بسم الله الرحمن الرحيم

أهلا بكم فى مدونة محمد جابر عيسى القانونية

28 مايو 2011

الخطأ تحت ستار الحقوق في القانون المصري

الخطأ تحت ستار الحقوق في القانون المصري
دراسة قانونية وتاريخية للمادتين الرابعة والخامسة من القانون المدني المصري الجديد رقم (31) الصادر في 16 يوليه سنة 1948

الأصل أن حرية الفرد مطلقة في استعمال الحقوق المخولة له قانونًا فله أن يستعمل حقه كيفما شاء وبأي وجه شاء غير أن هذه النظرية الفردية قد تأثرت بتشابك الحياة الاجتماعية وارتباط مصالح الأفراد وحقوقهم فلم يعد الفرد حرًا طليقًا في استعمال حقه حسبما يهوى ويرغب بل أصبحت غاية الحق تحقيق الخير لمصلحة الفرد ولمصلحة الجماعة في آن واحد - ومن ذلك اليوم أصبح الفرد مسؤولاً عن كل استعمال لحقه يؤدي إلى وقوع ضرر للغير.
ومنذ ذلك الحين بدأت الشرائع تعالج هذا الاتجاه الجديد في الفقه فنصت في قوانينها على قواعد المسؤولية المدنية في مثل هذه الحالات.
من بين هذه الشرائع القانون المدني المصري، فلقد نص القانون رقم (131) سنة 1948 الخاص بإصدار القانون المدني في الباب التمهيدي منه في المادتين الرابعة والخامسة على أنه لا تثريب على من يستعمل حقه استعمالاً مشروعًا أما من يستعمل حقه استعمالاً غير مشروع مما ينشأ عنه ضرر لغيره فتقع على كاهله مسؤولية تعويض ذلك الضرر.
فللمالك الحق في الانتفاع بملكه حسب ما يرى ولكن هذا الحق مقيد بوجوب مراعاة واحترام ملكية الجار فمسؤوليته قائمة متى لم يراعِ ذلك كمن يحفر بئرًا في ملكه وعلى حدود ملك جاره مما يلحق ضررًا بحائط ذلك الجار.
وللإنسان الحق في التقاضي للحصول على حق متنازع فيه ولكن مسؤوليته قائمة إذا استعمل حق التقاضي لمجرد الكيد والتشفي من خصم له وللإنسان الحق في استعمال التبليغ عن الجرائم ولكن مسؤوليته قائمة متى استعمل هذا الحق رغبة في النيل من سمعة الغير وإساءة له رغم براءته، ولقد وصف جمهور الشراح والفقهاء هذه الحالة القانونية (بالتعسف في استعمال الحق) أو (إساءة استعمال الحقوق (وتناولوها في كتبهم ومؤلفاتهم بكثير من البحث والتعليق.
إلى أن انبرى لهم العلامة بلانيول Planiol ونقد تلك التسمية التقليدية نقدًا لاذعًا فيؤكد لهم أن التعسف في استعمال الحق إن هو إلا خروج عن الحق فالحق ينتهي حيث بدأ التعسف في استعماله والعمل الواحد لا يمكن أن يكون في وقت ما متفقًا مع القانون ومخالفًا له – وليس معنى ذلك أنه يعترض على امتداد المسؤولية المدنية في هذه الحالة وإنما ينكر تلك التسمية المتناقضة المتعارضة فحسب وهي التعسف في استعمال الحق ويعتبرها خروجًا عن الحق وهو من قبيل الخطأ الموجب للمسؤولية التقصيرية.
ثم جاء بعد ذلك الأستاذ مارك دسرتو ورأى أن تعبير التعسف في استعمال الحق تعبير غامض ومن الممكن إيضاحه إذا استبدل بتعبير (تنازع الحقوق) مع تنظيم هذا التنازع كما فعل المشرع في مسائل التأمينات عندما نظم تنازع حقوق الدائنين الممتازين، ولقد وضع الأستاذ دسرتو لذلك التفضيل بين الحقوق المتنازعة ففضل حق المدعي إذا كانت حياته أو حريته في خطر أو كان في مكنة المدعي عليه تحقيق غرضه دون الإضرار بحق المدعي وفضل حق المدعي عليه إذا كانت المصلحة التي يدعيها المدعي غير مشروعة أو غير جدية.
إلا أن هذه التسمية والنظرية يتعارضان مع النظرية الحديثة التي تعطي لعنصر النية أهمية خاصة في تقدير المسؤولية إذ مما لا شك فيه أن مباشرة الحق بقصد الإضرار بالغير فيه خروج عن وظيفة الحق الاجتماعي التي قررها له القانون.
ثم أتى بعد ذلك سعادة مصطفى مرعي بك في مؤلفه (المسؤولية المدنية في القانون المصري) وذكر أن تعبير التعسف في استعمال الحق تعبير متناقض ويفضله تعبير آخر هو (الخطأ تحت ستار الحقوق) واستند في تأييد هذه التسمية الجديدة إلى تعريف الخطأ فالخطأ هو العمل الذي لا يأتيه الرجل الحازم الحريص اليقظ l’homme diligent فمن يتخذ حقه وسيلة للإيذاء ولو من غير قصد ونفع ظاهر له إنما يعبث في استعمال حقه وما العبث إلا صورة من صور الخطأ ففي هاتين الحالتين لا يسيء الفرد في استعمال حقه لأن الحق لا تحتمل طبيعته إساءة الاستعمال وإنما هو يرتكب خطأ مستترًا وراء الحق ظنًا منه أن الحق يحميه.
وفي اعتقادنا أن هذه التسمية الأخيرة للنظرية وهي (الخطأ تحت ستار الحقوق) فضل سائر التسميات لخلوها من التناقض والتعارض والغموض فضلاً عن اتساقها مع مبادئ القانون وروح التشريع.
أما وقد انتقينا التسمية الصحيحة للنظرية فيجدر بنا أن نحدد مكان تلك النظرية بين نصوص القانون المدني.
فلقد رأى المسيو لبنان دى بلفون أن مكان النظرية الطبيعي في باب الالتزامات بصدد بحث نظرية المسؤولية التقصيرية فما الخطأ تحت ستار الحقوق ألا توسع في فكرة العمل غير المشروع وهذا ما أخذت به بعض القوانين كالقانون البولوني في المادة (135) والقانون اللبناني في المادة (124) - ومشروع قانون الالتزامات الفرنسي الإيطالي.
إلا أن هناك اتجاهًا آخر في الفقه الحديث يرى أن نطاق تطبيق النظرية ليس مقصورًا على الحقوق الناشئة عن التزامات بل يمتد إلى كل قانون سواء في ذلك القانون المدني أو القانون التجاري أو قانون المرافعات بل لا يقتصر تطبيق النظرية على القانون الخاص وحده بل يمتد مجال تطبيقها إلى القانون العام كحق الاجتماعات وسائر الحقوق العامة، ولهذا يرى أنصار هذا الاتجاه أنه إذا كان هناك نص ينبغي بطبيعته أن يدرج على الأقل بين النصوص التمهيدية للقانون المدني فهو ذلك النص الذي يحكم هذه النظرية وذلك تمشيًا مع التقنين السويسري في المادة (2).
ولقد انضم القانون المدني المصري الجديد إلى هذا الاتجاه الثاني فنص على تلك النظرية في الباب التمهيدي من القانون في المادتين الرابعة والخامسة.
فلقد جاء في المادة (4) (من استعمل حقه استعمالاً مشروعًا لا يكون مسؤولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر) ولقد جاء في المادة (5) (يكون استعمال الحق غير مشروع في الأحوال الآتية:
( أ ) إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير.
(ب) إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب ألبتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها.
(ج) إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة.
ويتعين علينا أن نلفت النظر إلى أن النظرية التي نحن بصددها خاصة بالحق ولا تتناول ما يسمى بالمكنة أو الرخصة.
ويقصد بالحق كل مكنة تثبت لشخص من الأشخاص على سبيل التخصيص كحق الفرد في ملكية عين من الأعيان أو حقه في المطالبة بدين له على الغير أو حقه في طلاق زوجته.
وأما المكنة فهي ثابتة للناس كافة ويعترف لهم بها القانون دون أن تكون محلاً للتخصيص كالحريات العامة وهذه الرخص لا حاجة إلى فكرة التعسف فيها لتأمين الغير ما ينجم من ضرر عن استعمال الناس لها لأن أحكام المسؤولية المدنية تتكفل بذلك على خير وجه.
أما وقد فرغنا من هذه الدراسة التمهيدية للنظرية فيجدر بنا أن نحدد منهج البحث وفي تحديدنا له يتعين علينا أن نجاري الفقه الحديث.
فيمتاز الفقه الحديث بأسلوبين من البحث العلمي قد أحدثا اتجاهًا جديدًا في العلم القانوني ولها شأن خطير في توجيه التشريع الحديث وهذان الأسلوبان هما الدراسة التاريخية والبحث المقارن وذلك علاوة على دراسة النظم القانونية الحالية.
فقد عالجنا في الباب الأول الدراسة الفقهية للنظرية بما تحتوي عليه من لمحة تاريخية واتجاه القانون المقارن، ثم عالجنا في الباب الثاني التطبيق القانوني للنظرية فبحثنا معيارها وبعض تطبيقاتها في القضاء المصري.
الباب الأول: فقه النظرية
قديمًا كان البحث الفقهي قاصرًا على دراسة النظم القانونية الحالية ولما تغلغل الفقهاء في البحث وازدادت جهودهم أرادوا دراسة قوانينهم لا باعتبارها وحدة مستقلة خاصة بل باعتبارها أيضًا حلقة من سلسلة حياة مضطردة الحلقات يتصل ماضيها بحاضرها كي يستخلصوا ما وصل إليه التشريع الحالي من خطي في التقدم والرقي.
ولا شك أن النظام القانوني القديم قد طرأ عليه التغير نظرًا لازدياد الحضارة واتساع المعاملات وتشعب البلدان.
ولم يقتصر الفقهاء على دراسة تلك النظم القانونية القديمة وإنما بحثوا تلك النظم لدى سائر الدول كي يتمكنوا من تقدير ما وصلت إليه دولتهم من التقدم التشريعي بالنسبة لسائر الدول الأخرى وهذا ما يسمى في عالم القانون باتجاه القانون المقارن.
وبذلك سنتناول في هذا الباب بحثين.
البحث الأول: فذلكة تاريخية للنظرية:
البحث الثاني: اتجاه القانون المقارن:
البحث الأول: فذلكة تاريخية:
إن من المبادئ المسلم بها في فن التشريع أن القانون المصري قد استقى أحكامه من القانون الفرنسي ألا وهو قانون نابليون كما أن الأخير قد استمد بعض نصوصه من القانون الروماني - فالقانون الروماني يعتبر المصدر التاريخي للقانونين الفرنسي والمصري.
وقد طرأ على القانون المصري شيء من التغير بسبب إلغاء المحاكم المختلطة والقوانين التي كانت تطبقها.
أما القانون الروماني: فقد اتخذت نظرية الخطأ تحت ستار الحقوق مكانها بين سائر النظريات في الفقه والقضاء منذ زمن بعيد وذلك رغم تعارضها مع القاعدة الرومانية التي تقضي بأن من استعمل حقه فليس بظالم. Qui sno jure ulitur niminem loedit
وحقيقة الأمر أن للقانون الروماني الفضل في وضع بذور تلك النظرية.
فلقد كان للأب سلطة مطلقة على بنيه patria potestas
ولقد كان للسيد سلطة مطلقة على عبيده dominica potestas
ولقد كان للزوج سلطة مطلقة على زوجته manus
ولقد كان للمالك سلطة مطلقة على المال محل ملكيته dominium ex jure quiritium
كل منهم يستعمل حقه بأي وجه شاء ولأي غرض أراد إلى الخير أو الشر بحسن نية أو بقصد الإضرار دون أدنى مسؤولية حتى كان للأب سلطة تصل إلى حق الحياة أو الموت على بنيه jus vitoe ac necis فله أن يبيعهم وأن يحكم عليهم بعقوبة الإعدام.
ولكن هذه السلطة نقصت شيئًا فشيئًا منذ العهد الأخير نتيجة الأفكار الحديثة فتغيرت حقوق رب الأسرة وطرأ عليها بعض الفتور التي تحد من سلطتها فلم يعد له حق العقاب أو حق بيع أولاده.
أما حق الملكية وهو يخول لصاحبه حق الاستعمال usus وحق الاستغلال fructus وحق التصرف ab usu وهذه الحقوق كانت تستعمل بصفة مطلقة إلا أن حق الملكية قد خضع لعدة قيود مراعاة للجوار وللمصلحة العامة فيجب على المالك أن يترك حول منزله أو حقله مسافة معينة بلا بناءً أو زراعة وعليه أن يتخذ الحيطة لبنائه الذي يهدد جاره بالسقوط وقد نصت على ذلك الألواح الاثنا عشر.
كما يتعين على المالك عدم استعمال ملكه استعمالاً ضارًا بالغير بقصد الإساءة إليه - ولقد قرر الفقه الروماني البيان Ulpien أن من حفر بئرًا في أرضه وتعمق في الحفر يكون مسؤولاً إذا كان من شأن ذلك إسقاط حائط الجار.
وكل ذلك تطبيقًا لنظرية سلم بها في عهد الرومان وتدعى نظرية Notacensoria لعقاب من يستعمل حقوقه بأسلوب ينطوي على إساءة الغير أو بكيفية تعارض المصلحة العامة.
ولقد جاء في موسوعة جوستنيان بصراحة أنه لا يسمح بعد اليوم باستعمال الحق بغير مبرر مشروع.
ولقد انتقلت هذه النظرية إلى القانون الفرنسي القديم وظهرت لها عدة تطبيقات من بينها تنظيم العلاقة بين الملاك وجيرانهم واستقرت هذه النظرية وتناولها الفقهاء بالجدل والشرح وطبقها الفرنسي في أحكامه.
ولما قامت الثورة الفرنسية التي تؤيد المذهب الفردي individualisme فقد اختفت النظرية ردحًا من الزمن إذ أن مبدأ نصرة الفردية معناه - تسخير القوانين لحماية الفرد باعتباره العنصر الأهم في الحياة لا باعتباره جزءًا من كل هو الجماعة ونتيجة لذلك اعتبرت الحقوق مطلقة المدى وإن صاحب الحق في استعماله سيد لا يسأل عما يترتب على هذا الاستعمال من الأضرار التي قد تحيق بغيره.
ولقد صدر القانون المدني الفرنسي 1904 وفي ذهن المشرع تلك الأفكار السابقة فلم يرد في هذا القانون نص يؤيد هذه النظرية ويحبذ المبادئ التي استقر عليها الفقه والقضاء الفرنسيان في عهد القانون الفرنسي القديم إلا أن التطورات الاجتماعية والاقتصادية التي سارت في خلال القرن - التاسع عشر - أثرت في هذا المذهب الفرنسي وساءت النظرية الاجتماعية التي تقضي بأن الفرد عنصر في جماعة تتجه جهوده إلى تحقيق مصالحه مع تحقيق مصلحة الجماعة التي يعيش فيها ومن ثم قيدت الحقوق الفردية.
ولقد ناصر هذا المذهب الحديث القضاء الفرنسي والبلجيكي نتيجة لانتكاص مبادئ الفردية وأيدهما في ذلك الفقيهان الفرنسيان سالي وجاسران وحاولوا جميعًا الحد من صرامة النصوص الصادرة وليدة هذه الروح الفردية فأصبح من المسلم به أن الحقوق الشخصية قد منحها القانون للفرد لغرض معين ولا يصح استعمالها بما يتنافى مع هذا الغرض ولا يتعرض صاحب الحق للمسؤولية المدنية - ولقد أيدت هذا المبدأ محكمة النقض الفرنسية في 26 ديسمبر سنة 1893 في أحد أحكامها
S’il est de principe que l'usage d'une faculté légale ne saurait constituer une faute ni motiver par suite une condamnation il en est autrement orqusue d'une ltelle faculté degenre en abus.
ولقد صدر القانون المدني المصري المختلط سنة 1875 والقانون المدني المصري الأهلي سنة 1883 نقلاً عن القانون الفرنسي وعلى غراره وقد كانت النصوص الفرنسية متأثرة بالمذهب الفردي فلم يرد نص صريح يقر النظرية وإنما وردت بعض نصوص لحالات فردية تقر تلك النظرية منها:
المادة (168) من القانون المدني الأهلي التي تنص:
(يجوز للقضاة في أحوال استثنائية أن يأذنوا بالوفاء على أقساط أو في ميعاد لائق إذا لم يترتب على ذلك ضرر جسيم لرب الدين).
والمادة (522) من القانون المدني الأهلي التي تنص:
(لا يجوز للوكيل أن يعزل نفسه عن الوكالة في وقت غير لائق).
ففي الحالة الأولى أعطى القانون للقاضي حق تأجيل الوفاء إلى ميعاد لائق وهذا ما يسمى في القانون بالمهلة القضائية délai de grâce.
وفي الحالة الثانية حرم القانون على الوكيل أن يعزل نفسه في وقت غير لائق حتى لا يلحق ضررًا بالموكل.
ولكن الفقه المصري لم يقتصر على هذه الحالات وإنما كون نظرية الخطأ تحت ستار الحقوق مستندًا إلى هذه الحالات الفردية ومبادئ العدالة والقانون الطبيعي ولقد سار القضاء المصري على نهجه وطبقها في أحكامه.
ولما صدر مشروع تنقيح القانون المدني جاء في المادة السادسة نص يؤيد تلك النظرية صراحة فقد جاء فيها: (يصبح استعمال الحق غير جائز في الأحوال الآتية):
( أ ) إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير.
(ب) إذا كان متعارضًا مع مصلحة عامة جوهرية.
(ج) إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة أو كانت هذه المصالح قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها أو كان استعمال الحق من شأنه أن يعطل استعمال حقوق تتعارض معه تعطيلاً يحول دون استعمالها على الوجه المألوف.
وهذا النص عام يقرر هذه النظرية ويتفق مع اتجاه القانون المقارن.
ولما صدر القانون المدني المصري الجديد رقم (131) سنة 1948 جاء في المادتين الرابعة والخامسة تسليم بهذه النظرية على وجه العموم بل لقد جاءت نصوص فردية تؤيد هذه النظرية وما هي في الحقيقة إلا تطبيق لهذين النصين العامين الواردين في الباب التمهيدي من القانون المدني (المادتان الرابعة والخامسة).
فلقد جاء في باب الوكالة في المادة 716/ 1
(إذا كانت الوكالة بأجر فإن الوكيل يكون ملزمًا بتعويض الموكل عن الضرر الذي لحقه من جراء التنازل في وقت غير مناسب وبغير عذر مقبول).
ولقد جاء في باب الملكية في المادة (806):
(على المالك أن يراعي في استعمال حقه ما تقضي به القوانين والمراسيم واللوائح المتعلقة بالمصلحة العامة أو بالمصلحة الخاصة وعليه أيضًا مراعاة الأحكام الآتية):
المادة (807):
1 - على المالك ألا يغلو في استعمال حقه إلى حد يضر بملك الجار.
2 - وليس للجار أن يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة التي لا يمكن تجنبها إنما له أن يطلب إزالة هذا المضار إذا تجاوزت الحد المألوف على أن يراعي في ذلك العرف وطبيعة العقارات وموضع كل منها بالنسبة إلي الآخر والغرض الذي خصصت له ولا يحول الترخيص الصادر من الجهات المختصة دون استعمال هذا الحق).
هذا فيما يتعلق بالتطور التاريخي التشريعي
أما فيما يتعلق بهذا التطور في الفقه فلقد ناصب بعض الفقهاء هذه النظرية العداء ومن بينهم ديمولومب واسمان وبلانيول وعمانويل ليفي وبيفنوارفلقد ذكر ديمولومب أنه إذا كان العمل مشروعًا ومبنيًا على استعمال الحق فليس ثمة مسؤولية ولقد قرر اسمان أن النظرية تتناقض مع المبدأ القانوني المقرر في المادة (1382) من القانون المدني الفرنسي والتي تشترط الخطأ لقيام المسؤولية والقول بغير ذلك يؤدي إلى الخلط بين الخطأ الأدبي والخطأ القانوني وبعبارة أدق الخلط بين علم الأخلاق وعلم القانون فضلاً عما يؤديه من تحكم القضاة في الدعاوى.
ولقد ذكر عما نويل ليفي أن النظرية لم تأتِ بجديد فهي تدخل في نظرية المسؤولية التقصيرية أما بيفنوار فهو ينكر النظرية فيما يتعلق بحق الملكية فيعتبره حقًا مطلقًا غير مقيد ولو استعمل بنية الإضرار بالغير وسوء نية، أما غير ذلك من الحقوق فهو يسلم بالتعسف فيه وبالمسؤولية.
ولكن رغم ما تقدم فقد ظهر بعض فقهاء حديثين أيدوا هذه النظرية ودافعوا عنها دفاعًا قويًا وفندوا الحجج التي ذكرها الفقهاء المعارضون للنظرية استنادًا إلي وجهة نظرهم واستندوا في تأييد النظرية إلى قواعد الإنصاف والأخلاق.
ومن بين هؤلاء الفقهاء جوسران وسالي وكابيتان.
إلا أن هؤلاء الفقهاء قد اختلفوا فيما بينهم على كيفية تطبيق تلك النظرية وأساس ذلك التطبيق وهذا ما سنتناوله فيما بعد.
البحث الثاني: اتجاه القانون المقارن:
من المبادئ المسلم بها في تاريخ الشرائع أن هناك ثلاث شرائع سادت العالم القانوني وهي الشريعة الإسلامية والشريعة اللاتينية والشريعة الأنجلوسكسونية.
أما الشريعة الإسلامية فهي شريعة غنية بنظمها وقواعدها ولقد تناول فقهاؤها نظرية الخطأ تحت ستار الحقوق بكثير من البحث والتعليق.
فالحق في الشريعة الغراء غير الحق في القانون الوضعي والأصل أن العبد لا حق ولا ملك له كما جاء في الآية الكريمة (لله ما في السماوات وما في الأرض) ولكن الله يمنح عباده من نعمة فأصبحت لهم حقوق ولما كانت الحقوق الممنوحة للناس قد يضر استعمال أصحابها لها بغيرهم نهى الله سبحانه وتعالى عن ذلك وجاء بالحديث الشريف أنه لا ضرر ولا ضرار في الإسلام وفي هذا الصدد تفصيل.
فالإمام أبو حنيفة وأصحابه لا يرون أن يتقيد مالك في الانتفاع بملكه لأجل مصلحة جاره فإن مقتضى الملك التام أن يكون المالك له كامل الانتفاع بملكه على الوجه الذي يريد ما دام خالصًا له فله أن يفتح فيه ما شاء من نوافذ وأن يهدم ما شاء من جدران وأن ينشئ فيه ما شاء من مصانع وآبار ترتب على ذلك ضرر بجيرانه أم لم يترتب فإذا فعل ذلك وسقط بسببه بناء ملك غيره لم يضمن له شيئًا لمباشرته حقًا من حقوقه ولم يسقط بناء جاره إلا لوهنه وهو لا يسأل عن ذلك - ولكن عدم المسؤولية المدنية لا تعفيه من المسؤولية الدينية والأدبية والخلقية فإن رعايته الجار والإحسان إليه جاء بها الدين الحنيف فقد قال – صلى الله عليه وسلم – (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) وفي حديث آخر (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه).
وهذا ما ذهب إليه الإمامان الشافعي وأحمد بن حنبل.
أما الإمام مالك فيرى وجوب حفظ التوازن بين حقوق الأفراد إذا دعت إلى ذلك مصلحة المجتمع فلا يجوز استعمال الحق إلا لتحقيق الغرض الذي وجد من أجله هذا الحق ولا يسوغ استعماله للإضرار بالغير وإلى هذا ذهب المتأخرون من الحنفية فمنعوا الجار أن يتصرف تصرفًا يضر بجاره وذلك تطبيقًا لقاعدة لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ولأن الناس - لسوء أخلاقهم ونقص - دينهم تركوا ما أوجبه عليهم الدين من رعاية الجار فوجب حملهم على ذلك بسلطان القضاء وإلا عمت الفوضى وساءت الحال وهذا استحسان ابتدعه متأخرو الحنفية ومن استحسن فقد شرع وهذا الرأي الأخير هو المتفق مع روح العصر وينطبق مع التشريع وقد أيده في ذلك محمد قدري باشا في مؤلفه (مرشد الحيران في معرفة أحوال الإنسان) فلقد جاء في الكتاب الأول منه في الأموال بالفصل الثالث الخاص بالمعاملات الجوارية في المادة (57) (للمالك أن يتصرف كيف شاء في خالص ملكه الذي ليس للغير حق فيه فيعلي حائطه ويبني ما يريده ما لم يكن تصرفه مضرًا بالجار ضررًا فاحشًا) ولقد جاء في المواد (59) و (61) و (62) التالية تعريف الضرر الفاحش وأمثلة لذلك.
أما في الشريعتين اللاتينية والأنجلوسكسونية والقوانين التي استمدت أحكامها من هاتين الشريعتين فقد أيدت هذه النظرية إلا أن هذه القوانين قد اختلفت في مدى هذه النظرية فقد أخذت بعض القوانين بتطبيقها فيما يتعلق باستعمال الحق بقصد الإضرار بالغير فقط مثال ذلك القانون الألماني والنمساوي والصيني.
أما باقي القوانين الأخرى فقد أقرت النظرية على إطلاقها بالقانون المدني السويسري والمشروع الفرنسي الإيطالي.
ونسرد الآن بعض النصوص الواردة في هذه القوانين الأجنبية.
1 - القانون النمساوي - في المادة (1295) معدلة بالقانون الصادر في 19 مارس سنة 1926 ذكر (يلزم بالتعويض من استعمل حقه بطريقة تتنافى مع الآداب وبنية ظاهرة بالإضرار بالغير).
2 - القانون الصيني - الصادر في 1929 نص في المادة (148) على أنه (لا يجوز استعمال الحق إذا كان الغرض الأساسي منه هو الإضرار بالغير:
3 - القانون الألماني - فلقد جاء في المادة (226) (لا يباح استعمال حق ما إذا لم يكن من غرض له سوى إحداث ضرر للغير) والمادة (910) (لا يجب إحداث حفر في الأرض إلى الحد الذي يفقد فيه عقار الجار دعامته اللازمة له).
4 - القانون السويسري – في المادة (2) (يجب على كل فرد أن يستعمل حقوقه، ويقوم بالتزاماته حسبما تقتضي قواعد حسن النية وإن التعسف الظاهر في استعمال الحق لا يحميه القانون) والمادة (684) (لا يجوز للمالك التجاوز في استعمال حقه إلى ما يضر الجار وخاصة فيما ينشأ عن الاستغلال الصناعي).
5 - القانون الروسي - في المادة (94) (كل من يستعمل حقه طبقًا للقانون لا يسأل عن تعويض ما قد يحدث من ضرر للغير) والمادة (95) ( إذا ما تعارض استعمال حق مع حق آخر فإنه يجب تغليب الحق القوي منهما على الضعيف).
والمادتان (36) و (37) (كل من استعمل حقه في حدوده السليمة لا يلزم بتعويض ما قد ينشأ من ضرر للغير ولكنه يلزم بالتعويض إذا ما تبين أنه اختار من بين الوسائل العديدة لاستعمال حقه أضرها للغير بقصد إلحاق الضرر به) والمادتان (27) و (28) (ليس لأحد أن يسيء استعمال ما يتملك بما يحدث للغير ضررًا ويعتبر إساءة للاستعمال كل استعمال ليس له من غرض إلا الإضرار بالغير).
6 - القانون التركي - الصادر في سنة 1936 جاء في المادة الثانية (لا يحمي القانون من يستعمل حقه متعسفًا فيه فيضر غيره).
7 - المشروع الفرنسي الإيطالي - في المادة (74) (كل خطأ يتسبب عنه ضرر للغير يوجب مسؤولية فاعلة عن التعويض ولكن يلزم بالتعويض من تسبب في إحداث ضرر للغير بتجاوزه في استعمال حقه حدود حسن النية أو الغرض الذي من أجله منح الحق).
8 - القانون الإسباني - لم يرد به نص عام يقرر النظرية وإنما وردت به نصوص خاصة يستفاد منها الأخذ بالنظرية فلقد ورد في المادة (1908) مثال لذلك.
9 - القانون البرتغالي - نهج على منوال القانون الإسباني فلقد ورد في المادة (245) من القانون التجاري بإلزام الموكل بالتعويض إذا كان عزله لوكيله بغير أسباب قوية.
10 - القانون الإيطالي - فلم يرد به نص تشريعي وإنما أخذ بالنظرية في الفقه والقضاء.
11 - القانون الإنجليزي - لم يستقر بعد لوجود اتجاهين متعارضين أحدهما بالتأييد والثاني بمحاربة النظرية والقضاء لم يستقر وإن كان قد طبق النظرية في بعض حالات فردية مثل الوعد بالزواج ثم الإخلال به وغير ذلك.
الباب الثاني: التطبيق القانوني للنظرية
قبل صدور القانون المدني الجديد لم ينص على النظرية في قانون سابق كما أوضحنا فيما تقدم ولكنه رغم ذلك فقد استقرت النظرية في الفقه والقضاء على أساس قواعد العدالة والأخلاق وأخذ الفقه والقضاء بمعايير عدة أساسًا لتطبيق هذه النظرية في مواضع كثيرة.
كما وضع الفقه والقضاء الجزاء القانوني على الخطأ تحت ستار الحقوق فحكم على صاحب الحق بتعويض الغير الذي ناله ضرر من جراء استعمال حقه كما سمح بإزالة العمل إذا أمكن كمن يبني حائطًا في ملكه بغير مصلحة مشروعة له فيمنع النور والهواء عن ملك جاره ففي هذه الحالة يمكن أن يكون التنفيذ العيني وهو إزالة البناء هو الجزاء على فعل صاحب الحق.
ولكن الشريعة الإسلامية قررت علاوة على جزاءي التعويض والتنفيذ العيني جزاءين آخرين أولهما الجزاء الديني فمن يخطئ في استعمال حقه ويقصد الإضرار بغيره يعتبر آثمًا ديانة، وثانيهما التعزير فللقاضي أن يعزر كل من يستعمل حقه إساءة لغيره والتعزير هو نظام يخول للقاضي عقاب من يرتكب فعلاً يعتبره منافيًا للدين وهو يخالف قاعدة شرعية الجرائم والعقوبات والتي تقضي بألا عقوبة بغير نص.
وسنبحث فيما يلي معيار النظرية أي ما هو الضابط الذي نتخذه أساسًا للخطأ تحت ستار الحقوق، وثانيًا بعض تطبيقات خاصة للنظرية.
البحث الأول: معيار النظرية:
اختلف الفقهاء في وضع معيار (critère) لنظرية الخطأ تحت ستار الحقوق يستوي في ذلك الفقهاء الفرنسيون والمصريون ولعل السبب في هذا الاختلاف راجع إلى عدم ورود نص في القانونين الفرنسي والمصري القديم يقر هذه النظرية.
فأخذ كل فقيه يضع معيارًا لتطبيق النظرية تمشيًا مع الأساس المنطقي والعملي الذي بنى عليه النظرية فمن قائل إن الضابط هو نية الإضرار intention de nuire.
ومن قائل إن الضابط هو انعدام المصلحة المشروعة في استعمال الحق l’absence de l'interet légitine.
ومن قائل إن الضابط هو فكرة الخطأ faute
ومن قائل إن المقياس هو العدول بالحق عن وظيفته الاجتماعية فيعتبر صاحب الحق مقصرًا متى استعمل حقه بكيفية تتنافى مع الغرض الاجتماعي لتقرير الحق.
ولقد أخذ بالاتجاه الأول بيفنوار وشارمون ولاروميير وسوزات.
ولقد أخذ بالاتجاه الثاني سالي.
ولقد أخذ بالاتجاه الثالث كابيتان.
ولقد أخذ بالاتجاه الأخير العلامة جوزيف ريكول.
ويمكن الرجوع إلى مؤلفات هؤلاء الفقهاء لمعرفة وجهة كل مذهب والأدلة التي ذكرها لتأييد اتجاهه.
فظل الفقه المصري والقضاء المصري يتأرجحان بين هذه الميول السابقة إلى أن صدر القانون المدني المصري الجديد الذي أتى نصه الوارد في المادة الخامسة صريحًا وجليًا لا يسمح بالتأويل ولا يدع مجالاً للشك فلقد ذكر الحالات التي يعتبر استعمال الحق فيها غير مشروع فلقد ذكر في الفقرة الأولى من المادة (إنه يعتبر مخطئًا من استعمل حقه بقصد الإضرار بالغير كمن يبلغ عن واقعة بقصد الكيد والتشفي من خصمه رغم براءة الأخير وذكر في الفقرة الثانية أنه يعتبر مخطئًا من استعمل حقه لمصلحة قليلة الأهمية لا تتناسب مع ما يصيب الغير من ضرر كمن يحفر بئرًا بجوار ملك جاره مما يؤدي إلى وقوع حائط ذلك الجار.
وذكر في الفقرة الثالثة أنه يعتبر مخطئًا من استعمل حقه لمصلحة غير مشروعة والمصلحة غير المشروعة هي التي تتنافى مع النظام العام والآداب، وأظهر مثل لذلك فكرة إساءة استعمال السلطة المقررة في الفقه الإداري détournemet du pouvoirt كفصل الموظفين إرضاءً لشهوة حزبية أو غرض سياسي أو شخصي ولا شك أن نصوص القانون المدني تعتبر من مصادر القانون الإداري وجميع أحكام مجلس الدولة الفرنسي والمصري تستند إلى هذه الفقرة لإبطال جميع التصرفات الإدارية المشوبة بهذا الخطأ.
البحث الثاني: بعض تطبيقات للنظرية:
1 - حق الملكية: من المبادئ المعروفة أن للمالك أن يتصرف في ملكه كيف شاء وبأي وجه شاء plena in re potestas إلا أن هذا الحق مقيد بقيود عديدة بعضها مقرر للمصلحة العامة وبعضها مقرر للمصلحة الخاصة كالتزامات الجوار وكلها قيود قانونية وهناك قيود اتفاقية التزم بها المالك بناءً على تعاقده وعلاوة على هذه القيود القانونية والاتفاقية يوجد القيد الذي ينبني على نظرية الخطأ تحت ستار الحقوق والذي كان قيدًا قضائيًا في عهد القانون القديم وأصبح الآن قيدًا قانونيًا بعد النص عليه في المادتين الرابعة والخامسة من القانون المدني الجديد وفي أحكام المحاكم تطبيقات عديدة لهذه النظرية في حق الملكية.
2 - حق التقاضي: من المبادئ المقررة في فقه قانون المرافعات أن للفرد أن يلجأ إلي القضاء للمطالبة بحق له على الغير ولقد وضع إجراءات وأحكامًا معينة لهذا الحق.
إلا أن القانون المدني قد رتب مسؤولية على كل من يستعمل حقه المذكور استعمالاً يضر بغيره كمن يستعمل حقه لمجرد الكيد لأحد أخصامه والنيل من سمعته.
وللمدعي عليه في هذه الدعاوى أن ينكر وهو حق مشروع له ولكنه إن سعى بإنكاره في دفع الدعوى وخاب سعيه فيتحمل المصاريف وإذا ظل يتمادى في الإنكار ويتحايل في الإجراءات ابتغاء ضرر خصمه فإن هذا الحق ينقلب خطأ ويجوز للمحكمة أن تحكم بالتعويضات وهذا ما حكمت به محكمة النقض المصرية في 9/ 11/ 1933 ويدخل في حق التقاضي حق التبليغ فللإنسان أن يبلغ عن الجرائم إلا أنه يعتبر مسؤولاً إذا وقع بلاغه بسوء قصد أو بدون تروٍ وعدم احتياط وهذا ما حكمت به محكمة النقض في جملة مواضع.
3 - في العقود: وأظهر مثل لذلك عقد الخطبة أو الوعد بالزواج فمن يعدل عن الخطبة وهو حق مشروع له فإنه مسؤول عن تعويض ما أصاب الطرف الثاني من ضرر من جراء ذلك وهذا ما استقرت عليه المحاكم بعد تردد.
للإنسان أن يطلق زوجته في أي وقت إلا أنه ملزم بالتعويض متى أساء استعمال حقه.
وإذا طرد صاحب العمل المستخدم لديه في وقت غير لائق فإنه يسأل قانونًا عن الضرر الذي يلحق العامل بسبب هذا الطرد المفاجئ تطبيقًا للنظرية.
وهناك تطبيقات أخرى عديدة لهذه النظرية يمكن معرفتها عند الرجوع إلى كتب الفقه وأحكام المحاكم.
.

الفرق بين الحق والقانون

هناك ارتباط وثيق يعمل باستمرار بين الحق والقانون
فالحق
كلمة مجردة تحيا في الوجدان ضمن دواعي الأخلاق وتظل هذه الكلمة مثالية ما لم تساندها قوة تنفيذية فاعلة في إطار القانون تخرج بها إلى حيز التنفيذ,

وهذه القوة تتمثل في الحكم القضائي الناطق بالحق,

ولكل حق دعوى تحميه ونصوص قانونية تحكم أوضاعه والدعوى هي الوعاء القانوني الذي تتوضع فيها الخصومات القضائية يتبخر غير القانوني منها ويبقى ما هو قانوني, ويصدر القاضي حكمه الفاصل بموضوعها,

ومتى صدر الحكم القضائي نهائياً تمتع صاحبه بقوة تنفيذية تمكنه من اقتضاء
الحق الثابت فيه عن طريق التنفيذ الجبري وليس لأحد استيفاء حقه بالذات تحت طائلة العقاب لأن السلطة القضائية ومديريات التنفيذ
كفيلتان بالحماية المطلقة لحقوق الناس أفراداً وجماعات

فالقانون

هو الضابط للحقوق والعامل على إيصالها إلى أصحابها والحق هذا الحي على الدوام يعلو ولا يعلى عليه

الحق و القانون

يشير الحق إلى ما هو شرعي وما يجب أن يكون، ويعني مجموع القواعد التي تنظم الحياة الاجتماعية والتي تصاغ في قوانين، طبيعية (العرف) أو وضعية (مكتوبة)، تسهر الدولة على تنفيذها، و هذا يعني أن هناك علاقة وطيدة بين الحق والقانون. و القانون اليوم، هو المصدر الأساسي للحق، ورغم كون معنى الحق ينحى اليوم للاختلاط بمعنى القانون، فإن معاني الحق والقانون مختلفين.

فقاعدة الحق هي أداة يستعملها الحقوقي ليجعل من الفعل مطابقا للعدالة. في حين أن القانون هو أساسا إمرة، تصدر عن شخص شرعي له الوسائل الشرعية لممارسة الحكم. و هو ما يعني أن القانون ليس بالضرورة قاعدة حق بما أنه لم ينتج بالضرورة لغاية العدالة.

ورغم كون الحق في معناه الواسع هو البحث عن العلاقات بين الأحداث والقوانين. فإن القانون لا يمثل المعطى الوحيد الذي يجب أخذه بعين الاعتبار، إذ يجب أيضا النظر في طبيعة الأحداث و واقعية القانون... خاصة وأنه لا توجد قوانين بحسب كل حالات الأحداث الممكنة، ثم إن تحليل الأحداث هو ما سيمكننا من حسن إدارة العلاقات الاجتماعية، وهو ما يقودنا إلى السؤال عن مصادر الحق.
وفي هذا المستوى يمكن القول أن مصادر الحق أربعة:

المصادر الواقعية: و هي الوقائع التي يؤدي وجودها أو تمظهراتها مباشرة إلى ولادة الحق: مثل حركات المطالبة، الثورات...

المصادر الصورية: و هي الوسائل والطرق التي يعبر بها الحق عن وجوده مثل القانون، العادات...

المصادر الوثائقية: و هي الوثائق التي تشهد على وجود الحق مثل المدونة القانونية، أو المجلة الرسمية للدول.

المصادر المادية: و هي ما يجعل وجود الحق فعليا، وتتمثل في السلطات الثلاث للدولة، السلطة التشريعية، والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية، فهذه السلطات مطالبة بأن تجعل من الحق واقعا.

تعريف الحق

الحق هو كل مايستطيع الفرد القيام به في إطار مايسمى بالشرعية القانونية التي يمنحها له القانون، أي أنه مكنة أو سلطة يسندها القانون إلى شخص معين، يستطيع بمقتضاها أن يتسلط على شئ أو أن يقتضي أداءً معيناً من شخص آخر.

التعسف في استعمال الحق

من معالم الفكر القانوني الحديث رسوخ واستقرار نظرية التعسف في استعمال الحق .. الا ان هذه النظرية ليست من ابداع هذا الفكر .. فقلد عرفتها الشرائع القديمة .. حيث امتدت جذور هذه النظرية إلى الماضي .. وقد تناول بعض جوانبها كالرومان وغيرهم , أما الشريعة الاسلامية الغراء فقد نشأت فيها هذه النظرية بنشأتها ( فلا ضرر وضرار بالاسلام ) .. و الضرر يزال .. و لقد تناول الفقه الاسلامي هذه النظرية بالبحث و هنالك عدة محاولات بغية تأصليها .

ولقد أخذت معظم التشريعات العربية و الأجنبية المقارنة بهذه النظرية و استقر العمل بها لديها .. و منها القانون المدني الاردني و الذي أفرد لها فصلا كاملا ضمن طيات النظرية العامة للحق ..

كيف يتسعف الانسان بحقه ؟؟

الحق كما عرفه بعض الفقهاء : هو كل مايستطيع الفرد القيام به في إطار مايسمى بالشرعية القانونية التي يمنحها له القانون، أي أنه مكنة أو سلطة يسندها القانون إلى شخص معين، يستطيع بمقتضاها أن يتسلط على شئ أو أن يقتضي أداءً معيناً من شخص آخر .

لما شرعت الحقوق .. كان الهدف من ذلك تمكين الافراد من الانتفاع بما شرع لهم و عليه فلكل منَا حقوق منحنا اياها القانون و تكفل بحمايتها و صونها و الذوذ عنها حال وقع اعتداء عليها ...

ولكن ماذا لو نشأ عن استعمالي لحقي الذي منحني اياه القانون ضرر أصاب الغير ؟؟

هنا و عملا بنص المادة ( 61 ) مدني الجواز الشرعي ينافي الضمان فمن استعمل حقه استعملا مشروعا لا يكون ضمانا ما يصيب الغير من ضرر .

الا أن هذا النص مقيد .. و عليه استثناءات .. ذلك ان هنالك بعض الاشخاص قد يستغلون ان لهم حقا منحهم اياه القانون وحماه لهم فيتعسفون في استعماله .. و يكون هدف استعمالهم لذلك الحق هو الاضرار بالغير .. و الأمثلة العملية على ذلك كثيرة ...

كأن يقوم شخص برفع سور البناء الذي بينه و بين جاره الملاصق فيسد عنه النور و الهواء .. فهنا قام الجار باستخدام حقه و بنى سورا على ارضه .. الا أن فعله سبب ضررا لجاره الملاصق .. فهل يقف مبدأ الجواز الشرعي ينافي الضمان في وجه الجار المتضرر ويمنعه من المطالبة بازالة الضرر ؟؟

بالطبع لا .. فلا ضرر و لا ضرار .. و القانون المدني الاردني قد عالج مثل هذه الحالة وغيرها .. فالحق لم يشرع اصلا للمكيدة و الاضرار بالغير و انما شرع لغاية اسمى ة هي تمكين صاحبة من اسعماله و اسغتلاله بما يعود عليه بالنفع و الفائدة ..
وهذا ما أكدته محكمة التمييز الاردنية في قرارها رقم 1079/97 ( ان استعمال الحق الشرعي وان كان ينافي الضمان عملاً باحكام المادة (61) من القانون المدني الا انه مقيد بعدم اساءة استعمال هذا الحق والا اصبح ضامناً للضرر الناشئ عن سوء استعمال الحق عملاً باحكام المادة (66) مدني ).

و هنا جاءت الاستثناءات على مبدأ الجواز الشرعي في المادة ( 66 ) من القانون المدني الاردني :
اساءة استعمال الحق
1. يجب الضمان على من استعمل حقه استعمالا غير مشروع .

وحدد القانون الحالات التي يستشف منها التعسف في استعمال الحق ألا وهي :

2. ويكون استعمال الحق غير مشروع :

أ . اذا توفر قصد التعدي .
أي اذا تمخضت ارادة صاحب الحق من استعماله الاضرار بالغير طبعا يستدل على ذلك من وقائع الحالة و القرائن و غيرها .


ب. اذا كانت المصلحة المرجوة من الفعل غير مشروعة .
عدم مشروعية المصلحة ذاتها مع مشروعية الفعل و هنا كأن يملك شخص عمارة بها شقق ويريد تأجيرها و هو هنا صاحب حق و له ذلك ففعل التأجير بحد ذاته مشروع .. لكن ماذا لو أنه أجرها كمكان للدعارة أو تعاطي المخدرات ؟ طبعا هذا أمر مخالف للقانون و النظام العام و الاداب العامة .


ج. اذا كانت المنفعة منه لا تتناسب مع ما يصيب الغير من الضرر .
فلا بد أن يكون ما يجنيه صاحب الحق أكبر مما يضيب الغير من ضرر .. فمن رفع سور منزله و حجب النور و الضوء عن جاره أضر به أكثر مما جلب منفعة لنفسه و هو هنا متسعف في استعمال حقه .

د . اذا تجاوز ما جرى عليه العرف والعادة .

التعسف في استعمال الحق ( التعليق على المادة 41 من القانون المدني الجزائري )

الجانب الشكلي :
موقع النص:
تحليل نص المادة 41 من القانون المدني الجزائري .
تنص المادة 41 من القانون المدني الجزائري على ما يلي :
( يعتبر استعمال الحق تعسفا في الأحوال التالية .
- اذا وقع بقصد الإضرار بالغير .
- اذا كان يرمي الى الحصول على فائدة قليلة بالنسبة الى الضرر الناشئ الى الغير
- اذا كان الغرض منه الحصول على فائدة غير مشروعة . )


أ- البناء اللغوي :
نص المادة 41 من القانون المدني الجزائري جاء قصيرا وتناول موضوع التعسف في استعمال الحق وصوره ، اما عن الأخطاء المطبعية فلم ترد في النص ماعدا لفظة ( حق ) في بداية المادة التي من الفروض أن تعرف ب: …….أل…..
ب- البناء الغوي :
أسلوب المادة كان أسلوبا مباشرا واضحا ليس فيه أي غموض او إبهام وتحدث عن موضوع التعسف في استعمال الحق .
ج- تحليل مضمون النص :
تحدث المشرع في المادة 41 من ق م ج على موضوع التعسف في استعمال الحق وذكر بأن مستعمل الحق يكون متعسفا في استعماله في حالات ثلاث هي عندما يكون نية مستعمل الحق الإضرار بالغير او كان يرمي الى الحصول على فائدة زهيدة مقارنة بالضرر الناشئ للغير او ان الفائدة هي غير مشروعة
• والإشكال المطروح :
متى يصبح صاحب الحق متعسفا في استعماله لحقه ؟
حتى لا يصبح استعمال الحق شيئا مطلقا .
ونتناول هذا الموضوع الذي بين أيدينا بواسطة الخطة التالية :

مقدمة :
مبحث تمهيدي : أسس التعسف في استعمال الحق .
المبحث الاول : معايير التعسف في استعمال الحق .
المطلب الاول : المعيار الشخصي .
المطلب الثاني : المعيار الموضوعي .
المبحث الثاني : جزاء التعسف في استعمال الحق .
المطلب الاول : قبل حدوث التعسف
المطلب الثاني : بعد حدوث التعسف.
المقدمة :
إن القارئ للمادة 41 من ق م ج يدرك أنها تنص على موضوع التعسف في استعمال الحق القيد بوظيفة الحق ذاتها أي المراد من هذا الحق في حد ذاته ، فالقانون لا يحمي الحق ومستعمله إلا اذا استعمل هذا الحق في الأطر الشرعية ولم يصل استعماله حد الإضرار بالغير ، او إن مصلحة صاحب الحق تخلفت حال استعماله .
والمشرع الجزائري عند سنه لهذه المادة لابد انه اعتمد على معايير أسس لموضوع التعسف في استعمال الحق لذلك لابد من التطرق لأسس التعسف في استعمال الحق .
المبحث التمهيدي : أسس التعسف في استعمال الحق .
يدخل التعسف في استعمال الحق في تظام المسؤولية التقصيرية اذ يعتبر المتعسف قد ارتكب خطأ في استعمال حقه ويتحقق هذا متى انحرف عن سلوك الرجل العادي سواء كان الخطأ جسيما او يسيرا .
وهناك من يرى ان نطاق التعسف في استعمال الحق أوسع حيث بالنضر للفقرتين 2/3 من المادة 41 نجد انهما تخرجان عن مجال الخطأ تماما وهذا ما يراه الأستاذ علي علي سليمان اذ يقول : ( التعسف في استعمال الحق قد استمدته قوانينا العربية من الشريعة الإسلامية أصلا ، وهذه الشريعة لا تقيم المسئولية في حالة التعدي على أساس الخطأ بل تنضر إليها نضرة موضوعية ……… فيعتبر التعسف في استعمال الحق مستقلا عن نظام المسئولية التقصيرية ) .
المبحث الأول : معايير أسس التعسف في استعمال الحق .
السؤال الذي يطرح على كل دارس للمادة 41 من ق م ج هو .
متى يصبح الشخص متعسفا في استعمالا حقه ؟
المطلب الاول: المعيار الشخصي .
بالرجوع للمادة 41 من ق م ج الفقرة 01 ، نخلص انه من قراءة العبارة ( …….اذا وقع بقصد الأضرار بالغير …….)
أن المشرع اعتمد على المعيار الشخصي أي بالرجوع الى نية وقصد الشخص مستعمل الحق كلما كان من وراء هذا القصد او النية الضرر بالغير المقابل لهذا الشخص .
وحتى نوضح هذا نعطي مثالا من الواقع فالذي يبني حائطا او يغرس شجرة تحجب النور عن جاره يكون قد تعسف في استعمال حقه .
المطلب الثاني : المعيار الموضوعي .
المادة 41 من ق م ج الفقرتان 2/3 نصتا على ( ……… - اذا كان يرمي الى الحصول على فائدة قليلة بالنسبة الى الضرر الناشئ للغير .
- اذا كان الغرض منه الحصول على فائدة غير مشروعة . )
وعند تحليل هاذين الفقرتين نجد ان هناك صورتان للمعيار الموضوعي


الصورة الأولى :
اذا كان استعمال الحق يرمي به صاحبه الى الحصول على فائدة قليلة او تافهة مقارنة بالضرر الناشئ للغير .
فالشخص قد يعتبر متعسفا مع ان له مصلحة في استعمال حقه انطلاقا من كون المصلحة تعتبر زهيدة ولا تتناسب مع الضرر الذي يصيب الغير
ومثال ذلك من يغرس شجرا بهدف توفير الرطوبة في مسكنه وفي في نفس الوقت يحجب النور عن جاره إذ بالمقارنة بين المصلحة والضرر نجد انهما غير متناسبتان إذ الضرر اكبر بالمقارنة مع مصلحة توفير الرطوبة التي تعتبر زهيدة .
والمشرع الجزائري نص في نفس السياق في المادة 708/02 على ما يلي ( غير انه ليس لمالك الحائط ان يهدمه مختارا دون عذر قانوني ، إن كان هذا يضر الجار يستر ملكه بالحائط ) . وهي صورة لما سبق فالجار ضرره كبيرا من تهدم الحائط وصاحب الحائط مصلحته قليلة من هدم الحائط إلا اذا كان هناك عذر قانوني وشرعي .


الصورة الثانية : عدم مشروعية المصلحة .
ومثال ذلك ان شخصا يستعمل منزله لسبب غير شرعي مخالف لنظام العام والآداب العامة ، وهذا يضهر بصفة مباشرة وواضحة لكن قد تكون المصلحة غير المباشرة ومثال ذلك فصل رب العمل للعامل نتيجة انخراطه في نقابة العمال .
ويجدر الذكر هنا ان هناك من الفقهاء من أضاف معيارا ثالثا للمعيارين السابقين ولم تذكره المادة 41 من ق م ج هو معيار ( الضرر الفاحش ) لكن ذكره المشرع في النصوص التي تحدثت عن مضار الجوار غير المألوفة وهذا تطبيقا لأحكام الشريعة الإسلامية ، او ما نصت عليه المادة 691 ق م ج ( يجب على المالك ألا يتعسف في استعمال حقه الى يضر بملك الجار . )
المبحث الثاني : جزاء التعسف في استعمال الحق .
نراعي في هذا البحث نقطتين هما .
المطلب الاول : قبل حدوث التعسف .
أن جزاء التعسف في استعمال الحق قد يكون جزاء وقائيا وذلك عندما يظهر التعسف في استعمال الحق بصفة واضحة قبل تمامه ، فيمكن منع صاحب الحق منع الاستعمال التعسفي لحقه .
المطلب الثاني : بعد حدوث التعسف.
وفي حالة حدوث التعسف فعلا فانه يحكم على المتعسف بالتعويض لصالح المضرور كما قد يلزم كذالك بإزالة الضرر ذاته كلما كان ذلك ممكنا .


الخلاصة :
ان المادة 41من ق م ج قد نصت على استثناء للمبدأ العام استعمال الحق هذا الاستثناء هو التعسف في استعمال الحق والمشرع الجزائري بين ثلاث صور للتعسف في استعمال الحق
وضحتها المادة هي : - اذا كان الهدف الأضرار بالغير
02 - الحصول على فائدة زهيدة بالنضر الى الضرر الناشئ للغير
03 - الفائدة غير الشرعية .

التعسف

قديماً جداً قال الرومان: "من استعمل حقه لم يضر أحداً". وقد أخذ بذلك القانون الفرنسي. وقديماً أيضاً قال الإنكليزي، بعدم الضمان لما ينتج عن استعمال الحق من الضرر لأنه "ضرر بلا تعد" حسب اصطلاحهم المنقول عن اللاتينية: "Damnum sine injura".

القانون المدني الألماني اعتبر أنه "لا يجوز استعمال الحق إذا لم يكن القصد منه إلا أحداث الضرر بالغير.

قانون الموجبات والعقود اللبناني "وضعه العلامة الفرنسي جوسران" اعتبر في المادة 124 منه أنه "يلزم بالتعويض من يضر بالغير بتجاوزه في أثناء استعمال حقه، حدود حسن النية أو الغرض الذي من أجله منح هذا الحق"، المادة العاشرة من أصول المحاكمات المدنية/اللبنانية نصت بدورها على أن: "حق الادعاء وحق الدفاع بحسب استعمالهما، فكل طلب أو دفاع أو دفع يدلي به تعسفاً يرد ويعرض من تقدم به للتعويض عن الضرر المسبب عنه".

كما اعتبرت المادة 11 من القانون عينه على أنه: "يحكم على الخصم المتعسف بغرامة". يقتضي الإشارة أيضاً إلى أن عبارة إساءة استعمال الحق قد استعملت أساساً لوصف الخطأ المتأتى في معرض استعمال الحق والذي يفضي إلى مسؤولية الشخص الفاعل عن العمل الضار.

بجميع الحالات، أن ممارسة الحق لا يمكن أن تشكل فعلاً غير مشروع حتى ولو كانت الأفعال تتطابق مع نموذج من النماذج التجريمية.

..ولا يكفي لمشروعية الفعل المرتكب استعمالاً للحق أن يكون صاحبه قد التزم بالحدود الموضوعية المنصوص عليها قانوناً، وإنما يلزم أن تكون ممارسته للحق قد روعي فيها الجانب النفسي المتمثل في تحقيق المصالح التي تقرر الحق من أجلها. فإذا انتقلت النية السليمة كنا في نطاف التعسف في استعمال الحق والذي ينفي عن الفعل الصفة المشروعة ليندرج تحت نطاق عدم المشروعية.

لقد أضحت فكرة التعسف في استعمال الحق نظرية مستقرة، في الفقه، والقضاء الفرنسي، وأن كنا نجد جذورها ممتدة منذ القديم. فقد عرفت في القانون الروماني، في بعض التطبيقات، التي قال بها بعض الفقهاء كالفقيه جايوس، وبول، والبيان ومنه انتقلت إلى القانون الفرنسي القديم. أما الشريعة الإسلامية فقد عرفتها كنظرية عامة تنصرف إلى كافة الحقوق. فالقرآن الكريم، قد نهى في أكثر من موضع فيه عن التعسف.

ولكن انتشار المذهب الفردي، في القرن التاسع عشر، أدى إلى احتجاب النظرية في فرنسا لبعض الوقت. فهذا المذهب، كما نعلم يقوم على أن للأفراد حقوقاً مطلقة، سابقة على دخولهم الجماعة. ومن ثم فلا مجال للقول بتعسف في استعمال الحق.

ومن أفول نجم المذهب الفردي، عادت النظرية إلى الظهور من جديد. فمن منتصف القرن التاسع عشر بدأ القضاء الفرنسي يأخذ بها ويرجع الفضل في ازدهارها ورسوخها كنظرية عامة إلى الفقهين سالي، وجوسران، اللذين جمعا الأحكام القضائية المتناثرة، وكونا منها نظرية عامة، واضحة المعالم والحدود.

ومع ذلك، فإن هذه النظرية لم تسلم من النقد، وكان أشهر خصومها الفقيه الفرنسي "الكبير بلانيول"، الذي ذهب إلى إنكار فكرة التعسف من أساسها. فهو يقرر في عبارة مشهورة عنه "إنما الحق ينتهي حيث يبدأ التعسف".

نظريَّة التَّعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي

نظرية التعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي




تقدمة:
الفقه الإسلامي أظلت رايته بلاد المسلمين في أكبر بقعة عرفها التاريخ على وجه الأرض ثمانين سنة وثلاثمائة وألفًا - صان فيها حقوق الناس، وحفظ مصالحهم فنعموا بعدالة التشريع وعدالة القضاء: ذلك العدل الذي من أجله أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25].

جهد القضاء والمفتون من الفقهاء في استنباط الأحكام من مصادر الشريعة كلما نزلت بهم قضية أو حزبهم أمر، فكانوا يحدثون للناس أقضية بقدر ما أحدثوا، ويصونون فيهم المصلحة التي أرادها الله من هذا الدين؛ كما يقول تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، فقامت بذلك الحجة البالغة على كمال هذا الدين، وعلى أنه شريعة الناس كافة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وقامت بذلك الآية البينة على أن الفقه كائن حي ينمو ويؤتي أكله بإذن الله لتلبية حاجات الحياة ومطالبها على اختلاف ألوان المجتمعات في كل عصر ومصر، ونظرة واحدة إلى تطور الكتب الفقهية من زمن كبار الأئمة المجتهدين ترينا مبلغ الرقي المتزايد والنمو المُطَّرد الذي وصل إليه طالما كان يجلس مع القضاة على كراسي القضاء، ويقعد مع المفتين في المجامع والمساجد.

النظرية:
ونظرية التعسف في استعمال الحق تسميتها بهذا الاسم منقولة عن رجال الحقوق الغربيين؛ ولكنَّ هذه النَّظرية عرفها الإسلام منذ أرسل الله رسوله وأنزل عليه قرآنه واعتنقه الناس دينًا، وطبَّقوه في قضاياهم، وسائر علاقاتهم شريعة محكمة، بيَّن الحق كما بيَّن مصادره وأنواعَ التعدي عليه مباشرة وتسببًا وعمدًا وخطأً، وعن طريق التَّحايل والذَّريعة، فلم يترك قانونه قضية من غير حكم.

ولكن الذين يقرؤون لرجال القانون من الغرب، ولا يقرؤون الفقه الإسلامي دأبوا على أن يُعْجَبوا بكل ما نقلوه عن الغرب على حين يتَّهِمُون الفِقْهَ بقِصَرِ نظرياته، وجُمود أحكامه.

معنى التعسُّف في استعمال الحق:
قسم علماء الشريعة الحقوق إلى ما هو حق العامَّة، وضابطه ما يتعلق به النفع العام للمجتمع من غير اختصاص بأحد؛ كالانتفاع بالطريق العام، والأنهار العامة، والمساجد، وهذا يثبت للناس جميعًا حق الانتفاع به والدفاع عنه، الثاني: الحق الخاص، وهو ما تتعلَّق به مصلحة خاصَّة للفرد؛ كحقِّه في ملكه، أو في ولايته على ولده، وميَّزوا بين الحقَّين: بأنَّ الأول: لا يمكن تمليكه ولا إسقاطُه، والثاني: يمكن تمليكه وإسقاطه.

وما دام التَّعسُّف في استعمال الحق شاملاً للقسمين يمكن إدماجهما في تعريف واحد نستخلصه من الاستعمالات المختلفة للفقهاء، وهو ما يثبت للإنسان استيفاؤه؛ سواء أكان عامَّا أو خاصَّا، وسواء أكان حقَّا متعلقًا بالمال؛ كحق الملك في الأعيان، وحق الانتفاع بالعين المستأجرة أو المستعارة، وحق الحبس في المرهون، أم كان حقًّا غير مالي؛ كحق الولاية للشخص على أولاده، وحق الزَّوجية ومنه حق الطَّاعة لولي الأمر، وحق الشُّورى للأفراد الذين يتأهلون لذلك وغيرهما من الحقوق السياسية.

ولا يأبى الفقه الإسلامي تقسيم فقهاء القانون له إلى شخصي وعيني، فالأول: دين أو عمل أو امتناع عن عمل لشخص على آخر؛ كالثمن المؤجل، ومنفعة الأجير، والامتناع عن الانتفاع بالمرهون أو الوديعة، والحق العيني هو علاقة اختصاص لشخص على شيء في مواجهة الناس جميعًا؛ كحقِّ الملك، وحقِّ التَّصرُّف في المَملوك، وحقِّ الارتفاق بالشرب، والطريق، ووضع الجذوع على حائِطِ الجار.

وأسباب اكتساب هذه الحقوق إمَّا اختياريَّة، وإمَّا جَبْرِيَّة، فالأولى: العقد، والعلم النافع؛ كالفضالة، ومنها ما إذا أنفق على اللقيط بغَيْرِ إذْنِ القاضي عند المالكيَّة، والعمل الضَّار؛ كارتكاب الجرائم، والامتناع الضار.
والسَّبب الجَبْرِي أمران: الأوَّل: أوامر الشارع؛ كالإنفاق على الأولاد، والضرائب من العشر، والخراج، والزكاة، والثاني: هو الإرث.

معنى التَّعسف:
التَّعسُّف في استعمال الحقِّ تعبيرٌ واردٌ إلينا عن الحقوقِيِّين الغربيين، فيجمل بنا أن نعرفه بما أرادوا منه، ثم نتكلَّم عمَّا يقابله في الفقه الإسلامي.
فالتَّعسف في استعمال الحق عندهم هو: استعمال الحق على وجه غير مشروع، فالمفروض أن الحق أمر مشروع ومباح الاستخدام؛ ولكن الذي استعمله نحا في ذلك نحوًا غير مشروع؛ كما سيتبين هذا فيما بعد.

وفرق بين التَّعسف وبين الفعل الضار أو الامتناع الضار؛ لأن الأخيرين أمر غير مشروع، أي ممنوع ومحرم من أول الأمر.
أما التعسف فهو استعمال الحق المشروع على وجه غير مشروع.

أحوال التعسف في القوانين الحديثة:
ذكرت التَّقنينات الحديثة ثلاثة أحوال للتَّعسف في استعمال الحق هي:
الأول: أن يأتي الإنسان بعمل مشروع، ويقصد به الإضرار بالغير من غير أن تكون له مصلحة فيه.
الثاني: أن يأتي بعمل مشروع للحصول على مصلحة ضئيلة له، لا تتناسب مع الضرر العظيم الذي لحق الغير من جراء هذا العمل.
الثالث أن يأتي بعمل مشروع يقصد به تحقيق مصلحة غير مشروعة، وقد نص على هذا القانون المصري في المادة 4، 5؛ والقانون السوري 5، 6.

النظرية والفقه الإسلامي:
هذه النَّظرية مسطورة في صميم الفقه الإسلامي وبارزة في آيات الكتاب وأحاديث السنة بأوسع من معناها في القانون، وهي من المبادئ الكبرى التي حفظت بها الحقوق منذ كان الإسلام.

الأدلة عليها إجمالاً:
الأدلة عليها من القرآن والسنة:
الدليل الأول: قول الله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231].
سبب نزول هذه الآية كما أخرج ابن جرير وابن المنذر، أنَّ رجلاً من الأنصار يدعى ثابت بن يسار طلَّق زوجته حتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُها إلا يومين أو ثلاثًا راجَعَها ثُمَّ طلَّقها، فعل ذلك بِها حتَّى مَضَتْ لَها تسعةُ أشْهُرٍ يُضارُّها، فأنزل الله تعالى الآية.

يعني - والله أعلم - إذا طلَّقْتُمُ النِّساء فقارَبْنَ انْقِضاءَ عِدَّتِهن فأمسكوهن بالرجعة؛ بما هو متعارف في الشرع من حسن العشرة، أوِ اتْرُكوهُنَّ حتَّى تنقضي عدتهن، ولا تُراجِعُوهُنَّ مُضارِّين لَهُنَّ بِهذه الرجعة، فيتحقق بذلك عدوانكم عليهن.
وجه دلالة الآية أن الإمساك حق للزوج، وقد ندب الله تعالى إلى استعماله على نحو مشروع وهو الإمساك مع المعاشرة الحسنة، ونهى عن استعماله على نحو غير مشروع، وهو استعماله على وجه المضارة على النَّحو الذي فعله ثابت بن يسار، وهذا بعينه هو إساءة استعمال الحق؛ لأنَّهُ اسْتِعمالُ حقِّ الإمساك: على وجْهٍ غَيْرِ مَشروع.

الدليل الثاني: قال الله تعالى بعد بيان نصيب الإخوة لأم من الميراث: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: 12].
يعني - والله أعلم - لكل من الإخوة لأم نصيبه بعد أداء دين المورث، وإخراج وصيته، على أن يكون المورث قد أقر بالدين، وأوصى من غير ضرار بورثته، بأن يكون الدين صحيحًا، والوصيَّة لا ضرار فيها.

وجه الدلالة أنَّ الوصية حق للمورث، وله استعماله على وجه مشروع بأن يكون فيه بر بالورثة، ولا يجوز استعماله على وجه غير مشروع بأن يكون إضرارًا بالورثة؛ كأن يوصي بأكثر من الثلث، أو يوصي لأحد الورثة، فالوصية مع الإضرار هي بعينها إساءة استعمال الحق.
الدليل الثالث: ما أخرج أحمد بسنده إلى عبدالله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لعن الله المحلِّل والمحلَّل له))، وما رُوِيَ عن الأوزاعي عنه - صلى الله عليه وسلم - ((يأتي على النَّاس زمان يستحلون الربا بالبيع)).

وما أخرج البخاري عن النُّعمان بن بشير أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مثل القائم في حدود الله والواقع فيها؛ كمثل قومٍ استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا، ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا)).

وجه الدلالة من هذه الأحاديث: أنَّ الزواج والبيع عمل مشروع والزواج لأجل التَّحليل والبيع لأجل الربا عمل غير مشروع، فلما قصد بالمشروع غير المشروع نهى عنه الشارع، وحكم بفساده؛ لأنه تعاون على الإثم، وقد قال تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، ووجه الدلالة من الحديث الثالث أن الذين في أسفل السفينة يستعملون نصيبهم وحقهم؛ لكن لما أرادوا أن يستعملوه على وجه غير مشروع؛ لأنه يضر الجماعة ضررًا عظيمًا لا يتكافأ مع مصلحة شربهم، وترك إيذاء الفريق الأعلى، اعتبره الشارع منكرًا يجب أن يمنعوا عنه، إلى غير ذلك من أدلة يأتي بعضها إن شاء الله.

اشتراكية الحق في الإسلام:
الحقوق الشخصية والعينية ليست مختصة بأصحابها في الإسلام اختصاصًا مطلقًا، وليسوا مستبدِّين في التَّمتُّع بِمزاياها استِبْدادًا عمَّا قد يتبادَرُ من وصْفِها بِالحُقوق الخاصَّة.
بل الواقع أنَّ للجماعة حقًّا عامًّا مشتركًا بينهم، وذلك من ناحيَتَيْنِ:

الأولى: أنَّ تصرُّف الشَّخص فيها مشروعٌ بشَرْط سلامة الجَماعة من ضررٍ يَنْشَأُ عن استعمال هذا الحق؛ كما يشير إلى ذلك حديث الواقع في حدود الله؛ ولهذا أذن للجماعة في منعه عنِ اسْتِعماله للحقِّ استِعْمالاً ضارًّا بِهم، فصاحِبُ الحقِّ يَجِبُ أن ينظُرَ إلى النَّتائِجِ النَّاجِمَة عنِ اسْتِعْمالِه إنْ قَصَدَ الضَّرَرَ، أو ترك الاحتراس، أو أراد تحقيق مصلحة لا تتكافأ مع ضرر الغير أو مصلحة غير مشروعة.

الناحية الثانية: أن الحق كما جعل الله فيه مصلحة فردية لصاحبه، جعل فيه مصلحة اجتماعيَّة لصالح الجماعة؛ لأنه من ثروة الأمَّة التي تعتمد عليها، ولهذا نهى الشخصَ عن إتلاف ماله؛ لأنه إن لم يصبه هو بالخسارة أصاب الجماعة، ولأن الله جعل فيه نصيبًا معلومًا للجماعة كما في الزكاة والعشر والخراج، ويدل على هذا النَّهْي عن الاحتكار والنهي عن رفع الأسعار وحق الجماعة في بيع المال المحتاج إليه على صاحبه عند الغلاء الشديد أو المجاعة.
ويشير إلى هذا الأصل العظيم قول الله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5]، وبهذا تبيَّن أنَّ الحقَّ الخاصَّ فيه جهة عموم نظرًا للوظيفة الاجتماعية التي رتَّبها الشَّارع من النَّاحيَتَيْنِ السَّابقَتَيْنِ.
ولهذا المبدأ ارتباطٌ وثيقٌ بنظريَّة التَّعسُّف في استعمال الحقِّ، من جِهَةِ أنَّ صاحبَهُ يجب أن يشعر بأن لغيره فيه نصيبًا لا يصح الاعتداء عليه.

تفصيل الكلام على التعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي:
تعريفه:
تبين من دراساتنا لأحكام التَّصرُّفات، وما يعتبر منها مُخالفة، وما لا يعتبر أنَّه يُمكن تعريفه بِما يأتي: هو تصرُّف الإنسان في حقِّه تصرُّفًا غيرَ مُعتاد شرعًا.
ولشرح هذا نقول: الأصل الفقهي العام في المسؤولية إذا تصرَّف الإنسان في حقه.
قرَّر الفقهاء كما في الفقه الحنفي وغيره، أن للإنسان أن يتصرف في ملكه تصرفًا معتادًا ولا يسأل عما يترتب عليه من ضررٍ حينئذٍ، وإنما يسأل عن الضرر إذا كان التَّصرف في ملكه غير معتاد.

ويقصدون بالملك ها هنا الحقَّ؛ بدليل أنَّهم ذكروا من فروع هذا الأصل ما لو سقى أرضه من الأنهار العظام التي ليست مملوكة للأفراد؛ كالنيل، والفرات، أو ساق منها نهيرًا إلى أرضه، قالوا: يجوز ذلك إلاَّ إذا أضرَّ بالعامَّة.

تفريع:
وفرَّعُوا على هذا الأصل أُمُورًا منها ما إذا سقى زرعه فنزت أرض جاره، وتلف بذلك زرع أو بناء إن سقاها سقيًا معتادًا بأن سقاها قدر ما تحتمله عادة لم يضمن وإن سقاها قدرًا لا تحتمله ضمن.

ومنها ما إذا أحرق حصائِدَهُ في أرضٍ مَملوكة أو مستأجرة، فاحترق بذلك شيء لجاره لم يضمن لأنه تصرف في حقه تصرفًا معتادًا، وإن كانت الرياح مضطربة عند الإحراق فأحرقت شيئًا لغيره ضمن، لأنَّه يَعْلَمُ أنَّ النَّار لا تستقرُّ فكان مستعملاً لِحقِّه استعمالاً غير معتاد؛ أي فكان متعديًا.
ومن هذا يتبيَّن حُكْمُ الفِقْهِ فيما لو حَفَرَ بئرًا في مِلْكِه فغاض الماءُ من بئر جاره، أو أدار آلةً إدارةً مُعتادة فتأذَّى السُّكَّان بضوضائها، وهو أنه لا يضمن الضرر؛ لأنه تصرف معتاد.

وحُكْمُ هذا الأصلِ يسري على مَنْ قامَ بِعَمَلٍ لغيره بناءً على عقد أو إذن كالطبيب والقاضي ومنفذ الأحكام؛ إذا سلك الطريق المعتاد في عمله فتخلف عن ذلك ضرر: لا يضمن وإن جاوزه ضمِن، ولهذا قالوا: إن الختان والفصاد إذا هلك الغلام والمريض بجرحهما المعتاد لا يضمنان[1]، وإن جاوزاه ضمنًا، وكذلك القاضي إذا ظهر أنه حكم بغير الحق، والمنفذ للعقوبة كالسجان والجلاد إذا تخلَّف عن قيامه بعمله المعتاد ضرر، ويشير إلى هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما أنا بشر مثلكم، وإنكم تختصمون إلي، ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من بعض؛ فأقضي له على نحو مما أسمع، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه)) الحديث، حيث لم يعتبر خطأ القاضي تعدِّيًا بعد ما تحرى في عمله وجه الصواب.
وتصرف الإنسان في حقه تصرفًا غير معتاد هو جماع مسائل التعسف في استعمال الحق.

أصول مسائل الإساءة في استعمال الحق
ويمكن حصر أصول مسائل التعسف في استعمال الحق بالاستقراء في أربعة:
الأصل الأول:
ما إذا استعمل حقَّهُ لا يقصد من ذلك إلا الإضرار بغيره، وليست له مصلحة فيه، وذلك كمن يدعي على آخر جريمة أو عملاً غير لائق، لا يقصد بذلك إلا الإضرار به، هذه الدعوى لا تسمع، ويعزر المدعي إذا ثبت ذلك بالقرائن، وفي فقه المالكية - كما في "التبصرة" - لو ادعى الصعاليك على أهل الفضل دعاوى باطلة، وليس غرضهم من هذا إلا أن يشهروا بهم ويوقفوهم أمام القضاء للإيلام والامتهان لا تسمع الدعوى ويؤدَّب المدعي.
ومن ذلك ما إذا أراد الزوج أن يسافر بزوجه إلى بلد بعيد، وهو غير مأمون عليها، لا يريد بذلك إلا الإضرار بها وإيذاءها أو سلب مالها، فيقضى بمنعه من السفر بها للإضرار، وقد قال تعالى: {وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} يعنِي: لا تضاروا المعتدَّات في السكنى؛ فالزوجات أولى ألا تضاروهن، والأصل في مسائل هذا الباب تحريم إمساك المعتدة بقصد الإضرار بها، وتحريم وصية الضرار وبطلانها، وتحريم طلاق المريض ليفر به من ميراث زوجته؛ فتقاس سائر مسائله عليهما لاتحاد العلة، وهي قصد الإضرار.

الأصل الثاني:
أن يستعمل الإنسان حقًّا يقصد به تحقيق مصلحة له فتترتب عليه مفاسد وأضرار لاحقة بالغير، وهي أعظم من هذه المصلحة أو مساوية[2] لها، وذلك كاحتكار ما يحتاج إليه الناس في أوقات الغلاء أو القحط يقصد به البيع بثمن مرتفع، فإن المحتكر يريد من ذلك مصلحة الربح الكبير؛ لكن يترتب على هذا ضرر عظيم يلحق الجماعة، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: ((الجالب مرزوق والمحتكر ملعون))، ومن هنا يمنع من الاحتكار ويباع عليه ما احتكره بثمن المثل إن امتنع من البيع.

ومن ذلك إغلاء التجار السعر على الناس بحيث يصل إلى ضعف قيمة السلع، فإن تقدير البائع لثمن مبيعه حق له، ولكن استعماله على هذا النحو، وإن حقق مصلحة له، فقد نشأت عنه مفاسد عظيمة بالجماعة، ولذلك قال الحنفية والمالكية: إذا عجز ولي الأمر عن رد التجار إلى الأسعار العادية بكُلِّ الوسائل أزال هذا الضرر بالتسعير بمشورة أهل الخبرة، وقد ثبت هذا بالمصلحة المرسلة لدفع الضرر عن الجماعة، وقال الشافعية وبعض الحنابلة بمنع التسعير واستدلوا بما روي أنه قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ألا تسعر لنا؟ فقال: ((إن الله هو المسعر القابض الباسط))، وأجاب القائلون بالتَّسعير بأن الحديث كان فتوى في واقعة خاصة بسبب خاص، فلا تدل على عموم الحكم، فإن امتنع التاجر من البيع بالسعر المحدد بيع عليه كما يباع المال على المدين وفاء للدين.

ومنه تلقي التاجر للوافدين إلى السوق من أهل الريف والبادية، وشراء ما جلبوه بالثمن الرخيص لبيعه لأهل المدينة غاليًا؛ حيث يضر ذلك بأهل المدينة وبالوافدين، وقد نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ولا تلقوا الركبان للبيع)).
ومنه بيع السلاح في أيام الفتنة، أو لقطاع الطريق، وبيع العصير ممن يتخذه خمرًا، وبيع الحاضر للبادي، حيث قال الإمام أحمد ببطلان هذه العقود لرجحان المفسدة.
والمسائل المنصوص على حكمها مِمَّا قدمنا أصل في هذا النوع، فيثبت الحكم لنظائرها بالقياس، وإن شئت أثبته بالمصلحة إن تعذر القياس.

الأصل الثالث:
أن يستعمل حقه المشروع عقدًا أو غيره يقصد به تحقيق غرض غير مشروع مغاير للغرض الذي وضعه له الشارع.
وهذا كالبيع الذي يقصد به الربا، ومن هنا نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع وسلف؛ لأنه يؤدي إلى الربا كأن يبيع سوارًا يساوي أربعمائة بخمسمائة على أن يقرضه البائع أربعمائة، فإن هذا العقد يؤول إلى ربا النسيئة، وهو أخذ تسعمائة ليردها ألفًا.

وكبيع العينة لأنه يؤدي إلى الربا أيضًا، وهو شراء ما باع بثمن أقل من الثمن الذي باع به قبل قبض الثمن، حيث تكون زيادة الثمن المؤجل ربا.
ومنه زواج التحليل فإن الزواج موضوع للعشرة الدائمة وتكوين الأسرة، وقصد به عمل مؤقت مذموم عند الله، وقد تقدم تحريمه بالحديث الكريم.
ومنه البيع الذي قصد به إسقاط الشفعة، وهبة المال التي قصد بها الواهب إسقاط فريضة الزكاة أو الحج، فما ثبت بالنَّصِّ في هذا الباب يعتبر أصلاً وغيره يقاس عليه[3].

هذه الأنواع الثلاثة مبنيَّة على قاعدة سدِّ الذَّرائع، وزيادة على ما تقدم من الأدلة نذكر أنَّ الأنواع السابقة للتعسف في استعمال الحق مبنية على أصل عظيم من أصول الشريعة، وهو سد ذرائع الفساد.
وضابطُها أنَّ الشَّارع إذا حرم شيئًا حرَّم وسائِلَهُ المُفْضِية إليه، وهذا يتحقَّق فيما إذا أفضَت الوسيلة إلى ضرَرٍ مَقصودٍ أو إلى مَصلَحةٍ معها مفسدةٌ تُساوِيها، أو تترجَّحُ عليْها، أو إلى غرض حرَّمه الشارع كالربا والزنا، وبالجملة: إذا أفضت إلى إسقاط الواجبات وإحلال المحرمات.

وهذا الأصل تثبته أدلة كثير في الشريعة؛ منها قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]، فإنَّ مفسدةَ سبِّهم للإله الحقِّ أعظم من مصلحة سبِّ الأصنام المباح، فمنع السب المباح لذلك، ومنها قوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31]، حيثُ حرَّم الضرب المباح لما فيه من إثارة الميول الخسيسة، ومنها تَحريم البيع عند نداء الجمعة؛ لأنَّ مفسدة الانشغال عن الصلاة أعظم من مصلحة البيع، ومنها تَحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها؛ لأن مفسدة قطيعة الرحم أعظم من مصلحة الزواج، ومنها امتناعُه - صلى الله عليه وسلم - من قتل المنافقين حيث علل ذلك بقوله: ((لا يتحدث الناس أنَّ مُحمَّدًا يقتل أصحابه))؛ لأن مفسدة تنفير الناس من الإسلام ونبي الإسلام أعظم من مصلحة القتل.

وقد أطلنا بعض الشيء في ذكر الأدلة؛ ليظهر ظهور النهار أنَّ ما يخاله الناس قواعد قانونية مبتكرة لأهل الغرب هو من ضروريات الشريعة المحكمة.
وهذه الأنواع كذلك مبنيَّة على أصل آخر وهو أن الحيل التي تؤدي إلى إسقاط واجب؛ أو إحلال محرم تقع باطلة.
تدل عليه كثرة من الأدلَّة منها قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لعن الله اليهود: إن الله لما حرم عليهم شحوم الميتة جملوها - أي أذابوها - فباعوها وأكلوا ثمنها))[4].

الأصل الرابع:
أن يستعمل الإنسان حقه لكن دون احتراس وتثبت فيما يمكن فيه الاحتراس، فيفضي هذا إلى الإضرار بالغير.
وذلك كما إذا أراد أن يصيد طيرًا فطاش سهمه وأصاب إنسانًا أو حيوانًا بضرر، فإن الصيد حق مباح، ولكنه لم يحترس في استعماله له، ولم يتثبت فأدى إلى ضرر الغير، وهو المعروف بالخطأ في الفعل، وكما إذا ضرب دابة غيره يظن أنها دابته فأعطبها، أو قطف ثمر غيره يظن أنها ثمره، وهو المعروف بالخطأ في القصد، وهذا تعسف في استعمال الحق لانطباق تعريفه عليه.

وحكمه ضمان هذا الضرر إنسانًا أو حيوانًا؛ لأن القرآن يدل على تضمين المخطئ كما في قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92].
ومن ذلك سائق السيارة إذا صدمت إنسانًا فقتلته أو مالاً فأتلفته؛ لأنه استعمل حقه في قيادتها لكنه لم يحترس، ومن ذلك ما لو استعمل في الدفاع الشرعي سلاحًا لا تدعو إليه ضرورة الدفاع فأدَّى إلى ضَرَرٍ فإنَّه يضمنه، وفي "الدر" لابن عابدين[5]: المرأة إذا أريدت بسوء، والزوج إذا وجد رجلا مع امرأته، وأمكن الدفع بالصياح أو بالضرب بما دون السلاح فاستعمل السلاح ضمن الضرر المترتب عليه.

لكن محل ضمان الضرر في هذا الأصل إذا أمكن الاحتراس عنه عادة، أما إذا لم يمكن فلا ضمان كالطبيب إذا أجرى جراحة على النحو المعتاد بين الأطباء فتلف بها إنسان، وذلك لاختلاف طبائع الناس واحتمالهم للجراحات.
أما إذا أمكن الاحتراس فإنه يكون مقصرًا؛ كالحمال إذا زلقت رجله فأتلف ما يحمله، والكواء إذا أحرق الثوب الذي يكويه[6].

وقاعدة الحنفية في هذه المسألة أن الإنسان إذا أتى بمباح فترتب عليه ضرر بالغير ضمن؛ لأن استعمال المباح مشروط بالسلامة، والضرر دليل عدم الاحتراس، وذلك كالمرور في الطريق وضرب الزوجة لترك الطاعة، وإن فعل واجبًا عليه فترتب عليه ضرر لا يضمن كمنفذ الأحكام والفصاد الذي يعمل بالأجرة؛ لأنه مسلط على ذلك إلا إذا تجاوز ما أمر به أو أمكن الاحتراس عن الضرر فحينئذ يضمن، وقال الشافعي: يضمن في تنفيذ الأحكام ومن الزيلعي (جـ 3 ص 211) وابن عابدين في الإجارة.

وقد يبدو غريبًا ذكر الأصل الرابع في أنواع التعسف، ولكننا رأينا هذا لأنه ينطبق عليه تعريفه، وإلا فالكل في نظر الفقه من باب التعدي على سبيل التسبب.

التعسف في استعمال السلطة:
رجال السلطة التنفيذية يتصرفون بالوكالة عن ولي الأمر في حدود الأحكام المشروعة، لذلك لا يجوز لهم أن يفعلوا ما يخالف الشريعة، ولا أن يفعلوا ما لم يفوضوا فيه، فإن فعلوا شيئًا من هذين اعتبر ذلك إساءة في استعمال حُقوقِهِم، وترتَّب عليه إزالة ما لزمه من الضرر فإذا اغتصبوا مال الأفراد وضمُّوه إلى ملك الدولة أو حصَّلُوا ضرائب ظالمة لبيت المال ردت إلى أصحابها وإذا عاقبوا أحدًا بغَيْرِ جريمةٍ أدبوا، ما لم يكن ترتب الضرر عن اجتهاد كاجتهاد القاضي، وفي ذلك يقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "إذا رأيتم في اعوجاجًا فقوموني"، وكان - رضي الله عنه - يرسل المفتشين إلى الولايات لمراقبة عماله، وصح عنه أنه عزل سعد بن أبي وقاص لما شكاه أهل الكوفة؛ ومن أجل ذلك أنشئتْ مَحاكم المظالم في خلافة عبدالملك بن مروان لإنصاف أفراد الشعب من ظلم الحاكمين[7].

ولهذا نرى أن تقنين العقوبات في البلاد الإسلامية هو احتياط لدرء مفاسد التعسف في استعمال الحق الذي قد يقع من القضاة؛ لأن العقوبات على الجرائم فيما عدا الحدود والقصاص كلها راجعة إلى التعزير، والعقوبات التعزيرية متفاوتة كما أن الجرائم متفاوتة، فالقاضي ما لم يكن خبيرًا بأحوال الناس وما يصلحهم، متشبِّعًا بالعدالة، بعيدًا عن الأغراض والغايات، كثيرًا ما يقع منه الشطط في تقدير الجريمة وتحديد العقوبة، فكان التقنين هو الضمان الصحيح للعدل بين الناس، وقد اتخذت الوسائل قديمًا للمنع من التَّعسُّف كالحجر على الطبيب الجاهل والمفتي الذي يفتي الناس بالحيل الباطلة وكالحجر على المديان[8].

التَّكييف الفِقْهِي للتَّعَسُّف في استعمال الحق:
عرفنا أن أنواع التعسف أربعة، وأن الثلاثة الأولى منها مبنية على قاعدة سد الذرائع التي تقول: إن المشروع إذا أدى إلى محظور كان محظورًا، أو المباح إذا أدى إلى حرام كان حرامًا.
والرابع كذلك استعمال محظور لما جاوره من عدم الاحتراس.

وبناء عليه يكون المتعسف في استعمال الحق قد تسبَّبَ في أمر مَحظورٍ، فيُعْتَبَرُ مُتَعَدِّيًا بطريق التسبب؛ لتقصيره عند استعمال حقه، بقصد الضرر أو بالسعي في حصول مفاسد غالبة أو في تحقيق أغراض غير مشروعة أو لعدم الاحتراس، فيكون مسئولاً عن هذا التقصير وترتب عليه حكم مرتكب المحظور، وهو في كل شيء بحسبه كما يأتي، فلا فرق في حكم الشريعة بين من يأتي بما هو محظور من أول الأمر؛ كالضرب والغصب، ومن يأتي بمشروع أدى إلى محظور نتيجة التقصير، كل تتعلق به مسئولية المخالفة.
وبِهذا يتبيَّن أنَّ التَّعسُّفَ في استعمال الحقِّ في حكم الفِقْهِ هو من الفعل الضارِّ أو الامتناع الضَّارِّ أو العقد المحرم[9].


الأحكام المترتبة على التعسف:
وحكم التعسف إما التعويض إذا أدى إلى إتلاف مال أو نفس كمن حفر في ملكه بجوار حائط جاره فانهدمت، وإما الإبطال إذا كان في التعاقد كوصية الضرار وبيع العينة، وإما رفع الضرر؛ كبناء المالك ملاصقًا لجاره فسدَّ عليه نوافذ الضوء والهواء، وكجباية ضرائب ظالمة ومنع المحتكر، وإما التعزير؛ كما في دعاوى التشهير، وإما المنع من ممارسة الحق المتعسف في استعماله؛ كما في منع الزوج من السفر بزوجه إذا قصد به إيذاءها، والحجر على المديان، والمفتي المحتال على المحرمات، والطبيب الجاهل.

وفاء النظرية في الفقه الإسلامي ووضوحها:
لعلنا تبيَّنا من العرض السابق أن هذه النظرية غدت مستوعبة لجميع حالات التعسف، واضحة المعالم لبنائها على أصول مضبوطة لا اضطراب فيها، فإن مبنى الأصل الأول وهو قصد الضرر، وإن كان أمرًا شخصيًّا لكن يمكن كشفه بالقرائن الظاهرة، والأصل الثاني مبني على مقياس مادي، وهو الموازنة بين المصلحة والمفسدة، والأصل الثالث معياره معرفة النظم الإسلامية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فكل عمل مأذون فيه يراد به تحقيق غرض يخالف هذه الأنظمة يعتبر من التعسف كمن أهدى ويريد الرشوة أو اشترى ويريد الربا أو تطوع للجندية ويريد التجسس على أنظمة الجيش، والأصل الرابع مبني على عدم الاحتراس من الضرر وهو واضح يكاد يدل على نفسه.

أما القوانين الأجنبية التي يقال عنها: إنها تقدمية وافية، فإنها لم تعرف هذه النظرية إلا في هذا العصر، ومع هذا فهي فيها ناقصة وغامضة، فالقانون السويسري يبنيها على سوء النية وكفى، والقانون الروسي يبنيها على مخالفة الأغراض الاجتماعية والاقتصادية لا غير.
ولهذا أحسن واضعو القانونين: المصري، والسوري في استمدادها من الفقه الإسلامي[10] لأنهم وجدوها فيه تَجمع بين الوضوح والوفاء بخلاف القانون اللبناني؛ فإن جسران الفرنسي - واضع هذا القانون - استمدَّها من القوانين الغربية[11]؛ ولهذا جاءت فيه ناقصة.

ملاحظة:
لكن يلاحظ على القانونين المصري والسوري أنهما قصرا أحوال التعسف على الثلاثة الأولى، وتركا حالة التعسف بسبب عدم الاحتراس مع أنَّ معنى التعسف فيها أوضح.

إثبات التعسف في استعمال الحق أمام القضاء:
يثبت التعسف أمام القضاء بجميع الطرق المثبتة للحق غير أن تكييفه يتوقف إلى حد كبير على الظروف المحيطة بالقضية، وعلى عرف الجماعات؛ فقد يكون استعمال الحق تعسفًا في بيئة دون أخرى، وضررًا في حال دون حال، وذلك كرفع صوت المذياع إذا كان في السوق العامة أو في الأحياء الآهلة بالسكان وبين سكان البادية أو الحاضرة.

ولما كان سوء النية والتحايل لتحصيل المفاسد والأضرار هما أكثر أسباب التعسف وجب على القاضي أن تكون له خبرة واسعة بقرائن الأحوال وفقه نافذ بأحوال الناس الاجتماعية؛ ليجمع منها أدلة قصد الإضرار ويكتشف التحايل باستعمال المباحات على الوصول إلى المحرمات والأغراض غير المشروعة، نعم، هناك حالات نصب الشارع عليها علامات ظاهرة؛ كالطلاق في مرض الموت لأجل الفرار من ميراث الزوجة ووصية الضرار.

بعض تطبيقات لمبدأ الإساءة في استعمال الحق:
1 – حق الوكيل في عزل نفسه:
الوكالة من العقود غير اللازمة؛ فلكل من الوكيل والموكل حق العزل.
وبناء على هذا قد يستعمل الوكيل حقه، فيفاجئ الموكل بعزل نفسه في وقت يعجز عن القيام بما وكل فيه أو عن التوكيل به؛ كالمرافعة في قضية قرب موعد نظرها، وهي محتاجة إلى دراسة واسعة وكالقيام بعمل ضروري عاجل والموكل غائب.

وهذا في نظر الفقه تعسف في استعمال الحق؛ لأنه إضرار عظيم بالموكل بقصد أو بغير قصد، وقد رأينا أبا حنيفة يشترط في عزل أحد الطرفين علم الطرف الآخر منعًا من الإضرار لجواز أن يكون الوكيل تصرف لصالح الموكل تصرفات فيها تبعات مالية ولجواز أن ن تكون هناك أعمال في تركها تغرير بالموكل وإضرار به.
وبناء على هذا فقواعد مذهبه تقضي ببقاء الوكالة وإلزام الوكيل بإنجاز ما وكل فيه دفعًا للضرر وتأديبه إن فرط، وعلى أن الوكيل بالأجر ليس له أن يعزل نفسه قبل إنهاء ما وكل به[12] عما في السمسار فإنَّه وكيل يعمل بالأجر[13].

2 – حق الخطيب في فسخ الخطبة:
الخطبة وعد بالزواج وإخلاف الوعد بعذر مشروع، وعلى هذا ففسخ الخطبة بسبب جائز؛ كالمرض المعدي أو المانع له من المعاشرة الزوجية، وعجز الزوج عن دفع المهر، والخلاف المستحكم بين الخطيبين أو أسرتيهما، وإن كان الفسخ من غير سبب كان إخلافًا للوعد من غير عذر بل كان إخلافًا ضارًّا؛ لأن الناس عادة يعلمون بالخطبة ويركنون إليها فينصرف عن الخطبة من يفكر في الزواج منها، فإذا فَسَخَ الخطيب من غير سبب فقد فوَّت عليها فُرَصَ الزَّواج التي كانت سانحة، ونشر حولها الشائعات في أسباب الرفض، الأمر الذي تثور له النفوس وترتكب بسببه الجرائم، ولاسيما في هذا الزمن الذي فسدت فيه الأخلاق وكثرت الظنون السيئة فتتعطل بذلك مصلحتها الأساسية التي أعدها الله لها.
وإخلاف الوعد إذا ترتب عليه أمثال هذه المفاسد كان منكرًا يجب تغييره ومعصية يستحق فاعلها التعزير عليها.

تكييف الفسخ بلا سبب:
وعليه فللقاضي أن يعاقب الفاسخ لا على مبدأ تعويض الضرر، بل على مبدأ التعزير على الإتيان بهذا المنكر وهو إخلاف الوعد المستتبع للمفاسد، والتلاعب بمصالح الناس وأعراضهم لأن التعزير ثابت على كل فعل أو قول فيه إيذاء للمسلم بغير حق زجرًا للناس عن ارتكاب المفاسد والمضار واستصلاحًا لهم لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن رأى منكم منكرًا فليغيره بيده))، وهو خطاب لأولياء الأمر، وهذا المبدأ إذا عمل به حمل الذين يريدون الخطبة على الإمعان في التروي قبل الإقدام عليها، وعلى أن يفرقوا بين العدول عن شراء سلعة تم الوعد بشرائها، وفسخ خطبة فتاة كريمة على نفسها وعلى قومها.

3 – حق الطلاق:
الطلاق أبغض الحلال إلى الله، لكنه مشروع عند الحاجة كعدم عفة الزوجة، بل قال بعض الفقهاء بوجوبه حينئذ، خشية أن تفسد فراشه وتدخل عليه من ليس من أولاده، ولئلا يقع تحت طائلة اللعنة الواردة في الديوث الذي لا يغار على حريمه.
ومن واضع الحاجة سوء خلقها في معاملة الزوج أو معاملة الناس، وتضرر الزوج بها في الحياة الزوجية العاطفية لمرض بها أو لعدم انسجام في الطباع، وتفريطها في حقوق الله، وهي لا تطيعه في أدائها حتى لا يعاشر امرأة عاصية، ومن الأسباب عقمها إذا لم يستطع أن يتزوج بأكثر من واحدة.

فإذا وقع الطلاق لغير حاجة كان مبغضًا إلى الله، ولا سيما إذا كانت الزوجة ذات أولاد منه أو كانت فقيرة، وقد رتَّبتْ حياتَها على العيش معه.
وعند هذا لا ننكر أن الزوج قد يسيء استعمال حقه فيه لما يترتب عليه من الإضرار بالزوجة.
هل يجوز المَنْع من إيقاعه إلاَّ بِإذن القاضي؟
وبعض الناس يريد أن يتَّخذ من مبدأ التعسف في استعمال الحق سبيلاً إلى المَنْع من إيقاعه إلا بإذن القاضي.

وعندنا أنَّ هذا خطأ؛ لأنَّ إثبات التَّعسف في الطلاق هو إثبات أنَّ الزوج أوقعه من غير حاجة مشروعة تدعو إلى إيقاعه، والقضاء لا يستطيع إثباته بطُرُقه المعروفة ومعاييره الصَّحيحة؛ لأنَّ الكثير من أسباب الرخصة في الطَّلاق التي شرحنا بعضها: خفي لا يستطيع المسلم ذكره لأنَّ الله تعالى يحب الستْر على عباده، وفتح هذا الباب قد يؤدي إلى المُصارحَة بأشياء هي من السرية والخطورة بحيث يضر الزَّوجة إعلانها؛ بل قد يضطر الزَّوج الذي لا خلاق له إلى انتحال أسباب كاذبة ضارَّة بالمرأة، ولا يستطيع القضاء الوقوف عليها، وماذا يفعل القاضي إذا قال الزوج: إني أكرهها، وإن أمسكتُها أمسكتها على بغض ومضارَّة.

الحقُّ أنَّ عقدة الزَّواج عاطفية بناها الله على المودَّة والألفة فمن الطَّبعي في الغالب ألا يترك الزَّوج زوجته التي أحبها وسكن إليها وأنفق في سبيلها، إلا لداع قد يستتبع المقام معه من المضار ما لا يعلمه إلا الله، ويشعر الزَّوج حأحعندئذٍ أنَّ بيتها جحيم لا يُطاق، والمعروف في الشريعة أن المرأة إذا كرهت زوجها كان لها أن تفتدي منه بمالها ليفارقها؛ كما قالت جميلة امرأة ثابت بن يسار لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إني أخاف الكفر في الإسلام لشدة بغضي إياه))، فماذا يكون الحال إذا اشتد بغضه لها، ومنعه القاضي من تطليقها؛ لأنه لم تقم لديه مبررات للطَّلاق؟ ولئن كان البُغض من المبررات عند القاضي فلكل واحد من الأزواج أن يدَّعيه.

وعليه فأقل حالات الطَّلاق عندئذٍ أن يكون ارتكابًا لأخف الضَّررين، والأحوال القليلة التي قد يفسد فيه تقدير الزَّوج، المجتمع مضطر إلى تحملها إذ لا سبيل إلا هذا.
والذي ينبغي لتلافيها هو إصلاح المجتمع، وإشاعة مبادئ الإسلام الصحيحة بين أهله بجميع الطُّرق الممكنة.

4 – حق تعدُّد الزَّوجات:
تعدد الزَّوجات مشروع قطعًا إلاَّ عند خوف الزَّوج أن يظلم من في عصمته، فعندئذ لا يكون حقًّا له، والظلم المانع هو الظلم في الإنفاق، أو في الإقامة عند الزَّوجة، أمَّا المحبة وميل القلوب فأمره إلى الله، وقد بيَّن سبحانه وتعالى أنَّه خارج عن استطاعة البشر، قال تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: 129]، والدَّليل على أنَّ العدل المشروط في الآية ليس هو المحبَّة التي أخبر الله عنها أنها غير مستطاعة قول النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم إنَّ هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك))، يعني ميل القلب.

والتَّعدد مشروع لحاجات اجتماعيَّة وعاطفيَّة لا يستطيع بنو الإنسان الاستغناء عنها، والذين منعوا التَّعدد بالقانون والقضاء وقعوا فيه من طريق السر والجريمة، وليس هنا بسط أسباب التَّعدد؛ وإنما إجمال ما نريد أن نقوله هنا أن الله العليم بأحوال عباده، وما يصلحهم شرعه لمصالح اجتماعية سامية، وأقلها عند المحافظة على العدل الواجب أنه ارتكاب لأخف الضَّررين، وهو المتعة من طريق حلال.

لهذا لا يمكن أن يثبت من طريق القضاء في حق التَّعدد تعسف في استعماله متى تحقَّق العدل الواجب.
نعم؛ قد يتعدَّى الناس فيفعلون ما ليس مشروعًا، وهو التَّزوج مع العجز عن تحقيق العدل، فإذا شاع ذلك بين الناس، ولم تكن لهم من ضمائرهم رقابة على أنفسهم في تنفيذ أوامر الدين، ساغ للقضاء أن يتدخَّل فيمنع من التَّعدد كل من يثبت بالأدلَّة أن حالته المالية لا يستطيع معها أن يَمون نساءه، أو يعدل بينهن.

التعسف في استعمال الحق

* مضمونه : لايجوز للشخص و هو يستعمل حقه أن يتعسف في استعماله

* أساسه : الفقه الإسلامي يري أن أساس مبدأ عدم التعسف في استعمال الحق أن الحق في ذاته منحة من الخالق فينبغي ان يقيد بالغاية التي منح من أجلها ، ويكون استعمال الحق غير مشروع كلما وقع خارج حدود هذه الغاية .

أما فقهاء القانون فيرون المبدأ حلقة وصل بين المذهب الفردي ( الذي يوسع من دائرة الحق ) و بين المذهب الاجتماعي ( الذي يضيق من دائرة الحق ) .

* معايير التعسف :

يعتبر صاحب الحق متعسفا في استعمال حقه كلما توافر في حقه معيارا من المعايير التالية :

1 – قصــــــــــــــــــــــد الإضـــــــــــــــــــــــــــرار :

معناه: و بموجب هذا المعيار يعتبر صاحب الحق متعسفا في استعماله كلما اتجهت نيته ( قصده ) إلى إلحاق الضرر بالغير من وراء استعمال الحق و لو كان صاحب الحق يجني مصلحة من وراء هذا الاستعمال .

و لا يشترط وقوع الضرر فعلا للقول بقيام حالة التعسف .

مثال : من يعلو بسور منزله ليس بقصد تحقيق الأمان و لكن لمجرد قصد حجب الهواء و الضوء عن ملك الجار و لو كان هذا الجار غير مقيم فعلا بالمنزل .

إثباته : يستدل علي وجود قصد الإضرار بالقرائن او الظروف التي تصاحب التصرف .

2 – رجـــــــحــــــــــان الـــضـــــــــــــــــــــــرر :

معناه : و بموجب هذا المعيار يعد الشخص متعسفا في استعمال الحق إذا كان يحقق من وراء استعمال الحق ضررا جسيما بالغير في مقابل منفعة تافهة يحققها لنفسه .


مثال : من يعلو بالمبني ليزيد من قيمته في سوق العقارات و لكن ترتب علي هذا حبس الهواء و الضوء عن ملك الجار .

3 – عدم مشروعية المصلحة :

معناه : يعد الشخص متعسفا في استمال حقه لو كان يقصد تحقيق مصلحة غير مشروعة .

مثال : كمن يستأجر شقة بغرض إدارتها للأعمال المنافية للآداب العامة .



* نطاق التعسف :

يشمل مبدأ عدم التعسف جميع أنواع الحقوق ، فهو مبدأ عام يستوجب من كل شخص أن يستعمل حقه استعمالا مشروعا .

* جزاء التعسف :

يلحق التعسف ضررا بالغير ، فيكون الجزاء الضمان ، و يشمل الضمان ما يحكم به القاضي من تعويض نقدي (مقسط أو معجل ) للمضرور أو تعويض عيني لجبر الضرر يتمثل في الأمر بإعادة الحال إلي ما كان عليه ( كهدم السور المرتفع بشكل تعسفي ) أو الأمر بأداء معين متصل بالعمل غير المشروع ( كالأمر بتغيير وضع مدخنة لتوجيه الدخان بعيدا عن الجار ) .
__________________

07 مايو 2011


رســـوم خدمــات نظافة- أحكام إدارية

رســـوم خدمــات نظافة :
المبدأ : شروط وقف تنفيذ القرار الإداري ـ الجدية والاستعجال :
ـ عدم دستورية فرض رسوم خدمات نظافة إضافية على المنازل والأنشطة التجارية والصناعية والطبية والسياحية والخدمية ـ بيان ذلك ـ فرض الرسوم لا يكون إلا بقوانين تجيز للجهة الإدارية فرضها , وأن يكون ذلك فى حدود إجازتها , وإلا كانت هذه القرارات باطلة دستورياً , وفقدت أساس الإلزام بها :

تطبيق : " من حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن ولاية محاكم مجلس الدولة فى وقف تنفيذ القرارات الإدارية مشتقة من ولايتها فى الإلغاء , وفرع منها , ومردها إلى الرقابة القانونية التى بسطها القضاء الإدارى على القرار , وعلى أساس وزنه بميزان القانون وزنا مناطه مبدأ المشروعية , إذ يتعين على القضاء الإدارى ألا يوقف قراراً إداريا إلا إذا تبين له ـ بحسب الظاهر من الأوراق , ودون مساس بأصل الحق ـ أن طلب وقف التنفيذ قد توافر فيه ركنان : أولهما : ركن الجدية : ويتمثل فى قيام القرار المطعون فيه ـ بحسب الظاهر من الأوراق ـ على أسباب جدية من حيث الواقع والقانون , تحمل على ترجيح الحكم بإلغائه عند نظر الموضوع والثانى : ركن الاستعجال : بأن يكون من شأن استمرار القرار وتنفيذه نتائج يتعذر تداركها فيما لو قضى بإلغائه .

ومن حيث إنه عن ركن الجدية فإن المادة (119) من الدستور تنص على أن : " إنشاء الضرائب العامة وتعديلها أو إلغاءها لا يكون إلا بقانون و لا يعفى أحد من أدائها إلا فى الأحوال المبينة فى القانون .

ولا يجوز تكليف أحــد أداء غير ذلك من الضرائب أو الرســـوم إلا فى حدود القانون " .

ومن حيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن الدستور مايز ـ بنص المادة (119) منه ـ بين الضريبة العامة وغيرها من الفرائض المالية , سواء من حيث أداة إنشاء كل منها أو من حيث مناطها : فالضريبة العامة فريضة مالية , تقتضيها الدولة جبراً من المكلفين بأدائها , إسهاماً من جهتهم فى الأعباء المالية , دون أن يقابلها نفع خاص يعود عليهم من وراء التحمل بها , فى حين أن مناط استحقاق الرسم قانونا أن يكون مقابل خدمة محددة بذلها الشخص العام لمن طلبها , كمقابل لتكلفتها , وإن لم يكن بمقدارها .

ومن حيث إنه بالبناء على ما تقدم , فإنه لما كان من المقرر أن الدستور لم يستلزم , لفرض الرسم , صدور قانون بتقريره , بل اكتفى بأن يكون فرض الرسم بناء على قانون , ومن ثم , فإنه يتعين أن تستند القرارات الإدارية بفرض الرسوم , إلى قوانين تجيز لها هذا الفرض , وأن يكون ذلك فى حدود إجازاتها , وإلا كانت هذه القرارات باطلة دستوريا , وفقدت أساس الإلزام بها .

ومن حيث إن المادة (12) من قانون الإدارة المحلية الصادر بالقانون رقم 43 لسنة 1979م ، المعدل بالقانون رقم 50 لسنة 1981م تنص على أن : " يتولى المجلس الشعبي للمحافظة في حدود السياسة العامة للدولة الرقابة على مختلف المرافق والأعمال التي تدخل في اختصاص المحافظة وفقاً للمادة (2) من هذا القانون … ويختص في إطار الخطة العامة والموازنة المعتمدة ، وبمراعاة القوانين واللوائح بما يأتي :

(1) ……………………. (2) …………………… (7) فرض الرسوم ذات الطابع المحلي ـ وفقاً لأحكام هذا القانون ـ أو تعديلها أو تقصير أجل سريانها أو الإعفاء منها أو إلغاؤها بعد موافقة مجلس الوزراء .

( ………………………………………….. ……………….. إلخ " .

ومن حيث إن مفاد النص المتقدم أن المشرع في قانون الإدارة المحلية ، المشار إليه ، ناط بالمجلس الشعبي للمحافظة سلطة الرقابة على المرافق و الأعمال المختلفة التي تدخل في اختصاص المحافظة , على أن يكون ذلك في إطار السياسة العامة للدولة ، واختص المشرع في القانون ذاته المجلس المذكور بجملة اختصاصات ، قيده في ممارستها بقيدين , الأول : أن تكون في إطار الخطة العامة والموازنة المعتمدة ، والثاني : أن يراعى في هذه الممارسة القوانين و اللوائح القائمة ، ومن بين هذه الاختصاصات التي ناطها به المشرع الحق في فرض رسوم ذات طابع محلي ، أو تعديلها ، أو تقصير أجل سريانها ، أو الإعفاء منها ، أو إلغائها ، شريطة موافقة مجلس الوزراء على ذلك .

ومن حيث إن الرسم موضوع التداعي يتعلق بالنظافة الشاملة للمحافظة .

ومن حيث إن النظافة العامة انتظمها قانون صدر باسمها في مصر هو القانون رقم 38 لسنة 1967م الذي نص في المادة ( ) منه على " يجوز للمجالس المحلية فرض رسم إجباري يؤديه شاغلو العقارات المبنية بما لا يجاوز 2% من القيمة الإيجارية ، وتخصص حصيلة هذا الرسم لشئون النظافة العامة . وينشأ في كل مجلس محلي يفرض فيه هذا الرسم صندوق للنظافة تودع فيه حصيلة هذا الرسم وحصيلة التصالح المنصوص عليه في الفقرة الثالثة من المادة التاسعة , وكذلك الاعتمادات التي تدرج في ميزانية المجلس للصرف منها على أعمال النظافة " ومن ثم ، فقد كان متعيناً على المجلس الشعبي المحلي في الطعن الماثل وهو بصدد دراسة فرض رسم محلي على النظافة الالتزام بما قيده به قانون الإدارة المحلية المشار إليه من قيود , أبرزها وأخصها مراعاة القوانين واللوائح القائمة ، بحيث يستند القرار الصادر بفرض الرسم إلى قانون يجيزه ، وأن يكون ذلك في حدود إجازته .

ولما كان قانون النظافة ، المشار إليه ، أجاز للمجالس المحلية فرض رسم إجباري يؤديه شاغلو العقارات المبنية ، بما لا يجاوز 2% من القيمة الإيجارية تخصص حصيلته لأغراض النظافة ، فما كان يتعين على المجلس المذكور بالمحافظة وقد استنفد سلطته المخولة بالنص المتقدم إعادة فرض رسم آخر لذات الغرض ، بل حتى فرض رسم إضافي يتجاوز به الحدود التي عينها القانون ، ومن ثم يغدو قرار المحافظة بفرض الرسم موضوع التداعي مخالفاً للقانون لافتقاره أساس الإلزام بفرض هذا الرسم من ناحية ولانطوائه من ناحية ثانية على ازدواج الرسم عن الوعاء الواحد ولو كان تحصيله يتم على أساس مغاير وهو شرائح الاستهلاك الكهربائي وهو أمر يأباه الدستور والقانون.

ومن حيث إنه لا يغير من ذلك القول بأن القرار الطعين كان يستهدف تحسين خدمة النظافة وزيادة الموارد اللازمة لأن ذلك لا يكون إلا عن طريق تدخل المشرع سواء بتعديل نسبة الرسم أو وعاء تحصيله احتراماً لمبدأ الفصل بين السلطات أو بزيادة الموارد اللازمة لتحسين مرفق النظافة .
ومن حيث إنه وقد توافر ركن الجدية على النحو المتقدم ، فقد توافر أيضاً ركن الاستعجال لما يترتب على تنفيذ القرار المطعون عليه من نتائج يتعذر تداركها تتمثل في الاعتداء على حقوق الأفراد وأموالهم بفرض رسم دون سند من القانون ، فضلاً عن تعرضهم لقطع التيار الكهربائي عن منازلهم ومنشآتهم بمعرفة شركات الكهرباء دون مقتض لمجرد امتناعهم عن سداد رسوم النظافة .

ومن حيث إن الحكم المطعون فيه إذ خالف هذه الوجهة من النظر فإنه يكون قد جانبه الصواب ، متعين الإلغاء ، وهو ما تقضي به هذه المحكمة ، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه ."

( الطعنين رقمى 13860 &14439 لسنة 49 ق0 عليا ـ جلسة 11/12/2004

الحكم الخاص برسم النظافة الوارد على فواتير الكهرباء

الحكم الخاص برسم النظافة الوارد على فواتير الكهرباء


أصدرت محكمة القضاء الإداري ( الدائرة الأولى ) بجلستها المنعقدة علناً يوم الثلاثاء الموافق 9 / 12 / 2003
برئاسة السيد الأستاذ المستشار / فاروق على عبد القادر رئيس محكمة القضاء الإداري
وعضو الأستاذين المستشارين / احمد محمد الشاذلي / عبد السلام عبد المجيد النجار نائب رئيس مجلس الدولة
وحضور السيد الأستاذ المستشار / عماد محمد عبد الرحيم مفوض الدولة
وسكرتارية السيد / سامي عبد الله أمين السر
الحكم الأتي في الدعوى رقم 1980 لسنة 57 ق
المقامة ضد :
1 - وزير الكهرباء .
2 - محافظ الجيزة .
3 - رئيس الشركة القابضة لهيئة الكهرباء .
4 - رئيس الهيئة العامة للنظافة بالجيزة .

المقامة ضد :
1 - وزير الكهرباء والطاقة .
2 - الممثل القانوني لشركة القاهرة لتوزيع الكهرباء بالدقي .
3 - الممثل القانوني للشركة القابضة للكهرباء .
4 - محافظ الجيزة .
5 - رئيس حي جنوب الجيزة .
6 - رئيس الهيئة العامة للنظافة والتجميل بالجيزة .
7 - وزير الدولة للإدارة المحلية .
8 - رئيس مجلس الشعب .
9 - زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية

الوقائع :

فوجئ سكان الجيزة بفواتير تحصيل الكهرباء مضافاً إليها بند ( جمع المخلفات ) دون سابق إنذار أو توجيه أو الإعلان عن ذلك وقد بدأ التحصيل من أول شهر مايو لعام 2003 وبالاستفسار عن ذلك تم بيان بأن ذلك قد تم بناء على قرارات صادرة من المدعي عليهم .........
و أضاف المدعي شرحاً للدعوى أن نظام التحصيل المعمول به ( المطعون عليه ) و الذي ربط تحصيل قيمة جمع القمامة باستهلاك الكهرباء أدى إلى زيادة هذه القيمة مع زيادة إستهلاك الكهرباء والذي أدى بدورة إلى ارتباك بين المواطنين لإختلاف أوضاع الدفع وهذه الإجراءات قد جاءت بالمخالفة للقانون وحقوق المواطنين التي كفلها الدستور والتي تحميهم من أي قرارات مجحفة تؤدى إلي الأضرار المادي والمعنوي في ظل الظروف الاقتصادية التي يعاني منها الجميع وبصفة خاصة محدودي الدخل ................
وكل ذلك يمثل مخالفة لحكم المادة ( 119 ) من الدستور وقد طلب المدعون الحكم بقبول الدعوى شكلاً وبصفه مستعجلة بوقف تنفيذ تحصيل جمع المبالغ المالية المطالب بها لجمع المخلفات على فاتورة الكهرباء وفي الموضوع بإلغاء القرار والزام المدعي عليهم بالمصروفات .


وقد حددت المحكمة جلسة 17 / 6 / 2003 لنظر الشق العاجل في الدعوى وبهذه الجلسة قدم الحاضر عن الهيئة العامة للنظافة والتجميل مذكرة بدفاع طلب في ختامها الحكم برفض الدعوى بشقيها مع إلزام رافعها بالمصروفات استناداً إلي أن القرارات الصادرة بشان موضوع الدعوى هي قرارات اللجنة الوزارية برئاسة رئيس مجلس الوزراء في 1 / 4 / 2000 وبهذه الجلسة طلب الحاضر عن المدعين ترك الخصومة بالنسبة للمدعي عليه التاسع . وقد قررت المحكمة ضم الدعويين معاً وتداولت الجلسات بالمحكمة وبجلسة 18 / 11 / 2003 قررت المحكمة حجز الدعوى للحكم بجلسة 9 / 12 / 2003 .


المحكمة


بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد إتمام المداولة قانوناً :
حكمت المحكمة



أولا : بإثبات ترك الخصومة بالنسبة للمدعي عليه التاسع و ألزمت المدعين بالمصروفات إعمالا لحكم المادة ( 184 ) مرافعات .

ثانيا: بقبول طلب تدخل الخصوم المنضمين إلى المدعين وبعدم قبول الدعوى لرفعها علي غير ذي صفة بالنسبة للمدعى عليه الثامن0 وبرفض الدفع المبدئي من المدعى عليهم بعدم قبول الدعويين لرفعها على غير ذي صفة و بقبولهما شكلا وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه ( قرار محافظ الجيزة رقم 7351 لسنة 2003 ) مع ما يترتب على ذلك من أثار أخصها عدم تحصيل قيمة رسوم النظافة المحملة على فواتير الكهرباء وألزمت المدعى عليهم بمصروفات الطلب العاجل وأمرت بإحالة الدعوى إلي هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني في طلب الإلغاء.

10 أبريل 2011

حالات وقف الدعوى و ما يترتب عليها من أحكام

1- الوقف الوجوبى: أوجب القانون فى بعض الحالات على المحكمة أن تأمر بوقف الدعوى لحين الفصل فى مسألة متعلقة بالدعوى أو أن تكون طارئة و من هذه الحالات... v)_1) ما تنص عليه المادة 162 مرافعات بشأن رد القضاة، فتوقف الدعوى وجوبياً إلى أن يفصل فى طلب الرد بحكم نهائى.... v)2( و كذا ما نصت عليه المادة 456 إجراءات جنائية و التى توجب وقف السير فى الدعوى المدنية عند رفع الدعوى الجنائية عن ذات الفعل و حتى يقضى فى الدعوى الجنائية. و ما نصت عليه المادة 16 من القانون رقم 46 لسنة 1972 فى شأن السلطة القضائية، و التى أوجبت أيضاَ حال دفع الدعوى دفعاً يثير نزاعاً تختص بالفصل فيه جهة قضاء أخرى أوجبت على المحكمة قبل الحكم فى موضوع الدعوى أن توقفها و تحدد للخصم الموجه إليه الدفع ميعاداً يستصدر فيه حكماً نهائياً من الجهة المختصة......... م 16 من القانون رقم 46 لسنة 1972:( إذا دفعت قضية مرفوعة أمام المحكمة بدفع يثير نزاعاً تختص بالفصل فيه جهة قضاء أخرى وجب على المحكمة إذا رأت ضرورة الفصل فى موضوع الدعوى أن توقفها و تحدد للخصم الموجه إليه الدفع ميعاداً يستصدر فيه حكماً نهائياً من الجهة المختصة و إن لم ترى لزوماً لذلك أغفلت الدفع و حكمت فى موضوع الدعوى) 2- الوقف الجزائى: ** و فى سبيل عدم إطالة أمد التقاضى، للمحكمة أن توقف الدعوى جزاءاً إذا تخلف المدعى عن إيداع مستنداته فى الميعاد أو عن تنفيذ أى إجراء كلفته به المحكمة بعد أن تسمع المحكمة أقوال المدعى عليه و أن تثبت موافقته على الوقف حتى لا يضار المدعى عليه من الوقف، و ينص القانون على منع الطعن فى الحكم الصادر بالغرامة أما الوقف فلم ينص القانون على منع الطعن فيه و لذلك يجوز الطعن فيه من المدعى و من المدعى عليه إذا لم تكن قد سمعت أقواله أو كانت قد سمعت و لم يوافق على الوقف و يمتنع عليه الطعن إذا كان قد سبق و أن وافق على الوقف .. و قد نص على الوقف الجزائى فى المادة 99 مرافعات ( المقابلة للمادة 102 من القانون القديم و قد عدلت بالقانون 23 لسنة 1992 و التى استحدثت فى الفقرة الثالثة حكماً بوجوب تعجيل الدعوى خلال ثلاثين يوماً تبدأ من اليوم الذى تنتهى فيه مدة الوقف و أوجب على المحكمة فى حالة تعجيلها بعد انقضاء هذه المدة الحكم باعتبار الدعوى كأن لم تكن كما أوجب عليها الحكم باعتبار الدعوى كأن لم تكن فى حالة عدم تنفيذ المدعى ما أمرت به المحكمة بعد أن كان هذا الأمر جوازياً للمحكمة فى المادة قبل تعديلها. م 99 مرافعات : تحكم المحكمة على من يتخلف من الخصوم أو من موظفى المحكمة عن القيام بأى إجراء من إجراءات المرافعات فى الميعاد الذى حددته له المحكمة بغرامة لا تقل عن عشرة جنيه و لا تجاوز مائة جنيه و يكون ذلك بقرار يثبت بمحضر الجلسة له من الأحكام من القوة التنفيذية. و لا يقبل الطعن فيه بأى طريق و لكن للمحكمة أن تقيل المحكوم عليه عن الغرامة كلها أو بعضها إذا أبدى عذراً مقبولاً. و يجوز للمحكمة بدلاً من الحكم على المدعى بالغرامة أن تحكم بوقف الدعوى لمدة لا تجاوز ثلاثة أشهر و ذلك بعد سماع أقوال المدعى عليه. و إذا مضت مدة الوقف و لم يطلب المدعى السير فى دعواه خلال الثلاثين يوماً التالية لانتهائها، أو لم ينفذ ما أمرت به المحكمة، حكمت المحكمة باعتبار الدعوى كأن لم تكن. 3- الوقف الاتفاقى : ** و كثيراً ما قد يعترض الخصوم من أسباب تدعوا إلى إرجاء نظر الدعوى مدة كافية تتيح لهم تحقيق صلح أو إحالة للتحكيم أو لأى سبب مشترك آخر فيما بينهم، فبدلاً من تكرار التأجيل الذى قد لا توافقهم المحكمة على منحه أو على أمده، فقد خول القانون للخصوم هذا الحق بالاتفاق فيما بينهم لمدة لا تزيد عن ستة أشهر من تاريخ إقرار المحكمة لاتفاقهم، فإذا مضت و لم تعجل الدعوى من الخصوم فى الثمانية أيام التالية لنهاية الأجل اعتبر المدعى تاركاً لدعواه و المستأنف تاركاً استئنافه و ذلك بالنص عليه فى المادة 128 من قانون المرافعات ( المطابقة تماماً لنص المادة 292 من قانون المرافعات القديم ) . م 128 مرافعات: " يجوز وقف الدعوى بناء على اتفاق الخصوم على عدم السير فيها مدة لا تزيد على ستة أشهر من تاريخ إقرار المحكمة لاتفاقهم و لكن لا يكون لهذا الوقف أثر فى أى ميعاد حتمى يكون القانون قد حدده لإجراء ما. و إذا لم تعجل الدعوى فى ثمانية الأيام التالية لنهاية الأجل اعتبر المدعى تاركاً دعواه و المستأنف تاركاً لاستئنافه." 4- الوقف التعليقى : ** كما أناط القانون – فى غير الأحوال التى نص فيها القانون على وقف الدعوى وجوباً أو جوازاً– للمحكمة تعليق البت فى الدعوى على صدور حكم فى مسألة أخرى, أو اتخاذ إجراء معين أو تقديم دليل بذاته ترى ضرورة اتخاذه أو استيفائه. و وقف المحكمة للدعوى حتى يتخذ هذا الإجراء أو يقدم هذا الدليل، يجعل حكم الوقف قطعى فيما تضمنه من عدم جواز الفصل فى موضوع الدعوى قبل تنفيذ مقتضاه ما دامت ظروف الدعوى لم تتغير عما كانت عليه حين قضى بذلك، و ذلك بالنص عليه فى المادة 129 مرافعات ( المعدلة للفقرة الثانية لنص المادة 293 من قانون المرافعات القديم و التى كانت تنص على : و بمجرد زوال سبب الوقف تستأنف الدعوى بقوة القانون سيرها من النقطة التى وقفت عندها. و يقوم قلم الكتاب بتعجيلها إذا اقتضت الحال. ). م 129 مرافعات: " فى غير الأحوال التى نص فيها القانون على وقف الدعوى وجوباً أو جوازاً يكون للمحكمة أن تأمر بوقفها كلما رأت تعليق حكمها فى موضوعها على الفصل فى مسألة أخرى يتوقف عليها الحكم. و بمجرد زوال سبب الوقف يكون للخصوم تعجيل الدعوى. " و لقد حذف المشرع فى المادة 129 من القانون الجديد، ما كانت تنص عليه المادة 293 من القانون القديم، من أن الدعوى تستأنف سيرها بقوة القانون بمجرد زوال سبب الوقف ..... كما أنه فى القانون الجديد، ألقى على عاتق الخصوم تعجيل الدعوى بدلاً من قلم الكتاب كما ينص القانون القديم. و الجدير بالذكر، أن المذكرة الإيضاحية للتقنين الحالى، لم تتعرض للتعديل الذى أدخله على حكم الفقرة الثانية من ذات المادة، و لم تبين هذه الفقرة كيفية إجراء التعجيل ........... تعجيل الدعوى بعد وقفها اتفاقاً يقتضى اتخاذ إجراءين هما تحديد جلسة جديدة لنظرها حتى تستأنف الدعوى سيرها أمام المحكمة، و إعلان الخصم بهذه الجلسة و بشرط أن يتم الإعلان صحيحاً قبل انتهاء الثمانية أيام التالية لانتهاء مدة الوقف ، و لا ينال من ذلك ما تنص عليه المادة 63 مرافعات و لا المادة 67 مرافعات، فلا يلتزم قلم الكتاب بتسليم صحيفة التعجيل لقلم المحضرين و إنما يكون لصاحب الشأن بعد تقديم الصحيفة لقلم الكتاب أن يتسلمها ليقدمها لقلم المحضرين لإعلانها و ذلك باعتباره أمر تفرضه طبيعة الأجل القانونى القصير الذى حدده المشرع و الجزاء الذى رتبه على تجاوزه دون الإعلان. ( 6 / 3 / 1991 طعن 1228 سنة 1983 ) .. فى الوقف الاتفاقى م 128 مرافعات، إذا تعدد الخصوم وجب اتفاق جميع الخصوم سواء أكانوا أصليين أو متدخلين، و يرى البعض جواز الوقف الجزئى عند قابلية الخصومة للتجزئة ..... ، و تسرى مدة الوقف من تاريخ صدور قرار المحكمة لا من تاريخ الاتفاق. و لا يؤثر الوقف على أى ميعاد حتمى أى يترتب على مخالفته سقوط الحق فى اتخاذ إجراء فيسرى هذا الميعاد رغم الوقف . إذ يقتصر أثر الوقف الاتفاقى على وقف الإجراءات التى لم يحدد لها القانون ميعاداً حتمياً. و لا يجوز خلال مدة الوقف اتخاذ أى إجراء و إلا كان باطلاً غير أن الخصومة تعتبر قائمة منتجة لكل آثارها، فإذا انتهت حالة الوقف استأنفت الخصومة سيرها من النقطة التى وقفت عندها مع الاعتداد بكل الإجراءات السابقة. و لا تملك المحكمة العدول عن مدة الوقف إلا إذا تغيرت الظروف التى أدت إلى الوقف و بشرط أن يكون ذلك قبل انتهاء مدة الوقف. فإذا كانت المدة قد انتهت، زالت سلطة المحكمة فى العدول عنه لتعلق حق الخصوم به. و فى مجال الوقف الحاصل بالمادة 128 أيضاً، لا يكتسب قرار الوقف حجية الأمر المقضى، فيجوز تعجيل الدعوى قبل انتهاء الأجل و لو اعترض الطرف الآخر ( 28 / 6 / 1978 - ط 223 – س 25 ق ) و لا يجوز الطعن فى القرار إلا إذا كان قد صدر بغير موافقة الطاعن. و يترتب على عدم تعجيل الدعوى فى الميعاد السالف اعتبار الدعوى كأن لم تكن.... و هو جزاء و يقع بقوة القانون .... و ليس للمحكمة حياله سلطة تقديرية عند طلبه.... إلا أنه لا يتعلق بالنظام العام فيتعين أن يتمسك به صاحب الشأن قبل التعرض للموضوع و إن كان لا يلزم إبدائه فى الجلسة الأولى التالية للتعجيل .... و يترتب على الحكم باعتبار الدعوى كأن لم تكن نفس الآثار المترتبة على ترك الخصومة.... و إذا كان الخصم هو الذى تسبب فى عدم إتمام صحيفة التعجيل إليه فى الميعاد فلا يكون له التمسك بتوقيع جزاء عدم إتمام التعجيل خلال الميعاد.. و لا يلزم أن يكون فعله هو السبب الرئيسى أو الوحيد أو العادى أو المباشر، فإذا كان لم يخطر الطرف الآخر بتغيير موطنه عملاً بالفقرة الثانية بالمادة 12 مرافعات فلما وجه إليه الإعلان وردت إجابة بأنه انتقل إلى مكان آخر فلما أعلنه فيه وردت إجابة بعدم الاستدلال عليه فيه فلما اهتدى إلى موطنه الجديد و أعلنه فيه كان قد فات الميعاد فإنه لا يجوز للمعلن إليه التمسك بتوقيع الجزاء. ( 5 / 12 / 1983 طعن 420 – 2370 – 2386 سنة 52 ق ) يتعين للوقف بموجب م 129 مرافعات، أن يكون الفصل فى المسألة الأخرى ضرورياً للفصل فى الدعوى .... فلا يكفى مجرد الارتباط .... و أن يكون من غير الممكن أن تستخلص حكمها من الأوراق .... و أن يكون الفصل فيها مما لا يدخل فى اختصاص المحكمة .... كما يجب أن يكون النزاع حول هذه المسألة نزاعاً جدياً .... و تقدير جدية النزاع يخضع لتقدير المحكمة .... و من ثم يكون طلب الوقف جوازياً لها .... و قرار القاضى برفض طلب الوقف لا يقبل الطعن على استقلال .... كما لا يجوز النعى على حكمها بعدم استعمالها الرخصة التى خولها القانون بوقف الدعوى .... و فى ذلك قضت محكمة النقض: " من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الوقف التعليقى للدعوى طبقاً لنص المادة 129 من قانون المرافعات هو أمر جوازى لها متروك لمطلق تقدير المحكمة حسبما تستبينه من جدية المنازعة فى المسألة الأولية الخارجة عن اختصاصها أو عدم جديته " مجموعة أحكام النقض 31 – 1646 – 25 / 3 / 1992 طعن 2051 سنة 55 قضائية . الحكم بوقف الدعوى حتى يفصل فى مسألة أخرى( م 129 )، هو حكم قطعى فيما تضمنه من عدم جواز الفصل فى موضوع الدعوى قبل تنفيذ مقتضاه بحيث يمتنع على المحكمة معاودة النظر فى هذا الموضوع دون أن يقدم إليها الدليل على تنفيذ هذا الحكم.طعن 82 سنة 58 ق – 19 / 1 / 1993 . تعجيل الدعوى من الوقف لا يتم إلا بإجراءين، أولهما تحديد جلسة لنظرها و ثانيهما إعلان الخصم بهذه الجلسة قبل انقضاء سنة من تاريخ صدور الحكم النهائى فى المسألة التى أوقفت الدعوى إلى حين الفصل فيها، و لا عبرة بتاريخ إيداع صحيفة التعجيل قلم الكتاب، و إنما يتم إعلانها إعلاناً قانونياً صحيحاً خلال الميعاد ( طعن 2075 – 2212 سنة 52 ق جلسة 27 / 3 / 1989 ) " . يترتب على الوقف التعليقى ما يترتب على الوقف الاتفاقى مع وقف جميع المواعيد الإجرائية و لو كانت حتمية إذ يعتبر عذراً مانعاً من مباشرة خصومة الدعوى بما مؤداه وقف تقادم الخصومة بمضى المدة وفقاً للمادة 140 مرافعات" 17 / 5 / 1984 طعن 1921 سنة 50 ق مجموعة أحكام النقض 35 – 1347 " لا يجوز للمحكمة أن تقضى بوقف الفصل فى موضوع الدعوى لحين الفصل فى مسألة أخرى يتوقف عليها هذا الفصل إلا بعد أن يتحقق لها أن الدعوى استقامت من حيث شكلها.. مناط وقف الدعوى المدنية انتظاراً للفصل فى الدعوى الجنائية هو أن تكون الواقعة الجنائية لازمة للفصل فى الحق المدعى به........... نقض 24 / 2 / 1979 السنة 30 ص 53. لا تحتسب مدة الوقف التعليقى فى مدة سقوط الخصومة المنصوص عليها فى المادة 134 مرافعات كما لا تحتسب تلك المدة فى مدة انقضاء الخصومة المنصوص عليها بالمادة 140 مرافعات.( 6 / 3 / 1986 طعن 320 السنة 51 ق ) – ( 17 / 5 / 1984 طعن 1821 سنة 50 ق ). فى الوقف الجزائى م 99 مرافعات: الحكم بوقف الدعوى جزاء لا يكون إلا جزاء تخلف المدعى عن تنفيذ ما أمرت به المحكمة فلا يجوز توقيعه بداءة جزاء تخلف المدعى عليه عن تنفيذ ما أمرته به المحكمة .... و توقيع هذا الجزاء جوازى للمحكمة .... و لا يجوز لها توقيعة إلا بعد سماع أقوال المدعى عليه فى شأنه و موافقته على توقيعه .... و إذا تعدد المدعون و وقعت المخالفة من أحدهم، امتنع الحكم بالوقف الجزائى حتى لا يضار باقى المدعين لسبب لا يد لهم فيه .... و إذا تعدد المدعى عليهم، وجب سماع أقوالهم جميعاً قبل الحكم بوقف الدعوى جزاءاً .... الحد الأقصى للوقف الجزائى ثلاثة أشهر و يجوز للمحكمة أن تقضى بالوقف الجزائى لمدة أقل تبعاً لما تراه من ظروف الدعوى و ملابساتها.... و لا يجوز تعجيل الدعوى الموقوفة جزاءاً قبل انقضاء مدة الوقف حتى لو كان المدعى قد نفذ ما أمرته به المحكمة .... و إذا حدث بخلاف ذلك، تعين إعادة الدعوى للوقف لاستكمال مدة الجزاء الذى أوقعته المحكمة.... و الحكم بوقف الدعوى، حكم قطعى فرعى يجوز استئنافه على استقلال عملاً بالمادة 212 مرافعات.... الطعن رقم 1632 السنة 52 – 20 / 3 / 1986 .... يجوز تكرار الحكم بالوقف الجزائى فى الدعوى الواحدة .... يقع عبء تعجيل الدعوى على عاتق المدعى .... التعديل الذى أدخله القانون 23 لسنة 1992 المعمول به اعتباراً من 1 / 10 / 1992 أوجب على المدعى طلب السير فى الدعوى خلال الثلاثين يوماً التالية لانتهاء مدة الوقف، و إلا حكمت المحكمة باعتبار الدعوى كأن لم تكن.... و يتعين تنفيذ ما أمرت به المحكمة مما كان سبباً للوقف الجزائى قبل الجلسة المحددة لنظر الدعوى عند تعجيلها من الوقف، فلا يغنى إعلان صحيفة التعجيل فقط.... و الحكم باعتبار الدعوى كأن لم تكن يقبل الطعن بطرق الطعن المناسبة تسرى أحكام سقوط الخصومة على كل خصومة كما تسرى على كافة صور عدم السير فى الدعوى بعد بدئها و قبل صدور حكم فى موضوعها، أياً كان سبب عدم السير سواء كان الوقف أو الانقطاع أو غير ذلك من الصور." نقض الحكم يزيل الحكم المنقوض، و يكون تعجيل الدعوى لتستأنف سيرها بتكليف بالحضور يتم بناء على طلب من يهمه الأمر من الخصوم إلى الطرف الآخر خلال سنة من تاريخ حكم النقض و إلا كان لكل ذى مصلحة التمسك بسقوط الخصومة لانقضاء سنة من آخر إجراء صحيح من إجراءات التقاضى " ( 14 / 1 / 1988 طعن 1801 سنة 54 ).. و يلاحظ فى هذا الصدد أن التعديل الوارد بالفقرة الأخيرة من المادة 99 مرافعات أوجب تعجيل الدعوى من الوقف الجزائى خلال الثلاثين يوماً التالية لنهاية مدة الوقف و إلا حكمت المحكمة باعتبار الدعوى كأن لم تكن و هو ما يتيح للمدعى عليه بعد انتهاء هذا الأجل اللجوء إلى المحكمة لاستصدار حكماً باعتبار الدعوى كأن لم تكن بدلاً من انتظار سنة لاستصدار حكماً بسقوط الخصومة. م 134 مرافعات :" لكل ذى مصلحة من الخصوم فى حالة عدم السير فى الدعوى بفعل المدعى أو امتناعه أن يطلب الحكم بسقوط الخصومة متى انقضت سنة من آخر إجراء صحيح من إجراءات التقاضى. " .... و تبدأ مدة سقوط الخصومة اعتباراً من اليوم التالى لآخر إجراء صحيح فى الدعوى و تنتهى بانتهاء اليوم المماثل لهذا التاريخ من العام التالى .... و لا يعتبر الميعاد مرعياً إلا إذا تم إعلان المدعى عليه أو المستأنف عليه بصحيفة التعجيل إعلاناُ صحيحاً خلال الميعاد .... و يقف ميعاد السقوط بالقوة القاهرة أو المانع المادى و من ذلك الفيضان و انقطاع المواصلات لإضراب عام أو حرب أو فتنة و لا يعتبر من قبيل ذلك السفر للخارج للعلاج ما دام المرض لا يفقد الشخص أهليته و لا يصيبه بالعجز عن تصريف شئونه أو التعبير عن إرادته فى تكليف من ينوب عنه فى طلب السير فى الدعوى ( 6 / 2 /1980 طعن 253 سنة 47 مجموعة أحكام النقض المدنية 31 -427 ) .... و لا يعتبر الجهل بورثة الخصم الذى انقطع سير الخصومة بسبب وفاته أو صفاتهم أو مواطنهم عذراً مانعاً من سريان مدة السقوط .... و لا يعتبر اللجوء للقضاء المستعجل مانعاً من تعجيل دعوى الموضوع .... إذا تحقق أثناء مدة السقوط سبب من أسباب الانقطاع فيمن كان يقع عليه واجب تعجيلها فإنه يتعين إعمال حكم المادة 135 مرافعات، فيقع على عاتق المدعى عليه إعلان من حل محل من قام فيه سبب الانقطاع بوجود الدعوى و تبدأ مدة السقوط فى حق الأخير اعتباراً من تاريخ هذا الإعلان .... و يشترط للحكم بسقوط الخصومة توافر شرطين: أولهما : أن يرجع عدم السير فى الدعوى إلى فعل المدعى أو امتناعه سواء كان هذا عن قصد منه أو عن إهمال. و ثانيهما : أن يستمر عدم السير مدة سنة تبدأ من اليوم التالى لتاريخ آخر إجراء صحيح فى الدعوى و تتم بانتهاء اليوم المماثل لهذا التاريخ من العام التالى دون أن يتخذ فيها إجراء قاطع للمدة من السقوط .... و يشترط أن يكون هذا الإجراء صحيحاً فى ذاته أو أن يعتبر كذلك بعدم التمسك بتعييبه فى الوقت المناسب ( 5 / 4 / 1977 فى الطعن 119 لسنة 43 ق مجموعة أحكام النقض المدنية 28 – 909 )كما يشترط فيه أن يكون من إجراءا ت الخصومة ذاتها و مقصوداً فيه موالاة السير فيها .... و يجوز التمسك بسقوط الخصومة فى صورة دفع إذا عجل المدعى دعواه بعد إنقضاء السنة م 136 مرافعات.

بحث حول طرق الطعن بالنقض(( جزائر))

نصت الفقره الأولى من الماده30 من قانون حالات و اجراءات الطعن بالنقض رقم57 لسنه 1959 المعدله بالقانون رقم 74 لسنه 2007 على أنه " لكل من النيابه العامه و المحكوم عليه و المسئول عن الحقوق المدنيه و المدعى بها الطعن بالنقض فى الحكم النهائى الصادر من أخر درجه فى مواد الجنايات و الجنح و ذلك فى الاحوال الاتيه :
1- اذا كان الحكم المطعون فيه مبنيا على مخالفه للقانون أو خطأ فى تطبيقه و تأويله .
2- اذا وقع بطلان فى الحكم .
3- اذا وقع فى الاجراءات بطلان أثر فى الحكم"
من هذه الفقره يتضح أن الطعن أمام محكمه النقض فى الاحكام النهائيه الصادره من محكمه الجنايات و محكمه الجنح المستأنفه لا يعتبر درجه من درجات التقاضى الموضوعى تطرح فيه الدعوى للبحث من جديد أنما هو طعن من نوع خاص تطرح بصدده خصومه خاصه حيث يختصم فيه الحكم الجنائى النهائى ليكشف عن مدى تطبيق القانون فيه من عدمه و لذلك يمكن القول بأنه تجريح و تمحيص للحكم النهائى من جهه السلامه القانونيه أو محاكمه قانونيه للحكم الجنائى.
و محكمه النقض بوصفها محكمه قانون فهى بالتالى لا تعير اهتماما للتحدث أمامها فى الموضوع أو الواقع لذلك فان أسباب الطعن بطريق النقض يجب أن تكون أسبابا قانونيه لا علاقه لها بالواقع و هنا يثور السؤال ما هو الواقع أو لموضوع الذى يمتنع جعله سببا لنقض الحكم الجنائى و ما المقصود بالقانون الذى هو صفه يجب توافرها فى أسباب الطعن بالنقض فقد يختلط الامر بحيث يكون الاول مقدمه لازمه لبحث الأخير؟
الحقيقه أن معرفه المقصود بالموضوع يظهر لنا أذا أمعنا النظر فى عمل القاضى الجنائى الموضوعى فان هذا الاخير يقوم بعمليتين أثناء بحثه للدعوى الجنائيه الأولى هى قيامه بجمع الأدله و تمحيصها و ثانيهما هو تكوين العقيده فى الدعوى بناء على ماتم جمعه من أدله بغيه كشف الحق فى الدعوى و هى ما تسمى بعمليه الاستقصاء القضائى.و عليه فانه يمكننا الان تحديد الواقع أو الموضوع الذى يمتنع أبدائه باسباب النقض بانه كل ما يدخل فى مفهوم عمليه الاستقصاء القضائى التى هى من صميم عمل قاضى الموضوع و عليه لا يجوز مثلا الطعن بالنقض على الحكم الجنائى و طلب أضافه دليل لم يتم طرحه أمام محكمه الموضوع كسماع شهود أو أستجواب متهم أو الانتقال لمعاينه أو مواجهه و لا طلب ندب خبير بالدعوى و لا حتى التحدث فى مفردات و عناصر هذه الادله لان هذه الاسباب و الطلبات تدخل فى مفهوم عمليه الاستقصاء القضائى الذى يقوم به قاضى الموضوع و الذى فرغ من عمله صبيحه صدور لحكم الجنائى . كذلك لا سبيل للطعن فى عقيده قاضى الموضوع الذى له مطلق الحريه فى تكوينها فى الدعوى حيث نصت الماده 302 من قاون الاجراءات الجنائيه على أن" يحكم القاضى فى الدعوى حسب العقيده التى تكونت لديه بكامل الحريه " غير أن عقيده القاضى ليست من أطلاقاته بل يجب على قاضى الموضوع أن يلتزم فى تكوين عقيدته بالادله و الطرق التى حددها القانون فيجب أن ترتكن تلك العقيده على طرق الاثبات المحدده فى القانون على سبيل الحصر فليس للقاضى أن يحكم فى الدعوى الجنائيه بعلمه الشخصى مثلا و لا بدليل باطل .
أما عن القانون الذى يجب أن ترتكن عليه أسباب الطعن بالنقض فهو القانون الجنائى بالمعنى الواسع أى قانون العقوبات و قانون الاجراءات الجنائيه فقاضى الموضوع ملزم بأن تتسق أحكامه مع القانون فأن خالفته كان هذا مطعنا يجوز أتخاذه سببا لنقض الحكم .
أسباب نقض الحكم الجنائى
أولا مخالفه القانون
مخالفه القانون تعنى أن القاضى الجنائى لم يطبق نصا قانونيا على الواقع كان يجب تطبيقه لخطأ منه فى تكييف الدعوى أو أنه أغفل تطبيق نص قانونى كان واجب التطبيق على الدعوى و النص القانونى المقصود به نصوص قانون العقوبات أو قانون الاجراءات الجنائيه كما أوضحنا سلفا.و من أمثله سبب مخالفه القانون ما يأتى :
(أ) الخطأ فى وصف الواقعه لا نه و كما تقول محكمه النقض أن المحكمه غير مقيده بالوصف الذى تسبغه النيابه العامه للواقعه كما أوردت بأمر الاحاله أو بأمر التكليف بالحضور بل أن واجبها أن تطبق على الواقعه المطروحه عليها وصفها الصحيح طبقا للقانون لأن وصف النيابه العامه ليس نهائيا بطبيعته و ليس من شأنه أن يمنع المحكمه من تعديله متى رأت أن ترد الواقعه بعد تمحصيها الى الوصف القانونى الذى ترى أنه السليم .
(ب) أغفال الحكم المطعون فيه مبدأ تطبيق القانون الأصلح للمتهم المنصوص عليه بالماده الخامسه من قانون العقوبات.
(ج) صدور الحكم المطعون فيه من محكمه غير مختصه .
(د) عدم تطبيق الحكم المطعون فيه لأسباب الاباحه و موانع العقاب
كعدم الأخذبسب الاباحه المتمثل فى حاله الدفاع الشرعى .
(ه) عدم أخذالحكم المطعون فيه بالظروف المخففه فى الدعوى رغم أتطلاع المحكمه عليها بالاوراق .
(و) مخالفه الحكم المطعون فيه لمبدأ الا يضار الطاعن بطعنه .
ثانيا : الخطأ فى تطبيق القانون
الخطأ فى تطبيق القانون معناه أن الحكم الجنائى لم يخالف القانون بل توصل القاضى الى الماده الصحيحه المنطبقه على الواقعه بالفعل الا أنه لم يحسن تطبيقها على هذه الواقعه . و مثال ذلك أن تكون المحكمه مع تطبيقها للماده الصحيحه للعقوبه أخطأت فى نوع العقوبه أو حكمت بأكثر من الحد المقرر بماده العقاب و منها ماقضت به محكمه النقض من أن " لما كانت العقوبه المقرره لجريمه الضرب المفضى الى الموت مع سبق الاصرار هى الاشغال الشاقه المؤقته أو السجن و كانت الماده 17 من قانون العقوبات التى أعملها الحكم تتيح النزول بعقوبه السجن الى عقوبه الحبس التالىه الذى لا يجوز ان تنقص عن ثلاثه أشهر و أنه و أن كان هذا النص يجعل النزول بالعقوبه المقرره للجريمه الى العقوبه التى أباح القانون النزول اليها جوازيا الا أنه يتعين على المحكمه أذا ما رأت أخذ المتهم بالرأفه و معاملته طبقا للماده 17 المذكوره ألا توقع العقوبه الا على أساس الوارد فى هذه الماده باعتبارها حلت بنص القانون محل العقوبه المنصوص عليها للجريمه لما كان ذلك و كانت المحكمه أذا أدانت الطاعنين فى جريمه الضرب المفضى الى الموت مع سبق الاصرار و الترصد و ذكرت فى حكمها أنها رأت معاملتهم طبقا لنص الماده 17 عقوبات و مع ذلك فقد أوقعت
عليهم عقوبه السجن و هى أحدى العقوبتين التخيرتين المقررتين لهذه الجريمه بالماده 236 عقوبات فانها تكون قد أخطأت فى تطبيق القانون أذا كان عليها أن تنزل بعقوبه السجن الى عقوبه الحبس".
ثالثا: الخطأ فى تأويل القانون
الخطأ فى تأويل القانون يكون عندما يعترى الحكم الجنائى الصادر من قضاء الموضوع سوء التفسير لنص القانون سواء هذا النص نص قانون العقوبات أو نص قانون الاجراءات الجنائيه و الأمثله على هذا السبب كثيره كخطأ المحكمه مثلا فى تفسير نص الماده 30 من قانون الاجراءات الجنائيه الخاصه بصور حالات التلبس .
رابعا: بطلان الحكم الجنائى
و يكون الحكم الجنائى باطلا عندما يغفل الحكم بيانا جوهريا كان يجب أيراده فيه و من أمثله ذلك :
(ا) أغفال الحكم الجنائى لبيان الواقعه المؤثمه و النصوص القانونيه التى حكم بمقتضاها
و فى ذلك تقول محكمه النقض انه لما كانت الماده 310 من قانون الاجراءات الجنائيه قد أوجبت أن يشتمل كل حكم بالادانه على بيان الواقعه المستوجبه للعقوبه بيان تحقق به أركان الجريمه و الظروف التى و قعت فيها و الادله التى أستخصلت منها المحكمه الادانه حتى يتضح و جه الاستدلال و سلامه مأخذها تمكينا لمحكمه النقض من مراقبه التطبيق القانونى على الواقعه كما صار بالحكم و الا كان قاصرا و لا يكفى فى هذه الحاله مجرد أحاله الحكم فى هذا البيان الى محضر ضبط الواقعه دون أيراد مضمونه و بيان و جه الاستدلال فيه على ثبوت التهمه بعناصرها القانونيه كافه الأمر الذى يعجز هذه المحكمه عن مراقبه صحه التطبيق القانونى السليم على الواقعه .
(ب) أغفال الحكم الجنائى المطعون فيه لنص ماده العقاب
و هو كما تقول محكمه النقض بيان جوهرى أقتضته قاعده شرعيه الجرائم و العقاب و لا يشفع أن يكون مسوده الحكم قد أوردت هذا البيان لأن العبره بنسخه الحكم الاصليه التى يحررها الكاتب و يوقع عليها القاضى و تحفظ بالملف.
(ج) بطلان الحكم الجنائى لبطلان و قع فى أجراءات أصداره أو تدوينه
وذلك كخطا الحكم فى شكل المحكمه أو وجود حاله من حالات عدم الصلاحيه للمحكمه أو أحد أعضائها او عدم توقيع القضاه الذين سمعوا المرافعه على الحكم و توقيع قضاه أخريين أو عدم النص على أخذ أجماع الأراء فى الحكم الصادر بالاعدام أو الصادر بتشديد العقوبه من المحكمه الاستئنافيه أو عدم النطق بالحكم فى جلسه علنيه .
(د) بطلان الحكم الجنائى لعيب التسبيب
بما أن القاضى الجنائى ملزم بتسبيب أحكامه لأن ذلك المسلك لهو الحمايه الحقيقيه ضد تحكمه و يخلق فى الوقت ذاته الطمأنيه لدى الكافه فى نذاهه الاحكام فأن عيوب التسبيب تعد سببا لنقض الحكم و هى تنقسم الى ثلاُث أنواع من العيوب :
الاول : أنعدام التسبيب بالكليه مثال أن تحكم محكمه الجنح المستأنفه فى جنحه بالادانه و لا تورد أسبابا لحكمها و لا تحيل الى أسباب الحكم الابتدائى المستأنف .
و يأخذ حكم أنعدام التسبيب أستحاله قراءه الاسباب
ثانيا: القصور فى التسبيب و هو يكون عندما يكون ما أبداه الحكم الجنائى من أسباب غير مؤديه عقلا و منطقا الى ما خلص اليه فى منطوقه.
ثالثا: التناقض فى التسبيب و هو يكون عندما يكون ما ساقه الحكم الجنائى من أسباب ينفى بعضها بعضا بحيث لا يعرف أى الأمرين تقصده المحكمه وأعتمدته فى عقيدتها النهائيه فى الدعوى و فى هذا تقول محكمه النقض أنه أذا أوردت المحكمه فى حكمها دليلين متعارضين فى ظاهرهما و أخذت بهما جميعا و جعلتهما عمادها فى ثبوت أدانه المتهم دون أن تتصدى لهذا التعارض و تبين ما يفيد أنها و هى تقضى كأنت منتبهه له و تمحصه و أقتنعت بعدم وجوده فى الواقع فانها تكون قد أعتمدت دليلين متعارضين لتناقضهما و هذا ما يجعل الحكم غير سليم .
(ه) الفساد فى الاستدلال و هو يكون عندما يكون الحكم الجنائى قائم على أجراءات باطله كقبض أو تفتيش باطل أو كان مستندا الى أستجواب مشوب بالبطلان.
(و) الخطأ فى الاسناد و يكون هذا السبب عندما يسوق الحكم الجنائى ضمن أسبابه أمرا لا أصل له فى الاوراق كأن يرد بالحكم و جود مستند عول عليه الحكم بالادانه لا وجود له بالاوراق أو أعترافا لاأصل له بها .
(ز) التعسف فى الاستنتاج و هذا السبب يكون عندما يكون الحكم الجنائى ظاهر فى قضائه مطلق التعسف للوصول الى ما خلص اليه و أن يكون ما خلص اليه مبنيا على التحكم و من ذلك ما قضت به محكمه النقض بان " القاضى لا يلجأ فى تقدير السن الى أهل الخبره أو الى ما يراه بنفسه الا اذا كان هذا السن غير محقق بأوراق رسميه و كان الحكم المطعون فيه قد أطلق القول بأن المجنى عليه لم يبلغ ثمانيه عشر عاما و قت و قوع الجريمه دون أن يبين تاريخ ميلاد المجنى عليه و الاساس الذى أستند اليه فى هذا فى جريمه قوامها السن فانه يكون معيب ." " نقض 3499 لسنه 35 ق
خامسا : بطلان الحكم لبطلان الاجراءات المؤثره فيه
يكون هذا السبب عندما يكون الحكم الجنائى قد أخل بحق الدفاع و أو بطلب جوهرى يتغير بالحتم وجه نظر المحكمه فيه أذا حققته كطلب سماع شهود نفى أو ندب خبير فى الدعوى.

الاسباب التى يعتمد عليها فى كتابة مذكرة ايداع الاسباب النقض

السبب الأول
بطلان الحكم المطعون فيه لقصوره في التسبيب والبيان
ورد نص المادة 176 من قانون المرافعات بأنه :

" يجب أن تشتمل الأحكام على الأسباب التي بنيت عليها وإلا كانت باطلة "

وقد استقر الفقه في تفسير ذلك النص على أن المقصود بتسبيب الحكم بيان الأدلة الواقعية والحجج القانونية التي بني عليها القاضي حكمه وأنه يقصد بضمانة تسبيب الأحكام :
1 ـ التحقق من أن القاضي قد أطلع على وقائع القضية وجميع المستندات والأوراق المقدمة فيها واتصل علمه بجميع ما أبداه الخصوم من طلبات ودفوع.
2 ـ التحقق من أن القاضي قد استخلص الوقائع الصحيحة في الدعوى من واقع إثبات يجيزه المشرع وتم صحيحاً في مواجهة أصحاب الشأن.
3 ـ التحقق من أن القاضي قد فهم ما أحاط بالدعوى من مسائل قانونية وأنه قد كيفها التكييف القانوني الصحيح بعد التحقيق من توافر شروطه وأنه قد أرسى عليها الآثار القانونية الصحيحة.
4 ـ التحقق من أن القاضي لم يخل بدفاع جوهري من شأنه لو صح لتغير وجه الرأي في الدعوى.
( التعليق على قانون المرافعات د / أحمد مليجي ـ الطبعة الثالثة ـ الجزء الثالث ص 825 وما بعدها )

كذلك استقر الفقه في هذا الشأن على أن :
" التسبيب يؤدي إلى تحقيق الرقابة التي قررها القانون على أعمال القضاء وأخصها رقابة محكمة النقض على سلامة تطبيق القانون وتفسيره ، فالقضاء المسبب يمكن المحكمة الأستئنافية من تقدير الأحكام المطعون فيها ، ويمكن محكمة النقض من مراقبتها حتى تشرف على تطبيق القانون وتقرير القواعد القانونية الصحيحة فيما يختلف فيه من المسائل وتثبيت القضاء بصددها ".
( أحمد أبو الوفا ـ نظرية الأحكام ـ بند 65 ـ ص 172 ، 173 / رمزي سيف ـ بند 533
ص 674 ، 675 مشار إليه بالمرجع السابق )
" النص في المادة 176 من قانون المرافعات على وجوب اشتمال الأحكام على الأسباب التي بنيت عليها وإلا كانت باطلة يدل على أن المشرع أراد أن يحمل الحكم آيات صحته وضمانات بلوغه الغاية المقصودة منه وذلك عن طريق التحقق من إطلاع القاضي على أوراق الدعوى ومستنداتها واتصال علمه بما أبداه الخصوم فيها من طلبات ودفوع ودفاع ، ومن أنه استخلص الوقائع الصحيحة في الدعوى من واقع تلك الأوراق ثم كيف هذا الفهم ثم طبق القانون على حاصل هذا التكييف تطبيقاً صحيحاً وقد رتب القانون البطلان على مخالفة ذلك أو إغفاله أو القصور في أسباب الحكم الواقعية ".
( الطعن رقم 1805 لسنة 49 جلسة 19/4/1983 )

السبب الثاني
مخالفة القانون و الخطأ في تطبيقه
لقد جاء الحكم المطعون فيه أيضاً وليد مخالفة القانون و الخطأ في تطبيقه وذلك
الناحية الأولى ( مخالفة القانون ) :
الناحية الثانية (مخالفة الواقع )
السبب الثالث
بطلان الحكم المطعون فيه لقصوره في الإحاطة بوقائع الدعوى
ومخالفة الثابت في أوراقها وإخلاله بحق الدفاع.
من حيث أنه من المقرر قانوناً وعلى ما استقرت عليه أحكام محكمة النقض أن :
" المقرر في قضاء محكمة النقض أن الحكم يجب أن يكون فيه بذاته ما يطمئن المطلع عليه أن المحكمة قد محصت الأدلة التي قدمت إليها توصلاً إلى ما تراه أنه
الواقع ، وإذا قدم الخصم لمحكمة الموضوع مستندات وتمسك بدلالتها فألتفت الحكم عن هذا الدفاع ولم يتحدث عن تلك المستندات بشيء مع ما قد يكون لها من دلالة ، ولو أنه عني ببحثها وفحص الدفاع المؤسس عليها لجاز أن يتغير وجه الرأي في الدعوى فإنه يكون مشوباً بالقصور ".
( 21/2/1991 طعن رقم 220 لسنة 55 ق )
كما قضت أيضاً فيما استقرت عليه من أحكام أنه :
" يجب لسلامة الحكم أن يؤسس على أسباب واضحة يسفر عنها تمحيص دفاع الخصوم ومنها ما استندوا إليه من أدلة واقعية وحجج قانونية ، وتحديد ما استخلص ثبوته من الوقائع وطريق هذا الثبوت ، وذلك تمكيناً لمحكمة النقض من بسط رقابتها على سلامة تطبيق القانون ".
( الطعن رقم 401 لسنة 44 ق جلة 27/4/1983 )
طلب
وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه

توافر شرطي طلب وقف التنفيذ وشرطي الحكم به:
ورد نص المادة 251 من قانون المرافعات المعدلة بالقانون رقم 76 لسنة 2007 تنص بأنه :
"لا يترتب على الطعن بطريق النقض وقف تنفيذ الحكم .
ومع ذلك يجوز لمحكمة النقض أن تأمر بوقف تنفيذ الحكم مؤقتاً إذ طلب ذلك في صحيفة الطعن وكان يخشى من التنفيذ وقوع ضرر جسيم يتعذر تداركه ......."

و مفاد النص سالف الذكر أن المشرع خول محكمة النقض سلطة الأمر بوقف تنفيذ الأحكام التي يطعن فيها أمامها طالما توافر شرطين : أولهما أن يرد هذا الطلب في صحيفة الطعن, وثانيهما أن يقدم قبل تمام التنفيذ ، كما يلزم للقضاء بوقف التنفيذ شرطين هما:-
1. خشية وقوع ضرر جسيم يتعذر تداركه فيما لو تم تنفيذ الحكم .
2. رجحان نقض الحكم المطعون فيه .
*** و من الثابت يقينا في شأن الطلب المقدم من الطاعن بالنقض الماثل توافر كافة الشروط اللازمة لقبول وقف التنفيذ و القضاء به , و هو ما نعرضه فيما يلي :
ثانياً : رجحان قبول الطعن وإلغاء الحكم المطعون عليه .
بنـاء عليـه

يلتمس الطاعن من الهيئة الموقرة
أولاً : قبول الطعن شكلاً لرفعه في الميعاد.
ثانياً : وبصفة مستعجلة وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه لحين الفصل في موضوع الطعن
ثالثاً : وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالته إلي محكمة لنظره أمام دائرة مغايرة
مع إلزام المطعون ضدهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.

وكيل الطاعن