد من النصوص ذات صلة بمسائل المنافسة ومنع الاحتكار وردت في اتفاقيات السلع والخدمات والتفاهمات الملحقة بها ، لكن موضوع المنافسة غير المشروعة المتصل بحقوق الملكية الفكرية وبالصور المقررة في اتفاقية باريس يجد تنظيمه في اتفاقية تربس تحديدا من بين اتفاقيات التجارة الدولية ، ولعل هذه الاتفاقية وبهذا التنظيم قد حققت الربط الشمولي بين جوانب الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة والاستثمار وبين مفاهيم حماية الملكية الفكرية المجردة عن النشاط التجاري ، لتكون مسائل المنافسة غير المشروعة اهم تطبيق من بين تطبيقات ومسائل الترابط بين الملكية الفكرية والتجارة الدولية .







الهوامش :-



1. تنص المادة 9 من اتفاقية باريس على انه :- (( (1) كل منتج يحمل بطريق غير مشروع علامة صناعية أو تجارية أو اسما تجاريا يصادر عند الاستيراد في دول الاتحاد التي يكون فيها لهذه العلامة أو لهذا الاسم حق الحماية القانونية. ( 2 ) توقع المصادرة أيضا في الدولة التي وضعت فيها العلامة بطريق غير مشروع أو في الدول التي تم استيراد المنتج إليها. ( 3 ) تقع المصادرة بناء على طلب النيابة العامة أو أية سلطة مختصة أخرى أو من صاحب مصلحة سواء أكان شخصا طبيعيا أو معنويا وذلك وفقا للتشريع الداخلي لكل دولة. (4) لا تلتزم السلطات بتوقيع المصادرة على المنتجات التي تمر بالدولة في تجارة عابرة.( 5 ) إذا كان تشريع الدولة لا يجيز المصادرة عند الاستيراد فيستعاض عن ذلك بحظر الاستيراد أو بالمصادرة داخل الدولة. ( 6 ) إذا كان تشريع الدولة لا يجيز المصادرة عند الاستيراد ولا حظر الاستيراد ولا المصادرة داخل الدولة فيستعاض عن هذه الإجراءات بالدعاوى والوسائل التي يكفلها قانون تلك الدولة لرعاياها في الحالات المماثلة، وذلك حتى يتم التعديل اللازم في التشريع.))



2. كما تنص المادة 10 ( اولا ) من ذات الاتفاقية على انه :- (( (1) تسري أحكام المادة السابقة في حالات الاستعمال المباشر أو غير المباشر لبيان مخالف للحقيقة عن مصدر المنتجات أو عن شخصية المنتج أو الصانع أو التاجر. ( 2 ) وعلى أية حال يعتبر صاحب مصلحة، سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا، كل منتج أو صانع أو تاجر يزاول إنتاج أو تصنيع تلك المنتجات أو الاتجار فيها ويكون مقره في الجهة التي ذكرت على غير الحقيقة على أنها المصدر أو الإقليم الذي تقع فيه هذه الجهة أو في الدولة التي ذكرت على غير الحقيقة أو في الدولة التي استعمل فيها بيان المصدر المخالف للحقيقة. ))



3. وتنص المادة 10(ثالثا) من اتفاقية باريس ايضا على انه :- (( ( 1 ) تتعهد دول الاتحاد بأن تكفل لرعايا دول الاتحاد الأخرى وسائل الطعن القانونية الملائمة لقمع جميع الأعمال المشار إليها في المواد 9 و 10 و 10 ( ثانيا ) بطريقة فعالة. ( 2 ) وعلاوة على ذلك تتعهد دول الاتحاد بتوفير الإجراءات التي تسمح للنقابات والاتحادات التي تمثل ذوي الشأن من رجال الصناعة أو الإنتاج أو التجارة والتي لا يتعارض وجودها مع قوانين الدول التي تتبعها، بالالتجاء إلى القضاء أو السلطات الإدارية لقمع الأعمال المنصوص عليها في المواد 9 و10 و10 (ثانيا) في الحدود التي يجيزها قانون الدولة التي تطلب فيها الحماية للنقابات والاتحادات التابعة لتلك الدولة.))



4. حول هذه الموضوعات ولمزيد من البحث والاطلاع انظر الورقة القيمة التي اعدها الدكتور محمد حسام لطفي تحت عنوان - تأثير اتفاقية تربس على التشريعات









مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




عدم صحة اتفاق التحكيم - الجزء الأول








عدم صحة اتفاق التحكيم



مقدمــة:



الحمد لله رب العالمين ، والشكر له على ما أنعم وأولى ، فإنه أجدر بالشكر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله الصادق وعده ووعيده ، أوضح سبيل الهدى ، وأزال ظلم الشك والضلال فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه البررة ، وبعد .... فإن الاشتغال بالعلم والبحث من أفضل الطاعات ، وهو من أسباب الرفعة في الدنيا والآخرة لمن أخلص وابتغى وجه الله فقال عز من قائل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحْ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُرُوا فَانشُرُوا يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) ، وإذا كان هذا هو فضل العمل والعلماء ، فقد جعل لطالب العلم من الفضل ما لا يقل عن ذلك ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة وأن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما صنع ) .



بداية لا أدعي أن اخترت تلك الموضوعات حول التحكيم لأشيد بناء لم يكن موجوداً ، ولا لأتدارك موضوعاً من العلم كان مفقوداً ، لأنه لا يكاد يخلو أي مؤلف في التحكيم مما ذكرت ، فالأساس موجود والبناء مشيد ، ولكني أردت أن يوفقني الله في ربط الواقع العملي بذلك الأساس من واقع القضايا ، وأسأل الله تعالي أن يجعل عملي خالصاً لوجهه وأن يبرئه من كل رياء ظاهر وخفي وأن ينفع به .



عدم صحة أتفاق التحكيم :



قد يكون الاتفاق على التحكيم في صورة شرط التحكيم (6) ، وقد يكون في صورة مشارطه التحكيم (7) ، وفى كل من الصورتين فإن الاتفاق على التحكيم هو الذي يجعل النزاع المتفق عرضه على التحكيم غير جائز نظره من قبل محاكم الدولة (8) ، ومن هنا حرصت القوانين الداخلية في كل دوله على النص على ضرورة وجود اتفاق صحيح على التحكيم حتى يمكن الأمر بتنفيذ حكم التحكيم الصادر بناء على هذا الاتفاق.



ولما كان الاتفاق على التحكيم هو تصرف قانوني شأنه في ذلك شأن أي تصرف قانوني أخر حيث أنه تصرف إرادي ينصب على محل معين لإحداث أثر قانوني معين (9) ، (10) ، فإنه كغيرة من الاتفاقات لابد أن يستند إلى قانون معين يمده بقوته الملزمة وينظم وجوده وآثاره ومصيره (11) ، لذلك فإن القانون الذي يخضع له اتفاق التحكيم هو الفيصل في كل ما يتعلق بوجوده وصحته .



ويكشف تتبع الفقه والقضاء عن وجود اتجاهين رئيسيين في تحديد القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم ، أحدهما ينحاز إلى تطبيق قانون مقر التحكيم والآخر ينحاز إلى تطبيق قانون الإرادة الحاكمة للعقود بصفة عامة (11) ، وقد أخذت محكمة النقض المصرية بالاتجاه الأول وقالت في حكم لها : " بأنه لما كان من الثابت أن شرط التحكيم المدرج في سند الشحن قد نص على أن يحال أي نزاع ينشأ عن هذا السند إلى ثلاثة محكمين في مرسيليا وكان المشرع قد أقر الاتفاق على إجراء التحكيم في الخارج ، ولم ير في ذلك ما يمس النظام العام فإنه يرجع في شأن تقرير صحة شرط التحكيم وترتيب آثاره إلى قواعد القانون الفرنسي باعتباره قانون البلد الذي اتفق على إجراء التحكيم فيه " (12) ، ومن الواضح أن هذا الاتجاه ينبع من الطبيعة القضائية للتحكيم لأنه يتجاهل أن اتفاق التحكيم عقد كسائر العقود ، وأن العقد يجب أن يخضع لقواعد الإسناد في تنازع القوانين لتحديد القانون الواجب التطبيق لمعرفة صحته من عدمه ، ومن الواضح أيضاً إذا ما سايرنا هذا الاتجاه أننا سنجد تنوع في الحلول بحسب الوقت الذي يتم فيه تقدير صحة اتفاق التحكيم من عدمه ، فإذا أثير البحث عن ذلك بمناسبة دفع بعدم اختصاص القضاء لسبق الاتفاق على التحكيم ، فسوف يطبق القاضي الذي يثار أمامه ذلك الدفع قانونه باعتباره القانون الذي يطبق على إجراءات التقاضي ، أما إذا أثير البحث عن ذلك بعد صدور الحكم من خلال دعوى البطلان فسوف يطبق القاضي الذي ينظر في هذا الدفع قانون البلد الأجنبي الذي تمت فيه إجراءات المحاكمة بوصفة القانون الذي تمت المحاكمة في ظله .



أما عن الاتجاه الثاني والذي يقرر خضوع اتفاق التحكيم لقانون الإرادة لتقدير صحته من عدمه فهو ينطلق من الاتجاه الذي يشايع الطبيعة التعاقدية للتحكيم ولذلك قد يكون ذلك القانون هو قانون البلد الذي يجري فيه التحكيم أو أي بلد أخر بحسب اتفاق الأطراف ، وبحسب قواعد الإسناد في ذلك القانون التي قد تشير إلى قانون الجنسية المشتركة أو قانون الموطن المشترك أو قانون البلد الذي تم فيه العقد ، أو قانون البلد الذي يتم فيه تنفيذ العقد ، ومن الواضح أن هذا الاتجاه يؤدي إلى توحيد الحلول القضائية بشأن تحديد القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم لتقدير صحته من عدمه سواء كان بحث ذلك أثناء الدفع بعدم الاختصاص أو من خلال الدفع بالبطلان من خلال دعوى البطلان بعد صدور حكم التحكيم ، ولكن قد يسفر هذا الاتجاه عن صعوبة ليست بالهينة في حالة عدم وجود اتفاق بين الأفراد على تحديد القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم (13) .



أما على مستوى الاتفاقات الدولية فقد نصت اتفاقية نيويورك لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية من خلال المادة 5/1/1 على أن تحديد القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم لتحديد صحته من عدمه يكون طبقاً لاتفاق الأطراف ، فإذا لم يوجد مثل هذا الاتفاق يتم تطبيق قانون محل صدور حكم التحكيم ، وبذلك يتضح أن اتفاقية نيويورك لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية قد جمعت بين الاتجاهين السائدين في هذا المجال ، بحيث يكون الاتجاه الأول احتياطياً للاتجاه الثاني .



والواقع أن الاتجاه الثاني الذي يقضي بخضوع اتفاق التحكيم لقانون الإرادة لا يعني تمتع الأطراف بالحرية الكاملة طبقاً لما يوحيه ظاهر الاتجاه لأن ذلك يتوقف على العناصر التي يلزم من وجودها صحة اتفاق التحكيم ، لأن بعض القوانين تتطلب عنصر الكتابة كشكل لازم لإثبات اتفاق التحكيم بحيث يلزم من تخلفها بطلانه ، فلا يمكن مثلاً للأفراد تجاهل هذا العنصر عند اختيارهم لقانون يحكم اتفاق التحكيم لا يتطلب عنصر الكتابة لصحة اتفاق التحكيم ، وكذلك أيضاً عنصر قابلية النزاع للحل عن طريق التحكيم فلا يمكن للأفراد الاتفاق على حل نزاع معين عن طريق التحكيم ويخضعان اتفاق التحكيم لقانون يجيز حل مثل ذلك النزاع عن طريق التحكيم في حين أن القانون لا يجيز من الأصل حل ذلك النزاع عن طريق التحكيم .



ويكاد يجمع الشراح والقوانين على أن هناك عناصر معينة في اتفاق التحكيم يجب توافرها حتى يكون صحيحاً وهى على النحو:-



1- أن يكون مكتوباً



إذا كانت القاعدة العامة في شأن اتفاق التحكيم تقضي بخضوعه للقانون الموضوعي المطبق على العقد (14) ، لذلك يجب الرجوع إلى مثل هذا القانون لمعرفة مدى تطلبه شرط الكتابة لصحة اتفاق التحكيم من عدمه ، وباستقراء مواقف قوانين الدول من النص على هذا الشرط نجد أنها اختلفت وتباينت فمجموعة الدول ذات التقاليد اللاتينية سعت إلى إحاطة اتفاق التحكيم بضمانات معينة وإدخاله في دائرة التصرفات التي يجب إفراغها في شكل معين كالهبة والوصية والصلح ومن ثم تطلبت شرط الكتابة لصحة اتفاق التحكيم ، وذلك حتى يمكن التحقق من إرادة الأفراد قد اتجهت بالفعل إلى الالتجاء إلى التحكيم .



وعلى النقيض تماماً فإن الدول ذات النظم الانجلوسكسونية لم تجد مبرراً يوجب إخضاع اتفاق التحكيم لشكل معين فأخضعته للقواعد العامة التي تحكم التصرفات القانونية ، واكتفت بتدخل القاضي للتحقق من انصراف إرادة الأطراف إلى اللجوء للتحكيم في حالة ما إذا كان الاتفاق شفهياً أو يمكن استخلاصه ضمناً من الظروف القائمة (15) ، فعلي سبيل المثال يجري قضاء محكمة استئناف باريس على أن انعدام الكتابة في حد ذاتها لا يترتب عليه بطلان مشارطه التحكيم ، حيث يمكن التحقق من وجود مشارطه التحكيم من مسلك الخصوم أثناء سير خصومة التحكيم ، فإذا شارك الخصوم في خصومة التحكيم بدون أي تحفظ أو اعتراض على وجود مشارطه التحكيم أمكن القول بموجود اتفاق صحيح على التحكيم (16) .



وقد أختلف قوانين الدول العربية في النص على هذا العنصر ، فالقانون المصري يتطلب الكتابة لصحة اتفاق التحكيم من خلال نص المادة 12 من قانون التحكيم الجديد (17) ، وكذلك القانون الكويتي من خلال نص المادة 173/2 من قانون المرافعات ، وكذلك قانون الإمارات العربية المتحدة من خلال المادة 203/3 من قانون الإجراءات المدنية ، أما القانون اللبناني فيفهم من نص المادة 766/1 من قانون أصول المحاكمات المدنية أن الكتابة شرط للإثبات .



أما بخصوص هذا العنصر على مستوى التنظيمات الدولية الموحدة ، فإن بروتوكول جنيف لعام 1923م واتفاقية جنيف لعام 1927م ، قد رأيا أن يتركا الأمر لتقدير كل دولة حسب قانونها الداخلي بالإحالة إلى التشريع الوطني لكل دولة لتحديد شروط إثبات اتفاق التحكيم ، ولكن اتفاقية نيويورك لعام 1958 حسمت هذا الأمر بالنص صراحة في المادة الثانية على ضرورة الكتابة لصحة اتفاق التحكيم (18) ، والكتابة في هذه الحالة تعد شرط لصحة الاتفاق وليست دليلاً للإثبات ، ولا يكفي أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً بل لا بد أن يكون موقعاً عليه من الطرفين ، وتعترف الاتفاقية كذلك بالخطابات أو البرقيات المتبادلة بين الأطراف دون اشتراط وجود عقد مسايرة لضرورات التجارة الدولية بموجب المادة 2/2 ، أما بالنسبة للاتفاقيات المتبادلة عن طريق الفاكس ، فلم تنص المادة 2/2 من الاتفاقية على هذا النوع من طرق الاتصال ، ولكن لا يوجد ما يمنع من الاعتراف بهذه الوسيلة من وسائل الاتصال حيث اعترفت القوانين الوطنية الحديثة بوسائل الاتصال المكتوبة كالفاكس مثل قانون التحكيم المصري رقم 27لعام 1994م في المادة (12) ، والقانون الإيطالي لعام 1994م في المادة (807) (19) .



ومن التطبيقات القضائية المهمة بخصوص هذا الشرط :



قامت شركة إيطالية باستئجار سفينة مملوكة لشركة مسجلة في بنما ومملوكة لمصالح يونانية ونص في عقد الإيجار المطبوع على التحكيم في لندن ، وعندما نشأ نزاع بين الطرفين امتنعت الشركة الإيطالية عن تعيين محكمها أو الاشتراك في إجراءات التحكيم ، فأصدرت محكمة التحكيم حكماً لصالح مالك السفينة ، وتقدم مالك السفينة بهذا الحكم لتنفيذه على المحكوم علية ( الشركة الإيطالية ) في إيطاليا ، فتمسكت الشركة الإيطالية أمام محكمة استئناف تريستا الذي طرح عليها طلب الأمر بالتنفيذ ، ببطلان اتفاق التحكيم في هذا النطاق لعدم توافر ما تتطلبه المادتين 1341و1342 من القانون الإيطالي التي تشترطان في العقود التي تتضمن شروط عامة مطبوعة أن يقوم الأطراف بالتوقيع على شرط التحكيم ذاته توقيعاً خاصاً بحيث لا يكفي التوقيع بصفة عامة على العقد في مجموعه فرفضت محكمة استئناف تريستا هذا الطعن وقالت أن التنفيذ يتم وفقاً لاتفاقية نيويورك لعام 1958م وهي لا تتطلب شيئاً من هذا القبيل ، وأعادت محكمة النقض الإيطالية التأكيد على انطباق المادة الثانية من اتفاقية نيويورك (20) .



ونخلص مما تقدم أن الدول قد تباينت في النص على اشتراط الكتابة في عقد التحكيم حسب سياستها التشريعية ، ولكن اتفاقية نيويورك قد اشترطته صراحة بموجب المادة الثانية ، ونرى أن التشريعات التي اعتبرت الكتابة شرط لصحة اتفاق التحكيم كالتشريع المصري بقوله في المادة 12 من قانون التحكيم الجديد ( يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً وإلا كان باطلاً ) ، لم تكن موفقة تمام التوفيق لأن الهدف من الكتابة هو الإستيثاق من أن إرادة الأطراف كانت واضحة وصريحة على اللجوء إلى التحكيم ، وهو أمر قد يتحقق بوسائل أخرى غير الكتابة كرفع المدعى دعوى تحكيم وعدم اعتراض المدعى عليه على ذلك ، وعلى ذلك كان من الأجدر عدم ترتب البطلان كنتيجة مباشرة وتلقائية على عدم الكتابة كما فعل نص القانون المصري وعاود التأكيد على ذلك من خلال نص المادة 56 من ذات القانون باشتراط أن يرفق بطلب تنفيذ حكم التحكيم صورة من اتفاق التحكيم المشار إليه في المادة 12، وكان من الأفضل اشتراط الكتابة ، أما تقدير البطلان من عدمه كنتيجة مباشرة وتلقائية على عدم الكتابة فكان من الأجدر تركها للمحكم أو القاضي حسب الأحوال يعملها على حسب كل حالة طبقاً لمقتضيات الظروف ومن مسلك الأطراف في الدعوى ، أما تقدير البطلان مقدماً وصراحة من خلال النص ، فهو أمر قد لا يترك للمحكم أو القاضي أي سلطة تقديريه في تقرير البطلان من عدمه ، ونتوقع أن يجتهد القضاء المصري في تفسير هذا النص بطريقه تحقق الحكمة من وجودة وخصوصاً إذا ما أثيرت مسألة البطلان في مرحلة ما بعد صدور حكم التحكيم ( عند التنفيذ ، أو دعوى بطلان حكم التحكيم ) آخذاً في الاعتبار عنصري الرضائيه والحرية اللذين يسيطران على نظام التحكيم علماً بأن اتفاقية نيويورك لم تقرر البطلان كجزاء لعدم كتابة اتفاق التحكيم كما فعل المشرع المصري من خلال نص المادة 12 المشار إليه ، حتى يمكن القول أن المشرع المصري أراد مسايرة اتفاقية نيويورك ، فصحيح أن اتفاقية نيويورك اشترطت الكتابة لإثبات اتفاق التحكيم ، لكنها لم تقرر البطلان كجزاء لتخلف هذه الكتابة ، بل تركت ذلك حسب الأحوال وفقاً للقانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم ، وقالت في صدر المادة الخامسة أنه لا يجوز رفض الاعتراف وتنفيذ حكم التحكيم إلا في الأحوال الآتية أ- …. أن اتفاق التحكيم غير صحيح وفقاً للقانون الذي أخضعه له الأطراف … الخ .



2- صحة تراضي أطراف اتفاق التحكيم



التعبير عن الإرادة الذي يتم إفراغه كتابياً بما يفيد قبول التحكيم كوسيلة لحل المنازعات الحالة أو المستقبلة يصدر بالضرورة عن أشخاص أطراف التحكيم أو ممثليهم ، ومن هنا يجب التأكد من أهليتهم القانونية لإبرام هذا النوع من التصرفات وسلامة رضاهم ، والأهلية المشترطة في طرفي اتفاق التحكيم هي أهلية التصرف ، وأهلية التصرف لا تثبت بحسب الأصل إلا لمن بلغ سن الرشد غير محجور عليه لجنون أو عته أو سفه أو غفلة ، كذلك يجب ألا قد أشهر إفلاسه لأنه يترتب على شهر الإفلاس غل يد المدين عن التصرف في أمواله من تاريخ شهر الإفلاس ، ومن ثم فإنه يمتنع الاتفاق على التحكيم اعتباراً من هذا التاريخ ، غير أن المنع لا يشمل بالطبع الأموال غير الداخلة في التفليسة (21) .



وعدم توافر أهلية أحد أطراف التحكيم يعد سبباً لبطلان الاتفاق على التحكيم وهذا أمر مفترض ، ونصت عليه اتفاقية نيويورك صراحة في المادة 5/1/أ .



والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ما هو القانون الواجب التطبيق على أهليه أطراف اتفاق التحكيم حتى يمكن الرجوع إليه لمعرفة أهلية أطراف اتفاق التحكيم ؟



باستقراء قوانين الدول في هذا الشأن نجد أن بعضها تطبق على الأهلية قانون الجنسية بالنسبة للأفراد وقانون الموقع بالنسبة للأشخاص المعنوية كقوانين البلاد ذات التقاليد اللاتينية ، والبعض الأخر من القوانين يطبق قانون الموطن بالنسبة للأفراد وقانون بلد التأسيس بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة كقوانين البلاد ذات التقاليد الأنجلو سكسونية ، وقد تطبق بعض القوانين ضابطاً موضوعياً وليس شخصياً مثل ضابط محل إبرام العقد المعمول به في الولايات المتحدة الأمريكية ، أو أن يكون قانون الأهلية هو القانون الذي يخضع له العقد بوجه عام (22) .



ولم تقرر اتفاقية نيويورك مسألة القانون الواجب التطبيق على الأهلية بل تركت لمحاكم الدول المختلفة أن تطبق قواعد التنازع المعمول بها في كل دوله (23) ، ولعل السبب في عدم وضع قاعدة موحدة بخصوص أهلية أطراف التحكيم تخوف واضعي الاتفاقية من الدخول في مسألة تنازع التكييفات ، ونظراً لاختلاف قواعد الإسناد ولتعذر وضع نصوص موحدة ، لذا فقد آثروا ترك تقدير أهلية أطراف اتفاق التحكيم للقانون الذي تشير إليه قاعدة التنازع في قانون الدولة المطلوب إليها التنفيذ (24) ، ومن ثم فإن اتفاقية نيويورك قد تركت للقاضي الذي يطرح عليه طلب الأمر بالتنفيذ – عند النظر في مسألة الأهلية لتقرير مدي صحة الاتفاق على التحكيم صادر بناء على ذلك الاتفاق بيان ما هو القانون الذي يحكم أهلية طرفي الاتفاق على التحكيم ، فإذا كان الأمر مطروحاً على قاض فرنسي أو مصري مثلاً يأخذ نظامه القانوني بقانون الجنسية ، وجب تحديد مدى توافر أو عدم توافر أهلية الشخص وفقاً لقانون جنسيته ، أما إذا طرح الأمر على قاض بريطاني أو أمريكي يأخذ نظامه القانوني بقانون الموطن ، فإن المناط عندئذ لتقرير مدى توافر أو عدم توافر أهلية الشخص يكون بالقواعد الموضوعية في قانون موطن الشخص الطرف في اتفاق التحكيم (25) .



والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ما هو الحال عند وجود قيود في القوانين الداخلية للدول تؤثر على أهلية الأفراد عند إبرامهم لاتفاق التحكيم كما هو الحال في القانون الإيطالي الذي ينص في المادة الثانية من قانون المرافعات على بطلان أي اتفاق تحكيم بين أشخاص إيطاليين أو متوطنين في إيطاليا لإجراء تحكيم خارج إيطاليا ؟ وكما هو الحال في القانون الفرنسي الذي ينص على حظر الاتفاق على التحكيم من قبل أشخاص القانون العام كالدولة وأجهزتها وهيئاتها العامة ؟ .



بالنسبة للحالة الأولي حسم القضاء الإيطالي الإجابة على هذا التساؤل بقول محكمة النقض الإيطالية مراراً في العديد من أحكامها بتقرير وجوب الاعتراف بصحة الاتفاق على التحكيم في الخارج المبرم بن رعايا إيطاليين مقيمين في إيطاليا أو بينهم وبين أجانب متوطنين في إيطاليا إعمالاً لاتفاقية نيويورك ، لأنه بالتصديق على الاتفاقية صارت جزء من النظام القانوني الإيطالي بحيث يجب تطبيق مضمونها باعتبارها تتضمن قواعد تسمو على القواعد الداخلية ، ولكانت الاتفاقية لم تشترط انتماء أطراف التحكيم إلى جنسية دولة معينة أو توطنهم في دوله ما كشرط لصحة اتفاق التحكيم ، فلا يجوز الادعاء بعدم صحة اتفاق التحكيم لأم أحد طرفية جنسيته إيطالية أو متوطن في إيطاليا (26) .



وبالنسبة للحالة الثانية فقد استقر القضاء الفرنسي على أن القيود المذكورة تسري فقط في شأن المعاملات الداخلية ، ولكنها لا تمنع أشخاص القانون العام من أن تكون طرفاً في اتفاق تحكيم ذي طبيعة دولية ، وأثيرت هذه الحالة أيضاً أمام المحاكم التونسية في نزاع طرح أمام القضاء التونسي حول صحة اتفاق تحكيم أبرم بين شركة الكهرباء والغاز التونسية وهي مؤسسة عامة وبين شركة فرنسية ، وتمسكت الشركة التونسية ببطلان اتفاق التحكيم على أساس أن القانون التونسي يحظر على المؤسسات العامة الالتجاء إلى التحكيم ، ورفضت المحكمة التونسية هذا الدفع واستندت إلى واقعة انضمام تونس لاتفاقية نيويورك ، وقررت أن الحظر القائم في القانون الداخلي لا يسري على الحالات التي يكون فيها الاتفاق على التحكيم متعلقاً بمعاملة دولية وخلصت المحكمة إلى صحة اتفاق التحكيم بغض النظر عن القيود التي يفرضها القانون الداخلي (27) .



ويجب أن نلاحظ أن بطلان حكم التحكيم لبطلان اتفاق التحكيم لنقص أهلية أحد طرفية ، قد يكون بطلان مطلق وذلك إذا وجهت إجراءات المحاكمة إلى ناقص الأهلية نفسه أو باشرها بنفسه ، وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ، أما إذا وجهت إجراءات المحاكمة إلى ممثل أو نائب ناقص الأهلية القانوني ، فإن البطلان يكون بطلان نسبي ، حيث يجب على الممثل أو النائب القانوني أن يحضر إجراءات المحاكمة ويتمسك ببطلان اتفاق التحكيم لنقص الأهلية ، أما إذا حضر ولم يعارض في ذلك اعتبر اتفاق التحكيم صحيحاً من هذا الوجه لأن ذلك بمثابة إجازة من الممثل أو النائب القانوني لاتفاق التحكيم الذي وًّقعه ناقص الأهلية وعلى ذلك يجب على الطرف الأخر تجنب مباشرة إجراءات قابلة للزوال بأن يوجه إجراءات التحكيم إلى نائب أو ممثل ناقص الأهلية من البداية كمحاولة لتصحيح البطلان الذي أصاب اتفاق التحكيم لنقص أهلية الطرف الآخر .



ولا يكفي فقط أن يتمتع أطراف اتفاق التحكيم بالأهلية حتى يكون اتفاقهم على التحكيم صحيحاً ، بل يجب أيضاً أن تكون إرادتهم سليمة خالية من عيوب الرضا ( الغط ، والتدليس ، والإكراه والاستغلال ) ، وسلامة رضا طرفي اتفاق التحكيم مطلب ضروري لتلاقي إرادة الطرفين على الاتفاق على التحكيم ، والتحقق من وجود الرضا و عدم وجودة وما يتعلق بصحته أو فسادة إنما هي أمور تخضع للقانون الذي يحكم اتفاق التحكيم ذاته (28) ، والذي تجد الإشارة إليه حقاً في هذا النطاق أن هناك مبدأ يقتضي بإستقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي ، أي أن إبطال العقد الأصلي لعيب من عيوب الإرادة لا يعني ذلك إبطال شرط التحكيم المحتوي عليه ذلك العقد بناء على ذلك العيب ، كما أن إبطال شرط التحكيم لعيب من عيوب الإرادة لا يعني ذلك إبطال العقد الأصلي المحتوى على ذلك الشرط بناء على هذا العيب (29) .



ولم تتضمن اتفاقية نيويورك نص يعالج المشكلات التي تتعلق بركن الرضا في اتفاق التحكيم ، واكتفت بما ورد في المادة الخامسة من بيان قاعدة الإسناد التي يتم على أساسها تحديد القانون الواجب التطبيق على المسائل المتعلقة بالرضا وهو القانون الذي أخضع الأطراف الاتفاق له ، وفى حالة غياب أية إشارة إلى ذلك يكون قانون البلد الذي صدر فيه حكم التحكيم (30) ، ولهذا يجب الرجوع بصفة أصلية إلى القانون الذي اختاره الأطراف صراحة أو ضمناً ليحكم اتفاقهم على التحكيم أو قانون البلد الذي صدر فيه حكم التحكيم للحكم على كافة المسائل المتصلة بالتراضي وصحته .



وتطبيقاً لذلك فقد ذهبت المحكمة العليا الألمانية بمناسبة إدعاء طرف ألماني أمامها أن اتفاق التحكيم تم توقيعه من قبله تحت ضغط اقتصادي ، إلى اتباع قاعدة الإسناد التي أوردتها المادة 5/1/أ من اتفاقية نيويورك ، والتي بإعمالها يتضح أن القانون الواجب التطبيق هو القانون التشيكي لكونه القانون الذي اختاره أطراف اتفاق التحكيم ، ولما كان هذا القانون لا يعترف بالضغط الاقتصادي سبباً لبطلان اتفاق التحكيم ، فإن إدعاء الطرف الألماني يكون مرفوضاً ، وقررت ذات المعني أيضاً محكمة استئناف نابولي عندما دفع المحكوم عليه أمامها بأن اتفاق التحكيم قد أبرم تحت تأثير الغش والتدليس ، وانتهت المحكمة إلى ضرورة الرجوع إلي القانون الواجب التطبيق وفقاً لقاعدة الإسناد المذكورة في اتفاقية نيويورك – المادة 5/1/أ والتي يتضح من خلالها أن القانون النمساوي هو الذي تشير إلى تطبيقه قاعدة الإسناد (31) .



ولا يختلف الحال بالنسبة إلى الشخص الاعتباري - كقاعدة عامة ، لأن الرأي الراجح لدي الشراح هو الاعتراف للشخص الاعتباري بأهلية الأداء بالنسبة لحقوقه والتزاماته التي تدخل في الغرض من إنشائه (32) ، غير أن الأمر هنا يتم على خطوتين ، الخطوة الأولي التحقق من أن الشخص الذي وقع الذي وقع نيابة عن الشخص الاعتباري يملك سلطة التوقيع بأسمه على اتفاق التحكيم عن طريق القانون الذي يحكم الشخص الاعتباري ، فإذا كان الشخص الاعتباري شركة وجب الرجوع إلى القانون الذي يحكم الشركة وهكذا ، والخطوة الثانية التحقق من توافر الأهلية وسلامة إرادة ممثله وخلوها من عيوب التراضي ، فتحدد أهلية الشخص الاعتباري وصحة إرادة وفقاً للقانون الواجب التطبيق ، وقد خلت المادة 5/1/أ اتفاقية نيويورك من نص يدل صراحة على من له سلطة تمثيل الشخص الاعتبار في اتفاق التحكيم والتوقيع نيابة عنه ولا عن أهليته وصحة إرادته ولكن الرأس استقر الحال على تطبيق ذات القواعد التي أوردتها المادة 5/1/أ من الاتفاقية على الشخص الطبيعي استصحاباً للحال على أساس أن العبرة بالقانون الذي يحكم الطرف الأصيل الصادر التصرف باسمه (33) .



وتطبيقاً لذلك أثير هذا الموضوع في قضية هضبة الهرم المصرية ، وتتلخص وقائع هذه القضية ، في أن شركة أوربية تدعي S.P.P أبرمت عقداً مع الهيئة المصرية للسياحة والفنادق من أجل بناء مركزيين سياحيين أحدهما في الأهرامات وصادق وزير السياحة على العقد بتوقيعه مع كلمات للموافقة والمصادقة والاعتماد وتضمن العقد شرطاً تحكمياً يحيل إلى تحكيم غرفة التجارة الدولية ، وآثار المشروع عاصفة في مصر ، لاسيما في البرلمان ، وكان المأخذ أن هذا المشروع من شأنه تشويه الأهرامات فتخلت عنه الحكومة المصرية وارتدت الشركة الأوربية S.P.P على الحكومة المصرية بدعوى تحكيمية تطالبها بالعطل والضرر لإخلالها بالتزاماتها التعاقدية وعدم إنفاذها للعقد ، وطرح موضوع العقد التحكيمي هل هو صحيح أم أنه باطل ، وبحث المحكمون أول ما بحثوا اختصاصهم واعتبروا أنفسهم مختصتين للنظر في النزاع ، وانحصر موضوع النزاع كله في معني توقيع الوزير على العقد .



أدلت الحكومة المصرية بأن توقيع الوزير هو عمل شكلي إداري بموجبة تخول سلطة الوصاية (أي الوزارة ) هيئة السياحة والفنادق المصرية ، وردت الشركة أنه طلبت توقيع الوزير على العقد لإثبات التزام الحكومة المصرية به ، وكان مكان التحكيم باريس ، وصدر الحكم التحكيمي في باريس يعطي للشركة الأوربية 12500000 دولار ، تقدمت الحكومة المصرية بطلب إبطال الحكم التحكيمي أمام المحاكم الفرنسية مدلية ، بغياب العقد التحكيمي كسبب للبطلان ، وفقاً لقانون التحكيم الدولي الفرنسي ، أبطلت المحاكم الفرنسية الحكم التحكيمي على أساس أن المحكمين نظروا بالدعوى دون أن يكون هناك عقد تحكيمي ، كما أبطلت المحكمة القضائية الفرنسية قرار المحكمين باعتبار أنفسهم مختصين للنظر بالنزاع الذي بني على أن هناك عقد تحكيمي صحيح ، وهكذا أبطلت المحكمة القضائية الحكم التحكيمي برمته (34) .









مكتب / محمد جابر عيسى المحامى




عدم صحة اتفاق التحكيم - الجزء الثاني








1- أن يكون موضوع اتفاق التحكيم قابلاً للحل بالتحكيم .



يعد هذا العنصر من أهم عناصر اتفاق التحكيم ، لذلك غالباً ما تحدد قوانين الدول المسائل التي جوز حلها عن طريق التحكيم ، وبالتالي يعد الاتفاق على التحكيم بشأنها صحيحاً ، والمسائل التي لا يجوز حلها عن طريق التحكيم وبالتالي يعد الاتفاق على التحكم بشأنها باطلاً ، وبالتالي يجب النظر إلى هذه المسألة في قانون كل دولة ، والملاحظ أن بعض الدول تأخذ موقفاً مشجعاً للالتجاء إلى التحكيم ، وبالتالي تجعل الأصل فيه جواز ذلك في كافة المسائل مع وجود إستثناءات محدودة مقررة على سبيل الحصر في أضيق نطاق ممكن كما هو الحال في الدول الأنجلو أمريكية والاسكندنافية ، وعلى العكس تماماً فإن هناك دول تقف من التحكيم موقفاً حذراً باعتباره طريقاً استثنائياً مما ينعكس في توسيع نطاق المسائل التي يجوز التحكيم بشأنها واستعمال عبارات معروفة بأنها غير منضبطة الحدود في هذا المجال مثل فكرة النظام العام كما هو الحال في غالبية الدول اللاتينية والعربية ، وتوسطت دول أخري وأخذت بحلول توفيقية عن طريق النص على تحديد المسائل التي لا يجوز في شأنها التحكيم عن طريق نصوص القانون الداخلي أو الاجتهاد القضائي كما هو الحـال في فرنسا وإيطاليا واليابان ومصر (35) .



ولم تفصح اتفاقية نيويورك المسائل التي يجوز حلها عن طريق التحكيم ، أو تلك التي لا يجوز حلها عن طريق التحكيم حيث اكتفت بالإحالة إلى قانون الدولة التي يطلب إليها تنفيذ حكم التحكيم لمعرفة إذا كان قانون هذه الدولة يجيز حل النزاع الصادر فيه حكم التحكيم المراد تنفيذ من عدمه (36) ، ويعد هذا الشرط في حد ذاته حالة من الحالات التي يرفض فيها تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي الذي تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها ، ولذا نكتفي بما ذكرناه ، وسنعود للكلام عليه تفصيلاً عند تناول حالات رفض تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي التي يقضي بها القاضي من تلقاء نفسه في المطب الثاني .







2- أن يكون هناك نزاع ناشئ عن علاقة قانونية محدده .



من الطبيعي أن الاتفاق على اللجوء إلى التحكيم يجب أن يكون لحل نزاع وان يكون ذلك النزاع بصدد علاقة قانونية محددة سواء كانت علاقة تعاقدية أو غير تعاقدية ، وإذا كان من الشائع أن يرد اتفاق التحكيم بمناسبة علاقة تعاقدية إلا أنه لا يوجد ما يمنع من ورود اتفاق التحكيم بمناسبة علاقة غير تعاقدية ، مثل التعويض عن العمل غير المشروع ، أو عن الإثراء بلا سبب ، أو التصادم البحري ، أو المسئولية عن حوادث النقل البري والبحري والجوي ، وما إلي ذلك من مجالات حديثة يلعب فيها التحكيم دوراً مهماً (37) ، وهذا هو ما نص عليه كل من قانون التحكيم المصري الجديد في المادة 10/1 ، وقانون التحكيم اليوناني في المادة 868 مرافعات ، والقانون التونسي في الفصل الثاني ، والقانون النموذجي للانسيترال في المادة 70 واتفاقية نيويورك في المادة 2 (38) ، أما بعض القوانين الأخرى فقد قصرت مجال اتفاق التحكيم عن العلاقة الناشئة عن عقد كالقانون الفرنسي في المادة 1442 مرافعات ، وقواعد الانسترال في المادة (39) ، وقواعد تحكيم غرفة التجارة الدوليةICC في المادة 3/2/ج والمادة 8/4 (40) ، والفارق بين الاتجاهين واضح حيث أن العلاقة القانونية في القوانين الأولي أوسع نطاقاً من العقد ، وتطبيقاً لذلك فقد عرض على القضاء البريطاني قضية أقامتها شركة LONRHO وشركة خط أنابيب MOCAMBIQUE ضد شركة SHLE للبترول وشركة BP و27 شركة بترولية أخري مناسبة نكولهم عن استخدام خط الأنابيب المذكور بناء على موصفه المدعون بأنه عمل غير مشروع ناتج عن تآمر ، فقد لجأت الشركات البترولية إلى التمسك بضرورة إحالة النزاع إلى التحكيم استناداً إلى المادة (22) من الاتفاقية المعروفة باسم SHIPPERS’ AGREEMENT الذي يتضمن اتفاقاً على اللجوء إلى التحكيم ، وانتهت المحكمة إلى قبول وجهة النظر هذه بعد أن تأكدت من أن صياغة اتفاق التحكيم تسمح بإدخال المطالبات الناشئة عن العمل غير المشروع في إطاره (41) ، ويثور التساؤل عن النزاع بصدد العلاقة القانونية المحددة الذي يبرر اللجوء إلى التحكيم وتأثير ذلك على الدعوى التي يقيمها أحد أطراف اتفاق التحكيم أمام القضاء ومدى دخولها في مجال اتفاق التحكيم من عدمه فقد عرض على القضاء البريطاني قضية متعلقة بهذا الشأن نعرض لها لأنها تفيد في تقريب وتحديد موضوع النزاع الذي يدخل في اتفاق التحكيم من عدمه فقد أبرمت شركة بريطانية مع شركة ألمانية عقداً للتعاون معاً في مجال تصنيع المنسوجات وتضمن عقد الشركة تحكيم من شأنه إحالة جميع الخلافات التي قد تثور بين الطرفين إلى التحكيم في ميونيخ ، وفى إطارا المعاملات بين الطرفين قامت الشركة البريطانية بتوريد آلات صناعية تم دفع ثمنها بكمبيالات استحق بعضها وتم سداده وظلت الكمبيالات الباقية تحت التحصيل في مواعيد استحقاقها ، وعندما نشأ خلاف بين الطرفين حول عدة أمور من بينها عدم قيام الشركة البريطانية بتنفيذ التزاماتها المتعلقة بالمعونة الفنية وكون الآلات الموردة معيبة ومستعملة على خلاف ما كان مشترطاً في العقد ، قامت الشركة الألمانية برفع الأمر إلى التحكيم مطالبة بالتعويضات المناسبة ، وعقب ذلك لجأت الشركة البريطانية من جانبها إلى إقامة دعوى قضائية للمطالبة بقيمة الكمبيالات التي حلت تواريخ استحقاقاتها ولم يتم دفعها فتمسكت الشركة الألمانية باتفاق التحكيم طالبة من المحكمة البريطانية وقف الإجراءات المقامة أمامها وإحالة المطالبة بقيمة الكمبيالات إلي هيئة التحكيم باعتبار أنها موضوع دعوى مضادة مرفوعة أمام هيئة التحكيم ، فرفضت محكمة أول درجة الأمر بوقف الدعوى المقامة للمطالبة سداد قيمة الكمبيالات على أساس أنها غير مجحودة وليست صحتها كورقة تجارية محلاً لأي نزاع ، فقامت الشركة الألمانية باستئناف هذا الحكم ، فحكمت محكمة الاستئناف بوقف الدعوى القضائية أمام المحاكم البريطانية باعتبار أن سبب الالتزام الصرفي هو بيع الآلات للشركة الألمانية حيث صدرت الكمبيالات وفاء بثمنها ،وما دام عقد البيع مطروحاً على هيئة التحكيم لتقدير مدي جودة الآلات واستحقاق الثمن المتفق عليه فإن الكمبيالات التي تمثل ذلك الثمن تعد من الأمور المتنازع عليها والتي تدخل بالتالي في إطار التحكيم ، وعندما طعن بعد ذلك في هذا الحكم أمام مجلس اللوردات ، قضي بإلغاء حكم محكمة الاستئناف مستنداً إلى أن الأوراق التجارية لا تعد متنازع عليها ومحلا لخلاف إلا في حالة واحدة وهي صدورها بناء على غش ، وبالتالي ففي غير هذه الحالة لا يجوز اعتبار قيمتها محلاً لخلاف بين الساحب والمسحوب عليها وإلا انهارت الثقة في الكمبيالات وما في حكمها (42) .



هذه هي شروط صحة اتفاق التحكيم من حيث كونه تصرف قانوني والتي إذا ما توافرت أنتج اتفاق التحكيم أثره ، وألزمت محاكم الدول المنتمي إليها أطرافه بالاعتراف به والامتناع عن نظر النزاع موضوع اتفاق التحكيم وإحالة الأطراف إلى التحكيم .



ويجب أن نلاحظ أنه قد يكون هناك عناصر أخرى لصحة اتفاق التحكيم بحسب القانون الذي يخضع له اتفاق التحكيم ، وإنما عنينا بالإشارة إلى العناصر السابقة بوصفها موضع تقدير من القانون والقضاء في مختلف الدول .



ومن العناصر الأخرى اللازمة لصحة اتفاق التحكيم تعيين أسماء المحكمين ، وقد أثار هذا العنصر خلافاً كبيراً بين الشراح المصريين ، حيث أن منهم رأي صحة اتفاق التحكيم الخالي من تعين أسماء المحكمين على أساس أن القانون المصري لم يجعل من تخلف هذا العنصر سبباً لبطلان الحكم التحكيمي (43) وأن ومنهم من رأي بأن تعيين أسماء المحكمين يعد ركنا من أركان اتفاق التحكيم لا ينعقد بدونه ، ويترتب على ذلك لزوماً الحكم بطلان اتفاق التحكيم إذا ما كان خالياً من أسماء المحكمين ولم يتم تعينهم في مرحلة لاحقة في اتفاق مستقل (44) ، ولم يكن الخلاف بين الشراح المصريين بشأن هذا العنصر أقل من الخلاف بين المحاكم المصرية حيث ذهبت محكمة جنوب القاهرة الابتدائية إلي أن ( الثابت أنه لم يتم تحديد أسماء المحكمين أو المحكم في اتفاق مستقل أو لاحق لمشارطه التحكيم ومن ثم فإن الاتفاق على التحكيم في الدعوى الماثلة لم يستكمل شروطه وبالتالي فإن الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى لوجود شرط التحكيم يكون قد قام على غير سند من القانون وترفضه المحكمة (45) ويتضح من هذا الحكم أنه رتب بطلان اتفاق التحكيم جزاء على مخالفة شرط تعيين أسماء المحكمين وذهبت محكمة استئناف الإسكندرية إلي أن ( عدم تضمين شرط التحكيم أسماء المحكمين لا يترتب عليه بطلان شرط التحكيم سواء في ذلك أن يكون متفقاً على إجراء التحكيم في الداخل أو في الخارج ) (46) .



وفى رأينا أن الخلاف الناشئ بين الشراح المصريين وبين المحاكم المصرية ناتج من الطريقة التي صيغت بها المادة 503 من قانون التحكيم المصري ، حيث لم تنص في الفقرة الثالثة التي تناولت أسباب البطلان على البطلان كجزاء على عدم تعيين أسماء المحكمين في اتفاق التحكيم أو في اتفاق مستقل ، ومع ذلك نصت في الفقرة الثانية من نفس المادة على البطلان لمخالفة قاعدة الوترية ، حيث يصعب في رأينا الجمع بين الفقرتين بطريقة توضح مقصد القانون المصري ، وعلى كل فإن اتفاق التحكيم كغيرة من الاتفاقات لابد أن يستند إلى قانون معين يمده بقوته الملزمة وينظم وجودة وصحته ومصيره فإننا نرى هذا الخلاف لا تظهر أهميته إلا عند التمسك بالدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر النزاع لوجود اتفاق التحكيم بينما بعد صدور حكم التحكيم لا يمكن التمسك ببطلان حكم التحكيم لبطلان اتفاق التحكيم ما لم يكن قد تم التمسك بداية بالدفع بعدم صحة اتفاق التحكيم أمام محكمة التحكيم في بداية نظر النزاع ورفضته محكمة التحكيم واستمرت في نظر النزاع لأن البطلان الناشئ على عدم صحة اتفاق التحكيم في هذه الحالة هو بطلان نسبي يجب التمسك به من صاحب المصلحة في بداية نظر النزاع ، فقبول الخصوم المثول أمام محكمين معينين بالرغم من عدم تعينهم من قبلهم في اتفاق التحكيم أو اتفاق لاحق يعني تنازلهم عن التمسك بهذا البطلان .



وبالتالي في مقام تحليلنا لحالة بطلان حكم التحكيم لعدم صحة اتفاق التحكيم نقول في النهاية أنه يجب التمييز بين الحالات التي يكون فيها اتفاق التحكيم غير صحيحاً للوقوف على الغاية منها ، فمثلاً قد يكون اتفاق التحكيم غير صحيح لعدم كتابته ، ولما كانت الكتابة شرط لإثبات اتفاق التحكيم فإنه الاتفاق يكون صحيحاً متي كان ثابتاً بطريقة قاطعة من مسلك الخصوم في خصومة التحكيم كما إذا رفع المدعي دعوى إلى التحكيم ولم يعترض المدعى عليه على ذلك ، فما الفائدة من بطلان اتفاق التحكيم لعدم كتابته بينما يستفاد من موقف الطرفين إقرارهما بوجودة وبمضمونه ، وكذلك أيضاً قد يكون اتفاق التحكيم باطلاً لوقع إرادة أحد الطرفين في غلط ، فإذا ثبت بطريقة قاطعة تتضح من مسلك الخصوم علم الطرف الذي وقع في هذا الغلط بهذا الغلط ولم يتمسك به ، فإن اتفاق التحكيم يكون صحيحاً ، بعكس حالة عدم صحة اتفاق التحكيم لأن موضوع اتفاق التحكيم غير جائز حله عن طريق التحكيم حيث أن اتفاق التحكيم في هذه الحالة يكون غير صحيحاً لبطلانه بطلاناً مطلقاً لتعلقه بالنظام العام .



لذلك يمكن لنا في النهاية أن نضع قاعدة مهمة في حالة بطلان حكم التحكيم لعدم صحة اتفاق التحكيم وهي ، أن الدفع ببطلان حكم التحكيم لعدم صحة اتفاق التحكيم يجوز إثارته لأول مرة من خلال دعوى البطلان متي كان عدم صحة اتفاق التحكيم راجع إلى كون اتفاق التحكيم غير جائز حله عن طريق التحكيم أما إذا كان عدم صحة اتفاق التحكيم راجع إلى أسباب أخرى ، فإنه لا يجوز إثارة ذلك من خلال دعوى البطلان ما لم يتم التمسك به قبل ذلك أمام محكمة التحكيم .







الهوامش:



(3) غير أنه في إيطاليا تنص المادة 789 من قانون المرافعات على جواز مراجعة القرار الأجنبي المطلوب تنفيذه في ظروف معينة ، غير أن محكمة النقض الإيطالية قالت أن المادة المذكورة لا تنطبق على أحكام التحكيم الأجنبية - عزت البحيري ، تنفيذ أحكام التحكيم ، رسالة دكتوراه بإيطاليا ، 227 .



(4) فقد حكمت المحكمة السويدية العليا برفض اعتراض المحكوم عليه الليبي على طلب تنفيذ حكم التحكيم الصادر ضده ، والذي تقدم المحكوم له لتنفيذه في السويد ، حيث تمسك المحكوم عليه الليبي بطلب بطلان الحكم التحكيمي لأن المحكمين قد تناقضوا في أسباب حكمهم الصادر ضده ، حيث ذكروا أنه كان معذوراً في رفض استلام السفن المصنوعة بواسطة المحكوم له ، ومع ذلك حكموا في النهاية على المحكوم عليه الليبي بتسلم السفن التي قام بصنعها المحكوم له .



(5) غير أن ذلك لا يمنع المحكوم عليه في هذه الحالة إذا ما أراد أن يتمسك بهذه العيوب من رفع دعوى ببطلان الحكم التحكيم أمام محاكم الدولة التي صدر فيها الحكم ، كما حدث في الحكم السابق حيث قام المحكوم عليه الليبي برفع دعوى ببطلان حكم التحكيم أمام المحاكم الفرنسية لأن فرنسا بلد إصدار الحكم ، إلا أن طعنه قوبل بالرفض لأسباب أخرى .



(6) وشرط التحكيم هو نص وارد ضمن نصوص عقد معين يقرر الالتجاء إلى التحكيم كوسيلة لحل المنازعات التي قد تثور مستقبلاً بين المتعاقدين حول العقد وتنفيذه.



(7) ومشارطه التحكيم هي عبارة عن اتفاق يبرمه الأطراف منفصل عن العقد الأصلي وذلك للجوء إلى التحكيم في صدد نزاع قائم



فعلاً بينهما .



(8) ومن الجدير بالذكر أنه لا أهمية للتفرقة بين شرط التحكيم أو مشارطة التحكيم ، لأنهما ليس في الواقع سوى اتفاق تحيكم وطبيعتهما القانونية واحدة ، والواقع أن شرط التحكيم هو الأكثر شيوعاً من الناحية العملية ، حيث تبين أن ما يقرب من 80% من عقود التجارة الدولية أصبحت تتضمن شرطاً تحكيمياً . ناريمان عبد القادر ، اتفاق التحكيم ، دراسة مقارنة ، ط1 ، ( القاهرة : دار النهضة العربية ، 1996م ) 45 .



(9) سامية راشد ، التحكيم في العلاقات الدولية الخاصة ( القاهرة : دار النهضة العربية ، 1984م ) ، 309 .



(10) غير أن ذلك لا يمنع من القول بوجود تحيكم إجباري يفرضه الشارع على الخصوم ويضع القواعد المنظمة لأحكامه ، ومن أمثلة ذلك التحكيم في منازعات القطاع العام الذي نظمه القانون المصري بالقانون رقم 60 لسنة 1971م - وحتى في هذا النوع من التحكيم لا يمكن القول بأن التحكيم خلى من طبيعة الإرادية لأن إرادة الأطراف لا تنمحي تماماً ، إذ يجب أن يكون لإرادتهم أثراً ، وإلا كان قضاء دوله ، فكل ما يفرضه الشارع في التحكيم الإجباري ، هو التحكيم ذاته من حيث المبدأ ، ويترك للأطراف حرية تنظيم عملياته كلها أو بعضها . ناريمان عبد القادر ، المرجع السابق ، 58 .



(11) مصطفي محمد الجمال ، وعكاشة محمد عبد العال ، المرجع السابق ، 299 .



(12) انظر في الاتجاهات المختلفة في هذا المقام لدى : فوزي محمد سامي ، التحكيم التجاري الدولي ، ط2 ، ( عمان : دار الثقافة للنشر والتوزيع ، 1992م ) ، 188 وما بعدها .



(13) مجموعة أحكام محكمة النقض المصرية لسنة 36 قضائية ، حكم رقم 279 ، 1416 .



(14) وقد حاول البعض التغلب على هذه الصعوبة بالقول بوجوب إعمال قواعد الإسناد في قانون مقر التحكيم ، بينما ذهب البعض الأخر إلى ترك الحرية للمحكم لتحديد ذلك القانون . انظر ذلك تفصيلاً لدى : مصطفي محمد الجمال ، وعكاشة محمد عبد العال ، المرجع السابق ، 308 .



(15) محمود السيد عمر التحيوى ، عقد التحكيم وإجراءاته ، رسالة دكتوراه ( جمهورية مصر العربية : جامعة المنوفية ، كلية الحقوق ، 1995 ) ، 374 – 376 .



(16) المرجع السابق ، 232- 234 .



(17) محمد نور عبد الهادي شحاته ، المرجع السابق ، 306 .



(18) وإذا كان القانون المصري قد تطلب الكتابة لصحة اتفاق التحكيم ، إلا أنه يفهم من نص المادة الثانية عشر من قانون التحكيم الجديد والتي تنص على " يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً وإلا كان باطلاً ، ويكون اتفاق التحكيم مكتوباً إذا تضمنه محرر وقعه الطرفان أو إذا تضمنه ما تبادله الطرفان من رسائل أو برقيات أو غيرها من وسائل الاتصال المكتوبة " أنه لم يشترط شكلاً معيناً لهذه الكتابة .



(19) مصطفى محمد الجمال ، وعكاشة محمد عبد العال ، المرجع السابق ، 377 .



(20) عزت البحيري ، المرجع السابق ، 245 .



(21) سامية راشد ، المرجع السابق ، 242- 243 ، ويبدو لي أن هذه العلة التي قال بها القضاء الإيطالي لرفض تنفيذ حكم التحكيم المشار إليه في المتن ، لم تكن هي بمفردها وبالطريقة المصاغة بها من قبل المؤلفة القاضية برفض الطعن بالبطلان ، وإذا كان الأمر كذلك فيمكن لي القول أن محكمتي الاستئناف والنقض الإيطاليين لم تكونا موفقتين فيما قضيا به لأنه عند إثارة الطعن ببطلان اتفاق التحكيم ، يجب البحث كمسائلة أولية على القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم لمعرفة صحته من عدمه طبقاً للفقرة أ/1/5 من اتفاقية نيويورك ، وعلى هذا إذا كان القانون الإيطالي هو الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم في هذا الحكم كان لدفع المدعى عليها محلاً وسنداً من الاتفاقية نفسها لأنها تحيل إلى القانون الإيطالي في تقدير صحة اتفاق التحكيم ، ومن ثم يكون الحكم متناقضاً مع نفسه لأنه في الوقت الذي يتمسك به في الاتفاقية لإهمال القانون الإيطالي ، نجد أن الاتفاقية تشير إلى تطبيق القانون الإيطالي ، ولكن عموماً يبدو لي أن القانون الإيطالي لم يكن هو القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم ، وإنما القانون الإنجليزي لكون التحكيم قد تم في بريطانيا وقد لا يشترط القانون الإنجليزي في اتفاق التحكيم ما أشارت إليه الطاعنة في المواد 1341 ، 1342 من القانون الإيطالي .



(22)راجع تفصيلاً هذا الأمر لدى محسن شفيق ، القانون التجاري المصري ، ط1 ، ج2 ( القاهرة : دار النهضة العربية : 1951 ) ، 460 .



(23) عزت البحيري ، المرجع السابق ، 239 .



(24) المادة 5/1/أ من الاتفاقية .



(25) عصام الدين القصبي ، المرجع السابق ، 75 .



(26) المرجع السابق ، 333 .



(27) سامية راشد ، المرجع السابق ، 323 .



(28) سامية راشد ، المرجع السابق ، 330 .



(29) المرجع السابق ، 312 .



(30) غير أنه يجب ملاحظة ما تقضي به نظرية امتداد البطلان إذا تبين من الظروف إن إرادة المتعاقدين ما كانت لتنتهي إلى إبرام العقد الأصلي فيما لو كان قد تبين أن شرط التحكيم باطل عند التعاقد .



(31) سامية راشد ، المرجع السابق ، 313 ، حيث تري سعادتها أن الترجمة العربية لنص المادة 5/ا/أ من الاتفاقية قد خرجت إلى حد ما عن الأصل المعتمد ، حيث ورد بالترجمة العربية الرسمية والتي أعتمد فيها على المحلق المنشور لدي عبد الحميد الأحدب ، في المرجع السابق ، 380 - أنه لا يجوز رفض الاعتراف وتنفيذ الحكم بناء على طلب الخصم الذي يحتج عليه بالحكم إلا إذا قدم هذا الخصم الدليل على " أن أطراف الاتفاق المنصوص عليه في المادة الثانية كانوا طبقاً للقانون الذي ينطبق عليهم عديمي الأهلية أو أن الاتفاق المذكور غير صحصح وفقاً للقانون الذي أخضعه له الأطراف أو عند عدم النص على ذلك طبقاً لقانون البلد الذي صدر فيه الحكم فقد خرجت عبارة ( أو عدم النص على ذلك ) إلى حد ما عن الأصل المعتمد الذي هو ( أو غياب أية إشارة إلى ذلك ) ، وهناك فارق بين عدم النص على اختيار القانون الواجب التطبيق وبين غياب أية إشارة ذات دلالة في شان اختياره ، فالعبارة الأخيرة تغطي بالضرورة الاختيار الضمني ، بينما يصعب تفسير العبارة الأولي على نحو يضم أية صورة أخرى غير الاختيار الصريح .



([1]) اعتمدت في هذا الحكم على سامية راشد ، المرجع السابق ، 313 .



(32) رضا محمد إبراهيم عبيد ، شرط التحكيم في عقود النقل البحري ، مجلة الدراسات القانونية ، كلية الحقوق جامعة أسيوط ، ع ،6 يونية 1984م ، 207 .



(33) سامية راشد ، المرجع السابق ، 334 .



(34) عبد الحميد الأحدب ، المرجع السابق ، 348- 349 .



(35) سامية راشد ، المرجع السابق ، 393- 394 .



(36) راجع ملحق الترجمة العربية لاتفاقية نيويورك ، المادة 5/2/أ ، عبد الحميد الأحدب ، المرجع السابق ، 379 .



(37) سامية راشد ، المرجع السابق ، 390 .



(38) عزت محمد على البحيري ، المرجع السابق ، 247 .



(39) المرجع السابق ، 248 .



(40) سامية راشد ، المرجع السابق ، 391 .



(41) سامية راشد ، المرجع السابق ، 384- 385 .



(42) أحمد أبو الوفاء ، المرجع السابق ، 15 .



(43) سامية راشد ، المرجع السابق ، 87 .



(44) حكم محكمة جنوب لقاهرة الابتدائية بتاريخ 26/4/1984م في الدعوى رقم 3061 لسنة 1983م . غير منشور .













مكتب / محمد جابر عيسى المحامى


طبيعةأوامر الأداء والطعن فيها - الجزء الثاني








حكم المادتين 384 و 406 مرافعات .



نصت المادة 384 مرافعات في فقرتها الاولي علي مبدا عام هونسبة الاثر المترتب علي الطعن في الحكام فلا يفيد من الطعن الا رفعه ولا يحتج به إلا علي من رفع عليه ثم استثنت في فقرتها الثانية والثالثة من ذلك المبدأ حالات فنصت بانه " إذا كان الحكم صادرا في موضوع غير قابل للتجزئة او في التزام بالتضامن او في دعوي يوجب القانون فيها اختصام اشخاص معينين جاز لمن فوت ميعاد الطعن من المحكوم عليهم او قبل الحكم ان يطعن فيه اثناء نظر الطعن المرفوع في الميعاد من احد زملائه منضما اليه في طلباته واذا رفع الطعن علي احد المحكوم لهم في الميعاد وجب اختصام الباقين ولو بعد فواته بالنسبة لهم وكذلك يفيد الضامن وطالب الضمان ومن الطعن المرفوع من ايهما في الحكم الصادر في الدعوي الاصلية اذا اتخذ دفاعهما فيها واذا رفع طعن علي ايهما جاز اختصام الاخر فيه .



في حين نصت المادة406 مكرر مرافعات بشان الاستئناف المرفوع بتقديم عريضة الي قلم الكتاب علي انه " في الثلاثين يوما التالية لتقديم عريضة الاستئناف يجب علي المستانف ان يعلن استئنافه الي جميع الخصوم الذين وجه اليهم الاستئناف الذين وجه اليهم المستانف والا كان المستانف باطلا وحكمت من تلقاء نفسها ببطلانه



ولا مراء في ان مجال تطبيق نص المادة 406 مكرر مرافعات هو حالة الاستئناف المرفوع بعريضة الي قلم الكتاب لا بورقة تكليف بالحضور لأن ميعاد المادة 406 مكرر مرافعات خاص باعلان الاستئناف بعد رفعه عريضة الي قلم الكتاب .



أما ميعاد الطعن الذي تتحدث عنه المادة 384 مرافعات سالفة الذكر ميعاد رفع الاستئناف المقرر قانون في م 402 مرافعات وهو يسري كما قدمنا سواء رفع الاستئناف بطريق التكليف بالحضور او بتقديم عريضة الي قلم الكتاب وبذلك يتحدد في رأينا نطاق تطبيق حكم كل من المادتين 384/2و406 مرافعات ، فتطبق حكم المادة 384/2 مهما كان الطريق الذي رفع به الاستئناف في حالات عدم تجزئة موضوع الطعن او التضامن في الالتزام او وجوب اختصام اشخاص معنين قانونا في الدعوي فيما يختص بمواعيد الطعن ورفع الاستئناف في الميعاد أو بعد فواته .



فإذا كان الاستئناف قد رفع بأي طريقة علي احد المحكوم لهم في الميعاد واختصم اخر فيه بعد الميعاد فإنه لا يجوز اعتبار الاستئناف المرفوع علي من رفع عليه الاستئناف بعد الميعاد غير مقبول شكلا لان المادة 384/2 مرافعات قد اوجبت في تلك الحالات اختصام باقي المحكوم لهم ولو بعد الميعاد .



وينطبق حكم المادة 406 مكرر مرافعات فقط في حالة رفع الاستئناف بعريضة الي قلم الكتاب فيما يختص بصحة الاستئناف بعد رفعه وبعدم صحته فقد ابطلت المادة 406 مكرر الاستئناف المرفوع بعريضة الي قلم الكتاب الاستئناف كطريق من طرق الطعن – اذا لم يعلن خلال ميعاد ثلاثين يوما من رفعه( بتقديم العريضة الي قلم الكتاب ) إلي جميع الخصوم الذين وجه اليهم الاستئناف .



فإذا اعلن الاستئناف في هذه الحالة الي بعض المستأنف عليهم بعد الميعاد بطل بالنسبه له الا اذا كان موضوع الطعن غير قابل للتجزئة او كان عن التزام بالتضامن او في الحالات التي يوجب القانون اختصام اشخاص معينين ـ فإن بطلان الاستئناف بالنسبة لأحد المحكوم لهم يستوجب بطلانه بالنسبة للجميع ( المذكرة التفسيرية للقانون 264 سنة 1953 المعدل لقانون المرافعات ) ذلك لانه اذا بطل الاستئناف بالنسبة لاحدهم اصبح الحكم نهائيا بالنسبة له واصبح حقه المكتسب في هذه الحالة يفضل امل المستانف في كسب طعنه بالنسبة الي الباقين ( نقض 18 يونية سنة 1953 مجموعة الكتب الفني س 4 ص 1137 ) .



وتفريعا على الراى المتقدم نرى انه يجوزاعمال حكم المادة384\2مرافعات فى مرحلة رفع الاستئناف بعريضة فى حالات التضامن وعدم التجزئة او وجوب اختصام اشخاص معينين بالنسبة لميعاد رفع الاستئناف فيصبح رفع الاستئناف بتقديم عريضة قبل بعض المحكوم لهم ولو بعد الميعاد المبين بالمادة 402 مرافعات متي كانت قد قدمت عريضة استئناف في الميعاد بالنسبة لباقي المحكوم لهم وعلي العكس لا يجوز اعمال حكم 384/2 مرافعات بالنسبة لميعاد اعلان الاستئناف المرفوع بعريضة الي قلم الكتاب في تلك الحالات السالفة فلا يجوز اعلان بعض المحكوم لهم المستانف عليهم بعد ذلك الميعاد ويبطل الاستئناف كله حتي بالنسبة للمحكوم له الذي اعلن به في الميعاد .



ولكن يري الدكتور أبو الوفا في كتابيه المرافعات ونظرية المرفوع ان البطلان المقرر بالمادة 406 مكرر يحكم بخ بالنسبة لمن لم يعلن بالاستئناف المرفوع بعريضة في الميعاد ويكون صححا بالنسبة لمن اعلن به في الميعاد دون ان يستثني من ذلك احوال التضامن وعدم التجزئة وكذلك الاحوال التي يوجب القانون فيها اختصام اشخاص معينين واستدل علي هذا الراي



اولا :- ما نصت عليه المادة 384/2 مرافعات من انه يكفي رفع الاستئناف في الميعاد في الاحوال سالفة الذكر بالنسبة لاحد المحكوم لهم وانه لا يتصور ان يسقط حق المستانف بعريضة الي قلم الكتاب الذي وجهه الي جميه المحكوم عليهم مع ان حقه لا يسقط اذا وجهه الي بعضهم واعلنهم في الميعاد



ثانيا :- ان م 384/2 مرافعات اجازت للمحكوم عليه رفع الطعن ولو بعد فوات ميعاد الطعن او قبوله الحكم منضما الي الطعن المرفوع من احد زملائه في الميعاد في الاحوال الثلاثة سالفة الذكر



ثالثا :- انه لا يتصو التفرقة بين رفع الاستئناف بعريضة الي قلم الكتاب ورفعه بصحيفة تعلن الي المستانف عليه وانه لا معني لهذه التفرقه ( المرافعات للدكتور ابو الوفا ص 687 و 748 ونظرية الدفوع للدكتور ابوالوفا ص 287 )







علي اننا نري ان الراي المعارض مردود بما وضعه المشرع من فوارق بين رفع الاستئناف بعريضة ورفعه بورقة تكليف بالحضور من حيث اجراءات كل من الطريقين وحالاتهما والمواعيد التي حددها لتلك الاجراءات كما انه مردود بان الميعاد الذي تتحدث عنه المادة 384/2مرافعات – كما قدمنا – هو ميعاد رفع الطعن الذي قد يرفع بعريضة او بتكليف بالحضور اما الميعاد الذي تناولته المادة 406 مكرر مرافعات فهو ميعاد اعلان الاستئناف المرفوع بعريضة فى محل لتطبيق حكم المادة 384/2 في الحالة الثانية بالنسبة لميعاد اعلان الاستئناف المرفوع فلا بعريضة ومردود كذلك بان نص المادة 406 مكرر مرافعات مقابل لنص المادة 432 مكرر التي اوجبت في حاله الطعن بالنقض الذي يتم بتقرير يودع بقلم كتاب محكمة النقض اعلان الطعن بعد صدور قرار دائرة المطعون باحالته – الي جميع الخصوم الذين وجه الطعن اليهم بورقة من اوراق المحضرين وذلك خلال الخمسة عشر يوما التالية لقرار الاحالة كما ان نص المادة 406 مكرر يطابق لنص المادة 431 مرافعات ( قبل تعديلها بالقانون 401 سنة 955 ثم تضمنه نص المادة م 432 مكرر سالف الذكر )



قضاء النقض :-



وقد قضت محكمة النقض بان بطلان اعلان الطعن تقرير الطعن بالنقض بالنسبة لاحد الخصوم الواجب اختصامهم في موضوع غير قابل للتجزئه يترتب عليه بطلانه لجميع المطعون ضدهم ( المحكوم لهم ) استاذا الي انه لا يجوز التحدي في هذه الحالة بنص المادة 384/2 مرافعات لان حكمها ينصب علي مواعيد الطعن ولان الاصل انه اصبح الحكم نهائيا بالنسبة لبعض الخصوم في موضوع غير قابل للتجزئة فان حقهم المكتسب في هذه الحالة يفضل امل الطاعن في كسب طعنه بالنسبة للباقين ( نقض 18 يونيه سنة 1953 مجموعة المكتب الفني س 4 ص 1137 ونقض 7 فبراير سنة 1952 مجموعة المكتب الفني س 4 ص 444 ونقض 9 فبراير سنة 1956 ومجموعة المكتب الفني س 7 كما قضت بانه " لما كان الاختصام في الطعن بطريق النقض وفقا للمادة 429 مرافعات لا يكون الا بتقرير يحصل في قلم كتاب المحكمة شامل لاسماء الخصوم جميعا وكان يجب اعلانه اليهم في الخمسة عشر يوما التالية لتقرير الطعن وفقا للمادة 431 مرافعات ولا كان الطعن باطلا دون ان يعني من ذلك ما نصت عليه م 384 / 2 مرافعات لان هذا النص مقيد في الطعن بالنقض بما تفرضه المادتان 492 و 431 من قانون المرافعات فان مؤدي ذلك انه وان كان الطعن بطريق النقض في موضوع غير قابل للتجزئة او في دعوي يوجب اختصام القانون اشخاص معينين فيها يكون مقبولا متي قرر في ميعاده بالنسبة الي احد المحكوم لهم ولو كان هذا الميعاد قد فات بالنسبة للباقين الا انه يجب في هذه الحالة اختصام الجميع في ذات التقرير بالطعن واعلانهم به جميعا في الميعاد المنصوص في الماة 431 مرافعات ولا كان الطعن باطلا بالنسبة لجميع المطعون عليهم " ( نقض 11 مارس 954 مجموعة المكتب الفتي س5 ص 610 ) .



ثم قضت محكمة النقض بالنسبة لميعاد رفع الطعن بانه ط متي كانت الطاعنة قد قررت طعنها في الحكم بعد الميعاد المنصوص عليه في المادة 428 مرافعات بالنسبة للمطعون عليه الاول الا انه لما كان الحكم قد صدر بالزام المطعون عليهما بالتضامن فانه وفقا لمادة 384/2 مرافعات يكون الدفع بعدم قبول الطعن شكلا في غير محله طعن الطاعنة وهي محكوم عليها برفض بعض طلباتها قد رفع علي المطعون عليه الثاني ( المحكوم له في الميعاد اذ لم يعلن اليه الحكم ولم يعلنه هو ( نقض 30 ابريل سنة 1953 مجموعة المكتب الفني س 4 ص 963 ) كما قضت محكمة النقض باعمال حكم م 384 مرافعات " اذا كان الحكم المطعون فيه صادرا في موضوع غير قابل للتجزئة فان للطاعهن الاول وهو احد المحكوم عليها والذي قرر بطعنه بعد الميعاد القانوني ان يفيدمن الطعن المرفوع من الطاعنه التانية متي كان منضما اليها في طلباتها "( نقض 29 يناير سنة 1953 مجموعة المكتب الفني س 4 ص 411 )



ويبين من قضاء النقض سالف الذكر انه يفرق بين ميعاد رفع الطعن وميعاد اعلان تقرير الطعن فيجيز تطبيق المادة 384/2 مرافعات في الحالة الاولي ولا يعمل حكما في الحالة الثانية وليس في هذا القضاء ما يعيبه اذ ان نظام رفع الطعن بالنقض بالتقرير به قلم الكتاب قد اقتضي ان ينص المشرع علي ميعاد لرفع الطعن وميعاد اخر لاعلان الخصوم المطعون عليهم بتقرير الطعن كما ان صريح نص المادة 384/2 يقتصر حكمها علي ميعاد رفع الطعن بينما نص المادة 406 مكرر يقتصر علي حالة اعلان عريضة الاستئناف التي رفع بايداعها قلم الكتاب كما ان نص المادة 432 مكرر ( 431 قبل تعديلها ) لا يتناول الا حكم اعلان تقرير الطعن بالنقض للخصوم ولما كان المشرع في تفنينه المادة406 مكرر قد استلهم نظام الطعن بالنقض المقرر بالماتين 429و 431 مرافعات وطبقة في الاستئناف بصفه عامة فان مجال تطبيق المادة 384/2 مرافعات بالنسبة للطعن في امر الاداء او في الحكم الصادر في المعارضة في امر الاداء انما يتحدد بالنسبة لميعاد رفع الطعن سواء كان بعريضة الي قلم الكتاب ام بتكليف بالحضور اذ كان موضوع الامر من الدعاوي المنصوص عليها في المادة 118 مرافعات او كان الحكم المطعون فيه صادرا في المعارضة في امر الاداء ولا يمتد حكم المادة384/2 الي ميعاد اعلان عريضة الطعن المودعة بقلم الكتاب اذا كان طريق الطعن هو بايداع عريضة بقلم كتاب المحكمة كما في حالة الاستئناف ( م 406 مكرر ) او النقض ( م 432 مكرر)







واذا كان مؤدي القواعد المتقدمة انه اذا كان موضوع الدعوي الصادرة فيها الحجكم المستانف بتاييد امر الاداء مثلا التزام بالتضامن اختصام الباقين ولو كان اختصامهم بعد الميعاد القانوني لرفع الاستئناف دون ان يبطل ذلك الاستئناف وذلك عملا بالمادة 384/2 التي تطبق في هذه الحالة وكان الحكم يتغير اذا استؤنف امر الاداء مباشرة ورفع الاستئناف بعريضة الي قلم الكتاب وكان موضوعه التزام بالتضامن او لا يقبل التجزئة فانه وان يختصم في عريضة الاستئناف بعض المحكوم لهم بعد الميعاد المقرر لرفع الاستئناف في الميعاد متي اختصم الاخرين في الميعاد الا انه لا يجوز له عند اعلان عريضة الاستئناف في الميعاد المحدد بالمادة 406 مكرر الا ان يعلن جميع الخصوم في الميعاد المذكور والا وقع الاستئناف باطلا اذ لا يمكن فياحوال التضامن وعدم التجزئة ابطال الاستئناف بالنسبة للاخرين . نقول اذا كان الحكم في الحالتين : حالة استئناف حكم المعارضة في امر الاداء واستئناف امر الاداء مباشرة دون معارضة متباينا او غير متجانس فان وزر ذلك يقمع علي المشرع الذي جعل لرفع الاستئناف طريقين مع انه كان يهدف الي تبسيط اجراءات الطعن بالاستئناف



20- اقتراح بتعديل بعض النصوص



واذا كان لنا ان نقترح بعض التعديلات في النصوص الخاصة باوامر الاداء في قانون المرافعات منعا للخلاف بشان طبيعتها وطرق الطعن فيها وزيادة في ايضاح مقصد الشارع في هذه المسالة وهدفه في تبسيط الاجراءات فانا تقترح التعديلات الاتية :-



اولا :- تعديل المادة852 فقرة اولي كالاتي :-



يكون رفع دعوي المطالبة بدين مما ذكر بالفقرة الاولي من المادة السالفة بعريضة يقدمها الدائن او وكيله الي قاضي محكمة المواد الجزئية التابع لها موطن المدين او رئيس الدائرة المختصة بالمحكمة الابتدائية بحسب الاحوال مالم يقبل المدين اختصاص محكمة اخري بالفصل في النزاع وذلك بعد ان يكلف الدائن مدينة اولا وفاء الدين بميعاد ثلاثة ايام علي الاقل ولا كانت الموفوعة علي غير تقدم غير مقبوله



ثانيا – تعديل المادة 853 فقرة اولي كالاتي :-



يجب ان يرفق بعريضة طلب الامر بالاداء سند الدين وما يثبت حصول التكليف بوفائه ويبقي هذا السند في قلم السند في قلم الكتاب الي ان يمضي الميعاد المنصوص عليه في المادة 855



ثالثا :- تعديل المادة 853 فقرة ثالثة كالاتي :-



" ويصدر الامر بالاداء علي احدي نسختي العريضة خلال ثلاثة ايام علي الاكثر من تقديمها ويجب ان يبين بالامر المبلغ الواجب اداؤه من اصل وفوائد ومصاريف ويعتبر الامر بمجرد صدوره بمثابة حكم غيابي "



رابعا:- تعديل المادة 857 مكرر كالاتي :-



م 857 مكرر :" تسري علي الامر بالاداء وعلي الحكم الصادر في المعارضة فيه الاحكام الخاصة بالنفاذ المعجل وطرق الطعن في الاحكام ويرفع الاستئناف عن ايهما بتكليف بالحضور علي الوجه المبين بالمادة 405/2 مهما كان موضوع الدعوي "....



وبالله التوفيق .