مجلة المحاماة - العدد الرابع
السنة الخامسة - يناير سنة 1925
استثمار أموال القصر والمحجور عليهم
وودائع المحاكم الأهلية والشرعية
اقتراح
مقدم لوزارتي الحقانية والمالية
من مبادئ الرقي العصري في السياسة المالية وجوب استثمار الأموال المدخرة وعدم جمودها في الخزائن.
وإذا حسن ذلك في أموال من كان مطلق التصرف فأحرى أن يراعى في أموال عديم الأهلية.
لذلك فإنا نشكر لإدارة المجالس الحسبية سعيها في حمل الأوصياء والقوام على استثمار أموال محجوريهم بشراء سندات مالية للحكومة ذات فائدة مضمونة أو بشراء عقارات ذات إيراد أو بتسليفها بالفائدة القانونية بتأمين عقاري صحيح.
على أنه من المحقق أنه يصعب على بعض الأوصياء والقوام سلوك هذا السبيل بسبب عقبات أو موانع شخصية أو مركزية فيترتب على ذلك جمود المال الكثير بدون ثمرة لأصحابه زمنًا طويلاً.
وقد تحقق لي أن متوسط مجموع المبالغ الجامدة في خزائن المجالس الحسبية يبلغ سنويًا نحو أربعمائة ألف جنيه، ومتوسط ما في أيدي الأوصياء والقوام يبلغ حوالي مائتي ألف جنيه فتكون الجملة ستمائة ألف جنيه ليس من حسن السياسة تركها عديمة الثمرة.
وقد طرأ على فكري اقتراح في معالجة هذه الحالة عرضته منذ شهر مارس الماضي على وزارة الحقانية وآثرت نشره ليبحثه رجال القانون ورجال المالية من الوجهتين الحقوقية والاقتصادية عسى أن يخرج من بحثه ممحصًا ذا فائدة للمصلحة العامة.
أما العلاج الذي أقترحه فهو أن تشتري الحكومة بقيمة متوسط المبالغ المودعة لديها ولدى الأوصياء الذين يلزمون بتسليمها ما لديهم، أعني بقيمة الستمائة ألف جنيه سندات مالية من سندات الدين المصري الموحد أو الدين الممتاز ذات فائدة تبلغ الآن حوالي خمسة ونصف بالماية أو ما يقرب من هذه النسبة، وتحفظ الحكومة هذه السندات لديها على ذمة أصحاب الودائع من عديمي الأهلية بحيث تكون هذه السندات مملوكة في الواقع لأصحاب الودائع التي دفعت في ثمنها، ويعتبر أصحاب الودائع شركاء في شركة محاصة مدنية رأس مالها الستمائة ألف جنيه التي اشتريت بها السندات، ويحق لهم اقتسام أرباحها التي تبلغ بواقع 5.5 بالماية 33000 جنيهًا فإذا توزعت هذه الأرباح على رأس المال أصاب كل مائة غرش من رأس المال خمسة غروش ونصف وهي غلة قل أن تعطيها أفضل الأطيان.
على أني أرى أن لا يعطى صاحب الوديعة ربحًا يزيد عن أربعة في الماية من قيمة ماله وأن تحفظ الحكومة ما يزيد من ريع السندات نظير مصاريف إدارتها لهذا العمل وأن لا يحاسب صاحب الوديعة على نصيبه من الربح إلا منذ بدء الشهر التالي لإيداعه أمواله وحتى نهاية الشهر السابق لتاريخ سحبه الوديعة على مثال ما هو جارٍ في ودائع صندوق التوفير بالبوستة.
وأرى في الأربعة بالمائة فائدة جليلة تفضل ما يُعطَى من الفائدة من السندات إذا اشتراها وكيل صاحب الوديعة مباشرةً لأن المشتري يضيع عليه زمن لحين الشراء ويبذل مصاريف كثيرة في الشراء والبيع ويخاطر في تحمل بعض الخسارة إذا نزلت قيمة السندات وقت البيع أما الحكومة فإنها إذا اشترت السندات فهي تدين ذاتها وهي لا تضطر لبيعها في وقت من الأوقات، هذا فضلاً عن أنه لا يصح أن تتوقع الحكومة هبوط أسعار سنداتها وإلا كانت عديمة الثقة بمكانتها المالية.
وليس في إعطاء الفائدة غبن على الحكومة لأن المادة (493) من القانون الأهلي المدني أوجبت على حافظ الوديعة أن يرد محصولها وفوائدها، فدفع الفائدة لأصحاب الودائع حق شرعي لهم في ذمتها لأنها هي تتقاضى فائدة عن تلك الودائع من البنك الأهلي حيث مودعة جميع أموالها الجامدة.
وقد يصح تطبيق هذا الاقتراح ليس فقط على أموال القصر المحجور عليهم، بل أيضًا على الأموال المودعة في خزائن المحاكم الأهلية حيث تبقى الشهور بل السنين الطويلة بدون أن يستفيد منها أصحابها بينما تأخذ عنها الحكومة رسم إيداع قدره واحد بالماية وتتقاضى الحكومة فائدة تذكر عن إيداعها بالبنك الأهلي [(1)].
ويصح أيضًا تطبيق هذه القاعدة في ودائع المحاكم الشرعية حيث يوجد عشرات بل مئات الآلاف الجنيهات محفوظة لذمة شراء عقارات لأوقاف أهلية فتبقى جامدة عاطلة الزمن الطويل لما يعترض قبول البدل من العقبات الكثيرة.
وأرى أخيرًا أنه إذا لم ترضَ الحكومة القيام بهذه العملية فيصح أن يوكل بها لبنك مصر الذي لا يرفضها لما فيها من الفائدة الأكيدة فضلاً عما فيها من الخدمة الوطنية التي أنشئ من أجلها ذلك المصرف الوطني.
وأرجو أن لا يقوم على الطريقة المقترحة اعتراض شرعي يحول دون إمكان تنفيذ الاقتراح بحجة تحريم الشرع الإسلامي التعامل بالفوائد فإن الأمر محلل شرعًا بشركة المحاصة التي ذكرتها آنفًا فضلاً عن أن هناك فتاوى مشهورة تجعل الأمر ميسورًا شرعًا ولا تعتبر فائدة السندات من الربا المحرم.
وفي سائر الأحوال فإننا اليوم في عصر جديد يقضي بضرورة استثمار الأموال المخزونة فإذا ما جارينا الرقي الغربي في ذلك كان جمودنًا سببًا في ثبوت تغلب الغرب علينا في مضمار التجارة والصناعة الذي يحركهما المال غير الجامد، ولا نجني من نهضتنا السياسية فائدة تذكر إذ نرى أنفسنا مثقلين بالدين المطلوب للغرب فتذهب فيه ثروة بلادنا وثمرة جهودنا.
إذًا يخلق بنا أن نتنبه فنسير إلى الأمام في تلك النهضة المباركة التي تقدمنا فيها رجال بنك مصر بالأعمال المالية والتجارية والصناعية فكانوا لنا قدوة حسنة وأظهروا للغربيين مثلاً صالحًا لما يرجى أن يأتيه الشرقيون من العمل النافع.
إميل بولاد
المحامي
[(1)] إن المحاكم المختلطة تتناول على ودائعها بالبنك الأهلي فائدة سنوية قدرها ثلاثة بالماية تعطي اثنين منها لأرباب الودائع.
بسم الله الرحمن الرحيم
أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية
23 سبتمبر 2011
السبب الصحيح في التقادم الخمسي والأوضاع الشكلية في التسجيل الجديد
مجلة المحاماة - العدد السادس
السنة السابعة – مارس سنة 1927
السبب الصحيح في التقادم الخمسي
والأوضاع الشكلية في التسجيل الجديد
للدكتور عبد السلام ذهني بك القاضي بمحكمة مصر الكلية الأهلية
والأستاذ السابق للقانون المدني والتجاري بكلية الحقوق بالجامعة المصرية
السبب الصحيح عند الرومان:
1 - الأوضاع الشكلية في العهد الأول.
2 - القاضي الروماني وصحيفة النزاع والملكية الحيازية.
3 - ما يرمي إليه القاضي الروماني من منشوراته السنوية.
السبب الصحيح والقانون الفرنسي:
1 - أركان السبب الصحيح من الوجهة القانونية البحتة.
2 - السبب الصحيح والعقود الباطلة بأنواعها الثلاثة.
3 - السبب الصحيح والأوضاع الشكلية للعقود الشكلية.
السبب الصحيح في القانون المصري:
1 - القانون المصري والفرنسي واحد.
2 - المذهب القائل باعتبار المالك من طبقة الغير.
3 - أركان التقادم الخمسي ثلاثة: التعاقد والمدة والنية.
4 - في التقادم الخمسي والتقادم الطويل وأثر السبب الصحيح في الأول.
5 - اختلاف وجهة النظر في تقرير السبب الصحيح عند الرومان وفي القوانين المصرية والفرنسية الحاضرة.
6 - السبب الصحيح والتقادم الخمسي شرط مصادفة المجلس الحسبي ونظرية علم الأفراد بقيود القانون.
السبب الصحيح وقانون التسجيل الجديد:
1 - الالتزامات الشخصية بالمادة الأولى من قانون التسجيل الجديد.
2 - الأوضاع الشكلية وانتقال الملكية وارتباطها بالالتزامات الشخصية.
3 - العقد غير المسجل والبطلان المطلق.
قررنا بكتابنا في الأموال (صـ 571 - 575 ن 398 - 399) وبمقالنا المنشور بمجلة المحاماة (المجلد (6) صـ 597 - 629) وبرسالتنا في التسجيل وحماية المتعاقدين والغير (صـ 22 ن 21) أن نظرية التقادم الخمسي قد تأثرت بقانون التسجيل الجديد، وأنه لا بد في العقد لأجل أن يكون سببًا صحيحًا بالمعنى القانوني الصحيح أن يكون مسجلاً، وأنه في حالة عدم تسجيله لا يعتبر سببًا صحيحًا مملكًا بمضي خمس سنوات، وأنه لا بد من مضي مدة 15 سنة للتملك، أي لا بد من التقادم الطويل، وقد أوضحنا ذلك على الأخص بكتابنا في الأموال وأتينا بالعلل القانونية من جميع وجوهها، بما أوجزناه بمقالنا بالمحاماة.
ولقد قرأنا أخيرًا للأستاذ حامد بك فهمي المحامي بحثًا قيمًا بمجلة المحاماة (المجلد (7) صـ 97 - 103) أفاض فيه القول بنقض رأينا وذهب فيه غير ما ذهبنا، وقال بصحة السبب الصحيح إذا لم يكن مسجلاً، وأن التقادم الخمسي جائز برغم عدم تسجيل العقد الحاصل بين البائع غير المالك والمشتري، ورجع في تأييد رأيه إلى القانون الروماني وإلى أصول التسجيل الفرنسي الموضوع سنة 1855، وإلى ما قرره قضاؤه وفقهه، وإلى القانون المصري وقضائه وفقهه، وإلى أن قانون التسجيل الجديد لم يمس التقادم الخمسي في شيء ما، ثم ختم بحثه بأن (اشتراط تسجيل السبب الصحيح لإفادة الملك، من العبث الذي يجب أن يتنزه عنه الفقيه).
وإنا وإن كنا نعلم أن هذا البحث لا يُعرض على القضاء المصري إلا ابتداءً من أول يناير سنة 1928، لأنه لا بد من مضي خمس سنوات على الأقل حتى يكون للبحث محل أمام القضاء، وحتى يمكن للمشتري أن يدعي الملكية بالتقادم الخمسي في ظل قانون التسجيل الجديد، فإنا لا نرى مندوحة مع ذلك من بحث الموضوع قبل حلول أوأن الفصل فيه قضائيًا، لأن من شأن القائمين بالحركة الفقهية، أن يتلمسوا مواطن الأخذ والرد في القانون، حتى يستطيع أصحاب الشؤون في المعاملات أن يأخذوا عدتهم للطوارئ المقبلة من حيث الاختلاف في الآراء، وحتى ينضج الرأي بين أيدي المختلفين بما يدلون به من وجهات النظر المختلفة.
وإنا نرى البدء أولاً بالنظرية الرومانية وكيف عالج القاضي الروماني préteur قوة القيود التشريعية القديمة في عصر الطفولة للرومان، وعمل على التوفيق بينها باعتبارها رمزًا للصيغة الرومانية البحتة، وبين تطور الحالات الاجتماعية عندهم، بل كان يذيعه سنويًا على الكافة بمنشوره السنوي edictum من الأصول القانونية القيمة حتى يعلم جماهير الناس بما سيقضي به القاضي فيما إذا تخاصم إليه المتنازعون، ثم نعرج بعد ذلك على بيان نظرية التسجيل الحاضر، وأن القانون الفرنسي الصادر في 23 مارس سنة 1855 وهو مصدر التسجيل المصري المختلط الموضوع سنة 1875 والأهلي سنة 1883، لم يأخذ مطلقًا بمذهب القاضي الروماني وما أذاعه بمنشوره، وأن الفقه والقضاء الفرنسيين سارا في طريق السبب الصحيح والتقادم القصير بغير الطريقة الرومانية، على العكس مما جاء بمقال الناقد حامد بك ثم نعود بعد ذلك إلى قانون التسجيل الجديد الصادر في 26 يونيو سنة 1923 وبيان ما أحدثه من مبدأ جديد في تقرير التسجيل وفي جعله من الأوضاع الشكلية من حيث نقل الملكية فقط، برغم ما للعقد في ذاته من الأثر القانوني في تقرير التزامات شخصية بين عاقديه، وفي هذا الإيضاح تبرز الفروق البينة بين السبب الصحيح الروماني والسبب الصحيح الفرنسي، والمصري في عهد القانون المدني، والسبب الصحيح في عهد قانون التسجيل الجديد، وسنبين في أي طائفة من طوائف البطلان الثلاثي أو الثنائي يقع عقد البيع غير المسجل وقد أصبح التسجيل من الأوضاع الشكلية، وما هو أثر ذلك مع قيام الالتزامات الشخصية، وما رتبناه على هذه الأخيرة من أصول وأحكام من حيث المطالبة بالتسليم وما إلى ذلك.
القانون الروماني والسبب الصحيح:
رأينا أن نثبت بكتابنا في الأموال (صـ 1002 - 27 1 ن 681 - 693) بابًا خاصًا في إثبات الملكية وكيفية الدفاع عنها وتطور أداة الدفاع عن الملكية في العصور الرومانية والعصور الوسطى وفي عهد القانون الفرنسي الحاضر وقضائه وفقهه، وأخيرًا في عهد القانون المصري وقضائه، وبينّا بكتابنا أطوار الملكية عند الرومان وما قرروه من الملكية الحيازية، أي الملكية الناقصة propriété bonitaire بجانب الملكية الرومانية البحتة propriété quiritaire التي كانت وقفًا على جماعة الرومان أنفسهم، والتي كانت لا تنتقل إلا بأوضاع شكلية خاصة، أهمها البيع العلني أو الإفراغ العلني mancipatio للأشياء النفيسة res mancipi (وكلمة mancipatio أو mancipium مكونة من كلمتين: manus بمعنى اليد وcapio بمعنى مسك: إشارة إلى أن المشتري يضع يده على المبيع ويدعي ملكيته له في حضرة البائع الذي لا ينازع (انظر في ذلك مذكراتنا في القانون الروماني في نظرية الأشياء ص 39 - 42)، وإذا حصل التبايع في هذه الأشياء النفيسة بغير طريقة الإفراغ العلني وحصل بالمناولة اليدوية traditio، فلا يكتسب المشتري الملكية الرومانية البحتة المحمية بدعوى إثبات الملكية rei vindicatio، إنما يكتسب فقط الملكية الحيازية، وهذه الملكية النافعة كما يسميها حامد بك (المحاماة (7) صـ 99 العامود الأول في منتصفه) وإن كانت لا ترتفع إلى مستوى الملكية الرومانية البحتة ولا تستفيد من دعوى إثبات الملكية، إلا أن القاضي الروماني بوبليسيوس publicius قرر لها دعوى خاصة صورية لحمايتها سُميت باسمه la publicienne يستعين بها صاحبها في حمايتها ضد الغير، وكان يعمل القاضي المحضر، الذي يحرر صحيفة النزاع formule ويرفعها إلى القاضي الذي يفصل فيها، في أن يفترض في تلك الصحيفة فرضًا صوريًا أن المشتري قد تملك بالتقادم مع أنه في الحقيقة لم تمضِ مدة التقادم.
ولقد أتينا بهذه اللمحة الرومانية السريعة برسالتنا في التسجيل، وكنا نرمي بها إلى بيان وجه الشبه بين الملكية الناقصة عند الرومان، وما يتقرر للمشتري في وقتنا الحاضر، في ظل قانون التسجيل الجديد من الحقوق بشأن العقار المبيع له، وضرورة حماية هذه الحقوق ضد البائع وضد الغير أيضًا (انظر رسالتنا في التسجيل صـ 8 - 10 ن 13 - 14) وقصدنا من ذلك أن نعمل على رفع الغرابة التي يمكن أن تلاحظ على ما قررناه بشأن العقد غير المسجل من ضرورة حماية صاحبه ضد كل من يعتدي على حقوقه بشأن العقار المبيع، إذ قررنا للمشتري الحق في مقاضاة البائع بتسليمه العقار المبيع، والعمل على احترام الالتزامات القانونية الناشئة عن البيع غير المسجل، وما إلى ذلك من الحقوق الأخرى.
قلنا بأن القاضي الروماني préteur وقد قرر بمنشوره السنوي الذي يذيعه كل عام على الأفراد قبل البت شكليًا فيما يُرفع إليه من الأقضية، قرر الملكية النافعة أو الملكية الناقصة أو الملكية بحكم القاضي propriété prétorienne، لمن اشترى شيئًا نفيسًا بغير الأوضاع الشكلية وقرر أيضًا هذه الملكية الحيازية habere in bonis لمن اشترى من غير مالك بسبب صحيح وحسن نية (انظر جاستون مي G May في القانون الروماني، الطبعة الرابعة عشرة سنة 1922 صـ 268)، وأصبح بذلك لدى الرومان نوعان من الملكية: الرومانية البحتة والملكية الناقصة، ثم تطور هذان النوعان مع تطور إجراءات المرافعات عندهم، وعلى الأخص عندما زال العمل بصحيفة الدعوى التي كان يجهزها القاضي المحرر لها، بما يشبه عندنا اليوم قاضي التحضير المصري، واندمجت الملكيتان معًا، أي توحدت الملكية، وارتفعت عنها القيود الشكلية القديمة والأوضاع المعقدة التي أصبحت لا تلتئم مع رقي المدنية عند الرومان وما أصابوه من وفرة في المرافق الحيوية.
وقد عول الرومان في تقريرهم لأداة الحماية لدى صاحب الملكية النافعةpossesseur bonitaire على السبب الصحيح jnsta causa وحسن النية، ويرون، كما نرى نحن في العصور الحاضرة، بالسبب الصحيح العملية القانونية Acte juridique التي تحصل بين البائع والمشتري، أي البيع، ويترتب عليها تقرير التزامات في ذمة كل واحد من الطرفين (جاستون مي صـ 328 ن 88 - انظر أيضًا جيرار Girardفي القانون الروماني الطبعة السابعة سنة 1924 صـ 319 - وانظر مذكراتنا في القانون الروماني في نظرية الأشياء صـ 138 وما بعدها) والمراد بالسبب الصحيح وبالعملية القانونية، أن يتراضى العاقدان على نقل الملكية من يد أحدهما إلى يد الآخر، كما يقول جيرار، أو أن يكون السبب الصحيح دالاً بنفسه على رغبة المتعاقدين في الإفراغ والكسب، كما يقول حامد بك نقلاً عن المؤلف (ديد ييه) الذي رجع إليه (المحاماة 7 صـ 99 العامود 2 في وسطه).
وهنا قرر حامد بك (صـ 99 العامود 2 في وسطه) ما يأتي (ولذا لم يشترطوا في السبب الصحيح الوارد على مال منسيبي (يريد الشيء النفيس res mancipi) أن يقع بالأوضاع الشكلية الواجب اتباعها في نقل الملكية الرومانية) ثم عقب حضرته ذلك بما يأتي: (وإلى مثل هذه النتيجة بلغ الفقهاء والشارحون للقانونين الفرنسي والمصري).
ثم أورد حضرة الناقد بعد ذلك ما قرره فقهاء العصور الحاضرة ابتداءً من بوتييه في تعريف السبب الصحيح، وما قرره بودري ودي هلس، وعلى الأخص هذا الأخير (ج 3 صـ 352 ن 118) في أنه لا يشترط في السبب الصحيح أن يكون قد نقل الملكية فعلاً، بل السبب الصحيح هو العقد الذي يرمي بطبيعته إلى نقل الملكية، لولا أنه قد عابه عيب واحد وهو صدوره من غير مالك.
ومن هذا البيان لحضرة الناقد نرى أنه يريد القول بصحة السبب الصحيح وجعله ذا أثر في التقادم الخمسي، ما دام قد انصرف هذا السبب الصحيح إلى مجرد النية لدى العاقدين في نقل الملكية، وأنه لا عبرة مطلقًا بالقيود الشكلية والأوضاع المرعية القانونية التي تكون مقررة لصحة السبب الصحيح في ذاته، والتي لا تنتقل الملكية إلا بها وبتوافرها، أي أن حضرة الناقد قصر السبب الصحيح على مجرد النية في نقل الملكية، وأن هذه النية هي المعول عليها دون الأوضاع الشكلية، فإذا وقعت ولم تحصل الأوضاع الشكلية، اعتبر بأن هناك سببًا صحيحًا مملكًا بالتقادم الخمسي، وحجة حضرة الناقد في ذلك، القانون الروماني، وما أجازه الرومان في تقرير الملكية النافعة أي الملكية الحيازية أو الناقصة، لمن تملك شيئًا نفيسًا من غير طريقة الإفراغ العلني بالأوضاع الشكلية المعروفة عندهم، وما قرره بوتييه في أن المراد بالسبب الصحيح أن يكون صالحًا للاطمئنان به عند تناول العين من يد صاحبها الظاهر.
وهذه القاعدة التي يقررها حضرة الناقد، في أن فقهاء الفرنسيس والمصريين أخذوا بالقاعدة الرومانية، قاعدة لا نقره عليها، وكذلك طريقة التدليل في تقريرها طريقة لا نقره عليها أيضًا.
أما بشأن القاعدة في ذاتها وبأن علماء العصر الحاضر من فرنسيين ومصريين لم يأخذوا بالنظرية الرومانية القضائية البحتة، فالأمر في ذلك يرجع إلى ما قرره حقًا حضرة الناقد في قوله: (ورأيتهم لا يعتبرون العقود غير المنعقدة أو الباطلة بطلانًا مطلقًا أصليًا سببًا صحيحًا، ويعتبرون العقود الباطلة بطلانًا نسبيًا كبيع القاصر والمكره) فكيف يقال حينئذٍ بأن الحاضرين أخذوا بنظرية الغابرين، في الوقت الذي لم يأخذوا فيه بها؟ ولقد سبق لنا أن بينّا بكتابنا في الالتزامات النظرية العامة (صـ 235 - 247 ن 253 - 264) أقام البطلان الثلاثي، البطلان المعدم للعقد، والبطلان المطلق، والبطلان النسبي، وأقسام البطلان الثنائي وهو البطلان المطلق بوجه عام والبطلان النسبي، ورأينا أن البطلان المطلق يجعل العقد كأنه لم يكن، سواء أكان ينقص العقد ركن من أركان تكوينه كالمبيع في البيع، أم ينقصه شرط شكلي من الأوضاع العلنية المقررة لتكوين العقد بالذات، كشرط الرسمية في عقد الهبة مثلاً، إذ العقد في الحالتين يعتبر غير موجود، لا تلحقه إجازة تصححه وترفع شائبته، فإذا حصلت الهبة بعقد عرفي، فلا هبة، لأن رضاء العاقدين وحده لا يكفي لإنشاء عقد الهبة، بل لا بد من ركن الرسمية، وبدونه لا أثر للهبة من الوجهة القانونية، وهذا الركن في الوضع الشكلي للعقد الرسمي، أي ركن الشكلية للعقد الشكلي acte solennel، لازم لوجود العقد من الناحية القانونية، فإذا وجد العقد شكلي الأصل دون أن يتوافر فيه ركن الشكلية، فلا يعتبر سببًا صحيحًا مملكًا بالتقادم الخمسي (انظر كتابنا في الأموال صـ 571 ن 398 وما بعدهما).
والإفراغ العلني عند الرومان mancipatio أي البيع بالميزان في حضرة الشهود الخمسة وما إلى ذلك، هو عقد شكلي، بحيث لا تنتقل الملكية عندهم إلا به، وقبل حصول البيع العلني، يحصل الإنفاق البسيط pactum بين المتعاقدين على البيع، فإذا تمت العلانية انقلب الإنفاق المجرد من كل أثر قانوني، إلى عقد ملزم منشئ لحقوق ومقرر لواجبات، وإذا لم تحصل العلانية، فلا ينتج التعاقد البسيط أثرًا قانونيًا ما.
ولكن لما كان القاضي الروماني المحضر للدعوى والمحرر لصحيفة النزاع لا يفصل في النزاع في ذاته ولكنه يحدد بصحيفته موضوع النزاع، وكان يذيع على الكافة منشوره edictum السنوي بما سينويه من العمل بالمبادئ القانونية التي يقررها هو قبل العمل بها - لما كان ذلك القاضي préteur يعمل على التخفيف من شدة الأوضاع الشكلية للقانون الروماني القديم البحت، فإنه كان يجري في ذلك مع سنة الرقي، ويصرف همه في أن يجعل المبادئ القانونية من المرونة بحيث يجب أن تتفق مع ما يقطعه الشعب الروماني كل يوم من أشواط المدنية في مجالات الرقي، لذا أباح الملكية الناقصة، أي الملكية القضائية، وقرر لها أداة لحمايتها كما رأينا، واستند في تقريرها إلى اعتبار المشتري للشيء بغير الأوضاع الرومانية البحتة، مالكًا بالتقادم، وهذا الاعتبار صوري مجازي لا حقيقة له، إذ افترض القاضي بأن المشتري قد ظل واضعًا يده المدة المكسبة بالتقادم، مع أنه في الحقيقة لم يضع يده هذه المدة، وقد فعل ذلك، القاضي الروماني واستعان بالمجاز والصورية ليصيب غرضين:
أولاً: احترام القيود الشكلية الرومانية البحتة.
ثانيًا: جعل هذه القيود الشكلية بحيث لا تعيق سير الأمور الحيوية الخاضعة لنواميس الرقي الطبيعي.
وقد انتهت الملكية بنوعيها، الملكية الرومانية البحتة، والملكية القضائية، إلى نوع واحد، وتوحدت الملكية لما هجر الرومان أوضاعهم الشكلية الأولى التي كانت تلتئم مع طبائعهم عندما كانوا شعبًا صغيرًا، وقبل أن تدخل إليهم المدنية، وقبل أن يتوسعوا في معاملاتهم التجارية مع الغير.
ومن هنا نتبين أن القاضي الروماني préteur في تقريره للملكية الحيازية وحمايته للحائز الذي لم يملك بالطرق والأوضاع الشكلية المعروفة، وتعويله على مجرد حصول العملية القانونية acte jiridique بين الطرفين وانصرافهما إلى نية تمليك الواحد منهما للآخر، أو كما يقول بوتييه كما نقله عنه الأستاذ حامد بك، أن المراد من السبب الصحيح (أن يكون صالحًا للاطمئنان عند تناول العين من يد صاحبها الظاهر) - هذا القاضي الروماني وقد أراد بالسبب الصحيح العملية القانونية التي تنم وحدها عن نية التمليك، لا عن نقل الملكية بالذات، لم يعمل ذلك ولم يجزه ويقره بمنشوره السنوي، إلا لأنه كان يرمي إلى معالجة شؤون رومانية بحتة، وأنه كان يريد التوفيق بين احترام الأوضاع الشكلية الرومانية القديمة، وبين عدم تعطيل حركة النمو الاجتماعي القسري الذي يسوق الشعب الروماني في تيار الرقي الجارف.
ولما جاءت القوانين الفرنسية وقررت العقود الشكلية ومن بينها الهبة، فإنها قررت تقريرًا صريحًا بأن (العقد الباطل شكلاً لا يصلح سببًا للتملك بمضي المدة من عشر سنوات إلى عشرين سنة) (المادة (2227) من قانون نابليون) وهذا الحكم خاص بما يقابل عندنا التقادم الخمسي، وهو ما جرى عليه الفقه والقضاء الفرنسي، أي أن العقد الباطل بطلانًا مطلقًا لنقص ركن الشكلية فيه، لا يعتبر سببًا صحيحًا مملكًا بالتقادم الخمسي، بل لا بد للتملك من مضي 15 سنة.
وعلى هذا يكون القول من حضرة الناقد بأن فقهاء العصر أخذوا بالقاعدة الرومانية قولاً لم يصب مكانه من الصحة، كما أن طريقة التدليل في تقرير هذه القاعدة، طريقة لم تصادف مكانها من الصحة أيضًا، لأن العلة عند الرومان في تقرير القاعدة لديهم لم تكن هي العلة عندنا في عصورنا الحاضرة.
عقد البيع غير المسجل وقانون التسجيل الجديد:
إذا علمنا ما تقدم فلننظر الآن فيما إذا كان عقد البيع في ظل قانون التسجيل الجديد، وفي حالة عدم تسجيله، عقدًا ناقلاً للملكية، أم هو غير ناقل لها، وبعبارة أخرى هل هذا العقد غير المسجل عقد باطل بطلانًا مطلقًا، من حيث نقل الملكية، ونقل الملكية فقط (بصرف النظر عن كونه في ذاته عقدًا منشئًا لالتزامات ومقررًا لحقوق) أم هو عقد باطل بطلانًا نسبيًا تلحقه الإجازة؟ وفي الحالة الأولى لا يعتبر سببًا صحيحًا، وفي الحالة الثانية يعتبر كذلك.
ونحن نقول بأن عقد البيع غير المسجل في ظل قانون التسجيل الجديد، عقد باطل بطلانًا مطلقًا، من حيث نقل الملكية، ونقل الملكية فقط، وعلى هذا الاعتبار لا يعتبر سببًا صحيحًا مملكًا بالتقادم الخمسي، وحضرة الناقد حامد بك يقول العكس.
وأدلة حضرته نوجزها فيما يأتي:
1 - أن عقد البيع غير المسجل، ما دام أنه منشئ لحقوق والتزامات، فهو إذن (صالح لأن يطمئن به المشتري في تلقي العين ممن هي تحت يده، لتضمنه الالتزام بنقل ملكيتها إليه، وإن لم ينقلها بالفعل).
2 - أن الفقه الفرنسي، ما عدا القليل منه، والقضاء الفرنسي، وكذلك الفقه والقضاء بمصر، كل ذلك يرى أن لا محل لتسجيل السبب الصحيح حتى يحتج به ضد المالك الحقيقي (كلمة (المشتري) الواردة بمقال الناقد صـ 101 العامود الثاني السطر 6 في آخره، حقيقتها (المالك الحقيقي)).
3 - أن المادة (76) مدني الخاصة بالسبب الصحيح لم ترد بالمواد الملغاة بقانون التسجيل الجديد المصري، ولا يمكن على كل حال أن يمسها هذا القانون بشيء ما.
4 - أن المادة (264) مدني المقررة لبطلان عقد البيع الصادر من غير المالك الحقيقي، لا يلحقها أيضًا قانون التسجيل الجديد الذي انصرف إلى تقرير ضرورة تسجيل العقد الصادر من المالك الحقيقي لا إلى تقرير تسجيل العقد الصادر من غير المالك الحقيقي.
5 - أن المالك الحقيقي لا يمكن اعتباره داخلاً ضمن طائفة الغير الذين تلقوا الملكية عن مالك واحد وحفظوها بالتسجيل، وليس من الغير أيضًا الدائن العادي ولا من تلقى الملكية عن غير المالك الحقيقي.
6 - أن العقد الذي يصدر من غير المالك الحقيقي، لا ينقل الملكية حتى ولو تسجل فإن هذا العقد ولا تسجيله ينقلان الملكية، إنما الذي يُكسب الملكية للمشتري من غير مالك هو في الواقع وضع اليد مدة خمس سنوات.
هذه هي أدلة حضرة الناقد، ونرى الآن أن ندلي بأدلتنا نحن في تقرير رأينا الذي قلنا به، وننقد أدلته في طريق إقامتنا الحجة على صحة رأينا.
قلنا في مواطن عدة مما نشرناه مقالات وتأليفًا، وأقرنا عليه القضاء الأهلي والمختلط أخيرًا وأقرنا عليه الأستاذ حامد بك بمقاله الأخير والسابق عليه، إن عقد البيع لم يصبح في ظل قانون التسجيل الجديد عقدًا شكليًا Acte solennel، بل ظل كما كان من قبل عقدًا رضائيًا acte consensuel ينعقد بتمام حصول الرضاء والقبول من الطرفين، ويترتب على انعقاد العقد صحته وتقرير حقوق وواجبات ترجع لطبيعة العقد، وهو ما يسمى بالالتزامات الشخصية الواردة بالمادة الأولى من قانون التسجيل، ورجعنا في تقرير هذه القاعدة وفي التدليل عليها إلى المادة (873) من القانون الألماني الصادر سنة 1872 وإلى الأعمال التحضيرية لمشروعي توحيد أقلام التسجيل بمصر والسجلات العقارية الموضوعين بمعرفة اللجنة الدولية المختلطة سنة 1904 وإلى مناقشات اللجنة التي وضعت قانون التسجيل الجديد وإلى مذكرته الإيضاحية (ورجع القضاء المختلط إلى تقرير اللجنة البلجيكية: انظر حكم محكمة مصر المختلطة الصادر في 21 يناير سنة 1926 وتعليقنا عليه بمجلة المحاماة 6 صـ 827) ومن شأن هذه الحقوق والواجبات أن تبيح لكل عاقد الحق في المطالبة بها والخضوع لها قبل تسجيل العقد، فللبائع حق مطالبة المشتري بالوفاء بالثمن، وللمشتري حق مطالبة البائع بالتسليم، وإذا امتنع البائع عن العمل على المصادقة على توقيعه طبقًا للمادة (6) من قانون التسجيل، جاز للمشتري رفع الدعوى إما بطلب الحكم بصحة التوقيع، أو بطلب الحكم بصحة التعاقد ثم تسجيل الحكم في الحالتين مع العقد، فتنتقل الملكية، ولا تنتقل الملكية إلا بالتسجيل، والتسجيل هنا مظهر من الأوضاع الشكلية solennel لازم لنقل الملكية، وبدونه لا يمكن ويستحيل نقل الملكية، والقاضي نفسه لا يملك أن يصدر حكمه ليحل محل الوضع الشكلي وهو التسجيل، وكل ما له الحكم بصحة التعاقد، فإذا تسجل الحكم مع العقد انتقلت الملكية، وإلا فلا تنتقل مطلقًا بدونه، وهذا الوضع الشكلي للتسجيل في نقل الملكية هو ككل وضع من الأوضاع الشكلية للعقود الشكلية actes solennels لا يتقرر الحق بدونه، وهو يحكي تمامًا الوضع الشكلي لعقد الرهن العقاري غير الحيازي، أي العقد التأميني hypothéque، فإذا تعاقد دائن ومدين على أن يرهن هذا الأخير للأول عقارًا له رهنًا رسميًا ولم يفِ بوعده فلا يملك الدائن ولا القاضي حق إكراه المدين على الرهن، وكل ما للقاضي الحكم بتعويض للدائن، كل ذلك لأن الرهن عقد شكلي لا ينعقد إلا بتمام الوضع الشكلي والإجراءات الشكلية، ولا يستطيع القاضي أن يحل فيها بحكم محل القيود المقررة بالقانون (انظر كتاب التأمينات لنا صـ 133 ن 125).
إذا تقرر ذلك، ولا شبهة فيه، أصبح عقد البيع في ذاته عقدًا صحيحًا ونافذًا من حيث تقرير التزامات وحقوق ناشئة عن طبيعة البيع، ولا يمكن أن يكون نافذًا للملكية إلا بتسجيله، ومن غير التسجيل يستحيل استحالة مطلقة نقل الملكية إلى المشتري، وعقد البيع على هذا الاعتبار عقد رضائي وشكلي في آنٍ واحد، فهو رضائي لأنه ملزم لطرفيه بالتراضي والاتفاق عليه، وشكلي لأن الملكية لا تنتقل فيه إلا بأوضاع شكلية حتمها القانون، ولا محل لاحتمال القول بالغرابة في أن يكون العقد الواحد في ذاته رضائيًا وشكليًا، ذلك لأن الجمع بين رضائية وشكلية العقد الواحد هو من وضع الشارع المصري الذي أراد أن يكون العقد غير المسجل ملزمًا وغير ناقل للملكية في آن واحد، وفعل الشارع المصري الأخير ذلك على خلاف ما قرره مشروع السجلات العقارية سنة 1904 في أن يكون عقد البيع رسميًا ومسجلاً، بحيث إذا انعقد عرفيًا فيصبح باطلاً بطلانًا مطلقًا لا يترتب عليه أي أثر ما، أي لا ينتج الالتزامات الشخصية المقررة بالمادة الأولى من قانون التسجيل الجديد (انظر كتابنا في الأموال صـ 869 ن 593 وما بعدهما) والتعاقد على البيع لعقد غير المسجل يشبه التعاقد على الرهن الرسمي دون حصول الرهن، إذ التعاقد فيهما صحيح من حيث تقرير حقوق، وليس التعاقد هذا وفي ذاته باطل، إنما القيود الشكلية فيها تجعل التعاقد عليها تعاقدًا لا بد في نفاذه من عقد شكلي خاضع لإجراءات شكلية قررها الشارع بالذات للنظام العام، والأوضاع الشكلية في الرهن الرسمي هي حضور المدين الراهن أمام الموثق مع شهوده وما إلى ذلك، ولا يملك القاضي إلزام المدين بتنفيذ هذا الالتزام، والأوضاع الشكلية في التسجيل هي وضع العقد في ملف على حدة طبقًا لقانون التسجيل الجديد، وبنظام خاص لتسهيل العلانية لدى الكافة، لا حاجة فيها إلى حضور البائع شخصيًا، ولذا إذا أمر القاضي بتسجيل العقد، صح تنفيذ أمره لبعده عما له مساس بالحرية الشخصية للبائع.
إذا علم ما تقدم، ففي أي طائفة من العقود الباطلة يمكن وضع عقد البيع غير المسجل فيها؟ فهل يوضع في طائفة العقود الباطلة بطلانًا مطلقًا، أو في طائفة العقود الباطلة بطلانًا نسبيًا؟ فإن قيل بالبطلان النسبي، وجب اعتبار عقد البيع غير المسجل سببًا صحيحًا مملكًا بالتقادم الخمسي، وإن قلنا بالبطلان المطلق وجب عدم اعتباره سببًا صحيحًا، ولزم على ذلك، التقادم الطويل بمدة 15 سنة.
والعقد الباطل بطلانًا نسبيًا عقد صحيح في ذاته شابته شائبة ترجع لشخص أحد العاقدين وهو المجني عليه، فإذا لزمته الشائبة بطل مفعول العقد، وإذا زالت برغبة المجني عليه ولفعله هو نفذ العقد.
فإذا وقع العقد تحت سلطان الإكراه فسد العقد وزال مفعوله، ولكن يجوز للعاقد الذي وقع الإكراه عليه أن يتنازل عن حقه في تمسكه بسبب الإكراه، وبذا يصح العقد، وكذلك القول فيما إذا عاب العقد عيب الغلط أو الغش، وإذا عاب العقد فقد الأهلية لدى أحد العاقدين بأن كان قاصرًا جاز للقاصر وحده الطعن في العقد بالبطلان، ويجوز له السكوت عن الطعن بعد بلوغه، وبذا يصح العقد وينفذ.
ومن هنا نرى أن البطلان النسبي يرجع لعمل الفرد وحقه الشخصي، فإن شاء التمسك به، فيبطل العقد، وإن شاء التنازل عنه فيصح العقد، دون أن يكون هناك دخل في الحالتين للنظام العام، والبطلان النسبي على هذا الاعتبار بطلان شخصي خاص لا عام (راجع كتابنا في الالتزامات النظرية العامة صـ 243 ن 262).
والعقد الباطل بطلانًا مطلقًا عقد شابه عيب يتصل بالنظام العام اتصالاً محكمًا ولا يتعلق برغبة العاقدين وحرية رضائهما فيه، بل لا بد من الخضوع للأوضاع الشكلية التي قررها القانون، كالرسمية في الرهن التأميني أو في الهبة، ويجوز لكل من العاقدين وللغير أيضًا التمسك بالبطلان، فإذا حصلت الهبة بعقد عرفي جاز للواهب نفسه طلب بطلان العقد، كما يجوز للقاضي أن يقضي به من تلقاء نفسه، لأن البطلان متعلق بالنظام العام، لا بالمصلحة الشخصية البحتة للأشخاص، وهذا العقد الباطل بطلانًا مطلقًا لا يقبل التصحيح، أي لا يملك العاقدان تصحيحه بإرادتهما دون الخضوع للأوضاع الشكلية (الالتزامات لنا في النظرية العامة صـ 239 - 241 ن 256 - 258).
هذا العقد الباطل بطلانًا مطلقًا لا يعتبر سببًا صحيحًا مملكًا بالتقادم الخمسي، لأنه وإن كان قد شملته رغبة الطرفين في التمليك، في حالة الهبة مثلاً، واطمأن فيه الموهوب إليه، إلا أن الرغبة المحضة للطرفين لا تكفي لنقل الملكية، بل لا بد لركن الشكلية، وهذا الحق في المطالبة بالبطلان لا يسقط عن الواهب بالتقادم الطويل فيما إذا كان مدعيًا، كما لا يسقط حق الدفع بالبطلان إذا كان الواهب مدعى عليه (المادة (2262) مدني فرنسي والمادة 208/ 272 مدني مصري - الالتزامات لنا النظرية العامة صـ 241 - 242 ن 259 - 260. إنما يرى القضاء الفرنسي، في أنه إذا صح عدم جواز زوال حق طلب البطلان بالتقادم، أي عدم جواز اكتساب العقد الباطل بطلانًا مطلقًا قوة قانونية بفعل الزمن وهو التقادم، فإنه يرى من طريق آخر أن التقادم يحدث أثره وينصب على الشيء محل عقد الهبة فيكتسب الموهوب له ملكيته له بالتقادم: انظر الهامش (1) من صفحة 241 من كتابنا في الالتزامات. وانظر كتابنا في الأموال صـ 572 ن 399 والهامش (3)، وفي عدم جواز سقوط الدفع بالبطلان المطلق مهما طال الزمن فذلك يرجع للقاعدة المعروفة القائلة بأن الدعاوى معقودة بزمن وأما الدفوع exceptions فهي دائمة خالدة: انظر في ذلك كتابنا في القانون التجاري صـ 329 ن 252).
وإذا علم الآن البطلان النسبي والبطلان المطلق ففي أيهما يدخل عقد البيع غير المسجل؟ قلنا إنه يدخل في طائفة البطلان المطلق، لأن التسجيل هنا شرط لازم لصحة العقد في نقله للملكية، ولا يقبل تصحيحًا ولا تأييدًا بغير التسجيل، وهذا العقد لا يعتبر سببًا صحيحًا بالمعنى القانوني العصري، لا بالمعنى الروماني القضائي، لأن العقد الذي يعتبر في عصورنا الحاضرة سببًا صحيحًا هو العقد الذي يملك بطبيعته وكيانه القانوني فيما إذا صدر من المالك الحقيقي verus dominus فإذا فرض وصدر العقد من هذا المالك الحقيقي دون مراعاة الأوضاع الشكلية فيه فإنه لا يملك، وإذا صدر من غير المالك فلا يملك أيضًا بالتقادم الخمسي، لأنه لا يعتبر سببًا صحيحًا قد توافرت فيه أركان الصحة القانونية اللازمة للعقود الشكلية.
ولا يعتبر العقد سببًا صحيحًا ليس فقط إلا عند توافر شروط الأوضاع الشكلية فيه إذا كان من العقود الشكلية actes solennels، بل لا يعتبر سببًا صحيحًا أيضًا إلا إذا حاز الشروط القانونية التي يقررها القانون بالذات في سبيل حماية البائع حماية شخصية، ويقع ذلك فيما إذا بيع عقار القاصر لمشترٍ دون مراعاة أخذ مصادقة المجلس الحسبي، إذ في هذه الحالة لا يجوز للمشتري اعتبار عقده سببًا صحيحًا مملكًا بالتقادم الخمسي بل لا بد له من التقادم الطويل مدة 15 سنة (استئناف أهلي في 20 مارس سنة 1906م ر 1، 8 صـ 57 عدد 029 - ح 21 صـ 0257 - مرجع القضاء ص 382 ن 01377 - ح 22 ص 083 - مرجع القضاء صـ 381 ن 01375 - د، 907، 1، 0406 - كتابنا في الأموال صـ 572 والهامش (5) وصـ 574 والهامش 02 - ومرسى المزاد الذي يحصل على جهة الإدارة عقب إجراءات نزع الملكية إن جاءت مخالفة للقوانين والأوامر لا يعتبر سببًا صحيحًا لتمليكها العين بوضع اليد خمس سنوات: انظر في ذلك زقازيق حكم استئنافي 14 فبراير سنة 1906 ح 22 صـ 0169 - مرجع القضاء صـ 382 ن 1383) وألا يرى في ذلك بأن الحكم بعدم اعتبار عقد البيع الصادر من الوصي دون مراعاة قيد مصادقة المجلس الحسبي سببًا صحيحًا هو حكم أبلغ في عدم اعتبار العقد الذي ينقصه ركن شكلي من الأوضاع الشكلية سببًا صحيحًا؟ إن العقد الذي ينقصه وضع شكلي لازم لإنشائه، والعقد الذي ينقصه شرط لازم لصحته كمصادقة المجلس الحسبي، هو عقد لا يمكن اعتباره سببًا صحيحًا، والسبب في ذلك ظاهر، وهو أن القيد القانوني بالوضع الشكلي إن كان العقد رسميًا، أو القيد القانوني بالمصادقة، هذا القيد من الشروط التي قررها القانون بالذات لصحة العقد، ويستحيل قانونًا وبداهةً أن يكون العقد الخالي عن هذا القيد الشكلي أو التصادقي سببًا صحيحًا، لأن السبب الصحيح هو العمل القانونيacte juridique المملك في ذاته فيما لو صدر من المالك الحقيقي، وكل ما ينقص العقد هو صدوره من غير المالك فقط، أي أن العذر الذي جعل الشارع يغتفر فيه للمشتري خطأه إنما هو العذر الخاص بجهل المشتري بعدم ملكية البائع له، واعتقاد هذا المشتري في أنه اشترى من المالك الحقيقي، والخطأ هنا واقع، وواقع فقط، على خطأ موضوعي لا قانوني، وأما إذا وقع الخطأ على أمر قانوني واشترى المشتري دون مراعاة القيد الشكلي أو التصادقي، فإن الشارع لا يغتفر للمشتري خطأه، لأنه من المفروض على كل فرد كائنًا من كان أن يعرف القانون وقيوده (المادة (29) من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية).
وإذا كان العقد الذي تنقصه مصادقة المجلس الحسبي لا يعتبر سببًا صحيحًا مملكًا بالتقادم، وهو ليس بالعقد الشكلي الخاضع لأوضاع شكلية، ألا يكون من باب أولى عقد البيع غير المسجل الذي يعتبر عقدًا شكليًا فيما يتعلق، ويتعلق فقط، بنقل الملكية؟ إن التسجيل كشرط لازم لنقل الملكية، قيد وضعي قانوني لا يستطيع معه المشتري أن يقول باعتبار عقد البيع سببًا صحيحًا، لأنه وإن كان البيع عملية قانونية يطمئن إليها المشتري عند التعاقد في نقل الملكية إليه، فإنه يجب أن يلاحظ أن هذا الاطمئنان ليس بصحيح قانونًا إلا إذا قام المشتري من جانبه بما يقضي عليه به القانون من شروط لازمة لصحة العقد، بحيث إذا أهمل المشتري في مراعاة الشروط القانونية التي يجب على المشتري أن يعلمها ويعرفها تمام المعرفة، فلا يصح مطلقًا اعتبار العقد في هذه الحالة سببًا صحيحًا مملكًا بالتقادم الخمسي، لأن التقادم الخمسي لا يصح الأخذ به واعتباره وسيلة في التملك إلا إذا كان المشتري حسن النية، ومعنى حسن النية ليس فيما يتعلق بالشروط القانونية لصحة العقد، بل ينصرف حسن النية فقط إلى جهل المشتري بملكية المبيع لشخص آخر غير البائع له، ولا يمكن أن ينصرف حسن النية إلى جهل المشتري للشروط القانونية، ولا ينفذ التقادم الخمسي إلا إذا اصطحب حسن النية بالسبب الصحيح، والسبب الصحيح هو العملية القانونية التي اطمأن إليها المشتري واعتبرها أداة لنقل الملك إليه، ولا يصح اطمئنان المشتري ويؤخذ باطمئنانه قانونًا إلا إذا عمل من جانبه ما يحتمه عليه القانون، ولا يمكن أن يعتبر في جهله حسن النية، وفي هذه الحالة لا يستفيد مطلقًا من التقادم الخمسي، وحسن النية الذي يبيح التملك بالتقادم الخمسي هو اعتقاد المشتري أن البائع له مالك، أي الخطأ الموضوعي erreur de fait، وأما الخطأ القانوني erreur de droit فلا يمكن اعتباره حسن نية مملك بالتقادم (إلا في حالة وضع اليد وتملك الثمار فإن الخطأ القانوني يعتبر بمثابة حسن نية يجيز تملك الثمار لواضع اليد: بلانيول ج (1) الطبعة الثامنة سنة 1920 صـ 703 ن 2293).
هذا ولا يقف السبب الصحيح في أن يطمئن فيه مكتسب الملكية إلى تملك العقار، بل يجب في ذاته أن يكون صالحًا لنقل الملكية، أي منشئًا لها، وعلى ذلك فلا يعتبر سببًا صحيحًا الوفاء بوجه عام والإرث والقسمة والأحكام والصلح والعقد المعلق على شرط (راجع في تفصيل ذلك كتابنا في الأموال صـ 566 - 570 ن 396 - 397).
ومما مر يتبين أن السبب الصحيح ليس هو بوجه عام كل عملية قانونية acte juridique يطمئن إليها المشتري بوجه عام في نقل الملكية إليه، وأنه لا عبرة في التقادم الخمسي بالعملية القانونية التي تنصرف إلى مجرد إظهار النية في نقل الملكية، وأن العبرة فيه إنما هو وضع اليد - إنما السبب الصحيح من الوجهة القانونية الصحيحة في عصورنا القانونية الحاضرة وطبقًا للأصول القانونية الواقعة droit positif، هو العملية القانونية المنشئة للملكية بحيث تقع صحيحة في ذاتها وطبقًا للقيود القانونية سواء كانت هذه القيود قد وردت لحماية النظام العام بوجه عام، أو وردت لحماية بعض المصالح الفردية الجديرة بحماية القانون، كضرورة مصادقة بعض الهيئات العامة على تصرفات أولي الأمر، فإذا جاءت العملية القانونية وشابها نقص في القيود القانونية العامة أو الخاصة فلا يجوز اعتبارها سببًا صحيحًا، بل يجب اعتبارها سببًا غير صحيح، ولا عبرة مطلقًا بمجرد رغبة العاقدين في نقل الملكية، ما دام أن هذه الرغبة قد تقيدت بقيود قانونية عامة (في حالة العقود الشكلية) أو خاصة (في حالة العقود الخاضعة لمصادقة بعض الهيئات).
وأما القول من جانب حضرة الناقد حامد بك فهمي في أن الشرائع الحاضرة والفقهاء الحاضرين قد أخذوا بالنظرية الرومانية القضائية القديمة فهو قول لا نقره عليه كما قلنا لأن عمل القاضي الروماني في تقرير أداة حماية للمشتري بغير الأوضاع الشكلية العتيقة إنما كان يرمي به إلى الإفلات من قوة القيود الرومانية القديمة، وإلى جعل الحقوق طليقة في طريق التطور الاجتماعي، مع المحافظة بقدر الإمكان على احترام القيود القانونية القديمة، ولذا استعان القاضي الروماني كما قلنا بالمجاز والصورية في تقريره أداة الحماية للمشتري، بأن افترض فيه مجازًا بأنه تملك بالتقادم، مع أنه في الحقيقة لم تمضِ عليه مدة التقادم المملكة.
ولا يمكن بحال تشبيه التشريع العصري وعمل القضاء العصري بما كان عليه الرومان وعلى الأخص في عهدهم الأول عهد الطفولة والقيود الجافة الشاذة بما كان يلتئم مع حالتهم شبه البدوية، وأكبر دليل على ذلك أن العقد الحاضر، وهو الباطل بطلانًا مطلقًا لنقص الوضع الشكلي فيه، لا يصلح سببًا صحيحًا مملكًا بالتقادم الخمسي كما رأينا
السنة السابعة – مارس سنة 1927
السبب الصحيح في التقادم الخمسي
والأوضاع الشكلية في التسجيل الجديد
للدكتور عبد السلام ذهني بك القاضي بمحكمة مصر الكلية الأهلية
والأستاذ السابق للقانون المدني والتجاري بكلية الحقوق بالجامعة المصرية
السبب الصحيح عند الرومان:
1 - الأوضاع الشكلية في العهد الأول.
2 - القاضي الروماني وصحيفة النزاع والملكية الحيازية.
3 - ما يرمي إليه القاضي الروماني من منشوراته السنوية.
السبب الصحيح والقانون الفرنسي:
1 - أركان السبب الصحيح من الوجهة القانونية البحتة.
2 - السبب الصحيح والعقود الباطلة بأنواعها الثلاثة.
3 - السبب الصحيح والأوضاع الشكلية للعقود الشكلية.
السبب الصحيح في القانون المصري:
1 - القانون المصري والفرنسي واحد.
2 - المذهب القائل باعتبار المالك من طبقة الغير.
3 - أركان التقادم الخمسي ثلاثة: التعاقد والمدة والنية.
4 - في التقادم الخمسي والتقادم الطويل وأثر السبب الصحيح في الأول.
5 - اختلاف وجهة النظر في تقرير السبب الصحيح عند الرومان وفي القوانين المصرية والفرنسية الحاضرة.
6 - السبب الصحيح والتقادم الخمسي شرط مصادفة المجلس الحسبي ونظرية علم الأفراد بقيود القانون.
السبب الصحيح وقانون التسجيل الجديد:
1 - الالتزامات الشخصية بالمادة الأولى من قانون التسجيل الجديد.
2 - الأوضاع الشكلية وانتقال الملكية وارتباطها بالالتزامات الشخصية.
3 - العقد غير المسجل والبطلان المطلق.
قررنا بكتابنا في الأموال (صـ 571 - 575 ن 398 - 399) وبمقالنا المنشور بمجلة المحاماة (المجلد (6) صـ 597 - 629) وبرسالتنا في التسجيل وحماية المتعاقدين والغير (صـ 22 ن 21) أن نظرية التقادم الخمسي قد تأثرت بقانون التسجيل الجديد، وأنه لا بد في العقد لأجل أن يكون سببًا صحيحًا بالمعنى القانوني الصحيح أن يكون مسجلاً، وأنه في حالة عدم تسجيله لا يعتبر سببًا صحيحًا مملكًا بمضي خمس سنوات، وأنه لا بد من مضي مدة 15 سنة للتملك، أي لا بد من التقادم الطويل، وقد أوضحنا ذلك على الأخص بكتابنا في الأموال وأتينا بالعلل القانونية من جميع وجوهها، بما أوجزناه بمقالنا بالمحاماة.
ولقد قرأنا أخيرًا للأستاذ حامد بك فهمي المحامي بحثًا قيمًا بمجلة المحاماة (المجلد (7) صـ 97 - 103) أفاض فيه القول بنقض رأينا وذهب فيه غير ما ذهبنا، وقال بصحة السبب الصحيح إذا لم يكن مسجلاً، وأن التقادم الخمسي جائز برغم عدم تسجيل العقد الحاصل بين البائع غير المالك والمشتري، ورجع في تأييد رأيه إلى القانون الروماني وإلى أصول التسجيل الفرنسي الموضوع سنة 1855، وإلى ما قرره قضاؤه وفقهه، وإلى القانون المصري وقضائه وفقهه، وإلى أن قانون التسجيل الجديد لم يمس التقادم الخمسي في شيء ما، ثم ختم بحثه بأن (اشتراط تسجيل السبب الصحيح لإفادة الملك، من العبث الذي يجب أن يتنزه عنه الفقيه).
وإنا وإن كنا نعلم أن هذا البحث لا يُعرض على القضاء المصري إلا ابتداءً من أول يناير سنة 1928، لأنه لا بد من مضي خمس سنوات على الأقل حتى يكون للبحث محل أمام القضاء، وحتى يمكن للمشتري أن يدعي الملكية بالتقادم الخمسي في ظل قانون التسجيل الجديد، فإنا لا نرى مندوحة مع ذلك من بحث الموضوع قبل حلول أوأن الفصل فيه قضائيًا، لأن من شأن القائمين بالحركة الفقهية، أن يتلمسوا مواطن الأخذ والرد في القانون، حتى يستطيع أصحاب الشؤون في المعاملات أن يأخذوا عدتهم للطوارئ المقبلة من حيث الاختلاف في الآراء، وحتى ينضج الرأي بين أيدي المختلفين بما يدلون به من وجهات النظر المختلفة.
وإنا نرى البدء أولاً بالنظرية الرومانية وكيف عالج القاضي الروماني préteur قوة القيود التشريعية القديمة في عصر الطفولة للرومان، وعمل على التوفيق بينها باعتبارها رمزًا للصيغة الرومانية البحتة، وبين تطور الحالات الاجتماعية عندهم، بل كان يذيعه سنويًا على الكافة بمنشوره السنوي edictum من الأصول القانونية القيمة حتى يعلم جماهير الناس بما سيقضي به القاضي فيما إذا تخاصم إليه المتنازعون، ثم نعرج بعد ذلك على بيان نظرية التسجيل الحاضر، وأن القانون الفرنسي الصادر في 23 مارس سنة 1855 وهو مصدر التسجيل المصري المختلط الموضوع سنة 1875 والأهلي سنة 1883، لم يأخذ مطلقًا بمذهب القاضي الروماني وما أذاعه بمنشوره، وأن الفقه والقضاء الفرنسيين سارا في طريق السبب الصحيح والتقادم القصير بغير الطريقة الرومانية، على العكس مما جاء بمقال الناقد حامد بك ثم نعود بعد ذلك إلى قانون التسجيل الجديد الصادر في 26 يونيو سنة 1923 وبيان ما أحدثه من مبدأ جديد في تقرير التسجيل وفي جعله من الأوضاع الشكلية من حيث نقل الملكية فقط، برغم ما للعقد في ذاته من الأثر القانوني في تقرير التزامات شخصية بين عاقديه، وفي هذا الإيضاح تبرز الفروق البينة بين السبب الصحيح الروماني والسبب الصحيح الفرنسي، والمصري في عهد القانون المدني، والسبب الصحيح في عهد قانون التسجيل الجديد، وسنبين في أي طائفة من طوائف البطلان الثلاثي أو الثنائي يقع عقد البيع غير المسجل وقد أصبح التسجيل من الأوضاع الشكلية، وما هو أثر ذلك مع قيام الالتزامات الشخصية، وما رتبناه على هذه الأخيرة من أصول وأحكام من حيث المطالبة بالتسليم وما إلى ذلك.
القانون الروماني والسبب الصحيح:
رأينا أن نثبت بكتابنا في الأموال (صـ 1002 - 27 1 ن 681 - 693) بابًا خاصًا في إثبات الملكية وكيفية الدفاع عنها وتطور أداة الدفاع عن الملكية في العصور الرومانية والعصور الوسطى وفي عهد القانون الفرنسي الحاضر وقضائه وفقهه، وأخيرًا في عهد القانون المصري وقضائه، وبينّا بكتابنا أطوار الملكية عند الرومان وما قرروه من الملكية الحيازية، أي الملكية الناقصة propriété bonitaire بجانب الملكية الرومانية البحتة propriété quiritaire التي كانت وقفًا على جماعة الرومان أنفسهم، والتي كانت لا تنتقل إلا بأوضاع شكلية خاصة، أهمها البيع العلني أو الإفراغ العلني mancipatio للأشياء النفيسة res mancipi (وكلمة mancipatio أو mancipium مكونة من كلمتين: manus بمعنى اليد وcapio بمعنى مسك: إشارة إلى أن المشتري يضع يده على المبيع ويدعي ملكيته له في حضرة البائع الذي لا ينازع (انظر في ذلك مذكراتنا في القانون الروماني في نظرية الأشياء ص 39 - 42)، وإذا حصل التبايع في هذه الأشياء النفيسة بغير طريقة الإفراغ العلني وحصل بالمناولة اليدوية traditio، فلا يكتسب المشتري الملكية الرومانية البحتة المحمية بدعوى إثبات الملكية rei vindicatio، إنما يكتسب فقط الملكية الحيازية، وهذه الملكية النافعة كما يسميها حامد بك (المحاماة (7) صـ 99 العامود الأول في منتصفه) وإن كانت لا ترتفع إلى مستوى الملكية الرومانية البحتة ولا تستفيد من دعوى إثبات الملكية، إلا أن القاضي الروماني بوبليسيوس publicius قرر لها دعوى خاصة صورية لحمايتها سُميت باسمه la publicienne يستعين بها صاحبها في حمايتها ضد الغير، وكان يعمل القاضي المحضر، الذي يحرر صحيفة النزاع formule ويرفعها إلى القاضي الذي يفصل فيها، في أن يفترض في تلك الصحيفة فرضًا صوريًا أن المشتري قد تملك بالتقادم مع أنه في الحقيقة لم تمضِ مدة التقادم.
ولقد أتينا بهذه اللمحة الرومانية السريعة برسالتنا في التسجيل، وكنا نرمي بها إلى بيان وجه الشبه بين الملكية الناقصة عند الرومان، وما يتقرر للمشتري في وقتنا الحاضر، في ظل قانون التسجيل الجديد من الحقوق بشأن العقار المبيع له، وضرورة حماية هذه الحقوق ضد البائع وضد الغير أيضًا (انظر رسالتنا في التسجيل صـ 8 - 10 ن 13 - 14) وقصدنا من ذلك أن نعمل على رفع الغرابة التي يمكن أن تلاحظ على ما قررناه بشأن العقد غير المسجل من ضرورة حماية صاحبه ضد كل من يعتدي على حقوقه بشأن العقار المبيع، إذ قررنا للمشتري الحق في مقاضاة البائع بتسليمه العقار المبيع، والعمل على احترام الالتزامات القانونية الناشئة عن البيع غير المسجل، وما إلى ذلك من الحقوق الأخرى.
قلنا بأن القاضي الروماني préteur وقد قرر بمنشوره السنوي الذي يذيعه كل عام على الأفراد قبل البت شكليًا فيما يُرفع إليه من الأقضية، قرر الملكية النافعة أو الملكية الناقصة أو الملكية بحكم القاضي propriété prétorienne، لمن اشترى شيئًا نفيسًا بغير الأوضاع الشكلية وقرر أيضًا هذه الملكية الحيازية habere in bonis لمن اشترى من غير مالك بسبب صحيح وحسن نية (انظر جاستون مي G May في القانون الروماني، الطبعة الرابعة عشرة سنة 1922 صـ 268)، وأصبح بذلك لدى الرومان نوعان من الملكية: الرومانية البحتة والملكية الناقصة، ثم تطور هذان النوعان مع تطور إجراءات المرافعات عندهم، وعلى الأخص عندما زال العمل بصحيفة الدعوى التي كان يجهزها القاضي المحرر لها، بما يشبه عندنا اليوم قاضي التحضير المصري، واندمجت الملكيتان معًا، أي توحدت الملكية، وارتفعت عنها القيود الشكلية القديمة والأوضاع المعقدة التي أصبحت لا تلتئم مع رقي المدنية عند الرومان وما أصابوه من وفرة في المرافق الحيوية.
وقد عول الرومان في تقريرهم لأداة الحماية لدى صاحب الملكية النافعةpossesseur bonitaire على السبب الصحيح jnsta causa وحسن النية، ويرون، كما نرى نحن في العصور الحاضرة، بالسبب الصحيح العملية القانونية Acte juridique التي تحصل بين البائع والمشتري، أي البيع، ويترتب عليها تقرير التزامات في ذمة كل واحد من الطرفين (جاستون مي صـ 328 ن 88 - انظر أيضًا جيرار Girardفي القانون الروماني الطبعة السابعة سنة 1924 صـ 319 - وانظر مذكراتنا في القانون الروماني في نظرية الأشياء صـ 138 وما بعدها) والمراد بالسبب الصحيح وبالعملية القانونية، أن يتراضى العاقدان على نقل الملكية من يد أحدهما إلى يد الآخر، كما يقول جيرار، أو أن يكون السبب الصحيح دالاً بنفسه على رغبة المتعاقدين في الإفراغ والكسب، كما يقول حامد بك نقلاً عن المؤلف (ديد ييه) الذي رجع إليه (المحاماة 7 صـ 99 العامود 2 في وسطه).
وهنا قرر حامد بك (صـ 99 العامود 2 في وسطه) ما يأتي (ولذا لم يشترطوا في السبب الصحيح الوارد على مال منسيبي (يريد الشيء النفيس res mancipi) أن يقع بالأوضاع الشكلية الواجب اتباعها في نقل الملكية الرومانية) ثم عقب حضرته ذلك بما يأتي: (وإلى مثل هذه النتيجة بلغ الفقهاء والشارحون للقانونين الفرنسي والمصري).
ثم أورد حضرة الناقد بعد ذلك ما قرره فقهاء العصور الحاضرة ابتداءً من بوتييه في تعريف السبب الصحيح، وما قرره بودري ودي هلس، وعلى الأخص هذا الأخير (ج 3 صـ 352 ن 118) في أنه لا يشترط في السبب الصحيح أن يكون قد نقل الملكية فعلاً، بل السبب الصحيح هو العقد الذي يرمي بطبيعته إلى نقل الملكية، لولا أنه قد عابه عيب واحد وهو صدوره من غير مالك.
ومن هذا البيان لحضرة الناقد نرى أنه يريد القول بصحة السبب الصحيح وجعله ذا أثر في التقادم الخمسي، ما دام قد انصرف هذا السبب الصحيح إلى مجرد النية لدى العاقدين في نقل الملكية، وأنه لا عبرة مطلقًا بالقيود الشكلية والأوضاع المرعية القانونية التي تكون مقررة لصحة السبب الصحيح في ذاته، والتي لا تنتقل الملكية إلا بها وبتوافرها، أي أن حضرة الناقد قصر السبب الصحيح على مجرد النية في نقل الملكية، وأن هذه النية هي المعول عليها دون الأوضاع الشكلية، فإذا وقعت ولم تحصل الأوضاع الشكلية، اعتبر بأن هناك سببًا صحيحًا مملكًا بالتقادم الخمسي، وحجة حضرة الناقد في ذلك، القانون الروماني، وما أجازه الرومان في تقرير الملكية النافعة أي الملكية الحيازية أو الناقصة، لمن تملك شيئًا نفيسًا من غير طريقة الإفراغ العلني بالأوضاع الشكلية المعروفة عندهم، وما قرره بوتييه في أن المراد بالسبب الصحيح أن يكون صالحًا للاطمئنان به عند تناول العين من يد صاحبها الظاهر.
وهذه القاعدة التي يقررها حضرة الناقد، في أن فقهاء الفرنسيس والمصريين أخذوا بالقاعدة الرومانية، قاعدة لا نقره عليها، وكذلك طريقة التدليل في تقريرها طريقة لا نقره عليها أيضًا.
أما بشأن القاعدة في ذاتها وبأن علماء العصر الحاضر من فرنسيين ومصريين لم يأخذوا بالنظرية الرومانية القضائية البحتة، فالأمر في ذلك يرجع إلى ما قرره حقًا حضرة الناقد في قوله: (ورأيتهم لا يعتبرون العقود غير المنعقدة أو الباطلة بطلانًا مطلقًا أصليًا سببًا صحيحًا، ويعتبرون العقود الباطلة بطلانًا نسبيًا كبيع القاصر والمكره) فكيف يقال حينئذٍ بأن الحاضرين أخذوا بنظرية الغابرين، في الوقت الذي لم يأخذوا فيه بها؟ ولقد سبق لنا أن بينّا بكتابنا في الالتزامات النظرية العامة (صـ 235 - 247 ن 253 - 264) أقام البطلان الثلاثي، البطلان المعدم للعقد، والبطلان المطلق، والبطلان النسبي، وأقسام البطلان الثنائي وهو البطلان المطلق بوجه عام والبطلان النسبي، ورأينا أن البطلان المطلق يجعل العقد كأنه لم يكن، سواء أكان ينقص العقد ركن من أركان تكوينه كالمبيع في البيع، أم ينقصه شرط شكلي من الأوضاع العلنية المقررة لتكوين العقد بالذات، كشرط الرسمية في عقد الهبة مثلاً، إذ العقد في الحالتين يعتبر غير موجود، لا تلحقه إجازة تصححه وترفع شائبته، فإذا حصلت الهبة بعقد عرفي، فلا هبة، لأن رضاء العاقدين وحده لا يكفي لإنشاء عقد الهبة، بل لا بد من ركن الرسمية، وبدونه لا أثر للهبة من الوجهة القانونية، وهذا الركن في الوضع الشكلي للعقد الرسمي، أي ركن الشكلية للعقد الشكلي acte solennel، لازم لوجود العقد من الناحية القانونية، فإذا وجد العقد شكلي الأصل دون أن يتوافر فيه ركن الشكلية، فلا يعتبر سببًا صحيحًا مملكًا بالتقادم الخمسي (انظر كتابنا في الأموال صـ 571 ن 398 وما بعدهما).
والإفراغ العلني عند الرومان mancipatio أي البيع بالميزان في حضرة الشهود الخمسة وما إلى ذلك، هو عقد شكلي، بحيث لا تنتقل الملكية عندهم إلا به، وقبل حصول البيع العلني، يحصل الإنفاق البسيط pactum بين المتعاقدين على البيع، فإذا تمت العلانية انقلب الإنفاق المجرد من كل أثر قانوني، إلى عقد ملزم منشئ لحقوق ومقرر لواجبات، وإذا لم تحصل العلانية، فلا ينتج التعاقد البسيط أثرًا قانونيًا ما.
ولكن لما كان القاضي الروماني المحضر للدعوى والمحرر لصحيفة النزاع لا يفصل في النزاع في ذاته ولكنه يحدد بصحيفته موضوع النزاع، وكان يذيع على الكافة منشوره edictum السنوي بما سينويه من العمل بالمبادئ القانونية التي يقررها هو قبل العمل بها - لما كان ذلك القاضي préteur يعمل على التخفيف من شدة الأوضاع الشكلية للقانون الروماني القديم البحت، فإنه كان يجري في ذلك مع سنة الرقي، ويصرف همه في أن يجعل المبادئ القانونية من المرونة بحيث يجب أن تتفق مع ما يقطعه الشعب الروماني كل يوم من أشواط المدنية في مجالات الرقي، لذا أباح الملكية الناقصة، أي الملكية القضائية، وقرر لها أداة لحمايتها كما رأينا، واستند في تقريرها إلى اعتبار المشتري للشيء بغير الأوضاع الرومانية البحتة، مالكًا بالتقادم، وهذا الاعتبار صوري مجازي لا حقيقة له، إذ افترض القاضي بأن المشتري قد ظل واضعًا يده المدة المكسبة بالتقادم، مع أنه في الحقيقة لم يضع يده هذه المدة، وقد فعل ذلك، القاضي الروماني واستعان بالمجاز والصورية ليصيب غرضين:
أولاً: احترام القيود الشكلية الرومانية البحتة.
ثانيًا: جعل هذه القيود الشكلية بحيث لا تعيق سير الأمور الحيوية الخاضعة لنواميس الرقي الطبيعي.
وقد انتهت الملكية بنوعيها، الملكية الرومانية البحتة، والملكية القضائية، إلى نوع واحد، وتوحدت الملكية لما هجر الرومان أوضاعهم الشكلية الأولى التي كانت تلتئم مع طبائعهم عندما كانوا شعبًا صغيرًا، وقبل أن تدخل إليهم المدنية، وقبل أن يتوسعوا في معاملاتهم التجارية مع الغير.
ومن هنا نتبين أن القاضي الروماني préteur في تقريره للملكية الحيازية وحمايته للحائز الذي لم يملك بالطرق والأوضاع الشكلية المعروفة، وتعويله على مجرد حصول العملية القانونية acte jiridique بين الطرفين وانصرافهما إلى نية تمليك الواحد منهما للآخر، أو كما يقول بوتييه كما نقله عنه الأستاذ حامد بك، أن المراد من السبب الصحيح (أن يكون صالحًا للاطمئنان عند تناول العين من يد صاحبها الظاهر) - هذا القاضي الروماني وقد أراد بالسبب الصحيح العملية القانونية التي تنم وحدها عن نية التمليك، لا عن نقل الملكية بالذات، لم يعمل ذلك ولم يجزه ويقره بمنشوره السنوي، إلا لأنه كان يرمي إلى معالجة شؤون رومانية بحتة، وأنه كان يريد التوفيق بين احترام الأوضاع الشكلية الرومانية القديمة، وبين عدم تعطيل حركة النمو الاجتماعي القسري الذي يسوق الشعب الروماني في تيار الرقي الجارف.
ولما جاءت القوانين الفرنسية وقررت العقود الشكلية ومن بينها الهبة، فإنها قررت تقريرًا صريحًا بأن (العقد الباطل شكلاً لا يصلح سببًا للتملك بمضي المدة من عشر سنوات إلى عشرين سنة) (المادة (2227) من قانون نابليون) وهذا الحكم خاص بما يقابل عندنا التقادم الخمسي، وهو ما جرى عليه الفقه والقضاء الفرنسي، أي أن العقد الباطل بطلانًا مطلقًا لنقص ركن الشكلية فيه، لا يعتبر سببًا صحيحًا مملكًا بالتقادم الخمسي، بل لا بد للتملك من مضي 15 سنة.
وعلى هذا يكون القول من حضرة الناقد بأن فقهاء العصر أخذوا بالقاعدة الرومانية قولاً لم يصب مكانه من الصحة، كما أن طريقة التدليل في تقرير هذه القاعدة، طريقة لم تصادف مكانها من الصحة أيضًا، لأن العلة عند الرومان في تقرير القاعدة لديهم لم تكن هي العلة عندنا في عصورنا الحاضرة.
عقد البيع غير المسجل وقانون التسجيل الجديد:
إذا علمنا ما تقدم فلننظر الآن فيما إذا كان عقد البيع في ظل قانون التسجيل الجديد، وفي حالة عدم تسجيله، عقدًا ناقلاً للملكية، أم هو غير ناقل لها، وبعبارة أخرى هل هذا العقد غير المسجل عقد باطل بطلانًا مطلقًا، من حيث نقل الملكية، ونقل الملكية فقط (بصرف النظر عن كونه في ذاته عقدًا منشئًا لالتزامات ومقررًا لحقوق) أم هو عقد باطل بطلانًا نسبيًا تلحقه الإجازة؟ وفي الحالة الأولى لا يعتبر سببًا صحيحًا، وفي الحالة الثانية يعتبر كذلك.
ونحن نقول بأن عقد البيع غير المسجل في ظل قانون التسجيل الجديد، عقد باطل بطلانًا مطلقًا، من حيث نقل الملكية، ونقل الملكية فقط، وعلى هذا الاعتبار لا يعتبر سببًا صحيحًا مملكًا بالتقادم الخمسي، وحضرة الناقد حامد بك يقول العكس.
وأدلة حضرته نوجزها فيما يأتي:
1 - أن عقد البيع غير المسجل، ما دام أنه منشئ لحقوق والتزامات، فهو إذن (صالح لأن يطمئن به المشتري في تلقي العين ممن هي تحت يده، لتضمنه الالتزام بنقل ملكيتها إليه، وإن لم ينقلها بالفعل).
2 - أن الفقه الفرنسي، ما عدا القليل منه، والقضاء الفرنسي، وكذلك الفقه والقضاء بمصر، كل ذلك يرى أن لا محل لتسجيل السبب الصحيح حتى يحتج به ضد المالك الحقيقي (كلمة (المشتري) الواردة بمقال الناقد صـ 101 العامود الثاني السطر 6 في آخره، حقيقتها (المالك الحقيقي)).
3 - أن المادة (76) مدني الخاصة بالسبب الصحيح لم ترد بالمواد الملغاة بقانون التسجيل الجديد المصري، ولا يمكن على كل حال أن يمسها هذا القانون بشيء ما.
4 - أن المادة (264) مدني المقررة لبطلان عقد البيع الصادر من غير المالك الحقيقي، لا يلحقها أيضًا قانون التسجيل الجديد الذي انصرف إلى تقرير ضرورة تسجيل العقد الصادر من المالك الحقيقي لا إلى تقرير تسجيل العقد الصادر من غير المالك الحقيقي.
5 - أن المالك الحقيقي لا يمكن اعتباره داخلاً ضمن طائفة الغير الذين تلقوا الملكية عن مالك واحد وحفظوها بالتسجيل، وليس من الغير أيضًا الدائن العادي ولا من تلقى الملكية عن غير المالك الحقيقي.
6 - أن العقد الذي يصدر من غير المالك الحقيقي، لا ينقل الملكية حتى ولو تسجل فإن هذا العقد ولا تسجيله ينقلان الملكية، إنما الذي يُكسب الملكية للمشتري من غير مالك هو في الواقع وضع اليد مدة خمس سنوات.
هذه هي أدلة حضرة الناقد، ونرى الآن أن ندلي بأدلتنا نحن في تقرير رأينا الذي قلنا به، وننقد أدلته في طريق إقامتنا الحجة على صحة رأينا.
قلنا في مواطن عدة مما نشرناه مقالات وتأليفًا، وأقرنا عليه القضاء الأهلي والمختلط أخيرًا وأقرنا عليه الأستاذ حامد بك بمقاله الأخير والسابق عليه، إن عقد البيع لم يصبح في ظل قانون التسجيل الجديد عقدًا شكليًا Acte solennel، بل ظل كما كان من قبل عقدًا رضائيًا acte consensuel ينعقد بتمام حصول الرضاء والقبول من الطرفين، ويترتب على انعقاد العقد صحته وتقرير حقوق وواجبات ترجع لطبيعة العقد، وهو ما يسمى بالالتزامات الشخصية الواردة بالمادة الأولى من قانون التسجيل، ورجعنا في تقرير هذه القاعدة وفي التدليل عليها إلى المادة (873) من القانون الألماني الصادر سنة 1872 وإلى الأعمال التحضيرية لمشروعي توحيد أقلام التسجيل بمصر والسجلات العقارية الموضوعين بمعرفة اللجنة الدولية المختلطة سنة 1904 وإلى مناقشات اللجنة التي وضعت قانون التسجيل الجديد وإلى مذكرته الإيضاحية (ورجع القضاء المختلط إلى تقرير اللجنة البلجيكية: انظر حكم محكمة مصر المختلطة الصادر في 21 يناير سنة 1926 وتعليقنا عليه بمجلة المحاماة 6 صـ 827) ومن شأن هذه الحقوق والواجبات أن تبيح لكل عاقد الحق في المطالبة بها والخضوع لها قبل تسجيل العقد، فللبائع حق مطالبة المشتري بالوفاء بالثمن، وللمشتري حق مطالبة البائع بالتسليم، وإذا امتنع البائع عن العمل على المصادقة على توقيعه طبقًا للمادة (6) من قانون التسجيل، جاز للمشتري رفع الدعوى إما بطلب الحكم بصحة التوقيع، أو بطلب الحكم بصحة التعاقد ثم تسجيل الحكم في الحالتين مع العقد، فتنتقل الملكية، ولا تنتقل الملكية إلا بالتسجيل، والتسجيل هنا مظهر من الأوضاع الشكلية solennel لازم لنقل الملكية، وبدونه لا يمكن ويستحيل نقل الملكية، والقاضي نفسه لا يملك أن يصدر حكمه ليحل محل الوضع الشكلي وهو التسجيل، وكل ما له الحكم بصحة التعاقد، فإذا تسجل الحكم مع العقد انتقلت الملكية، وإلا فلا تنتقل مطلقًا بدونه، وهذا الوضع الشكلي للتسجيل في نقل الملكية هو ككل وضع من الأوضاع الشكلية للعقود الشكلية actes solennels لا يتقرر الحق بدونه، وهو يحكي تمامًا الوضع الشكلي لعقد الرهن العقاري غير الحيازي، أي العقد التأميني hypothéque، فإذا تعاقد دائن ومدين على أن يرهن هذا الأخير للأول عقارًا له رهنًا رسميًا ولم يفِ بوعده فلا يملك الدائن ولا القاضي حق إكراه المدين على الرهن، وكل ما للقاضي الحكم بتعويض للدائن، كل ذلك لأن الرهن عقد شكلي لا ينعقد إلا بتمام الوضع الشكلي والإجراءات الشكلية، ولا يستطيع القاضي أن يحل فيها بحكم محل القيود المقررة بالقانون (انظر كتاب التأمينات لنا صـ 133 ن 125).
إذا تقرر ذلك، ولا شبهة فيه، أصبح عقد البيع في ذاته عقدًا صحيحًا ونافذًا من حيث تقرير التزامات وحقوق ناشئة عن طبيعة البيع، ولا يمكن أن يكون نافذًا للملكية إلا بتسجيله، ومن غير التسجيل يستحيل استحالة مطلقة نقل الملكية إلى المشتري، وعقد البيع على هذا الاعتبار عقد رضائي وشكلي في آنٍ واحد، فهو رضائي لأنه ملزم لطرفيه بالتراضي والاتفاق عليه، وشكلي لأن الملكية لا تنتقل فيه إلا بأوضاع شكلية حتمها القانون، ولا محل لاحتمال القول بالغرابة في أن يكون العقد الواحد في ذاته رضائيًا وشكليًا، ذلك لأن الجمع بين رضائية وشكلية العقد الواحد هو من وضع الشارع المصري الذي أراد أن يكون العقد غير المسجل ملزمًا وغير ناقل للملكية في آن واحد، وفعل الشارع المصري الأخير ذلك على خلاف ما قرره مشروع السجلات العقارية سنة 1904 في أن يكون عقد البيع رسميًا ومسجلاً، بحيث إذا انعقد عرفيًا فيصبح باطلاً بطلانًا مطلقًا لا يترتب عليه أي أثر ما، أي لا ينتج الالتزامات الشخصية المقررة بالمادة الأولى من قانون التسجيل الجديد (انظر كتابنا في الأموال صـ 869 ن 593 وما بعدهما) والتعاقد على البيع لعقد غير المسجل يشبه التعاقد على الرهن الرسمي دون حصول الرهن، إذ التعاقد فيهما صحيح من حيث تقرير حقوق، وليس التعاقد هذا وفي ذاته باطل، إنما القيود الشكلية فيها تجعل التعاقد عليها تعاقدًا لا بد في نفاذه من عقد شكلي خاضع لإجراءات شكلية قررها الشارع بالذات للنظام العام، والأوضاع الشكلية في الرهن الرسمي هي حضور المدين الراهن أمام الموثق مع شهوده وما إلى ذلك، ولا يملك القاضي إلزام المدين بتنفيذ هذا الالتزام، والأوضاع الشكلية في التسجيل هي وضع العقد في ملف على حدة طبقًا لقانون التسجيل الجديد، وبنظام خاص لتسهيل العلانية لدى الكافة، لا حاجة فيها إلى حضور البائع شخصيًا، ولذا إذا أمر القاضي بتسجيل العقد، صح تنفيذ أمره لبعده عما له مساس بالحرية الشخصية للبائع.
إذا علم ما تقدم، ففي أي طائفة من العقود الباطلة يمكن وضع عقد البيع غير المسجل فيها؟ فهل يوضع في طائفة العقود الباطلة بطلانًا مطلقًا، أو في طائفة العقود الباطلة بطلانًا نسبيًا؟ فإن قيل بالبطلان النسبي، وجب اعتبار عقد البيع غير المسجل سببًا صحيحًا مملكًا بالتقادم الخمسي، وإن قلنا بالبطلان المطلق وجب عدم اعتباره سببًا صحيحًا، ولزم على ذلك، التقادم الطويل بمدة 15 سنة.
والعقد الباطل بطلانًا نسبيًا عقد صحيح في ذاته شابته شائبة ترجع لشخص أحد العاقدين وهو المجني عليه، فإذا لزمته الشائبة بطل مفعول العقد، وإذا زالت برغبة المجني عليه ولفعله هو نفذ العقد.
فإذا وقع العقد تحت سلطان الإكراه فسد العقد وزال مفعوله، ولكن يجوز للعاقد الذي وقع الإكراه عليه أن يتنازل عن حقه في تمسكه بسبب الإكراه، وبذا يصح العقد، وكذلك القول فيما إذا عاب العقد عيب الغلط أو الغش، وإذا عاب العقد فقد الأهلية لدى أحد العاقدين بأن كان قاصرًا جاز للقاصر وحده الطعن في العقد بالبطلان، ويجوز له السكوت عن الطعن بعد بلوغه، وبذا يصح العقد وينفذ.
ومن هنا نرى أن البطلان النسبي يرجع لعمل الفرد وحقه الشخصي، فإن شاء التمسك به، فيبطل العقد، وإن شاء التنازل عنه فيصح العقد، دون أن يكون هناك دخل في الحالتين للنظام العام، والبطلان النسبي على هذا الاعتبار بطلان شخصي خاص لا عام (راجع كتابنا في الالتزامات النظرية العامة صـ 243 ن 262).
والعقد الباطل بطلانًا مطلقًا عقد شابه عيب يتصل بالنظام العام اتصالاً محكمًا ولا يتعلق برغبة العاقدين وحرية رضائهما فيه، بل لا بد من الخضوع للأوضاع الشكلية التي قررها القانون، كالرسمية في الرهن التأميني أو في الهبة، ويجوز لكل من العاقدين وللغير أيضًا التمسك بالبطلان، فإذا حصلت الهبة بعقد عرفي جاز للواهب نفسه طلب بطلان العقد، كما يجوز للقاضي أن يقضي به من تلقاء نفسه، لأن البطلان متعلق بالنظام العام، لا بالمصلحة الشخصية البحتة للأشخاص، وهذا العقد الباطل بطلانًا مطلقًا لا يقبل التصحيح، أي لا يملك العاقدان تصحيحه بإرادتهما دون الخضوع للأوضاع الشكلية (الالتزامات لنا في النظرية العامة صـ 239 - 241 ن 256 - 258).
هذا العقد الباطل بطلانًا مطلقًا لا يعتبر سببًا صحيحًا مملكًا بالتقادم الخمسي، لأنه وإن كان قد شملته رغبة الطرفين في التمليك، في حالة الهبة مثلاً، واطمأن فيه الموهوب إليه، إلا أن الرغبة المحضة للطرفين لا تكفي لنقل الملكية، بل لا بد لركن الشكلية، وهذا الحق في المطالبة بالبطلان لا يسقط عن الواهب بالتقادم الطويل فيما إذا كان مدعيًا، كما لا يسقط حق الدفع بالبطلان إذا كان الواهب مدعى عليه (المادة (2262) مدني فرنسي والمادة 208/ 272 مدني مصري - الالتزامات لنا النظرية العامة صـ 241 - 242 ن 259 - 260. إنما يرى القضاء الفرنسي، في أنه إذا صح عدم جواز زوال حق طلب البطلان بالتقادم، أي عدم جواز اكتساب العقد الباطل بطلانًا مطلقًا قوة قانونية بفعل الزمن وهو التقادم، فإنه يرى من طريق آخر أن التقادم يحدث أثره وينصب على الشيء محل عقد الهبة فيكتسب الموهوب له ملكيته له بالتقادم: انظر الهامش (1) من صفحة 241 من كتابنا في الالتزامات. وانظر كتابنا في الأموال صـ 572 ن 399 والهامش (3)، وفي عدم جواز سقوط الدفع بالبطلان المطلق مهما طال الزمن فذلك يرجع للقاعدة المعروفة القائلة بأن الدعاوى معقودة بزمن وأما الدفوع exceptions فهي دائمة خالدة: انظر في ذلك كتابنا في القانون التجاري صـ 329 ن 252).
وإذا علم الآن البطلان النسبي والبطلان المطلق ففي أيهما يدخل عقد البيع غير المسجل؟ قلنا إنه يدخل في طائفة البطلان المطلق، لأن التسجيل هنا شرط لازم لصحة العقد في نقله للملكية، ولا يقبل تصحيحًا ولا تأييدًا بغير التسجيل، وهذا العقد لا يعتبر سببًا صحيحًا بالمعنى القانوني العصري، لا بالمعنى الروماني القضائي، لأن العقد الذي يعتبر في عصورنا الحاضرة سببًا صحيحًا هو العقد الذي يملك بطبيعته وكيانه القانوني فيما إذا صدر من المالك الحقيقي verus dominus فإذا فرض وصدر العقد من هذا المالك الحقيقي دون مراعاة الأوضاع الشكلية فيه فإنه لا يملك، وإذا صدر من غير المالك فلا يملك أيضًا بالتقادم الخمسي، لأنه لا يعتبر سببًا صحيحًا قد توافرت فيه أركان الصحة القانونية اللازمة للعقود الشكلية.
ولا يعتبر العقد سببًا صحيحًا ليس فقط إلا عند توافر شروط الأوضاع الشكلية فيه إذا كان من العقود الشكلية actes solennels، بل لا يعتبر سببًا صحيحًا أيضًا إلا إذا حاز الشروط القانونية التي يقررها القانون بالذات في سبيل حماية البائع حماية شخصية، ويقع ذلك فيما إذا بيع عقار القاصر لمشترٍ دون مراعاة أخذ مصادقة المجلس الحسبي، إذ في هذه الحالة لا يجوز للمشتري اعتبار عقده سببًا صحيحًا مملكًا بالتقادم الخمسي بل لا بد له من التقادم الطويل مدة 15 سنة (استئناف أهلي في 20 مارس سنة 1906م ر 1، 8 صـ 57 عدد 029 - ح 21 صـ 0257 - مرجع القضاء ص 382 ن 01377 - ح 22 ص 083 - مرجع القضاء صـ 381 ن 01375 - د، 907، 1، 0406 - كتابنا في الأموال صـ 572 والهامش (5) وصـ 574 والهامش 02 - ومرسى المزاد الذي يحصل على جهة الإدارة عقب إجراءات نزع الملكية إن جاءت مخالفة للقوانين والأوامر لا يعتبر سببًا صحيحًا لتمليكها العين بوضع اليد خمس سنوات: انظر في ذلك زقازيق حكم استئنافي 14 فبراير سنة 1906 ح 22 صـ 0169 - مرجع القضاء صـ 382 ن 1383) وألا يرى في ذلك بأن الحكم بعدم اعتبار عقد البيع الصادر من الوصي دون مراعاة قيد مصادقة المجلس الحسبي سببًا صحيحًا هو حكم أبلغ في عدم اعتبار العقد الذي ينقصه ركن شكلي من الأوضاع الشكلية سببًا صحيحًا؟ إن العقد الذي ينقصه وضع شكلي لازم لإنشائه، والعقد الذي ينقصه شرط لازم لصحته كمصادقة المجلس الحسبي، هو عقد لا يمكن اعتباره سببًا صحيحًا، والسبب في ذلك ظاهر، وهو أن القيد القانوني بالوضع الشكلي إن كان العقد رسميًا، أو القيد القانوني بالمصادقة، هذا القيد من الشروط التي قررها القانون بالذات لصحة العقد، ويستحيل قانونًا وبداهةً أن يكون العقد الخالي عن هذا القيد الشكلي أو التصادقي سببًا صحيحًا، لأن السبب الصحيح هو العمل القانونيacte juridique المملك في ذاته فيما لو صدر من المالك الحقيقي، وكل ما ينقص العقد هو صدوره من غير المالك فقط، أي أن العذر الذي جعل الشارع يغتفر فيه للمشتري خطأه إنما هو العذر الخاص بجهل المشتري بعدم ملكية البائع له، واعتقاد هذا المشتري في أنه اشترى من المالك الحقيقي، والخطأ هنا واقع، وواقع فقط، على خطأ موضوعي لا قانوني، وأما إذا وقع الخطأ على أمر قانوني واشترى المشتري دون مراعاة القيد الشكلي أو التصادقي، فإن الشارع لا يغتفر للمشتري خطأه، لأنه من المفروض على كل فرد كائنًا من كان أن يعرف القانون وقيوده (المادة (29) من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية).
وإذا كان العقد الذي تنقصه مصادقة المجلس الحسبي لا يعتبر سببًا صحيحًا مملكًا بالتقادم، وهو ليس بالعقد الشكلي الخاضع لأوضاع شكلية، ألا يكون من باب أولى عقد البيع غير المسجل الذي يعتبر عقدًا شكليًا فيما يتعلق، ويتعلق فقط، بنقل الملكية؟ إن التسجيل كشرط لازم لنقل الملكية، قيد وضعي قانوني لا يستطيع معه المشتري أن يقول باعتبار عقد البيع سببًا صحيحًا، لأنه وإن كان البيع عملية قانونية يطمئن إليها المشتري عند التعاقد في نقل الملكية إليه، فإنه يجب أن يلاحظ أن هذا الاطمئنان ليس بصحيح قانونًا إلا إذا قام المشتري من جانبه بما يقضي عليه به القانون من شروط لازمة لصحة العقد، بحيث إذا أهمل المشتري في مراعاة الشروط القانونية التي يجب على المشتري أن يعلمها ويعرفها تمام المعرفة، فلا يصح مطلقًا اعتبار العقد في هذه الحالة سببًا صحيحًا مملكًا بالتقادم الخمسي، لأن التقادم الخمسي لا يصح الأخذ به واعتباره وسيلة في التملك إلا إذا كان المشتري حسن النية، ومعنى حسن النية ليس فيما يتعلق بالشروط القانونية لصحة العقد، بل ينصرف حسن النية فقط إلى جهل المشتري بملكية المبيع لشخص آخر غير البائع له، ولا يمكن أن ينصرف حسن النية إلى جهل المشتري للشروط القانونية، ولا ينفذ التقادم الخمسي إلا إذا اصطحب حسن النية بالسبب الصحيح، والسبب الصحيح هو العملية القانونية التي اطمأن إليها المشتري واعتبرها أداة لنقل الملك إليه، ولا يصح اطمئنان المشتري ويؤخذ باطمئنانه قانونًا إلا إذا عمل من جانبه ما يحتمه عليه القانون، ولا يمكن أن يعتبر في جهله حسن النية، وفي هذه الحالة لا يستفيد مطلقًا من التقادم الخمسي، وحسن النية الذي يبيح التملك بالتقادم الخمسي هو اعتقاد المشتري أن البائع له مالك، أي الخطأ الموضوعي erreur de fait، وأما الخطأ القانوني erreur de droit فلا يمكن اعتباره حسن نية مملك بالتقادم (إلا في حالة وضع اليد وتملك الثمار فإن الخطأ القانوني يعتبر بمثابة حسن نية يجيز تملك الثمار لواضع اليد: بلانيول ج (1) الطبعة الثامنة سنة 1920 صـ 703 ن 2293).
هذا ولا يقف السبب الصحيح في أن يطمئن فيه مكتسب الملكية إلى تملك العقار، بل يجب في ذاته أن يكون صالحًا لنقل الملكية، أي منشئًا لها، وعلى ذلك فلا يعتبر سببًا صحيحًا الوفاء بوجه عام والإرث والقسمة والأحكام والصلح والعقد المعلق على شرط (راجع في تفصيل ذلك كتابنا في الأموال صـ 566 - 570 ن 396 - 397).
ومما مر يتبين أن السبب الصحيح ليس هو بوجه عام كل عملية قانونية acte juridique يطمئن إليها المشتري بوجه عام في نقل الملكية إليه، وأنه لا عبرة في التقادم الخمسي بالعملية القانونية التي تنصرف إلى مجرد إظهار النية في نقل الملكية، وأن العبرة فيه إنما هو وضع اليد - إنما السبب الصحيح من الوجهة القانونية الصحيحة في عصورنا القانونية الحاضرة وطبقًا للأصول القانونية الواقعة droit positif، هو العملية القانونية المنشئة للملكية بحيث تقع صحيحة في ذاتها وطبقًا للقيود القانونية سواء كانت هذه القيود قد وردت لحماية النظام العام بوجه عام، أو وردت لحماية بعض المصالح الفردية الجديرة بحماية القانون، كضرورة مصادقة بعض الهيئات العامة على تصرفات أولي الأمر، فإذا جاءت العملية القانونية وشابها نقص في القيود القانونية العامة أو الخاصة فلا يجوز اعتبارها سببًا صحيحًا، بل يجب اعتبارها سببًا غير صحيح، ولا عبرة مطلقًا بمجرد رغبة العاقدين في نقل الملكية، ما دام أن هذه الرغبة قد تقيدت بقيود قانونية عامة (في حالة العقود الشكلية) أو خاصة (في حالة العقود الخاضعة لمصادقة بعض الهيئات).
وأما القول من جانب حضرة الناقد حامد بك فهمي في أن الشرائع الحاضرة والفقهاء الحاضرين قد أخذوا بالنظرية الرومانية القضائية القديمة فهو قول لا نقره عليه كما قلنا لأن عمل القاضي الروماني في تقرير أداة حماية للمشتري بغير الأوضاع الشكلية العتيقة إنما كان يرمي به إلى الإفلات من قوة القيود الرومانية القديمة، وإلى جعل الحقوق طليقة في طريق التطور الاجتماعي، مع المحافظة بقدر الإمكان على احترام القيود القانونية القديمة، ولذا استعان القاضي الروماني كما قلنا بالمجاز والصورية في تقريره أداة الحماية للمشتري، بأن افترض فيه مجازًا بأنه تملك بالتقادم، مع أنه في الحقيقة لم تمضِ عليه مدة التقادم المملكة.
ولا يمكن بحال تشبيه التشريع العصري وعمل القضاء العصري بما كان عليه الرومان وعلى الأخص في عهدهم الأول عهد الطفولة والقيود الجافة الشاذة بما كان يلتئم مع حالتهم شبه البدوية، وأكبر دليل على ذلك أن العقد الحاضر، وهو الباطل بطلانًا مطلقًا لنقص الوضع الشكلي فيه، لا يصلح سببًا صحيحًا مملكًا بالتقادم الخمسي كما رأينا
مدى اختصاص النيابة العامة بالفصل في مواد الحيازة
مجلة المحاماة – العدد الرابع
السنة الثانية والثلاثون سنة 1952
بحث
مدى اختصاص النيابة العامة بالفصل في مواد الحيازة لحضرة الأستاذ أحمد رفعت خفاجي وكيل نيابة ميت غمر
1 - تمهيد:
قد يتنازع شخصان على عقار أرضًا كان أم مبنى يدعى كلاهما أحقيته في حيازته فيتعرض كل منهما للآخر، وقد يغتصب شخص عقار آخر عنوة عنه وذلك باستعمال القوة أو بغير علمه وذلك بأن يضع يده عليه ليلاً ويزرعه إن كان أرضًا ويقيم فيه إن كان منزلاً، وقد يقيم شخص أعمالاً جديدة على أرضه أو على أرض غيره فينازعه آخر في إتمام هذه الأعمال، فما هي الجهة المختصة بالفصل في المنازعات التي تدور حول الحيازة، والتي تقرر بتمكين هذا أو ذاك من حيازة العقار؟
2 - صعوبة البحث:
ولعل ما دفعنا إلى هذا البحث ما لمسناه من الوجهة العملية – من أن النيابة العامة ممثلة في رجالها تضع نفسها حكمًا في مثل هذه المنازعات فتتصدى لمدى أحقية طرفي النزاع في حيازة العقار وذلك عندما تلجأ إليها جهة الإدارة للإفادة عما يتبع من تمكين زيد أو عمرو من حيازة العقار، وأن هذا الاتجاه جعلنا نتساءل عن السند القانوني لاختصاص النيابة العامة وهل هناك نص تشريعي يؤيد هذا الاختصاص وينظمه، وهل يمتد الاختصاص لأمور أخرى غير اختصاصها الأصلي الخاص بتحريك الدعوى العمومية ومباشرتها، هذا ما سنعالجه في هذا الصدد.
3 - أهمية البحث:
ولا يفوتنا أن نذكر بهذه المناسبة أن هذا البحث ليس بحثًا فقهيًا أي دراسة من الوجهة النظرية البحتة فحسب بل إن له نتائج عملية في غاية من الأهمية والخطورة فعلى ضوء هذا البحث يمكننا أن نعرف مدى حجية قرار النيابة في هذه المسائل وهل هو ملزم لطرفي الخصومة وما هو الجزاء المترتب على إصرار أحد طرفي النزاع على عدم تنفيذه وما هو مدى مسؤولية جهة الإدارة في عدم تنفيذه وهل لها أن تخالفه إذا رأت ضرورة لذلك حماية للأمن والنظام الاجتماعي.
4 - موقف القانون المدني وقانون المرافعات:
ولا شك أن الاختصاص بالفصل في مواد الحيازة موكول – بصفة أصلية - إلى القضاء المدني سواء أكان قضاء مستعجلاً أم عاديًا، ففي وسع أحد طرفي الخصومة أن يلجأ إلى المحاكم المدنية لتفصل في موضوع النزاع فتصدر حكمًا واجب التنفيذ لما يحمل من صيغة تنفيذية تلزم النيابة العامة ورجال الضبط بتنفيذ الأحكام الصادرة من الجهات القضائية.
ولما نشر القانون رقم (131) سنة 1948 المؤرخ في 16 يوليو سنة 1948 والخاص بإصدار القانون المدني تناول في القسم الثاني منه الحقوق العينية وأهمها حق الملكية وعالج في الفرع السابع من الفصل الثاني موضوع الحيازة كسبب من أسباب كسب الملكية وذلك في المواد (949) وما بعدها فتكلم عن الحيازة بصفة عامة ثم في دعاوى حماية الحيازة actions possessoires وهي:
1 - دعوى منع التعرض La complainte
2 - دعوى استرداد الحيازة La réimetegrande
3 - دعوى وقف الأعمال الجديدة La dénonciation de nouvelle oeuver
أما الأولى: ويقصد بها منع الاعتداء على الحيازة سواء أكان الاعتداء ماديًا باغتصابها أم قانونيًا بالادعاء أمام القضاء بأن الحيازة لغير الحائز فلقد جاء النص عليها في المادة (961) من القانون المدني التي تقرر:
(من حاز عقارًا واستمر حائزًا له سنة كاملة ثم وقع له تعرض في حيازته جاز له أن يرفع خلال السنة التالية دعوى بمنع هذا التعرض).
أما الثانية: ويقصد بها رد الحيازة إلى من اغتصبت منه بالقوة أو بغير علمه فلقد ورد ذكرها في المواد (958)، (959)، (960) من القانون المدني:
المادة (958): (1 - لحائز العقار إذا فقد الحيازة أن يطلب خلال السنة التالية لفقدها ردها إليه فإذا كان فقد الحيازة خفية بدأ سريان السنة من وقت أن ينكشف ذلك.
2 - ويجوز أيضًا أن يسترد الحيازة من كان حائزًا بالنيابة عن غيره).
المادة (959): (1 - إذا لم يكن من فقد الحيازة قد انقضت على حيازته سنة كاملة وقت فقدها فلا يجوز أن يسترد الحيازة إلا من شخص لا يستند إلى حيازة أحق بالتفضيل والحيازة الأحق بالتفضيل هي الحيازة التي تقوم على سند قانوني فإذا لم يكن لدى أي من الحائزين سند أو تعادلت سنداتهم كانت الحيازة الأحق هي الأسبق في التاريخ.
2 - أما إذا كان فقد الحيازة بالقوة فللحائز في جميع الأحوال أن يسترد خلال السنة التالية حيازته من المعتدى).
المادة (960): ( للحائز أن يرفع في الميعاد القانوني دعوى استرداد الحيازة على من انتقلت إليه حيازة الشيء المغتصب منه ولو كان هذا الأخير حسن النية).
أما الثالثة: ويقصد بها منع السير في أعمال لو تمت لكونت اعتداءً ماديًا على حيازة العقار أو على حق مقرر عليه ولقد ورد ذكرها في المادة (962) من القانون المدني التي تنص:
(1 - من حاز عقارًا واستمر حائزًا له سنة كاملة وخشي لأسباب معقولة التعرض له من جراء أعمال جديدة تهدد حيازته كان له أن يرفع الأمر إلى القاضي طالبًا وقف هذه الأعمال بشرط ألا تكون قد تمت ولم ينقض عام على البدء في العمل الذي يكون من شأنه أن يحدث الضرر.
2 - وللقاضي أن يمنع استمرار الأعمال أو أن يأذن في استمرارها وفي كلتا الحالتين يجوز للقاضي أن يأمر بتقديم كفالة مناسبة تكون في حالة الحكم بوقف الأعمال ضمانًا لإصلاح الضرر الناشئ من هذا الوقف متى تبين بحكم نهائي أن الاعتراض على استمرارها كان على غير أساس وتكون في حالة الحكم باستمرار الأعمال ضمانًا لإزالة هذه الأعمال كلها أو بعضها إصلاحًا للضرر الذي يصيب الحائز إذا حصل على حكم نهائي في مصلحته).
وحقيقة الأمر أن تفسير هذه المواد وشرحها شرحًا مفصلاً محله القانون المدني وقانون المرافعات ويكفينا أن نقرر في هذا المقام أن الحيازة التي يحميها القانون بمقتضى هذه الدعاوى الثلاث هي الحيازة الهادئة raisible الظاهرة publique غير الغامضة non équivoque المستمرة مدة سنة على الأقل والمحكمة المختصة بالفصل في هذه الأمور هي محكمة المواد الجزئية وذلك طبقًا لما ورد في المادة (47) من القانون رقم (77) سنة 1949 الخاص بإصدار قانون المرافعات المدنية والتجارية والتي تنص:
(تختص محكمة المواد الجزئية بالحكم ابتدائيًا:
( أ ) (دعاوى الحيازة…)
ولا شك أن المحكمة الجزئية المختصة هي المحكمة التي يقع في دائرتها العقار محل النزاع إذ أن هذه الدعاوى دعاوى عينية عقارية وذلك تطبيقًا لنص المادة (56) من قانون المرافعات.
(في الدعاوى العينية العقارية ودعاوى الحيازة يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها العقار أو أحد أجزائه إذا كان واقعًا في دوائر محاكم متعددة).
ويجب ملاحظة هذه الدعاوى الثلاث قد ترفع بصفة عاجلة أمام محكمة الأمور المستعجلة وذلك إذا تبين أن الدعوى متعلقة بمسائل مستعجلة يخشى عليها من فوات الوقت كما يجب ملاحظة أن الأحكام الصادرة في هذه الدعاوى قابلة للطعن فيها بطريق الاستئناف.
5 - عدم اختصاص النيابة العامة:
وفي كثير من الأحوال لا يلجأ أحد طرفي النزاع إلى القضاء المدني ليفصل فيه ويقول كلمته في من له الحق في حيازة العقار محل النزاع وإنما يظل يتعرض لخصمه تعرضًا ماديًا فيقابل خصمه التعرض بالتعرض مما يؤدي إلى تكدير صفو السلام أو مما قد يتطور الأمر فيعتدي كل طرف على الآخر وترتكب جرائم ضد النفس تتفاوت في خطورتها حسب الظروف منها جرائم الضرب المفضي إلى الموت المعاقب عليها في المادة (236) من قانون العقوبات أو جرائم الضرب الذي ينشأ عنه عاهة مستديمة المعاقب عليها في المادة (240) من القانون المذكور.
فهل يجوز للنيابة العامة أن تتدخل في هذا النزاع وتصدر قرارًا واجب التنفيذ على طرفي النزاع وتراقب تنفيذه جهة الإدارة خاصة وأن في وسع من صدر القرار في غير صالحه أن يلجأ إلى القضاء المدني على النحو السابق شرحه كي يحصل على حكم في الخصومة يحمل الصيغة التنفيذية يتعين تنفيذه بمعرفة النيابة العامة والإدارة ويجعل قرار النيابة السابق لا حجية له بصدد هذا الحكم القضائي.
هذا هو الجاري عليه العمل الآن بين بعض رجال النيابة العامة.
إلا أن الباحث في النصوص القانونية لا يجد نصًا يخول للنيابة العامة هذا الاختصاص فضلاً عن أن روح فقه قانون تحقيق الجنايات لا يؤيد هذا الاتجاه.
فلقد نص قانون تحقيق الجنايات على أن اختصاص النيابة بصفة أصلية هو تحريك الدعوى العمومية mise en mouvement ومباشرتها exercise فالنيابة العامة وهي التي تنوب عن الهيئة الاجتماعية تختص دون غيرها برفع الدعوى الجنائية طالبة الحكم على الجاني توطئة لتنفيذ العقوبة عليه.
كما صدر بعض قوانين مستقلة خولت للنيابة العامة اختصاصات أخرى غير هذا الاختصاص الأصلي وهي:
1/ التدخل في الدعاوى المدنية والتجارية أمام القضاء المدني والتجاري وذلك إما بصفة أصلية: كما جاء في المادة (196) من قانون التجارة التي تجيز للنيابة العامة أن تطلب بدعوى مبتدئة الحكم بإشهار إفلاس التاجر المتوقف عن الدفع – وكما جاء في القانون المدني الجديد في المادة (96) منه أنه يجوز للنيابة العامة أن تطلب من المحكمة الابتدائية الحكم بحل جمعية من الجمعيات. ففي هاتين الحالتين ترفع النيابة هذه الدعاوى بصفة أصلية، وأما أنها تتدخل بصفتها طرفًا منضمًا وهي ما أوجبه القانون في المسائل الحسبية والأحوال الشخصية المتعلقة بالأجانب وإلا كان الحكم باطلاً ومظهر هذا التدخل هو الاطلاع على أوراق القضية وتقديم مذكرات فيها.
2/ المحافظة على حقوق القصر وعديمي وناقصي الأهلية وذلك تنفيذًا لقانون المحاكم الحسبية رقم (99) سنة 1947 المعدل بالقانون رقم (126) سنة 1951.
3/ إقامة الدعاوى التأديبية على رجال القضاء وموظفي المحاكم.
4/ الحضور في الجمعية العمومية التي تعقد بالمحاكم لترتيب الأعمال القضائية.
5/ إدارة الأعمال المتعلقة بنقود المحاكم وتفتيش صندوق الأمانات والودائع.
6/ ملاحظة وتفتيش السجون وذلك ضمانًا لتنفيذ القوانين واللوائح الخاصة بها.
هذا هو الاختصاص الأصلي للنيابة العامة وكذا الاختصاصات الأخرى المعطاة لها بناءً على نصوص قانونية صادرة بقوانين خاصة - أما اختصاصها بالفصل في مواد الحيازة فلم يرد ذكره في نص قانوني ما، هذا من جهة نصوص القانون.
أما من جهة روح القانون فالنيابة العامة أنشئت لتحريك الدعوى العمومية ومباشرتها أي لاتخاذ الإجراءات القانونية لضبط الجرائم وتقديم المجرمين للمحاكمة فليس لها أي اختصاص إداري آخر، فالنيابة العامة وإن كانت تابعة للسلطة التنفيذية ممثلة في شخص وزير العدل فإن اختصاصها محدود بنصوص القانون ينصب أساسًا وبصفة أصلية على الدعوى العمومية أي مباشرة حق التحقيق والاتهام ومن ثم ليس لها أي شأن بالأمن العام وضمان سلامته والمحافظة على حسن سيره إذ أن هذا من صميم اختصاص جهة الإدارة التي تتبع في النهاية إلى وزير الداخلية وبالتالي ليس للنيابة العامة أن تتدخل في المنازعات القائمة بين الأفراد والتي لا تكون جريمة ما، بل والتي ربما تؤدي إلى ارتكاب جريمة طالما أن جريمة ما لم تقع، فإذا تنازع زيد مع عمرو على عقار كلاهما يدعى حيازته وأحقيته في ملكيته وتعرض كل منهما للآخر ولم يلجأ كلا الطرفين للقضاء المدني فلا يسوغ للنيابة العامة أن تقحم نفسها في هذا النزاع المدني فتفصل فيه لأنها ليست جهة قضاء مدني كما أن ليس لها أن تنهي النزاع بين الطرفين ولو مؤقتًا فتصدر قرارًا في موضوع الحيازة محافظة على السلم العام وذلك لأنها ليست الجهة المختصة بالمحافظة على الأمن العام واتخاذ الإجراءات اللازمة لعدم تكدير صفوه.
وما يجب الإشارة إليه في هذا الشأن أن ما تقدم ينصب على النزاع حول الحيازة الذي لا يكون جريمة.
أما إذا كون النزاع بين الطرفين جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات تعين على النيابة العامة أن تتدخل فتباشر حقها في الاتهام مثال ذلك ما نص عليه قانون العقوبات في المادتين (369) و (370) عقوبات.
م 369 – (كل من دخل عقارًا في حيازة آخر بقصد منع حيازته بالقوة أو بقصد ارتكاب جريمة فيه أو كان قد دخله بوجه قانوني وبقى فيه بقصد ارتكاب شيء مما ذكر يعاقب…).
م 370 – ( كل من دخل بيتًا مسكونًا أو معدًا للسكنى أو في أحد ملحقاته أو في سفينة مسكونة أو في محل معد لحفظ المال وكانت هذه الأشياء في حيازة آخر قاصدًا من ذلك منع حيازته بالقوة أو ارتكاب جريمة فيها أو كان قد دخلها بوجه قانوني وبقى فيها بقصد ارتكاب شيء مما ذكر يعاقب… ).
وأركان هاتين المادتين هي دخول عقار بصفة غير مشروعة أي بدون إذن حائزة أو رغم إرادته وكان هذا العقار في حيازة آخر ويقصد بالحيازة هنا الحيازة هنا الحيازة الفعلية كاملة كانت أم ناقصة، وذلك بقصد منع حيازة الحائز بالقوة، فيجب أن يعلم الجاني أن العقار الذي دخله في حيازة شخص آخر فإذا اعتقد بحسن نية أن العقار في حيازته هو وأن الحائز مغتصب له إن كان يعلم أن العقار في حيازة آخر ودخله دون أن يقصد منع حيازته بالقوة أو ارتكاب جريمة فيه أو أن يضع يده على عقار في غياب صاحبه أو يدخل عقارًا بقصد امتناع حائزة بأحقيته في الحيازة دون أن يستعمل القوة أو استأجر عقارًا ثم انتهت إجازته وبقي في العين محل الإيجار فلا جريمة في كل هذه الأحوال.
فإذا استوفيت أركان هاتين المادتين وجب على النيابة العامة أن ترفع الدعوى العمومية، أما إذا لم تستوفِ هذه الأركان فلا جريمة في الأمر ومن ثم فلا اختصاص للنيابة العامة في هذا النزاع.
6 - ما هي الجهة المختصة:
ولكن إذا سلمنا أن النيابة العامة غير مختصة بالفصل في مواد الحيازة فأين الجهة المختصة التي يمكن الالتجاء إليها للفصل فيها ما دام أحد الطرفين لم يطرح النزاع على القضاء المدني وذلك رغبة في حماية الأمن والنظام ؟!
لعل الرجوع إلى فكرة التفرقة بين الضبطية الإدارية أو الضبط الإداري والضبطية القضائية أو الضبط القضائي هو الذي يسعفنا للإجابة على هذا السؤال:
فالضبطية الإدارية هي التي من وظيفتها حفظ الأمن العام باتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع وقوع الجرائم، وتحقيق ذلك متروك لسلطان السلطة الإدارية فلها أن تعمل على تنفيذ القوانين فتراقب تنفيذها وتمنع المحكومين من مخالفتها ولها أن تصدر أوامر إدارية actes administratifs للمحافظة على الأمن والسلام في الداخل، والضبطية الإدارية يباشرها رجال الإدارة بالمديريات والمحافظات والمدن والقرى.
أما الضبطية القضائية فمن وظيفتها البحث عن الجرائم وإثبات حالتها ومرتكبيها وجمع الأدلة على ارتكابها ورفع الدعوى العمومية على الجانين أي جمع عناصر التحقيق والاتهام ورجال الضبطية القضائية نصت عليهم المادة الرابعة من قانون تحقيق الجنايات وهي المقابلة للمادة (23) من قانون الإجراءات الجنائية وأعضاء النيابة العامة هم رؤساء رجال الضبطية القضائية.
فإذا تنازع شخصان على قطعة أرض أو مبنى يدعى كلاهما حيازته وأحقيته في وضع يده عليه دون الآخر وكلاهما يتعرض للآخر وقد يستفحل بينهما النزاع فيخشى من وقوع جرائم ضد النفس فيختل الأمن ويفسد النظام فمن المختص بالفصل في هذا النزاع بصفة مؤقتة ؟ ومن المختص بإصدار قرار فيه يكفل حفظ الأمن والنظام ؟؟
لا شك أن الضبطية الإدارية أي جهة الإدارة هي التي يقع على كاهلها المحافظة على الأمن ومنع وقوع الجرائم ولها بسبيل ذلك أن تتخذ الاحتياطات التي ترى لزومها لضمان ذلك كما لها أن تصدر أوامر وقرارات تعتقد وجوبها حسمًا للنزاع ومنعًا لاحتكاك طرفيه خشية وقوع جرائم فلها أن تصدر أمرًا بتمكين زيد أو تمكين عمرو من حيازة العقار موضوع النزاع أو رفع يد كليهما مع تكليف كل منهما في كل الأحوال بالالتجاء إلى القضاء المدني للحصول على حكم في الخصومة والحقيقة أنها عند ما تباشر ذلك إنما تباشر عملاً من صميم اختصاصها وذلك بصفتها الهيئة المهيمنة على الأمن والتي من وظيفتها منع وقوع الجرائم وحسبها أن تصدر قرارها مستهدية بما يستوجبه حماية الأمن والنظام الاجتماعي كما أن في وسع من صدر قرار جهة الإدارة في غير صالحه أن يسرع فيلجأ إلى القضاء المدني ليحصل على حكم في الحيازة واجب التنفيذ لما يحمل من صيغة تنفيذية كما أن في وسعه أن يتظلم من القرار الإداري الصادر من جهة الإدارة إلى مجلس الدولة وهي جهة القضاء الإداري فله أن يطلب إما إلغاء هذا القرار أو طلب التعويض اللازم عن الضرر الذي حدث لديه من جراء هذا القرار إذا استوجب مسؤولية جهة الإدارة.
7 - خاتمة:
وخلاصة البحث: أن الرأي الصحيح - في اعتقادنا - أن الاختصاص في مواد الحيازة أساسًا وبصفة أصلية وعادية معقود لجهة القضاء المدني يفصل فيه على هدى من القواعد المقررة في فقه القانون المدني وفقه قانون المرافعات، أما إذا تراخى كلا الطرفين ولم يلجأ للقضاء المدني وفضل التشاحن والتعرض لخصمه في العقار موضوع النزاع فلا تختص النيابة العامة بالفصل في هذا النزاع، اللهم إلا إذا لبس النزاع حول الحيازة ثوب الجريمة المنصوص عليها في المادتين (369)، (370) من قانون العقوبات، وحسب جهة الإدارة أن تفصل فيه إما بتمكين أحدهما من حيازة العقار موضوع النزاع أو رفع يدهما عنه وتكليفهما في كلتا الحالتين بالالتجاء للقضاء المدني وذلك مع مراعاتها للحق والعدالة والقانون من جهة وحمايتها للأمن والنظام الاجتماعي من جهة أخرى.
السنة الثانية والثلاثون سنة 1952
بحث
مدى اختصاص النيابة العامة بالفصل في مواد الحيازة لحضرة الأستاذ أحمد رفعت خفاجي وكيل نيابة ميت غمر
1 - تمهيد:
قد يتنازع شخصان على عقار أرضًا كان أم مبنى يدعى كلاهما أحقيته في حيازته فيتعرض كل منهما للآخر، وقد يغتصب شخص عقار آخر عنوة عنه وذلك باستعمال القوة أو بغير علمه وذلك بأن يضع يده عليه ليلاً ويزرعه إن كان أرضًا ويقيم فيه إن كان منزلاً، وقد يقيم شخص أعمالاً جديدة على أرضه أو على أرض غيره فينازعه آخر في إتمام هذه الأعمال، فما هي الجهة المختصة بالفصل في المنازعات التي تدور حول الحيازة، والتي تقرر بتمكين هذا أو ذاك من حيازة العقار؟
2 - صعوبة البحث:
ولعل ما دفعنا إلى هذا البحث ما لمسناه من الوجهة العملية – من أن النيابة العامة ممثلة في رجالها تضع نفسها حكمًا في مثل هذه المنازعات فتتصدى لمدى أحقية طرفي النزاع في حيازة العقار وذلك عندما تلجأ إليها جهة الإدارة للإفادة عما يتبع من تمكين زيد أو عمرو من حيازة العقار، وأن هذا الاتجاه جعلنا نتساءل عن السند القانوني لاختصاص النيابة العامة وهل هناك نص تشريعي يؤيد هذا الاختصاص وينظمه، وهل يمتد الاختصاص لأمور أخرى غير اختصاصها الأصلي الخاص بتحريك الدعوى العمومية ومباشرتها، هذا ما سنعالجه في هذا الصدد.
3 - أهمية البحث:
ولا يفوتنا أن نذكر بهذه المناسبة أن هذا البحث ليس بحثًا فقهيًا أي دراسة من الوجهة النظرية البحتة فحسب بل إن له نتائج عملية في غاية من الأهمية والخطورة فعلى ضوء هذا البحث يمكننا أن نعرف مدى حجية قرار النيابة في هذه المسائل وهل هو ملزم لطرفي الخصومة وما هو الجزاء المترتب على إصرار أحد طرفي النزاع على عدم تنفيذه وما هو مدى مسؤولية جهة الإدارة في عدم تنفيذه وهل لها أن تخالفه إذا رأت ضرورة لذلك حماية للأمن والنظام الاجتماعي.
4 - موقف القانون المدني وقانون المرافعات:
ولا شك أن الاختصاص بالفصل في مواد الحيازة موكول – بصفة أصلية - إلى القضاء المدني سواء أكان قضاء مستعجلاً أم عاديًا، ففي وسع أحد طرفي الخصومة أن يلجأ إلى المحاكم المدنية لتفصل في موضوع النزاع فتصدر حكمًا واجب التنفيذ لما يحمل من صيغة تنفيذية تلزم النيابة العامة ورجال الضبط بتنفيذ الأحكام الصادرة من الجهات القضائية.
ولما نشر القانون رقم (131) سنة 1948 المؤرخ في 16 يوليو سنة 1948 والخاص بإصدار القانون المدني تناول في القسم الثاني منه الحقوق العينية وأهمها حق الملكية وعالج في الفرع السابع من الفصل الثاني موضوع الحيازة كسبب من أسباب كسب الملكية وذلك في المواد (949) وما بعدها فتكلم عن الحيازة بصفة عامة ثم في دعاوى حماية الحيازة actions possessoires وهي:
1 - دعوى منع التعرض La complainte
2 - دعوى استرداد الحيازة La réimetegrande
3 - دعوى وقف الأعمال الجديدة La dénonciation de nouvelle oeuver
أما الأولى: ويقصد بها منع الاعتداء على الحيازة سواء أكان الاعتداء ماديًا باغتصابها أم قانونيًا بالادعاء أمام القضاء بأن الحيازة لغير الحائز فلقد جاء النص عليها في المادة (961) من القانون المدني التي تقرر:
(من حاز عقارًا واستمر حائزًا له سنة كاملة ثم وقع له تعرض في حيازته جاز له أن يرفع خلال السنة التالية دعوى بمنع هذا التعرض).
أما الثانية: ويقصد بها رد الحيازة إلى من اغتصبت منه بالقوة أو بغير علمه فلقد ورد ذكرها في المواد (958)، (959)، (960) من القانون المدني:
المادة (958): (1 - لحائز العقار إذا فقد الحيازة أن يطلب خلال السنة التالية لفقدها ردها إليه فإذا كان فقد الحيازة خفية بدأ سريان السنة من وقت أن ينكشف ذلك.
2 - ويجوز أيضًا أن يسترد الحيازة من كان حائزًا بالنيابة عن غيره).
المادة (959): (1 - إذا لم يكن من فقد الحيازة قد انقضت على حيازته سنة كاملة وقت فقدها فلا يجوز أن يسترد الحيازة إلا من شخص لا يستند إلى حيازة أحق بالتفضيل والحيازة الأحق بالتفضيل هي الحيازة التي تقوم على سند قانوني فإذا لم يكن لدى أي من الحائزين سند أو تعادلت سنداتهم كانت الحيازة الأحق هي الأسبق في التاريخ.
2 - أما إذا كان فقد الحيازة بالقوة فللحائز في جميع الأحوال أن يسترد خلال السنة التالية حيازته من المعتدى).
المادة (960): ( للحائز أن يرفع في الميعاد القانوني دعوى استرداد الحيازة على من انتقلت إليه حيازة الشيء المغتصب منه ولو كان هذا الأخير حسن النية).
أما الثالثة: ويقصد بها منع السير في أعمال لو تمت لكونت اعتداءً ماديًا على حيازة العقار أو على حق مقرر عليه ولقد ورد ذكرها في المادة (962) من القانون المدني التي تنص:
(1 - من حاز عقارًا واستمر حائزًا له سنة كاملة وخشي لأسباب معقولة التعرض له من جراء أعمال جديدة تهدد حيازته كان له أن يرفع الأمر إلى القاضي طالبًا وقف هذه الأعمال بشرط ألا تكون قد تمت ولم ينقض عام على البدء في العمل الذي يكون من شأنه أن يحدث الضرر.
2 - وللقاضي أن يمنع استمرار الأعمال أو أن يأذن في استمرارها وفي كلتا الحالتين يجوز للقاضي أن يأمر بتقديم كفالة مناسبة تكون في حالة الحكم بوقف الأعمال ضمانًا لإصلاح الضرر الناشئ من هذا الوقف متى تبين بحكم نهائي أن الاعتراض على استمرارها كان على غير أساس وتكون في حالة الحكم باستمرار الأعمال ضمانًا لإزالة هذه الأعمال كلها أو بعضها إصلاحًا للضرر الذي يصيب الحائز إذا حصل على حكم نهائي في مصلحته).
وحقيقة الأمر أن تفسير هذه المواد وشرحها شرحًا مفصلاً محله القانون المدني وقانون المرافعات ويكفينا أن نقرر في هذا المقام أن الحيازة التي يحميها القانون بمقتضى هذه الدعاوى الثلاث هي الحيازة الهادئة raisible الظاهرة publique غير الغامضة non équivoque المستمرة مدة سنة على الأقل والمحكمة المختصة بالفصل في هذه الأمور هي محكمة المواد الجزئية وذلك طبقًا لما ورد في المادة (47) من القانون رقم (77) سنة 1949 الخاص بإصدار قانون المرافعات المدنية والتجارية والتي تنص:
(تختص محكمة المواد الجزئية بالحكم ابتدائيًا:
( أ ) (دعاوى الحيازة…)
ولا شك أن المحكمة الجزئية المختصة هي المحكمة التي يقع في دائرتها العقار محل النزاع إذ أن هذه الدعاوى دعاوى عينية عقارية وذلك تطبيقًا لنص المادة (56) من قانون المرافعات.
(في الدعاوى العينية العقارية ودعاوى الحيازة يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها العقار أو أحد أجزائه إذا كان واقعًا في دوائر محاكم متعددة).
ويجب ملاحظة هذه الدعاوى الثلاث قد ترفع بصفة عاجلة أمام محكمة الأمور المستعجلة وذلك إذا تبين أن الدعوى متعلقة بمسائل مستعجلة يخشى عليها من فوات الوقت كما يجب ملاحظة أن الأحكام الصادرة في هذه الدعاوى قابلة للطعن فيها بطريق الاستئناف.
5 - عدم اختصاص النيابة العامة:
وفي كثير من الأحوال لا يلجأ أحد طرفي النزاع إلى القضاء المدني ليفصل فيه ويقول كلمته في من له الحق في حيازة العقار محل النزاع وإنما يظل يتعرض لخصمه تعرضًا ماديًا فيقابل خصمه التعرض بالتعرض مما يؤدي إلى تكدير صفو السلام أو مما قد يتطور الأمر فيعتدي كل طرف على الآخر وترتكب جرائم ضد النفس تتفاوت في خطورتها حسب الظروف منها جرائم الضرب المفضي إلى الموت المعاقب عليها في المادة (236) من قانون العقوبات أو جرائم الضرب الذي ينشأ عنه عاهة مستديمة المعاقب عليها في المادة (240) من القانون المذكور.
فهل يجوز للنيابة العامة أن تتدخل في هذا النزاع وتصدر قرارًا واجب التنفيذ على طرفي النزاع وتراقب تنفيذه جهة الإدارة خاصة وأن في وسع من صدر القرار في غير صالحه أن يلجأ إلى القضاء المدني على النحو السابق شرحه كي يحصل على حكم في الخصومة يحمل الصيغة التنفيذية يتعين تنفيذه بمعرفة النيابة العامة والإدارة ويجعل قرار النيابة السابق لا حجية له بصدد هذا الحكم القضائي.
هذا هو الجاري عليه العمل الآن بين بعض رجال النيابة العامة.
إلا أن الباحث في النصوص القانونية لا يجد نصًا يخول للنيابة العامة هذا الاختصاص فضلاً عن أن روح فقه قانون تحقيق الجنايات لا يؤيد هذا الاتجاه.
فلقد نص قانون تحقيق الجنايات على أن اختصاص النيابة بصفة أصلية هو تحريك الدعوى العمومية mise en mouvement ومباشرتها exercise فالنيابة العامة وهي التي تنوب عن الهيئة الاجتماعية تختص دون غيرها برفع الدعوى الجنائية طالبة الحكم على الجاني توطئة لتنفيذ العقوبة عليه.
كما صدر بعض قوانين مستقلة خولت للنيابة العامة اختصاصات أخرى غير هذا الاختصاص الأصلي وهي:
1/ التدخل في الدعاوى المدنية والتجارية أمام القضاء المدني والتجاري وذلك إما بصفة أصلية: كما جاء في المادة (196) من قانون التجارة التي تجيز للنيابة العامة أن تطلب بدعوى مبتدئة الحكم بإشهار إفلاس التاجر المتوقف عن الدفع – وكما جاء في القانون المدني الجديد في المادة (96) منه أنه يجوز للنيابة العامة أن تطلب من المحكمة الابتدائية الحكم بحل جمعية من الجمعيات. ففي هاتين الحالتين ترفع النيابة هذه الدعاوى بصفة أصلية، وأما أنها تتدخل بصفتها طرفًا منضمًا وهي ما أوجبه القانون في المسائل الحسبية والأحوال الشخصية المتعلقة بالأجانب وإلا كان الحكم باطلاً ومظهر هذا التدخل هو الاطلاع على أوراق القضية وتقديم مذكرات فيها.
2/ المحافظة على حقوق القصر وعديمي وناقصي الأهلية وذلك تنفيذًا لقانون المحاكم الحسبية رقم (99) سنة 1947 المعدل بالقانون رقم (126) سنة 1951.
3/ إقامة الدعاوى التأديبية على رجال القضاء وموظفي المحاكم.
4/ الحضور في الجمعية العمومية التي تعقد بالمحاكم لترتيب الأعمال القضائية.
5/ إدارة الأعمال المتعلقة بنقود المحاكم وتفتيش صندوق الأمانات والودائع.
6/ ملاحظة وتفتيش السجون وذلك ضمانًا لتنفيذ القوانين واللوائح الخاصة بها.
هذا هو الاختصاص الأصلي للنيابة العامة وكذا الاختصاصات الأخرى المعطاة لها بناءً على نصوص قانونية صادرة بقوانين خاصة - أما اختصاصها بالفصل في مواد الحيازة فلم يرد ذكره في نص قانوني ما، هذا من جهة نصوص القانون.
أما من جهة روح القانون فالنيابة العامة أنشئت لتحريك الدعوى العمومية ومباشرتها أي لاتخاذ الإجراءات القانونية لضبط الجرائم وتقديم المجرمين للمحاكمة فليس لها أي اختصاص إداري آخر، فالنيابة العامة وإن كانت تابعة للسلطة التنفيذية ممثلة في شخص وزير العدل فإن اختصاصها محدود بنصوص القانون ينصب أساسًا وبصفة أصلية على الدعوى العمومية أي مباشرة حق التحقيق والاتهام ومن ثم ليس لها أي شأن بالأمن العام وضمان سلامته والمحافظة على حسن سيره إذ أن هذا من صميم اختصاص جهة الإدارة التي تتبع في النهاية إلى وزير الداخلية وبالتالي ليس للنيابة العامة أن تتدخل في المنازعات القائمة بين الأفراد والتي لا تكون جريمة ما، بل والتي ربما تؤدي إلى ارتكاب جريمة طالما أن جريمة ما لم تقع، فإذا تنازع زيد مع عمرو على عقار كلاهما يدعى حيازته وأحقيته في ملكيته وتعرض كل منهما للآخر ولم يلجأ كلا الطرفين للقضاء المدني فلا يسوغ للنيابة العامة أن تقحم نفسها في هذا النزاع المدني فتفصل فيه لأنها ليست جهة قضاء مدني كما أن ليس لها أن تنهي النزاع بين الطرفين ولو مؤقتًا فتصدر قرارًا في موضوع الحيازة محافظة على السلم العام وذلك لأنها ليست الجهة المختصة بالمحافظة على الأمن العام واتخاذ الإجراءات اللازمة لعدم تكدير صفوه.
وما يجب الإشارة إليه في هذا الشأن أن ما تقدم ينصب على النزاع حول الحيازة الذي لا يكون جريمة.
أما إذا كون النزاع بين الطرفين جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات تعين على النيابة العامة أن تتدخل فتباشر حقها في الاتهام مثال ذلك ما نص عليه قانون العقوبات في المادتين (369) و (370) عقوبات.
م 369 – (كل من دخل عقارًا في حيازة آخر بقصد منع حيازته بالقوة أو بقصد ارتكاب جريمة فيه أو كان قد دخله بوجه قانوني وبقى فيه بقصد ارتكاب شيء مما ذكر يعاقب…).
م 370 – ( كل من دخل بيتًا مسكونًا أو معدًا للسكنى أو في أحد ملحقاته أو في سفينة مسكونة أو في محل معد لحفظ المال وكانت هذه الأشياء في حيازة آخر قاصدًا من ذلك منع حيازته بالقوة أو ارتكاب جريمة فيها أو كان قد دخلها بوجه قانوني وبقى فيها بقصد ارتكاب شيء مما ذكر يعاقب… ).
وأركان هاتين المادتين هي دخول عقار بصفة غير مشروعة أي بدون إذن حائزة أو رغم إرادته وكان هذا العقار في حيازة آخر ويقصد بالحيازة هنا الحيازة هنا الحيازة الفعلية كاملة كانت أم ناقصة، وذلك بقصد منع حيازة الحائز بالقوة، فيجب أن يعلم الجاني أن العقار الذي دخله في حيازة شخص آخر فإذا اعتقد بحسن نية أن العقار في حيازته هو وأن الحائز مغتصب له إن كان يعلم أن العقار في حيازة آخر ودخله دون أن يقصد منع حيازته بالقوة أو ارتكاب جريمة فيه أو أن يضع يده على عقار في غياب صاحبه أو يدخل عقارًا بقصد امتناع حائزة بأحقيته في الحيازة دون أن يستعمل القوة أو استأجر عقارًا ثم انتهت إجازته وبقي في العين محل الإيجار فلا جريمة في كل هذه الأحوال.
فإذا استوفيت أركان هاتين المادتين وجب على النيابة العامة أن ترفع الدعوى العمومية، أما إذا لم تستوفِ هذه الأركان فلا جريمة في الأمر ومن ثم فلا اختصاص للنيابة العامة في هذا النزاع.
6 - ما هي الجهة المختصة:
ولكن إذا سلمنا أن النيابة العامة غير مختصة بالفصل في مواد الحيازة فأين الجهة المختصة التي يمكن الالتجاء إليها للفصل فيها ما دام أحد الطرفين لم يطرح النزاع على القضاء المدني وذلك رغبة في حماية الأمن والنظام ؟!
لعل الرجوع إلى فكرة التفرقة بين الضبطية الإدارية أو الضبط الإداري والضبطية القضائية أو الضبط القضائي هو الذي يسعفنا للإجابة على هذا السؤال:
فالضبطية الإدارية هي التي من وظيفتها حفظ الأمن العام باتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع وقوع الجرائم، وتحقيق ذلك متروك لسلطان السلطة الإدارية فلها أن تعمل على تنفيذ القوانين فتراقب تنفيذها وتمنع المحكومين من مخالفتها ولها أن تصدر أوامر إدارية actes administratifs للمحافظة على الأمن والسلام في الداخل، والضبطية الإدارية يباشرها رجال الإدارة بالمديريات والمحافظات والمدن والقرى.
أما الضبطية القضائية فمن وظيفتها البحث عن الجرائم وإثبات حالتها ومرتكبيها وجمع الأدلة على ارتكابها ورفع الدعوى العمومية على الجانين أي جمع عناصر التحقيق والاتهام ورجال الضبطية القضائية نصت عليهم المادة الرابعة من قانون تحقيق الجنايات وهي المقابلة للمادة (23) من قانون الإجراءات الجنائية وأعضاء النيابة العامة هم رؤساء رجال الضبطية القضائية.
فإذا تنازع شخصان على قطعة أرض أو مبنى يدعى كلاهما حيازته وأحقيته في وضع يده عليه دون الآخر وكلاهما يتعرض للآخر وقد يستفحل بينهما النزاع فيخشى من وقوع جرائم ضد النفس فيختل الأمن ويفسد النظام فمن المختص بالفصل في هذا النزاع بصفة مؤقتة ؟ ومن المختص بإصدار قرار فيه يكفل حفظ الأمن والنظام ؟؟
لا شك أن الضبطية الإدارية أي جهة الإدارة هي التي يقع على كاهلها المحافظة على الأمن ومنع وقوع الجرائم ولها بسبيل ذلك أن تتخذ الاحتياطات التي ترى لزومها لضمان ذلك كما لها أن تصدر أوامر وقرارات تعتقد وجوبها حسمًا للنزاع ومنعًا لاحتكاك طرفيه خشية وقوع جرائم فلها أن تصدر أمرًا بتمكين زيد أو تمكين عمرو من حيازة العقار موضوع النزاع أو رفع يد كليهما مع تكليف كل منهما في كل الأحوال بالالتجاء إلى القضاء المدني للحصول على حكم في الخصومة والحقيقة أنها عند ما تباشر ذلك إنما تباشر عملاً من صميم اختصاصها وذلك بصفتها الهيئة المهيمنة على الأمن والتي من وظيفتها منع وقوع الجرائم وحسبها أن تصدر قرارها مستهدية بما يستوجبه حماية الأمن والنظام الاجتماعي كما أن في وسع من صدر قرار جهة الإدارة في غير صالحه أن يسرع فيلجأ إلى القضاء المدني ليحصل على حكم في الحيازة واجب التنفيذ لما يحمل من صيغة تنفيذية كما أن في وسعه أن يتظلم من القرار الإداري الصادر من جهة الإدارة إلى مجلس الدولة وهي جهة القضاء الإداري فله أن يطلب إما إلغاء هذا القرار أو طلب التعويض اللازم عن الضرر الذي حدث لديه من جراء هذا القرار إذا استوجب مسؤولية جهة الإدارة.
7 - خاتمة:
وخلاصة البحث: أن الرأي الصحيح - في اعتقادنا - أن الاختصاص في مواد الحيازة أساسًا وبصفة أصلية وعادية معقود لجهة القضاء المدني يفصل فيه على هدى من القواعد المقررة في فقه القانون المدني وفقه قانون المرافعات، أما إذا تراخى كلا الطرفين ولم يلجأ للقضاء المدني وفضل التشاحن والتعرض لخصمه في العقار موضوع النزاع فلا تختص النيابة العامة بالفصل في هذا النزاع، اللهم إلا إذا لبس النزاع حول الحيازة ثوب الجريمة المنصوص عليها في المادتين (369)، (370) من قانون العقوبات، وحسب جهة الإدارة أن تفصل فيه إما بتمكين أحدهما من حيازة العقار موضوع النزاع أو رفع يدهما عنه وتكليفهما في كلتا الحالتين بالالتجاء للقضاء المدني وذلك مع مراعاتها للحق والعدالة والقانون من جهة وحمايتها للأمن والنظام الاجتماعي من جهة أخرى.
متى تسقط الفوائد والأجرة والحكر ونحوها المحكوم بها؟
مجلة المحاماة - العدد الثامن
السنة الخامسة - مايو سنة 1925
متى تسقط الفوائد والأجرة والحكر ونحوها المحكوم بها؟
القاعدة العامة في فرنسا (مادة (2262) مدني) أن كافة الحقوق والتعهدات والديون والدعاوى يسقط الحق في المطالبة بها بمضي 30 سنة، وفي مصر بمرور 15 سنة هلالية (مادة (208) مدني أهلي و(272) مدني مختلط أخذًا عن الشريعة الإسلامية الغراء - عدم جواز سماع الدعوى حسب اصطلاح الفقهاء) ما عدا المستثنيات التي منها:
1 - أتعاب المحامين والمهندسين والأطباء وثمن المبيعات لغير التجار وأجور المعلمين ومؤدبي الأطفال ومرتبات المستخدمين… إلخ ورسوم أقلام الكتاب والمحضرين ((209) و(210) مدني أهلي - (273) و(274) مدني مختلط و(2272) و(2273) و(2274) مدني فرنسي) فإنها تسقط بمضي 360 يومًا بشرط حلف اليمين - ما لم يوجد اتفاق كتابي صريح أو ضمني أو إنكار لذات الحق كما سيأتي في مقال آخر.
2 - ملكية الشيء المسروق أو الضائع يسقط الحق في المطالبة بها بمضي 3 سنوات ((86) مدني أهلي و(115) مدني مختلط و(2779) مدني فرنسي) - بدون حلف يمين.
3 - الكمبيالات والسندات التجارية وأوامر الدفع والتحويل (دون باقي الأعمال التجارية) تسقط بمضي 5 سنوات من تاريخ استحقاقها أو البروتستو أو آخر عمل – بشرط حلف المدين اليمين ((194) تجاري أهلي و(201) تجاري مختلط و(189) تجاري فرنسي).
4 - الفوائد والمرتبات والأجور والأحكار… إلخ أي كل ما يستحق دفعه سنويًا أو لأقل من سنة يسقط بمضي 5 سنوات بدون حلف يمين (مادة (211) مدني أهلي و(275) مدني مختلط و(2277) مدني فرنسي).
والبحث في هذا المقال يدور حول النقط الآتية:
أولاً: ماذا تشمل المادة (211) مدني أهلي؟
تشمل ما يأتي:
1 - جميع أنواع الفوائد سواء عن التأخير في الدفع - أو مقابل الانتفاع بالقرض… إلخ:
- المسيو دوهلس نبذة (186).
- الدكتور محمد بك كامل مرسي كتاب الملكية والحقوق العينية صحيفة (417).
- والتون جزء (2) صحيفة (525) و(527).
2 - كافة أجور الأراضي والمنازل ونحوها.
3 - الحكر: الاستئناف الأهلي 7 يناير سنة 1908 مجلة الحقوق سنة 18 صحيفة (345).
4 - الأموال الأميرية بالنسبة للمالك لا الحكومة.
5 - المعاشات بأنواعها.
6 - النفقات.
7 - المكافآت التي تُعطَى للمستخدمين العموميين أو للخصوصيين بصفة معاش دوري.
8 - كل ما يُدفع سنويًا أو في دور أقل من سنة كاشتراكات المجلات والجرائد.
ثانيًا: هل يجوز للمدين مع اعترافه صراحةً أو ضمنًا بعدم الدفع التمسك بسقوط الحق بمضي خمس سنوات؟
- نعم - لأن هذه المادة (211 مدني أهلي) وما يقابلها في فرنسا (2277 مدني) قد جعلت لمنع وقوع المدين في الخراب بتراكم فوائد سنين كثيرة عليه - لا للسبب (مادة (209) مدني أهلي) الخاص بسقوط أتعاب الطبيب بسنة (أو سنتين في فرنسا مادة (2722) مدني) وهو أن العادة عدم أخذ إيصال بذلك أو عدم المحافظة عليه:
- الاستئناف المختلط 3 يناير سنة 1895 (مجلة القضاء والتشريع المختلط جزء (7) صحيفة (73)).
- محكمة بني سويف 2 يونيه سنة 1914 (مجلة الحقوق جزء (31) صحيفة (212)).
- الدكتور محمد بك كامل مرسي: الملكية والحقوق العينية صحيفة (417).
ثالثًا: هل تسري هذه المادة (211 أهلي) على ريع الاغتصاب؟
لا – لأن المادة جعلت:
أولاً: لوقاية المدين حسن النية من الخراب.
ثانيًا: لأنها خاصة بأحوال يستحق فيها الإيجار أو الفائدة أو الحكر أو المرتب… إلخ في أقساط سنوية أو أجزاء من سنة من جهة وكان يجوز للدائن المطالبة بها في أي وقت بعد الاستحقاق من جهة أخرى خلافًا لحالة المدين المغتصب.
وثالثًا: لأنها كلها مبنية على تعهدات أو اتفاقات خلافًا لحالة الريع حيث أساسها جنحة أو شبه جنحة.
- الاستئناف المختلط 20 مايو سنة 1897 (مجلة القضاء والتشريع المختلطة جزء (9) صحيفة (357)) ومجموعة أحكام العشر سنين الأولى المختلطة حكم رقم (3394).
- الاستئناف الأهلي 27 مارس سنة 1912 (المجموعة الرسمية الأهلية سنة 13 صحيفة (187)).
- الاستئناف الأهلي 16 يونية سنة 1914 (مجلة الشرائع سنة أولى صحيفة (252)).
- الاستئناف الأهلي 15 يونية سنة 1915 (مجلة الشرائع سنة ثانية صحيفة (308)).
- الاستئناف الأهلي 26 يناير سنة 1916 (مجلة الشرائع سنة ثالثة صحيفة (370)).
- داللوز مدني (مادة (2277) نبذة (213)، (214)، (215)، (216)).
ولكن الرحمة قد تغلبت على محكمة الاستئناف الأهلية فقضت مرة (وكأنها تقول الرحمة فوق العدل) بسقوط ريع الاغتصاب بمرور خمس سنوات مخالفة غرض القانون. – راجع الاستئناف الأهلي 22 ديسمبر سنة 1910 المجموعة الرسمية 12 حكم رقم (50) ومجموعة حضرة حمدي بك السيد الأولى صحيفة (119) حكم رقم (636).
رابعًا: هل تنطبق المادة (211) المذكورة على المطالبة قبل الحكم فقط أم على حالة صدور الحكم بذلك أيضًا.
وبعبارة أوضح متى تسقط الفوائد والأجور ونحوها المحكوم بها؟
جميع المحاكم والشراح متفقون قديمًا وحديثًا على أن الحكم بأصل الحق أو الدين حتى لو كان مما يسقط الحق في المطالبة به بسنة (بمصر) أو بسنتين (في فرنسا) قبل الحكم - يجعل هذا الدين تابعًا للقاعدة العامة في السقوط أي المدة الطويلة (30 سنة في فرنسا و15 سنة بمصر).
ولكن بما أن الفوائد والأجور والأحكار والنفقات والمرتبات والاشتراكات ونحوها مما يتراكم بالسكوت عن المطالبة به وبذا يصبح المدين مهددًا بالخراب خلافًا لحالة الحكم عليه بأتعاب طبيب أو محامٍ أو ما شاكل ذلك فإن أصل الدين لا ينمو – فقد أراد الشارع الفرنسي عند تحضيره المادة (2277) مدني حماية المدين من الوقوع في الدمار بسكوت الدائن لسببٍ ما عن المطالبة بفوائده أو بإيجاره أو نفقته… إلخ، سواء كان ذلك قبل رفع الدعوى – أو بعد رفعها والسكوت عن الاستمرار فيها مدة طويلة أو بعد الحكم بالفائدة ونحوها.
غير أن المحاكم الفرنسية قد أخطأت في أول الأمر في تفسير المادة (2277) مدني بأن فرقت بين حالتي المطالبة قبل الحكم وبعده فقضت بأن المطالبة قبل الحكم تسقط بخمس سنوات وبعد الحكم تسقط بثلاثين سنة (أو 15 سنة بمصر) متمسكة بظاهر ألفاظ المادة (2277) (المقابلة للمادة (211) أهلي و(275) مختلط) زاعمة أن الحكم بمبلغ وفوائده يدمج الحقين في بعضهما ويجعلهما كتلة واحدة يسري عليها السقوط العام بالمدة الطويلة (30 سنة هنالك و15 سنة هنا).
وأخيرًا قد أدركت المحاكم والشراح في فرنسا هذا الخطأ فعدلت عن التفرقة بين الحالتين كما يقول العلامة بودري لاكنتنري في كتابه شرح القانون المدني المطول جزء (25) (الخاص بسقوط الحقوق De la prescription) صحيفة (516) نبذة (785) (a peu près abandonnèe en doctrine et en jurisprudence) للأسباب الآتية:
1 - لأن الحكمة من تقصير مدة السقوط في المطالبة بالفوائد هي نشل المدين من الخراب بتراكم فوائد عشرات من السنين عليه - وهذا موجود في حالة المطالبة بالحق ذاته أو الحكم به فعلاً فيجب طبعًا وعقلاً أن تكون النتيجة واحدة
(Deux situations identiques se sauraient être régies d’une maniére différente).
2 - لأن روح القانون وغرض الشارع واضح وعلى الأخص من مراجعة محاضر تحضير القانون المدني الفرنسي من أنه لا يريد التفرقة بين الحالتين لأن المدين مهدد بالخراب في كلتيهما - والدائن مهمل من جهة أخرى في الصورتين.
3 - أن الحكم بمبلغ وفوائده هو في الواقع حكم بأصل الدين (يسقط بالمدة الطويلة) وحكم بجزء تبعي وهو الفوائد (تسقط بخمس سنوات).
4 - لا شيء يمنع الدائن قانونًا من التنفيذ بالفوائد كلما أراد لأنه غير ملزم بالحجز وفاءً لجميع مطلوبه وملحقاته في آنٍ واحد.
5 - (ويرى شخصي الضعيف) أن سقوط حق الدائن في المطالبة بفوائد المدة الزائدة على خمس سنوات لا يضره ضررًا بليغًا لأن له والحالة هذه الحق:
أولاً: في أصل دينه.
ثانيًا: في فوائد خمس سنوات من آخر عمل يقطع المدة.
وعلى هذا الرأي:
- دالوز: التعليقات الجديدة على القانون المدني (طبعة 1907) جزء (4) صحيفة (1965) نبذة (95) و(96) و(97) و(98).
- أوبري ورو طبعة (4) جزء (8) صحيفة (434).
- لوران - مدني - جزء (32) صحيفة (471) نبذة (448).
- بلانيول جزء (2) صحيفة (195) نبذة (639).
- فينيه Fenet محاضر تحضير القانون المدني الفرنسي جزء (15) صحيفة (298) و(299).
- المسيو دوهلس المستشار بمحكمة الاستئناف الأهلية سابقًا جزء (3) صحيفة (374).
- الدكتور محمد بك كامل مرسي الملكية والحقوق العينية صحيفة (417).
وقد حكمت محكمة الاستئناف المختلطة في 28 مارس سنة 1923 (مجلة القضاء والتشريع المختلطة سنة 1922 - 1923 أي جزء (35) صحيفة (324)) بما يأتي:
(La déeision de justice qui condamne au paiement d’un capital et des intérêts sans capitaliser les intérêt leur laisse leurs caractêres d’arriérages payables périodiquement ou par termes en les rendant ainsi sujets à la prescription quinquennale..)
أي أن الحكم بمبلغ وفوائده (بدون تجميد الفوائد) لا يسلب هذه الفوائد صفة (المتأخرات والملحقات الواجب دفعها دوريًا أو على أقساط – وبالتالي لا يمنع من سقوطها بمضي خمس سنوات).
وقد حكمت محكمة الاستئناف الأهلية بتاريخ 6 مايو سنة 1925 (في الاستئناف نمرة (423) سنة 42 قضائية (المرفوع مني شخصيًا ضد حضرة الدكتور حسين أفندي همت بصفاته)) بالدائرة المدنية رياسة سعادة محمد بك مصطفى وبعضوية حضرتي صاحبي العزة شاكر بك أحمد المستشار ومحمد بك نور القاضي المنتدب - بسقوط الحق في الفوائد المحكوم بها بمرور خمس سنوات عليها من آخر عمل.
أحمد منيب
المحامي بالمحاكم المختلطة والاستئناف الأهلي والشرعي
السنة الخامسة - مايو سنة 1925
متى تسقط الفوائد والأجرة والحكر ونحوها المحكوم بها؟
القاعدة العامة في فرنسا (مادة (2262) مدني) أن كافة الحقوق والتعهدات والديون والدعاوى يسقط الحق في المطالبة بها بمضي 30 سنة، وفي مصر بمرور 15 سنة هلالية (مادة (208) مدني أهلي و(272) مدني مختلط أخذًا عن الشريعة الإسلامية الغراء - عدم جواز سماع الدعوى حسب اصطلاح الفقهاء) ما عدا المستثنيات التي منها:
1 - أتعاب المحامين والمهندسين والأطباء وثمن المبيعات لغير التجار وأجور المعلمين ومؤدبي الأطفال ومرتبات المستخدمين… إلخ ورسوم أقلام الكتاب والمحضرين ((209) و(210) مدني أهلي - (273) و(274) مدني مختلط و(2272) و(2273) و(2274) مدني فرنسي) فإنها تسقط بمضي 360 يومًا بشرط حلف اليمين - ما لم يوجد اتفاق كتابي صريح أو ضمني أو إنكار لذات الحق كما سيأتي في مقال آخر.
2 - ملكية الشيء المسروق أو الضائع يسقط الحق في المطالبة بها بمضي 3 سنوات ((86) مدني أهلي و(115) مدني مختلط و(2779) مدني فرنسي) - بدون حلف يمين.
3 - الكمبيالات والسندات التجارية وأوامر الدفع والتحويل (دون باقي الأعمال التجارية) تسقط بمضي 5 سنوات من تاريخ استحقاقها أو البروتستو أو آخر عمل – بشرط حلف المدين اليمين ((194) تجاري أهلي و(201) تجاري مختلط و(189) تجاري فرنسي).
4 - الفوائد والمرتبات والأجور والأحكار… إلخ أي كل ما يستحق دفعه سنويًا أو لأقل من سنة يسقط بمضي 5 سنوات بدون حلف يمين (مادة (211) مدني أهلي و(275) مدني مختلط و(2277) مدني فرنسي).
والبحث في هذا المقال يدور حول النقط الآتية:
أولاً: ماذا تشمل المادة (211) مدني أهلي؟
تشمل ما يأتي:
1 - جميع أنواع الفوائد سواء عن التأخير في الدفع - أو مقابل الانتفاع بالقرض… إلخ:
- المسيو دوهلس نبذة (186).
- الدكتور محمد بك كامل مرسي كتاب الملكية والحقوق العينية صحيفة (417).
- والتون جزء (2) صحيفة (525) و(527).
2 - كافة أجور الأراضي والمنازل ونحوها.
3 - الحكر: الاستئناف الأهلي 7 يناير سنة 1908 مجلة الحقوق سنة 18 صحيفة (345).
4 - الأموال الأميرية بالنسبة للمالك لا الحكومة.
5 - المعاشات بأنواعها.
6 - النفقات.
7 - المكافآت التي تُعطَى للمستخدمين العموميين أو للخصوصيين بصفة معاش دوري.
8 - كل ما يُدفع سنويًا أو في دور أقل من سنة كاشتراكات المجلات والجرائد.
ثانيًا: هل يجوز للمدين مع اعترافه صراحةً أو ضمنًا بعدم الدفع التمسك بسقوط الحق بمضي خمس سنوات؟
- نعم - لأن هذه المادة (211 مدني أهلي) وما يقابلها في فرنسا (2277 مدني) قد جعلت لمنع وقوع المدين في الخراب بتراكم فوائد سنين كثيرة عليه - لا للسبب (مادة (209) مدني أهلي) الخاص بسقوط أتعاب الطبيب بسنة (أو سنتين في فرنسا مادة (2722) مدني) وهو أن العادة عدم أخذ إيصال بذلك أو عدم المحافظة عليه:
- الاستئناف المختلط 3 يناير سنة 1895 (مجلة القضاء والتشريع المختلط جزء (7) صحيفة (73)).
- محكمة بني سويف 2 يونيه سنة 1914 (مجلة الحقوق جزء (31) صحيفة (212)).
- الدكتور محمد بك كامل مرسي: الملكية والحقوق العينية صحيفة (417).
ثالثًا: هل تسري هذه المادة (211 أهلي) على ريع الاغتصاب؟
لا – لأن المادة جعلت:
أولاً: لوقاية المدين حسن النية من الخراب.
ثانيًا: لأنها خاصة بأحوال يستحق فيها الإيجار أو الفائدة أو الحكر أو المرتب… إلخ في أقساط سنوية أو أجزاء من سنة من جهة وكان يجوز للدائن المطالبة بها في أي وقت بعد الاستحقاق من جهة أخرى خلافًا لحالة المدين المغتصب.
وثالثًا: لأنها كلها مبنية على تعهدات أو اتفاقات خلافًا لحالة الريع حيث أساسها جنحة أو شبه جنحة.
- الاستئناف المختلط 20 مايو سنة 1897 (مجلة القضاء والتشريع المختلطة جزء (9) صحيفة (357)) ومجموعة أحكام العشر سنين الأولى المختلطة حكم رقم (3394).
- الاستئناف الأهلي 27 مارس سنة 1912 (المجموعة الرسمية الأهلية سنة 13 صحيفة (187)).
- الاستئناف الأهلي 16 يونية سنة 1914 (مجلة الشرائع سنة أولى صحيفة (252)).
- الاستئناف الأهلي 15 يونية سنة 1915 (مجلة الشرائع سنة ثانية صحيفة (308)).
- الاستئناف الأهلي 26 يناير سنة 1916 (مجلة الشرائع سنة ثالثة صحيفة (370)).
- داللوز مدني (مادة (2277) نبذة (213)، (214)، (215)، (216)).
ولكن الرحمة قد تغلبت على محكمة الاستئناف الأهلية فقضت مرة (وكأنها تقول الرحمة فوق العدل) بسقوط ريع الاغتصاب بمرور خمس سنوات مخالفة غرض القانون. – راجع الاستئناف الأهلي 22 ديسمبر سنة 1910 المجموعة الرسمية 12 حكم رقم (50) ومجموعة حضرة حمدي بك السيد الأولى صحيفة (119) حكم رقم (636).
رابعًا: هل تنطبق المادة (211) المذكورة على المطالبة قبل الحكم فقط أم على حالة صدور الحكم بذلك أيضًا.
وبعبارة أوضح متى تسقط الفوائد والأجور ونحوها المحكوم بها؟
جميع المحاكم والشراح متفقون قديمًا وحديثًا على أن الحكم بأصل الحق أو الدين حتى لو كان مما يسقط الحق في المطالبة به بسنة (بمصر) أو بسنتين (في فرنسا) قبل الحكم - يجعل هذا الدين تابعًا للقاعدة العامة في السقوط أي المدة الطويلة (30 سنة في فرنسا و15 سنة بمصر).
ولكن بما أن الفوائد والأجور والأحكار والنفقات والمرتبات والاشتراكات ونحوها مما يتراكم بالسكوت عن المطالبة به وبذا يصبح المدين مهددًا بالخراب خلافًا لحالة الحكم عليه بأتعاب طبيب أو محامٍ أو ما شاكل ذلك فإن أصل الدين لا ينمو – فقد أراد الشارع الفرنسي عند تحضيره المادة (2277) مدني حماية المدين من الوقوع في الدمار بسكوت الدائن لسببٍ ما عن المطالبة بفوائده أو بإيجاره أو نفقته… إلخ، سواء كان ذلك قبل رفع الدعوى – أو بعد رفعها والسكوت عن الاستمرار فيها مدة طويلة أو بعد الحكم بالفائدة ونحوها.
غير أن المحاكم الفرنسية قد أخطأت في أول الأمر في تفسير المادة (2277) مدني بأن فرقت بين حالتي المطالبة قبل الحكم وبعده فقضت بأن المطالبة قبل الحكم تسقط بخمس سنوات وبعد الحكم تسقط بثلاثين سنة (أو 15 سنة بمصر) متمسكة بظاهر ألفاظ المادة (2277) (المقابلة للمادة (211) أهلي و(275) مختلط) زاعمة أن الحكم بمبلغ وفوائده يدمج الحقين في بعضهما ويجعلهما كتلة واحدة يسري عليها السقوط العام بالمدة الطويلة (30 سنة هنالك و15 سنة هنا).
وأخيرًا قد أدركت المحاكم والشراح في فرنسا هذا الخطأ فعدلت عن التفرقة بين الحالتين كما يقول العلامة بودري لاكنتنري في كتابه شرح القانون المدني المطول جزء (25) (الخاص بسقوط الحقوق De la prescription) صحيفة (516) نبذة (785) (a peu près abandonnèe en doctrine et en jurisprudence) للأسباب الآتية:
1 - لأن الحكمة من تقصير مدة السقوط في المطالبة بالفوائد هي نشل المدين من الخراب بتراكم فوائد عشرات من السنين عليه - وهذا موجود في حالة المطالبة بالحق ذاته أو الحكم به فعلاً فيجب طبعًا وعقلاً أن تكون النتيجة واحدة
(Deux situations identiques se sauraient être régies d’une maniére différente).
2 - لأن روح القانون وغرض الشارع واضح وعلى الأخص من مراجعة محاضر تحضير القانون المدني الفرنسي من أنه لا يريد التفرقة بين الحالتين لأن المدين مهدد بالخراب في كلتيهما - والدائن مهمل من جهة أخرى في الصورتين.
3 - أن الحكم بمبلغ وفوائده هو في الواقع حكم بأصل الدين (يسقط بالمدة الطويلة) وحكم بجزء تبعي وهو الفوائد (تسقط بخمس سنوات).
4 - لا شيء يمنع الدائن قانونًا من التنفيذ بالفوائد كلما أراد لأنه غير ملزم بالحجز وفاءً لجميع مطلوبه وملحقاته في آنٍ واحد.
5 - (ويرى شخصي الضعيف) أن سقوط حق الدائن في المطالبة بفوائد المدة الزائدة على خمس سنوات لا يضره ضررًا بليغًا لأن له والحالة هذه الحق:
أولاً: في أصل دينه.
ثانيًا: في فوائد خمس سنوات من آخر عمل يقطع المدة.
وعلى هذا الرأي:
- دالوز: التعليقات الجديدة على القانون المدني (طبعة 1907) جزء (4) صحيفة (1965) نبذة (95) و(96) و(97) و(98).
- أوبري ورو طبعة (4) جزء (8) صحيفة (434).
- لوران - مدني - جزء (32) صحيفة (471) نبذة (448).
- بلانيول جزء (2) صحيفة (195) نبذة (639).
- فينيه Fenet محاضر تحضير القانون المدني الفرنسي جزء (15) صحيفة (298) و(299).
- المسيو دوهلس المستشار بمحكمة الاستئناف الأهلية سابقًا جزء (3) صحيفة (374).
- الدكتور محمد بك كامل مرسي الملكية والحقوق العينية صحيفة (417).
وقد حكمت محكمة الاستئناف المختلطة في 28 مارس سنة 1923 (مجلة القضاء والتشريع المختلطة سنة 1922 - 1923 أي جزء (35) صحيفة (324)) بما يأتي:
(La déeision de justice qui condamne au paiement d’un capital et des intérêts sans capitaliser les intérêt leur laisse leurs caractêres d’arriérages payables périodiquement ou par termes en les rendant ainsi sujets à la prescription quinquennale..)
أي أن الحكم بمبلغ وفوائده (بدون تجميد الفوائد) لا يسلب هذه الفوائد صفة (المتأخرات والملحقات الواجب دفعها دوريًا أو على أقساط – وبالتالي لا يمنع من سقوطها بمضي خمس سنوات).
وقد حكمت محكمة الاستئناف الأهلية بتاريخ 6 مايو سنة 1925 (في الاستئناف نمرة (423) سنة 42 قضائية (المرفوع مني شخصيًا ضد حضرة الدكتور حسين أفندي همت بصفاته)) بالدائرة المدنية رياسة سعادة محمد بك مصطفى وبعضوية حضرتي صاحبي العزة شاكر بك أحمد المستشار ومحمد بك نور القاضي المنتدب - بسقوط الحق في الفوائد المحكوم بها بمرور خمس سنوات عليها من آخر عمل.
أحمد منيب
المحامي بالمحاكم المختلطة والاستئناف الأهلي والشرعي
إعانة الجناة على الفرار
مجلة المحاماة - العدد الأول
السنة السادسة - عدد أكتوبر 1925 - 1926
إعانة الجناة على الفرار
بحث في تحديد نطاق المادة (126) مكررة من قانون العقوبات الأهلي
محور البحث:
هل يكفي لصحة تطبيق المادة (126) مكررة (ع) وجود متهم حصلت معونته على الفرار أم لا بد من أن يثبت أن هذا المتهم (جانٍ) حكم نهائيًا بإدانته ؟ وهل يقع تحت طائل هذه المادة من أعان على الفرار متهمًا حكم نهائيًا ببراءته ؟
نص المادة:
(كل من علم بوقوع جناية أو جنحة أو كان لديه ما يحمله على الاعتقاد بوقوعها وأعان الجاني بأي طريقة كانت على الفرار من وجه القضاء إما بإيواء الجاني المذكور وإما بإخفاء أدلة الجريمة وإما بتقديم معلومات تتعلق بالجريمة وهو يعلم بعدم صحتها أو كان لديه ما يحمله على الاعتقاد بذلك يعاقب طبقًا للأحكام الآتية):
(إذا كانت الجريمة التي وقعت يعاقب عليها بالإعدام تكون العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز سنتين).
(وإذا كانت الجريمة التي وقعت يُعاقب عليها بالأشغال الشاقة أو السجن تكون العقوبة بالحبس مدة لا تتجاوز سنة أو بغرامة لا تزيد عن خمسين جنيهًا).
(أما في الأحوال الأخرى فتكون العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز الستة شهور أو غرامة لا تتجاوز عشرين جنيهًا وعلى كل حال لا يجوز أن تتعدى العقوبة الحد الأقصى المقرر للجريمة نفسها ولا تنطبق أحكام هذه المادة على الزوج أو الزوجة أو أصول أو فروع الجاني).
أركانها أربعة:
1 - جانٍ.
2 - العلم أو وجود ما يحمل على الاعتقاد بوجود جناية أو جنحة ارتكبها ذلك الجاني.
3 - إعانة على الفرار.
4 - حصول الإعانة إما:
( أ ) بإيوائه.
(ب) بإخفاء أدلة الجريمة.
(جـ) بتقديم معلومات غير صحيحة مع العلم بذلك.
الغرض منها ومأخذها:
الباب الثامن من الكتاب الثاني من قانون العقوبات خاص بموضوع (هرب المحبوسين وإخفاء الجناة)، والمادة (126) الأصلية من هذا الباب خاصةً بإخفاء الجناة وإعانتهم على الفرار من وجه القضاء.
وبمراجعة نص المادة (126) الأصلية يتضح أنه قاصر على معاقبة من يعين شخصًا على الفرار بشرط أن يكون هذا الشخص أما مقبوضًا عليه أو موجهًا إليه اتهام بجناية أو جنحة أو صادرًا في حقه أمر بالقبض عليه، أما إذا لم يكن واحدًا من هؤلاء الثلاثة فما كان نص تلك المادة ولا نص أي مادة في ذلك الباب ينطبق على من يساعده على الفرار من وجه القضاء.
وفي سنة 1912 طرأت ظروف سياسية اقتضت التشديد في وضع الوسائل المانعة لتسهيل إفلات المجرمين من يد القانون حتى وقبل أن تتجه إليهم عين السلطة بالقبض عليهم أو بتوجيه الاتهام إليهم أو بإصدار أوامر بضبطهم، فمست الحاجة إلى وضع تشريع جديد يكفل معاقبة من يساعد الجناة على الفرار من وجه القضاء ولو كانت جرائمهم لا تزال بعيدة عن عين السلطة ذات الاختصاص.
فلهذا لجأ المشرع المصري إلى قانون العقوبات السوداني فاستعار منه المادة (165) المأخوذة بدورها عن المادة (201) من قانون العقوبات الهندي وإفراغ تشريعه الجديد في قالب المادة (126) مكررة التي أضيفت إلى قانون العقوبات المصري الأهلي بدكريتو 8 يونيو سنة 1912 قانون رقم (12).
نطاق المادة المكررة:
يتضح من الغرض الذي من أجله وضعت المادة المكررة أن المشرع أراد التوسع ليسد الفراغ الذي تركته المادة الأصلية، ولكن هذا التوسع محدود بالغرض الذي دعا إليه، فإن كان المشرع قد أطلق الأحوال التي يكون فيها الشخص الذي تعتبر مساعدته جريمة دون تقييد بحالة من الأحوال الثلاثة المتقدمة الذكر فإنه أيضًا قد اشترط من جهة أخرى أن يثبت أن الشخص الذي حصلت معونته قد ارتكب فعلاً محرمًا سوعد على الإفلات من تبعته ولم يكتفِ المشرع لقيام اتهام لا أساس له من الحقيقة، وهذا هو محور بحثنا الآن.
فقه المحاكم:
انقسمت آراء المحاكم في هذا الموضوع إلى شعبتين، منها القائل بضرورة وجود (جانٍ) ارتكب فعلاً، ومنها القائل بكفاية وجود اتهام.
الرأي الأول:
(لا تنطبق المادة (126) مكررة (ع) إلا على الإعانة المقدمة للجاني ومن ثم لا تسري أحكام هذه المادة على من أعطى معلومات كاذبة للنيابة بقصد إعانة شخص كان متهمًا وقتئذٍ وحكم بعد ذلك ببراءته).
- أسيوط، استئناف، 15 إبريل سنة 1913 مج سنة 14 صـ 185.
الرأي الثاني:
1 - (تنطبق المادة (126) مكررة (ع) على الإعانة المقدمة إلى أي متهم ولا تقتصر على الجاني فقط لأن الغرض من المادة (126) مكررة هو التوسع في أحكام المادة (126) حتى تشمل كل إعانة معنوية تقدم للمتهم أثناء التحقيقات الابتدائية أما إذا قصرت على الإعانة المقدمة للجاني بحصر اللفظ فيمن حكم عليهم نهائيًا فقد يترتب على ذلك تسهيل طرق الفرار للجناة الحقيقيين ونجاة من يعينهم من طائلة العقاب).
- طنطا، استئناف، 3 أكتوبر سنة 13 مج سنة 15 صـ 18.
2 - (إن الجاني الذي تشير إليه المادة (126) مكررة هو الشخص الذي يظن أنه مجرم أو يحتمل أن يكون مرتكبًا للجريمة وليس الشخص الذي يحكم عليه نهائيًا لأن المادة (126) القديمة التي كانت تقضي بمعاقبة كل من يساعد شخصًا مقبوضًا عليه أو متهمًا بجناية أو جنحة أو صادرًا في حقه أمر بالقبض عليه وذلك مع عدم الالتفات مطلقًا إلى ما يكون من نتيجة الدعوى المرفوعة عليه، فالإصلاح الذي قصده المشرع هو إذن معاقبة كل من يساعد شخصًا لم يكن مقبوضًا عليه أو متهمًا في جناية أو جنحة أو صادرًا في حقه أمرًا بالقبض عليه ولم يضع الشارع أي تعديل للشروط اللازمة لتطبيق القانون ولا جعل تلك المساعدة المعاقب عليها معلقة على نتيجة الدعوى الأصلية المرفوعة على الشخص المساعد، أما تفسير القانون بخلاف ذلك فلا ينتج عنه فقط تطبيق القانون الجديد ضمن دائرة تضيق جدًا عن القانون القديم بل تكون نتيجته أيضًا ضياع كل الفائدة الحقيقية التي يرمي إليها القانون الجديد).
- نقض 23 مايو سنة 1914 حقوق سنة 29 صـ 314.
الرأي الذي نؤيده:
نؤيد الرأي الأول، فنرى أنه يشترط لصحة تطبيق المادة المكررة ولإمكان معاقبة المساعد ثبوت وقوع جريمة ممن حصلت مساعدته وأنه يجب أن يكون هذا الشخص (جانيًا)، ولا يكفي أن يكون متهمًا تهمة لا أساس لها في الواقع خصوصًا إذا ثبتت براءته بحكم نهائي، ونؤيد هذا الرأي بما يأتي:
1 - تعبير المشرع في المادة المكررة صريح في ذلك المعنى، فقد عبر عمن تعتبر مساعدته على الفرار جريمة بلفظ (جانٍ) مخالفًا في ذلك ما اعتاده من التعبير على مثل هذا الشخص في المادة الأصلية بل وفي كافة مواد هذا الباب.
ومعلوم أن الشخص لا يسمى (جانيًا) إلا إذا حكم نهائيًا بإدانته وواجب مفسر القانون أن يقف عند صراحة نصه، وألا يهمل مدلول ألفاظه التي لا تحتمل تأويلاً.
2 - وإذا كان هذا النص الصريح بحاجة إلى تأويل فإن خير مفسر له هو المشرع الذي أصدره فهو أقدر من سواه على تفسير تشريعه.
ولقد جاء بتقرير لجنة مجلس شورى القوانين التي نيط بها فحص هذا القانون الجديد ما يأتي حرفيًا:
(وترى اللجنة أنه يجب أن يكون الجاني قد حكم بإدانته نهائيًا لارتكابه تلك الجناية أو الجنحة نفسها، لأنه قد يحصل أن الجاني لا يضبط إلا بعد أن يحكم على المتهم بمساعدته على الفرار حكمًا نهائيًا ثم يقدم الجاني الأصلي للمحكمة فتبرئه، فمنعًا لوقوع مثل هذا الخطأ الذي يؤسف له كثيرًا - وقد لا يمكن تلافيه - يجب ألا يحاكم المتهم بتسهيل الفرار لجانٍ إلا بعد الحكم نهائيًا بإدانة ذلك الجاني).
(وقد أرادت اللجنة أن تنص صريحًا على ذلك في المشروع فأجابها سعادة ناظر الحقانية بأن نص المادة الأصلي يفيد ذلك لأنه عبر عن مرتكب الجناية أو الجنحة الذي أعانته المتهم على الفرار من وجه القضاء (بالجاني) وليس بالمتهم ولا شك أن كل متهم لا يكون جانيًا إلا إذا حكم عليه نهائيًا).
3 - فهذا التفسير التشريعي صريح في تأييد ما نقول به، ومما يزيد ذلك المعنى وضوحًا أقوال العلماء وأحكام المحاكم التي أخذنا عن تشريعهم قانوننا الجديد، فلقد جاء بتعليقات ماين على قانون العقوبات الهندي صحيفة 185 تعليقًا على المادة (201) وهي الأصل المستقى منه نص مادتنا المكررة ما يأتي:
(It is essential to show that a criminal offence has been in fact committed). )R. V. Subramenye، 3 mad. H. C. 251 S. C. weir, 57 [80].)
أي أنه من المحتم إثبات وقوع جريمة بالفعل.
4 - ومما يؤكد نية المشرع هذه من أنه لا يكفي قيام المتهم بل يجب ثبوت جريمة (جناية أو جنحة) أن المادة التي نفسرها نصت على أن يكون عقاب المساعد متناسبًا مع العقوبة المقدرة للجريمة (التي وقعت) مما يدل على أنه يلزم إثبات أن جريمة وقعت فعلاً.
ويزداد هذا المعنى جلاء بملاحظة أن من أركان هذه المادة العلم بوقوع جريمة وبديهي أن العلم بالشيء يستلزم وجوده حقيقة وفي الواقع لأن العلم بالمعدوم لا يكون علمًا بشيء، ويعتبر عالمًا بوقوع الجريمة من أحاطت به ظرف تحمله على الاعتقاد بوقوعها.
ملاحظات على حكم النقض:
يحسن بنا لكي يخلص الرأي الذي ندافع عنه من كل شائبة أن نرد قبل ختام هذا البحث على ما ورد بحكم النقض السابق ذكره من اعتراضات.
وقبل مناقشة هذا الحكم نريد ألا نعرف له قوة أكثر مما في أسبابه من قوة، دون أن يحول احترامنا له باعتباره صادرًا من أكبر هيئة قضائية في البلاد من أن نعتبره لم يقفل باب المناقشة في تفسير تلك المادة من جديد.
ولنا في ذلك بمحكمة النقض ذاتها أسوة، فإنها لم ترَ أن تتقيد بتفسير المشرع لهذا القانون ولم ترَ أن تفسيره يحول دون اجتهادها.
( أ ) أخطأت المحكمة حين رفضت الأخذ بالتفسير التشريعي لكلمة جانٍ لأنها بررت رفضها بأن رأي مجلس الشورى كان استشاريًا وغير ملزم وفاتها أن ذلك التفسير إنما صدر من المجلس ممثلاً في لجنته ومن الحكومة ممثلة في وزيرها وكل من المجلس والحكومة معًا هما الهيئة التشريعية بالمعنى الدقيق ورأيها ملزم طبعًا وفي قوة القانون.
أما قول المحكمة أن ناظر الحقانية لم يبدِ هذا الرأي بصفة رسمية فلا يعتبر معبرًا عن رأي الحكومة فمردود بداهةً إذ كيف يتصور أن ناظر الحقانية عند قيامه بواجبه حين مناقشة قانون مقدم للهيئة النيابية لا يكون قائمًا بعمله بصفة رسمية.
(ب) وبنت المحكمة رأيها على أن القانون الجديد موسع للنص الأصلي فلا يعقل أن يضيق المشرع نطاق المادة المكررة عن نطاق المادة الأصلية التي لم تكن تشترط ثبوت وقوع جريمة ولا وجود (جانٍ).
ولكن المتأمل في نص المادة المكررة يجد أن التوسع المراد إدخاله على نصوص هذا الباب إنما هو في ناحية واحدة من نواحي المادة الأصلية فهو قاصر على إطلاق الأحوال التي يكون فيها الشخص الذي تعتبر مساعدته على الفرار جريمة فقد كانت المادة (126) تقيدها بأحد ثلاثة أحوال الأولى أن يكون مقبوضًا عليه والثانية أن يكون موجهًا إليه اتهام بجناية أو جنحة والثالثة أن يكون صادرًا في حقه أمر بالقبض عليه، أما المادة المكررة فقد اعتبرت مساعدة الشخص ولو كان في غير هذه الأحوال جريمة.
إلا أن المشرع أحسن عند ما قيد هذا الإطلاق الواسع بضرورة ثبوت جريمة جدية وقعت فعلاً حتى يبرر تداخله بمعاقبة من يساعد مثل ذلك الشخص وذلك دفعًا لما يخشى من إساءة تطبيق هذه المادة، كذلك أحسن المشرع عند ما قيد هذا الإطلاق بتحديد أنواع المساعدة التي تعتبر جريمة بأن قصرها على ثلاثة أنواع الأول إيواء الجاني والثاني إخفاء أدلة الجريمة، والثالث تقديم معلومات كاذبة وهذا التحديد ينفي ما قالته محكمة النقض من أن المشرع أراد التوسع في جميع نواحي المادة الأصلية إذ أن هذه المادة كانت تعاقب على كل مساعدة أيًا كانت، فجاء النص المكرر محددًا لهذا الإطلاق.
وأي حكمة يقصدها المشرع بمعاقبة شخص ساعد بريئًا على الإفلات من اتهام غير صحيح ؟! لم يقصد المشرع بهذا النص المكرر أن يعاقب على مجرد الكذب أمام المحققين فإن لذلك نصوص أخرى كفيلة بتجريمه مثل جريمة التزوير وشهادة الزور، كما أنه ليس هناك أي خطر يمكن دفعه بمعاقبة من يعين شخصًا لم يرتكب إثمًا على الهرب من تهمة ألصقت به بغير حق.
(جـ) رأت المحكمة كذلك أن في تعليق عقاب المساعد على نتيجة الفصل في التهمة الأصلية تشجيع للطرق التدليسية لأنه يكفي للتخلص من أية عقوبة أن يقدم المساعد للجاني مأوى لحين وفاته أو سقوط الدعوى العمومية أو يتقن إثبات الكذب الذي أدلى به لكي يضمن النجاح في تهريب الجاني من وجه القضاء.
وتلك حجة واهية، لأن الحكم بإدانة الجاني غير متوقف على القبض عليه فمحاكمته جائزة غيابيًا، وأن الثقة التي في الأحكام باعتبارها عنوانًا للحقيقة تقلل إلى حد الندرة ما توهمته المحكمة من خطر يقل كثيرًا عما تتعرض له الهيئة الاجتماعية من ضرر بسبب عقاب من يعين بريئًا على إثبات براءته وتنجيته من اتهام غير صحيح.
(د) أما ما قالته المحكمة من أن اشتراط وجود جانٍ يفتح بابًا يفلت منه من يساعدون مجرمًا حالت أسباب الإباحة وموانع العقاب من إدانته فقول مردود لأن من ارتكب فعلاً وهو متمتع بسبب من أسباب الإباحة يكون أتى أمرًا مباحًا فلا محل لأن نخشى خطرًا ممن يساعدونه على الخلاص من مسؤولية لا وجود لها، وأما من ارتكب أمرًا وقام به سبب من أسباب موانع العقاب فإن مساعدته على الفرار معاقب عليها ولا يتعارض ذلك مع الرأي الذي ندافع عنه لأن هذه الأسباب شخصية بذات من اتصف بها ولا تتعداه إلى غيره كما هي قاعدة الاشتراك الجنائي.
ومهما كان الحال فإن المشرع لم يفكر مطلقًا في تشجيع الاتهام المبني على الوهم ولا يتصور أنه أراد أن يحوطه بأي ضمان.
عبد الرحيم غنيم
المحامي
السنة السادسة - عدد أكتوبر 1925 - 1926
إعانة الجناة على الفرار
بحث في تحديد نطاق المادة (126) مكررة من قانون العقوبات الأهلي
محور البحث:
هل يكفي لصحة تطبيق المادة (126) مكررة (ع) وجود متهم حصلت معونته على الفرار أم لا بد من أن يثبت أن هذا المتهم (جانٍ) حكم نهائيًا بإدانته ؟ وهل يقع تحت طائل هذه المادة من أعان على الفرار متهمًا حكم نهائيًا ببراءته ؟
نص المادة:
(كل من علم بوقوع جناية أو جنحة أو كان لديه ما يحمله على الاعتقاد بوقوعها وأعان الجاني بأي طريقة كانت على الفرار من وجه القضاء إما بإيواء الجاني المذكور وإما بإخفاء أدلة الجريمة وإما بتقديم معلومات تتعلق بالجريمة وهو يعلم بعدم صحتها أو كان لديه ما يحمله على الاعتقاد بذلك يعاقب طبقًا للأحكام الآتية):
(إذا كانت الجريمة التي وقعت يعاقب عليها بالإعدام تكون العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز سنتين).
(وإذا كانت الجريمة التي وقعت يُعاقب عليها بالأشغال الشاقة أو السجن تكون العقوبة بالحبس مدة لا تتجاوز سنة أو بغرامة لا تزيد عن خمسين جنيهًا).
(أما في الأحوال الأخرى فتكون العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز الستة شهور أو غرامة لا تتجاوز عشرين جنيهًا وعلى كل حال لا يجوز أن تتعدى العقوبة الحد الأقصى المقرر للجريمة نفسها ولا تنطبق أحكام هذه المادة على الزوج أو الزوجة أو أصول أو فروع الجاني).
أركانها أربعة:
1 - جانٍ.
2 - العلم أو وجود ما يحمل على الاعتقاد بوجود جناية أو جنحة ارتكبها ذلك الجاني.
3 - إعانة على الفرار.
4 - حصول الإعانة إما:
( أ ) بإيوائه.
(ب) بإخفاء أدلة الجريمة.
(جـ) بتقديم معلومات غير صحيحة مع العلم بذلك.
الغرض منها ومأخذها:
الباب الثامن من الكتاب الثاني من قانون العقوبات خاص بموضوع (هرب المحبوسين وإخفاء الجناة)، والمادة (126) الأصلية من هذا الباب خاصةً بإخفاء الجناة وإعانتهم على الفرار من وجه القضاء.
وبمراجعة نص المادة (126) الأصلية يتضح أنه قاصر على معاقبة من يعين شخصًا على الفرار بشرط أن يكون هذا الشخص أما مقبوضًا عليه أو موجهًا إليه اتهام بجناية أو جنحة أو صادرًا في حقه أمر بالقبض عليه، أما إذا لم يكن واحدًا من هؤلاء الثلاثة فما كان نص تلك المادة ولا نص أي مادة في ذلك الباب ينطبق على من يساعده على الفرار من وجه القضاء.
وفي سنة 1912 طرأت ظروف سياسية اقتضت التشديد في وضع الوسائل المانعة لتسهيل إفلات المجرمين من يد القانون حتى وقبل أن تتجه إليهم عين السلطة بالقبض عليهم أو بتوجيه الاتهام إليهم أو بإصدار أوامر بضبطهم، فمست الحاجة إلى وضع تشريع جديد يكفل معاقبة من يساعد الجناة على الفرار من وجه القضاء ولو كانت جرائمهم لا تزال بعيدة عن عين السلطة ذات الاختصاص.
فلهذا لجأ المشرع المصري إلى قانون العقوبات السوداني فاستعار منه المادة (165) المأخوذة بدورها عن المادة (201) من قانون العقوبات الهندي وإفراغ تشريعه الجديد في قالب المادة (126) مكررة التي أضيفت إلى قانون العقوبات المصري الأهلي بدكريتو 8 يونيو سنة 1912 قانون رقم (12).
نطاق المادة المكررة:
يتضح من الغرض الذي من أجله وضعت المادة المكررة أن المشرع أراد التوسع ليسد الفراغ الذي تركته المادة الأصلية، ولكن هذا التوسع محدود بالغرض الذي دعا إليه، فإن كان المشرع قد أطلق الأحوال التي يكون فيها الشخص الذي تعتبر مساعدته جريمة دون تقييد بحالة من الأحوال الثلاثة المتقدمة الذكر فإنه أيضًا قد اشترط من جهة أخرى أن يثبت أن الشخص الذي حصلت معونته قد ارتكب فعلاً محرمًا سوعد على الإفلات من تبعته ولم يكتفِ المشرع لقيام اتهام لا أساس له من الحقيقة، وهذا هو محور بحثنا الآن.
فقه المحاكم:
انقسمت آراء المحاكم في هذا الموضوع إلى شعبتين، منها القائل بضرورة وجود (جانٍ) ارتكب فعلاً، ومنها القائل بكفاية وجود اتهام.
الرأي الأول:
(لا تنطبق المادة (126) مكررة (ع) إلا على الإعانة المقدمة للجاني ومن ثم لا تسري أحكام هذه المادة على من أعطى معلومات كاذبة للنيابة بقصد إعانة شخص كان متهمًا وقتئذٍ وحكم بعد ذلك ببراءته).
- أسيوط، استئناف، 15 إبريل سنة 1913 مج سنة 14 صـ 185.
الرأي الثاني:
1 - (تنطبق المادة (126) مكررة (ع) على الإعانة المقدمة إلى أي متهم ولا تقتصر على الجاني فقط لأن الغرض من المادة (126) مكررة هو التوسع في أحكام المادة (126) حتى تشمل كل إعانة معنوية تقدم للمتهم أثناء التحقيقات الابتدائية أما إذا قصرت على الإعانة المقدمة للجاني بحصر اللفظ فيمن حكم عليهم نهائيًا فقد يترتب على ذلك تسهيل طرق الفرار للجناة الحقيقيين ونجاة من يعينهم من طائلة العقاب).
- طنطا، استئناف، 3 أكتوبر سنة 13 مج سنة 15 صـ 18.
2 - (إن الجاني الذي تشير إليه المادة (126) مكررة هو الشخص الذي يظن أنه مجرم أو يحتمل أن يكون مرتكبًا للجريمة وليس الشخص الذي يحكم عليه نهائيًا لأن المادة (126) القديمة التي كانت تقضي بمعاقبة كل من يساعد شخصًا مقبوضًا عليه أو متهمًا بجناية أو جنحة أو صادرًا في حقه أمر بالقبض عليه وذلك مع عدم الالتفات مطلقًا إلى ما يكون من نتيجة الدعوى المرفوعة عليه، فالإصلاح الذي قصده المشرع هو إذن معاقبة كل من يساعد شخصًا لم يكن مقبوضًا عليه أو متهمًا في جناية أو جنحة أو صادرًا في حقه أمرًا بالقبض عليه ولم يضع الشارع أي تعديل للشروط اللازمة لتطبيق القانون ولا جعل تلك المساعدة المعاقب عليها معلقة على نتيجة الدعوى الأصلية المرفوعة على الشخص المساعد، أما تفسير القانون بخلاف ذلك فلا ينتج عنه فقط تطبيق القانون الجديد ضمن دائرة تضيق جدًا عن القانون القديم بل تكون نتيجته أيضًا ضياع كل الفائدة الحقيقية التي يرمي إليها القانون الجديد).
- نقض 23 مايو سنة 1914 حقوق سنة 29 صـ 314.
الرأي الذي نؤيده:
نؤيد الرأي الأول، فنرى أنه يشترط لصحة تطبيق المادة المكررة ولإمكان معاقبة المساعد ثبوت وقوع جريمة ممن حصلت مساعدته وأنه يجب أن يكون هذا الشخص (جانيًا)، ولا يكفي أن يكون متهمًا تهمة لا أساس لها في الواقع خصوصًا إذا ثبتت براءته بحكم نهائي، ونؤيد هذا الرأي بما يأتي:
1 - تعبير المشرع في المادة المكررة صريح في ذلك المعنى، فقد عبر عمن تعتبر مساعدته على الفرار جريمة بلفظ (جانٍ) مخالفًا في ذلك ما اعتاده من التعبير على مثل هذا الشخص في المادة الأصلية بل وفي كافة مواد هذا الباب.
ومعلوم أن الشخص لا يسمى (جانيًا) إلا إذا حكم نهائيًا بإدانته وواجب مفسر القانون أن يقف عند صراحة نصه، وألا يهمل مدلول ألفاظه التي لا تحتمل تأويلاً.
2 - وإذا كان هذا النص الصريح بحاجة إلى تأويل فإن خير مفسر له هو المشرع الذي أصدره فهو أقدر من سواه على تفسير تشريعه.
ولقد جاء بتقرير لجنة مجلس شورى القوانين التي نيط بها فحص هذا القانون الجديد ما يأتي حرفيًا:
(وترى اللجنة أنه يجب أن يكون الجاني قد حكم بإدانته نهائيًا لارتكابه تلك الجناية أو الجنحة نفسها، لأنه قد يحصل أن الجاني لا يضبط إلا بعد أن يحكم على المتهم بمساعدته على الفرار حكمًا نهائيًا ثم يقدم الجاني الأصلي للمحكمة فتبرئه، فمنعًا لوقوع مثل هذا الخطأ الذي يؤسف له كثيرًا - وقد لا يمكن تلافيه - يجب ألا يحاكم المتهم بتسهيل الفرار لجانٍ إلا بعد الحكم نهائيًا بإدانة ذلك الجاني).
(وقد أرادت اللجنة أن تنص صريحًا على ذلك في المشروع فأجابها سعادة ناظر الحقانية بأن نص المادة الأصلي يفيد ذلك لأنه عبر عن مرتكب الجناية أو الجنحة الذي أعانته المتهم على الفرار من وجه القضاء (بالجاني) وليس بالمتهم ولا شك أن كل متهم لا يكون جانيًا إلا إذا حكم عليه نهائيًا).
3 - فهذا التفسير التشريعي صريح في تأييد ما نقول به، ومما يزيد ذلك المعنى وضوحًا أقوال العلماء وأحكام المحاكم التي أخذنا عن تشريعهم قانوننا الجديد، فلقد جاء بتعليقات ماين على قانون العقوبات الهندي صحيفة 185 تعليقًا على المادة (201) وهي الأصل المستقى منه نص مادتنا المكررة ما يأتي:
(It is essential to show that a criminal offence has been in fact committed). )R. V. Subramenye، 3 mad. H. C. 251 S. C. weir, 57 [80].)
أي أنه من المحتم إثبات وقوع جريمة بالفعل.
4 - ومما يؤكد نية المشرع هذه من أنه لا يكفي قيام المتهم بل يجب ثبوت جريمة (جناية أو جنحة) أن المادة التي نفسرها نصت على أن يكون عقاب المساعد متناسبًا مع العقوبة المقدرة للجريمة (التي وقعت) مما يدل على أنه يلزم إثبات أن جريمة وقعت فعلاً.
ويزداد هذا المعنى جلاء بملاحظة أن من أركان هذه المادة العلم بوقوع جريمة وبديهي أن العلم بالشيء يستلزم وجوده حقيقة وفي الواقع لأن العلم بالمعدوم لا يكون علمًا بشيء، ويعتبر عالمًا بوقوع الجريمة من أحاطت به ظرف تحمله على الاعتقاد بوقوعها.
ملاحظات على حكم النقض:
يحسن بنا لكي يخلص الرأي الذي ندافع عنه من كل شائبة أن نرد قبل ختام هذا البحث على ما ورد بحكم النقض السابق ذكره من اعتراضات.
وقبل مناقشة هذا الحكم نريد ألا نعرف له قوة أكثر مما في أسبابه من قوة، دون أن يحول احترامنا له باعتباره صادرًا من أكبر هيئة قضائية في البلاد من أن نعتبره لم يقفل باب المناقشة في تفسير تلك المادة من جديد.
ولنا في ذلك بمحكمة النقض ذاتها أسوة، فإنها لم ترَ أن تتقيد بتفسير المشرع لهذا القانون ولم ترَ أن تفسيره يحول دون اجتهادها.
( أ ) أخطأت المحكمة حين رفضت الأخذ بالتفسير التشريعي لكلمة جانٍ لأنها بررت رفضها بأن رأي مجلس الشورى كان استشاريًا وغير ملزم وفاتها أن ذلك التفسير إنما صدر من المجلس ممثلاً في لجنته ومن الحكومة ممثلة في وزيرها وكل من المجلس والحكومة معًا هما الهيئة التشريعية بالمعنى الدقيق ورأيها ملزم طبعًا وفي قوة القانون.
أما قول المحكمة أن ناظر الحقانية لم يبدِ هذا الرأي بصفة رسمية فلا يعتبر معبرًا عن رأي الحكومة فمردود بداهةً إذ كيف يتصور أن ناظر الحقانية عند قيامه بواجبه حين مناقشة قانون مقدم للهيئة النيابية لا يكون قائمًا بعمله بصفة رسمية.
(ب) وبنت المحكمة رأيها على أن القانون الجديد موسع للنص الأصلي فلا يعقل أن يضيق المشرع نطاق المادة المكررة عن نطاق المادة الأصلية التي لم تكن تشترط ثبوت وقوع جريمة ولا وجود (جانٍ).
ولكن المتأمل في نص المادة المكررة يجد أن التوسع المراد إدخاله على نصوص هذا الباب إنما هو في ناحية واحدة من نواحي المادة الأصلية فهو قاصر على إطلاق الأحوال التي يكون فيها الشخص الذي تعتبر مساعدته على الفرار جريمة فقد كانت المادة (126) تقيدها بأحد ثلاثة أحوال الأولى أن يكون مقبوضًا عليه والثانية أن يكون موجهًا إليه اتهام بجناية أو جنحة والثالثة أن يكون صادرًا في حقه أمر بالقبض عليه، أما المادة المكررة فقد اعتبرت مساعدة الشخص ولو كان في غير هذه الأحوال جريمة.
إلا أن المشرع أحسن عند ما قيد هذا الإطلاق الواسع بضرورة ثبوت جريمة جدية وقعت فعلاً حتى يبرر تداخله بمعاقبة من يساعد مثل ذلك الشخص وذلك دفعًا لما يخشى من إساءة تطبيق هذه المادة، كذلك أحسن المشرع عند ما قيد هذا الإطلاق بتحديد أنواع المساعدة التي تعتبر جريمة بأن قصرها على ثلاثة أنواع الأول إيواء الجاني والثاني إخفاء أدلة الجريمة، والثالث تقديم معلومات كاذبة وهذا التحديد ينفي ما قالته محكمة النقض من أن المشرع أراد التوسع في جميع نواحي المادة الأصلية إذ أن هذه المادة كانت تعاقب على كل مساعدة أيًا كانت، فجاء النص المكرر محددًا لهذا الإطلاق.
وأي حكمة يقصدها المشرع بمعاقبة شخص ساعد بريئًا على الإفلات من اتهام غير صحيح ؟! لم يقصد المشرع بهذا النص المكرر أن يعاقب على مجرد الكذب أمام المحققين فإن لذلك نصوص أخرى كفيلة بتجريمه مثل جريمة التزوير وشهادة الزور، كما أنه ليس هناك أي خطر يمكن دفعه بمعاقبة من يعين شخصًا لم يرتكب إثمًا على الهرب من تهمة ألصقت به بغير حق.
(جـ) رأت المحكمة كذلك أن في تعليق عقاب المساعد على نتيجة الفصل في التهمة الأصلية تشجيع للطرق التدليسية لأنه يكفي للتخلص من أية عقوبة أن يقدم المساعد للجاني مأوى لحين وفاته أو سقوط الدعوى العمومية أو يتقن إثبات الكذب الذي أدلى به لكي يضمن النجاح في تهريب الجاني من وجه القضاء.
وتلك حجة واهية، لأن الحكم بإدانة الجاني غير متوقف على القبض عليه فمحاكمته جائزة غيابيًا، وأن الثقة التي في الأحكام باعتبارها عنوانًا للحقيقة تقلل إلى حد الندرة ما توهمته المحكمة من خطر يقل كثيرًا عما تتعرض له الهيئة الاجتماعية من ضرر بسبب عقاب من يعين بريئًا على إثبات براءته وتنجيته من اتهام غير صحيح.
(د) أما ما قالته المحكمة من أن اشتراط وجود جانٍ يفتح بابًا يفلت منه من يساعدون مجرمًا حالت أسباب الإباحة وموانع العقاب من إدانته فقول مردود لأن من ارتكب فعلاً وهو متمتع بسبب من أسباب الإباحة يكون أتى أمرًا مباحًا فلا محل لأن نخشى خطرًا ممن يساعدونه على الخلاص من مسؤولية لا وجود لها، وأما من ارتكب أمرًا وقام به سبب من أسباب موانع العقاب فإن مساعدته على الفرار معاقب عليها ولا يتعارض ذلك مع الرأي الذي ندافع عنه لأن هذه الأسباب شخصية بذات من اتصف بها ولا تتعداه إلى غيره كما هي قاعدة الاشتراك الجنائي.
ومهما كان الحال فإن المشرع لم يفكر مطلقًا في تشجيع الاتهام المبني على الوهم ولا يتصور أنه أراد أن يحوطه بأي ضمان.
عبد الرحيم غنيم
المحامي
سرية التحقيق وحق حضور المحامي في قانون الإجراءات الجنائية الجديد
مجلة المحاماة – العدد الثاني
السنة الحادية والثلاثون سنة 1950
سرية التحقيق وحق حضور المحامي
في قانون الإجراءات الجنائية الجديد
لحضرة الأستاذ أحمد السادة المحامي
رأينا وقد أوشك العمل على تطبيق قانون الإجراءات الجنائية الجديد أن نشير إلى ما تضمنه القانون بشأن سرية التحقيق ومدى هذه السرية في حق حضور المحامي للتحقيق.
فبالرجوع إلى نص المادة (77) وما بعدها من القانون وأصلها في المشروع المقدم من الحكومة والمذكرة التفسيرية للقانون والتعليقات التي ثارت بشأنها في مضابط البرلمان نجد أنها قررت أن الأصل في التحقيق أنه غير سري على المتهم، إلا إذا قضت الضرورة بذلك, وقد كانت النيابة تتمشى دائمًا في تحقيقاتها على إمكان التفرقة بين المتهم ومحاميه, وأجازت لنفسها منع المحامي من الحضور مع المتهم وقت استجوابه، فأوجد القانون نصًا يحرم ذلك، وأصبح المتهم ومحاميه متلازمين بمقتضى النص الجديد، ولا يمكن الفصل بينهما، ومتى كان للمتهم في جناية محامٍ فإنه لا يجوز استجوابه إلا بعد دعوة محاميه للحضور إن وجد.
وقد ذكر مقرر المشروع في مجلس الشيوخ، تفسيرًا لنصوص القانون الجديد أيضًا إن للمحامي أن يطلع على المحضر قبل استجواب المتهم حتى يكون حضوره مجديًا وإلا أصبح حضوره أو عدم حضوره سواء, ويكون الحق الذي أعطى للمحامي خياليًا فاعترض على ذلك بوجوب استثناء حالة السرية، فإذا كان التحقيق سريًا فإنه يجب ألا يمكن المحامي من الاطلاع, وقد تمسكنا في اللجنة بوجوب اطلاع المحامي على التحقيق في هذه الحالة, ومع أن السرية في فرنسا أوسع منها في مصر, فإنه لا يجوز منع المحامي من الحضور في وقت استجواب المتهم والنص صريح في وجوب وضع دوسيه الدعوى تحت تصرف المحامي حتى يطلع عليه.
وقد سأل المرحوم محمود باشا حسن, وقد كان وزيرًا للدولة وقت عرض المشروع على مجلس الشيوخ حضرة المقرر فماذا يكون عمل المحامي عند حضور استجواب المتهم؟ أيعلمه كيف يجب عن الأسئلة؟ – فأجاب المقرر- للمحامي أن ينصح المتهم بعدم الإجابة عن الأسئلة التي توجه إليه في بعض الحالات أو أن يعترض على توجيه السؤال إليه - وإلا لما كانت هناك فائدة من النص على حضوره مع المتهم.
وقد سأل الشيخ المحترم محمود غالب باشا حضرة المقرر- هل السرية ممنوعة قطعًا على المحامي؟ فأجاب - هي ممنوعة في الاستجواب فقط، فلا يمكن استجواب المتهم منفردًا بحجة أن التحقيق سري… وهذا هو المقرر في فرنسا، ولا توجد حالة يقال فيها للمحامي أن التحقيق سري فلا تحضره، ومع ذلك فقد انتهينا إلى حل وسط، فجعلنا حق الاطلاع للمحامي على التحقيق مباحًا إلا إذا رأى المحقق غير ذلك، وفي هذه الحالة الخاصة يجب ألا يطلع المحامي على التحقيق.
وقد تم الاتفاق بين اللجنة وبين الحكومة على ذلك، ووضع النص المعروض على حضراتكم بهذا المعنى, فسأله غالب باشا - هل للمحامي حق الاطلاع حتى في حالة السرية؟
فأجاب المقرر- الأصل هو وجوب اطلاع المحامي على التحقيق، إلا إذا رأى القاضي منعه من ذلك بأمر صريح.
فمما تقدم يتضح مدى ما قرره القانون الجديد من ضمانات للمتهم وما خوله للمحامي من حضور استجواب موكله والاطلاع على الأوراق قبل الاستجواب وأن هذا الحق مطلق في التحقيق السري وأنه هو الأصل إلا إذا رأى قاضي التحقيق أن المصلحة في عدم تمكينه من الاطلاع على الأوراق قبل الاستجواب، فحتى في هذه الحالة - فقد فرض المشرع وجوب النص على هذا المنع بأمر كتابي صريح.
السنة الحادية والثلاثون سنة 1950
سرية التحقيق وحق حضور المحامي
في قانون الإجراءات الجنائية الجديد
لحضرة الأستاذ أحمد السادة المحامي
رأينا وقد أوشك العمل على تطبيق قانون الإجراءات الجنائية الجديد أن نشير إلى ما تضمنه القانون بشأن سرية التحقيق ومدى هذه السرية في حق حضور المحامي للتحقيق.
فبالرجوع إلى نص المادة (77) وما بعدها من القانون وأصلها في المشروع المقدم من الحكومة والمذكرة التفسيرية للقانون والتعليقات التي ثارت بشأنها في مضابط البرلمان نجد أنها قررت أن الأصل في التحقيق أنه غير سري على المتهم، إلا إذا قضت الضرورة بذلك, وقد كانت النيابة تتمشى دائمًا في تحقيقاتها على إمكان التفرقة بين المتهم ومحاميه, وأجازت لنفسها منع المحامي من الحضور مع المتهم وقت استجوابه، فأوجد القانون نصًا يحرم ذلك، وأصبح المتهم ومحاميه متلازمين بمقتضى النص الجديد، ولا يمكن الفصل بينهما، ومتى كان للمتهم في جناية محامٍ فإنه لا يجوز استجوابه إلا بعد دعوة محاميه للحضور إن وجد.
وقد ذكر مقرر المشروع في مجلس الشيوخ، تفسيرًا لنصوص القانون الجديد أيضًا إن للمحامي أن يطلع على المحضر قبل استجواب المتهم حتى يكون حضوره مجديًا وإلا أصبح حضوره أو عدم حضوره سواء, ويكون الحق الذي أعطى للمحامي خياليًا فاعترض على ذلك بوجوب استثناء حالة السرية، فإذا كان التحقيق سريًا فإنه يجب ألا يمكن المحامي من الاطلاع, وقد تمسكنا في اللجنة بوجوب اطلاع المحامي على التحقيق في هذه الحالة, ومع أن السرية في فرنسا أوسع منها في مصر, فإنه لا يجوز منع المحامي من الحضور في وقت استجواب المتهم والنص صريح في وجوب وضع دوسيه الدعوى تحت تصرف المحامي حتى يطلع عليه.
وقد سأل المرحوم محمود باشا حسن, وقد كان وزيرًا للدولة وقت عرض المشروع على مجلس الشيوخ حضرة المقرر فماذا يكون عمل المحامي عند حضور استجواب المتهم؟ أيعلمه كيف يجب عن الأسئلة؟ – فأجاب المقرر- للمحامي أن ينصح المتهم بعدم الإجابة عن الأسئلة التي توجه إليه في بعض الحالات أو أن يعترض على توجيه السؤال إليه - وإلا لما كانت هناك فائدة من النص على حضوره مع المتهم.
وقد سأل الشيخ المحترم محمود غالب باشا حضرة المقرر- هل السرية ممنوعة قطعًا على المحامي؟ فأجاب - هي ممنوعة في الاستجواب فقط، فلا يمكن استجواب المتهم منفردًا بحجة أن التحقيق سري… وهذا هو المقرر في فرنسا، ولا توجد حالة يقال فيها للمحامي أن التحقيق سري فلا تحضره، ومع ذلك فقد انتهينا إلى حل وسط، فجعلنا حق الاطلاع للمحامي على التحقيق مباحًا إلا إذا رأى المحقق غير ذلك، وفي هذه الحالة الخاصة يجب ألا يطلع المحامي على التحقيق.
وقد تم الاتفاق بين اللجنة وبين الحكومة على ذلك، ووضع النص المعروض على حضراتكم بهذا المعنى, فسأله غالب باشا - هل للمحامي حق الاطلاع حتى في حالة السرية؟
فأجاب المقرر- الأصل هو وجوب اطلاع المحامي على التحقيق، إلا إذا رأى القاضي منعه من ذلك بأمر صريح.
فمما تقدم يتضح مدى ما قرره القانون الجديد من ضمانات للمتهم وما خوله للمحامي من حضور استجواب موكله والاطلاع على الأوراق قبل الاستجواب وأن هذا الحق مطلق في التحقيق السري وأنه هو الأصل إلا إذا رأى قاضي التحقيق أن المصلحة في عدم تمكينه من الاطلاع على الأوراق قبل الاستجواب، فحتى في هذه الحالة - فقد فرض المشرع وجوب النص على هذا المنع بأمر كتابي صريح.
بحث في الوصية المستورة واشتباهها بعقود البيع والهبة
مجلة المحاماة – العدد الخامس
السنة العشرون سنة 1940
بحث
في الوصية المستورة واشتباهها بعقود البيع والهبة
الأصل أن الشارع وإن كان قد أطلق حرية المورث الذي يتوفى عن التصرف في أمواله حال حياته ولو أدى ذلك إلى تجريده من كل ثروته ما لم يكن غير أهل للتصرف فإنه بالرغم من هذا الأصل فإن المشرع قيد حريته في تصرفاته المضافة إلى ما بعد الموت وجعلها موقوفة على إجازة الورثة إن كانت لوارث وكذلك إذا كانت لغير وارث وتجاوزت الثلث وما دام الشارع قد حرم الوصية بغير القيود المذكورة فلا يملك شخص ما التحايل على أحكام الشريعة بإخفاء الوصية المستورة تحت ستار عقد آخر من العقود المنجزة غير الخاضعة لإجازة الورثة وإثبات هذه الصورية من الأصل جائز للورثة وللغير مهما كان شكل العقد الذي اتخذ ستارًا لإخفاء هذه الوصية سواء أكان العقد عقد بيع أو هبة والشريعة الإسلامية نفسها لا تستلزم لبطلان الوصية أن يكون التعاقد بلفظ الإيصاء صراحة بل أنها تقضي ببطلان الوصية المستورة إذا لم تكن إجازة الورثة لأنه قيل من الفقهاء أن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني.
وإذا كان الأصل كما سبق بيانه فإنه يتفرع على هذا أن الطعن بالصورية (في عقد البيع المدعي بتنجيزه والمقصود منه الوصية) يكون غير قاصر على الورثة بل يجوز لأحد المتعاقدين وهو الموصي أن يطعن بهذه الصورية بطرق الإثبات الواجبة قانونًا إما بورقة الضد وإما بالإثبات بالبينة إذا كان هناك مانع يمنع من الكتابة لأن للموصي حق الرجوع عن وصيته.
والبيع الوصية قد يشتبه أحدهما بالهبة - ولكن فيصل التفريق بين الوصية والهبة أن الهبة تمليك وتنجيز في الحال والوصية تمليك إلى ما بعد الموت وإن كانا معًا بتبرع - والفارق بين البيع والهبة أن الأول بعوض والثانية بتبرع وإن كانا معًا ينقلان الملكية في الحال - ولا يمكن القول بأن البيع قد قصد منه التبرع والهبة في صورة عقد البيع إذا ظهر من الظروف والقرائن أن التنجيز في الحال لم يكن قرين الهبة - فالوالد الذي يحرر عقدًا لأولاده بالبيع المذكور به قبض الثمن - ولو أن الظروف تدل على خلاف ذلك إما بإقرار المشترين وإما من قرائن التحقيق - فمثل هذا العقد لا يمكن اعتباره هبة جائزة في صورة عقد بيع لو أن الوالد احتفظ بالعقد بعيدًا عن متناول يد المشترين، لأن التعاقد في هذه الحالة يعتبر إما هبة لم يظهر من نية الموهوب له قبولها لا صراحة ولا ضمنًا وإما وصية لحفظ العقد تحت يد الوالد ومن باب أولى تحت يد غيره الأمر الذي يدل على أن الممسك لم يرد التمليك في الحال وأن نية الإيصاء كانت للاستقبال (المحاماة السنة 11 رقم (262) ص (519)).
1 - وأن ما يجدر بحثه هو بيان قيمة اشتراط البائع لنفسه الاحتفاظ بحق الانتفاع مدة حياته أو مدة معينة واشتراط عدم تصرف المشتري مدة معينة أو مدة حياة البائع ولمعرفة ذلك يمكن القول بأن مثل هذين الشرطين بمفردهما وبلا قرائن أخرى لا يدلان على نية الإيصاء ولا يدلان على أكثر من أن المملك قد اشترط تأجيل وضع اليد فقط ولم يؤجل الملكية فلا تستنج منهما نية التمليك إلى ما بعد الموت ولا تعرف نية الإيصاء بهما لأن في معنى الوصية تأجيل الملك وتأجيل تنجيزه إلى ما بعد الوفاة والأصل أنه لا يوجد قانونًا ما يمنع وجود هذين الشرطين في عقود البيع المنجزة وفقط يجب التفريق بين شرط عدم التصرف المؤبد وفي هذه الحالة يكون باطلاً وشرط عدم التصرف المؤقت الذي يعتبر عندئذ صحيحًا إذا كان لمدة قصيرة فإذا كان شرط عدم التصرف clause de nonalienabilité محدودًا بمدة حياة ناقل الملكية أو حياة شخص أجنبي فإنه يكون شرطًا صحيحًا جائزًا في البيع المنجز ولكن إذا اشترط عدم التصرف لمدة أطول من حياة ناقل الملكية فإنه يكون في حكم شرط عدم التصرف المؤبد ويكون باطلاً (الملكية والحقوق العينية لكامل بك مرسي نَبذة (287)) وقد ذهب الراجح من أحكام المحاكم وبحق إلى أن الاشتراط في عقد البيع على بقاء حيازة البائع للانتفاع بالعين المبيعة واشتراط عدم تصرف المشتري المؤقت لا يدل في ذاته وبمفرده على نية الإيصاء بل قد يفهم من هذين الشرطين التمليك البات لأن مثل هذه الاشتراطات أمر جائز قانونًا وهذه الأحكام جميعها اعتبرت مثل هذين الشرطين صحيحين:
أولاً: لأنه لا يمكن اعتبار العقد بهما وصية لأن الوصية بلا مقابل واحتفاظ البائع بالانتفاع يكون كمقابل.
ثانيًا: مثل هذه الاشتراطات صحيحة إذا كان للمشتري أو للبائع مصلحة محققة في إدراجها كمصلحة البائع في أن يحافظ على كيان المشتري المالي خوفًا من أن يتصرف فيمنع تصرفه لمدة مؤقتة إلى المدة اللائقة أو كمصلحة المشتري في أن يكون بارًا بالبائع فيمنحه حق الانتفاع المؤقت.
ثالثًا: لأن حكم الوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع ولكن في مثل هذه الاشتراطات ليس الأمر كذلك لأن المشتري يملك الرقبة في الحال وإن كان قد حرم من المنفعة مؤقتًا.
رابعًا: مثل هذه الاشتراطات التي يحتفظ فيها البائع بحق الانتفاع من قبيل تقرير مرتب مقرر بمدة الحياة وتعهد المشتري بعدم التصرف في العين لحين وفاة المملك نتيجة طبيعية للاشتراط الأول.
خامسًا: لأن الوصية تأجيل للملكية ووضع اليد معًا إلى ما بعد الموت أما مثل هذه الاشتراطات فتأجيل فقط لوضع اليد وهذا لا ينفي تنجيز الملكية في الحال لو كان التنجيز صحيحًا من ظروف أخرى (يراجع حكم النقض المنشور سنة 1939 بمجلة المحاماة السنة 19 العدد الثالث رقم (154) ص (360) وذكر به أن اشتراط البائع الاحتفاظ بحق الانتفاع واشتراط منع المشتري من التصرف في العين المبيعة مدة حياته هو عقد منجز مع الأخذ فقط بظاهر مثل هذا الشرط بمفرده وبدون قرائن أخرى تدل على نية الإيصاء - وأنه ليس لمحكمة النقض أن تتعرض لما استنتجته محكمة الموضوع - اللهم إلا إذا كان هناك خطأ في تكييف العقد وتطبيقه على القانون - ولا تتعرض محكمة النقض ما دامت محكمة الموضوع قد بنت رأيها عن تنجيز العقد على أسباب منتزعة من ظروف الدعوى وملابساتها بقرائن مسوغة لهذا التنجيز وتراجع أيضًا الأحكام الأخرى الصادرة قبل ذلك عن شرط عدم التصرف من جانب المشتري وشرط احتفاظ البائع بالانتفاع بصحة هذين الشرطين مع عقد البيع المنجز (مجلة الحقوق (3) ص (172)، الشرائع (3) رقم (165)، المحاماة السنة 2 رقم (64) ص (210)، المحاماة السنة 2 رقم (63) ص (207)، المجموعة لسنة 23 رقم (99) ص (153)، المحاماة السنة 2 رقم (25) ص (65)، المحاماة السنة 3 رقم (109) ص (162)، المحاماة السنة 3 رقم (420) ص (516)، المحاماة السنة 5 رقم (383)، المحاماة السنة 5 رقم (562) ص (684)، المحاماة السنة 8 رقم (486) ص (796)، المحاماة السنة 9 رقم (32) ص (52)، المحاماة السنة 9 رقم (594) ص (1090).
وذهبت بعض الأحكام إلى أن عدم دفع الثمن وبقاء الحيازة تحت يد البائع لحين الوفاة يجعل العقد وصية ولا يغير من هذه الصفة ذكر الثمن في العقد وإقرار البائع باستلامه متى ظهر أن الثمن لم يدفع حقيقة (المجموعة السنة 11 رقم (45) ص (125)، المجموعة السنة 11 رقم (47) ص (132)، المحاماة السنة 4 رقم (45) ص (419)، المحاماة السنة 6 رقم (254) ص (331)) ولكن تصور هذه الأحكام جاء من اعتبارها أن احتفاظ البائع بحق الانتفاع وشرط عدم التصرف من جانب المشتري تأجيل للملكية كما في الوصية ولكن الصحيح والواقع أن الذي يؤجل هو وضع اليد فقط وليست الملكية كما سبق بيانه.
ونية الإيصاء هي مسألة تقديرية تستنتجها المحكمة من ظروف كل دعوى على حدة بعيدًا عن بحث مثل هذين الشرطين السابقين وإذا وجدت مثل هذه الاشتراطات بتقييد المشتري من الانتفاع مع ظروف أخرى تدل على نية تأجيل الملكية إلى ما بعد الوفاة ومع ظهور عدم دفع الثمن حقيقة - ولا عبرة بما يذكر في العقد - ومع نية التبرع اعتبر العقد حتمًا وصية - ويلاحظ أن عدم دفع الثمن بمفرده لا يكفي لاعتبار العقد وصية بل لا بد من ظهور نية التمليك بعد الوفاة مع قرينة عدم دفع الثمن معًا - إذ قد يكون العقد منجزًا في الحال مع نية التبرع فيكون هبة في صورة عقد بيع وهذا جائز.
2 - وإتمامًا للبحث يتعين بيان ما جرت عليه أحكام المحاكم من احتفاظ البائع بعقد البيع الذي يحرره ويبقيه تحت يده أو تحت يد غيره كأمين وبيانًا لذلك قد حكم بأن تصرف الوالد لأولاده في أطيانه بعقود بيع حجزها ولم يسلمها إليهم بل أودعها لدى أمين وأوصاه بأن لا يسلمها لأحد منهم إلا بعد الوفاة مثل هذا الشرط يدل على نية الإيصاء ما دامت قد ظهرت نية التبرع في العقد بوضوح (المحاماة السنة 10 رقم (143) ص (291) وحكم أيضًا أن البيع الصادر من والد إلى ولديه ولم يدفع عنه ثمن (وصلة القرابة بين والد وأولاده كافية لاستنتاج عدم دفع الثمن) مع احتفاظ العقد تحت يد الوالد فمثل هذا التصرف إما هبة في صورة عقد بيع لكن لم تقبل الهبة فهي باطلة – وإما وصية وتمليك في الاستقبال بدليل الاحتفاظ بالعقد ولا تتم الوصية إلا حين الوفاة - ومن باب أولى لا تتم الوصية إذا عدل الموصي عن وصيته حال حياته – (تراجع المجموعة الرسمية السنة 32 رقم (93) ص (209) ثم جاء حكم محكمة النقض فاصلاً في مسألة احتفاظ البائع بالعقد تحت يده وهو لا يسلمه لمن حصل لهم التصرف وقررت أن تعرف نية العاقدين الواقع في الدعوى مسألة موضوعية ومتى كان هذا التعرف مبنيًا على أسباب منتجة له فهو تعرف صحيح، فإذا ثبت لقاضي الموضوع أن العقد المتنازع على تكييفه صدر من جد لأحفاده وكان له ولد ظهر أنه لم يدفع للمبيع ثمن (إما بإقرار المشتري وإما من التحقيق) وإذا كان الجد قد احتفظ بالعقد تحت يده (ومثله من يحتفظ بالعقد تحت يد أمين ولا يسلم إلا بعد الوفاة) ودون تسجيل هذا العقد، فإذا ثبت لقاضي الموضوع ذلك كله واستخلص من القرائن أن الجد لم يرد بذلك العقد غير وصية فإن استخلاص الوقائع بهذه الكيفية هو تحصيل منتج للوقائع التي اعتمد عليها (حكم النقض الصادر في 22 فبراير سنة 1934 مجموعة الأستاذ محمود عمر رقم (167) ص (327) والمحاماة السنة 14 ص(360)، المجموعة الرسمية السنة 35 ص(219)).
3 - وأما حكم عقود البيع التي يظهر منها ذكر الثمن في التعاقد وهو لم يدفع حقيقة مع احتفاظ البائع لنفسه بحق التصرف في الملك حال حياته فهذا أمر يدل على نية الإيصاء ولا يدل على نية التنجيز في الحال إذا ظهرت نية التبرع وذلك مفهوم يقينًا لأن احتفاظ البائع بحرية التصرف في ملكه معناه أنه يمكنه أن يعدل عن البيع الذي صدر بنقل الملكية لشخص آخر خلاف من اشترى منه، وهذا المظهر لا يكون إلا فيمن يعدل عن الوصية، ومعنى احتفاظ البائع لنفسه بحق التصرف في الملك هو احتفاظه بوضع اليد لنفسه واحتفاظه بحق التصرف معًا وحق التصرف هذا يبيح له نقل الملكية للغير، وإذا احتفظ لنفسه بوضع اليد والانتفاع فقط أمكن اعتبار هذا الشرط الأخير مستطاعًا مع فكرة تنجيز العقد، وقد تستنتج فكرة احتفاظ البائع بحرية التصرف في الملك إما من العقد صراحة وإما من الظروف ضمنًا كأن يبيع البائع ماله للمشتري ويذكر في العقد أنه منجز ثم يتصرف بعد ذلك إلى مشترٍ آخر فيصادق المشتري الأول على التصرف الحادث بعد ذلك (المحاماة الـ 8 رقم (143) ص (191)) وقد ورد بهذا الحكم أنه لا يعقل أن يجرد البائع نفسه من كل ما يملك إلا إذا كان يقصد نية الإيصاء فإذا تصرف البائع بعد عقده الأول وصادقه المشتري الأول على هذا التصرف الأخير كان عقده الأول غير منجز وأنه يرمي به إلا اعتباره وصية بدليل إقرار من صدر العقد لمصلحته أولاً بعدم حصول التنجيز.
4 - وعكس ذلك إذا ما ذكر في عقد البيع أن المشتري أبيح له أن يتصرف تصرف الملاك فيما بيع له كمالك له حق التصرف بنقل التكليف والملكية إلى الغير، فإن معنى إباحة التصرف له في هذه الحالة هو المقصود منه التصريح له بنقل الملكية للغير وليس المقصود فقط إباحة التصريح له بالتنازل عن وضع اليد كالتأجير والمزارعة وإلا لو ذكر هذا الاشتراط الأخير بإباحة التصرف للمشتري فقط في وضع اليد فإنه يدل على نية البائع المتصرف بأنه لا يقصد البيع المنجز في الحال إذا كانت القرائن والظروف تساعد على استنتاج نية الإيصاء.
وينبني على القاعدتين السالف بيانهما:
أولاً: إذا ذكر في عقد البيع احتفاظ البائع لنفسه بحق التصرف في ملكه لحين وفاته أو حال حياته دل هذا صراحة على نية الإيصاء لو اكتفى بهذا الشرط أو إذا ذكر معه شرط منع المشتري من التصرف.
ثانيًا: إذا ذكر في عقد البيع احتفاظ المشتري لنفسه والإباحة له بحق التصرف فيما اشتراه تصرف الملاك دل هذا صراحة على فكرة تنجيز العقد ولو اكتفى بهذا الشرط أو ذكر معه شرط منع البائع من التصرف فيما بيع ولو مع احتفاظ البائع بحق الانتفاع.
عبد العزيز سليمان
القاضي بمحكمة الإسكندرية الأهلية
السنة العشرون سنة 1940
بحث
في الوصية المستورة واشتباهها بعقود البيع والهبة
الأصل أن الشارع وإن كان قد أطلق حرية المورث الذي يتوفى عن التصرف في أمواله حال حياته ولو أدى ذلك إلى تجريده من كل ثروته ما لم يكن غير أهل للتصرف فإنه بالرغم من هذا الأصل فإن المشرع قيد حريته في تصرفاته المضافة إلى ما بعد الموت وجعلها موقوفة على إجازة الورثة إن كانت لوارث وكذلك إذا كانت لغير وارث وتجاوزت الثلث وما دام الشارع قد حرم الوصية بغير القيود المذكورة فلا يملك شخص ما التحايل على أحكام الشريعة بإخفاء الوصية المستورة تحت ستار عقد آخر من العقود المنجزة غير الخاضعة لإجازة الورثة وإثبات هذه الصورية من الأصل جائز للورثة وللغير مهما كان شكل العقد الذي اتخذ ستارًا لإخفاء هذه الوصية سواء أكان العقد عقد بيع أو هبة والشريعة الإسلامية نفسها لا تستلزم لبطلان الوصية أن يكون التعاقد بلفظ الإيصاء صراحة بل أنها تقضي ببطلان الوصية المستورة إذا لم تكن إجازة الورثة لأنه قيل من الفقهاء أن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني.
وإذا كان الأصل كما سبق بيانه فإنه يتفرع على هذا أن الطعن بالصورية (في عقد البيع المدعي بتنجيزه والمقصود منه الوصية) يكون غير قاصر على الورثة بل يجوز لأحد المتعاقدين وهو الموصي أن يطعن بهذه الصورية بطرق الإثبات الواجبة قانونًا إما بورقة الضد وإما بالإثبات بالبينة إذا كان هناك مانع يمنع من الكتابة لأن للموصي حق الرجوع عن وصيته.
والبيع الوصية قد يشتبه أحدهما بالهبة - ولكن فيصل التفريق بين الوصية والهبة أن الهبة تمليك وتنجيز في الحال والوصية تمليك إلى ما بعد الموت وإن كانا معًا بتبرع - والفارق بين البيع والهبة أن الأول بعوض والثانية بتبرع وإن كانا معًا ينقلان الملكية في الحال - ولا يمكن القول بأن البيع قد قصد منه التبرع والهبة في صورة عقد البيع إذا ظهر من الظروف والقرائن أن التنجيز في الحال لم يكن قرين الهبة - فالوالد الذي يحرر عقدًا لأولاده بالبيع المذكور به قبض الثمن - ولو أن الظروف تدل على خلاف ذلك إما بإقرار المشترين وإما من قرائن التحقيق - فمثل هذا العقد لا يمكن اعتباره هبة جائزة في صورة عقد بيع لو أن الوالد احتفظ بالعقد بعيدًا عن متناول يد المشترين، لأن التعاقد في هذه الحالة يعتبر إما هبة لم يظهر من نية الموهوب له قبولها لا صراحة ولا ضمنًا وإما وصية لحفظ العقد تحت يد الوالد ومن باب أولى تحت يد غيره الأمر الذي يدل على أن الممسك لم يرد التمليك في الحال وأن نية الإيصاء كانت للاستقبال (المحاماة السنة 11 رقم (262) ص (519)).
1 - وأن ما يجدر بحثه هو بيان قيمة اشتراط البائع لنفسه الاحتفاظ بحق الانتفاع مدة حياته أو مدة معينة واشتراط عدم تصرف المشتري مدة معينة أو مدة حياة البائع ولمعرفة ذلك يمكن القول بأن مثل هذين الشرطين بمفردهما وبلا قرائن أخرى لا يدلان على نية الإيصاء ولا يدلان على أكثر من أن المملك قد اشترط تأجيل وضع اليد فقط ولم يؤجل الملكية فلا تستنج منهما نية التمليك إلى ما بعد الموت ولا تعرف نية الإيصاء بهما لأن في معنى الوصية تأجيل الملك وتأجيل تنجيزه إلى ما بعد الوفاة والأصل أنه لا يوجد قانونًا ما يمنع وجود هذين الشرطين في عقود البيع المنجزة وفقط يجب التفريق بين شرط عدم التصرف المؤبد وفي هذه الحالة يكون باطلاً وشرط عدم التصرف المؤقت الذي يعتبر عندئذ صحيحًا إذا كان لمدة قصيرة فإذا كان شرط عدم التصرف clause de nonalienabilité محدودًا بمدة حياة ناقل الملكية أو حياة شخص أجنبي فإنه يكون شرطًا صحيحًا جائزًا في البيع المنجز ولكن إذا اشترط عدم التصرف لمدة أطول من حياة ناقل الملكية فإنه يكون في حكم شرط عدم التصرف المؤبد ويكون باطلاً (الملكية والحقوق العينية لكامل بك مرسي نَبذة (287)) وقد ذهب الراجح من أحكام المحاكم وبحق إلى أن الاشتراط في عقد البيع على بقاء حيازة البائع للانتفاع بالعين المبيعة واشتراط عدم تصرف المشتري المؤقت لا يدل في ذاته وبمفرده على نية الإيصاء بل قد يفهم من هذين الشرطين التمليك البات لأن مثل هذه الاشتراطات أمر جائز قانونًا وهذه الأحكام جميعها اعتبرت مثل هذين الشرطين صحيحين:
أولاً: لأنه لا يمكن اعتبار العقد بهما وصية لأن الوصية بلا مقابل واحتفاظ البائع بالانتفاع يكون كمقابل.
ثانيًا: مثل هذه الاشتراطات صحيحة إذا كان للمشتري أو للبائع مصلحة محققة في إدراجها كمصلحة البائع في أن يحافظ على كيان المشتري المالي خوفًا من أن يتصرف فيمنع تصرفه لمدة مؤقتة إلى المدة اللائقة أو كمصلحة المشتري في أن يكون بارًا بالبائع فيمنحه حق الانتفاع المؤقت.
ثالثًا: لأن حكم الوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع ولكن في مثل هذه الاشتراطات ليس الأمر كذلك لأن المشتري يملك الرقبة في الحال وإن كان قد حرم من المنفعة مؤقتًا.
رابعًا: مثل هذه الاشتراطات التي يحتفظ فيها البائع بحق الانتفاع من قبيل تقرير مرتب مقرر بمدة الحياة وتعهد المشتري بعدم التصرف في العين لحين وفاة المملك نتيجة طبيعية للاشتراط الأول.
خامسًا: لأن الوصية تأجيل للملكية ووضع اليد معًا إلى ما بعد الموت أما مثل هذه الاشتراطات فتأجيل فقط لوضع اليد وهذا لا ينفي تنجيز الملكية في الحال لو كان التنجيز صحيحًا من ظروف أخرى (يراجع حكم النقض المنشور سنة 1939 بمجلة المحاماة السنة 19 العدد الثالث رقم (154) ص (360) وذكر به أن اشتراط البائع الاحتفاظ بحق الانتفاع واشتراط منع المشتري من التصرف في العين المبيعة مدة حياته هو عقد منجز مع الأخذ فقط بظاهر مثل هذا الشرط بمفرده وبدون قرائن أخرى تدل على نية الإيصاء - وأنه ليس لمحكمة النقض أن تتعرض لما استنتجته محكمة الموضوع - اللهم إلا إذا كان هناك خطأ في تكييف العقد وتطبيقه على القانون - ولا تتعرض محكمة النقض ما دامت محكمة الموضوع قد بنت رأيها عن تنجيز العقد على أسباب منتزعة من ظروف الدعوى وملابساتها بقرائن مسوغة لهذا التنجيز وتراجع أيضًا الأحكام الأخرى الصادرة قبل ذلك عن شرط عدم التصرف من جانب المشتري وشرط احتفاظ البائع بالانتفاع بصحة هذين الشرطين مع عقد البيع المنجز (مجلة الحقوق (3) ص (172)، الشرائع (3) رقم (165)، المحاماة السنة 2 رقم (64) ص (210)، المحاماة السنة 2 رقم (63) ص (207)، المجموعة لسنة 23 رقم (99) ص (153)، المحاماة السنة 2 رقم (25) ص (65)، المحاماة السنة 3 رقم (109) ص (162)، المحاماة السنة 3 رقم (420) ص (516)، المحاماة السنة 5 رقم (383)، المحاماة السنة 5 رقم (562) ص (684)، المحاماة السنة 8 رقم (486) ص (796)، المحاماة السنة 9 رقم (32) ص (52)، المحاماة السنة 9 رقم (594) ص (1090).
وذهبت بعض الأحكام إلى أن عدم دفع الثمن وبقاء الحيازة تحت يد البائع لحين الوفاة يجعل العقد وصية ولا يغير من هذه الصفة ذكر الثمن في العقد وإقرار البائع باستلامه متى ظهر أن الثمن لم يدفع حقيقة (المجموعة السنة 11 رقم (45) ص (125)، المجموعة السنة 11 رقم (47) ص (132)، المحاماة السنة 4 رقم (45) ص (419)، المحاماة السنة 6 رقم (254) ص (331)) ولكن تصور هذه الأحكام جاء من اعتبارها أن احتفاظ البائع بحق الانتفاع وشرط عدم التصرف من جانب المشتري تأجيل للملكية كما في الوصية ولكن الصحيح والواقع أن الذي يؤجل هو وضع اليد فقط وليست الملكية كما سبق بيانه.
ونية الإيصاء هي مسألة تقديرية تستنتجها المحكمة من ظروف كل دعوى على حدة بعيدًا عن بحث مثل هذين الشرطين السابقين وإذا وجدت مثل هذه الاشتراطات بتقييد المشتري من الانتفاع مع ظروف أخرى تدل على نية تأجيل الملكية إلى ما بعد الوفاة ومع ظهور عدم دفع الثمن حقيقة - ولا عبرة بما يذكر في العقد - ومع نية التبرع اعتبر العقد حتمًا وصية - ويلاحظ أن عدم دفع الثمن بمفرده لا يكفي لاعتبار العقد وصية بل لا بد من ظهور نية التمليك بعد الوفاة مع قرينة عدم دفع الثمن معًا - إذ قد يكون العقد منجزًا في الحال مع نية التبرع فيكون هبة في صورة عقد بيع وهذا جائز.
2 - وإتمامًا للبحث يتعين بيان ما جرت عليه أحكام المحاكم من احتفاظ البائع بعقد البيع الذي يحرره ويبقيه تحت يده أو تحت يد غيره كأمين وبيانًا لذلك قد حكم بأن تصرف الوالد لأولاده في أطيانه بعقود بيع حجزها ولم يسلمها إليهم بل أودعها لدى أمين وأوصاه بأن لا يسلمها لأحد منهم إلا بعد الوفاة مثل هذا الشرط يدل على نية الإيصاء ما دامت قد ظهرت نية التبرع في العقد بوضوح (المحاماة السنة 10 رقم (143) ص (291) وحكم أيضًا أن البيع الصادر من والد إلى ولديه ولم يدفع عنه ثمن (وصلة القرابة بين والد وأولاده كافية لاستنتاج عدم دفع الثمن) مع احتفاظ العقد تحت يد الوالد فمثل هذا التصرف إما هبة في صورة عقد بيع لكن لم تقبل الهبة فهي باطلة – وإما وصية وتمليك في الاستقبال بدليل الاحتفاظ بالعقد ولا تتم الوصية إلا حين الوفاة - ومن باب أولى لا تتم الوصية إذا عدل الموصي عن وصيته حال حياته – (تراجع المجموعة الرسمية السنة 32 رقم (93) ص (209) ثم جاء حكم محكمة النقض فاصلاً في مسألة احتفاظ البائع بالعقد تحت يده وهو لا يسلمه لمن حصل لهم التصرف وقررت أن تعرف نية العاقدين الواقع في الدعوى مسألة موضوعية ومتى كان هذا التعرف مبنيًا على أسباب منتجة له فهو تعرف صحيح، فإذا ثبت لقاضي الموضوع أن العقد المتنازع على تكييفه صدر من جد لأحفاده وكان له ولد ظهر أنه لم يدفع للمبيع ثمن (إما بإقرار المشتري وإما من التحقيق) وإذا كان الجد قد احتفظ بالعقد تحت يده (ومثله من يحتفظ بالعقد تحت يد أمين ولا يسلم إلا بعد الوفاة) ودون تسجيل هذا العقد، فإذا ثبت لقاضي الموضوع ذلك كله واستخلص من القرائن أن الجد لم يرد بذلك العقد غير وصية فإن استخلاص الوقائع بهذه الكيفية هو تحصيل منتج للوقائع التي اعتمد عليها (حكم النقض الصادر في 22 فبراير سنة 1934 مجموعة الأستاذ محمود عمر رقم (167) ص (327) والمحاماة السنة 14 ص(360)، المجموعة الرسمية السنة 35 ص(219)).
3 - وأما حكم عقود البيع التي يظهر منها ذكر الثمن في التعاقد وهو لم يدفع حقيقة مع احتفاظ البائع لنفسه بحق التصرف في الملك حال حياته فهذا أمر يدل على نية الإيصاء ولا يدل على نية التنجيز في الحال إذا ظهرت نية التبرع وذلك مفهوم يقينًا لأن احتفاظ البائع بحرية التصرف في ملكه معناه أنه يمكنه أن يعدل عن البيع الذي صدر بنقل الملكية لشخص آخر خلاف من اشترى منه، وهذا المظهر لا يكون إلا فيمن يعدل عن الوصية، ومعنى احتفاظ البائع لنفسه بحق التصرف في الملك هو احتفاظه بوضع اليد لنفسه واحتفاظه بحق التصرف معًا وحق التصرف هذا يبيح له نقل الملكية للغير، وإذا احتفظ لنفسه بوضع اليد والانتفاع فقط أمكن اعتبار هذا الشرط الأخير مستطاعًا مع فكرة تنجيز العقد، وقد تستنتج فكرة احتفاظ البائع بحرية التصرف في الملك إما من العقد صراحة وإما من الظروف ضمنًا كأن يبيع البائع ماله للمشتري ويذكر في العقد أنه منجز ثم يتصرف بعد ذلك إلى مشترٍ آخر فيصادق المشتري الأول على التصرف الحادث بعد ذلك (المحاماة الـ 8 رقم (143) ص (191)) وقد ورد بهذا الحكم أنه لا يعقل أن يجرد البائع نفسه من كل ما يملك إلا إذا كان يقصد نية الإيصاء فإذا تصرف البائع بعد عقده الأول وصادقه المشتري الأول على هذا التصرف الأخير كان عقده الأول غير منجز وأنه يرمي به إلا اعتباره وصية بدليل إقرار من صدر العقد لمصلحته أولاً بعدم حصول التنجيز.
4 - وعكس ذلك إذا ما ذكر في عقد البيع أن المشتري أبيح له أن يتصرف تصرف الملاك فيما بيع له كمالك له حق التصرف بنقل التكليف والملكية إلى الغير، فإن معنى إباحة التصرف له في هذه الحالة هو المقصود منه التصريح له بنقل الملكية للغير وليس المقصود فقط إباحة التصريح له بالتنازل عن وضع اليد كالتأجير والمزارعة وإلا لو ذكر هذا الاشتراط الأخير بإباحة التصرف للمشتري فقط في وضع اليد فإنه يدل على نية البائع المتصرف بأنه لا يقصد البيع المنجز في الحال إذا كانت القرائن والظروف تساعد على استنتاج نية الإيصاء.
وينبني على القاعدتين السالف بيانهما:
أولاً: إذا ذكر في عقد البيع احتفاظ البائع لنفسه بحق التصرف في ملكه لحين وفاته أو حال حياته دل هذا صراحة على نية الإيصاء لو اكتفى بهذا الشرط أو إذا ذكر معه شرط منع المشتري من التصرف.
ثانيًا: إذا ذكر في عقد البيع احتفاظ المشتري لنفسه والإباحة له بحق التصرف فيما اشتراه تصرف الملاك دل هذا صراحة على فكرة تنجيز العقد ولو اكتفى بهذا الشرط أو ذكر معه شرط منع البائع من التصرف فيما بيع ولو مع احتفاظ البائع بحق الانتفاع.
عبد العزيز سليمان
القاضي بمحكمة الإسكندرية الأهلية
كتاب دوري رقم 1 لسنة 2008 بشأن عدم دستورية لجان العمل الخماسية
أصدرت المحكمة الدستورية العليا بجلسة 13 / 1 / 2008 في القضية رقم 26 لسنة 27 ق دستورية حكمها المنشور بتاريخ 28 / 1 / 2007 بعدم دستورية نص المادتين ( 71 ، 72 ) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 معدلا بالقانون رقم 90 لسنة 2005 وبسقوط العبارة الواردة بالمادة 70
فإذا لم تتم التسوية في موعد أقصاه عشرة أيام من تاريخ تقديم الطلب جاز لكل منهما اللجوء إلي اللجنة القضائية المشار إليها في المادة (71) من هذا القانون في موعد أقصاه خمسة وأربعون يوماَ من تاريخ النزاع وإلا سقط حقه في عرض الأمر علي اللجنة 0
ولأي منهما التقدم للجهة الإدارية بطلب لعرض النزاع على اللجنة المذكورة خلال الموعد المشار إليه .
وسقوط قرار وزير العدل رقم 3539 لسنة 2003 بتشكيل اللجان الخماسية بالمحاكم الابتدائية .
ويترتب على القضاء بعدم دستورية هذه النصوص زوال اللجان الخماسية من الوجود القانوني لا من تاريخ نشر حكم المحكمة الدستورية العليا وإنما تزول ابتداء من تاريخ إقرار النصوص المقضي بعدم دستوريتها فالحكم المذكور كاشف عن عوار لحق التنظيم التشريعي لتلك اللجان منذ نشأتها ومن ثم فإن ولايتها تزول بالنسبة لسائر الأنزعة التي كانت تندرج في اختصاصها ويصبح متعيبا كل قرار صادر منها إذا لم يكن قد صار باتا قبل نشر حكم المحكمة الدستورية العليا ويرتد الأمر إلى الأصل العام في اختصاص المحاكم صاحبة الولاية العامة وعلى ذلك فإن الاختصاص بالدعاوى العمالية الفردية يخضع للقواعد العامة في توزيع الاختصاص بين المحاكم الابتدائية والمحاكم الجزئية نوعيا وقيميا ويخضع الطعن في الأحكام التي تصدر في الدعاوى العمالية سواء من المحكمة الجزئية أو المحكمة الابتدائية للقواعد العامة .
وبالنسبة للدعاوى المتداولة أمام اللجان حاليا فاعتبارا من اليوم التالي لنشر حكم المحكمة الدستورية العليا بالجريدة الرسمية يتعين أن تحال فورا جميع الدعاوى المتداولة بالجلسات أمام اللجان إلى المحاكم التي أصبحت مختصة نوعيا وقيميا ومحليا بنظرها مع تحديد جلسات لنظرها يخطر الخصوم بها بمعرفة قلم الكتاب .
وبالنسبة للدعاوى العمالية المحجوزة للقرار أمام اللجان يتعين على اللجان إعمالا لأثر حكم المحكمة الدستورية العليا المشار إليه أن تعيد للمرافعة جميع الدعاوى العمالية المحجوزة للقرار أمامها تمهيدا لإحالتها إلى المحكمة المختصة نوعيا وقيميا ومحليا على التفصيل الوارد فيما تقدم مع تحديد جلسات لنظرها يخطر الخصوم بها بمعرفة قلم الكتاب .
وحرصا على سرعة تصفية الأوضاع الناشئة عن القضاء بعدم دستورية النصوص المنشئة للجان الخماسية – إلى أن يصدر التعديل التشريعي المرتقب في هذا الشأن – يصح تعجيل النطق بالقرار إذا كان محددا للنطق به جلسة بعيدة بحيث تتم في اقرب وقت إعادة جميع الدعاوى العمالية المحجوزة للقرار أمام اللجان الخماسية للمرافعة وإحالتها إلى المحكمة المختصة وتحديد جلسات لنظرها وإخطار الخصوم بها واستئناف نظرها .
ونظرا للأهمية المعقودة على دقة وسرعة الفصل في القضايا العمالية في سبيل تحقيق العدالة الناجزة فيها فإننا ندعو السادة القضاة والرؤساء بالمحاكم الابتدائية إلى مراعاة القواعد المتقدم ذكرها في شأن تلك القضايا .
تحريرا في 29 / 1 / 2008
مساعد وزير العدل
لشئون التفتيش القضائي
المستشار / انتصار نسيم حنا
فإذا لم تتم التسوية في موعد أقصاه عشرة أيام من تاريخ تقديم الطلب جاز لكل منهما اللجوء إلي اللجنة القضائية المشار إليها في المادة (71) من هذا القانون في موعد أقصاه خمسة وأربعون يوماَ من تاريخ النزاع وإلا سقط حقه في عرض الأمر علي اللجنة 0
ولأي منهما التقدم للجهة الإدارية بطلب لعرض النزاع على اللجنة المذكورة خلال الموعد المشار إليه .
وسقوط قرار وزير العدل رقم 3539 لسنة 2003 بتشكيل اللجان الخماسية بالمحاكم الابتدائية .
ويترتب على القضاء بعدم دستورية هذه النصوص زوال اللجان الخماسية من الوجود القانوني لا من تاريخ نشر حكم المحكمة الدستورية العليا وإنما تزول ابتداء من تاريخ إقرار النصوص المقضي بعدم دستوريتها فالحكم المذكور كاشف عن عوار لحق التنظيم التشريعي لتلك اللجان منذ نشأتها ومن ثم فإن ولايتها تزول بالنسبة لسائر الأنزعة التي كانت تندرج في اختصاصها ويصبح متعيبا كل قرار صادر منها إذا لم يكن قد صار باتا قبل نشر حكم المحكمة الدستورية العليا ويرتد الأمر إلى الأصل العام في اختصاص المحاكم صاحبة الولاية العامة وعلى ذلك فإن الاختصاص بالدعاوى العمالية الفردية يخضع للقواعد العامة في توزيع الاختصاص بين المحاكم الابتدائية والمحاكم الجزئية نوعيا وقيميا ويخضع الطعن في الأحكام التي تصدر في الدعاوى العمالية سواء من المحكمة الجزئية أو المحكمة الابتدائية للقواعد العامة .
وبالنسبة للدعاوى المتداولة أمام اللجان حاليا فاعتبارا من اليوم التالي لنشر حكم المحكمة الدستورية العليا بالجريدة الرسمية يتعين أن تحال فورا جميع الدعاوى المتداولة بالجلسات أمام اللجان إلى المحاكم التي أصبحت مختصة نوعيا وقيميا ومحليا بنظرها مع تحديد جلسات لنظرها يخطر الخصوم بها بمعرفة قلم الكتاب .
وبالنسبة للدعاوى العمالية المحجوزة للقرار أمام اللجان يتعين على اللجان إعمالا لأثر حكم المحكمة الدستورية العليا المشار إليه أن تعيد للمرافعة جميع الدعاوى العمالية المحجوزة للقرار أمامها تمهيدا لإحالتها إلى المحكمة المختصة نوعيا وقيميا ومحليا على التفصيل الوارد فيما تقدم مع تحديد جلسات لنظرها يخطر الخصوم بها بمعرفة قلم الكتاب .
وحرصا على سرعة تصفية الأوضاع الناشئة عن القضاء بعدم دستورية النصوص المنشئة للجان الخماسية – إلى أن يصدر التعديل التشريعي المرتقب في هذا الشأن – يصح تعجيل النطق بالقرار إذا كان محددا للنطق به جلسة بعيدة بحيث تتم في اقرب وقت إعادة جميع الدعاوى العمالية المحجوزة للقرار أمام اللجان الخماسية للمرافعة وإحالتها إلى المحكمة المختصة وتحديد جلسات لنظرها وإخطار الخصوم بها واستئناف نظرها .
ونظرا للأهمية المعقودة على دقة وسرعة الفصل في القضايا العمالية في سبيل تحقيق العدالة الناجزة فيها فإننا ندعو السادة القضاة والرؤساء بالمحاكم الابتدائية إلى مراعاة القواعد المتقدم ذكرها في شأن تلك القضايا .
تحريرا في 29 / 1 / 2008
مساعد وزير العدل
لشئون التفتيش القضائي
المستشار / انتصار نسيم حنا
تعميم رقم 2 لسنة 2007 بشأن تعديلات قانون المرافعات
- أضاف المشرع بندين إلى المادة 43 من قانون المرافعات المدنية والتجارية بالقانون رقم 76 لسنة 2007 بالاختصاص النوعي للمحكمة الجزئية هما :
5 – دعاوى صحة التوقيع أيا كانت قيمتها .
6 – دعاوى تسليم العقارات إذا رفعت بصورة أصلية ويتعين إخطار ذوي الشأن من الملاك والحائزين وأصحاب الحقوق بالدعوى وذلك بورقة من أوراق المحضرين وفي حالة عدم الاستدلال على أشخاصهم بعد إجراء التحريات الكافية يتم الإخطار عن طريق الوحدة المحلية المختصة بطريق اللصق في مكان ظاهر في واجهة العقار وفي مقر نقطة الشرطة الواقع في دائرتها العقار وفي مقر عمدة الناحية ولوحة الإعلانات في مقر الوحدة المحلية المختصة بحسب الأحوال .
- ولا تحكم المحكمة في الدعوى إلا بعد تمام الإخطار وتقديم المدعي للمستندات التي تسانده ولو سلم المدعي عليه بالطلبات .
كما أضيفت فقرة ثالثة إلى المادة 50 – أنه استثناء من حكم المادة 108 من قانون المرافعات تختص المحكمة الجزئية الواقع في دائرتها العقار دون غيرها بدعاوى تسليم العقارات.
ونوجه نظر القضاة أن المشرع بهذه التعديلات توخى ما يلي :
1 – اختصاص المحكمة الجزئية بالفصل في دعاوى صحة التوقيع أيا كانت قيمتها .
ودعاوى تسليم العقارات إذا رفعت بصورة أصلية . وأن الاختصاص بنظرها إلى المحكمة الواقع بدائرتها العقار .
2 – أن المشرع استلزم قبل الفصل في دعاوى التسليم أن يقوم المدعي بإخطار ذوي الشأن من الملاك والحائزين وأصحاب الحقوق بالدعوى بورقة من أوراق المحضرين .
وإذا لم يستدل على أشخاصهم بعد إجراء التحريات الكافية يتم الإخطار بالكيفية التي أوردتها المادة .
ونظرا لما قد يشوب رفع دعاوى تسليم العقارات من تحايل على القانون وإضرار بأصحاب الحقوق .
فإننا نهيب بالسادة القضاة عند نظر تلك الدعاوى مراعاة :
1 – التحقق من تمام إخطار ذوي الحقوق بالدعوى وفقا لما رسمه القانون .
2 – عند عدم الاستدلال عليهم – التحقق من إجراء التحريات الكافية .
3 – اتخاذ إجراءات الإعلان بالصورة التي رسمها القانون .
4 – عد الفصل في الدعوى إلا بعد اتخاذ هذه الإجراءات وبعد أن يقدم المدعي المستندات التي تسانده في ادعائه بصورة مقنعة ولو سلم المدعى عليه له بالطلبات .
مساعد وزير العدل
لشئون التفتيش القضائي
المستشار / انتصار نسيم حنا
5 – دعاوى صحة التوقيع أيا كانت قيمتها .
6 – دعاوى تسليم العقارات إذا رفعت بصورة أصلية ويتعين إخطار ذوي الشأن من الملاك والحائزين وأصحاب الحقوق بالدعوى وذلك بورقة من أوراق المحضرين وفي حالة عدم الاستدلال على أشخاصهم بعد إجراء التحريات الكافية يتم الإخطار عن طريق الوحدة المحلية المختصة بطريق اللصق في مكان ظاهر في واجهة العقار وفي مقر نقطة الشرطة الواقع في دائرتها العقار وفي مقر عمدة الناحية ولوحة الإعلانات في مقر الوحدة المحلية المختصة بحسب الأحوال .
- ولا تحكم المحكمة في الدعوى إلا بعد تمام الإخطار وتقديم المدعي للمستندات التي تسانده ولو سلم المدعي عليه بالطلبات .
كما أضيفت فقرة ثالثة إلى المادة 50 – أنه استثناء من حكم المادة 108 من قانون المرافعات تختص المحكمة الجزئية الواقع في دائرتها العقار دون غيرها بدعاوى تسليم العقارات.
ونوجه نظر القضاة أن المشرع بهذه التعديلات توخى ما يلي :
1 – اختصاص المحكمة الجزئية بالفصل في دعاوى صحة التوقيع أيا كانت قيمتها .
ودعاوى تسليم العقارات إذا رفعت بصورة أصلية . وأن الاختصاص بنظرها إلى المحكمة الواقع بدائرتها العقار .
2 – أن المشرع استلزم قبل الفصل في دعاوى التسليم أن يقوم المدعي بإخطار ذوي الشأن من الملاك والحائزين وأصحاب الحقوق بالدعوى بورقة من أوراق المحضرين .
وإذا لم يستدل على أشخاصهم بعد إجراء التحريات الكافية يتم الإخطار بالكيفية التي أوردتها المادة .
ونظرا لما قد يشوب رفع دعاوى تسليم العقارات من تحايل على القانون وإضرار بأصحاب الحقوق .
فإننا نهيب بالسادة القضاة عند نظر تلك الدعاوى مراعاة :
1 – التحقق من تمام إخطار ذوي الحقوق بالدعوى وفقا لما رسمه القانون .
2 – عند عدم الاستدلال عليهم – التحقق من إجراء التحريات الكافية .
3 – اتخاذ إجراءات الإعلان بالصورة التي رسمها القانون .
4 – عد الفصل في الدعوى إلا بعد اتخاذ هذه الإجراءات وبعد أن يقدم المدعي المستندات التي تسانده في ادعائه بصورة مقنعة ولو سلم المدعى عليه له بالطلبات .
مساعد وزير العدل
لشئون التفتيش القضائي
المستشار / انتصار نسيم حنا
تعميم رقم 3 لسنة 2007بشأن تعديل نصاب اختصاص القاضي الجزئي
صدر القانون رقم 76 لسنة 2007 بتعديل بعض أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية وقانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية وبموجبه أصبح نصاب اختصاص القاضي الجزئي أربعين ألف جنيه بدلا من عشرة آلاف جنيه وأصبح النصاب الانتهائي للقاضي الجزئي خمسة آلاف جنيه بدلا من ألفي جنيه ونصت المادة السادسة من القانون رقم 76 لسنة 2007 على أن ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ويعمل به اعتبارا من 1 / 10 / 2007 .
وعملا بالفقرة الثالثة من المادة الأولى من قانون المرافعات فإن النص على تعديل النصاب الانتهائي للمحكمة الجزئية بالقانون المذكور يقتصر أثره - من حيث نصاب الاستئناف - على الأحكام التي تصدر بعد العمل بالقانون المذكور دون تلك التي صدرت قبل العمل به فإذا صدر الحكم من المحكمة الجزئية قبل أول أكتوبر 2007 في دعوى تجاوز قيمتها ألفي جنيه وتقل عن خمسة آلاف جنيه وظل الطعن بالاستئناف متداولا حتى أدرك ذلك التاريخ أو كان ميعاد الاستئناف مفتوحا إلى هذا التاريخ فإن الاستئناف يظل جائزا رغم أن قيمة الدعوى أضحت تقل عن النصاب الانتهائي الجديد للمحكمة الجزئية طالما كان الحكم صادر قبل أول أكتوبر 2007 تاريخ العمل بالتعديل .
ونظرا لما لوحظ مؤخرا من صدور أحكام من بعض الدوائر الإستئنافية بالمحاكم الابتدائية بعدم جواز الاستئناف في طعون مقامة عن أحكام صدرت قبل العمل بالتعديلات في دعاوى جاوزت قيمتها ألفي جنيه ولم تجاوز خمسة آلاف جنيه مما يعد تطبيقا بأثر رجعي للقانون المشار إليه بالمخالفة لحكم الفقرة الثالثة من المادة الأولى من قانون المرافعات وهو ما يؤدي إلى استغلاق طريق الطعن – بغير حق – أمام المحكوم ضدهم ….
لذا فإننا ندعو السادة القضاة والرؤساء بالمحاكم الابتدائية إلى مراعاة تطبيق القانون المشار إليه من حيث الزمان فيما يخص نصاب الطعن بالاستئناف في أحكام المحاكم الجزئية أمام الدوائر الإستئنافية بالمحكمة الابتدائية إذ يقتصر على ما يصدر من أحكام من المحاكم الجزئية بعد تاريخ العمل به ولا يمتد أثره إلى تلك التي صدرت قبل ذلك التاريخ .
مساعد وزير العدل
لشئون التفتيش القضائي
المستشار / انتصار نسيم حنا
وعملا بالفقرة الثالثة من المادة الأولى من قانون المرافعات فإن النص على تعديل النصاب الانتهائي للمحكمة الجزئية بالقانون المذكور يقتصر أثره - من حيث نصاب الاستئناف - على الأحكام التي تصدر بعد العمل بالقانون المذكور دون تلك التي صدرت قبل العمل به فإذا صدر الحكم من المحكمة الجزئية قبل أول أكتوبر 2007 في دعوى تجاوز قيمتها ألفي جنيه وتقل عن خمسة آلاف جنيه وظل الطعن بالاستئناف متداولا حتى أدرك ذلك التاريخ أو كان ميعاد الاستئناف مفتوحا إلى هذا التاريخ فإن الاستئناف يظل جائزا رغم أن قيمة الدعوى أضحت تقل عن النصاب الانتهائي الجديد للمحكمة الجزئية طالما كان الحكم صادر قبل أول أكتوبر 2007 تاريخ العمل بالتعديل .
ونظرا لما لوحظ مؤخرا من صدور أحكام من بعض الدوائر الإستئنافية بالمحاكم الابتدائية بعدم جواز الاستئناف في طعون مقامة عن أحكام صدرت قبل العمل بالتعديلات في دعاوى جاوزت قيمتها ألفي جنيه ولم تجاوز خمسة آلاف جنيه مما يعد تطبيقا بأثر رجعي للقانون المشار إليه بالمخالفة لحكم الفقرة الثالثة من المادة الأولى من قانون المرافعات وهو ما يؤدي إلى استغلاق طريق الطعن – بغير حق – أمام المحكوم ضدهم ….
لذا فإننا ندعو السادة القضاة والرؤساء بالمحاكم الابتدائية إلى مراعاة تطبيق القانون المشار إليه من حيث الزمان فيما يخص نصاب الطعن بالاستئناف في أحكام المحاكم الجزئية أمام الدوائر الإستئنافية بالمحكمة الابتدائية إذ يقتصر على ما يصدر من أحكام من المحاكم الجزئية بعد تاريخ العمل به ولا يمتد أثره إلى تلك التي صدرت قبل ذلك التاريخ .
مساعد وزير العدل
لشئون التفتيش القضائي
المستشار / انتصار نسيم حنا
تعميم رقم 4 لسنة 2007 بشأن ندب الخبراء
إزاء ما لوحظ من استغراق إجراءات التقاضي لأمد طويل في حالة ندب خبير في الدعوى فانه اختصارا للإجراءات والوقت ندعو السادة القضاة إلى تفعيل المادة 155 من قانون الإثبات والتي جرى نصها على أن للمحكمة أن تعين خبيرا لإبداء رأيه مشافهة بالجلسة بدون تقديم تقرير ويثبت رأيه في المحضر وذلك مادامت الدعوى المطروحة على المحكمة تتسع لتطبيق هذا النص مع مراعاة الضوابط الآتية :
1 – إذا كان الخبير في إبدائه لرأيه ليس في حاجة سوى إلى فحص أوراق الدعوى المطروحة على المحكمة والإطلاع عليها . فان المحكمة تستمع إلى رأيه وتثبته بمحضرها .
2 – إذا كان إبداء الرأي يحتاج إلى قيام الخبير بأعمال سابقة على ما ينتهي إليه الرأي بإجراء معاينة أو إطلاع على سجلات أو سؤال شهود فللمحكمة أن تحدد له أجلا قريبا ، على أن يشفع ما أبداه من رأي أمام المحكمة بمحضر يثبت فيه ما قام به من أعمال .
وجدير بالذكر أن كثير من الدعاوى تتسع لإعمال هذا النص منها مثالا دعاوى تحديد الأجرة القانونية – والطعن على قرارات المنشات الآيلة للسقوط . دعاوى سد المطلات .
مساعد وزير العدل
لشئون التفتيش القضائي
المستشار / انتصار نسيم حنا
1 – إذا كان الخبير في إبدائه لرأيه ليس في حاجة سوى إلى فحص أوراق الدعوى المطروحة على المحكمة والإطلاع عليها . فان المحكمة تستمع إلى رأيه وتثبته بمحضرها .
2 – إذا كان إبداء الرأي يحتاج إلى قيام الخبير بأعمال سابقة على ما ينتهي إليه الرأي بإجراء معاينة أو إطلاع على سجلات أو سؤال شهود فللمحكمة أن تحدد له أجلا قريبا ، على أن يشفع ما أبداه من رأي أمام المحكمة بمحضر يثبت فيه ما قام به من أعمال .
وجدير بالذكر أن كثير من الدعاوى تتسع لإعمال هذا النص منها مثالا دعاوى تحديد الأجرة القانونية – والطعن على قرارات المنشات الآيلة للسقوط . دعاوى سد المطلات .
مساعد وزير العدل
لشئون التفتيش القضائي
المستشار / انتصار نسيم حنا
تعميم رقم 5 لسنة 2007 بشأن تحقيق الطعون بالتزوير
لما كانت المادة 297 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 74 لسنة 2007 أناطت للمحكمة المنظور أمامها الدعوى أن تحقق واقعة التزوير بنفسها إذا رأت وجها للسير في تحقيق الادعاء بالتزوير .
ولسرعة الفصل في الدعاوى ، فإننا ندعو السادة القضاة إلى إعمال هذا النص وتحقيق التزوير بمعرفة المحكمة كلما كان ذلك ممكنا بدلا من إحالة الأوراق للنيابة العامة ووقف الدعوى .
مساعد وزير العدل
لشئون التفتيش القضائي
المستشار / انتصار نسيم حنا
ولسرعة الفصل في الدعاوى ، فإننا ندعو السادة القضاة إلى إعمال هذا النص وتحقيق التزوير بمعرفة المحكمة كلما كان ذلك ممكنا بدلا من إحالة الأوراق للنيابة العامة ووقف الدعوى .
مساعد وزير العدل
لشئون التفتيش القضائي
المستشار / انتصار نسيم حنا
تعميم رقم 6 لسنة 2007 بشأن الأوامر الجنائية
لما كانت المادة 323 مكرر من قانون الإجراءات الجنائية المضافة بالقانون رقم 74 لسنة 2007 تنص على أن " للقاضي من تلقاء نفسه عند نظر احدي الجنح المبينة في المادة 323 أن يصدر فيها أمرا جنائيا وذلك إذا تغيب المتهم عن الحضور رغم إعلانه ولم تكن النيابة العامة قد طلبت توقيع أقصي العقوبة "
فإننا حرصا على سرعة الفصل في الدعاوى المتراكمة أمام المحاكم ندعو السادة القضاة إلى إعمال هذا النص وذلك بإصدار أوامر جنائية في الدعاوى المطروحة عليهم في مواد الجنح التي لا يوجب القانون الحكم فيها بعقوبة الحبس إذا رأى أن الجريمة بحسب ظروفها تكفي فيها عقوبة الغرامة فضلا عن العقوبات التكميلية والتضمينات وما يجب رده من المصاريف .
مساعد وزير العدل
لشئون التفتيش القضائي
المستشار / انتصار نسيم حنا
فإننا حرصا على سرعة الفصل في الدعاوى المتراكمة أمام المحاكم ندعو السادة القضاة إلى إعمال هذا النص وذلك بإصدار أوامر جنائية في الدعاوى المطروحة عليهم في مواد الجنح التي لا يوجب القانون الحكم فيها بعقوبة الحبس إذا رأى أن الجريمة بحسب ظروفها تكفي فيها عقوبة الغرامة فضلا عن العقوبات التكميلية والتضمينات وما يجب رده من المصاريف .
مساعد وزير العدل
لشئون التفتيش القضائي
المستشار / انتصار نسيم حنا
تعميم رقم 8 لسنة 2007 بشأن استئناف أحكام قاضي التنفيذ
لما كان نص المادة 277 من قانون المرافعات المعدلة بالقانون 76 لسنة 2007 نصت على أن تستأنف أحكام قاضي التنفيذ في المنازعات الوقتية والموضوعية أيا كانت قيمتها أمام المحكمة الابتدائية .
فإننا نوجه نظر السادة القضاة إلى انه بموجب ذلك أصبح استئناف أحكام قاضي التنفيذ في المنازعات الوقتية والموضوعية من اختصاص المحكمة الابتدائية فقط ، وأيا كانت قيمة المنازعة دون التقيد بالنصاب الانتهائي للمحكمة الجزئية .
مساعد وزير العدل
لشئون التفتيش القضائي
المستشار / انتصار نسيم حنا
فإننا نوجه نظر السادة القضاة إلى انه بموجب ذلك أصبح استئناف أحكام قاضي التنفيذ في المنازعات الوقتية والموضوعية من اختصاص المحكمة الابتدائية فقط ، وأيا كانت قيمة المنازعة دون التقيد بالنصاب الانتهائي للمحكمة الجزئية .
مساعد وزير العدل
لشئون التفتيش القضائي
المستشار / انتصار نسيم حنا
تعميم رقم 7 لسنة 2007 بشأن المعارضة في الأحكام الغيابية
لما كانت المادة 398 من قانون الإجراءات الجنائية المعدل بالقانون رقم 74 لسنة 2007 تنص على أن " تقبل المعارضة في الأحكام الغيابية الصادرة في الجنح المعاقب عليها بعقوبة مقيدة للحرية وذلك من المتهم أو من المسئول عن الحقوق المدنية في خلال العشرة أيام التالية لإعلانه بالحكم الغيابي ………….. ولا يعتد بالإعلان لجهة الإدارة "
فإننا نوجه نظر السادة القضاة انه بمقتضى هذا النص :
- لا يجوز المعارضة في المخالفات .
- لا يجوز المعارضة في الجنح المعاقب عليها بعقوبة الغرامة فقط .
- وتكون مقبولة في الجنح المعاقب عليها قانونا بعقوبة الحبس سواء كان الحبس وجوبيا أو جوازيا مع الغرامة وأيا كانت العقوبة المقضي بها .
- أن المعارضة لا تجوز من المدعي بالحق المدني .
- أن المعارضة خلال عشرة أيام من تاريخ إعلان الحكم الغيابي ، وفقا لما نص عليه قانون المرافعات – ولا يعتد بالإعلان لجهة الإدارة .
مساعد وزير العدل
لشئون التفتيش القضائي
المستشار / انتصار نسيم حنا
فإننا نوجه نظر السادة القضاة انه بمقتضى هذا النص :
- لا يجوز المعارضة في المخالفات .
- لا يجوز المعارضة في الجنح المعاقب عليها بعقوبة الغرامة فقط .
- وتكون مقبولة في الجنح المعاقب عليها قانونا بعقوبة الحبس سواء كان الحبس وجوبيا أو جوازيا مع الغرامة وأيا كانت العقوبة المقضي بها .
- أن المعارضة لا تجوز من المدعي بالحق المدني .
- أن المعارضة خلال عشرة أيام من تاريخ إعلان الحكم الغيابي ، وفقا لما نص عليه قانون المرافعات – ولا يعتد بالإعلان لجهة الإدارة .
مساعد وزير العدل
لشئون التفتيش القضائي
المستشار / انتصار نسيم حنا
تعميم رقم 9 لسنة 2007 بشأن مضاعفة الغرامات في قانون المرافعات
لما كانت المادة الرابعة من القانون رقم 76 لسنة 2007 بتعديل قانون المرافعات المدنية والتجارية قد ضاعفت الغرامة المنصوص الواردة في المواد 99 / 1 ، 104 ، 110 ، 159 ، 246 ، 315 ، 324 ، 397 ، 499 من قانون المرافعات والمادتين 43 ، 56 من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية إلى مثلها .
كما ضاعفت الكفالة الواردة في المواد 221 / 2 ، 243 / 3 ، 254 / 1 من قانون المرافعات المدنية والتجارية إلى مثلها .
كما ضاعفت النصاب المنصوص عليه في المادتين 60 ، 61 من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية إلى مثله .
فإننا نوجه نظر السادة القضاة إلى مراعاة ذلك عند تطبيق هذه النصوص لتتحقق الغاية التي ابتغاها المشرع من هذا التعديل .
مساعد وزير العدل
لشئون التفتيش القضائي
المستشار / انتصار نسيم حنا
كما ضاعفت الكفالة الواردة في المواد 221 / 2 ، 243 / 3 ، 254 / 1 من قانون المرافعات المدنية والتجارية إلى مثلها .
كما ضاعفت النصاب المنصوص عليه في المادتين 60 ، 61 من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية إلى مثله .
فإننا نوجه نظر السادة القضاة إلى مراعاة ذلك عند تطبيق هذه النصوص لتتحقق الغاية التي ابتغاها المشرع من هذا التعديل .
مساعد وزير العدل
لشئون التفتيش القضائي
المستشار / انتصار نسيم حنا
تعميم رقم 10 لسنة 2007 بشأن الاختصاص بنظر دعاوى تسليم العقارات
لما كانت المادة 48 من قانون المرافعات المعدلة بالقانون 76 لسنة 2007 أضافت إلى اختصاص محكمة الاستئناف علاوة على الفصل في قضايا الاستئناف التي ترفع عن الأحكام الصادرة ابتدائيا من المحاكم الابتدائية الفصل في الأحكام الصادرة من المحاكم الجزئية في الدعاوى الخاصة بتسليم العقارات المرفوعة أمام المحكمة الجزئية بصفة أصلية .
فنوجه نظر السادة القضاة إلى مراعاة ذلك .
مساعد وزير العدل
لشئون التفتيش القضائي
المستشار / انتصار نسيم حنا
فنوجه نظر السادة القضاة إلى مراعاة ذلك .
مساعد وزير العدل
لشئون التفتيش القضائي
المستشار / انتصار نسيم حنا
استعانة القضاة بخبراء التامين الاستشاريين المقيدين بسجل هيئة الرقابة على التامين
ورد تعميم من التفتيش القضائي للمحاكم مؤرخ 22 / 2 / 2006 بمراعاة عدم الاستعانة بأية خبراء من غير المقيدة أسماؤهم في السجل المعد لذلك بالهيئة المصرية للرقابة على التامين وخاصة أثناء نظر قضايا التامين أو التحكيم أو غيرها .
وذلك تنفيذا لأحكام المادتين 65 ، 67 من القانون رقم 10 لسنة 1981 المعدل بالقانون رقم 91 لسنة 1995 في شأن الرقابة على التامين في مصر .
حيث نصت المادة 65 على انه " لا يجوز لخبراء التامين الاستشاريين أن يمارسوا أعمال الخبرة الاستشارية للتامين ما لم تكن أسماؤهم مقيدة في السجل المعد لذلك بالهيئة .
كما تنص المادة 67 من ذات القانون على انه " لا يجوز التكليف بأعمال الخبرة الاستشارية للتامين أمام المحاكم أو في مجالات التحكيم وغيرها إلا لخبراء استشاريين مقيدين بالسجل المنصوص عليه في المادة 65 من هذا القانون " .
وذلك تنفيذا لأحكام المادتين 65 ، 67 من القانون رقم 10 لسنة 1981 المعدل بالقانون رقم 91 لسنة 1995 في شأن الرقابة على التامين في مصر .
حيث نصت المادة 65 على انه " لا يجوز لخبراء التامين الاستشاريين أن يمارسوا أعمال الخبرة الاستشارية للتامين ما لم تكن أسماؤهم مقيدة في السجل المعد لذلك بالهيئة .
كما تنص المادة 67 من ذات القانون على انه " لا يجوز التكليف بأعمال الخبرة الاستشارية للتامين أمام المحاكم أو في مجالات التحكيم وغيرها إلا لخبراء استشاريين مقيدين بالسجل المنصوص عليه في المادة 65 من هذا القانون " .
قواعد ندب خبراء البيئة
ورد تعميم بتاريخ 22 / 1 / 2008 من السيد المستشار مساعد وزير العدل لقطاعي الخبراء والطب الشرعي بمناسبة صدور قرار المستشار وزير العدل رقم 10022 باعتماد القائمة الاسترشادية لخبراء البيئة عند ندب الخبراء من غير خبراء الجدول أو مكتب خبراء وزارة العدل أو مصلحة الطب الشرعي أو المصالح الأخرى التي يعهد إليها بأعمال الخبرة . والذي بين فيه قواعد انتداب الخبراء وهي :
1 – تخصيص أحد موظفي المحكمة تكون مهمته إعداد دفتر لقيد الدعاوى المحالة إلى خبراء البيئة يقيد به تلك الدعاوى وتاريخ صدور الحكم التمهيدي فيها وتاريخ سداد الأمانة وتاريخ إرسالها إلى مكتب مساعد الوزير لشئون الخبراء والطب الشرعي وكذلك تاريخ ورود التقرير وتسليمه إلى المحكمة الصادر منها الحكم .
2 – يتم تصوير أوراق الدعوى مع إرفاق صورة الحكم التمهيدي الذي يتعين أن يتضمن اسم الخبير الذي تم ندبه طبقا للتخصص السابق – الوارد بالقائمة الاسترشادية – مع أهمية التحقق من صحة بيانات الخبير المنتدب طبقا لتخصصه .
3 – ترسل تلك الصورة إلى مكتب مساعد وزير العدل لشئون الخبراء والطب الشرعي فور سداد الأمانة المقررة لإرسالها إلى الخبير المختص .
1 – تخصيص أحد موظفي المحكمة تكون مهمته إعداد دفتر لقيد الدعاوى المحالة إلى خبراء البيئة يقيد به تلك الدعاوى وتاريخ صدور الحكم التمهيدي فيها وتاريخ سداد الأمانة وتاريخ إرسالها إلى مكتب مساعد الوزير لشئون الخبراء والطب الشرعي وكذلك تاريخ ورود التقرير وتسليمه إلى المحكمة الصادر منها الحكم .
2 – يتم تصوير أوراق الدعوى مع إرفاق صورة الحكم التمهيدي الذي يتعين أن يتضمن اسم الخبير الذي تم ندبه طبقا للتخصص السابق – الوارد بالقائمة الاسترشادية – مع أهمية التحقق من صحة بيانات الخبير المنتدب طبقا لتخصصه .
3 – ترسل تلك الصورة إلى مكتب مساعد وزير العدل لشئون الخبراء والطب الشرعي فور سداد الأمانة المقررة لإرسالها إلى الخبير المختص .
قرار وزير العدل رقم 10022 لسنة 2007 بإصدار القائمة الاسترشادية لخبراء البيئة
وزير العدل
بعد الإطلاع على الدستور
وعلى المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1952 بتنظيم الخبرة أمام جهات القضاء
وعلى قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية
وعلى قانون البيئة الصادر بالقانون رقم 4 لسنة 1994 .
وعلى كتاب وزير الدولة لشئون البيئة المؤرخ 24 / 10 / 2007
قرر
المادة الأولى
تعتمد القائمة الاسترشادية لخبراء البيئة المرفقة بهذا القرار وتوزع على المحاكم المختصة للاسترشاد بها عند ندب الخبراء من غير خبراء الجدول أو مكتب خبراء وزارة العدل أو مصلحة الطب الشرعي أو المصالح الأخرى المعهود إليها بأعمال الخبرة وفقا لأحكام المادة 1 والفقرة الأولى من المادة 50 من المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1952 وذلك بحسب نوع القضية البيئية المعروضة والتخصص الدقيق المطلوب فيها .
المادة الثانية
يؤدي الخبراء الوارد أسماؤهم في القائمة الاسترشادية المرفقة ولمرة واحدة وقبل مزاولة أعمالهم يمينا بأن يؤدوا أعمالهم بالصدق والأمانة وذلك أمام قاضي الأمور الوقتية بمحكمة جنوب القاهرة الابتدائية إعمالا لحكم المادة 139 من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية .
المادة الثالثة
يتولى مساعد وزير العدل لشئون الخبراء دوريا مراجعة القائمة الاسترشادية المرافقة لهذا القانون ويعرض مشروع تعديلها بحذف أسماء منها أو إضافة أسماء إليها لإصدار القرار اللازم باعتمادها
المادة الرابعة
يتولى مساعد وزير العدل لشئون الخبراء تنفيذ أحكام هذا القرار ويصدر القرارات التنفيذية اللازمة لذلك .
المادة الخامسة
ينشر هذا القرار بالوقائع الرسمية ويعمل به من تاريخ نشره وعلى إدارات وزارة العدل كل فيما يخصه تنفيذه .
تحريرا في 25 / 11 / 2007
وزير العدل
المستشار ممدوح مرعي
قائمة استرشادية لخبراء البيئة
حسب الترتيب الأبجدي لأسمائهم
1 – د. ايمن دسوقي إبراهيم ( استشعار عن بعد وعلوم الفضاء)
2 – د. ايمن فريد أبو حديد ( بيئة وتغيرات مناخية)
3 – د. أحمد عز الدين الراعي ( إدارة بيئية واستشعار عن بعد)
4 – أ / أماني وديع نخلة ( إدارة مشروعات بيئية)
5 – أ / إبراهيم عياد المراغي ( إدارة بيئية وتخطيط )
6 – مهندس / جميل ميخائيل بطرس ( هندسة بيئية)
7 – د. حازم مصطفى باشات ( صناعة البترول )
8 – د. حسام عصمت علام ( نظم معلومات بيئية )
9 – د. زينب صالح صفر ( هندسة بيئية)
10 - أ / سامية شنودة جرجس ( إدارة مشروعات بيئية)
11 – د. صلاح محمود الحجار ( هندسة بيئية)
12 - د. صلاح هاشم محمد جمعة ( التعويض عن الأضرار البيئية)
13 - د. عبد العزيز مخيمر عبد الهادي ( التعويض عن التلوث البحري والمحميات الطبيعية)
14 - د. عماد الدين عدلي ندا ( إعلام بيئي وتنفيذ مشروعات بيئية)
15 - د. عمرو صالح محمد ( اقتصاد سياسي للبيئة)
16 - مهندس / فاروق مصطفى الزرقا ( هندسة بيئية)
17 - د. ليلي محمد عابد ( رئيس معهد البيئة )
18 - د. مجدي توفيق خليل ( نظم طبيعية / محميات)
19 - د. محمد أحمد عوض ( تلوث البيئة المائية)
20 - د. محمد إسماعيل بدوي ( تلوث بيئي : مبيدات وبترول)
21 – أ / محمد على برهان ( الخبير البيئي في علوم البحار)
22 - د. محمد محمود على أبو زيد ( تنمية بيئية ونظم بيئية )
23 - د. محمد نبيل بيومي ( تلوث البيئة المائية)
24 - د. محمود خميس السيد ( إدارة بيئية وتلوث صناعي)
25 - د. محمود محمد عبد السلام ( تلوث الهواء وصحة بيئية)
26 - د. مكرم أمين جرجس ( بيئة عامة ونظم بيئية)
27 – أ/ منير محمد لطفي ( التعويض عن الأضرار البيئية )
28 - د. نجلاء على سيد ( تلوث بيئي )
29 - د. نفيسة سيد أبو السعود ( إدارة مخلفات خطرة وصلبة )
30 – د. هشام محمد أبو اليزيد العسكري (تلوث الهواء واستشعار عن بعد )
بعد الإطلاع على الدستور
وعلى المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1952 بتنظيم الخبرة أمام جهات القضاء
وعلى قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية
وعلى قانون البيئة الصادر بالقانون رقم 4 لسنة 1994 .
وعلى كتاب وزير الدولة لشئون البيئة المؤرخ 24 / 10 / 2007
قرر
المادة الأولى
تعتمد القائمة الاسترشادية لخبراء البيئة المرفقة بهذا القرار وتوزع على المحاكم المختصة للاسترشاد بها عند ندب الخبراء من غير خبراء الجدول أو مكتب خبراء وزارة العدل أو مصلحة الطب الشرعي أو المصالح الأخرى المعهود إليها بأعمال الخبرة وفقا لأحكام المادة 1 والفقرة الأولى من المادة 50 من المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1952 وذلك بحسب نوع القضية البيئية المعروضة والتخصص الدقيق المطلوب فيها .
المادة الثانية
يؤدي الخبراء الوارد أسماؤهم في القائمة الاسترشادية المرفقة ولمرة واحدة وقبل مزاولة أعمالهم يمينا بأن يؤدوا أعمالهم بالصدق والأمانة وذلك أمام قاضي الأمور الوقتية بمحكمة جنوب القاهرة الابتدائية إعمالا لحكم المادة 139 من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية .
المادة الثالثة
يتولى مساعد وزير العدل لشئون الخبراء دوريا مراجعة القائمة الاسترشادية المرافقة لهذا القانون ويعرض مشروع تعديلها بحذف أسماء منها أو إضافة أسماء إليها لإصدار القرار اللازم باعتمادها
المادة الرابعة
يتولى مساعد وزير العدل لشئون الخبراء تنفيذ أحكام هذا القرار ويصدر القرارات التنفيذية اللازمة لذلك .
المادة الخامسة
ينشر هذا القرار بالوقائع الرسمية ويعمل به من تاريخ نشره وعلى إدارات وزارة العدل كل فيما يخصه تنفيذه .
تحريرا في 25 / 11 / 2007
وزير العدل
المستشار ممدوح مرعي
قائمة استرشادية لخبراء البيئة
حسب الترتيب الأبجدي لأسمائهم
1 – د. ايمن دسوقي إبراهيم ( استشعار عن بعد وعلوم الفضاء)
2 – د. ايمن فريد أبو حديد ( بيئة وتغيرات مناخية)
3 – د. أحمد عز الدين الراعي ( إدارة بيئية واستشعار عن بعد)
4 – أ / أماني وديع نخلة ( إدارة مشروعات بيئية)
5 – أ / إبراهيم عياد المراغي ( إدارة بيئية وتخطيط )
6 – مهندس / جميل ميخائيل بطرس ( هندسة بيئية)
7 – د. حازم مصطفى باشات ( صناعة البترول )
8 – د. حسام عصمت علام ( نظم معلومات بيئية )
9 – د. زينب صالح صفر ( هندسة بيئية)
10 - أ / سامية شنودة جرجس ( إدارة مشروعات بيئية)
11 – د. صلاح محمود الحجار ( هندسة بيئية)
12 - د. صلاح هاشم محمد جمعة ( التعويض عن الأضرار البيئية)
13 - د. عبد العزيز مخيمر عبد الهادي ( التعويض عن التلوث البحري والمحميات الطبيعية)
14 - د. عماد الدين عدلي ندا ( إعلام بيئي وتنفيذ مشروعات بيئية)
15 - د. عمرو صالح محمد ( اقتصاد سياسي للبيئة)
16 - مهندس / فاروق مصطفى الزرقا ( هندسة بيئية)
17 - د. ليلي محمد عابد ( رئيس معهد البيئة )
18 - د. مجدي توفيق خليل ( نظم طبيعية / محميات)
19 - د. محمد أحمد عوض ( تلوث البيئة المائية)
20 - د. محمد إسماعيل بدوي ( تلوث بيئي : مبيدات وبترول)
21 – أ / محمد على برهان ( الخبير البيئي في علوم البحار)
22 - د. محمد محمود على أبو زيد ( تنمية بيئية ونظم بيئية )
23 - د. محمد نبيل بيومي ( تلوث البيئة المائية)
24 - د. محمود خميس السيد ( إدارة بيئية وتلوث صناعي)
25 - د. محمود محمد عبد السلام ( تلوث الهواء وصحة بيئية)
26 - د. مكرم أمين جرجس ( بيئة عامة ونظم بيئية)
27 – أ/ منير محمد لطفي ( التعويض عن الأضرار البيئية )
28 - د. نجلاء على سيد ( تلوث بيئي )
29 - د. نفيسة سيد أبو السعود ( إدارة مخلفات خطرة وصلبة )
30 – د. هشام محمد أبو اليزيد العسكري (تلوث الهواء واستشعار عن بعد )
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)